كتاب الأزمنة والأمكنة

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني

كتاب الأزمنة والأمكنة

المؤلف:

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٦

يقال : أمد الخصب قريب على النّعال. قال : وسأل الحجّاج بن يوسف الحسن عن أشياء ، فأجابه ثم قال له : كم أمدك؟ قال : سنتان من خلافة عمر ، يعني عمر بن الخطّاب ، فقال : والله عينك أكبر من أمدك. الأمد العمر أي ما بدا منك أكثر مما غاب. وأنشد :

لنا في الشّتاء جنة يثربيّة

مسطّعة الأعناق بلق القوادم

قوله : مسطّعة من السّطاع سمة على عنق البعير ، يقول : إذا كثرت الريّاح ظهر السّواد وإذا كثرت الأمطار ظهر البياض ، يعني اللّبن والتمر. وأنشد :

أغث مضرا إنّ السّنين تتابعت

علينا بدهر يكسر العظم جابره

يقول : نحرنا إبلنا بعد أن كنّا نثمرها ونرعاها ، وأنشد يعقوب :

إنّ لها في العام ذي الفتوق

وزلل النيّة والتّصفيق

رعيّة رب ناصح شفيق

الزّلل التّباعد والنّخعة (١) ويقال : أفتقنا إذا لم يمطر بلادنا ومطر غيرها.

ابن الأعرابي : يقال للزّمان السّليم من الآفات ركوض في غير عروض وأصله ناقة لا عرضة في مرّها ، قال : ويقال هذا في الطّاعة الحسنة التي لا يثبتها ما يفسدها.

ويقال : وقره الدّهر وقرة : استكان منها وأنشد :

حياء لنفسي أن أرى متخشّعا

لو قرة دهر يستكين وقيرها

وقال آخر :

وخفت بقايا النقي إلا قصيّة

قصيد السّلامي أو لموسا سنامها

يصف زمن جدب والقصيّة من الإبل : التي تقصى عمّا يفعل بالإبل والقعية أيضا : الخيار الكريمة والقصد السّمينة ، ويقال : كذا وكذا حين لعق اللّبن بالصّوف ، وهذا كناية عن الجدب ، لأنه إنما يلعق اللّبن بالصّوف فلا يمكن شربه. قال :

فلا تحسبنّ الغزو لعقا بصوفة

وشريك ألبان الجداد الغوابر

والجداد : جمع جدود وهي من الغنم والحمير التي بها بقية من اللّبن غير كثير ، ومثل الجداد الجدائد ، قال أبو ذؤيب :

والدّهر لا يبقى على حدثانه

جون السراة له جدائد أربع

__________________

(١) في القاموس في (نخع) والرجل عن أرضه بعد ١٢ المصحح.

٢٨١

ويقال : كان في الأرض تقاطير غيث إذا كانت بها أمطار قليلة في كلّ ناحية قال أبو علي : قال الضّبي والغنوي : يقال : أقاطير وتقاطير من الرّبيع ، وقال طفيل :

أرى إبلي تأتي الحياض وآلفت

تقاطير وسمي وإحناء مكرع

ويقال للرّجل إذا ظهر بوجهه بثور ، ظهر به تقاطير الشباب ، وحكي أنّه سئل أبو العبّاس ثعلب عن قول بشّار :

إذا ما غضبنا غضبة مضرّية

هتكنا حجاب الشّمس أو قطرت دما

فيقال : معناه حاربنا حتى لم يكن حرب ، فلم يكن للشّمس حجاب ، وحجابها الغبار قال السائل : فرددته على أبي العبّاس المبرّد فقال : ما يدري الخرنوبي ما هذا إنمّا يقال : اشتدّت الحرب أوّلا ، ثم سعينا بينهم فأصلحنا ما فسد فسقط الغبار فكأنّهم هتكوا حجاب الشّمس ، قال فعدت إلى ثعلب فأوردت عليه ، فقال : ما للخلدي ولهذا ، خذ ما أقول ، قال أبو عبد الله الطّوال والأموي هتكنا حجاب الشّمس معناه خلّينا عن أنفسنا وتركناها لها ذكرا واضحا كوضوح الشّمس بفعلنا ، وقوله : أو قطرت دما ، كما يقال : كان ذلك فيما مطرت السّماء دما أي لم يكن يلتفت إليه ، قال : وما سمعته في الأبيات إلّا من ابن الأعرابي ما سمعت كان ذلك ، فمطرت السّماء دما إنمّا يقال في النّعي ، فرجعت إلى المبرد ، فقال : هؤلاء أعلم منه وحقط وحقل حين عدت إليه وتركني ، ودخل داره ، ويقال : بات بليلة سوء من اللّيالي الشّوامت.

قال النّابغة :

فارتاع من صوت كلاب فبات له

طوع الشّوامت من خوف ومن صرد

أي ما أطاع الأعداء وسرّها وفسّر بعضهم على أن الشّوامت في البيت هي القوائم والمعنى بات له ما أطاع الشّوامت لأنّها عبدت طول اللّيل.

وقال أبو زيد : يوم أرونان وقسقاس وقسي وعصبصب وعصيب وقماطر ومقمطر وعماس. وقال الأصمعي : من العماس قولهم : أتانا بمعمسات أي أمور علويات خفيّات ، وقال الخليل : العماس كلّ ما لا يقام له ، ويوم عماس وعموس وقد عمس عماسة وعموسا.

ويقال : يوم باسل : ومفلق وفلق وذكر ومذكر وأشتع وأشهب ومظلم وذو كواكب ، ويوم معمعاني وأروناني بعيد ما بين الطّرفين ، وقال بعضهم : يوم أرونان شديد صعب ولا فعل له وليلة أرونانة. قال الجعدي :

وظلّ لنسوة النّعمان منّا

على سفوان يوم أرونان

٢٨٢

ويقال : يوم أروناني وليلة أرونانية ، وقال أبو عبيدة وأبو زيد : كلّ هذا بوصف الشّديد من القتال والبرد والبلاء والخوف.

ويقال لهم ؛ يوم عربسيس ، وأخذ القوم طريقا عربسيسا لما فيه من الخوف والعطش والمشقّة ، وإذا عظموا الأمر على إيهام في الوصف ، قالوا : كان ما لا يحد يوم أيوم ، وذا كان ذلك ليلا قالوا : ليل أليل ، ويقال : أطول اللّيالي يدعى ليل التّمام.

ويقال : جاء من الطّيخة أي الفتنة والحرب المطيخ الفاسد.

ويقال : هذا دهر حول قلب أي كثير التّحول والتّقلّب.

ويقال : ليل ذو كئود قال : يدر عن اللّيل ذا الكئود.

قال أبو زيد : سمعت أعرابيا فصيحا يقول : إذا أجدب النّاس أتى الهاوي والعاوي.

الهاوي : الجراد ، والعاوي : الذّئب. قال الدّريدي : الخجل سوء احتمال الغني ، والدّقع سوء احتمال الفقر. وفي الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال للنّساء : «إنكّن إذا جعتنّ دقعتنّ وإذا شبعتن خجلتنّ» وأنشد :

ولم يدفعوا عند ما نابهم

لصرف الزّمان ولم يخجلوا

ويقال : جاحه الدّهر واجتاحه وعسره الزّمان أي اشتدّ عليه ومثله : استحصف ويقال : أشاربهم لمع الأصم ، وحكى بات فلان ليلة ابن أفلس أي ليلة شديدة ، قال ومثله وليلة دعشقة.

ويقال : ما رأينا العام قابة من المطر ، والارعفاء أي مطرا ، وهذا مأخوذ من الرّعاف ، قال أبو العبّاس ثعلب : لم يأت برعف ، غير ابن الأعرابي ويقال في شهرة اليوم : يوم أغر محجّل.

قال أوس :

وأنت الذي أوفيت فاليوم بعده

أغرّ ممسّ باليدين محجّل

ويقال : سنة قاشورة أي تقشر كلّ شيء ويقال : أصاب النّاس شراسيف أي أصابهم أوّل الشّدة ، فأمّا قولهم : بات فلان بليلة انقد فالمراد الشّدة قال الطّرماح :

وبات يقاسي ليل انقد دائبا

ويحذر بالحقف اختلاف العجاهن

وانقد الشّيهم وفي المثل : أسرى من انقد ويقال : ابن انقد أيضا ، والعجاهن قال : ابن السّكيت : هو الطباخ ، وقال الأعشى :

٢٨٣

لعمري لئن جدّت عداوة بيننا

لترتحلن منّي على ظهر شيهم

وقال عمرو بن قميئة :

إنّي من القوم الذين إذا

لزم (١) الشّتاء ودوخلت حجره

ودنا ودونيت البيوت له

وثنى فثنى ربيعه قدره

وضع المنيح وكان حظّهم

في المنقيات يقيمها يسره

وأنشد أبو العبّاس ثعلب عن الأصمعي وغيره :

سقى سكرا كأس الذّعاف عشية

فلا عاد مخضر العشب جوانبه

قال والسكر اسم جمله ، وإنّما يدعو على واد ، رعاه جمله فأصاب من النّشر فمات وقال الهذلي :

وحبسن في هزم الضّريع فكلّها

حدباء دامية اليدين حروذ

يصف إبلا بسوء حال ، والهزم ما يهزم من النّبات ويحطم ، والضّريع نبات غير طائل. قال أبو عبيدة : الضّريع عند العرب : يابس العشرق ، وهو يؤكل ولكنه كما قال الله تعالى : (لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ) [سورة الغاشية ، الآية : ٧] وهو من نبات الحجاز ، والشّبرق ما دام غضّا نوره حمراء. قال الهذلي يصف قوما قتلوا :

ترى القوم صرعى حثوة أضجعوا معا

كأنّ بأيديهم حواشي شبرق

وقيل : الخيف الحناتم ماء النّشر. قال ندى السّماك في قصب الوسمي. وذلك أنّ السّماك يسقط وقد انفسخ القر ، وهاجت الأرض في بلاد العرب ، وفي عروق الشّجر بقية من ثرى الوسمي ، فيسقط السّماك لتسع خلون من نيسان ، فيصيبه مطر السّماك فيخير نبته ، ونبت فيه الرّطب ، فذلك النّشر تراه خضرة على بياض ، وهو السّم الرّغاف. قال أبو محلم : سمعت أبا زيد العكلي يقول : هو السّمّ السّاكت.

__________________

(١) بعض النسخ : أزم.

٢٨٤

الباب الخامس والعشرون

في أسماء الشّمس (١) وصفاتها وما يتعلق بها

قال أبو حاتم : يقال للشّمس الجونة ـ والجارية ـ والعين ـ والماوبة ـ وهي من التأويب وهو سير النّهار كلّه يقال : آب وتأوّب بمعنى. قال النابغة :

تطاول حتّى قلت ليس بمنقض

وليس الذي يتلو النّجوم بآئب

فسّره ابن الأعرابي على ذلك ، لأنّها تسير آئبة أبدا ما بينها ما بين المشرق إلى المغرب تدأب يومها فتئوب المغرب مساء.

ويقال لها السّراج ـ والضّح ـ وذكاء ـ وقد أشمس يومنا : إذا اشتدّ حرّ شمسه ، ويوم مشمس ـ وشامس ـ وشمس لي فلان إذا بدت عداوته. وقال الخليل : الشّمس ـ عين الضّح ـ وبه سمّيت معاليق القلادة ، وقيل هو من المشامسة لأنّها نحس في المقارنة وإن كانت سعدا في النظر.

وقال التميميّون : الجونة ـ الشّمس حين تسودّ وتدنو من الغيوب لا يقال لها الجونة إلا على هذه الحال وأنشد أبو حاتم :

تبادر الآثار أن تدأبا

وحاجب الجونة أن تغيّبا

وأما الجارية ـ فمن قول الله تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) [سورة يس ، الآية: ٣٨] وهي تجري من المشرق إلى المغرب ـ والسّراج من قوله تعالى : (وَجَعَلَ فِيها سِراجاً) [سورة الفرقان ، الآية : ٦١] وقال : (وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) [سورة نوح ، الآية: ١٦].

ويقال : دلكت الشّمس دلوكا ـ ودلوكها : اصفرارها عند غيوبها.

__________________

(١) قال في كنز المدفون أسماء الشّمس الغزالة ـ البيضاء ـ يوح ـ الجارية ـ العين ـ الجونة ـ السّراج ـ يوح الاهة ـ الضّحى ـ الضح ـ الشّرق ـ حناذ. الزبرقان ١٢ القاضي محمد شريف الدين عفا عنه.

٢٨٥

وقال ابن عباس : لدلوك الشّمس ـ أي لزوالها الظّهر والعصر. قال :

شادخة الغرّة غرّاء الضّحك

تبلج الزّهراء في جنح الدّلك

فجعل الدّلك غيبوبة الشّمس. وروي عن أبي عمرو أنّ دلوكها زوالها والله أعلم.

ويقال : رهقتنا الشّمس إذا دنت. ومنه غلام مراهق : إذا دنا الاحتلام.

ويقال للسّيد وهو مرهق النّيران : أي يغشاه الأضياف. وغلام فيه رهق أي غرامة وفي القرآن : (فَزادُوهُمْ رَهَقاً) [سورة الجن ، الآية : ٦] أي مكروها.

وقال أبو زيد : براح بفتح الأول وكسر الآخر اسم للشّمس مثل : قطام وأنشد :

هذا مقام قدمي رباح

غدوة حتّى دلكت براح

وقال الأصمعيّ : ليس الرواية كذلك إنّما الرّواية دلكت براح بكسر الباء ، وهو جمع راحة وهو أن ينظر إليها عند غيوبها يستشفها ، يضع يده على جبينه يستكف بها حتى ينظر تحتها. وقال العجّاج :

أدفعها بالرّاح كي تزحلفا

رحاه عان تحتها تصدّفا

وزعم أنّه يطلب أسيرا له وقال : وسمّيت بذلك لأنها تسود حين تغيب ـ والجون الأسود ، هذا قول الأصمعي ، وقال غيره : الجون يكون الأبيض أيضا قال : وعرض أنيس الحرمي على الحجّاج بن يوسف درع حديد وكانت صافية ، فجعل الحجّاج لا يرى صفاها ، فقال له أنيس : إنّ الشّمس جونة أي شديدة الضّوء قد غلب ضوؤها بياض الدّرع ـ والجونة اسم للدّرع ذكره الأحمر وغيره. قالوا : ويقال لا أفعله حتّى تغيب الجونة.

وقال بعضهم : معنى براح أي أستريح منها فذهبت ، وقيل أيضا : راح هاهنا موضع. وحكى قطرب : دلكت براح بالضّم و (لعاب الشّمس) أن يرى في شدّة الحر مثل نسج العنكبوت أو السّراب ينحدر من السّماء وإنّما يرى ذلك عند نقاء الجو ، وسكون الأرواح واشتداد الحر. وأنشد شعرا :

هممن بتغوير وقد وقد الحصى

وذاب لعاب الشّمس فوق الجماجم

وأنشد ابن الأعرابي :

وذاب للشّمس لعاب فنزل

واستوقدت في غرفات كالشّعل

قال الدّريدي : لعاب الشّمس بلغة اليمن الوهر. ويقال : وهر يومنا يوهر وهرا فأقرن

٢٨٦

الشّمس فحد ذرورها حين تذر قرونها وقرونها : نواحيها ، ويقال : طلع قرن من قرونها أي : ناحية من نواحيها.

وعين الشّمس شعاعها الذي بهرك إليه. وقال ابن السّكيت : عين الشّمس رأسها ووجهها وقرونها نواحيها. قال :

فما أن ذرّ قرن الشّمس حتّى

طرحن سخالهنّ وصرن آلا

والضّح : الشّمس يقال : لا تجلسوا في الضّح أي في الشّمس ، وقد ضحى فلان في الضّح أي برز للشّمس يضحي ضحوا ، ويقال : شد ما ضحوت للشّمس أي طال بروزك لها ويقال : ضحى الرّيح وضحى لي إذا خرج من بيته فبرز لك. قال أبو حاتم : لا ثبت عندي ضحيت للشّمس وليس في قوله تعالى : (وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى) [سورة طه ، الآية : ١١٩] بيان ضحيت من ضحوت لأنّ قوله : تضحى يجوز أن يكون مستقبل ضحا. وقد قال قائل :

ضحيت له كي أستظلّ بظلّه

إذا الظّل أضحى في القيامة قالصا

فقال أبو حاتم : الذي يقول هذا لا يجوز قوله قمة رأسه ، ومن كلامهم جاء بالضح والرّيح ، أي جاء بالشّيء الكثير أي ما طلعت عليه الشّمس وبزغت. والذّرور : أول طلوعها وبزوغها وطلعت تطلع طلوعا ومطلع الشّمس بالكسر المكان الذي تطلع منه.

وقال الأصمعي : شرقت الشّمس تشرق شروقا إذا طلعت ، فإذا أضاءت جدا قلت : أشرقت ، قال الله تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) [سورة الزّمر ، الآية : ٦٩] ويقال : أشرق وجهه : إذا أضاء واستنار.

ويقال : آتيك كلّ يوم طلعت فيه الشّمس ، وشرقت ، وآتيك كلّ شارق والشّرق زعموا أنه الشّمس ، يقال : آتيتك كلّ يوم طلع شرقه ، وقد طلع الشّرق ولا يقال غاب الشّرق.

والمشرق : المطلع. قال أبو يوسف : شرقة الشّمس موقعها في الشّتاء ، فأمّا القيظ فلا شرقة له. والشّعاع : ضوء الشّمس والمطلع بفتح اللام الطّلوع ، لذلك قرأ القراء : (حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) [سورة القدر ، الآية : ٥] ومغربها حتّى تغرب فيه غروبا ، ويقال : غابت الشّمس غيبوبة وغيوبا ، وقد وجبت الشّمس وجوبا إذا غابت ، وكسفت الشّمس كسوفا وذلك ذهاب ضوئها وشرقة الشّمس : موقعها في الشّتاء ودفوؤها ولا يقال لموقعها في القيظ : شرقة ، ويقال : أقعد في الشّرق وفي الشّرقة وفي المشرقة سواء.

وحكى أبو عمرو : الشّرق الشّمس ، والشّرق بالكسر : الضوء الذي يدخل من شق الباب. ومنه خبر ابن عباس أنّه قال : في السّماء باب للتّوبة يقال له الشّريق وقد ردّ حتى ما

٢٨٧

بقي منه إلا شرقة. وحكى بعضهم : الشّرق الشّمس التي تكون في المقابر بعد العصر ، وجاء في المسند : أنه ذكر الدّنيا فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنّه بقي منها كشرق الموتى».

قال ابن الأعرابي : يحتمل وجهين : أحدهما : أنّ الشّمس في ذلك الوقت إنما تلبث ساعة ثم تغيب ، فشبّه ما بقي من الدّنيا بذلك. والوجه الآخر : يشرق الميت بريقه عند خروج نفسه ، فشبّه قلة ما بقي من الدّنيا بما بقي من حياة الشّرق بريقه.

ويقال : ما بقي من النّهار إلا شفا ، والشّفاء بقية الشيء ، وأتيته بشفا أي بشيء من ضوء الشّمس ، ويقال : شفّت الشّمس بالتّشديد أي غابت إلّا يسيرا منها.

وقد طفلت الشّمس : إذا دنت للغروب ، وأتيتك طفل الشّمس ، وفي طفل الشّمس ، وقال أبو حاتم وأنشدنا أبو زيد شعرا :

قد ثكلت إحدى بني عديّ

أحبّها في طفل العشيّ

إن لم يثبت وصل قبل الرّوي وطفلت الشّمس أي جنحت ومالت للغروب وقد صغت الشّمس إذا اصفرّت كان لها صلابة.

وأدنفت : وازدنفت ودنفت وهذه وحدها عن أبي عبيدة إذا همّت بالمغيب ، وغارت وآبت وألقت يدا في كافر ورجفت. ويقال : مغرب الشّمس ومغربان الشّمس ومغيربان الشّمس. ويقال : على الأرض غيابات الطّفل وقد أرهقت أي دنت للمغيب. وأنشد في قوله :

دنفت والشّمس قد كا

دت تكون دنفا

وحكي الغزالة في أسماء الشّمس لدوران قرصها في مرأى العين. ومنه المغزل ومغازلة النّساء لأنّهن عند المراودة كأنّهنّ يدرن في أفانين الحديث. وقال أبو حاتم : ليست الغزالة من أسماء الشّمس ، إنّما الغزالة الضّحوة وأنشد لذي الرّمة شعرا :

فأشرقت الغزالة رأس حوضي

أراقبهم وما أغنى قبالا

أراد أشرقت في الغزالة أي في ذلك الوقت وأنشد أيضا :

أسوق بالقوم غزالات الضّحى

ويقال : أتيتك بوجه النّهار وبشباب النّهار وهي الغزالة الكبرى. قال ذو الرمة :

توضّحن في قرن الغزالة بعد ما

ترشّفن ذرّات الرّهام الرّكائك

وهذا حجة في تثبيت الغزالة اسما للشّمس. وكذلك رأد الضحى ـ ورونق الضّحى ـ

٢٨٨

وفي تلع الضّحى. وأتيتك حين تلعت الضّحى ـ وأتيتك مدّ النّهار.

وكذلك ضحوة وضحى والضّحاء الأكبر ممدود مفتوح مدّ النّهار الأكبر ، وذكاء : اسم للشّمس معرفة غير منوّنة ، وطلعت ذكاء ، ومن أمثالهم ؛ أضاءت الذّكاء وانتشر الرّعاء.

قال الشيخ : وحكي عن المبرّد أنّه قال : ابن ذكاء هو القمر ، لأنّ له بصيصا كبصيص الشّمس ، وروي عن ثعلب أنّه قال : بعض العرب يجعل ابن ذكاء النّهار ونبت ذكاء الشّرقة ، وهو ضوء الشّمس ، ويقال للصّبح ابن ذكاء وأنشد فيه :

وابن ذكاء كامن في كفر. أي في ليل يستره

وأنشد :

في ليلة كفر النّجوم غمامها. أي غطاؤها

ويقال لحسنها : عب الشّمس ، عب مخفّف مثل دم ، وقال الذّئري :

وليس بموتيك الذي أنت مغرم

بتسآله ما أبرق ابن ذكاء

وإياء الشّمس : بياضها والإياء أيضا أيا النّبت حسنه وزهرته ، وقال الشّاعر ، فمدّ الإياء وكسر الألف شعرا :

تنازعها لونان ورد وحوّة

ترى لإياء الشّمس فيه تحدّرا

وقالوا : إياء الشّمس : شعاعها. قال طرفة : سقه إياة الشّمس إلا لثاثه. قال الشّيخ : بعضهم يثقل عب الشّمس فيقول : هذه عب الشّمس ، والعب أيضا البرد ، وفي المثل أبرد من العب ، فمن شدّد الباء يجعله من العباب ، وهو معظم الشيء أي أعظمه. ومن خفّف الباء جعله منقوصا كدد من ددن.

ويقال للصّبح : ابن جلا ، كما قال : أنا ابن جلا وطلّاع الثّنايا. أي أنا منكشف الأمر ، وجلا فعل في الأصل وحكي لقبا كما قيل : تأبط شرا وقد جعل لقبا فحكي.

وقال قطرب : العب مثل الدم بتخفيف الباء وهو ضوء الشّمس وحسنها يقولون عب شمس ومن ثقل قال هذه عب الشّمس ورأيت عبّ الشّمس يريد عبد الشّمس فأدغم الدال في الشّين كما قيل ثلث الدّرهم ، فيدغم الثّاء في الدّال ، وقال بعضهم : يقول هو عبّ الشّمس فيفتح في كلّ وجه وقال :

إذا ما رأت شمسا عب الشّمس شمّرت

إلى رملها والجلهميّ عميدها

وشعاع الشّمس وشعاعتها وشعّها ضوؤها وأشعّت الشّمس انتشر شعاعها ، فإذا طال النّهار وقيل : تمطّى النّهار وامتدّ وا معط ومتع متوعا.

٢٨٩

ويقال : بقي علينا ريم من النّهار للسّاعة الطويلة ونهار ريم أيضا فإذا انتصف النّهار فهي ظهيرة ، وظهر وهجير وهجر ، ووديقة حين هجم المقيل وانحنى للتّغوير. والشّمس في كبيدات السّماء إذا توسّطت وعوّمت ودوّمت وحلّقت.

ويقال : زالت الشّمس زوالا وزالوا في التفرقة زيالا قال :

نعى حجشانها نجم دفوء

خليط لا ينام على الزّيال

والظلّ : يكون ليلا ونهارا ، ولا يكون الفيء إلا بالنّهار ، وهو ما نسخته الشّمس ففاء أو كان من النّهار فلم تنسخه الشّمس ، والفيء هو التّبع أيضا. قالت الجهينة :

ترد المياه خصيرة وبقيضة

ورد القطاة إذا استمال التّبع

وإذا لم يكن فيء ولا ظل قيل : (الظّل طباق الخف) وإذا ارتفع إلى موضع العقال من ساق الشجرة فنسخ الفيء إلى ذلك الموضع قيل : (قد عقل الظّل) فإذا صفا ، أي زاد على طول الشّخص قيل : قد فاء الفيء والظلّ الضّافي الطّويل ، ويقال للظّل الكثيف ظلّ المي.

ويقال للمكان الذي لا تقع فيه الشّمس : (مقناة) ومقان جمع ، والذي تصيبه الشّمس مضحاة والجمع مضاح. ويقال للشّمس المهاة. قال أمية بن أبي الصّلت شعرا :

تم يجلو الظّلام ربّ رحيم

بمهاة شعاعها مستنير

وأصل المهاة البلوة.

ويقال للشّمس الإلهة. قال التميمي :

تروّحنا من اللّعباء قصرا

وأعجلنا الإلهة أن تئوبا

ويقال : الآهة فيصير كالعلم ، وذكر قطرب أنّ الإلهة من أسماء السّماء والفتح في همزتها لغة واشتقاقه من لفظ إله لأنّ كل ما رغب فيه إلى الله تعالى يطلب من جهة السّماء.

ويقال للشّمس البيضاء وطلعت البيضاء ولقيته في الصّفراء أي حين اصفرت الشّمس.

وقال الأصمعي : روي عن ابن الزّبير أنّه قال في كلام له : البوح يعني الشّمس قال : ولم أسمع البوح إلا في كلامه. قال ابن الأعرابي : العرب تقول استدبار الشّمس مصحة. وأنشد :

إذا استدبرتنا الشّمس درّت متوننا

كأنّ عروق الجوف ينضحن عندما

درّت يعني لانت ، وروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «استدبروا الشّمس ولا تستقبلوها فإنّ استدبارها دواء ، واستقبالها داء».

٢٩٠

ويقال : ضرعت الشّمس إذا غابت ، (وزبت وأزبت) إذا دنت للمغيب. قال الدّريدي : صرعت غير معجمة. ويقال : سقط القرص. ويقال : ما بين المشرقين مثل فلان أي بين المشرق والمغرب.

وحكى بعضهم : التّغوير بالنّهار من آخره بإزاء التّعريس وهو النزول باللّيل من آخره. (والقسطلانية) نداءة الشّفق أو نداءة قوس قزح. ويقال للّذي يسمّى قوس قزح القسطلاني بالضمّ.

وقال الدّريدي : أهل المدينة يسمّون الهباء الذي يدخل من ضوء الشّمس إلى البيت : خيط باطل. قال الشّيخ : أخبرني أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري قال : أخبرني أبو عمرو غلام ثعلب عن ابن الأعرابي وعن عمر بن أبي عمرو عن أبيه وابن نجدة عن أبي زيد قال : يوح اسم للشّمس ومن رواه بالباء فقد صحّف ـ وذكاء ـ والعروج ـ والمهاة ـ والعبورية ـ والبتيراء ـ والجونة ـ والفين ـ والمأوبة ـ لأنها آئبة أبدا وتأويبها : سيرها من المشرق إلى المغرب ـ والسّراج ـ والضّح ـ والأهة بالضّم ـ والأهة بالفتح وروى قطرب الإهة بالكسر والأهة بالضم. قال ثعلب : الضّم أفصح والعمل عليه.

ومن أسماء الشّمس : الغورة لأنّها تغور ـ وأم شعلة ـ وأم النّجوم ـ والغراه ـ والهالة ـ وأنشد :

منتجب كأنّ هالة أمّه

ضعيف الفؤاد ما يعسّ بمعقول

منتجب هاهنا مفتخر أي يتخيّر وينتجب ما يفتخر به علينا وهو جبان في نفسه. وحكى المفضّل : (الحومانة) الشّمس.

ويقال : سفرت الشّمس طلعت ، وأسفرت أضاءت مثل وأشرقت وقيل هما لغتان. وأنشد ابن الأعرابي :

بيضاء شطّت مزارها

بلسنا إن سفرت أسفارها

فأتى باللّغتين جميعا وأنشد أيضا :

كأنها الشّمس إذا ما تسفر

والشّمس منها يوم دجن أسفر

أي تضيء منها الشّمس يوم الدّجن. وأنشدنا أبو أحمد العسكري قال : أنشدني أبو عمر الزّاهد عن ثعلب عن ابن الأعرابي :

وجارية رفعتها لأنالها

يكفي عن خرجاء يهفو رواقها

قال : الجارية هاهنا الشّمس ، والخرجاء : عين الشّاعر لأنّها ذات لونين. وأنشد عن

٢٩١

ثعلب عن ابن الأعرابي :

ومعمولة إن زدت فيها نقصتها

وإن نقّصت زادت على ذاك حالها

قال : يريد الكوّة التي تكون في السّقف مدخلها ضوء الشّمس كأنّه حبل ممدود ولذلك سمّي ذلك الضّوء خيط باطل ، لأنّ ما تراه فيه إذا قبضت عليه لم يحصل في يدك منه شيء ، وقوله: إن زدت فيها نقصتها أي إن زدت في جسمها نقصت من ضوئها فهكذا حالها. وأنشد ثعلب عن ابن الأعرابي :

والشّمس معرضة تمور كأنّها

ترس تغلّبه كمي رامح

قال الشّيخ : أظنّ أن ابن المعتز أخذ قوله من هذا :

ومصباحنا قمر مشرق

كترس اللّجين يشقّ الدّجى

مخاط الشّمس ، ومخاط الشّيطان جميعا.

ويقال : ركدت الشّمس وهو غاية زيادتها ، وقسبت الشّمس تقسب وصفت تصفو صفوا ، وكلّ هذا في معنى الرّسوب. وقال أبو النّجم : صفواء قد همّت ولمّا تفعل.

ويقال : قنب يقنب قنوبا وذلك إذا لم يبق منها شيء وأنشده شعرا :

مصابيح ليست باللّواتي تقودها

نجوم ولا بالآفلات الدّوالك

يقال : أفلت الشّمس : إذا غابت ، والأفول يستعمل فيها وفي غيرها ، وكذلك البزوغ وهو الطّلوع قال الله تعالى : (فَلَمَّا أَفَلَتْ) [سورة الأنعام ، الآية : ٧٨] في الشّمس وفلما أفل في القمر.

وحكى قطرب : جئتك غبة الشّمس أي عند مغيبها كأنه قلب ، فقدم الباء قال : وقالوا : شمسنا وشمسنا أي أوذينا بحرّها وأشمسنا صرنا في حرّ الشّمس وشمس يومنا وشمس وأشمس.

يقال : أزبت الشّمس وزببت وزبّت إذا دنت للمغيب.

ويقال : انصلعت انصلاعا وهو تكبّدها وسط السماء ، وصلاع الشّمس حرّها ، وقال : حرّ الظهيرة تحت يوم أصلع ، وحكى أبو عمرو : العباء أنوار الشّمس.

ويقال : قصبت الشّمس وذلك إذا بدا قصبها في عين النّاظر إليها. وذكر في أسماء الشّمس قطيفة المساكين وما أظنه إلا من وضع العامة.

وحكى أبو حنيفة : الشّرق الشّمس ، ويقال : أتيتك كلّ يوم شرقه أي شمسه وطلع

٢٩٢

الشّرق ، ولا يقال : غاب الشّرق. وذكر قوله : وهمت الجونة أن تصوما ، ومعنى صوم النّهار أنّ الشّمس إذا توسّطت السّماء نصف النّهار كأنها تقف ألا تسمع قوله :

والشّمس حيرى لها في الجوّ تدويم.

وحكى أبو حنيفة أنّ الإلهة تأنيث إله ، وأحسب أنّ الشّمس سمّيت بها لأنّه كانت تعبد.

قال : والنداءة قوس المزن وأكثر ما يكون في الوسمي والصّيف وقيل : بل هي الحمرة العارضة في مطلع الشّمس ومغربها إذا عرضت.

ويقال : سبأته الشّمس والنّار والحمّى إذا غيّرته ، وكذلك السّفر يسبأ الإنسان. وحكى ابن الأعرابي أنّك لتريد سبأة أي سفرا ، وقال سربد مثلها : والسّبأة البعد فكان السّربد السّفر القريب.

ويقال : جاءني فلان قمة أي حين غابت ، وقال أبو عمرو وما قمسته وقامسته بمعنى والمقامسة المقاطة قال الهذلي :

قلو رجلا خادعته لخدعته

ولكنما حونا برحنا أقامس

سبّته الشّمس وسبّأته إذا أحرقته.

٢٩٣

الباب السّادس والعشرون

في أسماء القمر وصفاته ، وما يتّصل بها من أحواله

فصل

قال أبو حاتم : قال أبو زيد : يقال الهلال : ما دام ابن ليلة أو ابن ليلتين ، فإذا استدار وعظم قبل أن يستدير فهو : القمر المستقبل ، فإن غطّاه سحاب أو قوة فلم ير إلّا بعد ثالثة من أول الشهر فهو قمر ، وإلّا يدعى هلالا.

وأمّا القمر : فهو ضوء القمر ، ويقال : طلّع القمر ، ولا يقال طلعت القمراء ولكن يقال : أضاءت القمراء ، كما يقال أضاء القمر.

ويقال : قمر اللّيل ، ولا يقال : قمر القمر ، ويقال : قمرنا ونحن مقمرون ، ويقال : تقمّرت فلانا إذا قصدته في القمراء.

وروى الشّعبي أنّ شيخا تقمّر جارية ولم يبلغ منها ما أراد فرفعا إلى عمر فعزره وأراد تعزيرها أيضا فشهدوا لها أنها أنكرت قربه وصاحت فخلّى سبيلها.

ويقال : وضح القمر وضوحا.

ويقال : استهلّ الهلال وأتيتك عند مستهلّ الشّهر.

ويقال : أهللنا الهلال ، وأهل الهلال ، قال أبو حاتم : بالبصرة يقولون هلّ الهلال ، ولا يجوز ذلك ، قال أبو حنيفة : حكي عن الثّقة أنّه يقال : هلّ الهلال نفسه أي طلع وأهللناه نحن رأيناه ، وإذا كان الهلال منبسطا قيل : هلال أوفق.

ويقال : أتيته عند إهلاله واستهلاله وهلة وهلّه وهلوله ، وأتيته تيفاق الهلال وتوفاقه وميفاقه.

قال الفرّاء : يقال إذا عاينت الهلال رأيته قبلا ، وإن استقبلك قبل : رأيته قبلا ، قال : وكل ما قابلك فهو قبل منك ، وقال غيره : رأيت الهلال وهو أوّل ما يرى ولم ير قبل ذلك ،

٢٩٤

وتكلّم فلان قبلا ، إذا تكلّم بكلام لم يكن قد استعد له.

ويقال : سلخت الشّهر سلخا وسلوخا وسلخ هو وانسلخ.

ويقال : نصف الشّهر وأنصف ونصف وكذلك كلّ شيء يؤول إلى النّصف. قال الفرّاء : طرح الألف أجوده ، وحكى الجرمي عن الأصمعي : أنصف النّهار ولا يقال : نصف ، ولكن يقال : نصف الماء القدح ، هذا وما أشبهه ممّا يبلغ نصف غيره. قال :

ترى سيفه لا ينصف السّاق نعله

أجل لا وإن كانت طوالا محامله

وقال الفرزدق :

وإن يقنهبن الولائد بعد ما

تعالى نهار الصّيف أو كاد ينصف

وقال ابن علس :

نصف النّهار الماء غامرة

وشريكه بالغيب ما يدري

فكلتا اللّغتين صحيحة ، وقال العجّاج في نصف :

حتى إذا اللّيل التّمام نصفا

وقال أبو زيد : يقال : انتصف النّهار انتصافا ، وأنشد :

فانتصف النّهار والنّعام

والمهر مزدم له قتام

يعني أنّه عقر نصف النّعام على الفرس إلى نصف النّهار.

ويقال : وسط النّهار حكاه أبو زيد يقال : قمراء أضحيان ، وهو ضوء القمر من أوّل اللّيل إلى الصّباح.

ويقال : أضحيان لكل ليلة من العشر الوسط ، ويسمّون القمر في أول اللّيل وآخره قميرا يصغّرونه لصغره. قال ابن أبي ربيعة :

وقمير يد الخمس وعشرين

له قالت الفتاتان قوما

يريد قومن وأنشد في القمراء :

يا حبّذا القمراء واللّيل السّاج

وطرق مثل ملاء النّساج

والقمر الباهر في اللّيالي البيض ومعنى الباهر الذي يملأ كلّ شيء بضوء بهر بهورا ، قال أبو حاتم : والبهر : الذي يصيب الإنسان من ذلك لأنّ المتنفس يمتلئ ويتردّد فيه النّفس فيستبهر. وقال :

٢٩٥

عمّ النّجوم ضوؤه حين بهر

فغمض النّجم الّذي كان ازدهر

وقال :

والقمر الباهر السّماء لقد

زرنا كلانا بجحفل لجب

ليلة عفراء : ليلة ثلاث عشرة. ويقال لها أيضا : ليلة السّواء ، وقال بعضهم : تسمّى بذلك لأنّ القمر يستوي فيها ، وهو قول الأصمعي ، وقال آخرون : لأنّه يستوي ليلها ونهارها. وقال : هي السّواء والغرّاء.

ويقال : أسفر القمر في أوّل ما يرى ضوؤه ، ولم يظهر بعد ، وأضاء القمر ، وقالوا : ليل أسفر ، وقالوا : امتحق القمر ، ولم يعرفوا فيه فعل يعني محق ، والاسم المحاق والمحاقة غداة يخفى عليك ، لأنّ الشّمس تغيبه عنك من أوّل نهارك قبل طلوعها ثم الاستسرار إلى أن يهلّ الهلال.

قال الأصمعي : المحاق أن يطلع القمر قبيل الشّمس في ضوئها ، فلا يزال ينمحق حتى يذهب. والسرّار : أن يطلع خلفها. وقال أبو عبيدة : العرب تقول : لليلة ميلاد القمر : ابن ليلته وأنشد :

كأنّ ابن ليلة طلع جانحا

قسيط لدى الأفق من خنصر

وقال أبو عبيدة : إنما قيل : ليلة البدر لأنّ القمر يبادر الشّمس أن يطلع ، قال الله تعالى : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [سورة يس ، الآية : ٤٠] أي يجرين في قطب المدار. وقال زهير :

لو كنت من شيء سوى بشر

كنت المنوّر ليلة البدر

قال أبو حاتم : قد روي عن ابن عباس هذا القول : إنّ القمر إنّما سمّي البدر لأنه يبادر أن يطلع ، ولا أظنّه إلا غلطا عليه ، إنّما البدر الممتلئ. ويقال : ليلة البدر ، وقمر بدر وأبدر القمر صار بدرا. قال الشّاعر :

ثم كشعة القمر البدر

حقوق الأحشاء والكبد

ويقال : غلام بدر إذا امتلأ شبابا قبل الاحتلام ، وجاء ببدرة أي سقاء ممتلئ لبنا.

قال أبو عبيدة : ثم سمّوا ليلة البدر ، وليلة النّصف ، وليلة السّواء وهي ليلة ثلاث عشرة البيض قال : ولم أسمع عربيّا سمّى شيئا منهنّ ولكن عدّوهنّ فلمّا بلغوا آخر الشّهر سمّوا ثلاثا منهنّ الدادي صفاة لشدّة ظلمتهنّ.

٢٩٦

وقال أبو نصر : الدأداء : هي الغلبة إذا كنت تشكّ في اللّيلة هي ممّا أنت فيه أو من المقبل ، يدل على هذا قوله :

هاجت عليه من الأشراط نافحة

بغلته بين أظلام وأحفار

وقال :

تداركه في منضل الآل بعد ما

مضى غير ما دأدأ وقد كاد يذهب

ثم قالوا : سرار الشّهر. قال جرير :

رأت مرّ السّنين أخذن منّي

كما أخذ السّرار من الهلال

ويكون سرار الثّلاثين من آخر الشّهر إذا تمّ الشّهر ، فإذا نقص فهو سرار ليلة.

ويقال : أتيته عند سرار الشّهر وعند سرار القمر. قال :

تلقى نوؤهنّ سرار شهر

وخير النّوء ما لقي السّرار

وقال الكسائي : آخر ليلة من الشّهر. قال كثير :

هلال عشية لشفا غروب

تسرّ وليلة بعد المحاق

وقال الراجز :

نحن صبحنا عامرا في دارها

عشيّة الهلال أو سرارها

والسّرار : يفتح ويكسر والفتح أعرف ، وقال بعضهم : المحاق ثم السّرار لأنّ ضوأه يمتحق ثم يستتر. وقال غيره : امتحاق القمر : احتراقه واحتج ببيت ساعدة :

في ما حق من نهار الصّيف محتدم

ويقال : محاق القمر ، ومحاق الشّهر. قال :

بنيت بها قبل المحاق بليلة

فكان محاقا كلّه ذلك الشّهر

وقال آخر :

فإن تك كوكب الصّمعاء نحسا

به ولدت وبالقمر المحاق

ويقال : حجر القمر ، وقمر القمر : إذا استدار بخط دقيق.

ويقال : لحف القمر فهو ملحوف : إذا جاوز النّصف وأخذ في النّقصان. والبراء : آخر ليلة في الشّهر لتبرأ القمر من الشّمس.

٢٩٧

ويقال : طفاوة القمر : إذا حجه وأنشد : كأنّه البدر في طفاوته. وبعضهم يفتح الطّاء فيقول طفاوة.

ويقال : أفتق القمر : إذا خرج من السّحاب لفرجة يجدها ، والفرجة الخصاصة. قال ذو الرمة شعرا :

تريك بياض لبّتها ووجها

كقرز الشّمس أفتق ثمّ زالا

أصاب خصاصة فبدا كليلا

كلا وانفلّ سائره انفلالا

وقال بعضهم : يسمّى القمر : الزّبرقان وهو من قولهم : زبرق عمامته : إذا صفّرها. قال أبو حاتم : وزعم من لا أسكن إلى قوله أنّ القمر يسمّى في الدادي السّاهور. قال أمية بن أبي الصّلت:

والشّهر بين محاقه وهلاله

أجل لعلم الناس كيف يعدد

ولا نقص فيه غير أنّ خبيئه

قمر وساهور يسلّ ويغمد

وزعم أنّ السّاهور بالنّبطية أو السّريانية ، وقال بعضهم : هو غلاف القمر يخرج منه أول حتى يبرز كلّه ، فإذا انتصف الشّهر ارتدّ فيه.

وحكى بعضهم : ليالي السّاهور التّسع البواقي كلّها. وحكى الحارزنجي : السّاهور الشّهر ، قال : ويقولون : لقوا الشّر في ساهوره ، أي في كثرته. قال : والسّاهور من أسماء القمر وهو السّحاب أيضا ، والسّاهرة الأرض العريضة البسيطة.

وقال شيخنا أبو علي : السّاهرة وجه الأرض من السّهر ، ومعناه أنه إذا سهر قلق جنبه ، فقلّ حظّه من الأرض ، إمّا بالقيام ، وإمّا بالقعود ، وإمّا بالقلق والحركة فتأويله أنّه سلب ملابسة الأرض ، وكذلك قولهم : سهروا والمعنى واحد والأخذ منزله كلّ ليلة والرّكس منزله الذي ينكسف فيه.

ويقال للسّواد الذي في القمر : المحو والشّامة. والهالة دارة القمر.

ويقال : طمس القمر والنّجم إذا ذهب ضوؤهما.

ويقال : القمر اللّيلة في الهالة قال : في هالة هلالها كالإكليل يعني دارته أنشد في الهالة :

فمن يسع من حيّ الأراقم جاهدا

ليدرك مسعاة ابن هالة يسبق

ويقال : سميّت هالة لحسنها وجمالها كأنّهم شبّهوها. وقال قطرب : الفخت ضوء القمر والشّمس ، وهي أيضا : ثقوب مستديرة في السّقف ، وقد انفخت وقال ثعلب : الذي

٢٩٨

يدل على أنّ الفخت الضّوء لا الظّل أن الفاختة سمّيت لفخت القمر ومنه الصّبغ الفاختي.

وكذلك ذكره أبو عبيدة والكسائي ، ويقال : جاء تيفاق الهلال ، وتوفاق الهلال ، وتوفق الهلال ، وميفاقه أي لوقته ، وحين وجاء على نفته ونافته ، وعلى أفاته أي لوقته.

وأخبر أبو عمر بن ثعلب عن ابن الأعرابي قال : هو القمر ـ والطّوس ـ والجلم ـ والجيلم والأرسلم ـ والباهر ـ والزّبرقان ـ والرّباض ـ والبدر ـ والسّمار والمتّسق والبادر ـ والغاسق.

قال ابن الأعرابي : ويقال للهلال : الأزميم ـ وابن ملاط ـ وابن مزنة ـ قال شعرا :

كأنّ ابن مزنة طلع جانحا

فسيط لدى الأفق من خنصر

قال : ويقال له الأزميم إذا دفق. قال : كأنما شخصها في الآل أزميم. وزعموا أنّ أعرابية قالت لزوجها : لقد رأيت الأزميم بوجهك فما رأيت خيرا.

ويقال : قمر سنمار إذا كان مضيئا ، وقمر سنمان بالنّون أيضا.

قال أبو عمرو : أخبرني السيّاري عن قوله في الغاشق أنّه القمر. وقلب الغسق عند العرب السّواد ، قال : إنما قال : تعوّذي بالله من شرّ هذا الغاسق أي من شرّه إذا انكسف فهو آية ويسود ، فمعناه يا عائشة افزعي إلى الصلاة واستعيذي بالله من شرّ هذه الآية إذا رأيتها ، قال ابن الأعرابي وأنشد نصر والأسديون شعرا :

ومستنبت لا بالهلال نباته

وما أن تلاقت باسمه الشّفتان

له شامة سوداء في حرّ وجهه

مجللة لا ينقضي لأوان

ويدرك في تسع وستّ شبابه

ويهرم في سبع معا وثمان

قال : هو الهلال لأنّه ثبت بلا سقي ذكر الشفتان لأنّه ليس في اسم الهلال من الحروف التي ينضم عليها الشّفتان شيء وحرّ الوجه ما بدا منه ومنه قوله :

كريمة حر الوجه غير المحسر

وحكى ثعلب عن أبي مسجل عن الكسائي أهلّ الهلال واستهلّ ، ولا يقال : هلّ ولا أهللنا الهلال. والحمرة التي يغيب فيها القمر يقال لها : الندأة. قال الفزاري والجمع ندى ثلاثة ، أخط أحمر بين أخضرين ، فإذا رأيتها فتق بالمطر من غرب أو شرق بإذن الله عزوجل. قال ثعلب : الأخط جمع خط كما يقال : صل وأصل وشد وأشد. وغرة الشهر أوّل ليلة ، لأنّ الهلال في أوّله كالغرة في وجه الفرس. وتقول العرب للحجر البراق : هو بصاقة القمر ، وقيل بصاق وبصق. والبلماء ليلة البدر.

٢٩٩

ويقال : وجه مسلم إذا امتلأ نورا واستكمل حسنا ، وقال بعضهم : يقال كذلك طفاوة القمر.

فصل في أسماء ليال من أوّل الشّهر

الغرر ويقال الغر أيضا لأنّها كالغّرة في الوجه البهيم من الخيل.

ويقال أيضا : القرح لأنّها كالقرحة فيها. ولثلاث يليها السّبع ، وقيل لها : الزّهر بفتح الهاء وقد سكنت أيضا ، وقد أزهر القمر والزّهرة البياض والنجم المعروف الزّهرة ، أبو عبيدة يبطل التّسع والعشر ورواه غيرهما. ومن قال الغرر جعلها جمع غرة. ومن قال غر جعلها جمع غرّاء. وقيل بعد الغر ثلاث شهب ، لأن ضوء القمر فيها غير باهر ، وقيل : ثلاث بهر لأنّ ضوء القمر بهر كلّ ظلمة أي غلب ، وقيل في التّسع : إنّها سمّيت بها لأنّ فيها الليلة التّاسعة ، كما سمّيت الغرر لأنّ فيها الغرة ، وهي ليلة واحدة ليلة الهلال.

وكذلك العشر : لأنّ فيها اللّيلة العاشرة ، ولثلاث يليها التّسع ، وقيل لها : الدّرع بفتح الرّاء ، ويجعل درعة مثل ظلمة وظلم وقيل الدّرع بسكون الراء جعل جمع درعاء. وقيل : صبح أدرع : لاختلاط الضّوء بالظّلمة. وشاة درعاء إذا اسودّ مقدمها وابيضّ سائرها. ويقال : أدرع الشّهر إذا جاوزت النّصف منه والدّرع والظّلم والزّهر وقد حركت الثّاني منها كلّها وجاءت على غير قياس. قال ابن أبي ربيعة :

قالت له شفقا لا تأت في قمر

إن كنت تأتي بليل واحذر الدّرعا

ففتح الرّاء والقياس إسكانها. قال أبو حاتم : لم أسمع في الظلم أنّها جاءت على القياس. وقال بعضهم : أتيت وثوب السّماء مجزع ، لأنّ أوّلها أبيض وآخرها أسود.

وقال الأصمعي : عن العرب : اللّيالي البيض : ثلاث ليال : ليلة السّواء ، وليلة البدر ، وليلة خمس عشرة. قال : ولا يقال أيام البيض إنّما يقال : ليالي البيض ، وتسمّى هذه اللّيالي المحمقات ، وذلك أنه إذا كان في السّماء غيم رقيق وطلع القمر من أوله إلى آخره خفي على الإنسان ضوء الصّبح ، فيظنّ أنّه قد أصبح وعليه ليل فيسمين محمقات لذلك. ويقال : غرّ فلان غرور المحمقات.

وقد قيل لما يلي التّسع إلى اثنتي عشرة : الجزع ، ثم ثلاث عشرة السّواء والعفراء ، وأربع عشرة البدر ، وخمس عشرة ميسان ، وإلى العشرين الذرع ، وقد تقدّم القول في جميعه ، والتّسع البواقي الدّادي ، وآخر ليلة في الشّهر ليلى مقصورا لظلمتها. وحكي المد فيها. وقيل للثّلث الأواخر محاق ، لأنّه يمتحق القمر فيها كأنّه يحترق عند طلوع الشّمس فلا يرى.

٣٠٠