كتاب الأزمنة والأمكنة

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني

كتاب الأزمنة والأمكنة

المؤلف:

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٦

الباب السّابع عشر

في أقطاع الدّهر وأطراف النّهار واللّيل ـ وطوائفهما

وما يضارعهما من أسماء الأمكنة أو يداخلها من

ذكر الحوادث فيها. وهو ثلاثة فصول

فصل

قال الأصمعيّ وغيره : يقال : غبر برهة من دهره وبرهة وزمنة وطرقة وطرقة وحقبة وهبة وسبة أي زمان. قال أبو ذؤيب :

بقرار قيعان سقاها صيف

واه فأثجم برهة لا يقلع

وأقام درجا من دهره ، وحرسا من دهرة لا يفعل كذا أي زمانا ، ومضت سنبة من الدّهر وسنبية أي قطعة ، وذكر سيبويه في زيادة التّاء هذه اللفظة ، واستدلّ على أنّه فعلية لسنبة ، وأنشد الأصمعيّ :

ربّ غلام قد صرى في فقرته

ماء الشّباب عنفوان سنبة

ويروى شرته.

وغير مهوان من الدّهر وهو مفعال من الهون ، ويقال أيضا : بيني وبينه مهوان من الأرض : أي بعد ومهون أيضا. ويقال : بقي سبتا يفعل كذا قال شعرا :

لقد نرتعي سبتا ولسنا بجيرة

محلّ الملوك نقدة فالمغاسلا

والسّبت القطع ، كان المراد به قطعة ، كما يقال : الخلق في المخلوق.

ويقال : إنّي لآتيه الغينة بعد الغينة ، وفينة بعد فينة. قال :

لك البيت إلّا فينة تحسنينها

إذا حان من ضيف عليّ نزول

وحكى أبو عمرو غلام ثعلب : (فإن يفين فينة) : إذا زار وقتا بعد وقت ، ويقال لقيته

٢٢١

فينة يا هذا ، فجعلوه كالعلم ، ولم يفعلوا ذلك برهة ، وهذا كما قالوا للغراب : ابن داية ولم يفعلوا ذلك في الظّهر. ويقال : أتيته آئنة بعد آئنة ، بوزن عائنة أي تارة بعد تارة وكأنّه اسم مبني على فاعلة من الأوان كاللّائمة من اللّوم والنّاظرة من الأنظار. وقرئ (فناظرة إلى ميسره) والنّائل من النّوال ، ولا يجعل آئنة جمعا لأوان مثل الآونة وأنشد :

ترى قورها يغرقن في آل مرة

وآئنة يخرجن من غامر نخل

أي وتارة يخرجن ، وأوان كزمان وأزمنة. قال ابن أحمر :

أبو عمرو يؤنسنا وطلق

وعمّار وآونة أثالا

قال أبو عبيدة : لقيته أدنى ظلم ومعناه القرب. وقال الأحمر : فإن كنت تلقاه في اليومين والثّلاثة فصاعدا قلت : لقيته أفرط في الفرط ، ولا يكون الفرط في أكثر من خمس عشرة ليلة. ويقال : فلان تفارطته الهموم : أي لا تصيبه الهموم إلّا في الفرط.

قال أبو زيد : فإن لقيته بعد شهر أو نحوه قلت : لقيته عن عفر. قال : فإن لقيته بعد الحول أو نحوه قلت : لقيته عن هجر. قال : وإذا كان الرجل يمسك عن إتيان صاحبه الزّمان ثم يمسك عنه نحو ذلك أيضا ثم يأتيه قال : لقيته بعيدات بين.

قال الأصمعي : فإن لقيته بين الأعوام قلت : لقيته ذات العويم ، قال أبو عبيدة : فأمّا الغب في الزّيارة فمعناه الإبطاء والتّقليل على غير وقت معلوم ، وأحسب الأصل كان فيه من غب وهو أن ترد الإبل الماء يوما وتدع يوما. ومثله غب الحمى ثم انتقل المعنى من هذا في الزّيارة خاصة إلى ما فوق وقت الورد ووقت الحمى. قال : ومن هذا المعنى قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الحديث : «زر غبّا تزدد حبّا» فقد علم في هذا أنه أراد الإبطاء في الزّيارة. قال : وكذلك الإلمام نحو الغب ، إنما معناه الأحيان على غير مواظبة ولا وقت محدود ، فهذا ما قاله ، والإلمام للزّيارة لا للوقت ، كما أنّ الاعتمار اسم لها متى كانت لا للوقت. ويقال : رأيته عين عنة أي : السّاعة من غير أن طلبته وقيل : أوّل عائنة أيضا. ويقال : أتيته على حبالة ذاك أي على حين ذاك.

وحكى الخليل : أقمت عنده في ضغيغ دهره ، أي قدر تمامه. (ابن الأعرابي) فعلنا كذا وكذا والدّهر إذ ذاك مسجل. والمعنى لا يخاف أحد أحدا. ويقال : لهذا دهر حول قلب إذا كان كثير التّبديل ، كما يقال : رجل حول قلب. (ابن الأعرابي) يقال : حول كميل ودكيك وقميط وكريت أي تام وأنشد في الكميل شعرا :

على أنني بعد ما قد مضى

ثلاثون للعجر حولا كميلا

٢٢٢

أي فصل بين الثلاثين وبين الحول ضرورة ، ويقال : في ضد الكميل حول ختت (١) أي ناقص. ويقال : فعلته أيّاما حسوما أي متتابعة ، وقيل : تامة وهو من قولك : حسمت الشيء أي فصلته من غيره ، وفي القرآن : (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) [سورة الحاقّة ، الآية : ٧] أي نحوسا والأوّل أصح. ويقال : أرمى فلان على الخميس وذرف وأربى وأوفى.

وحكى الفرّاء فيه ودى وهذا وإن كان أصله في الزّيادة في السّنين فقد استعمل في الزّيادة في غيرها وأنشد :

وأسمر خطيا كأنّ كعوبه

نوى القسب قد أربى ذراعا على العشر

وقد ظلف على الخمسين وقد أكل عليها وشرب ، وقد طلع على الخمسين وقد ولّاها ذنبا. قال : وسمعت الطّوسي يقول : قيل لبعض الأعراب : كم سنة أتت لك؟ فقال : ولّتني الأربعون ذنبها. وقيل لآخر مثل ذلك فقال : أنا في قرح الثّلاثين ، أي في أوّلها وفي أوّل شهر منها ، والأقراح أوائل الأشياء ، واقترح فلان على كذا. وقال ابن الأعرابي في قول أوس :

على حين أن حد الذّكاء وأدركت

قريحة كحسي من شريح مغمّم

جعل شباب شريح حين بدا كحسي الماء لا ينقطع ماؤه ، ومغمم أي ملأ كلّ شيء ، وغمّه غرقه. ويقال : سند في الخمسين ، وارتقى فيها هذا عن بعضهم. وقال أبو صاعد : ارتقى فيها فحسب.

وقال ابن الأعرابي : قلت لأبي الجماهر : ابن كم أنت؟ فقال : قد ولّتني الخمسون ذنبها. وقلت لآخر مثله فقال : حبوت إلى السّتين. وقال بعضهم : أخذت بعنق السّتين. وقال آخر : راهمت الثّمانين. وهذا مأخوذ من الرّهام وهو العدد الكثير. ويقال : ساعة طبقة أي طويلة. وقال الأصمعي : سمعت أعرابيا يقول : منحت الأعقد الخمسة بالخاء المعجمة وبالحاء أيضا يعني خمسين سنة ومعنى منح قطع. (أبو يوسف) يقال للجارية التي قد استقمت عصر شبابها : معصر وهي كاعب أوّلا إذا كعب ثديها ثم يخرج فيكون ناهدا ، ثم استوى نهودها فتكون معصرا. قال الرّاجز :

أوانسا كالرّبرب الرّبايب

من ناهد ومعصر وكاعب

ويقال : لقيت فلانا بادئ بدء وبادي بدأ قال :

__________________

(١) في القاموس في فصل الخاء المعجمة مع التاء المثناة في (الخت) والختيت الخسيس والنّاقص والله أعلم ـ الحسن النعماني المصحّح كان الله له.

٢٢٣

وقد علتني ذراة بادي بدي

وريثه ينهض في تشدّدي

ويقال : كشفت النّاقة وأكشفت إذا نتجت في كلّ عام وإذا ألقت النّاقة أو الشّاة ولدها لغير تمام قيل خدجت. وإن كان تام الخلق وأخدجت إذا ألقته ناقص الخلق وإن كانت أيّامه تامة. ويقال شجرة مبكار وبكور إذا أدركت حملها في أوّل السّنة ، وشجرة منجار إذا أدركت حملها في آخر السّنة. وشجرة معوام إذا حملت سنة وحالت سنة. ويقال : عاده الوجع عدادا إذا عاوده في الشّهر أو في السّنة لوقت معلوم وأنشد :

أصبح باقي الودّ من سعادا

علاقة وسقما عدادا

إذا أقول قد برأت عادا وقال آخر :

تلاقي من تذكّر آل سلمى

كما يلقى السّليم من العداد

ويحلّ الهدي يوم النّحر بمنى ويبلغ محلّه. والمحل الموضع الذي يحل فيه نحره ، وهو يوم النّحر إذا رميت جمرة العقبة. معنى يحل يجب وقرئ قوله تعالى : (يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي) [سورة طه ، الآية : ٨١] والمعنى يجب وإذا قرئ يحلل فمعناه ينزل ، ويقال : بيننا وبينهم ليال آبيات : أي هيّنات السّير. والأوان الدّعة. ويقال : تعاملنا من آمنة ومعاومة ـ ومساناة ـ ومسانهة ـ ومشاهرة ـ ومسابعة ـ ومعاشرة ـ ومياومة ـ ومواضحة من وضح النّهار ومناصفة ـ ومباكرة ـ ومغاداة ـ ومظاهرة ـ ومراوحة ـ ومعاصرة ـ وملايلة ـ ويقال : أسقينا مغارطة أي للسّابق ـ ومناوبة ـ ومعاقبة ـ ومداولة ـ ومراقبة ـ يرقب حتى يفرغ الغارطة ـ ومقالدة ـ ومواضحة ـ ومساجلة ـ ومكابلة أي دلوا فدلوا ـ ومساوقة ـ أي مرّة أسوق عليه السّانية ـ مرّة يسوق عليّ ـ ومؤالبة أي يألب الدّلو إليّ. قال :

يبشّرني بماتح ألوب

مطرح شبه غضوب

ومعارضة ـ ومرافضة ـ ومباينة يبين له الدّلو عن الحجاف ـ ومعالاة ـ أي يعلي وهو أن يجذب الحبل عن حجر ماء في جانب البير. قال :

لو أنّ سلمى شهدت مظلّي

أمتح أو أدلج أو أعلّي

إذن أراحت غير ذات دلّ ومطاردة ـ ومطاوحة ـ ومناوشة ـ أي يأخذ عليّ الدّلو وآخذ عليه ومدالجة أي أدلج بالدّلو إلى الحوض ويدلج وهو المناقلة ـ ومعاطفة يريد عطف السّانية ـ وملاطفة وهو أن يحتمل أحدهما لصاحبه فوق الشرط عليه إيجابا له ولطفا به. ومراواة ـ أي يرتوي إبلي ثم يستقي ـ ومراوحة وملاطمة ينزل فيخرج الطين ومداومة ـ ومثابرة ـ ومجاحفة ـ إذا نقص

٢٢٤

الماء نزل وغرف في الدّلو. ويقال سقينا إبلنا رفها ومرافهة ـ وظاهرة ـ وزعزعة أنصاف النّهار ـ وعريحا مرّة بالغداة ومرة بالعشي ـ وغبّا ومغابة ـ وربعا ومرابعة وعشرا ومعاشرة ـ ومطاردة. ابن الأعرابي يقال :

سال واديك من غير مطرك

وأطرد عيشك في جداول دهرك

لمن عاش في غيره وأنعش بحدّ سواه. ويقال للسّيل إذا سال واديه من مطر ـ وإذا خرّ سال دراو وإذا سال من مطرك ـ قيل سال ظهرا. يقال : مضى لذلك دهر داهر ـ ودهر دهارير ـ والمراد التّطاول. قال الشّاعر :

والدّهر بالإنسان أينما حال دهارير

وقال آخر :

أنا الدّهر يفنى الموت والدّهر خالد

فجئني بمثل الدّهر شيئا يطاوله

وقيل : الدّهر تكرار اللّيل والنّهار ، والزّمان : اللّيل والنّهار ، وصرف الدّهر ما يتصرف بالشيء من أحوال تختلف ، ولهذا قال الشاعر :

والدّهر بالإنسان دوارى. والحين يصلح كلّ وقت طال أو قصر ، لأنّه اسم كلّ زمان ، ومنهم من يجعل الجزء والجزأين من الزّمان حينا ويستدل بقوله. تطلقه حينا وحينا تراجع. ويقال : مضى هذا الأمر لحين أوان : أي لوقته. قال شعرا :

لأركب صعب الأمر إنّ ذلوله

بنجران لا يقضي لحين أوان

وقد حان يحين ـ حيونا ـ وحينونة ـ وحينت الشيء ـ جعلت له حينا ـ والتّحيّن في الحلب من هذا ، وهو أن يجعل له وقتا معلوما يحلب المحلوبة فيه لا يستنقص ولا يستقصي ، وهو خلاف الأفن وهو الاستقصاء ـ والامتحاق والانفصاح وهو ذهاب اللّبن أجمع. ومنه قيل للقمر : امتحق وانفصح. وذلك في ليالي المحاق إذا لم يبق ضوء. وشيء متأبّد أتى عليه أبد. ولا أفعله حتى يفنى الأبد. قال حسان شعرا :

واللّوم فيك وفي سمراء ما بقيت

وفي سمّية حتّى ينفد الأبد

ولا أفعله آخر كلّ ليلة وأبد الله ـ وطوال الدّهر ـ وطوال الله ـ وطوال اللّيالي ـ وسجيس الأوجس ـ وسجيس الأعجس ـ وأوجس أعجس ـ وأحنى أقوس ، وأحنى أشوس ـ وسجيس المسند ـ ولا أفعله ما أن في السّماء نجما ـ وما أنّ في السّماء نجم يريد : ما عنّ أي عرض. ويقال : مضى له أمة ، وهي مدّة من الزّمان طويلة ولا تجمع. وقال أبو العباس

٢٢٥

ثعلب : الأمة مائة سنة فما زاد. ويقال : إنّ الملوين اللّيل والنّهار. ومنهم من يقول هما اختلافهما وأنشد شعرا :

نهار وليل دائم ملواهما

على كلّ حال المرء يختلفان

قال أحمد : لو كان الملوان اللّيل والنّهار لم يضافا إلى ضميرهما من حيث لا يضاف الشّيء إلى نفسه ، ولكن يريد تكثّر الدّهر واتّصاله بهما. ومضت ملوة من الدّهر ـ وملوة وزمنة ـ ومدة طبقة ـ وساعة طبق ـ ومدة طبق ـ والمراد من كلّه الطول وجمع مليء إملاء وجمع طبق أطباق. ويقال : انتظرته مليّا من الدّهر أي متّسعا منه فهذا صفة استعمل استعمال الأسماء. ويقال تملّيت حينا أي عشت معه ملاوة وقال التّوزي : يقال : ملاوة وملاوة وملاوة والملأ المتّسع من الأرض. قال : الأغنياني : وارفعا الصوت بالملاء. وفي القرآن : (وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ) [سورة الأعراف ، الآية : ١٨٣].

وقال ثعلب : الحقب واحد وهو بلغة قيس سنة. وقال غيره : الحقب ثمانون سنة والحقبة السّنة. وقال يونس في قوله :

إني أرى لك أكلا لا يقوم له

من الحليفة إلا الأزلم الجذع

وبعض يقول الأزنم ـ ويقال : الأزلم المتجاذع. ويقال : خروف متجاذع إذا كرب يجذع. وقال :

ما زال ذاك الداب حتّى رأيتهم

يعزون سنّ الأزلم المتجاذع

وإنمّا سمّي جذعا لأنّه أبدا جديد. ولذلك قال بعضهم : سن الدّهر سن الحسل أي : لا يزال جذعا لا يطري عليه سنّ أخرى فينتقل إليها ويقولون : لا أفعله سنّ الدّهر ـ وسنّ الضّب ـ وسن الحمل ـ والمعنى واحد. وقوله : الأزلم والأزنم يراد به ما يتعلق به من الحوادث بممرّه ومتصرّفاته ، ويقال : أفعل ذلك غدا أو سلعة إذا كان بعد الغد أو قريبا منه.

فصل

ذكر ابن الكلبي أنّ عادا سمّت الشّهور بأسماء ، وجاء عن أبي عمرو الشّيباني والفرّاء وقطرب والأصمعي وابن الأعرابي وغيرهم من العلماء وفاق في بعضها واختلاف في بعضها ، وربما كان الاختلاف في التّرتيب ، وربما اختلفوا في بناء الكلمة ووضعها وصرفها وترك صرفها ، كتركهم الصّرف للشّمس والشّمال فقالوا : هذه شمس بازغة ، وهذه شمال باردة. وقال الشّاعر حالفا :

أما وشمس لتحصنهم دما وقال :

٢٢٦

إذا هبّت شمال غدرت فيها

بلفظ بين مقرحة وآن

فمن ذلك قالوا للمحرّم : مؤتمر إجماع منهم. ولصفر : ناجر ومنهم من لا يصرف فيقول ناجر. ولربيع الأول قال قطرب : خوان وخوان مخفّف ـ وقال غيره : خوان بالضّم والتّشديد ، ولربيع الآخر : قال قطرب : وبصان وبصان ـ وقال غيره بصان بالتّخفيف والضمّ ووبصان ووابصة ـ وجمادى الأولى : قال قطرب : حنين ـ وقال ابن الكلبي : ربي بالباء ـ وقال ابن الأعرابي : رني بالنّون ـ وقال ابن دريد حنين ـ وجمادى الآخرة قال قطرب : ربي وربه ـ قال ابن الكلبي : حنين ـ وقال الشّيباني والفرّاء : حنين وأنشدا شعرا :

وذو النّحب ينويه فيوفي بنذره

إلى البيض من ذاك الحنين المعجّل

رجب قال قطرب : الأصم وهو إجماع منهم ـ شعبان عاذل ـ ابن الكلبي وابن الأعرابي وعل ـ الفراء ، وعل مثل فخذ شهر رمضان ـ قطرب : ناتق وغيره نتق ـ شوّال : وعل ـ ابن دريد وعل ـ ابن الكلبي وابن الأعرابي عاذل ـ غيرهم معتدل. ذو القعدة : قطرب : ورنة ـ غيره ورنه ـ أخررنه ـ غيره رنة ـ الشّيباني يقال له : هواع قال :

وقومي لدى الهيجاء أكرم موقعا

إذا كان يوم من هواع عصيب

ذو الحجة : برك بإجماع منهم ـ وروى الصّولي عن أحمد بن يحيى في أماليه زعم ابن الكلبي أنّ العرب كانت تسمّي المحرم مؤتمرا ـ وصفرا ناجرا ـ وشهر ربيع الأول خوان ـ وشهر ربيع الآخر وبصان ـ وجمادى الأولى ربى ـ وجمادى الآخرة حنين ـ ورجب الأصم ـ وشعبان عاذلا ـ ورمضان عاذلا ـ وشوّال وعلا ـ وذو القعدة ورنة ـ وذو الحجة برك.

فصل

استخرجناه من كتاب سيبويه يستغرب أكثر ما فيه ونختم به الكلام في الأماكن والأوقات ويتّصل به ذكر شيء من الخلاف بيننا وبين الكوفيين إذا تأمّل انشرح به كثير من هذا الباب.

قال سيبويه : يقول هو ناحية من الدّار وداره ذات اليمين وأنشد لجرير :

هبّت حنونا فذكرى ما ذكرتكم

عند الصّفاة التي شرقيّ حورانا

قال : وسمعت بعض العرب ينشد :

سرى بعد ما غار الثّريا وبعد ما

كأنّ الثّريا حلّة الغور منخل

فانتصاب هذه الأحرف كانتصاب قولك هو قصدك قال : وسمعنا ممن يوثق به من العرب هما خطان جنابتي أنفها يعني الخطين اللّذين اكتنفا جنبي أنف الظّبية. قال الأعشى :

٢٢٧

نحن الفوارس يوم الحنو ضاحية

جنبى فطيمة لا ميل ولا عزل

ويقال : زيد جنب الدار ، وجانب الدار ، وقالوا : هم حوله وأحواله وحياله وحواليه وهم جنابه وجنابيه وقطريه وأقطاره. وأنشد لأبي حية النّميري :

إذا ما تغشّاه على الرّحل جنبتي

مساليه عنه من وراء ومقدم

يعني بمساليه عطفيه فهو بمنزلة جنبي فطيمه. وكقولهم : هو وزن الجبل أي ناحية منه ، وهو زنة الجبل ، وقولك أقطار البلاد فإن جعلت الآخر هو الأوّل رفعته وأردت به الثّقل أعني الوزن والزّنة. ومن ذلك قول العرب : هو موضعه أي في موضعه كما قالوا : هو صددك وسقبك أي قربك. وتقول كيف أنت إذا أقبل قبلك ويجيء نحوك قال : كيف أنت؟ إذا أريدت ناحيتك ، وكيف أنت إذا أقبل التّعب الرّكاب جعلهما اسمين. والنقب الطّريق في الجبل والمراد بقوله جعلهما اسمين ، أي لم يجريا على المصدر فهو بمنزلة قولهم هو قريب منك ، فإن شئت قلت : هو قريبا وهل قريبا منك أحد. قال : ومما لا يحسن أن يكون ظرفا قولك : جوف المسجد ، وداخل الدّار ، وخارج الدار وذلك لمفارقتها خلف وقدّام وما أشبههما مبهمة .. والمختصّ من أسماء الأماكن لا يكون ظرفا. قال وممّا شبّه من الأماكن المختصة بالمكان قولهم : هو منّي منزلة الشّغاف وهو منّي مزجر الكلب وأنت مقعد القابلة. قال فوردن والعيّوق مقعد رأي الضّربا.

وقال آخر :

وإنّ بني حرب كما قد علمتم

مناط الثّريّا قد تعلّت نجومها

وقال : هو منّي معقد الإزار ، وهم درج السّيل قال ابن هرمة :

انصب للمنيّة لقربهم

رجالي أم هم درج السّيول

وكل هذا وأشباهه وضعت مواضع القرب والبعد فلذلك استجيز فيها على اختصاصها وقوعها ظرفا قال : فاستعمل هذا ما استعمله العرب وأجيز منه ما أجازوه قال : وزعم يونس أنّ بعضهم قال : هو منّي مزجر الكلب ، فرفع جعله بمنزلة مرأى ومسمع. ويجعل الآخر هو كالأوّل. فأمّا قولهم : داري خلف فرسخا فكأنّه لما قال داري خلف دارك ، وهو مبهم فلم يدر ما قدر ذلك فقال : فرسخا وذراعا.

وزعم يونس أنّ أبا عمرو كان يقول : داري من خلف دارك فرسخان ، كما تقول : أنت منّي فرسخان وفرسخين. قال فأمّا قولهم : اليوم الأحد واليوم الاثنان وكذلك إلى الخميس فلأنّها ليست يعمل فيها أراد أن يفرّق بينها وبين السّبت والجمعة فتقول اليوم خمسة عشر من

٢٢٨

الشهر ، إذا أردت أنّ اليوم تمام خمسة عشر ـ ومن العرب من يقول : اليوم يومك ، فيجعل اليوم الأوّل بمنزلة الآن ، لأنّ الرّجل قد يقول : أنا اليوم أفعل كذا ولا يريد يوما بعينه.

واتّفق الكوفيّون والبصريّون على أنّ قول القائل : خلفك وقدّامك وما أشبههما من الأماكن العامة ظروف في الإضافة ، واختلفوا فيها إذا أفردت ، فقال البصريّون : هي ظروف على ما كانت في حال الإضافة.

وقال الكوفيّون : إذا أفردت صارت اسما فقولك زيد خلفا وقداما عند البصريّين ظرف. وعند الكوفيّين زيد خلف على معنى متأخر ، وقدّام بمعنى متقدّم ، وكذلك إذا قلت : قام زيد خلفا نصبته على الظّرف عند البصريّين. والكوفيّون يقولون : تقديره تقدير الاسم الذي هو حال كأنّه قال : قام متأخرا وكذلك إذا قلت : قام مكانا طيبا يكون ظرفا.

والكوفيّون يقولون : ناب عن قولك مترفا ومعتبطا ، وإنمّا يحتاج إلى الإضافة عندهم لأنّه يكون خبرا عن الاسم ، كما يكون الفعل خبرا في الوقت ، زيد يذهب فلمّا كان الفعل يحتاج إلى فاعل ويتّصل به أشياء يقتضيها من المصدر والمكان والزّمان والمفعول ألزموا المحلّ للإضافة ليسدّ المضاف إليه مسدّ ما يطلبه الفعل ويدلّ عليه.

وقال البصريّون : إنما الإضافة لتعيين الجهة والتّعريف. والأصل هو التّنكير وإنّما التّعريف داخل عليه. وأجمع الفرقتان على أنّ الوقت يرفع وينصب إذا كان خبر المرفوع مبتدأ في حال تعريف الوقت وتنكيره. فالتّعريف قولك : القتال يوم الجمعة واليوم. وإن شئت قلت : اليوم ويوم الجمعة. والتّنكير كقوله : (زعم البوارح أنّ رحلتنا غدا) وغد. فالتّقدير في الرّفع وقت القتال اليوم فحذف المضاف والنّصب بإضمار فعل كأنّك قلت : القتال وقع اليوم ، وإذا كان الفعل مستغرقا للوقت كلّه ـ فالبصريّون يجيزون فيه النّصب على الظّرف ، كما يجيزونه في غير المستغرق ويدخلون عليه (في).

والكوفيّون لا يجيزون فيه النّصب وهذا غلط ، ويجعلونه خبرا هو الأوّل ، ولا يدخلون في تقول صيامك يوم الخميس ، والصّوم يستوعب اليوم ويجوز في قولهم : صمت في يوم الخميس. والكوفيّون لا يجوّزون النّصب ويمنعون من إدخال (في) لأنّها عندهم : توجب التّبعيض ، والصّوم يستوعب اليوم. وقولهم فاسد لأنّ (في) لا يمتنع دخولها على زمان الفعل وإن قلّ ، ويقول : كلّمت في القوم أجمعين ، فيدخل (في) وقد استوعبتهم الكلام ، وامتنع الكوفيون من زيد خلفك أشد منع حتّى قال بعضهم في قوله : ألا جبرائيل أمامها إنّ ذلك إنمّا جاز لأنّ جبرائيل لعظم خلقه يملأ الأمام كلّه ، وهذا في التّحصيل خطأ لأنّ الأمام لا نهاية له ، وكذلك سائر الجهات. وأجازوا ذلك في أخبار الأماكن فقالوا : داري خلفك ومنزلي أمامك ، وعلى هذا حمل ثعلب قول لبيد : خلفها وأمامها وإذا تأملت فلا فصل.

٢٢٩

الباب الثّامن عشر

في اشتقاق أسماء المنازل والبروج وصورها

وما يأخذ مأخذها والكواكب السّبعة وهو فصلان :

فصل

العواء (١) يمد ويقصر ، والقصر أجود وأكثر ، وهي خمسة كواكب كأنّها ألف معطوفة الذّنب وأنشد :

فلم يسكنوها الجزء حتّى أظلّها

سحاب من العوّا وتابت غيومها

وسمّيت العوّاء : للانعطاف والالتواء الذي فيها ، والعرب تقول : عويت الشيء إذا عطفته ، وعويت رأس النّاقة إذا لويته ، وفي المثل : ما ينهى ولا يعوي وكذلك عويت القوس والشّعر والعمامة إذا عطفته. ويجوز أن يكون من عوى إذا صاح كأنّه يعوي في أثر البرد ، ولهذا سمّيت طاردة البرد ، ويقولون : لا أفعله ما عوى العوّاء ولوى اللّواء. وقال بعضهم : إنمّا سمّيت العوّاء لأنّها خمسة كواكب كأنّها خمسة كلاب تعوي خلف الأسد ونوؤها ليلة.

السّماك وسمّي السّماك الأعزل لأنّ السّماك الآخر يسمّى رامحا لكوكب تقدّمه ، يقولون : هو رمحه وقيل : سمّي أعزل لأنّ القمر لا ينزل به ، وقال صاحب كتاب الأنواء ، ينزل القمر بهذا دون الرّامح وأنشد :

فلمّا استدار الفرقدان زجرتها

وهبّ سلاح ذو سماك وأعزل

والعرب يجعل السّماكين ساقي الأسد ونوؤه غزير ، لكنه مذموم وهو أربع ليال وسمّي سماكا لأنّه سمك أي ارتفع ، وقال سيبويه : السّماك أحد أعمدة البيت. قال ذو الرّمة :

__________________

(١) قال صاحب جواهر الحقائق : العوا هو منزل ثالث عشر للقمر ، والسّماك الأعزل هو منزل رابع عشر من القمر ، والغفر منزل خامس عشر له ١٢ ش.

٢٣٠

كأنّ رجليه سماكان من عشر

ثقبان لم يتفش عنهما النّجب

وبين يدي السّماك الأعزل أربعة كواكب على صورة النّعش يقال لها : عرش السّماك ويسمّى الخباء. وقال بعضهم : هو عرش الثّريا يقال : باتت عليه ليلة عرشية قال ابن أحمر شعرا :

باتت عليه ليلة عرشية

شريت وبات إلى نفا متهدّد

شربت أي لجّت في المطر ومتهدّد أي متهدّم لا يتماسك.

الغفرة وهي ثلاثة كواكب بين زباني العقرب وبين السّماك الأعزل خفية على خلقة العوّاء. والعرب تقول : خير منزلة في الأبد بين الزّباني والأسد تعني الغفرة ، لأنّ السّماك عندهم من أعضاء الأسد ، فقالوا : ثلاثة من الأسد ما لا يضرّه الذئب يدفع عنه الأظفار والأنياب ، وثلاثة من العقرب ما لا يضرّ الزّباني لدفع عنه الحمة ، وهو من الغفرة وهو الشّعر الذي في طرف ذنب الأسد. وقيل سميّت الغفرة لأنّها كأنّها ينقص ضوؤها ، ويقال غفرت الشيء إذا غطّيته فيكون على هذا في معنى مفعول ، ويقول : شر النّتاج ما كان بعد سقوط الغفرة ، ويعدّون ليلة نزول القمر به سعدا ، ونوؤه ثلاث ليال ، وقيل بل نوؤه ليلة وأنشد :

فلما مضى نوء الثّريا وأخلفت

هواد من الجوزاء وانغمس الغفر

الزّباني (١) وسمّي زباني العرب وهما قرناها ، كوكبان وهو مأخوذ من الزّبن وهو الدّفع ، وكلّ واحد منهما عن صاحبه غير مقارن لها ونوؤها ثلاث ليال وتهبّ معه البوارح وأنشد :

ورفرفت الزّباني من بوارحها

هيف أنشّت به الأصناع والخبر

الأصناع محابس الماء والخبر جمع خبرة وهي أرض بها السّدر ويدفع فيه الماء.

الإكليل وهي ثلاثة كواكب مصطفة على رأس العقرب ولذلك سمّيت الإكليل وكأنّه من التّكلل وهو الإحاطة ، ومنه الكلالة في النّسب ونوؤه أربع ليال ، وهو من العقرب وأنشد نجران العود يصف رفقاءه :

مطرفين على مثنى أيامنهم

راموا النّزول وقد غاب الأكاليل

جمع الإكليل كأنّه جعل كلّ كوكب إكليلا ثم جمعه.

القلب : وهو كوكب أحمر نيّر سمّي القلب لأنّه في قلب العقرب ، وأوّل النتاج بالبادية

__________________

(١) هو المنزل السادس عشر للقمر ، ١٢ جواهر.

٢٣١

عند طلوع العقرب ، وطلوع النّسر الواقع ويسمّيان الهرارين لهرير الشّتاء عند طلوعهما ونوؤها ليلة ، ثم يستحسنونها قال :

فسيروا بقلب العقرب اليوم إنّه

سواء عليكم بالنّحوس وبالسّعد

(والقلوب) أربعة (قلب العقرب) و (قلب الأسد) و (قلب الثّور) وهو الدّبران و (قلب الحوت).

الشّولة (١) وسمّيت بذلك لأنّها ذنب العقرب. وذنب العقرب شائل أبدا ، وأهل الحجاز يسمّون الشّولة الإبرة ، وبعدها إبرة العقرب وهي سمّيت فقر يجعلون كلّ كوكب فقرة ، والسّابعة الإبرة. والمجرّة تسلك بين قلب العقرب وبين النّعائم فتقطع نظام المنازل في هذا الموضع. وفي موضع آخر وهو ما بين الهقعة والهنعة فإنّها تسلك بينهما ، فتعترض نظام المنازل اعتراضا ، وهاهنا تقطع القمر وسائر الكواكب الجارية في المجرّة ، وذلك حين تنحدر عن غاية تواليها إلى ذروة القبة فتأخذ في الهبوط ، فأمّا قطعها إيّاها عند السّقوط فذلك حين يبتدئ الصّعود بعد غاية الهبوط ، ويسمّى الشّولة شولة الصّورة وهي منغمسة في المجرّة فإذا لم يعدل القمر عن منزله قيل : كالح القمر مكالحة. ومعنى شال ارتفع ، ويقال : ناقة شائلة إذا ارتفع لبنها. وجمعها شؤل وناقة شائل : إذا شالت بذنبها وجمعها شؤل وأنشد :

كأنّ في أذنابهنّ الشّول

من عبس الصّيف قرون الأيل

ونوؤها ثلاث ليال وهي كوكبان مضيئان.

النّعائم (٢) وهي ثمانية كواكب (أربعة) منها في المجرّة تسمى الواردة لأنّها شرعت في المجرة كأنّها تشرب (وأربعة) خارجة منها تسمّى الصّادرة وإنمّا سمّيت نعائم تشبها بالخشبات التي تكون على البئر ، أو تحت مظلّة الرئية فكأنّها أربع كذا وأربع كذا كما قال :

لأظلّ في يدها إلا نعامتها

منها حزيم ومنها قائم باق

ونوؤها ليلة.

البلدة وهي فرجة بين النّعائم ـ وبين سعد الذّابح ـ وهو موضع خال ليس فيه كوكب ، وإنّما سمّيت بلدة تشبها بالفرجة التي تكون بين الحاجبين اللّذين هما غير مقرونين ويقال :

__________________

(١) في الجواهر منزل تاسع عشر للقمر ، ١٢ القاضي محمد شريف الدين الحنفي.

(٢) في الجواهر منزل العشرين للقمر ، ١٢ محمد شريف الدين عفا عنه.

٢٣٢

رجل أبلد إذا افترق حاجباه ، ونوؤها ثلاث ليال وقيل ليلة.

سعد الذّابح وسمّي بذلك لكوكب بين يديه يقال هو شاته التي تذبح ونوؤه ليلة. وأنشد :

ظعائن شمس قريح الخريف

من الفرغ والأنجم الذّابحة

سعد بلع سمّي بذلك لأن الذّابح معه كوكب بمنزلة شاته وهذا لا كوكب معه فكأنّه قد بلع شاته. وقال بعضهم : سمّي بلع لأن صورته صورة فم فتح ليبلع. وقال غيره : بل لأنّه طلع حين قال الله تعالى : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) [سورة هود ، الآية : ٤٤] كأنّ انكشاف ذلك الطّوفان في يومه ونوؤه ليلة.

سعد السّعود (١) وسمّي بذلك لأنّ في وقت طلوعه ابتداء ما به يعيشون وتعيش مواشيهم ونوؤها ليلة وقيل : إنّ السّعد منها في واحد وهو نهارها وأنشد :

ولكن بنجمك سعد السّعود

طبقت أرضي غيثا درورا

سعد الأخبية (٢) وسمّي بذلك لكوكب في كواكبها على صورة الخباء وقيل : بل لأنّه يطلع في قبل الدفء فيخرج من الهوام ما كان مختبئا ، ونوؤه ليلة وليس بمحمود.

فرغ الدّلو المقدّم (٣) ويقال : الأعلى ، وبعضهم يقول : عرقوة الدّلو العليا وعرقوة الدّلو السّفلى. وذكر بعضهم : إنمّا سمّي فرغ الدّلو لأنّ في وقت الأمطار تأتي كثيرا فكأنّه فرغ دلو وهو مصب مائها. وقال بعضهم : إنمّا سمّي بالعرقوة والفرغ تشبها بعراقي الدّلو ، لأنّها على هيئة الصليب ونوؤه ثلاث ليال ، وأنشد في خريف :

سقاه نوء من الدّلو تد

لّى ولم يوار العراقي

وأنشد :

يا أرضنا هذا أوان تحيين

قد طال ما حرمت بين الفرغين

ويقال للفرغ النّاهز وهو الّذي يحرك الدّلو لتمتلئ.

__________________

(١) في جواهر الحائق هو منزل الرّابع والعشرين للقمر ، ويسمّى متن الفرس.

(٢) وفيه هو منزل الخامس والعشرين للقمر ويسمّى جناح الفرس ١٢.

(٣) منزل السّادس والعشرين للقمر ويسمّى جناح الفرس ـ شريف الدين.

٢٣٣

فرغ الدّلو المؤخر (١) : ونوؤه أربع ليال وهو محمود.

الرّشا : وهو السّمكة ويقال : بطن السّمكة وقلب الحوت ويقال لما بين المنازل الفرج. فإذا قصر القمر عن منزلة واقتحم التي قبلها نزل بالفرجة ويستحسنون ذلك إلا الفرجة التي بين الثّريا والدّبران ، فإنّهم يكرهونها ويستنحسونها ويقال لها الضّيقة. قال :

فهلّا زجرت الطيّر ليلة جئته

لضيقه بين النّجم والدّبران

الشّرطان (٢) : وسمّي بذلك لأنهما كالعلامتين أي سقوطهما علامة ابتداء المطر ، والشّرط العلامة ولهذا قيل لأصحاب السّلطان : الشّرط لأنهم يلبسون السّواد كأنّهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها ويقال : شرطي في كذا ويقال : إنّهما قرنا الحمل ، وهما أوّل نجوم فصل الربيع ، ونوؤه ثلاثة أيام وهو محمود غزير.

البطين (٣) وسمّي بذلك لأنّه بطن الحمل ونوؤه ثلاث ليال وهو شرّ الأنواء وأنزرها وقلّما أصابهم إلا أخطأهم نوء الثّريّا.

الثّريا (٤) ويسمّى النّجم والنّظم وهو تصغير ثروى من الكثرة وقيل : سميّت بذلك لأنّ مطرها يثري ويقال : ثرى ونوؤها خمس ليال غير محمود.

الدّبران (٥) ويسمّى التّابع والثّاني والتّبع والفتيق وحارك النّجم وسمّي الدّبران لأنّه دبر الثّريا أي صار خلفها ، ويسمّى المجدح والمجدح حكاهما الشّيباني وقال الأموي هو المجدح ونوؤه ثلاث ليال وقيل : بل هو ليلة وهو غير محمود.

وقد فسّر بعضهم ورد القطاة إذا استمال التّبع على أنّه الدّبران ومما يحكى عنهم من كلامهم : كان كذا حين خفق المجدح يعنونه. وقال بعضهم : إنمّا قال : مجدح إذا اتّصل نوؤه بنوء الثّريّا فغزر ويقولون : سقيت بمجاديح السّماء وأرسلت السّماء مجاديح الغيث. فإن قيل : أتقول لكلّ ما دبر كوكب الدّبران؟ قلت : لا أقول ذلك لأنّه قد يختص الشيء من بين جنسه بالاسم حتّى يصير علما له ، وإن كان المعنى يعمّ الجمع على ذلك قولهم النّابغة في الجعدي والذّبياني وابن عباس في عبد الله وأنشد :

__________________

(١) قال في جواهر الحقائق منزل السابع والعشرين للقمر ، ويسمّى بطن الحوت.

(٢) الشّرطين منزل أوّل للقمر ١٢.

(٣) وفيه أيضا البطين منزل الثاني للقمر.

(٤) المنزل الثالث.

(٥) المنزل الرابع للقمر ١٢ القاضي محمد شريف الدين.

٢٣٤

وردن اعتسافا والثّريّا كأنّها

على قمّة الرأس ابن ماء محلق

يدفّ على آثارها دبرانها

فلا هو مسبوق ولا هو يلحق

الهقعة (١) وسمّيت بذلك تشبيها بهقعة الدّابة : وهي دائرة تكون على رجل الفارس في جنب ، ويقال فرس مهقوع وكانوا يتشاءمون بها وهي ثلاثة كواكب تسمّى رأس الجوزاء ، ونوؤه ست ليال ، ولا يذكرون نوءها إلا بنوء الجوزاء وهي غزيرة مذكورة وتسمّى الأثافي لأنها ثلاثة صغار متعينة. وقال ابن عباس لرجل طلّق امرأته عدد نجوم السّماء يكفيك منها هقعة الجوزاء. وهي ثلاث.

الهنعة (٢) وهي منكب الجوزاء الأيسر وسمّيت بذلك الأيسر من قولهم : هنعت الشيء إذا عطفته وثنيت بعضه على بعض فكأنّ كلّ واحد منهم منعطف على صاحبه. ومنه الهنع في العنق ، وهو النّواء وقصر ونوؤها لا يذكر وهو ثلاث ليال إنمّا يكون في أنواء الجوزاء ، ويقال : سميّت الهنعة لتقاصرها من الهقعة والذّراع المبسوطة وهي بينهما منحطّة عنهما ، ويقال : أكمة هنعاء إذا كانت قصيرة وتهانع الطّائر الطّويل العنق مقاصرة عن عنقه.

الذّراع : ذراع الأسد وله ذراعان مقبوضة ومبسوطة ونوؤها خمس ليال وقيل ثلاث ليال ، وهو أقلّ أنواء الأسد محمود غزير. والمقبوضة هي اليسرى سمّيت مقبوضة لتقدّم الأخرى عليها ، وهي الجنوبية وبها ينزل القمر وكلّ صورة من نظم الكواكب ، فميامنها ممّا يلي الشّمال ، ومياسرها مما يلي الجنوب لأنّها تطلع بصدورها ناظرة إلى المغارب فالشّمال على أيمانها ، والجنوب على أيسارها وقد فهم ذلك القائل ، والنّجوم التي تتابع باللّيل وقتها ذات اليمين ازورار وإنمّا ازورارها على أيمانها إطافة منها بالقطب لذلك قال :

وعاندت الثّريّا بعد هدء

معاندة لها العيّوق جار

وأحد : كوكبي الذّراع الغميصاء وهي التي تقابل العبور والمجرّة بينهما. قال أبو عمر : وهي الغميصاء والغموص وقد يكبّر فيقال : الغمصاء ويقال لكوكبها الآخر الشمالي المرزم ، مرزم الذّراع والآخر في الجوزاء قال :

ونائحة صوتها رابع

بعثت إذا خنق المرزم

ويروى إذا ارتفع المرزم. ومرزم الجوزاء لا نوء له ، وقد ذكر بالنوء على سبيل الشّعريين قال :

__________________

(١) الهقعة : المنزل الخامس للقمر.

(٢) الهنعة : المنزل السادس للقمر ـ شريف.

٢٣٥

جرى راحتاك جري المرزمين

متى تنجدا بنو لي ثغور

ومن أحاديثهم : كان سهيل والشّعريان مجتمعة ، فانحدر سهيل فصار يمانيا وتبعته العبور عبرت إليه المجرة ، وأقامت الغميصاء ، فبكت لفقد سهيل حتى غمصت والغمص في العين نقص وضعف.

النّثرة : وهي ثلاثة كواكب وسمّيت النّثرة لأنّها مخطة يمخطها الأسد كأنّها قطعة سحاب ، ويقولون : بسط الأسد ذراعيه ثم نثر ويجوز أن تكون سمّيت بذلك لأنّها كأنّها من سحاب قد نثر والنّثرة الأنف ونوؤها سبع ليال.

الطّرف : سمّيت بذلك لأنهما عينا الأسد ويقال : طرف فلان أي رفع طرفه فنظر. قال : إذا ما بدا من آخر اللّيل يطرف ونوؤه ثلاث ليال.

الجبهة : جبهة الأسد ونوؤه محمود سبع ليال ، ويقولون : لو لا نوء الجبهة ما كانت للعرب إبل.

الزّبرة : زبرة الأسد أي كاهله ، وقيل : زبرته شعره الّذي يزبئر عند الغضب في قفاه أي ينتعش ، وهذا ليس بصحيح ، لأنّ ازبأرّ من الرّباعي والزّبرة من الثلاثي وسمّيت الخراتان من الخرت ، وهو الثقب كأنهما تنخرتان إلى جوف الأسد وهذا غلط لأنّ رأي العين يدركهما في موضع زبرة الأسد. ونوؤها أربع ليال.

الصّرفة : وسمّيت بذلك لأنّ البرد ينصرف بسقوطها ، وقيل : أرادوا صرف الأسد رأسه من قبل ظهره ، ويقال : الصّرفة ناب الدّهر ؛ لأنّها تفترّ عن فصل الزّمان ، وأيّام العجوز في نوئها ، وهو ثلاث ليال ، وحكي عن بعض الأعراب أنّه قال : الخراتان مع الأسد تجريان معه وليستا منه. قال : ومعنى قول الشّاعر :

إذا رأيت أنجما من الأسد

جبهة أو الخرأة والكتد

وإن رأيت الخرأة من غير أن يكون جعلها شيئا من خلقه ، ثم قال والكتد فرجع إلى ذكر ما هو من خلقه فهذه المنازل.

فصل

في بيان الكواكب السبعة

وأمّا النّجوم الخنّس الجواري الكنّس : فمعنى الخنّس أنّها تخنس أي ترجع ومعنى الكنّس أنّها في بروجها كالوحش تأوي إلى كنسها ، وهي سبعة مع الشّمس والقمر سيّارة غير أنّ بعضها أبطأ سيرا من البعض ، فكلّ ما كان فوق الشّمس فهو أبطأ من الشّمس ، وما كان

٢٣٦

دون الشّمس فهو أسرع من الشّمس بينا ترى أحدها آخر البروج كرّ راجعا إلى أوّله ، ولذلك لا ترى الزّهرة في وسط السّماء أبدا وإنّما تراها بين يدي الشّمس أو خلفها ، وذلك أنّها أسرع من الشّمس ، فتستقيم في سيرها حتى تجاوز الشّمس ، وتصير من ورائها ، فإذا تباعدت عنها ظهرت بالعشاء في المغرب فترى كذلك حينا ثمّ تكرّ راجعة نحو الشّمس حتى تجاوزها فتصير بين يديها ، فتظهر حينئذ في الشّرق بالغدوات. وهكذا هي أبدا ، فمتى ما ظهرت في المغرب فهي مستقيمة ، ومتى ما ظهرت في المشرق فهي راجعة وكل شيء استمرّ ثم انقبض : فقد خنس ، كما أنّ كلّ شيء استتر فقد كنس.

زحل (١) : واشتقاقه من زحل مزحلا إذا بعد ، ويقال : زحلت النّاقة إذا تباطأت في سيرها وتأخرت وهو معدول عن زاحل وزاحل معرفة.

المشتري (٢) وهو من شرى البرق إذا استطار لمعانا ، ويقال : شرى وشرى ومنه استشرى غيظا ويقال : شرى يشرى إذا لجّ وتشدّد ومنه سميت الشّراة لتشدّدهم في الدّين. قال بعضهم : إنما تسمّوا بالشّراة ذهابا إلى قول الله تعالى : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [سورة التوبة ، الآية : ١١١].

المريخ (٣) : فقيل من المرخ كأنّه يوري نارا لأنّ المرخ شجر سريع الوري ومن أمثالهم : في كلّ شجر نار. واستمجد المرخ والعفار ، ويجوز أن يكون سمّي به لبعد مذهبه ، ومنه المرّيخ السّهم الخفيف الرّبع قذذ يجعل للغلاء وهو بعد الرمي ويقال : هو من غلوة السّهم.

الشّمس (٤) : قال الخليل : الشّمس عين الضح. وبه سمّيت معاليق القلادة وقيل هو من المشامسة لأنّها نحس في المقارنة وإن كانت سعدا في النظر ومنه شمس لي فلان إذا ظهرت عداوته.

__________________

(١) قال صاحب الجواهر : مدة دوره حول الشّمس مرة في عشرة آلاف وسبع مائة وتسع وخمسين يوما وساعتين.

(٢) وفيه أيضا مدة دور المشتري حول الشّمس مرة في أربعة آلاف وثلاث مائة واثنتين وثلاثين يوما وأربع عشرة ساعة.

(٣) في الجواهر دور المرّيخ حول الشّمس مرة في ست وثمانين يوما وثلاث وعشرين ساعة. ١٢ القاضي محمد شريف الدين عفا عنه.

(٤) في جواهر الحقائق قطر الشّمس (٨٨٣٢٤٦) ميلا. ١٢.

٢٣٧

الزّهرة (١) : بفتح الهاء من الشّيء الزّاهر ، ويكون من الحسن والبياض جميعا. والزّهور تلألؤ الشّمس. ومنه قولهم : زهرت بك زنادي.

عطارد (٢) : من الاضطراب : لأنّه في مرأى العين كأنه يرقص وهو من قولهم : شاء عطرد أي بعيد وكذلك سفر عطرد ، ويجوز أن يكون سمّي به لأنّه لا يفارق الشّمس فكأنّه عدّه لها ، والعطردة العدة يقال : عطرد هذا عندك ، أي عدة.

القمر : من القمرة وهي البياض ، ويقال : تقمرت الشيء إذا طلبته في القمراء. وقال أحمد بن يحيى : إنمّا سمّي القمر (ساهورا) لأنه يخسف بالسّاهرة ، والسّاهرة الأرض ، قال الله تعالى : (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) [سورة النازعات ، الآية : ١٤] أي أرض القيامة ، وذلك أنّ القمر خسوفه بظل الأرض وحجزها بينه وبين الشّمس. وقال قطرب : بهور القمر علوّه في الظّهور وأنشد:

إذ فارس الميمون يتبعهم

كالطّلق يتبع ليلة البهر

(والكوكب الدّرّي) منسوب إلى الدّر لضيائه ، وإن كانت الكواكب أكثر ضوءا من الدّر كأنه يراد : يفضل الكواكب لضيائه كما تفضل الدّر سائر الحب ودري بلا همزة وبكسر أوّله حملا على وسطه وآخره لأنّه تثقل عليهم ضمة بعدها كسرة. وما آن كما قيل كرسي في الكرسي ودرّي فقيل من النّجوم الدّراري التي تدرأ : أي ينحط ويسير متدافعا. يقال : درأ الكوكب إذا تدافع منقضا فيضاعف ضوؤه ولا يجوز أن يضم الدّال ويهمز ، لأنّه ليس في الكلام فعيل.

ومثال : درّي فعلي منسوبا إلى الدّر ويقال : درأ بضوئه يدرأ درأ ودروا ودرأت له بساطا : أي بسطته ، ويجوز دري إذا جعلته منسوبا إلى إندر ، فيلحقه تغيّر النّسبة ، لأنّ النّسبة تغير لها الكلمة كثيرا ، ويقال : كسفت الشّمس وكسفها الله وخسف القمر وخسفه الله ، وطلعت الشّمس ، ونجم النّجم وغربت الشّمس وصغا القمر وخفق النّجم وصغا أيضا ، ويقال : تعرّضت الثّريّا في السّماء : إذا زالت عن كبد السّماء إلى ناحية المغرب ، وجنحت الثّريّا قال :

وأيدي الثّريا جنح في المغارب. وقال آخر :

وكأنّ غالية تباشرها

بين الثّياب إذا صغا النّجم

__________________

(١) في الجواهر دور الزّهرة حول الشّمس في مائتين وأربع وعشرين يوما وسبع عشرة ساعة.

(٢) دور عطارد حول الشّمس سبع وثمانين يوما وثلاث وعشرين ساعة.

٢٣٨

الباب التّاسع عشر

في أقطاع اللّيل ـ وطوائفه ـ وما يتّصل به ويجري مجراه

قال يعقوب : يقال : فعلته أوّل اللّيل وهو من عند غيبوبة الشّمس إلى العتمة والعشاء من صلاة المغرب إلى العتمة ، ويقال : أتيته ظلاما وعشاء وبعد عشوة من اللّيل ، والعتمة : وقت صلاة العشاء الآخرة.

قال الخليل : العتمة ويقال العتمة بسكون التاء : الثّلث الأوّل من اللّيل بعد غيبوبة الشّفق ، وله قبل صلاة العتمة ، والعتوام التي تحلب في تلك السّاعة ، وإنمّا سمّوها العتمة من استعتام نعمها ، ويقال : حلبناها عتمة وعتمة والعتمة بقية اللّبن يغبق به تلك السّاعة يقال : أفاقت النّاقة إذا جاء وقت حلبها ، وقد حلبت قبل ذلك.

وقال الأصمعيّ : عتم يعتم إذا احتبس عن فعل الشيء يريده وقد عتم قراه وأعتمه وإنّ قراه لعاتم أي بطن محتبس ، وصف عاتم ، وعتم أورد إبله في تلك السّاعة وأعتم صار فيها. قال أوس : أخو شركي الورد غير معتمّ.

وحكى ابن الأعرابي : قالت الينمة : أنا الينمة أعبق الصّبي قبل العتمة ، وأكبّ النّمال فوق الأكمة. والينمة : بقلة تشبه الباذروج ، قال : وكلّما كثرت رغوة اللّبن كان أطيب لبنا من المضارع ، يقول درّي يتعجل للصّبي وذلك أنّ الصّبي لا يصبر والمراعي أطيب ، وأمّا فورة العشاء فعند العتمة ، يقال : أتيته فورة العشاء وعند فورة العشاء ، وإنّما هو من فار الظّلام إذا علا وارتفع. أبو عبيدة : أتيته ملس الظّلام أي حين يختلط الظّلام بالأرض ، وذلك عند صلاة العشاء وبعدها شيئا ، وفعلته عند ملس الظّلام ، وهو مثل الملث ، وعند غلس الظّلام أيضا ، ودمسه وجنحه وغسقه. وأتيته في غسق اللّيل ، وحين غسق اللّيل أي في اختلاط وحين اختلط. ثم الشّميط وهو مشبه بالشّيب لبياض الفجر في سواد اللّيل كالشّيب في الشّعر الأسود ، ويقال : غسق يغسق غسوقا وغسقا. قال تعالى : (وَمِنْ شَرِّ غاسِقٍ إِذا وَقَبَ) [سورة الفلق ، الآية : ٣].

٢٣٩

وقال كعب : حتّى إذا ذهب الظّلام والغسق. ويقال : تحندس اللّيل من الحندس وهو شدّة سواد اللّيل وظلمته ، والجمع حنادس وحناديس. قال : وأدركت منه بهيما حندسا ، وليلة مدلهمّة وملطخمّة وخدارية. وقالوا : القترة : الظّلمة مع الغبار ، وفي القرآن : (تَرْهَقُها قَتَرَةٌ) [سورة عبس ، الآية : ٤١] ويقال : مضى جرس من اللّيل بالسين غير معجمة ، والجميع أجراس وجروس قال :

حتّى إذا ما بركت بجرس

أخذت عشيّ ونفعت نفسي

ومضى عنك من اللّيل ، وعنك والجميع أعناك قال :

فقاموا كسالى يلمسون وخلفهم

من اللّيل عنك كالنّعامة أقعس

أي طال ، وانحنى : أقعس.

قال يعقوب : وسمعت أبا عمرو يقول : العنك ثلث اللّيل الباقي ، وأعطيه عنكا من مال أي قطعة ، ويقال : سجا اللّيل وأسجى ، قال تعالى : (وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) [سورة الضّحى ، الآية : ١ ـ ٢]. ويقال : يوم أسجى ، وليلة سجواء ، وهي اللّينة السّاكنة ، وبعير أسجى ، وناقة سجواء أدمة ، ويقال : مضى ملي من اللّيل والجميع أملاء ، ومضى هدء والجمع هدوء ، ومضى بضع من اللّيل ، وهنيء من اللّيل : قطعة ، ومضى هزيع من اللّيل أي ساعة والجميع هزع. وقال بعضهم : الهزيع من اللّيل النّصف ، ويقال : اهتزعوا أي خرجوا بهزيع من اللّيل. وجرش من اللّيل بالشّين المعجمة.

قال يعقوب : وحكى الفرّاء : جئته بعد جوش من اللّيل ، وجوشن من اللّيل. قال إذ الدّيك في جوشن من اللّيل أطر. وقال بعضهم : الجوشن : وسط اللّيل. قال ذو الرمة :

تلوم نهياه بياه وقد مضى

من اللّيل جوش واسبطرّت كواكبه

وقال ابن أحمر شعرا :

يضيء صبيرها في ذي حيّ

جواش ليلها بينا فبينا

أي قطعة من الأرض بعد قطعة ، وقال : جواشن هذا اللّيل كي يتموّلا. وبقيت جهمة من اللّيل ، وجهمة أيضا ، والجهمة : بقية من سواد اللّيل في آخره. قال الأسود شعرا :

وقهوة صهباء باكرتها

بجهمة والدّيك لم يتعب

وحكى : جهنة من اللّيل بالنون ، وقال بعض أهل اللّغة : جهينة اسم الخمرة منها يشتق. وقال بعضهم : الجهمة السّحر. وحكى أبو حاتم ، والهجمة لغة فيها الهاء قبل الجيم والفعل عنها اجتهم واهتجم واجتهن ، ومضى وسع من اللّيل يكون من أوّله إلى ثلثه أو

٢٤٠