كتاب الأزمنة والأمكنة

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني

كتاب الأزمنة والأمكنة

المؤلف:

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٦

يومين منه يطلع الطّرف ويسقط سعد بلع ويقوم سوق بيت جبرين (١) ويطلع سهيل ولا يرى بالعراق. وفي خمس عشرة منه تطلع الجبهة ، ويسقط سعد السّعود وفيها يبرد آخر اللّيل ويرتفع سهيل ، حتى يرى بالعراق وتطيب البوارح وإن تخلّلها السّمائم ويهيج الزّكام ، ويكون فيه عيد عسقلان ، وهو عيد كبير جامع للنّصارى. وهو يوم ماتت مريم بنت عمران فيما يزعم أهل الكتاب. ويبرد جوف الأرض ، ويرجى فيه المطر بالسّند. وفي أربع وعشرين يكون النّهار ثلاث عشرة ساعة ، وهو أول الشّتاء ، والعرب تسمّي ذلك الزّمان الخريف. وفي ثمان وعشرين منه يطلع الخراتان ، ويسقط سعد الأخبية ، وتهب الشّمال ، وهو فيما يذكرون يوم قتل يحيى عليه‌السلام ، وهو آخر يوم من القيظ ، وفيه تسقط المنّ والسلوى بأرض الشّام وأرض بني إسرائيل.

أيلول

سلطان المرة السّوداء ، ثلاثون يوما ، آيته سبعة ، وهو بالفارسية مرداد ماه ، آيته اثنان ، وله من البروج السّنبلة برج ذو جسدين أرضي أنثى ، وهو بيت عطارد وشرفه وهبوط الزّهرة ، وربّه بالنّهار الزّهرة ، وباللّيل القمر ويشاركه باللّيل والنّهار المرّيخ. الإقليم الشّام والجزيرة ، وله من النّجوم ثلث الصّرفة والعوّاء والسّماك. في ثلث منه توقد النّار بآذربيجان وبكل أرض باردة. ويقوم سوق منيح بالجزيرة ، وسوق هرمردان بجند نيسابور. وهو رأس سنة اليهود ، وتزرع فيه البقول الشّتوية ، ويسقط النّدى ، وتتحرك أول الشّمال. ولعشر منه يطلع الغفر ويسقط مقدّم الدّلو. ويزرع أهل مصر والجزيرة. ولثلاث عشرة منه يكون عيد الصّليب وهو الصّوم الأكبر. وتجري فيه ريح شديدة الهبوب ، يتّقى فيها على السّفن ، ولإحدى وعشرين يبني النصارى في كنائسهم ، يريدون بذلك تقويم قبلتهم ، وفيه يقوم سوق رحبة بالجزيرة وسوق بردرايا بالسّوس ، ويقوم سوق اسبايريار بتستر أسبوعا. ولأربع وعشرين تطلع العواء ويسقط مؤخّر الدّلو ، ويستوي اللّيل والنّهار ، ويجري الماء في فروع الشجر ، وهو آخر القيظ وأوّل الخريف وأوّل الصّرام بالبصرة. وقال أبو عبد الله أول نجوم القيظ والبوارح الثّريا ، وسهيل ، وإذا مضى سهيل آخرها وإذا مضى سهيل طالت الأظماء ، وبرد اللّيل ، فإذا طلعت الجبهة انكسر الحر وامتد الظّماء ، وتباعدت الإبل في مراعيها ، ويكثر الكرش ويغلظ فيمسك الماء ويطول لذلك ظمؤها ، وإذا قصر الظّماء رعت حول الماء ، فإذا طلعت الصّرفة فهو انقطاع الحرّ وتحرّك ريح الشّتاء ، ثم نجوم القر الشّديد وأوّلها سقوط الذّراع ، فإذا سقطت الجبهة سخفت الأرض ولانت على الماشي وأطلعت الأرض ذخائر وسميّها من النّبات ، واختلفت الإبل في مراعيها يعني تباعد بعضها من بعض. ونظرت الأرض بإحدى عينيها فإن

__________________

(١) في القاموس بيت جبرين بين غزّة والقدس ـ الحسن النعماني.

٤٨١

كان في ذلك الوقت كان مخصبا بإذن الله تعالى ، وكان أنفع مما قبله وما بعده ، ويقال : ما امتلأ واد من نوء الجبهة إلا امتلأ بقلا ، وهي أنفع النّجوم للأرض إذا صدق نوؤها وهي من نجوم الشّتاء وأنفع نجوم الوسمي مطر الثّريا ، فإن صدق نجمها حمد الوسمي في ذلك العام ، فإن ولتها الجبهة في وقتها كان عاما حياء ، وخير بإذن الله تعالى ، فإن ردفها السّماك في الصّيف ، وهو أحد نجوم الصّيف فهو حياء تلك السّنة ، فإذا سقطت الصّرفة نظرت الأرض بعينها وأخرجت كلّ ذخيرتها ، وانصرف القرّ وصفت فأوّل الصّيف العوّاء وآخرها سقوط الشّولة وطلوع الهنعة.

٤٨٢

الباب الثالث والخمسون

في انقلاب طبائع الأزمنة وثباتها ، وامتزاجها والاستكمال والامتحاق وأزمان مقاطع النّجوم في الفلك ، ومعرفة ساعات اللّيل من رؤية الهلال ، ومواقيت الزّوال على طريق الإجمال.

اعلم أنه قد تقدّم القول في أنّه متى انتقلت الشّمس إلى أول نقطة الحمل اعتدل اللّيل والنّهار ، وأخذ النّهار في الزّيادة على اللّيل ، وذهب برد الشّتاء ، ورطب الهواء ومالت الشّمس إلى الشّمال ، وفي الارتفاع إلى سمت الرءوس في البلدان الشّمالية ومواضع العمارة في الصّعود إلى ذروة فلكه الخارج المركز وابتداء النّشوء والنّمو في النّبات والحيوانات والمعادن والمياه وتورّقت الأشجار.

وإذا انتقلت إلى أوّل السّرطان صار النّهار في نهاية الطّول والزّيادة على الاعتدال ، واشتدّ الحرّ وسلس الهواء ، وأخذ النّهار في النقصان.

وإذا انتقلت إلى أوّل الميزان اعتدل اللّيل والنّهار ثانيا ، وأخذ اللّيل في الزّيادة على النّهار ويغلب اليبس على الهواء مع ابتداء البرد ، وكل شيء من أحواله يخالف أحوال الربيع ، وتأخذ الشّمس في الميل إلى الجنوب وتتباعد عن سمت الرءوس ويكون في انحطاط من الارتفاع ، وانحدار إلى حضيض فلكه الخارج المركز.

وإذا انقلب إلى أوّل الجدي يصير النّهار في نهاية القصر ، واللّيل في نهاية الزّيادة والطّول. واللّيل في النّقصان إلى أن تعود الشّمس إلى أوّل الحمل وقد بان بما وصفنا أنّ ابتداءهم بالحمل دون سائر البروج للأحوال التي ذكرنا.

ولكل فصل من هذه الفصول ثلاثة أبراج من البروج الاثني عشر. (فبروج الرّبيع) : الحمل ـ والثّور ـ والجوزاء. (وبروج الصيف) : السّرطان ـ والأسد والسّنبلة. (وبروج الخريف) : الميزان ـ والعقرب ـ والقوس. (وبروج الشّتاء) : الجدي ـ والدلو ـ والحوت.

٤٨٣

ولذلك سمّيت الحمل والسّرطان والميزان ، والجدي منقلبة لأنّها متى نزلت الشّمس أوّل الحمل انقلب الزّمان من طبيعة فصل الشّتاء وأحواله إلى طبيعة فصل الرّبيع ، وإذا نزلت السّرطان انقلب الزّمان من طبيعة فصل الرّبيع إلى طبيعة فصل الصّيف وأحواله. (وإذا نزلت) الميزان انقلب الزّمان من طبيعة فصل الصّيف وأحواله إلى طبيعة فصل الخريف وأحواله.

وإذا نزلت الجدي انقلب الزّمان من طبيعة فصل الخريف إلى طبيعة فصل الشّتاء وأحواله ، وسمّيت الثّور والأسد والعقرب والدّلو ثابتة لأنّه إذا نزلت الثّور ثبتت طبيعة فصل الرّبيع ، وإذا نزلت الأسد ثبتت طبيعة فصل الصّيف ، وإذا نزلت العقرب ثبتت طبيعة فصل الخريف ، وإذا نزلت الدّلو ثبتت طبيعة فصل الشّتاء ، وسمّيت الجوزاء والسّنبلة والقوس والحوت ذوات جسدين ، لأنّه إذا صارت الشّمس في النّصف من الجوزاء تمتزج طبيعة فصل الرّبيع وطبيعة فصل الصّيف ، وإذا صارت في النّصف من السّنبلة تمتزج طبيعة فصل الصّيف بطبيعة فصل الخريف ، وإذا صارت في النّصف من القوس تمتزج طبيعة فصل الخريف بطبيعة فصل الشّتاء. وإذا صارت في النّصف من الحوت تمتزج طبيعة فصل الشّتاء بطبيعة فصل الرّبيع.

واعلم أن الشهر إذا تمّ فكان ثلاثين يوما طلع الهلال (١) بعد ما تجاوز.

__________________

(١) قال في كنز المدفون : يقال للهلال : هلال لليلتين من أول الشهر ولليلتين من آخره ، ويسمّى ما بين ذلك قمرا ، وقيل إنه خصّ كلّ ثلاث ليال باسم ، فالثلاثة الأول يقال لها هلال ، والثّلاثة الثانية يقال لها قمر ، والثّلاثة الثالثة يقال لها بهر ، والثّلاثة الرّابعة يقال لها زهر ، والثّلاثة الخامسة يقال لها : بيض ، والثّلاثة السّادسة يقال لها درع ، والثّلاثة السابعة يقال لها ظلم ، والثّلاثة الثامنة يقال لها حنادس ، والثلاثة التّاسعة يقال لها : دآدئ ، والثلاثة العاشرة يقال لليلتين منها محاق وليلة وهي آخره سرار.

وقيل : غير هذه ثلاث غرر ، وغرة كل شيء أوله ، وقيل : شهب وثلاث زهر والزّهرة البياض ، وقيل نفل وثلاث تسع لأن آخر يوم منها هو التّاسع وثلاث بهر لأنّه يبهر فيها الظّلام ، وثلاث بيض لأنّ لياليها بيض بطلوع القمر من أوّلها إلى آخرها وثلاث درع لأنّ أوّله يكون أسود وباقيته أبيض وثلاث دهم ، وفحم وثلاث حنادس وثلاث دآدئ وثلاث محاق لانمحاق الشّهر ، وقيل : إنّ العرب تسمّي اللّيلة الثامنة والعشرين دعجاء وليلة تسع وعشرين دهماء ، وليلة ثلاثين ليلاء (من كلام الشيخ كمال الدّين الدّميري). قال شعرا :

ثمّ ليالي الشّهر ما قد عرفوا

كلّ ثلاث الصّفات تعرف

فغرر وتفل وتسع

وبهر والبيض ثمّ الدّرع

وظلم حنادس دآدي

ثم المحاق لانمحاق بادي

(١) القاضي محمد شريف الدّين المصحح عفا الله عنه.

٤٨٤

الشّمس بمنزلة ونصف ويرى عظيما فيدخل تلك المنزلة في مسيره حتى يستتر في ثمان وعشرين ونصف ، فيكون استتاره في ذلك الشّهر يوما ونصفا ويطلع وهو خفي ، ويكون ذلك الشّهر تسعة وعشرين يوما ، ويكون استهلاله بعد ما تجاوز الشّمس بمنزلة فإذا رؤي الهلال على رأس منزلة من الشّهر كان أدق ما يكون وأخفاه لقربه من الشّمس ، ويكون ذلك الشّهر ثلاثين يوما. وإذا رؤي على منزلة ونصف من الشّهر كان أعظم ما يكون وأبينه لبعده من الشّمس ، ويكون ذلك الشهر الذي يعظم فيه الهلال تسعة وعشرين يوما فأقلّ ما يستتر يومان.

واعلم أنّك إذا رأيت الهلال لليلة فإنه يمكث في الشّتاء ستة أسباع الساعة ـ وإذا كان لليلتين فإنّه يمكث ساعة وخمسة أسباع الساعة ، وإذا كان لثلاث فإنّه يمكث ساعتين وأربعة أسباع السّاعة. وإذا كان لأربع فإنه يمكث ثلاث ساعات وثلاثة أسباع السّاعة ، وإذا كان لخمس فإنه يمكث أربع ساعات وسبعي السّاعة ، وإذا كان لستّ فإنه يمكث خمس ساعات وسبع السّاعة ، وإذا كان لسبع فإنه يمكث ستّ ساعات وإذا كان لثمان فإنه يمكث ست ساعات وستة أسباع الساعة ، وإذا كان لتسع فإنه يمكث سبع ساعات وخمسة أسباع الساعة. وإذا كان لعشر فإنّه يمكث ثمان ساعات وأربعة أسباع السّاعة ، وإذا كان لإحدى عشرة فإنّه يمكث تسع ساعات وثلاثة أسباع السّاعة ، وإذا كان لاثنتي عشرة فإنّه يمكث عشر ساعات وسبعي السّاعة ، وإذا كان لثلاث عشرة فإنّه يمكث إحدى عشرة ساعة ، وسبع السّاعة وإذا كان لأربع عشرة فإنّه يمكث اثنتي عشرة ساعة ، وذلك ساعات اللّيل كلّه ، وإذا كان لخمس عشرة فإنّه يطلع بعد ستة أسباع السّاعة. وإذا كان لست عشرة ليلة فإنّه يطلع بعد ساعة وخمسة أسباع السّاعة ، وكذلك ينقص في كل ليلة ستة أسباع السّاعة حتى يستتر تحت الشّعاع ليلة ثمان وعشرين.

واعلم أن الشّمس تقطع البروج الاثني عشر التي هي جماع الفلك على ما ذكره بعض المتقدّمين في ثلاث مائة وخمسة وستين يوما وست ساعات وخمسي السّاعة ، وتسير في كلّ برج ثلاثين يوما وعشر ساعات.

ويقطع القمر البروج في ثمانية وعشرين يوما ، ويصير في كل برج يومين وثمان ساعات.

ويقطع زحل البروج في ثمانية وعشرين يوما ، ويصير في كل برج يومين وثمان ساعات.

ويقطع زحل البروج كلّها في ثلاثين سنة ، ويصير في كلّ برج خمسة وأربعين يوما.

ويقطع المشتري في اثنتي عشرة سنة ، ويصير في كل برج اثني عشر شهرا.

ويقطع المرّيخ في سبعة عشر شهرا يصير في كلّ برج خمسة وأربعين يوما.

٤٨٥

وتقطع الزّهرة في عشرة أشهر وتصير في كل برج خمسة وعشرين يوما.

ويقطع عطارد البروج كلّها كما يقطع الشّمس سواء ويسير في كلّ برج كما تسير الشّمس لأنّه معها لا يفارقها.

وتقطع الجوزاء البروج في ثماني عشرة سنة ويصير في كلّ ثمان عشر شهرا.

فأمّا الكلام في مواقيت الزّوال في الشّتاء والصّيف ونقصان ذلك وزيادته في كلّ شهر من شهور الفارسيّة ، والدّاعي إليه ضبط أوقات الصّلاة المفروضة والاحتياط في إقامتها سننها وفي أوقاتها.

ولمّا كان يختلف في السّنين والبلدان من أجل اختلاف العروض والسّماوات ، عمدت إلى حلول الشّمس أوائل البروج وقسمت عليها أقدام الظلّ ببلدنا الذي هو أصبهان سنة ثلاث مائة واثنتين وتسعين ليزدجرد إذ كان أبعد من الاختلاف وأقرب إلى الدّوام والثّبات ، ولئلا يجب أن يغيّر في كلّ سنة عند تحوّلها ، وعلمت أنّ من يكمل للنّظر في هذا الكتاب يكون متمرنا بمعرفة حلول الشّمس أول كل برج ، ومتدربا بعلم وقته والله الموفّق.

فأوّل حلول الشّمس برج الحمل يكون الظلّ عند الزّوال أربعة أقدام ونصف العشر ، وإذا سار عشر درجات منه يكون ثلاثة أقدام وربع وخمس ، وإذا سار عشرين درجة منه يكون قدمين ونصف وثلث وعشر.

وأوّل حلولها برج الثّور يكون الظّل قدمين وثلثي قدم وثلثي عشر. وإذا سار عشر درجات يكون قدمين ، وإذا سار عشرين درجة يكون قدما وثلثي قدم.

وأوّل حلولها برج السّرطان يكون الظلّ ثلثي قدم وخمسا وعشرا وإذا سار عشر درجات يكون قدما وعشرا ونصف العشر.

وأوّل حلولها برج الأسد يكون الظّل قدمين وربعا وسدسا. وإذا سار عشر درجات يكون الظلّ قدمين وثلثين وربعا. وإذا سار عشرين درجة يكون ثلاثة أقدام ونصف قدم.

وأوّل حلولها برج الميزان ، يكون الظّل أربعة أقدام وعشرا ، وإذا سار عشر درجات يكون أربعة أقدام وخمس وسدس وعشر قدم.

وأوّل حلولها برج العقرب يكون الظّل ستة أقدام وسدس قدم. وإذا سار عشر درجات يكون سبعة أقدام ، وإذا سار عشرين درجة يكون سبعة أقدام ونصف وربع.

وأوّل حلولها برج القوس يكون الظّل ثمانية أقدام وربع وخمس قدم. وإذا سار عشر درجات يكون تسعة أقدام ، وإذا سار عشرين درجة يكون تسعة أقدام وربع وعشر قدم.

٤٨٦

وأوّل حلولها برج الجدي يكون الظّل تسعة أقدام ونصف قدم. وإذا سار عشر درجات يكون تسعة أقدام وثلث قدم ، وإذا سار عشرين يكون ثمانية أقدام ونصف وثلث وعشر قدم.

وأوّل حلولها برج الدّلو يكون الظّل ثمانية أقدام وثلث قدم ، وإذا سار عشر درجات يكون سبعة أقدام ونصف وخمس قدم ، وإذا سار عشرين درجة يكون ستّة أقدام ونصف وثلث وعشر قدم.

وأوّل حلولها برج الحوت يكون الظّل ستّة أقدام وسدس قدم وإذا سار عشر درجات يكون خمسة أقدام وثلث وعشر قدم ، وإذا سار عشرين درجة يكون أربعة أقدام وثلثي ونصف عشر قدم.

٤٨٧

الباب الرّابع والخمسون

في اشتداد الزّمان بعوارض الجدب وامتداده بلواحق الخصب

يروى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنّه قال في دعائه على الكفار : «اللهم اشدد وطأتك على مضر ، واجعل عليهم سنين كسني يوسف» فدعاهم جهد البلاء إلى أن أكلوا العلهز وهو المعجون من الوبر بدم القراد أعاذنا الله تعالى من السوء برحمته ومن ذلك قول الشّاعر شعرا :

هلّا سألت بني ذبيان ما حسبي

إذا رعائي راحت قبل حطّابي

وذلك إذا اشتدّ البرد فراح الرّاعي بإبله قبل الحطّاب ، لقلة المرعى ولأنّ المحتطبين يحتبسون مستكثرين من الحطب لشدّة البرد ، وقال النابغة في مثله :

هلّا سألت بني ذبيان ما حسبي

إذا الدّخان تغثّى الأشمط البرما

ويقال : أتانا فلان من الطّيخة إمّا في فتنة وإمّا في جدب وبلاء ، وأنشد :

وكنا بها بعد ما طيخت عروضهم

كالبهرقية يبغي ليطها الدّسما

والمطيخ : الفاسد وقال ابن مقبل :

ألم تعلمي أن لا يذم فجاءني

دخيلي إذا اغبرّ العضاة المجلّح

يريد أنّ الدّخيل لا يذمّه إذا غشيه في وقت لم يكن مستعدا للاحتفال به والمجلّح الذي أكلته الإبل حتى ذهبت بغصونه ، وصار كالرأس الأجلح ، ومثله قول الأعشى :

وإني لا يشتكيني الألوك

إذا كان صحو السّحاب الضّريبا

أراد بالألوك ذو الألوك وهي الرسالة ، يريد لا أردّ صاحبها بغير شيء فيشكوني في هذا الوقت البارد الجدب ، وبيّن هذا المعنى لبيد وبسطه فقال :

وغلام أرسلته أمّه

بألوك فبذلنا ما سأل

أو نهته فأتاه رزقه

فاشتوى ليلة ريح واجتمل

٤٨٨

زاد على الأول لأنّه قال : تطلب إذا طلب ونبتدئه إذا أمسك ، وقال الكميت يذكر سنة جدب :

وكأنّ السوف للقينات فوقا

تعيش به وهنيت الرّقوب

وصار وقودهم للنّار أما

وهان على المخبأة الشّحوب

قال أيضا :

وأنت ربيعنا في كلّ محل

إذا المهداء قيل لها العفير

(المهداء) : الكثيرة البر على الجيران ، والعفير الذي لا يهدي من الجدب ، والأصل في التّعفير أن يعلّل العظيم بالشّيء ليستغني به عن اللّبن ويشهد للمهداء قوله :

وإذ الجراد اغبررن من المحل

وكانت مهداؤهنّ عفيرا

وقال لبيد :

يكبون العشار لمن أتاهم

إذا لم تسكت المائة الوليدا

أي لا يوجد في المائة من اللّبن ما يعلل به صبي إذا بكى وقال أوس في مثله :

وذات هدم عار نواشرها

تصمت بالماء تولبا جدعا

(الهدم) : الخلق ، (والتّولب) : ولد الحمار ، واستعاره للعظيم والجدع السيئ الغذاء.

وقال الفرزدق : وعام تمشي بالفراع أرامله ، الفراع : الجرب ، وإنما يتمشّى بها تسأل الصّدقة وقال الهذلي :

وليلة يصطلي بالفرث جارزها

يختص بالنّضرى المثرين داعيها

يريد أنّ الجارز لشدّة البرد يدخل يده في الكرش ليدفأ وقال الفرزدق :

إذا السنة الشّهباء حلّ حرامها

أي : يأكلون فيها الميتة والدّم ، وقال رؤبة جدباء فكّت أسر القعوس. والقعس : الهودج أي فكّوها وأوقدوا بها من شدّة البرد ، وقال الكميت :

فأيّ عمارة كالحيّ بكر

إذا اللّزيات لقيت السّنينا

أكرّ غداة أبساس ونقر

وأكشف بالأصائل إذ عرينا

اللّزيات : الشدائد ، واللّزية تلقب بالسّنة حتى بني منه الفعل ، فقيل : أسنت القوم أصابتهم السّنة ، والتّاء في أسنت قال أصحابنا : هي بدل من الواو الظاهرة في الجمع ، إذا

٤٨٩

قيل سنوات ، ومثله التاء في قولهم أخت.

ويقال هذا عام سنة والأرض وراءنا سنة. ومن ألقاب الجدب قولهم : كحل وتحوط. قال : والحافظ النّاس في تحوط إذا لم يرسلوا تحت عائد ربعا. ويروى في تحيط.

ويقال : أصابتهم لزية ـ وحطمة ـ وأزمة ـ ولأواء ـ ولولاء ـ وقحمة ـ وحجرة وشصاصاء وأكلتهم الضّبع والفاشورة قال :

قوم إذا صرحت كحل بيوتهم

عزّ الذّليل مأوى كلّ قرضوب

وأحجرنا عامنا وهي الحجرة قال :

إذا الشّتاء أحجرت نجومه

واشتدّ في غير ثرى أزومه

والسنة القاوية ، وقد قوي المطر إذا قحط ، ويقال : حقد المطر : إذا احتبس وقوله : إذا عرينا : يريد بردن ، ويقال : ليلة عرية ويوم عرى أي بارد ، يقول : يكشفون تلك الأصائل بالإطعام وتفقّد الناس ، وقال الكميت يصف زمن الجدب شعرا :

وجالت الرّيح من تلقاء مغربها

وضنّ من قدره ذو القدر بالعقب

وكهكه المدلج المقرور في يده

واستدفأ الكلب في الماسور ذي الذئب

(العقبة) : شيء كان يردّه مستعير القدر من المرق في القدر وهو العافي. و (كهكه) : نفخ في يده من شدّة البرد. وأنشد الأصمعي في العافي :

إذا ردّ عافي القدر من يستعيرها

وقال الفرزدق :

وهتكت الأطناب كلّ ذفرة

لها تامك من عاتق التي أعرف

(التامك) : السّنام ، و (الأعرف) : الطّويل العرف ، يقول : إذا أصابها البرد دخلت الخباء فقطّعت الأطناب. وقال الكميت :

فأيّ امرئ أنت أيّ امرئ

إذا الزّجر لم يستدرّ الزّجورا

ولم يعط بالعصب منها العصو

ب لا النّهيت وإلا الطّخيرا

(النّهيت) : الصّياح والرّغاء ، و (الطّخير) : الضّرب بالرجلين و (الزّجور) : التي لا تدر حتى تزجر ، وهذا في شدة الزّمان. وقال أيضا :

بعام يقول له الموكفو

ن هذا المعيم لنا المرجل

٤٩٠

وكان سواء لنا تجين

تمام الحوارين والمعجل

والمرجل أي جعلهم رجالا ، وقوله : وكان سواء أي ليس للأمهات لبن ، فالتمام يموت أيضا ، قال أبو عمر : وهما حواران أحدهما ، (تمام) : والآخر. (معجل).

وحكى ابن الأعرابي : هذا عام صار الرّوم فيه علوقا ، والرّفود زجورا ، فالرءوم العطوف على ولدها ، والرّفود التي تملأ رفدين في حلبة أي قد حين والعلوق التي ترأم بأنفها وتمنع درّها والزّجور التي لا تدر حتى تزجر ، وكلّ ذلك الانقلاب للصّر والشدّة وكلب الزّمان وقال ابن مقبل شعرا :

ولا اصطفى لحم السّنام ذخيرة

إذا عزّ ريح المسك باللّيل قاتره

قاترة من القتار ، عزّه غلب عليه ، يقول في زمان الجدب : يكون ريح القتار أطيب من ريح المسك وقال :

بلى إنّ الزّمان له صروف

وكلّ من معاركه السّنين

فيسمن ذو العريكة بعد هزل

ويغتر الهزيلة بالسمين

العريكة من قولهم ناقة عروك إذا لم يكن في سنامها إلا شيء يسير ، والمعنى إن صروف الدّهر تقلب : فيسمن المهزول ويهزل السّمين والهزال من الشّحم والهزل من الجدب والموت وقال عروة شعرا :

أقيموا (١) بني أمّي صدور قناتكم

فإنّ منايا النّاس شرّ من القتل

ويقال عام : (مجرنمز) إذا كان المطر وسطه دون أوله ، والمجداب الأرض لا تكاد تخصب ، والرّمد القحط وأرمد القويم هلكوا جدبا.

ويقال : سنة سنواء ـ وحصاء ـ وشهباء ـ وغبراء ـ وأرض بني فلان جرز والجمع أجراز ومجروزة ، وأنشد ابن الأعرابي الأسودان أبردا عظامي. الأسودان الفث والماء ، والفث حب يطحن ويخبز منه خبزا أسود ، وهذا كما قيل في التمر والماء الأسودان ومعنى : (أبردا عظامي) أي أذهبا مخي ، والفث يأكله الضّركاء. قال الطّرماح :

لم يأكل الفثّ والدّعاع ولم

يتعفّ هبيدا بجنبه مهتبده

(الهبيد) : حب الحنظل ، قال حسّان رضي‌الله‌عنه :

لم يعللن بالمغافير والصّمغ

ولا شرى حنظل الحظبان

__________________

(١) أقيموا بني أميّ صدور مطيّكم

فإنّي إلى قوم سواكم لأميل

٤٩١

المغافير : جمع المغفور وهو شيء ينضجه التمام.

ويقال : عيس عزير ـ وزمان عزير : أي لا يفزع أهله وعام غيداق. وسيل غيداق ، وماء غدق. ويقال : زمن مخضم لا مقضم. وحكى الفراء عام أزب.

قال أبو عبيدة : عيش حزم وهي عربية وأنشد لأبي عيينة :

وجنة فاقت الجنان فما

تبلغها قيمة ولا ثمن

ألفتها فاتّخذتها وطنا

إنّ فؤادي لأهلها وطن

زوج حيتانها الضّباب بها

فهذه كنة وذا ختن

وانظر تفكّر فيما يطوف به

إنّ الأريب المفكّر الفطن

من سفن كالنّعام مقبلة

ومن نعام كأنها سفن

أخذ هذا من قول الخليل بن أحمد شعرا :

زر وادي القصر نعم القصر والوادي

لا بدّ من زورة من غير ميعاد

يرفى بها السّفن والظمآن واقفة

والضّب والنّون والملاح والحادي

وقال بعضهم : سقيا لزمن حضنتني أحشاؤه ـ وأرضعتني أحساؤه ـ فما هو في الأزمان إذا قيس حاله ـ واعتبر نشوه ونماؤه ـ ألا أخ عرفت مذاهبه ـ وجزت خلائقه ـ فصح لك غيبه ـ وبعد عنك عيبه ـ فهو شقيق روحك ـ وباب الرّوح إلى روعك.

وقال بعض البلغاء : من أتى قصر أنس بن مالك ظهرا يرى أعرابيا يحدو بزوملته ـ ورأى ملاحا يغنّي على سكانه ـ ورأى صيادا قد طرح شبكته ـ ورأى غلاما عند جحر ضب يريغ صيده ـ ثم رأى أرضا كان ترابها الكافور ـ ولا تسفيه الرّيح لأنّها تربة ـ فمتى شئت رأيت بساطا موشيا ـ ومتى شئت رأيت جنة وحريرا ـ وقال أبو عيينة شعرا :

تذكّرني الفردوس طورا فأرعوي

وطورا تواتيني على القصب والفتك

بغرس كأبكار الجواري وتربة

كأنّ ثراها ماء ورد على مسك

فيا حسن ذاك القصر قصرا ومنظرا

بأفيح سهل غير وعر ولا ضنك

كأنّ قصورا لقوم ينظرن حوله

إلى ملك موف على منبر الملك

يدلّ عليها مستطيلا بحسنه

ويضحك منها وهي مطرفة تبكي

وأنشد ابن أبي ناظرة ، قال أنشدني الرّياشي عن الأصمعي :

إنمّا يتمّ الفؤاد غزال

ذو دماليج يوم سال العقيق

مالئ الطّرف من بعيد عميم

ومليح إذا دنوت عتيق

٤٩٢

لو رآه رهبان مدين طاروا

واستخف المطران والجاثليق

ولها مربع بطيبة لذّ

ولها بالحمى مبدي أنيق

سلوة العيش والنّدى فإذا

ما ودّعتها رواعد وبروق

سكنت دسكراتها وأطباها

ظلّ عيش نضر العيون وريق

في رياض تحفّهنّ نخيل

باسقات تعلى عليها الوسوق

وإذا أهل جنة حصّنوها

حين تعرو نوائب وخفوق

ثلموها لابن السّبيل وللعا

في ففيها للمعتقين طريق

ومن كلامهم : وقع في الأهيغين : أي الطّعام والشّراب. وسئل بعضهم ما أطيب العيش أو الأوقات؟ فقال : ما قلّ أذاه. وكثر جداه ، أيام تربيع الحمى وقصيفه ، ويريح من الهوى ظلّ المنى وريفه.

وحكى الأصمعيّ : موت لا يجرّ إلى عار خير من عيش في رماق : أي قدر ما يمسك الرّمق. وقال طرفة :

نحن في المشتاة يدعو الجفلى

لا ترى الآداب فينا ينتقر

ويقال : فلان يدعو الجفلى والأجفل إذا عمّ بدعائه ، وفلان يدعو النّقرى إذا خصّ قوما دون قوم ، وقال كلّ الطّعام يشتهي ربيعة : الخرس والنقيعة. (الخرس) : للولادة. (والأعذار) : للختان و (الوليمة) للعرس ، و (النقيعة) : طعام القادم من سفره و (المأدبة) كلّ طعام صنع ودعي إليه و (الوكيرة) الطّعام يصنع عند بناء البيت وقال الشاعر :

فظللنا بنعمة واتّكأنا

وشربنا الحلال من قلله

اتّكأنا طعمنا : ومنه قوله تعالى : (وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً) [سورة يوسف ، الآية : ٣١] أي طعاما (القلل) جمع قلّة ، وقال حرملة بن حكيم :

يا كعب إنك لو قصرت على

حسن النّدام وقلّة الجرم

وسماع مدجنة تعلّلنا

حتّى نئوب تناوم العجم

لصحوت والنّمريّ يحسبها

عمّ السّماك وخالة النّجم

ويروى على شرب المدام (المدجنة) الدّاخلة في الدّجن وهو اليوم المطير ، وأراد حتى نئوب نتناوم تناوم العجم ، وكانوا لا ينامون إلّا على ضرب الأوتار وشرب الرّحيق.

وقال ابن الأعرابي : يقول لو أحسنت المنادمة لنادمتك حتى الصّبح إلى صياح الدّيكة. قال : والنمريّ : هو كعب نفسه ، أي لصحوت وأنت تحسب هذه المسمعة. كذلك في عظم

٤٩٣

القدر ، وهذا كقولك ما يحسبه إلا ابن ماء السماء وقال لبيد :

يثني ثناء من كريم وقومه

ألا انعم على حسن التّحية واشرب

قوله : يثني ثناء أي يديم ما كان عليه من الثّناء. وقال آخر :

كرام إذا ناب البحار ألذّه

مخاريق لا يزجون في الخمر

وألذه مخاريق أي يخرقون في العطاء كما قال :

فتى إذ هو استغنى تخرّق في الغنى

وإنّ قلّ مالا لم يضع متنه الفقر

٤٩٤

الباب الخامس والخمسون

في حدّ ما يشتمل على ذكر ما في إعرابه نظر من حديث الزّمان

قال ذو الرّمة شعرا :

فلمّا نصفن اللّيل أو حين نصبت

له من خذي آذانها وهو جانح

يروى لبسن اللّيل يعني الحمر ، ونصبت للتّوجّه إلى الماء ، وقال بعضهم حين فعل من الحينونة والمراد أو حين دنا اللّيل للنّصف فحذف وأنشد سيبويه :

أرواح مودّع أو بكور

لك فاعمد لأيّ حال تصير

وقيل : جعل الرّواح هو المودّع على السّعة ، وقيل : أراد ذو رواح أنت أم بكور فحذف.

وروى سيبويه : أنت فانظر ومعناه انظر أنت ، فانظر ، وقال هذا يرتفع على الحدّ الذي ينتصب به عبد الله إذا قلت عبد الله ضربته ، وقال : أي حال ووجه الكلام أية حال لكنّه حمله على لفظة الحال. وقال ابن أحمر شعرا :

ألا فالبثا شهرين أو نصف ثالث

إلى ذاكما ما غيّبتني غيابيا

أراد شهرين أو شهرين أو شهرين ونصف ثالث ، وقيل : أراد بل وأو يكون بمعنى بل وقيل : أو بمعنى الواو كأنه أراد ونصف ثالث ، قوله : ما غيّبتني غيابيا أراد بالغياب الغيابة ، لذلك أنّث كما قال تعالى : (فِي غَيابَتِ الْجُبِّ) [سورة يوسف ، الآية : ١٠] إنّه حذف الهاء مع الإضافة لأنّ المضاف إليه كالعوض مثل : ليت شعري وهو أبو عذرها.

ويجوز أن يكون غيابة وغياب مثل قتادة وقتاد ، فحمله على التّأنيث مثل نخل خاوية. وقالت أمية بنت عتيبة بن الحارث :

تروّحنا من اللّعباء قصرا

وأعجلنا الإلهة أن تئوبا

٤٩٥

ويروى : وأعجلنا الحمائل أن تئوبا. يريد به الشّمس أي استعجلناها مخافة أن تئوب ولئلا تئوب ومعنى تئوب : تغيب كما قال :

وليس الّذي (١) يتلو النّجوم بآئب

ويروى : وأعجلنا الإهة وقيل الإهة اسم للشّمس ، لأنّه كانت تعبد. وقال الفرزدق :

فسد الزّمان ومن تغيّر أهله

حتى أمية عن فزارة تنزع

أي ومن تغيّر أهله فسد ، فحذف وقيل : ومن تغير أهله أمية تنزع ، وقيل : بل أراد أن يجعل حتى معلقة لا تعمل في شيء ، ويكون بمعنى الواو. سبب هذا الشّعر أنّ أمية بن خالد بن أسد عزل عن عمله لعمر بن هبيرة ، ويشبه هذا قوله شعرا :

فيا عجبا حتّى كليب تسبّني

كأنّ أباها نهشل أو عطارد (٢)

وقال عبد العزيز بن وديعة المزني :

نسأت القلوص على لاحب

ومرّ اللّيالي يزلن النّعيما

مرّ اللّيالي : هو الليالي ، لذلك قال يزلن ومثله لجرير :

رأت مرّ السّنين أخذن منّي

كما أخذ السّرار من الهلال

وأنشد سيبويه في مثله :

لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت

سور المدينة والجبال الخشّع

وقال الفرزدق :

على حين ولّى الدّهر إلا أقلّه

وكاد بقايا آخر العيش تذهب

جعل لآخر العيش بقايا ، والبقايا من العيش لا من آخره ، والمعنى كادت بقايا ذلك الأقل تذهب أيضا. وقال وعلة الجرمي :

ولمّا رأيت الخيل تترى أتايجا

علمت بأنّ اليوم أحمس فاجر

يروى حاذر وحاذر ، أي : محذور. وقال الفرزدق :

مثل النّعام يدينها تنقلها

إلى ابن ليلى بها التّهجّر والبكر

__________________

(١) يرعى النّجوم. للنّابغة الذبياني.

(٢) أو مجاشع.

٤٩٦

ارتفع التّهجر والبكر على أن يكون فاعل يدينها وانتصب تنقلها على البدل من المضمر في يدينها. وقال حميد بن ثور :

تعلّلت ريعان الشّباب الذي مضى

بخمسة أهلين الزّمان المذبذب

الزّمان : بدل من الشّباب ، وجعله مذبذبا استقصارا لوقته ، وقال أيضا شعرا :

فإمّا تريني اليوم أمسكت بعد ما

تردّيته برد الشّباب المجر

انتصب برد على البدل من المضمر في تردّيته ، يريد بعد ما لبست برد الشّباب أي استمتعت به. وقالت امرأة منهم شعرا :

صاح الغراب بدار هند سدفة

صمّ الغراب وخرس ما ذا ينثر

دعت عليه بالصّم والخرس.

ومرّ القول في السّدفة. وأنشد ابن الأعرابي لبعض بني أسد :

ولقد رأيتك بالقوادم مرّة

وعليّ من سدف العشيّ رياح

أي أريحية وخيلا من الشّباب. فقال رياح وأنشد سيبويه لعمر بن قمية :

لما رأت ساتيدما استعبرت

لله درّ اليوم من آلامها

فرّق بين المضاف والمضاف إليه بالظّرف كما يفرّق بينهما بالقسم. وقال عمر بن ربيعة :

أما الرحيل فدون بعد غد

فمتى تقول الدّار تجمعنا

أجرى : تقول مجرى تظن في الاستفهام ، أعمله عمله.

وإذا كان كذلك فانتصاب الدّار على المفعول الأول ، وتجمعنا مفعول ثان : المعنى متى تظنّ الدار جامعة لنا تقول. وأنشد سيبويه :

أكلّ عام نعم تحوونه

يلقحه قوم وتنتجونه

قوله : تحوونه صفة للنّعم كأنه قال : نعم محوية ، فكونه صفة منع من أن يكون عاملا فيما قبله. وأنشد للهذلي :

حتّى شاءها كليل موهنا عمل

بانت طرابا وبات اللّيل لم يتم

جعل سيبويه كليلا يتعدّى إلى موهن كما يتعدّى ضارب إلى مفعوله ، وخالفه جمع

٤٩٧

النّحويون كلّهم ، وجعلوا موهنا ظرفا وقد تكلّمت له وعليهم فيما عملته من شعر هذيل وأنشد سيبويه لعدي بن زيد :

أرواح مودّع أم بكور؟

أنت فانظر لأيّ حال تصير

قال : أراد ذو رواح أنت أم بكور فحذف. وقال سيبويه : معناه : انظر أنت فانظر وقال هذا يرتفع على الحد الذي ينتصب به على شيء ما بعده تفسيره ، ومثال ذلك المنصوب إذا قلت زيد أضربته لأنّ المعنى أهنت زيدا ضربته. وقال شعرا :

ذكرتك لمّا أتلعت من كناسها

وذكرك سبات إلى عجيب

قال : إلى بمعنى عند والسبة القطعة من الدّهر. وقال آخر :

أرى كلّ يوم زرتها ذو بشاشة

ولو كان حولا كلّ يوم أزورها

يقول : أراد ولو كانت زيارتي كلّ يوم حولا. قال :

على حين عاتبت المشيب على الصّبا

فقلت ألمّا أصح والشّيب وازع؟!

قوله : على حين بناه على الفتح أي في حين وأراد عاتبني المشيب فجعل الفاعل مفعولا. وقال الأصمعي في قول سحيم بن وثيل :

وإنّي لا يعود إليّ قرني

غداة الورد إلّا في قريني

أراد : مع قرين أي مع أسير آخر أقرنه إليه ، وقال غير الأصمعي : أراد بالقرين الحبل. وقال متمّم بن نويرة :

فلمّا تفرّقنا كأنّي ومالكا

لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

قال : أراد مع طول اجتماع ، وقيل : أراد كأن طول الاجتماع كان سبب التّفرق ، لأنّ الشيء إذا تناهى عاد ناقصا. وقال آخر :

إنّ الرّزية لا رزيّة مثلها

أخواي إذ قتلا بيوم واحد

أي في يوم واحد.

ومن القلب والإبدال قوله : كان لون أرضه سماؤه ، أراد كان لون سمائه أرضه. قال الأعشى:

لقد كان في حول ثواء ثوية

تقضّي لبانات ويسأم سائم

٤٩٨

أراد في ثواء : حول ثوية ، وقوله : ويسأم سائم : أراد سأمة سائم وقال :

مروان مروان أخو اليوم اليمي

قال : أراد اليوم اليوم فأخّر الواو وقدّم الميم ، ثم قلب الواو حين صار ظرفا كما يقال في جمع دلو : آدل ، وقيل : بل أراد أخو اليوم اليوم كما يقال في الحرب عند التداعي اليوم اليوم ، أي هو أخو هذا المقالة. وأنشد الأخفش بيت الفرزدق :

كم عمة لك يا جرير وخالة

فدعاء قد حلبت عليّ عشاري

قال : يجوز في عمة الرفع والنصب والخفض. قال فرفعه على الابتداء وبجعل كم ظرفا وخالة ، ونصبه على نية التّنوين في كم فشبّه بعشرين درهما وما أشبهه ، والخفض على الإضافة ، كما يقول كم رجل قد رأيت لأنه أجري مجرى عدد لا تنوين فيه ، نحو ثلاثة أثواب. وقال عمرو بن معديكرب ويروى لغيره :

وكلّ أخ مفارقه أخوه

لعمر أبيك إلّا الفرقدان

ارتفع الفرقدان عند أصحابنا البصريين على أنّه بدل من قوله : كلّ أخ والكوفيون يجعلون إلّا بمعنى الواو ، كأنّه قال : والفرقدان أيضا. وقال جرير شعرا :

لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى

ونمت وما ليل المطيّ بنائم

ومثل هذا كثير.

قال سيبويه : جعل النّوم للّيل كما جعل النّابغة السّهر له في قوله :

كتمتك سرّا يا لجومين ساهرا

وهمين هما مستكنا وظاهرا

والتّحقيق ما ليل المطيّ بذي نوم ، وقال غيره : أراد لا ينام من قاساه ، فحذف لأنّ المعنى معروف. وقال وعلة الجرمي شعرا :

ولمّا رأيت الخيل تترى أتايجا

علمت بأنّ اليوم أحمس حاذر

قالوا : أراد بالحاذر المحذور ، وروي فاجر أي سديد ذو فجور ، وكانوا يسمّون من يغزو في الأشهر الحرم فاجرا ، قالت ليلى الأخيليّة :

على تقاها دائما وفجورها. وأنشد :

بني أسد ما تعلمون بلاءنا

إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا

٤٩٩

جعل أشنعا حالا ولعنترة :

أمن سميّة دمع العين مذروف

لو كان ذا منك قبل البين معروف

قال : أراد لو كان القصة ، وقال الفرّاء : لو كان ذا في موضع نصب. وقال أحمد بن يحيى في الأمر وكان مجهول ، وهذا يقارب طريقة أصحابنا. قال : ومن العرب من يجعل العفل للصّفة فيرفعه كما قال : قلت أحبي عاشقا يحبكم مكلف : أي هو مكلف. قال الأعشى :

أسرى وقصّر ليلة ليزودا

ومضى وأخلف من قتله موعدا

أخلف : أي وجده كذلك كما قال :

وأهيج الخلصاء من ذات البرق : أي وجده هائجة النّبت ، وكقول العبّاس :

لعمرة رسم أصبح اليوم دارسا

وأقفر منها رحرحان وراكسا

أي وجدهما قفرا. وقال جرير :

إذا خفت يوما أن يلجّ بك الهوى

فإنّ الهوى يكفيكه مثله صبرا

أراد : فإنّ الهوى يكفيك هوى مثله ، أي هوى آخر ، وتمّ الكلام ونصب صبرا على معنى فاصبر صبرا. وقال آخر : أراد يكفيكه أن تصبر صبرا. وقال الأعشى :

هذا النهار بدا لها من همّها

ما بالها باللّيل زال زوالها

نصب النّهار : أي في النّهار ونصب ، زوالها : كأنّه دعاء على اللّيل فقال : زال زوالها : أي مع زوالها ، فلا يكون ليل إذ زالت أتارق فيه وأسهر. قال أبو عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء : زال زوالها : كلمة تقال بالرّفع فتركها على حالها ، ولم يلتفت إلى القافية ، وقال الأصمعي : لا أدري ما هو. وقال الأخفش : أزلته عن مكانه وزلته لغة ، فأراد أزال الله زوالها بزوال زال. قال أبو صخر الهذلي شعرا :

أرائح أنت يوم اثنين أم غاد

ولم تسلّم على ريحانة الوادي

العرب تقول : هذا يوم اثنين بغير ألف ولام ، وكان أبو زيد يقول : مضى الاثنان بما فيها ، ومضت الجمعة بما فيها ، ومضى الثّلاثاء بما فيهن. وقال جرير :

فالشّمس طالعة ليست بكاسفة

تبكي عليك نجوم اللّيل والقمرا

أراد الشّمس طالعة وليست بكاسفة نجوم اللّيل ، والقمر ، لأنّها طلعت لفقدك ضعيفة النّور. وقيل : انتصب القمر لأنّه مفعول معه أراد مع القمر. وروي : تبكي عليك نجوم اللّيل

٥٠٠