كتاب الأزمنة والأمكنة

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني

كتاب الأزمنة والأمكنة

المؤلف:

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٦

أحتبك جد المرزمين متى

ينجدا بنوال تغوّرا

وقال ابن كناسة : الذّراع المقبوضة بأسرها هي المرزم.

وحكي مثل ذلك عن الغنوي ، ومن أحاديثهم : كان سهيل والشّعريان مجتمعة فانحدر سهيل فصار يمانيا ، ونعته العبور عبرت إليه المجرة وأقامت الغميصاء فبكت لفقد سهيل ، حتى غمصت ، والغمص في العين ضعف ونقص ، وقالوا : ربّما عدل القمر فزلّ بالذّراع المبسوطة.

(٨) وأمّا النثرة فثلاثة كواكب متقاربة ، أحدها كأنه لطحة ، يقولون : هي نثرة الأسد ، أي أنفه ، قال ذو الرّمة شعرا :

مجلجل الرّعد عراصا إذا ارتجست

نوء الثّريا به أو نثرة الأسد

أنث : فعل النوء وهو ذكر ، لأنه أضافه إلى الثّريّا ، وليس بمنفصل منها ، ويسمّى اللّطحة اللهاة. وقال الآخر :

فهدّم ما قد بنته اليدان

حولين والأنف والكاهل

وذكر الهدم والبناء هاهنا كقول الآخر :

على كلّ موّاز الملاط تهدّمت

عريكته العلياء وانضمّ حالبه (١)

رعته الفيافي بعد ما كان حقبة

رعاها وماء الرّوض ينهلّ ساكبه

فأضحى الغلاقد جدّ في برء قصبه

وكان زمانا قبل ذاك يلاعبه

(٩) وأمّا الطّرف : فكوكبان يبتدئان الجبهة بين يديها يقولون : هما عين الأسد.

(١٠) وأمّا الجبهة : فجبهة الأسد ، قال : إذا رأيت انجما من الأسد جبهة أو الخراة والكتد ، وهي أربعة كواكب خلف الطّرف معترضة من الجنوب إلى الشّمال ، سطرا معوجا ، وبين كلّ كوكبين منها قبس الذّراع ، والجنوبي منها هو الذي يسمّيه المنجّمون : قلب الأسد.

(١١) وأمّا زبرة الأسد : فهي كوكبان على أثر الجبهة ، بينهما قيد سوط والزّبرة كاهله ، وفروع كتفيه ، ويسمّيان الخراتين الواحدة خراة.

(١٢) وأمّا الصّرفة فكوكب واحد نيّر على أثر الزّبرة ، يقولون : هو قنب الأسد ، والقنب وعاء القضيب ، وسميّت صرفة لانصراف الحر عند طلوعه غدوة ، وانصراف البرد عند سقوطه غدوة.

__________________

(١) لأبي تمام حبيب بن أوس الطّائي.

١٤١

(١٣) وأمّا العوّاء فإنّ ابن كناسة جعلها أربعة أنجم ، وهي خمسة لمن شاء ومن شاء ترك واحدا إلا أنّ خلقتها خلقة كتاب الكاف غير مشقوقة ، وليست نيّرة وهي على أثر الصرفة ، وزعم أبو يحيى أنها سميّت العوّاء بالكوكب الرّابع الشّمالي منها ، وإذا عزلت عنها هذا الكوكب الرّابع كانت الباقية مثفاة الخلقة وهم يجعلون العوّاء وركي الأسد ، وأحسب هؤلاء تأوّلوا اسمها ، والمحاش حشوة البطن والعوّاء تمد وتقصر ، قال الرّاعي :

ولم يسكنوها الجزء حتّى أظلّها

سحاب من العوّا وثابت غيومها

ويقال لها عوّاء البرد ، يزعمون أنّها إذا طلعت أو سقطت أتت ببرد.

(١٤) وأما السّماك فهما سماكا الأعزل ، والقمر ينزل به ولا ينزل بالآخر وهو الرّامح وسمّي رامحا لكوكب صغير بين يديه يقال له : راية السّماك وبه سمّي رامحا ، ويسمّى الآخر الأعزل ، لأنه لا شيء بين يديه كأنه لا سلاح معه وقال كعب بن زهير شعرا :

فلمّا استدار الفرقدان زجرتها

وهبّ سماك ذو سلاح وأعزل

وقال الطّرمّاح :

محاهن صيب نوء الرّبيع

من الأنجم العزل والرّامحة

وهم يجعلون السّماكين ساقي الأسد ، وأحد السّماكين جنوبي ، وهو الأعزل والآخر وهو الرّامح شمالي ، وقال ابن كناسة : ربما عدل القمر فنزل بعجز الأسد ، وهي أربعة كواكب ، بين يدي السّماك الأعزل ، منحدرة عنه في الجنوب ، وهي مربعة على صورة النّعش ، ويقال لها : عرش السّماك ، وتسمّى أيضا الأحمال ، وتسمّى الجناء ، وهم يجعلون لها حظا في الأنواء ، قال ابن أحمر يصف ثورا :

باتت عليه ليلة عرشية

شربت وبات إلى نعي متهدّدا

شربت لجت ، والمتهدّد المتهدّم ، لا تماسك لمحضره وكان المنجّمون يسمّون السّماك الأعزل السّنبلة لسموكه ، سمّي سماكا وإن كان كلّ كوكب قد سمك فهو كقولهم الدّبران.

(١٥) وأمّا الغفر : فثلاثة كواكب بين زباني العقرب ، وبين السّماك الأعزل خفية على خلفه العوّاء. قال ذو الرّمة :

فلمّا مضى نوء الثّريّا وأخلفت

هواد من الجوزاء وانغمس الغفر

والعرب تقول خير منزلة في الأيد بين الزّباني والأسد ، يعنون الغفر ، لأنّ السّماك

١٤٢

عندهم من أعضاء الأسد ، فقالوا : يليه من الأسد ما لا يضر الذّنب يدفع عنه الأظفار والأنياب ، ويليه من العقرب ما لا يضر الذنابي يدفع عنه الحمة.

(١٦) وأمّا الزّباني وهما زبانيا العقرب : أي قرناه ، وهما كوكبان مفترقان بينهما في المنظر أكثر من قامة الرجل ، ويقال لهما : زباني الصّيف لأنّ سقوطهما في زمان الحر ، قال ذو الرمة :

يا قد زفت للزّباني من بوارحها

هيف أنست بها الأصناع والخبر

الأصناع محابس الماء والواحد صنع ، والخبر جمع خبرة وهي أرض يكون بها السّدر ، ويدوم فيها الماء يريد أن ريّاح الزّباني أنضبت المياه ، وقيل : يسمّي أهل الشام زباني العقرب يديها.

(١٧) وأمّا إكليل العقرب رأسها ، وهي ثلاثة كواكب معترضة بين كل كوكبين قيد ذراع ، قال جران :

العود بمطرقين على مثنى أيامنهم

راموا النّزول وقد غار الأكاليل

جعل كلّ كوكب منها إكليلا.

(١٨) وأمّا القلب ، قلب العقرب والكوكب النّير الأحمر الذي وراء الإكليل سيرة كوكبان ، وهم يستحسنونه. قال شعرا :

فسيروا بقلب العقرب اليوم إنّه

سواء عليكم بالنّحوس وبالسّعد

(١٩) وأمّا الشّولة فإبرة العقرب ، كذلك يسمّيها أهل الشّام ، وهي كوكبان مضيئان صغيران متقاربان في طرف ذنب العقرب ، وقالوا : ربما قصر القمر فنزل بالغفار فيما بين القلب والشّولة. والغفار أحد كواكب ذنب العقرب ، يجعلون كلّ كوكب منها فقرة ، وهي ستّ فقر ، والسّابعة الإبرة. قال ابن كناسة : الشّولة التي ينزل بها القمر : حذاء القلب في حاشية المجرة ، وليس هناك شولة ، ولكنّ القمر إنّما ينزل بالشّولة على المحاذاة ولا ينحط إليها لأنّها منحدرة عن طريقته وهاهنا يقطع القمر المجرة إذا هو فارق العقرب ، ومضى نحو السّعود لأنّ المجرة تسلك بين قلب العقرب وبين النّعائم ، منقطع نظام المنازل في هذا الموضع.

وفي موضع آخر وهما بين الهقعة والهنعة ، لأنها تسلك أيضا بينهما فيعترض نظام المنازل اعتراضا ، وهاهنا أيضا يقطع القمر وسائر الكواكب المحاذية للمجرّة ، وذلك حين ينحدر عن غاية تعاليها إلى ذروة القبة في الهبوط ، فأمّا قطعها إياها عن السّعود فذلك حين

١٤٣

يبتدئ الصّعود بعد غاية الهبوط ، ويسمّى الشّولة شولة الصّورة ، وهي منغمسة في المجرة.

(٢٠) وأمّا النّعائم فثمانية كواكب ، أربعة في المجرة وهي النّعائم الواردة ، وأربعة خارجة عن المجرة وهي النّعائم الصّادرة ، وهي منحدرة ، وكلّ أربعة منها على شبه بالتّربيع ، وفوقها كوكب إذا تأمّلته مع كوكبين من النّعائم الوارد شبهتها به قبة ، وإنّما قيل : واردا لشرعه في المجرة ، وقيل : الصّادر لمجيئه عنها.

(٢١) وأمّا البلدة فرقعة من السّماء لا كوكب بها بين النّعائم وبين سعد الذّابح ، ينزلها القمر ، ويقولون : ربّما عدل القمر أحيانا فنزل بالقلادة وهي ستة كواكب صغار ، خفية فوق البلدة ، مستديرة تشبه بالقوس ، ويسمّيها العامة القوس ويسمّى موضع النّعائم الوصل.

(٢٢) وأمّا سعد الذّابح : فكوكبان غير نيّرين ، وكذلك السّعود كلّها وبينهما في رأي العين قيس الذّراع و (ذبحه) كوكب صغير قد كاد يلزق بالأعلى منها ، تقول الأعراب : هو شاته التي تذبح. قال الطّرماح شعرا :

ظعائن شمن قريح الخريف

من الفرغ والأنجم الذّابحة

قريحه : أوّله.

(٢٣) وأمّا سعد بلع : فنجمان نحو من سعد الذّابح أحدهما خفي جدا ، وهو الذي بلعه أي جعله بلعا كأنه مسترط (١) ، وذكر أنه سمّي بلعا لأنه طلع حين قيل : (يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ) [سورة هود ، الآية : ٤٤] وهذا لست أدري ما هو.

(٢٤) وأمّا سعد السعود : فكوكبان أيضا نحو من سعد الذّابح ، وسمّي سعد السّعود بالتّفضيل عليهما ، ولأن الزّمان في السّعدين اللّذين قبله قسا ، وطلوع سعد السّعود يوافق منه لينا في برده ، قالوا : وربما قصر القمر ، فينزل بسعد باثره ، وهو أيضا كوكبان أسفل من سعد السّعود. قال الكميت شعرا :

ولكن بنجمك سعد السّعود

طبقت أرضي غيثا درودا

(٢٥) وأمّا سعد الأخبية : فثلاثة كواكب متحاذية ، فوق الأوسط منها كوكب رابع ، كأنها به في التمثيل رجل بطّة.

وقيل : إنّ السّعد منها واحد ، وهو أنورها وإنّ الثلاثة أخبية ، وقيل : سمّي بالأخبية لأنه

__________________

(١) في القاموس سرط كنصر وفرح سرطا وسرطانا محركتين ابتلعه كاسترطه وتسرطه. ١٢ ـ القاضي محمد شريف الدين عفا عنه.

١٤٤

إذا طلع انتشرت فخرج منها ما كان مختبئا في البرد ، لأنّ طلوعه في وقت الدّفاء ، والسّعود متناسقة بعضها على إثر بعض.

(٢٦) وأمّا الفرغ الأول : فهو فرغ الدّلو ، والدّلو أربعة كواكب مربعة واسعة ، بين كل كوكبين قدر قامة الرّجل ، أو أكثر في رأي العين ، فهم يجعلون هذه الكواكب الأربعة عراقي الدّلو. قال عدي بن زيد في خريف شعرا :

سقاه نوء من الدّلو تد

لّى ولم يوار العراقي

وفرغ الدّلو : مصبّ الماء من بين العراقي وقد يقولون لهما العرقوة العليا والعرقوة السّفلى. قال : (قد طال ما حرمت نوء الفرغين).

(٢٧) وأمّا الفرغ الثاني : وهو العرقوة السّفلى فكمثل الفرغ الأول ، وقد يقال للفرغ الأول : ناهزا الدّلو المقدمان وللفرغ الأسفل : ناهزا الدّلو المؤخّران. والنّاهز الذي يحرك الدّلو ليمتلئ ، وقالوا : يقصر القمر أحيانا فينزل بالكرب ، والكرب الذي وسط العراقي الأربع ، والكرب من الدّلو ما شدّ به الحبل من العراقي. وقالوا : ربما نزل ببلدة الثّعلب ، وهو بين الدّلو والسّمكة من عن يمين المرفق.

(٢٨) وأمّا الرّشاء وهو السمكة : فكواكب في مثل حلقة السّمكة ، وفي موضع البطن منها من الشّق الشّرقي نجم منير ينزل به القمر يسمّونه بطن السّمكة. والمنجّمون يسمّونه : قلب الحوت. ويقال لما بين المنازل : الفرج. فإذا قصر القمر عن منزلة واقتحم التي قبلها فنزل بالفرجة ، بينما استحبّوا ذلك إلّا الفرجة التي بين الثّريّا والدّبران ، فإنّهم يكرهونها ويستخشونها ، ويقال لها الضيّقة (١). قال :

فهلّا زجرت الطيّر ليلة جئته

تضيّقه بين النّجم والدّبران

وسميّت ضيقة لضيقها عندهم ، فإنّهم يتواضعون قصر ما بين طلوع النّجم وطلوع الدّبران. ذكر عن يزيد بن قحيف الكلابي ، أنّه قال : ما بينهما إلا سبعة أيام وإنّما هذا نحو نصف ما قدر لما بين المنزلين.

قال أبو حنيفة : فهذا ما حكي لنا ، وأمّا نحن فلم نجدها أقصر المنازل كلّها مدة في الطّلوع ، ولا فرجة في المنظر ، وأنّ الذي نير الطّرف والجبهة لأقلّ من ذلك ولكن قد وجدناهما في الغروب عندهم متقاربين جدا ، حتّى لا نكاد نثبت بينهما شيئا ما هو الآن إلا أن يسقط النّجم ، فما يستقيم السّقوط حتّى يسقط الدّبران وأحسب الذي اشتهر أمرهما في

__________________

(١) الضيقة منزل للقمر ـ قاموس.

١٤٥

هذا الباب حتى يوصفا من بين المنازل كلّها شهرتهما وكثرة استعمالهم إيّاهما ، ولا سيما النّجم ، فإن تفقدهم له شديد ، وذكرهم إيّاه كثير ، وإذا لم يعدل القمر عن المنزل قيل : كالح مكالحة والمكالحة: مثل المكافحة كأنه إذا لاقاه دافعه من غير حاجز بينهما.

فصل

في بيان الاختلاف الواقع بين العرب في أوقات الأنواء والكلام في الضّيقة

قال أبو الحسين الصّوفي هذا الذي يذكرونه في الضّيقة وأنّ القمر ربما قصر فنزل بها غلط ، لأنّ كواكب الثّريّا في خمس عشرة درجة من الثّور ، وهذان الكوكبان في أربع وعشرين درجة ونصف منه ، وبين الثّريّا وبينهما نحو تسع درجات ، وأبطأ ما يكون سير القمر في يوم وليلة ، وأبعده نحو إحدى عشرة درجة ، وإنّما سمّيت الفرجة التي بين الثّريّا والدّبران الضّيقة ، لأنهم يستعملون طلوعها وسقوطها في المغرب بالغدوات عند طلوع رقبائها ، وظهورها من تحت الشّعاع ، ورقيب كلّ واحد منهما هو الخامس منه ، ولا يستعملون طلوعهما. ووسط الثّريّا في خمس عشرة درجة من الثّور والدّبران في خمس وعشرين درجة منه وبينهما بدرجات البروج عشر درجات ، لكنّ عرض الثّريّا في الشمال عن درجتها أربع درجات ودقائق. وعرض الدّبران في الجنوب خمس درجات.

ومن شأن الكواكب الشّمالية أن تطلع قبل طلوع درجتها وتغيب بعد مغيب درجتها ، والجنوبيّة تطلع بعد طلوع درجتها ، وتغيب قبل مغيب درجتها ، فتطلع الثّريّا كذلك مع ثلاث عشرة درجة من الثّور بالتّقريب ويطلع الدّبران مع سبع وعشرين درجة منه ، فيكون بين طلوع الثّريّا وطلوع الدّبران أربع عشرة درجة بالتّقريب ، وتغيب الثّريا مع سبع عشرة درجة من الثّور لا تغيب بعد درجتها. ويغيب الدّبران مع ثلاث وعشرين درجة منه ، لأنّه يغيب قبل درجة ، فيكون بين مغيب الثّريّا ومغيب الدّبران ست درجات بدرجات البروج.

فلمّا وجدوا بين غروب الثّريّا وغروب الدّبران هذا القدر ، سمّوا الفرجة بينهما بضيقة ، واستخشوها واستخشوا الدّبران أيضا مفردا وتشاءموا به حتى قالوا : إنّ فلانا أشأم من حادي النّجوم ، ويتشاءمون أيضا بالمطر الذي يكون بنوءه ويزعمون أنّهم لا يمطرون بنوء الدّبران إلّا وتكون سنتهم جدبة.

قال أبو زيد وقطرب جميعا : وهذه حكاية عن القشريين ، قالوا : أوّل المطر الوسمي ، وأنواؤه العرقوتان ، المؤخّرتان من الدلو ثم الشّرط بتسكين الراء ثم الثّريّا وبين كلّ نجمين نحو من خمس عشرة ليلة ثم الشّتوي بعد الوسمي وأنواؤه الجوزاء ثم الذّراعان ونثرتهما ثم الجبهة وهو آخر الشّتوي وأوّل الدفيء ، ثم الدفيء وأنواؤه آخر الجبهة ، ثم الصّرفة وهي

١٤٦

فصل بين الدّفيء والصّيف وأنواؤه السّماكان الأوّل الأعزل والآخر الرّقيب ، وما بين السّماكين صيف أربعين ليلة. ثم الحميم وهو نحو من خمس عشرة ليلة إلى عشرين عند طلوع الدّبران وهو بين الصّيف والخريف وليس له نوء. ثم الخريف وأنواؤه النّسران ، ثم الأخضر ثم عرقوتا الدّلو الأوليان ولكل مطر من الوسمي إلى الدّفيء ربيع.

وإنّما هذه الأنواء في غيبوبة هذه النّجوم. قالوا : فأوّل القيظ طلوع الثّريّا وآخره طلوع سهيل. وأوّل الصفريّة طلوع؟ وآخره طلوع السّماك. وفي أول الصّفرية أربعون ليلة يختلف حرّها وبردها ، وتسمّى المعتدلات. ثم أوّل الشّتاء طلوع السماك وآخره وقوع الجبهة ، وأوّل الدفيء وقوع الجبهة وآخر الصّرفة ، وأول الصّيف السّماك الأعزل وهو الأول وآخر الصّيف السّماك الآخر ، الذي يقال له الرّقيب ، وبينهما أربعون ليلة أو نحوها انتهت الحكاية.

قال ابن كناسة : أعلم العرب بالنّجوم بنو مارية من كلب ، وبنو مرة بن همام من بني شيبان ، وذكر عنهم أنّ أول الأنواء الدّلو ، ونوؤه محمود ، وهو أوّل الوسمي ثم بطن الحوت ولا يذكر نوؤه لغلبة ما قبله عليه ، ثم الشّرط محرك الراء ويثنّى ويجمع عرفها يونس وغيره وقال :

ولا روضة غنّاء غضّ نباتها

يجود بشتياها لها الشّرطان

وقال العجّاج في الجمع :

من باكر الأشراط أشراطي

من الرّبيع انقضّ أو دلوي

وقال ذو الرمة :

قرحاء حواء أشراطية وكفت

فيها الرّباب وحفّتها البراعيم

قوله : حواء يريد هي من الخضرة سوداء ، وجعلها قرحاء لأنوارها ، جعلها كقرحة الفرس ، ونوؤه محمود. ثم البطن وبعضهم يقول : البطين ونوؤه غير محمود ، ولا مذكور ، ثم الثّريّا ونوؤه مقدّم في الحمد ، وروي عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إذا طلعت الثّريّا ارتفعت العاهة». ولذلك لا يقبل بالحجاز قول من ادّعى عاهة في ثمرة اشتراها بعد طلوع الثّريّا. ثم الدّبران وهو مكروه النّوء ؛ ثم الهقعة ولا يذكر نوؤه منفردا ، فهذه منازل كلّ الوسمي وهي خمسة فليس قبل الفرغ المؤخر وسمي ، ولا بعد الثّريّا وسمي ، وهي أوّل أنواء الخريف. وسمّوا النّوءين الباقيين وليا ، وهما الدّبران والهقعة.

ثم أوّل الرّبيع وأنواؤه سبعة : الأربعة الأولى شتية وهي الهنعة ونوؤه لا يذكر ، والذّراع ونوؤه مقدم مذكور ، والنثرة ونوؤه محمود ، والطّرف ونوؤه لا يفرد بالذكر ، والثّلاثة الباقية

١٤٧

دفيئة ، ويقال الدثية وهما بمعنى كما يقال اللغام واللثام ، وسميّت بذلك لأنها في دبر الشّتاء. ذوابتداء الدفء وهي الجبهة ونوؤها من أذكر الأنواء وأشهرها وأحبّها إليهم وأعزّها فقدا. والزّبوة وقلّما يفرد نوؤه ، والصّرفة وغلبت أنواء الأسد عليها وإنما سمّيت صرفة لانصراف الشّتاء فهذه منازل كلّ الرّبيع.

ثم الصّيف وأنواؤه سبعة : فالخمسة الأولى منه صيف ، والنوءان الآخران الباقيان حميم وسمّي حميما لأن أمطارها تجيء وقد تحرك الحر ، فأوّلها العوّاء وبعض العرب يمدّه فيقول العواء ، ونوؤها ليلة. ثم السّماك ونوؤه من الأنواء المذكورة المحمودة ، ولذلك قال الشاعر : أجش سماكي كان ربابه ، ثم الغفر ولا يذكر نوؤه وقيل لا يعدم نوؤه. ثم الزّباني ، ثم الإكليل ، ثم القلب ، ثم الشّولة وأربعتها لا تذكر أنواؤها ، وربما ذكرت العرب مجملة ، فهذا كلّه الصّيف.

ثم الخريف : وهو فصل القيظ وأنواؤه سبعة والأربعة المتقدّمة رمضيّة وشمسيّة لشدّة الحر ، والثّلاثة الباقية خريفية ، وأول أمطاره في كلام أهل الحجاز وتميم الحميم ، فأوّله النعائم ـ ثم البلدة ـ ثم سعد الذّابح ـ ثم سعد بلع ـ ثم سعد السّعود ـ ثم سعد الأخبية. وهذه الستّة لا ذكر لأنوائها ولا مبالاة لأخواتها. وسمّيت خريفيّة لأنّها تجيء والثّمار تخترف في أيّامها. ثم مقدم الدّلو ونوؤه من الأنواء المشهورة ويقال : الفرغ المقدّم أيضا لأنّها مقدّمة ما بين الوسمي وموطئ له وفرط ، فهذه منازل كلّ الحميم.

وبعد هذه الأربعة ستة سعود متناسقة في جهة الدّلو ، وليست هي من المنازل. أوّلها سعد ناشره وهو أسفل من سعد الأخبية ويطلع مع الشّرطين. ثم سعد الملك ، ثم سعد الهمام ، ثم سعد البارع ، ثم سعد مطر ، وكلّ سعد منها كوكبان في رأي العين قدر ذراع كنحو ما بين سعود المنازل.

فصل

واعلم أنّ ما ذكرته من الطلوع والغروب يختلف فيهما أحوال البلدان فربّما طلع النّجم ببلد في وقت وطلع في غير ذلك البلد ، في وقت آخر ، إمّا قبله وإمّا بعده بأيام ، فهذان النّسران وهما النّسر الواقع ، وقلب العقرب يطلعان معا بنجد ، ويطلع النّسر الواقع على أهل الكوفة ، قبل قلب العقرب بسبع. ويطلع قلب العقرب على أهل الدّبرة قبل النّسر بثلاث ، وربما طلع النّجم ببلد ولم يطلع ببلد آخر كسهيل ، فإنّه يظهر بأرض العرب وباليمن ولا يرى بأرمينية ، وبين رؤيته بالحجاز ورؤيته بالعراق بضع عشرة ليلة ، وبنات نعش تغرب بعدن ولا تغرب بأرمينية.

١٤٨

قال أبو محمد القتبي : بلغني أنّ كلّ بلد جنوبي فالكواكب اليمانية فيه تطلع قبل طلوعها في البلد الشّمالي. وكلّ بلد شمالي فالكواكب الشّامية فيه تطلع قبل طلوعها في البلد الجنوبي ، وفي الكواكب الشّامية ما يكون في اللّيلة الواحدة غروب من أوّلها في المغرب ، وطلوع من آخرها في المشرق كالعيّوق والسّماك الرّامح والكفّة والعوائذ والنّسر الواقع والغوارس والرّدف والكف الخضيب ، ومددها في ذلك تختلف ، فمنها ما يرى كذلك أيّاما ومنها ما يرى شهرا ومنها ما يرى أكثر من شهر.

وإذا نزل القمر في استوائه ليلة أربع عشرة ، وثلاث عشرة بمنزل من المنازل فهو سقوط ذلك المنزل ، لأنّ القمر يطلع من أوّل المشرق ليلة أربع عشرة مع غروب الشمس ، ويغيب صبحا مع طلوع الشّمس ، فيسقط ذلك النّجم الذي كان نازلا به. وقال ابن الأعرابي بين طلوع الثّريا مع الفجر وبين عوده إلى مثله ثلاث مائة وخمسة وستون يوما وربع يوم ، فالقمر ينزل بها ثم بسائر المنازل يأخذ كلّ ليلة في منزل ، فذلك ثمانية وعشرون منزلا ينزل بها القمر إذا كان كريتا ، ويعود للنّجم الذي استهلّ به لتسع وعشرين ، وإذا كان حثيثا تخطرف منزلة والكريت : التّام ، والحثيث : الناقص ، وينزل لثمان وعشرين ليلة بمستهله ، فمن ثم صار ما بين حول الأهلّة وبين حول طلوع الثّريّا مع الفجر إلى مثله فصل أحد عشر يوما وربع يوم. قال والخطر فيه أن يجعل الخطوتين خطوة ، والمنزلتين منزلة ، فربما استسر ليلة ، وربما استسر ليلتين أو نحوهما.

١٤٩

الباب السّابع

في تحديد سنيّ العرب والفرس والرّوم وأوقات فصول السّنة

قد عرفتك فيما تقدم أنّ العرب تبدأ بالشّتاء بعد أن تجعل السّنة نصفين شتاء وصيفا ثم يقسم الشّتاء نصفين فتجعل الصّيف أوّله والقيظ آخره وأنّها تفارق سائر الأمم في تحديد الأوقات ، فأوّل وقت الرّبيع الأوّل عندهم وهو الخريف ثلاثة أيام تخلو من أيلول ، وأوّل الشّتاء عندهم ثلاثة أيام تخلو من كانون الأوّل ، وأوّل الصّيف عندهم وهو الرّبيع الثّاني خمسة أيام ، تخلو من حزيران ، والخريف عندهم اسم للمطر الذي يأتي في آخر القيظ من دون الزّمان. وذكر المراد الفقعسي أنّه يكون حلول الشّمس بأعلى منازلها في شدة الحر ، وذلك إذا حلّت بأول السّرطان فقال شعرا :

إذا طلعت شمس النّهار فإنّها

تحلّ بأعلى منزل وتقوم

يريد أنّ الشّمس في منتهى صعودها في القيظ ، فإذا طلعت حلّت بأوّل منها ، وإذا انتصفت قامت على قمة الرأس. وهذا يدل على معرفتهم بحلول الشّمس رءوس الأرباع ، وإن كان حساب فصولهم على غير ذلك.

وأمّا أصحاب الحساب فيحدّون فصول السّنة بحلول الشّمس بنجم من هذه النّجوم الثمانية والعشرين ، ويجعلون لكلّ زمان من الأزمنة الأربعة سبعة أنجم منها. ويبدءون من الأزمنة بالفصل الذي تسمّيه العامة : الرّبيع وهو عند العرب الصّيف ، ونجوم هذا الفصل الشّرطان والبطين والثّريّا والدّبران والهقعة والهنعة والذّراع ، والشّمس تحل بالشّرطين بالغداة لعشرين ليلة تخلو من آذار فتسترهما وتستر المنزل قبلهما ، فلا يزال الشّرطان مستورين بها إلى أن يطلعا بالغداة ، لستّ عشرة ليلة تخلو من نيسان فيكون بين حلول الشّمس بها وطلوعها سبع وعشرون ليلة.

وإذا حلّت الشّمس برأس الحمل اعتدل اللّيل والنّهار ، فصار كلّ واحد منهما اثنتي

١٥٠

عشرة ساعة يوما واحدا وليلة واحدة ، ثم يزيد النّهار وينقص اللّيل إلى أن يمضي من حزيران اثنتان وعشرون ليلة ، وذلك بعد أربع وتسعين ليلة من وقت اعتدالهما فينتهي طول النّهار ، وينتهي قصر اللّيل ، وينقضي فصل الرّبيع ، ويدخل الفصل الذي يليه وهو الصّيف ، ودخول الصّيف بحلول الشّمس برأس السّرطان ونجومه النّثرة والطّرف والجبهة والزّبرة والصّرفة والعوّاء والسّماك.

ثم يأخذ اللّيل في الزّيادة والنّهار في النّقصان إلى ثلاث وعشرين تخلو من أيلول ، وذلك ثلاث وتسعون ليلة ، وعند ذلك يعتدل اللّيل والنّهار ثانية ويكون كلّ واحد منهما اثنتي عشرة ساعة ، يوما واحدا وليلة واحدة ، وينقضي فصل القيظ ويدخل فصل الخريف ، ودخول فصل الخريف بحلول الشّمس رأس الميزان ونجومه الغفر ـ والزّباني ـ والإكليل ـ والقلب ـ والشّولة ـ والنّعائم ـ والبلدة.

ثم يأخذ اللّيل في الزّيادة والنّهار في النّقصان ، إلى أن يمضي من كانون الأول واحد وعشرون يوما ، وذلك تسع وثمانون ليلة ، وعند ذلك ينتهي طول اللّيل وينتهي قصر النّهار ، وينقضي فصل الخريف ، ودخول فصل الشّتاء بحلول الشّمس رأس الجدي ونجومه : سعد الذّابح ـ وسعد بلع ـ وسعد السّعود ـ وسعد الأخبية ـ والفرع المقدّم والفرع المؤخر ـ وبطن الحوت ـ. ويأخذ النّهار في الزّيادة واللّيل في النّقصان إلى أن تعود الشّمس إلى رأس الحمل ويعتدل اللّيل والنّهار ، وينقضي فصل الشّتاء وذلك تسع وثمانون ليلة وربع ، فجميع أيام السّنة على هذا العدد ثلاث مائة وخمسة وستون يوما وربع ، لا يتغيّر ولا يزول على مرّ الدّهر.

وقد بيّنا فيما مضى أنّ السيارات سبعة وأخبرنا أنها هي التي تقطع البروج والمنازل فهي تنتقل فيها مقبلة ومدبرة ، لازمة لطريق الشّمس أحيانا وناكبة عنها أحيانا ، إمّا في الجنوب وإمّا في الشّمال ، ولكلّ نجم منها في عدوله عن طريقة الشّمس مقدار إذا هو بلغه عاود في مسيره الرّجوع إلى طريقة الشّمس ، وذلك المقدار من كلّ نجم منها مخالف لمقدار النّجم الآخر.

فإذا عزلت هذه النّجوم السّبعة عن نجوم السّماء سمّيت الباقية كلّها ثابتة ، تسمية على الأغلب من الأمر لأنّها وإن كانت لها حركة مسير فإنّ ذلك خفي يفوت الحس ، إلّا في المدّة الطّويلة ، وذلك لأنّه في كلّ مائة عام درجة واحدة فلذلك سمّيت ثابتة.

واعلم أنّ الطّلوع والغروب ، وتفصيل اللّيل والنّهار ، والمشارق والمغارب قد قال الله تعالى : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) [سورة الرّحمن ، الآية : ١٧] و (بِرَبِّ الْمَشارِقِ

١٥١

وَالْمَغارِبِ) [سورة المعارج ، الآية : ٤٠] والمشرقان مشرقا الشّتاء والصّيف ، وكذلك المغربان مغرباهما ، والمشارق مشارق الأيام ، وهي جميعا بين المشرقين ، وكذلك المغارب هي مغارب الأيّام وهي بين المغربين ، فمشرق الصّيف مطلع الشّمس في أطول يوم من السّنة.

قال أبو حنيفة : وذلك قريب من مطلع السّماك الرّامح ، بل مطلع السّماك الرّامح أشدّ ارتفاعا في الشّمال منه قليلا. وكذلك مغرب الصّيف هو على نحو ذلك من مغرب السّماك الرّامح ، ومشرق الشّتاء مطلع الشّمس في أقصر يوم من السّنة ، وهو قريب من مطلع قلب العقرب ، بل هو أشدّ انحدارا في الجنوب من مطلع قلب العقرب قليلا ، وكذلك مغرب الشّتاء على نحو ذلك من مغرب قلب العقرب. فمشارق الأيّام ومغاربها في جميع السّنة بين هذين المشرقين والمغربين.

فإذا طلعت الشّمس من أخفض مطالعها في أقصر يوم من السّنة لم تزل بعد ذلك ترتفع في المطالع ، فتطلع كلّ يوم من مطلع فوق مطلعها بالأمس ، طالبة مشرق الصّيف فلا تزال على ذلك حتى تتوسّط المشرقين ، وذلك عند استواء اللّيل والنّهار في الرّبيع ، فذلك مشرق الاستواء ، وهو قريب من مطلع السّماك الأعزل ، بل هو أميل منه قليلا إلى مشرق الصّيف من مطلع السمّاك الأعزل.

ثم تستمرّ على حالها من الارتفاع في المطالع إلى أن تبلغ مشرق الصّيف الذي هو منتهاه ، فإذا بلغته كرّت راجعة في المطالع منحازة نحو مشرق الاستواء ، حتّى إذا بلغته استوى اللّيل والنّهار في الخريف ، ثم استمرّت منحدرة حتى تبلغ منتهى مشارق الشّتاء الذي هو منتهاه. فهذا دأبها ، وكذلك شأنها في المغارب على قياس ما بيّناه في المطالع.

فأمّا القمر فإنّه يتجاوز في مشرقيه ومغربيه مشرقي الشّمس ومغربيها ، فيخرج عنهما في الجنوب والشّمال قليلا ، فمشرقاه ومغرباه أوسع من مشرقي الشّمس ومغربيها ، وإذا أهلّ الهلال في منزلة من المنازل أهلّ في الشّهر الثّاني في المنزلة الثّالثة ، ثم لا يزال بعد مهلّه ينقل كلّ ليلة إلى منزلة ، حتّى يستوفي منازله في ثمان وعشرين ليلة ثم يستسر ، فلا يرى حتى يهلّ.

فربما كان حلوله المنازل بالمقارنة لها إمّا بالمجامعة ، وإمّا بالمحاذاة من فوقها أو أسفل منها ، وذلك المكالحة ، يقال : كالح القمر وربّما قصر واقتحم فنزل بالفرج والفرجة ما بين المنزلين ، ويقال له الوصل أيضا ، وهو يغيب في ليلة مهلّه في أدنى مفارقته الشّمس لستّة أسباع تمضي من اللّيل.

ثم يتأخّر غروبه كلّ ليلة مقدار ستّة أسباع حتّى يكون غروبه في اللّيلة السّابعة نصف

١٥٢

اللّيل ، وفي ليلة أربع عشرة مع طلوع الشّمس ، ويكون طلوعه فيها مع غروب الشّمس ، وقد يتقدم ذلك أحيانا ويتأخّر على قدر تمام الشّهر ونقصانه ثم يتأخّر طلوعه كلّ ليلة مقدار ستّة أسباع ساعة ، حتّى يكون طلوعه ليلة إحدى وعشرين نصف اللّيل ، ويكون طلوعه ليلة ثمان وعشرين مع الغداة.

قال أبو حنيفة : وكلّ هذا تقدير على مقارنة ، ولا يكون أن يرى الهلال بالغداة في المشرق بين يدي الشّمس وبالعشي في المغرب خلف الشّمس في يوم واحد ولا يمكن ذلك ، ولكن يمكن ذلك في يومين ، فأما في ثلاثة فلا شك فيه ، فإذا كان ذلك في يومين فهو حين يستسر ليلة واحدة وإذا كان في ثلاثة فهو حين يستسر ليلتين.

١٥٣

الباب الثّامن

في تقدير أوقات التّهجّد التي ذكرها الله تعالى في كتابه عن نبيّه والصّحابة

ويبين ما يتصل بها من ذكر حلول الشّمس البروج الاثني عشر

قال تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ) [سورة الإسراء ، الآية : ٧٨] وقال ثعلب : يذهب العرب بالدّلوك إلى غياب الشّمس وقول الشّاعر شعرا :

هذا مقام قدمي رباح

غدوة حتّى ذهبت براح

يدل على هذا وأصله أنّ السّاقي يكتري على أن يستقي إلى غيبوبة الشّمس وهو في آخر النهار يتبصّر هل غابت الشّمس ، وقوله براح أي تجعل راحته فوق عينيه ويتبصّر ، قال : وما روي عن ابن عبّاس من أنه زوالها للشّمس يسلم للحديث ، وغسق اللّيل ظلمته ، فإذا زادت فهي السّدفة ، وقال تعالى لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) [سورة الإسراء ، الآية : ٧٩] قال أبو العباس ثعلب : قوله نافلة لك : يريد ليس لأحد نافلة إلّا للنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأنه ليس من أحد إلّا يخاف على نفسه ، والنّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فعمله نافلة. فأمّا التّهجد فإنّه يجعل من الأضداد ، يقال : هجد وهجد وتهجّد إذا صلّى بالنّهار ، وهجد وهجد وتهجّد إذا صلّى باللّيل قائما وقاعدا وأنشد في النّوم قال :

هجدنا فقد طال السّرى

وقدرنا أنّ خنا الدّهر غفل

أي نومنا ، وأنشد ابن الأعرابي في النّوم :

ومنهل من القطا مورود

وردت بين الهبّ والهجود

قال : الهجود : النّوم كأنه أتاه في السّحر وهو بين النّوم والانتباه. وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) [سورة المزّمل ، الآية : ١ ـ ٣] وقال تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ) [سورة المزّمل ، الآية : ٢٠] إلى قوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [سورة المزمل ، الآية : ٢٠].

١٥٤

اعلم أنّه قد مرّ القول في شرح جوانب هذه الآي بما تقدّم في الباب الأوّل من هذا الكتاب وبقي تحديد الأوقات.

١ ـ الحمل : تحديد الأوقات وذكر البروج : فيقول : إذا حلّت الشّمس برأس الحمل فغربت ، طلع السّماك الرّامح وزاغت الشّعرى العبور عن وسط السماء ، وقارب أن يتوسّط الشّعرى الغميصاء فصار خطّ نصف النّهار بينهما ، وخط نصف النّهار هو الآخذ من نقطة الجنوب إلى نقطة الشّمال ، فعليه يكون زوال الشّمس وزوال جميع الكواكب مما صار بينه وبين الأفق الجنوبي ، وبين سمت الرّأس ، وعادتهم أن يسمّوه خط نصف النّهار.

وما كان منه في الحاشية بين سمت الرّأس وبين نقطة الشّمال التي من عادتهم أن يسمّوه خط نصف اللّيل ، وعليه يكون زوال الكواكب الشّمالية. فإذا كان ثلث اللّيل طلع النّسر الواقع وقلب العقرب ، وغرب النّاجذ وهو رجل الجوزاء وإذا كان نصف اللّيل طلع الرّدف وهو الكوكب الذي يسمّيه المنجمون ذنب الدجاجة ، وطلع النّسر الطائر على أثره بقليل ، وجنحت الشّعرى ، وجنوحها أن تميل للغروب ، وسقط العيّوق ، وسقوطه غيبته ، فإذا كان ثلث اللّيل قاربت الفكة أن تتوسّط السّماء وزاغ السّماك الرّامح عن وسط السّماء فأدبر ، والإدبار أكثر من الزّيغان ، وضجع الكوكب الفرد ، فيصير على خط نصف اللّيل.

وإذا حلّت الشّمس بوسط الحمل فغابت طلعة الفكّة ، وزاغت الشّعرى الغميصاء فأدبرت ، فإذا كان ثلث اللّيل استقلّ قلب العقرب والنّسر الواقع. واستقلال الكوكب أن تراه قد ارتفع قدر القامة في رأي العين ، وأكثر شيئا وغابت الشّعرى العبور قبل ذلك ، وغاب المرزم ، وهو يد الجوزاء ، وجنح العيّوق ، فإذا كان نصف اللّيل استقلّ النّسر الطّائر وسقطت الغميصاء ، وسقط العيّوق قبل ذلك ، وتوسّط السّماك الرّامح أو همّ بالتّوسّط ، فإذا كان ثلثا اللّيل قلب العقرب بالتّوسّط ومنكب الفرس بالطّلوع ، وزاغت الفكة وجنح قلب الأسد.

٢ ـ الثور : فإذا حلّت الشّمس برأس الثّور فغابت ، توسّط قلب الأسد وجنح رأس الغول والنّاجذ والدّبران ، وزاغ الفرد ، فإذا كان ثلث اللّيل غاب العيّوق وقارب السّماك الرّامح أن يتوسط وقرب طلوع النّسر الطّائر ، وطلع الرّدف ، وإذا كان نصف اللّيل قاربت الفكّة أن تتوسّط ، وزاغ السّماك الرّامح وجنح الفرد. فإذا كان ثلثا اللّيل طلعت الكفّ الخضيب ، وهي الكوكب الشّمالي من كوكب الفرع الثّاني ، وغاب قلب الأسد ، وزاغ قلب العقرب فأدبر.

وإذا حلّت الشّمس بوسط الثّور فغربت طلع النّسر الواقع وقد غاب الدّبران قبيل ذلك ، وطلع العيّوق وقلب العقرب ، وزاغ قلب الأسد فأدبر. فإذا كان ثلث اللّيل توسّط السّماك

١٥٥

واستقلّ النّسر الطائر ، فإذا كان نصف اللّيل طلع منكب الفرس وتوسّط قلب العقرب ، وجنح قلب الأسد ، وإذا كان ثلثا اللّيل استقلّت الكفّ الخضيب ، وزاغ قلب العقرب فأدبر منصبّا وانصبابه : إمعانه في الزّيغان.

٣ ـ الجوزاء : فإذا حلّت الشّمس بأوّل الجوزاء فغربت استقلّ قلب العقرب والنّسر الواقع ، وجنح العيّوق وغاب المرزم ، فإذا كان ثلث اللّيل توسّطت الفكّة وهمت وهي إذا توسّطت السّماء ، فصارت على خطّ نصف اللّيل ببلد الدّينور ، كانت على قمة الرّأس ، سواء أعني أنّها تكون فوق رأس القلم ، وقارب قلب العقرب التّوسّط وغاب الفرد ، وإذا كان نصف اللّيل طلع الكفّ الخضيب وسقط قلب الأسد ، وزاغ قلب العقرب فأدبر ، وإذا كان ثلث اللّيل طلع رأس الغول وتوسّط النّسر الواقع.

فإذا حلّت الشّمس بوسط الجوزاء فغرب ، طلع الرّدف وجنحت الغميصاء وقارب طلوع النّسر الطائر ، فإذا كان ثلث اللّيل زاغ قلب العقرب سقط قلب الأسد ، وطلع منكب الفرس ، فإذا كان نصف اللّيل قارب النّسر الطّائر التّوسّط وقارب قلب العقرب خطّ القبلة ، فإذا كان ثلثا اللّيل زاغ النّسر الطّائر وأدبر النّسر الواقع ، وإدباره أن يبعد عن خطّ نصف اللّيل ، وطلع العيّوق وتبعته الثّريا وطلعت.

٤ ـ السّرطان : وإذا حلّت الشّمس بأوّل السّرطان فغربت توسّط السّماك الرّامح واستقلّ النّسر الطّائر ، فإذا كان ثلث اللّيل استقلّت الكفّ الخضيب وزاغ قلب العقرب فأدبر ، فإذا كان نصف اللّيل زاغ النّسر الواقع وهمّ النّسر الطّائر بالتّوسّط وطلع رأس الغول ، وإذا كان ثلثا اللّيل طلع العيّوق وتبعته الثّريّا وهمّ الرّدف بالتّوسّط ، وغوّر قلب العقرب وتغويره : أن يقع في الغور فلا يلبث أن يغيب. وضجع السّماك الرّامح ، وضجوعه أن يميل للمغيب وهو قبل التّغوير ، والجنوح قبل الضّجوع والانصباب قبل الجنوح.

فإذا حلّت الشّمس بوسط السّرطان فغربت همّت الفكة وقلب العقرب بالتّوسّط ، وغوّر الفرد ، وإذا كان ثلث اللّيل توسّط النّسر الطّائر وطلع رأس الغول ، وإذا كان نصف اللّيل طلع العيّوق وطلعت الثّريا على أثره ، وزاغ النّسر الطّائر ، وجنح قلب العقرب ، فإذا كان ثلثا اللّيل طلع الدّبران ، وغاب السّماك الرّامح.

٥ ـ الأسد : وإذا حلّت الشّمس بأوّل الأسد فغربت ، طلع منكب الأسد وتوسّط قلب العقرب ، وضجع قلب الأسد فإذا كان ثلث اللّيل استقلّ رأس الغول ، وتوسّط النّسر الطّائر ، وزاغ النّسر الواقع فأدبر ، وإذا كان نصف اللّيل توسّط الرّدف وضجع السّماك الرّامح ، وغاب قلب العقرب ، وإذا كان ثلثا اللّيل توسّط منكب الفرس وغوّرت الفكّة.

١٥٦

وإذا حلّت الشّمس بوسط الأسد فغربت ، طلعت الكفّ الخضيب وزاغ قلب العقرب فأدبر ، وغاب قلب الأسد ، فإذا كان ثلث اللّيل طلع العيّوق والثّريّا ، وضجع قلب العقرب ، وقارب الرّدف التّوسّط ، فإذا كان نصف اللّيل استقلّ الدّبران ، وقارب منكب الفرس أن يتوسّط. وإذا كان ثلثا اللّيل طلع النّاجذ ، وتوسّط الكفّ الخضيب واستقلّ المرزم.

٦ ـ السّنبلة : وإذا حلّت الشّمس بأوّل السّنبلة فغربت ، استقلّ الكفّ الخضيب فإذا كان ثلث اللّيل طلع الدّبران وزاغ الرّدف ، وغاب السّماك الرّامح ، فإذا كان نصف اللّيل زاغ منكب الفرس ، وغربت الفكّة وطلع المرزم ، وإذا كان ثلثا اللّيل طلعت الشّعرى الغميصاء ، وهمّت الشّعرى العبور بالطّلوع.

وإذا حلّت الشّمس بوسط السّنبلة فغربت ، قارب أن يطلع رأس الغول وقرب توسّط نسر الواقع ، فإذا كان ثلث اللّيل استقلّ الدّبران وقارب منكب الفرس التّوسّط ، وجنحت الفكّة ، فإذا كان نصف اللّيل استقل النّاجذ وزاغت الكفّ الخضيب ، واستقل المرزم ، وإذا كان ثلثا اللّيل غاب النّسر الطائر واستقلّت الشّعريان ، وجنح النّسر الواقع.

٧ ـ الميزان : وإذا حلّت الشّمس برأس الميزان فغربت ، طلع رأس الغول وزاغ النّسر الواقع ، فإذا كان ثلث اللّيل قارب المرزم الطّلوع ، وزاغ منكب الفرس ، وغابت الفكّة ، فإذا كان نصف اللّيل طلعت الشّعريان وانصبّ النّسران ، وانصبابهما : تدلّيهما للغروب ، فإذا كان ثلثا اللّيل طلع قلب الأسد والكوكب الفرد بأثره ورأس الغول وغاب النّسر الواقع.

وإذا حلّت الشّمس بوسط الميزان ، وغربت همّ العيّوق بالطّلوع وتوسّط النّسر الطائر ، فإذا كان ثلث اللّيل طلع النّاجذ واستقلّ المرزم ، وزاغت الكفّ الخضيب ، فإذا كان نصف اللّيل استقلّت الشّعريان ، وغاب النّسر الطّائر ، فإذا كان ثلثا اللّيل استقلّ قلب الأسد والكوكب الفرد ، وتوسّط الدّبران.

٨ ـ العقرب : وإذا حلّت الشّمس بأوّل العقرب فغربت ، طلع العيّوق وتبعته الثّريا وزاغ النّسر الطّائر ، وانصبّ السّماك الرّامح ، وإذا كان ثلث اللّيل استقلّ النّاجذ ، وقرب طلوع الشّعريين ، وانصبّ النّسر الطّائر ، وإذا انتصف اللّيل طلع قلب الأسد ، وزاغ رأس الغول ، وغاب النّسر الواقع ، وإذا كان ثلثا اللّيل توسّط النّاجذ وزاغ العيّوق ، وضجع منكب الفرس وغاب الرّدف.

وإذا حلّت الشّمس بوسط العقرب ، توسّط الرّدف وضجع السّماك الرّامح فإذا كان ثلث اللّيل اقتربت الشّعريان ، واقترابهما دون الاستقلال ، وضجع النّسر الطّائر ، فإذا كان نصف اللّيل استقلّ قلب الأسد والكوكب الفرد ، وهمّ الدّبران بالتّوسّط ، فإذا كان ثلثا اللّيل همّت

١٥٧

الشّعرى العبور بالتّوسّط ، وغاب الرّدف قبل ذلك ، وزاغ المرزم ، وانصبّت الكفّ الخضيب.

٩ ـ القوس : وإذا حلّت الشّمس بأوّل القوس فغربت ، طلع الدّبران وغاب السّماك الرّامح اتفاقا ، فإذا كان ثلث اللّيل توسّط رأس الغول ، وهمّ قلب العقرب بالطّلوع ، فإذا كان نصف اللّيل همّ النّاجذ بالتّوسّط ، وزاغ العيّوق قليلا ، وغوّر الرّدف ، فإذا كان ثلثا اللّيل أشخص السّماك ، وإشخاصه : إقرانه ، وهو نهوضه في المطلع قليلا ، وتوسّط الشّعرى الغميصاء ، وزاغت العيّوق.

فإذا حلّت الشّمس بوسط القوس فغربت ، توسّط منكب الفرس وغوّرت الفكّة ، فإذا كان ثلث اللّيل استقلّ قلب الأسد ، وقارب الدّبران التّوسّط ، وطلع الفرد ، فإذا كان نصف اللّيل زاغ المرزم ، وغرب قبل ذلك منكب الفرس ، وقاربت الشّعرى العبور التّوسّط ، فإذا كان ثلثا اللّيل طلعت الفكّة.

١٠ ـ الجدي : وإذا حلّت الشّمس بأوّل الجدي فغربت ، طلع النّاجذ واستقلّ المرزم ، وتوسّطت الكفّ الخضيب ، فإذا كان ثلث اللّيل زاغ الدّبران ، وهمّ النّاجذ بالتّوسّط ، وضجع الرّدف ، فإذا كان نصف اللّيل طلع السّماك الرّامح ، وغابت الكفّ الخضيب ، وهمّت الشّعرى الغميصاء بالتّوسّط ، فإذا كان ثلثا اللّيل همّ قلب الأسد بالتّوسط ، وجنح رأس الغول وتوسّط الفرد.

فإذا حلّت الشّمس بوسط الجدي ، فغربت ، طلعت الشّعريان ، وجنح النّسر الطّائر ، فإذا كان ثلث اللّيل زاغ المرزم ، وغاب منكب الفرس ، وغاب قبل ذلك الرّدف ، فإذا كان نصف اللّيل طلعت الفكّة ، وزاغت الشّعرى الغميصاء ، فأدبرت فإذا كان ثلثا اللّيل همّ الهراران بالطّلوع وغاب النّاجذ والدّبران ورأس الغول.

١١ ـ الدّلو : فإذا حلّت الشّمس بأوّل الدّلو فغربت ، قارب رأس الغول التّوسّط ، واستقلّت الشّعريان فارتفعتا فإذا كان ثلث اللّيل طلع السّماك الرّامح وغابت الكفّ الخضيب وزاغت الشّعرى العبور ، فإذا كان نصف اللّيل قارب قلب الأسد التّوسّط ، فإذا كان ثلثا اللّيل طلع الهراران ، وهما قلب العقرب والنّسر الواقع ، وضجعت الشّعرى العبور والمرزم.

وإذا حلّت الشّمس بوسط الدّلو فغربت أشخص قلب الأسد ، وطلع الفرد ، وقارب الدّبران التّوسّط ، فإذا كان ثلث اللّيل طلعت الفكّة وزاغت الشّعرى الغميصاء ، فأدبرت بعيدا ، فإذا كان نصف اللّيل غاب رأس الغول ، ورجل الجوزاء ، وزاغ قلب الأسد ، فإذا كان ثلثا اللّيل طلع الرّدف وغوّر العيّوق.

١٥٨

١٢ ـ الحوت : وإذا حلّت الشّمس بأوّل الحوت فغربت ، زاغ الدّبران وتوسّط العيّوق ، وغوّر الرّدف ، وهمّ النّاجذ بالتّوسّط ، فإذا كان ثلث اللّيل قارب الأسد التّوسّط ، واستقلّت الفكة فارتفعت ، فإذا كان نصف اللّيل طلع الهراران وجنحت الشّعرى اليمانية ، فإذا كان ثلث اللّيل طلع النّسر الطّائر وغوّرت الشّعرى الغميصاء ، وغاب العيّوق.

فإذا حلّت الشّمس بوسط الحوت فغربت ، زاغ المرزم ، وغاب منكب الفرس قبل ذلك ، وهمّت الشّعرى العبور بالتّوسّط ، فإذا كان ثلث اللّيل زاغ قلب الأسد ، وغوّر رأس الغول ، ورجل الجوزاء ، فإذا كان نصف اللّيل غاب المرزم والشّعرى العبور قبيل ذلك ، واستقلّ النّسر الواقع ، وقارب طلوع الرّدف ، فإذا كان ثلثا اللّيل توسّط السّماك الرّامح واستقلّ النّسر الطّائر.

١٥٩

الباب التّاسع

في ذكر البوارح والأمطار مقسّمة على الفصول والبروج

وفي ذكر المراقبة

اعلم أنّ جميع أمطار السّنة ثمانية أصناف ، وهي الوسمي ـ والولي ـ والشّتي ـ والدّفيء ـ والصّيف ـ والحميم ـ والرّمضي ـ والخريفي ـ ولكلّ صنف منها وقت عرفته العرب بمساقط منازل النّهار الثّمانية والعشرين التي ذكرها الله تعالى في كتابه فقال : (وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ) [سورة يس ، الآية : ٣٩] وبالبروج الاثني عشر لأن كلّ برج منزلان وثلث من هذه الثمانية والعشرين ، وذلك حكم منهم على مناجعهم ومزالفهم بالتّجارات ، وهو إلى الآن على ذلك ، وإن كان كثير من أطراف الأرض وأوساطها يختلف ، فقد قيل : إنّ أهل اليمن يمطرون في الشّتاء ويخصبون في الصّيف.

قال أبو حنيفة : إذا أحببت أن تستيقن ذلك فانظر إلى زمان مدّ النّيل ، فإنّه في صميم القيظ ، وإنّما يمدّ من أمطار البلاد التي منها يقبل ، وقال بعض أصحاب الخليل ، وقد صنّف أبواب الانتفاع بالمطر : إنّ من المغرب من مطره الذي يغيثه وينفعه الخريف ، ويكون أكثر مطرهم وأغزره وأنفعه لهم.

وقال أكثرهم : إنّ مطر الرّبيع ضارّ ، وهم أهل اليمن ومن يليهم من تهامة. ومنهم من يحسبه الوسميّ ، وهو مطر الشّتاء ، ومجيئه الرّبيع ، ويكون الخريف ضارا يفسد كلأهم ويلبده ، وهم أهل العراق ومن قاربهم من نجد ، ومنهم من يصيبه مطر السّنة كلّها وهم أهل نجد الذين تاخموا نجدا ، أي حاذوهم ، وأهل العراق ، ومن قاربهم من الشّام ونجد ، وما بينهما وبين خراسان مطرهم الشّتوي والرّبعي ، ومطر اليمن وما قاربها من تهامة الصّيفي ، والخريفي. قال : ومن تهامة ونجد ما تعمّه هذه الأمطار كلّها ، وكذلك طبرستان ـ والدّيلم ـ وأرمينية ـ وجبلان ـ وجبل القيق. والعرب تقول : إنّه ما اجتمع مطر الثّريا في الوسميّ ومطر الجبهة في الرّبيع إلّا كان تامّ الخصب ذلك العام ، كثير الكلأ.

١٦٠