كتاب الأزمنة والأمكنة

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني

كتاب الأزمنة والأمكنة

المؤلف:

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٦

واستعارة العجز لمن كان يمنحه عند السّلطان ويستخرج له ما عنده ويعينه.

والمعلّي الذي رشاؤه فوق الأرشية. ويقال : هو الذي إذا زاغ الرّشاء عن البكرة علاه فأعاده إليه. وأنشد الأصمعيّ شعرا :

ما ليلة الفقير إلّا شيطان

مجنونة تودي بروح الإنسان

يدعى بها القوم دعاء الصّمان

وهنا من الأنفس غير عصيان

الفقير : بئر قليلة الماء ورودها وجعلها شيطانا لما يلقون فيها من التّعب ، المعنى أنهم فتروا وضعفوا فكأنّهم صمّ من النّعاس ، وإنّما وصف قوم وردوا وسقوا وهنا من الأنفس : أي ضعفا من الأنفس لا عصيانا للرّاعي. ومثله لذي الرّمة :

كأني أنادي مائحا فوق رحلها

وفي غرفة والدّلو ناء قليبها

وقال الرّاعي :

حتّى وردن أتمّ خمس بائص

جدرا تعاوره الرّياح وبيلا

سدما إذا التمس الدّلاء نطافه

صادفن مشرقه المثاب دحولا

البائص : السّابق ، والبوص : الفوت والسّبق أي أتم خمس وبعده. والجدر : البئر الجديدة الموضع من الكلأ ، والوبيل : الثّقيل غير المريء. سدم : مندفنة ، والنطاف : المياه. والمثاب : هاهنا الموضع الذي يثوب منه الماء ، يقال : هذه بئر لها ثائب ، والمثاب في غير هذا الموضع قد يكون مقام السّاقي ، والدحول : بئر لها إرجاف. وأنشد الأصمعيّ :

أعددت للورد إذا الورد خفز

عريا حرورا وجلا لا خزخز

وما دحا لا ينثني إذا احتجز

في كلّ عضو جرذان وخزز

شبّه عضل المائح ولحمه المتفرّق في أعضائه بالجرذان. والخزز : هو ذكر اليرابيع هنا وفي مثله قال أبو النّجم شعرا :

في لحمه بالقرب كالتّزيل

ينماز عنه دخل عن دخل

أي تنفرج أعضاؤه من ثقل الدّلو وينماز : يصير كل قطعة لحم منه على حدة إذا تمطّى من ثقل الدّلو : يريد أنّ لحمه صار كتلا.

٣٨١

الباب الأربعون

في أسواق العرب

قال أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي ، في إسناد ذكره أنّ أسواق العرب الكبيرة كانت في الجاهلية ثلاث عشرة (١) سوقا.

فأوّلها قياما : سوق دومة الجندل : وهي على ثلاث عشرة مرحلة من المدينة ، وعلى عشر مراحل من الكوفة ، وعلى عشر مراحل من دمشق ، حصنها ممرد وبها التقى الحكمان ، ثم صحار ـ ثم دبا ـ ثم الشّحر ـ ثم رابية حضرموت ـ ثم ذو المجاز ـ ثم نطاة خيبرا ، ثم المشقر ـ ثم حجر باليمامة ـ ثم منى ، ثم عكاظ ـ ثم عدن ـ ثم صنعا.

وكانت هذه الأسواق منها ما يقوم في الأشهر الحرم ولا يقوم في غيرها ، ومنها ما لا يقوم في الأشهر الحرم ، ويقوم في غيرها. لكنّه لا يصل أحد إليها إلا بخفير ولا يرجع إلا بخفير.

دومة الجندل

قال أبو المنذر : كان أوّل هذه الأسواق قياما دومة الجندل : يوافيها العرب من كل أوب ، وقيامها أوّل يوم من شهر ربيع الأول إلى النّصف منه ، ثم ترق ولا تزال قائمة على رقّتها إلى آخر الشهر ـ ثم يفترقون منها إلى مثلها من قابل. قال : وكانت كلب وجديلة طيء جيرانها ، وكان ملكها بين اكيدر العبادي من السكون وبين قنافة الكلبي ، وكان غلبة الملكين عليها أن يتحاجبا فأيّهما غلب صاحبه بما يلقي عليه تركه ، والسّوق يفعل بها ما شاء ولم يبع فيها أحد من الشّام ولا أهل العراق إلا بإذنه ، ولم يشتر فيها ولم يبع حتى يبيع الملك كلّ

__________________

(١) وقال أيضا في كنز المدفون إن أسواق العرب كانت في الجاهلية ثلاثة : مجنّة وكانت بالظّهران وعكاظ بين نجد والطائف وذو المجاز : بالجانب الأيسر إذا وقفت بعرفة ١٢ القاضي محمد شريف الدين عفا عنه.

٣٨٢

شيء يريد بيعه مع ما كان إليه من مكسها ، وكان للكلب فيها قنّ كثير في حوانيت من شعر ، وكانوا يكرهون فتياتهم على البغاء ، فكانوا أكثر العرب قنا ، وكانت مبايعة العرب بها بإلقاء الحجارة ، وذلك أنّهم كانوا يجتمع النّفر منهم على السّلعة يساومون بها صاحبها فأيّهم رضي ألقى حجره ، وربما اتّفق في السّلعة الرّهط فلا يجدون بدّا من أن يشتركوا وهم كارهون ، وربما ألقوا الحجارة جميعا فيوكسون صاحب السّلعة إذا تظاهروا عليه ، وكانت قريش تخرج قاصدة إليها من مكّة فإن أخذت على الحزن لم تتخفر بأحد من العرب حتى ترجع ، وذلك أنّ مضر عامّتهم لا تتعرّض لتجّار قريش ، ولا يهتجمهم حليف مضري ، مع تعظيمهم لقريش ومكانهم من البيت.

قال : وكانت مضر تقول : قد قضت عنّا قريش مذمّة ما أورثنا أبونا إسماعيل من الدّين ، وكانوا إذا خرجوا من الحزن أو على الحزن ، وردوا مياه كلب ، وكانت كلب حلفاء بني تميم ، فلا يهتجمهم كلب ، فإذا سفلوا عن ذلك أخذوا في بني أسد حتى يخرجوا على طيء ، فتعطيهم وتدلّهم على ما أرادوا لأنّ طيئا حلفاء بني أسد ، فإذا أخذوا طريق العراق تخفّروا ببني عمور مرثد من بني قيس بن ثعلبة فيجيز لهم ذلك ربيعة كلّها.

المشقر

ثم يرتحلون منها إلى المشقر بهجر ، فيقوم لهم سوقها أول يوم من جمادى الآخرة إلى آخر الشّهر ، يوافي بها أهل فارس يقطعون إليها تبعا لعادتهم ثم يتقشّعون عنها من مثلها إلى مثلها من قابل ، وكانت عبد القيس وتميم جيرانها ـ وكانوا ملوكها من بني تميم ، من بني عبد الله بن زيد رهط المنذر بن ساوي ـ وكانت ملوك فارس تستعملهم عليها كما يستعملون بني نصر على الحيرة وبني المستكبر على عمان ، وكانوا يصنعون فيها ما يريدون ، ويسيرون بسيرة الملوك بدومة في البيع ، وكانوا يعشرونها أي يمكسونها ، وكان جميع من يأتيها لا يقدر عليها إلا بخفارة من سائر الناس ، وكانت أرضا معجبة لا يراها أحد فيصبر عنها ، وكانت لا يقدمها لطيمة إلّا تخلّف بها منهم ناس ، فمن هناك صارت بهجر من كلّ حيّ من العرب وغيرهم ، وكان بيعهم فيه الملامسة ـ والهمهمة ـ والإيماء ـ يومئ بعضهم إلى بعض فيتبايعون ولا يتكلّمون حتى يتراضوا ، وإنمّا فعلوا ذلك كيلا يحلف أحدهما على كذب أن يزعم أنه بذل له صاحب السّلعة.

صحار

ثم يرتحلون منها إلى صحار أول يوم من رجب ، في غير خفارة فيقدمونها لعشرين يوما تمضي من رجب ، فيوافيهم بها من لم يشهد ما قبلها من الأسواق ، ومن شغل بحاجة

٣٨٣

ولم يكن له إرب فيما يباع في الأسواق التي قبلها ، فينشرون من بزّها وبياعاتها أو يبيعون بها خمسا ، فكان الجلندي يعشرهم فيها وكان بيعهم فيها بإلقاء الحجارة.

دبا

ثم يرتحلون منها إلى دبا ، وكانت إحدى فرص العرب يجتمع بها تجار الهند والسّند ـ والصّين ـ وأهل المشرق والمغرب ـ فيقوم لها سوقها آخر يوم من رجب ، فيشترون بها بيوع العرب والبحر ، وبيعهم مساومة وكان الجلندي يعشرهم فيها ، وكان يصنع في ذلك فعل الملوك في غيرها.

الشّحر

ثم يسيرون بجميع من فيها من تجّار البحر ـ والبر ـ إلى الشّحر شحر مهرة فيقوم سوقهم تحت ظل الجبل الذي عليه قبر هود النّبي عليه‌السلام ويبيعونهم بما ينفق بها من الأدم ـ والبز ـ وسائر المرافق ـ ويشترون بها الكندر والمر ـ والصّبر ـ والدّخن ـ ولم يكن بها عشور ، لأنّها ليست بأرض مملكة وكان جميع من يختلف إليها من العرب بتجارة يتخفّر ببني يثرب وهي تقلل من مهرة ، وكانت سوقهم تقوم للنّصف من شعبان وبيعهم بها بإلقاء الحجارة.

عدن

ثم يرتحلون منها إلى عدن إلّا تجار البحر ، فإنه لا يرتحل منهم إلّا من بقي من بيعه شيء ولم يبعه ، فيوافي النّاس بعدن من بقي معه من تجار البحر شيء ومن لم يكن شهد الأسواق التي كانت قبلها وكانت تقوم أوّل يوم من شهر رمضان إلى عشر يمضين منه.

ثم ينقشع النّاس منها إلى مثلها من قابل ، وكانوا لا يتخفّرون بأحد ، لأنّها أرض مملكة وأمر محكم وكانت تعشرهم ملوك حمير ـ ثم من ملك اليمن من بعدهم.

وآخر من عشّرهم الأبناء من فارس غلبوا على اليمن وكان لا يشتري في أسواقهم ولا يبيع ، وكان طيّب الخلق جميعا ، بها يعبأ ولم يكن أحد يحسن صنعه من غير العرب ، حتى أنّ تجار البحر لترجع بالطّيب المعمول تفخر به في السّند ـ والهند ـ وترتحل به تجار البر إلى فارس والروم ، وإنّ بالناس على ذلك اليوم ما يحسن اليوم عمله إلا أهل الإسلام بعدن.

صنعاء

ثم يرتحلون إلى صنعاء فيأتونها بالقطن ـ والزّعفران ـ والأصباغ ـ وأشباهها مما ينفق بها ، ويشترون بها ما يريدون من البز ـ والحديد ـ وغيرهما. وكانت تقوم في النّصف من

٣٨٤

شهر رمضان إلى آخره ، ثم تنقشع إلى مثلها من السّنة المقبلة وبيعهم بها الجس جس اليد ، ولم يكن أحد من أهل هذه الأسواق يريد السّوق الأخرى إلا إذا اشترى رجل من أهل بلده ، فإنّه كان يشتري منه كما يتبايعون بتلك البلاد.

ثم رابية حضرموت وعكاظ

ثم يصدر النّاس عنها إلى سوقين. أحدهما : رابية بحضرموت والأخرى عكاظ في أعلى نجد وعكاظ قريب من عرفات.

فأمّا الرابية فلم يكن يصل إليها أحد إلا بخفارة لأنّها لم تكن أرض مملكة وكان من عزّ فيها بزّ صاحبه ، فكانت قريش تتخفّر ببني أكل المرار من كندة ، وسائر النّاس بآل مسروق بن وائل الحضرمي ، فكانت مكرمة لأهل البيتين ، وفضل أحدهما على الآخر كفضل قريش على سائر النّاس ، فكان يأخذ إليها بعض النّاس وبعضهم إلى عكاظ ، وكانتا تقومان بيوم واحد في النّصف من ذي القعدة.

وكانت عكاظ من أعظم أسواق العرب ، وكانت قريش تنزلها ـ وهوازن ـ وغطفان ـ وخزاعة ـ والأحابيش ـ وهم الحارث بن عبد مناة ـ وعضل والمصطلق وطوائف من أفناء العرب ينزلونها في النصف من ذي القعدة فلا يبرحون حتى يروا هلال ذي الحجّة. فإذا رأوه انقشعت ولم يكن فيها عشور ولا خفارة ، وكانت فيها أشياء ليست في أسواق العرب ، كان الملك من ملوك اليمن يبعث بالسّيف الجيد ـ والحلّة الحسنة ـ والمركوب الفاره ـ فيقف بها وينادي عليه ليأخذه أعزّ العرب ، يراد بذلك معرفة الشّريف والسّيد فيأمره بالوفادة عليه ويحسن صلته وجائزته ، وكان بيعهم بها السّرار ، فإذا وجب البيع وعند التاجر ألف رجل ممن يريد الشّراء ولا يريده فله الشركة في الرّبح.

ذو المجاز ونطاة خيبر وحجر اليمامة

فإذا أهلّوا هلال ذي الحجة ساروا بأجمعهم إلى ذي المجاز ، وهو قريب من عكاظ وأقاموا بها حتّى يوم التّروية ، ويواتيهم حينئذ حجّاج العرب ورءوسهم ممّن أراد الحج ممن لم يكن شهد الأسواق ، وكانت العرب في أشهر الحج على ثلاثة أهواء : منهم من يفعل المنكر وهم المحلّون الذين يحلّون الحرم فيغتالون فيه ويسرقون ، ومنهم من يكفّ عن ذلك ويحرّمون الأشهر الحرم ، ومنهم أهل هوى شرعه ، لهم صلصل بن أوس بن مخاشن بن معاوية بن شريف من بني عمرو بن تميم فإنه أحلّ قتال المحلّين.

قال أبو المنذر عن أبيه وخراش : هذا قول بني تميم ، فأمّا الثبت عندنا فهو القملس الكناني وأجداده من قبله وهو الذي نسأ الشّهور ـ والمحلّون ـ طيّىء وخثعم وناس من بني

٣٨٥

أسد بن خزيمة. وكان أشراف العرب يتوافون بتلك الأسواق مع التّجار من أجل أنّ الملوك كانت ترضخ للأشراف ، لكلّ شريف بسهم من الأرباح ، فكان شريف كلّ بلد يحضر سوق بلده ، إلّا عكاظ فإنّهم كانوا يتوافون بها من كل أوب ولا يوافيها شريف إلّا وعلى وجهه برقع ، مخافة أن يؤسر يوما ، فيكبر فداؤه ، فكان أوّل من كشف القناع طريف العنبري لما رآهم يطلعون في وجهه ويتفرّسون في شمائله ، قال : قبح من وطّن نفسه إلا على شرفه ، ورمى بالقناع وحسر عن وجهه ، قال يذكر قصته وعذره في مخالفة من قبله. شعرا :

أوكلّما وردت عكاظ قبيلة

بعثوا إلى عريفهم يتوسّم

قال أبو المنذر عن أبيه : كان الرّجل إذا خرج من بيته حاجّا أو داجا والدّاج التّاجر في الشّهر الحرام ، أهدى وأحرم ، ثم قلّد وأشعر ، فيكون ذلك أمانا له في المحلين. وكان الدّاج إذا انفرد وخشي على نفسه ولم يجد هديا قلّد نفسه بقلادة من شعر أو وبر ، وأشعر نفسه بصوفة ، فيأمن بها ، وإذا صدر من مكة تقلّد من لحاء شجر الحرام. وكان الدّاج وغيره إذا أمّ البيت وليس له علم بذلك ولا هو في سيماء المحرّم أخذ المحلّون ما معه ، وكانت العرب جميعا تنزع أسنّتها في الأشهر الحرم غير المحلّين والذين يقاتلونهم ، فإنّهم كانوا يقاتلونهم حتى الأشهر الحرم.

وكانت الخمس تدع عرفات تهاونا بها وإخلالا ، وتدع الصّفا والمروة فأنزل الله تعالى : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ) [سورة البقرة ، الآية : ١٥٨] الآية وأنزل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ) [سورة المائدة ، الآية : ٢] الآية. هذا للمسلم : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) [سورة المائدة ، الآية : ٢] فأذن لهم في الصّيد بعد أيّام التّشريق وحرّم عليهم الذي أهلّ لغير الله به مع المنخنقة بالحبل إذا لم تدرك زكاتها ، فهي حرام ، والموقوذة كانوا يقذون الدّابة العضل من الإبل ـ والبقر ـ والغنم ـ ليرخص لحمها. والمتردّية التي تردى في بئر أو من جبل. والنّطيحة التي تنطحها شاة أخرى فتموت. وما أكل السّبع إلا ما زكّيتم أدركتموه وبه حياة. وما ذبح على النّصب يعني آلهتهم التي كانوا يعبدون من دون الله.

قال أبو المنذر : وتزعم مضر أنّ أمر الموسم وقضاء عكاظ كان في بني تميم ، يكون ذلك في أفخاذهم الموسم على حدة ـ وعكاظ على حدة ـ وكان من اجتمع له ذلك منهم بعد عامر بن الظّرب العدواني ـ وسعد بن زيد مناة بن تميم ـ وقد فخر المخبّل بذلك في شعره فقال :

ليالي سعد في عكاظ يسوقها

له كلّ شرق من عكاظ ومغرب

ثم وليه حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم. ثم وليه ذؤيب بن كعب بن عمرو بن تميم ، ثم وليه مازن بن مالك بن عمرو بن تميم ، ثم وليه ثعلبة بن يربوع بن حنظلة ، ثم وليه

٣٨٦

معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم ، ثم وليه الأضبط بن قريع بن عوف بن سعد بن زيد مناة بن تميم. ثم وليه صلصل بن أوس بن مخاشن بن معاوية بن شريف بن جروة بن أسيد بن عمرو بن تميم. فكان آخر من اجتمع له الموسم والقضاء بعكاظ. ثم قتل رجل من محارب بعكاظ فادّعى واحد قتله في قوله :

فإن فخرت يوما رجال محارب

فيا طعنة ما قد طعنت أخا حرّ

فشدّ عليه رجل من محارب بعكاظ فقتله ، فقال : بؤباخي حر. وقد ذكر ذلك شعراؤهم ثم وليه سفيان بن مجاشع بن دارم ، فمات فافترق الأمر فلم يجتمع القضاء والموسم لأحد منهم حتّى جاء الإسلام ، فكان يقضي بعكاظ محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم ، فمات فصار ذلك ميراثا لهم.

وكان آخر من قضى منهم ووصل إلى الإسلام الأقرع بن حابس.

وأجاز بالموسم أحد بني عوافة بن سعد بن زيد مناة بن تميم. وكان آخر من أجاز منهم كرب بن صفوان بن حباب بن شجنة بن عطارد بن عوف وهو الذي قام عليه الإسلام.

قال أبو بكر الدّريدي : لم يكن حديث الأسواق في كتاب أبي عبيدة وإنمّا ألحقه أبو حاتم فنقلناه من كتابه.

فلمّا دخلت سنة خمس وثلاثين من عام الفيل وذلك قبل المبعث بخمس سنين حضر السّوق من نراز واليمن ـ ما لم يروا أنّه حضر مثله في سائر السّنين فباع النّاس ما كان معهم من إبل وبقر ونقد وابتاعوا أمتعة مصر ـ والشّام ـ والعراق ـ وفيمن حضر السّوق عمرو بن شريد السّلمي وابناه معاوية وصخر ، وحضر معمر بن الحارث بن الخبيري بن ظبيان بن حن بن حزام بن كثير بن عذرة جد جميل بن عبد الله الشّاعر ، فلمّا نظر إلى عمرو صافنه وأمر ولده أن يخدموه ، ففعلوا فلمّا تقوّضت السّوق دعا عمرو بن الشّريد ابنيه صخرا ومعاوية فقال لهما : إنّ معمرا قد طوّقني ما لم يطوّقني أحد من العرب ، وقد أحببت أن أكافئه ، فقالا : افعل ما بدا لك ، فدعا بكاتب وصحيفة فكتب : هذا ما منح عمرو بن الشّريد السّلمي معمر بن الحارث بن الخيبري بن ظبيان بن حن بن حزام العذري منحه ماله بالوحيدة من أخلاف يثرب أطلال ذلك ومغانيه ـ ورسومه ـ وأعراصه ـ ودواويه ـ وزحاليفه ـ وقريانه ـ وبرادغة ـ وقسوره ـ وعجرمه ـ وبشامه ـ وينعه ـ وتاليه ـ وحماطه ـ وشبحه ـ وأراكه. وأجزته ـ وحذاريه ـ وآكامه ـ وبرقه ـ وعلجانه ـ وكل ما صاء وصمت فيه ـ وبكت السّماء عليه ـ وضحكت الأرض عنه ـ فهو لمعمر دون عمرو ، وممنوح به من نيات الصّدر ـ لا يشوبه كدر الامتنان ـ ولا أمارات الامتهان ـ مستنزل من هضاب الجندل وجرثومة ودّ بعيد المحل ، لا تخلق الأيام جدته ـ ولا يركد لمتنسم بارحه ما دام الزّمان ـ وتوقّد الحران ـ

٣٨٧

وسمر ابنا سمير ، وأقام حراء وثبير. وكتب لخمس وثلاثين عاما خلت من عام الفيل. ثم بعث بالكتاب مع طرف من طرائف اليمن وعدد إلى معمر. قال الأصمعي : فهي باقية إلى الآن يفض على ولده دخلها وذلك في أيام الرّشيد رحمه‌الله تعالى.

وقال ابن كناسة : إذا غابت الثّريا مع غيوب الشّمس لم ترها أربعين يوما وذلك أفولها ، قال : وأهل الشّام يطلعونها لخمس وعشرين من غير أن تطلع أو يروها ، فيقيمون أسواقهم فتقوم سوق (دير أيوب) وهي أول أسواقهم المذكورة ، فإذا انقضت اعتدوا سبعين يوما.

ثم تقوم سوق (بصرى) قال فأدركتها تقوم خمسا وعشرين ليلة ، وأخبرت أنّها كانت تقوم بولاية بني أمية ثلاثين إلى أربعين ليلة ، فإذا انقضت اعتدوا سبعين ليلة.

ثم تقوم سوق (أذرعات) وهي اليوم أطولها قياما ، وربما لقيت النّاس صادرين منها وأنا وارد. ثم أصدر قبل أن تقلع ، يقال : قلعت السّوق خفيفة.

قال : وزاد بعضهم في الأسواق (المجنة) وهو قريب من ذي المجاز والأسقى خلف حضرموت.

قال أبو المنذر : كانت بعكاظ منابر في الجاهلية يقوم عليها الخطيب بخطبته وفعاله وعدّ مآثره ، وأيّام قومه من عام إلى عام ، فيما أخذت العرب أيّامها وفخرها وكانت المنابر قديمة يقول فيها حسّان رضي‌الله‌عنه شعرا :

أولاء بنو ماء السّماء توارثوا

دمشق بملك كابرا بعد كابر

يؤمّون ملك الشّام حتى تمكّنوا

ملوكا بأرض الشّام فوق المنابر

وكانوا إذا غدر الرّجل ، أو جنى جناية عظيمة انطلق أحدهم حتى يرفع له راية غدر بعكاظ ، فيقوم رجل يخطب بذلك الغدر فيقول : ألا إنّ فلان ابن فلان غدر فاعرفوا وجهه ، ولا تصاهروه ، ولا تجالسوه ، ولا تسمعوا منه قولا فإن أعتب وإلّا جعل له مثل مثاله في رمح ، فنصب بعكاظ فلعن ورجم وهو قول الشّماخ شعرا :

ذعرت به القطا ونفيت عنه

مقام الذّئب كالرّجل اللّعين

وإنّ عامر بن جوين بن عبد الرّضى رفعت له كندة راية غدر في صنيعه بامرئ القيس بن حجر في وجهه إلى قيصر ، ورفعت له فزارة راية وفاء في صنيعه بمنظور ابن سيار ، حيث اقحمته السّنة فصار بماله وإبله وأهله إلى الجبلين ، فأجاره ووفى وصار النّاس بين حامد له ، وذام فذهبت مثلا.

٣٨٨

الباب الحادي والأربعون

في ذكر مواقيت الضّراب والنّتاج ، وأحوال الفحول في الإلقاح والغرور وما يتسبب من جميع ذلك ، حالا بعد حال بقدرة الله وإرادته.

قال الله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) [سورة النّور ، الآية : ٤٥] الآية. وقال تعالى : (يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ) [سورة الزّمر ، الآية : ٦] ودخل تحت قوله تعالى : (كُلَّ دَابَّةٍ) أصناف ما خلقه الله تعالى وسيفصّل إن شاء الله تعالى.

قال ابن كناسة : إذا أنزي على الشّاة عند اطلاع نجم من النّجوم بالغداة جدت حين ينوء ، والنّخلة مثل الشّاة سواء. وقال الغنوي : وقت إرسال الفحول في الإبل حين يسقط الذّراع اليسرى ، على أيّ حال من جدب أو حياء ، فأمّا إذا كان الحياء فإنهم يرسلون الفحول قبل ذلك لسمن المال فهذا هو الوقت الأوسط للضّراب ، وكذلك الوقت الأوسط العام للنّتاج ، لأن الميقات في حمل النّاقة سنة.

وقال أبو عبيدة : سمعت الأصمعي يقول في نتاج الإبل قال : أجود الأوقات عند العرب فيه أن تترك النّاقة بعد نتاجها سنة لا يحمل عليها الفحل ثم تضرب إن أرادت الفحل ، ويقال لها عند ذلك : قد ضبعت. فإذا أورم حياؤها من الضّبعة قيل : أبلمت. فإذا اشتدّت ضبعتها قيل : قد هرمت. فإذا ضربها قيل قعا عليها وقاع والعيس الضّراب. فإذا ضرب الفحل الإبل كلّها قيل : أقمها إقماما ، فإن كلّ عليها سنتين متواليتين فذاك الكشاف. والبسر : أن يضربها على غير ضبعة ، واليعارة : أن يعارضها الفحل فتحمل. قال الرّاعي :

قلائص لا يلحقن إلّا يعارة

عراضا ولا يشرين إلّا غواليا

قال : ومن الإبل جرر يزيد على ذلك ، فإذا أتت النّاقة على مضربها وهو الوقت الذي لقحت فيه لقد أتت على حقها ولدت أو أدرجت.

٣٨٩

وقال ابن كناسة : أقلّ النّتاج بالبادية مع طلوع الهرارين ، وهو نتاج سيئ الغذاء لشدّة البرد وقلة اللّبن والعشب.

وقال الغنويّ : إذا تصوّب المرزم وهو الذّراع قبل سقوطه أرسلت الفحول في النّعم فضربت خيار الإبل ومتعطّراتها ، وهي التي تحسن للفحل بنقيها وحسن حالها ، وهذا نحو قول أبي يحيى في طلوع الهرارين ، لأنّ طلوعهما مع سقوط الدّبران.

وإذا سقط الدّبران : فالمرزم منصوب لأنّ بينه وبين الأفق نجمين ، وهما الهقعة والهنعة ، وقول السّاجع إذا طلع القلب : هرّ الشّتاء كالكلب ـ ولم تمكن الفحل إلّا ذات شرب ـ شاهد لما قالاه.

ألا ترى أنّه جعله وقتا لأوّل الضّراب فكذلك يكون وقتا لأوّل النّتاج وإذا كانت الأنثى مخصبة حسنة الحال أسرعت الضّبعة واحتملت الضّراب فيقدم الفحل في إلقاحها ، وإذا كانت هزيلة لم تضبع ولم تمكن الفحل إلّا أخيرا والوقت الذي ذكره الغنوي من سقوط المرزم هو وقت يتحرّك فيه النّبت لذلك قيل : إذا طلعت البلدة ـ حممت الجعدة ، وزعلت كل تلدة ، وقيل للبرد : اهده. وزعل التلدة نشاطها يعني تلاد المال.

وقال الغنوي : فإذا سقطت النثرة استحق ضراب الإبل ، وعفصت الفحول في النّعم ، فإذا سقطت الجبهة أقمت الفحول النّعم. و (الإقمام) أن تلقح جميع النوق. فإذا سقطت الصّرفة : جفرت الفحول كلّها إلّا القليل إذا الفضل على الفحول في الهباب والقوّة ، والهباب : شدّة الهيج.

قال ابن كناسة : وأفضل النّتاج الرّبعي ولا يزال ما نتج فيه قويّا حسن الحال إلى سقوط الصّرفة ، وهي آخر نجوم الرّبيع ، ثم ينتجون في أوّل الصّيف إلى سقوط الغفر وذلك صالح. ويقال للذي ينتج بعد سقوط الغفر إلى أن يمضي الخريف يقال له : هبع ، ويكون ضعيفا لذلك سمّي هبعا لأنّ الفصال الرّبعية أكبر منه وقد قويت فهو لا يلحقها إذا مشت لأنها أذرع منها فهبع في مشيه. والهبع والهبعان شبيه بالإرقال. وإذا نتجت الإبل تركت بواهل على أولادها إلى أن تبرك ، فإذا بركت وأعتمت وذهبت فحمة العشاء حلبت ، فتلك حلبة العتمة وتكون للحي.

ثم لا تزال بواهل على أولادها حتى يحضروا المياه ، فإذا حضروا حلبت كلّ يوم عند الظّهر ، ثم لا تزال بواهل ، ثم لا تصر ، ثم تعنق بين الصّلاتين الظّهر والعصر فترضعها ، ثم تصر وذلك الفواق حتى تحلب تلك السّاعة من الغد وربما قالوا : ثلث بها وذلك أن تيصروا ثلاثة أخلاف ويدعوا للفصيل خلفا واحدا يرضعه وربما تركوها ترضع أمهاتها من أول

٣٩٠

النّهار ، ثم تصرّ وإنما فعلت هذه الأشياء بالفصال حيث حضروا لأنّها أعانت على نفسها وتناولت الشّجر ، فلا يزال للفصيل في أمه حظ حتّى يطلع سهيل. فإذا طلع سهيل خلّلت ، وهو أن يدخل عود في أنفه ، فإذا أراد أن يرضع نخس الخلال ما دنا منه فأوجعه فتزيفه ، وربما أجروه ، وهو أن يشقّ لسانه فلا يقدر أن يمصّ خلف أمّه فإذا فطمت أولادها واشتدّ البرد حلبت الضّرعين غدوة وعشية.

والكفاتان : وقد يفتح الكاف منه : أن يكون للرجل إبل يراوح بينها هذه تنتج وتحمل هذه.

والمخاض : إذا طلع سهيل مال وقال : إذا طلع سهيل أخذ أحدهم بأذن الفصيل ثم استقبل به مطلع سهيل يريه إيّاه يحلف أنّه لا يرضع بعد يومه قطرة ، ويفصله من أمّه ، وقد وصف أبو النّجم ما ذكرناه فقال : يذكر عيرا رعت الرّطب إلى أن تخرم وقته :

كان رعي الأنواء في تبكيرها

دلوبها الأوّل من ظهيرها

حتى إذا ما طار من خبيرها

وبانت العيدان من عصيرها

ولجت القروم في نذورها

واصفرت الأعجاز من جفورها

بعد الثّرى الملبّد من خطيرها

واختارت الماء على هديرها

واعلم أنّ الرّطب لما تصرّم وحاجت الأرض لجت الفحول في الغدور وتركت الخطران والتّهدار ، وطلبت الورود. وقوله : بعد الثّرى الملبّد من خطيرها مثل قول ذي الرّمة :

وقربن بالزّرق الحمائل بعد ما

ثقوب عن غربان أوراكها الخطر

وإنما يصف نساء أقمن في مربع ما أقمن ثم قربن الفحول ليرتحلن عليها إلى المحاضر ، وذلك أنّها لمّا جفرت استغني عن ضرابها. وثقوب الخطر تقلع ما لصق بأعجازها من أبوالها في أيام هبابها لأنّها كانت تبول في أذنابها ، ثم تخطر بها فتضرب أوراكها فتلبد. قال : وقد وقتوا وقتا آخر للضّراب وهو إدبار الحرّ وإقبال البرد من آخر الخريف ، وذلك قبل الوسمي يشهد بذلك قول الرّاجز ينعت إبلا شعرا :

مدالق الورد مكيثات الصّدر

عنابل الخلق نجيبات الخير

جوف لهنّ بجر فوق بجر

حتى إذا شال سهيل بسحر

كعشوة القابس يرمي بشرر

أرسل فيها مقرما غير قفر

أصهب ذيالا غلافي الوبر

ففئن تعسّرن بأذناب عسر

فجعل الزّمان الذي يرى فيه سهيل سحرا شائلا مرتفعا وقتا لإرسال الفحول في النّعم ،

٣٩١

وأدنى ذلك أن يكون الطّالع بالغداة الصّرفة ، وذلك لانصراف الحر وانصرام القيظ ، وآخر الخريف وقبل الوسمي. وقال ذو الرّمة يصف فحلا ، قال شعرا :

إذا شمّ أنف البرد ألحق بطنه

مراس الأوابي وامتحان الكواتم

أنف البرد : أوّله فأخبر أنّ هذا الفحل في الوقت الذي ذكره متعب بطروقته يمارس أوابيها ، وهي التي لا تمكن من الضّراب ، وبامتحان كواتمها ، وهي التي يظن أنها قد لقحت وليست بلاقح ، فيسرها ليعلم حقيقة اللقح ، وذلك أنّ النّاقة ربما تلقّحت وليست بلاقح ، وتلقحها أن تشول بذنبها وتوزّع ببولها وتستكبر ، ويقال : لا يمكن شيء من الحيوان الأنثى منها إذا كانت حاملا الفحل ولا يطلبها الفحل إذا حملت ، وذلك أنه يجيئها ويتشممها ، فيعرف أحامل هي أم لا فيولّي عنها ، فلا هي تمكّنه ولا الفحل يطلبها ، وذلك في الإبل والخيل والحمير والبقر والشّاة ، قال الشّماخ.

شج بالرّيق إذ حرمت عليه

حصان الفرج واسقة الجنين

قال : يقول شجى هذا الحمار بريقه حيث لا يقدر أن يضربها لمّا حملت واسقة يقول : اتّسق يعني اجتمع جنينها في رحمها. والاتساق : الاستدارة والاجتماع ، وفي التنزيل : (وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ) [سورة القمر ، الآية : ١٨]. وقال شعرا :

إنّ لنا قلائصا حقائقا

مستوسقات لو يجدن سائقا

وقال أعشى عكل :

حتّى إذا لقحت وآخر حولها

وضع الغيار وأحرز الأرحاما

أي لمّا وجدها حولا ترك الغيرة وأحرز أرحامها ، ويقال لها في أوّل ما تضرب أيضا : هي في منيتها ، وذلك ما لم يعلموا أبها حمل أم لا ، فمنية البكر عشر ليال ، ومنية العقبنى وهو البطن الثاني خمس عشرة ، وهي منتهى الأيام. وقول ذي الرّمة : إذا شمّ أنف البرد يريد أنّ النّاقة تتلقح له وليست بلاقح ، فقد أنضبه ذلك حتّى ألحق بطنه بظهره فجعل ذلك في إقبال البرد.

وقال الكلابي : إذا طلع سهيل من آخر القيظ ثم لأوّل ما لقح من المخاض عشرة أشهر فسمّيت العشار ، وانقطع عنها ذكر المخاض. وقول السّاجع : طلع سهيل. وبرد اللّيل ، وللفصيل الويل. ويروى : ولأم الفصيل الويل. والفصل بين الرّوايتين أنّه إذا جعل الويل للأم فلأنّ الفصال إذا فطمت في هذا الوقت أسرع إلى ضعافها الفساد ، فكثرت موتاها ، وكذلك قيل : إذا طلعت الجبهة تحانت الولهة ، وطلوع الجبهة مع طلوع سهيل. وإذا جعل

٣٩٢

الويل للفصيل فذكر الأم كما يقال للإنسان : لأمك الويل ، وإنّما يراد به هو ، وكما قيل هوت أمّه وفي القرآن : (فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ) [سورة القارعة ، الآية : ٩].

وإنّما يعم الفصال في هذا الوقت بالفطام ، لأنّ الأجواف تبرد فيه ، وتكثر الأفياء والظّلال ، ويطيب الوقت ، فتقوى على الفطام. قال ويقال : امرأة نفساء وشاة ربّي ، وفرس عائذ وأتان فريش : وهو أيام نتاجها ، قال والعرب تقول : أحسن ما تكون المرأة غبّ نفاسها ـ وغبّ نباتها ـ وغبّ السّماء ـ وغبّ النّوم ـ وأحسن ما تكون الفرس والناقة غبّ نتاجها.

وحكى ابن الأعرابي قال : قالت هند بنت الحسن بن حابس الإياديّة لأبيها : يا أبت مخضت الفلانية النّاقة لأبيها. قال وما علمك؟ قالت : المصلاراج ـ والطّرق لاج. وتمشي وتفاج ـ قال : أمخضت يا بنية فاعقلي ، قال فلم تصبح في مبركها. فقال أبوها لها : ما أراك إلا وقد ضيّعت ، قالت : أما أنا والله فقد رأيت عقدتي واجتهدت ، منتي ونقضت عذرتي. قال : استوثقت إذا قال ، ويقال : قالت شددتها شدّا اهتزّت منه عذرتي ، وانقضت منه أزرتي. قال : حرّكت يد ناقتك؟ فقضوها فوجدوها تفحص في مثبرها. راج يرتج : لاج يلج في سرعة الطّرف. تفاج : تباعد ما بين رجليها ، مثبرها : منتجها.

وحكى ابن الأعرابي عن بعضهم : أيّهم أحبّ إليك من الإبل : المعشار أم المشكار أم المغبار؟ قال : فالمعشار : التي تغزر أيام تنتج ، والمشكار : التي تغزر في أوّل الرّبيع صيفتها ثم ينقطع ، والمغبار : الباقية الغبر التي تدوم على محلبها وهي الرّفود المكود ، والمجالح التي تقضم عيدان الشّجر اليابس في الشّتاء ، فيبقى لبنها لذلك.

وحكي أيضا ناقة مقراع مضباع مسناع مرباع. قال : والمقراع : التي تلقح لأوّل قرعة والمضباع : التي تعجل ضبعتها ، والمنساع : السّنية العظمة القدر ، والمرباع : التي تلقح في أوّل الربيع وهي خيار الإبل. وأنشد : (طب بإظهار المرابيع الشّور) يصف فحلا بأنّه عالم بأحوال النّوق والشّور : جمع شورة يقال : ناقة شورة : إذا كانت خيارا وناقة شيار : إذا كانت سمينة ، وأنشد ابن الأعرابي لغيره شعرا :

قامت تريك لقاحا بعد سابعة

والعين ساجية والقلب مستور

كأنما بصلاها وهي عاقدة

كور خمار على غدراء معجور

البكر من الإبل يسمّى بعد أربع عشرة وإحدى وعشرين. والمسنّة : بعد سبعة أيام ، والاستماء : أن يأتيها صاحبها فيضرب بيده على صلاها وينقر بها فإن اكتارت بذنبها ، وعقدت رأسها ، وجمعت بين قطريها رأسها وذنبها ، علم أنّها لاقح ، وقوله مستور : إذا لقحت ذهب نشاطها.

٣٩٣

ويقال : مسيت النّاقة إذا سطوت عليها وهو إدخال اليد في الرّحم ، والمسي : استخراج الولد ، والمسط : أن تدخل اليد في رحمها فتستخرج وثرها وهو ماء الفحل يجتمع في رحمها ثم لا يلقح منه ، يقال : قد وثرها الفحل يثرها وثرا إذا أكثر ضرابها فلم تلقح.

فأما قوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) [سورة النّور ، الآية : ٤٥] وما تضمّنه من تنويع الخلق فقد قيل فيه : إنّ ما مشى على رجلين فركبتاه في رجليه مثل الإنسان والنّعام والطّير كلّها ، وما كان من الخلق كلّه يمشي على أربع فركبتاه في يديه خلافا لما يمشي على رجلين مثل الإبل والبقر والخيل والحمير ، وما كان في الرّجلين فهو عراقيب ولا يقال ركب. وكلّ حيوان مصمت لا شقّ في قوائمها مثل الخيل وذواتها فليس لها أكراش ، ولا تجتر ويكون لها أعفاج. الواحد : عفج وإنّما تجتر ما كان لها كرش ، وهو من ذوات الأربع من الذّوات التي في قوائمها خف كالإبل والبقر والغنم فهي ذوات الأكراش وتجتر.

وما كان من الخلق له أذنان ناتئتان فغرموله (١) ناتئ ظاهر وكذلك مذاكيره ظاهرة بيّنة ترى. فما كان كذلك تلد ولادة مثل الإبل ـ والخيل والسّباع ـ والفأر ـ والخفاش ـ فإن أذنيه ناتئتان وغرموله ناتئ ـ وهو يلد وإن كان من الطّير.

وما كانت أذناه ممسوحتين لا تظهران فكذلك ذكره لا يظهر وهو يبيض مثل الطّير كلّها والحيات ـ والسّمك ـ وجوارح الطّير.

وأمّا من كان من الطّير يغر فراخه أي يزفّها فليس يزيد على فرخين لعظم مئونته على أبويه مثل الحمام الأهلي ـ والطّوراني ـ والورشان ـ والفواخت ـ والقمارى ـ والدّياسى ـ وما أشبهه.

وما كان يطعم إطعاما ، ولا يغر غرّا فهو أخفّ مئونة على أبويه إذا كانا إنما يطعمانه إطعاما فهو يفرخ الثلاثة ـ والأربعة ـ إلى السّبعة ـ مثل البازي ـ والعقاب ـ والصّقر ـ والهدهد ـ والغراب ـ والسّوداني ـ والبلبل والفتير ـ والعقعق والعصفور فلخفّة مئونته زاد على الاثنين ، وما كان لا يغر ، ويطعم فهو أخف مئونة من هذين وهو يلتقط التقاطا ، ويفرخ العشرة والعشرين وأقل وأكثر لخفة مئونته ، لأنه يأكل بنفسه مثل الدّجاج ـ والنّعام والقبج ـ فهو يلتقط التقاطا ليس له مئونة على أبويه وهذا القدر في التّنبيه على آثار صنعته كاف في هذا الموضع سبحان ربّنا من خبير.

__________________

(١) الغرمول : بالضّم : الذكر أو الضخم ، الرّخو قبل أن تقطع عزلته. القاموس المحيط.

٣٩٤

الباب الثّاني والأربعون

فيما روي من أسجاع العرب عند تجدّد الأنواء ـ والفصول ـ وتفسيرها وهو فصلان :

فصل

اعلم أنّ العرب أحفظ الأمم لما أدّت إليه تجاربهم من أحوال الزّمان ـ وتعاقب الشهور والأيام ـ واختلاف الفصول والأعوام ـ بما يتجدّد فيها من الأحداث ـ ويتغيّر من تدبير المعاش ـ فهم على اختلاف ديارهم ـ وتباين أوطانهم وتفاوت هممهم ـ يراعون من هبوب الرّياح ـ وطلوع الكواكب ـ وتبدّل الأوقات ـ ما لا يراعيه غيرهم من سكان المدر ـ والوبر ـ وقطان البدو ـ والحضر ـ وليس ذلك مستحدثا فيهم. وإنما هو عادة منهم يتوارثونه الخلف عن السّلف ـ والغابر عن الماضي ـ ومقياسهم طول الدّربة ـ ودوام التفقّد ـ فلهم اعتبار في كلّ ما يتجدّد في الجو من طلوع كوكب أو أفوله ـ وهبوب بارح ـ أو سكون يؤدّيهم إلى ما يبنون عليه أمرهم في مقامهم وظعنهم ومزالفهم ، ومحاضرهم ويعتمدونه في مكاسبهم ـ ومعايشهم ـ ومناتجهم ـ وملاقحهم ـ وسائر متصرفاتهم ـ من غزو ـ واستباحة ـ وانتجاع وملازمة ـ استغنوا به عن نظر أصحاب الحساب.

وتوغلهم من لطائف البحث والاستقصاء ، فهم أتباع ما اعتادوا من البرق إذا لمع ، والغيث إذا أصاب ووقع ، والحر إذا أقبل وأدبر ، والبرد إذا خفّ واشتدّ ، لا يغفلون ولا يضيعون ، فسبحان من جعل لكلّ أمة خصائص صاروا لها بمنجاة من الشرّ ، وعوائد أصبحوا فيها على شفا الخير ، وقد سجع حكماؤهم أسجاعا أبانوا بها فوائد يحبهم ، أنا ذاكر ما يحضرني مفسرا.

قال أبو حنيفة : وجدتهم بدءوا بالثّريا وإن كان الشّرطان قبلها في نسق المنازل ، ولم أجد العلّة في ذلك إلّا تعطل الأنواء وانصرام الرّطب ، وهجوم الحر وقوة البوارح ، فجعلوا الشّغل بما هم فيه ، وطلوع الثّريا هو أمارة قوة الحر عند الجميع لا اختلاف فيه ، فقال

٣٩٥

فقيههم : إذا طلع النّجم ـ ويراد به الثّريا تقي اللّحم ـ وخيف السّقم ـ وجرى السّراب على الأكم. وقيل أيضا : إذا طلع النّجم جعلت الهواجر تحتد ، والعانات تكتدم ، وقيل : طلع النّجم غدية ، وابتغى الرّاعي شكيه ، وحكى الكلابي طلع النّجم غديا وابتغى الرّاعي شقيا ، يجوز أن يكون شقوى لغة في شكوى ، ويكون الشكوى بمعنى الشكوة ، وقيل أيضا : طلع النّجم عشاء ، وابتغى الرّاعي كساء ، وقيل أيضا : إذا الثّريا طلعت عشاء قبع الرّاعي الغنم كساء.

وحكى أبو زياد : إذا أمسى النّجم يقبل فشهر فتى وشهر جمل. وقيل أيضا : إذا أمسى النّجم يدبر ـ فشهر نتاج وشهر مطر ، وإذا أمسى الثّريا قم رأس. فليلة فتى وليلة فاس ـ ومما يحفظ من كلام لقمان بن عاد : إذا أمست الثّريا قم رأس ففي الدّثار فاحنس ، وعظاماها فاحدس وأنهس بليل وأنهس ، وإن سئلت فاعبس ومما سير فيها قوله :

إذا ما قارن القمر الثّريا

بخامسة فقد ذهب الشّتاء

وحكى النّضر في صدر هذا الباب : أضاءت ذكاء ـ وانتشر الدّعاء ـ وإذا طلعت العقرب ، وهي أول بروج الشّتاء ـ جمس المذنب ومات الجندب وفرفر الأشيب.

إذا طلع الدّبران توقّدت الحزان ، وهي ظواهر صلبة من الأرض ليست بجبال ، ويبست الغدران واستعرت النّيران ، واستنعرت الذيان ـ ورمت بأنفسها حيث شاءت الصّبيان.

وإذا طلعت الهقعة تقوّض النّاس للقلعة ورجعوا إلى النّجعة وأورست الفقعة وأرذقنها المنعة.

وإذا طلعت الجوزاء توقّدت المغراء وأوفى على عوده الحرباء ، وكنست الظّباء ، وعرقت العلباء وطاب الخباء. ويروى انتصب العود في الحرباء ، وإنّما ذكرت الجوزاء مع الهقعة لأنّها رأسها.

وإذا طلعت الذّراع حسرت الشّمس القناع ، وأشعلت في الأفق الشّعاع ، وترقرق السّراب بكلّ قاع.

وإذا طلعت الشّعرى نشف الثّرى ، وأجن الصّرى ، وجعل صاحب النخل يرى. وقال بعضهم : إنما ذكر الشّعرى مع الذّراع لأنّها أحد كوكبيها وقيل :

إذا طلعت الشّعرى سقرا ، ولم تر مطرا ، فلا تغدونّ إمرة ولا أمرا. وأرسل العراضات ببغيتك في الأرض معمرا.

وإذا طلعت النّثرة قنأت البسرة ، وجنى النخل بكرة ، وأدّت المواشي حجره ولم تترك في ذات درّ قطرة.

٣٩٦

وإذا طلعت الصّرفة بكرت الخرفة وكثرت الطّرفة ، وهانت للضيف الكلفة.

وإذا طلعت الجبهة تحانت الولهة ، وتنازت السّفهة ، وقلّت في الأرض الرّفهة ، وقيل أيضا :

وإذا طلعت الجبهة تزيّنت النّخلة

وإذا طلعت النّثرة تشفّحت البسرة

وإذا طلعت العذرة فعكة بكرة على أهل البصرة ، وليست بعمان بسرة ، ولا لأكاريها بذرة ، وإنما ذكرت العذرة هاهنا لأنّها تطلع مع الطّرف أو قريبا منه.

وإذا طلعت الصّرفة احتال كلّ ذي حرفة وجفر كلّ ذي نطفة ، وامتيز عن المياه زلفة.

وإذا طلع سهيل خيف السّيل ، وبرد اللّيل ، وامتنع القيل ، ولام الحوار الويل ، (القيل) يريد القائلة يقال : قال يقيل قيلا وقائلة ومقيلا وقيلولة. (وقيل أيضا) : إذا طلع سهيل طاب الثّرى وحار اللّيل ، وكان للفصيل الويل ، ووضع كيل ، ورفع كيل. قال بعضهم : ذكر سهيل لأنّ طلوعه مع طلوع الجهة قال : وأهل البادية يعظّمون الفصال عند طلوع سهيل ، وقيل : إذا طلعت الصّرفة احتال كلّ ذي حرفة ، وقيل : احتال كلّ ذي جرفة ، وجفر كلّ ذي نطفة ، وامتزّ عن المياه زلفة.

وإذا طلع العوّاء ضربت الخباء وطاب الهواء وكره العراء وشنن السّقاء.

وإذا طلع السّماك ذهب الحرّ والعكاك ، واستفاهت الأحناك ، وقلّ على الماء العراك.

وإذا طلع الغفر اقشعرّ السّفر ، وتزيّل النّضر وحس في العين الجمر.

وإذا طلع الزّبانى أحدثت لكلّ ذي عيال شبانا ، ولكلّ ماشية هوانا وقالوا : كان وكانا.

وبردت الثنايا فاجمع لأهلك ولا تتوانى.

وإذا طلع الإكليل ، حاجت الفحول ، وشمّرت الدّيول تخوّفت السّول.

وإذا طلع القلب ، جاء الشّتاء كالكلب ، وصار أهل البوادي في كرب ولم تمكن الفحل إلّا ذات ثرب.

وإذا طلعت الشّولة أعجلت البولة ، واشتدّت على العيال العولة ، وقيل : شقوة وزولة.

وإذا طلع الهراران هزلت السّمان واشتدّ الزّمان ووحوح الولدان. و (الهراران) : قلب العقرب والنّسر الواقع وهما يطلعان معا.

وإذا طلعت النّعائم توسّقت البهائم ، وقيل أيضا : إذا طلع النّعام ، كثر الغمام وذلك ليل التّمام ، وقيل أيضا : إذا طلعت النّعائم ابيضّت البهائم من الصّقيع الدّائم ، وأيقظ البرد

٣٩٧

كلّ نائم. وروي خلص البرد إلى كلّ نائم ، وتلاقت الرّعاء بالنّمائم.

وإذا طلعت البلدة حممت الجعدة وأكلت القشدة وزعلت كل ثلدة وقيل للبرد اهده ، والقشدة والقلدة والخلاصة : ما يسلأ به السّمن.

وإذا طلع سعد الذّابح حمى أهله النّاتج ، ونفع أهله الرّائح ، وتصبح السّارح وظهر في الحي الأنافح.

وإذا طلع سعد بلع اقتحم الرّبع ولحق الهبع وصيد المرع وصار في الأرض بقع أو لمع وقيل تشكّى كلّ ربع.

وإذا طلع سعد السّعود : مضر العود ، ولانت الجلود ، وكره النّاس في الشّمس القعود.

وإذا طلع سعد الأخبية : ذهبت الأسقية ، ونزلت الأحوية ، وتحاورت الآنية ، وقيل إذا طلع السّعد كثر الثعد.

وإذا طلع الدّلو ينيت الجزو ، وانسلّ العفو ، وطلب اللهو الحلو ، وقيل أيضا : إذا طلع الدّلو فهو الرّبيع والبدو. والقيظ بعد الشّتو وكان فيه كل نوء أي مطر.

وإذا طلعت السّمكة : أمكنت الحركة وتعلّقت الحسكة ونصبت الشّبكة وطاب الزّمان للنّسكة.

وإذا طلع الشّرطان استوى الزّمان وحضرت الأعطان وتوافت الأسنان وتهادت الجيران وبات الفقير بكلّ مكان ، وألقيت الأوتاد في الأبطان وقيل أيضا : إذا طلع الشّرطان ألقت الإبل أوبارها في الأعطان.

وإذا طلع البطين اقتضى الدّين وامتيز بالعين واقتفى العطار والقين. ومن هذا قول الشاعر شعرا :

فإن كنت قينا فاعترف بنسيه

وإن كنت عطّارا فأنت المخيّب

أفينا تسوم السّاهرية بعد ما

بدا لك من شهر المليساء كوكب

المليساء : تصغير الملساء ، والسّاهرية : جنس من الطّيب ، والاقتفاء : الكرامة وقيل أيضا: إذا طلع البطين تزينت الأرض بكل زين. وقيل : إذا طلعت الهنعة تحمل النّاس للقلعة.

وإذا طلع الذّراع : هرأت السّناسن والكراع ، وهرأت : نضجت من قولهم : لحم مهراء. والسّناسن فقار الظّهر والواحد سنسن.

٣٩٨

وإذا طلعت النّثرة التقط البلح بكره ، وإذا طلع الطّرف شقح الطّرف.

وإذا طلعت الجبهة تزيّنت البنهة ، وهو ضرب من النّخل.

وإذا طلعت الخرأتان : طابت أم الجرذان لضرب من التّمر.

وحكى ابن الأعرابي : إذا طلع سهيل أخذ أحدهم بإذن الفصيل ، ثم استقبل به مطلع سهيل ، يريه إيّاه ثم يحلف أنّه لا يرضع بعد يومه ذلك قطرة ويفصله من أمّه.

وقيل : إذا طلع سعد الذّابح ـ انحجرت الضّوابح ـ ولم تهرّ النّوابح ـ من الشّتاء البارح.

وقيل : طلع الحوت ـ وخرج النّاس من البيوت ـ وقيل : طلعت الأشراط ، ونقصت الأنباط.

تفسير ما فيه إشكال من ألفاظ هذه الأسجاع : الاحتدام : الذّكاء ويقال : احتدم الرجل: إذا تلظّى غضبا. والحطم : الكسر. والشّكوة : السّقاء الصغير من مسك السّخلة قبل أن يقرم. وقرمه : أكله الشجر ، والقبل : أصله النّشر من الأرض يستقبلك.

وقال أبو زياد : إذا أمسى النّجم مقابلك من المطلع على قدر رمح أو رمحين قال : والدّبران تراه قد انصبّ عن وسط السّماء حين تبدو النّجوم قم الرأس ، بأن تكبد السماء حتى إن سقط لسقط على رأس القائم ، وقوله : (عظاماها) يريد عظمي إبله وغنمه والمراد به الجنس.

والحدس : الصرع يقال : حدس بناقته فوجأها في سبلتها : إذا أناخها فوجأها في نحرها.

وحكي عن بعضهم حدس لهم بمطفئة الرّضف ، إذا ذبح لهم شاة يطفئ الرّضف من سمنها. والرّصف : الحجارة المحماة. واستفار : الذّبان شدّة أذاها ومعرتها. والإيراس : الاصفرار. وأردفتها : جاءت بعدها يقال ردفته وأردفته وإذا جعلته خلفك فليس إلّا أردفته.

وقال يزيد بن القحيف الكلابي : يقول الرجل للرجل يلقاه : هل لك علم برفقة بني فلان؟ فيقول : نعم ها هي ذه مردفتنا أي وراءنا.

ويقول : حسرت الشّمس القناع ، وهو مثل ، والمعنى أنها لم تدع غاية في الذكو.

ويقال للشّمس إذا اشتدّ حرّها ولم يحل من دون شعاعها شيء : انصلعت ويوم أصلع : أي حام وأنشد :

يا قردة خشيت على أظفارها

حرّ الظهيرة تحت يوم أصلع

٣٩٩

والخرفة : ما لقط من الرّطب وخرفت فلانا وأخرف لنا أي اجتنى.

وتشقيح البسرة أن تحمر : يقال شقح بسر وأشقح إذا تلوّن بحمرة.

قال الأصمعيّ : الأمر والقميد الصّغير من أولاد الضّأن ، قال أبو عمر وهو السّائمة كلّها. والعراضات : الإبل العراض واحدتها عراضة ، لأنّ آثار أخفافها في الأرض عراض.

والولهة : جمع والهة وهي ما بقي في المداوس من التّبن بعد تنقيته من الحب. ومن أمثالهم : هو أغنى عن ذلك من التّفة عن الرّفه. والتّفة عناق الأرض وهو لا يقتات التّبن لأنّه سبع. وأم جرذان : نخلة بالحجاز يتأخّر إدراكها.

قال الأصمعي : هو المشان بالعراق ، والجفور : الانتهاء من الضّراب والامتياز التنحي. واستفاهة الاحناك : شهوة الطعام ، يقال : رجل فيه للجيد الأكل ، واللّكاك : التّدافع والتّزاحم ، والنّضر : الخضر من كل نابتة ، والوحوحة : حكاية صوت الولدان من البرد ، والزّولة : المنكرة. وقوله قرب الأشيب أوقر الأشيب يعني الثّلج والجليد ، وابيضاض البهائم من السّقيط الواقع على ظهورها. قال شعرا :

وأصبح مبيضّ الصّقيع كأنّه

على سروات النّيب قطن مندف

والتّوسف : التّقشر. قال :

وأوقدت الشّعرى مع اللّيل نارها

وأمست محولا جلدها يتوسّف

وتحميم الجعدة : أن تراها قد همّت باطلاع كما تحمّم وجه الغلام إذا همّ بالبقول.

وقوله : كل تلدة فهو من التّلاد والزّعل والنّشاط ، و (البلدة) : من التّلبيد ، و (اقتحام الرّباع) إسراعه في عدو لأنّه قوي ، و (المرعة) طائر سمين طويل العنق يملأ كفيّ الإنسان ، وأكثر ما يرى في الخضرة والعشب. وأنشد :

له مرغ يخرجن من تحت ودقة

مع الماء جون ريشها يتصبّب

ويقال : هو أحرص شيء على الطّيران في المطر ، وهي خضراء ، أشربت صفرة ، و (الثّعد) : العشب و (الغض) : الرّطب. ومن الأسجاع : كلأ ثعد ماد يشبع منه الناب ، وهي تعدو ، و (الماد) : النّاعم و (الحواء) قطعة من بيوت الأعراب. و (الحسكة) : ثمرة السّعدان وهي بقلة تتسطع على الأرض إذا نبتت ، و (الأنباط) : المياه المظهرة نحو الآبار.

و (القني) : ما أنبطته فهو نبط وفي المثل : لتجدنّ نبطه قريبا ، و (الجزء) الاجتزاء بالرّطب عن الماء ، وإنما قيل : (هيب) : لأنّه يخاف انقطاعه و (العفو) ولد الحمار ، يقال : نسل وأنسل بمعنى إذا ألقى وبره.

٤٠٠