كتاب الأزمنة والأمكنة

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني

كتاب الأزمنة والأمكنة

المؤلف:

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٦

قال العلوي الأصبهاني في النّسر شعرا :

وركب ثلاث كالأثافي تعاوروا

دجى اللّيل حتّى أومضت سنة الفجر

إذا جمعوا سميتهم باسم واحد

وإن فرّقوا لم يعرفوا آخر الدّهر

وقال أبو النّجم في إصغاء الشّمس للمغيب :

صب عليه قانص لمّا عقل

والشّمس قد صارت كعين الأحول

ولابن الرّومي في طلوع الشّمس من خلل السّحاب :

ظلّت تسترنا وقد بعثت

ضوءا يلاحظنا بلا لهب

قال ذو الرّمة في مثله وهو يصف امرأة :

تريك بياض لبّتها ووجها

كقرن الشّمس أفتق ثم زالا

أصاب خصاصة فبدا كليلا

كلا وانفلّ سائره انفلالا

قال آخر في دارة الشّمس :

والشّمس معرضة تمور كأنّها

ترس يقلّبه كميّ رامح

وأنشد ثعلب :

كأنّ ابن مزنتها جانحا

فسيط لدى الأفق من خنصر

وقد تركنا تقصّي الباب لأنّ في هذا القدر كفاية.

٤٤١

الباب الثامن والأربعون

في ذكر السّراب ، ولوامع البروق ، ومتخيّلات المناظر ووصف السّحاب

(السّراب) : هو الذي يتلألأ نصف النهار كأنّه ماء ، لازقا بالأرض وهو الآل وقيل الآل يكون ضحوة ، والسّراب نصف النّهار. وفي القرآن : (كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) [سورة النّور ، الآية : ٣٩] وقيل في الفرق بينهما : إنّ الآل هو الذي يرفع كلّ شيء ، وسمّي الآل لأنّ الشخص هو الآل ، فلما رفع الشّخص قيل هذا آل. قال الأعشى :

حتّى لحقناهم تعدى فوارسنا

كأنّنا رعن قف يرفع الآلا

وقيل : هذا من المقلوب ، أراد كأنّنا رعن قف يرفعه الآل ، والآل يرتفع عن وجه الأرض ، واللّعاب الذي يتساقط من السّماء كأنّه زبد في مرأى العين ويسمى ريق الشّمس. قال :

يثرن الثّرى حتّى يباشرن برده

إذا الشّمس مجّت ريقها بالكلاكل

ويلمع اسم السّراب ، وفي المثل : إنما أنت يلمع.

ويقال لبرق الخلّب : يلمع أيضا ولذلك قيل : أكذب من يلمع ، واليلامع من السّلاح : ما برق نحو البيضة ، ولا معا المفازة جانباها.

ويقال : ما بها لا مع أي أحد ، و (الرّقراق) مثل السّراب وقيل رقراق السّراب ترقرقه. قال الشّاعر :

يدوم رقراق السّراب برأسه

كما دوّمت في الأرض فلكة مغزل

وقد صحا السّراب أي انكشف ومصح الآل وتسعسع والذي تراه في الشّمس كأنه خيط ممتد يقال له مخاط الشّيطان. وقد كنّي عن السّراب بأبوال البغال قال شعرا :

وحمير أبوال البغال بأنّني

تسديت وهنا ذلك البينا

٤٤٢

قال بشر يصف إبلا :

فقد جاوزن من غمدان أرضا

لأبوال البغال بها وقيع

يطان بها فروث مقصرات

بقاياها الجماجم والضّلوع

وإنّما قالوا ذلك لأنّ البغال لا تتناسل فلا ينتفع بأبوالها كما لا ينتفع بالسّراب.

ويقال : فلان كثير البول إذا كان كثير ، و (الوقيع) الخضر تكون في الأرض.

وقال ابن الأعرابي : البغال باليمن ، فبيّن أنّ هذه الأرض تكون باليمن.

قوله بطان : يعني قوائم النّاقة ، والمراد بالأرواث كروش إبل قصرن عن السّير فتركت مخلفات فأكلهنّ السّباع.

ويقال للسّراب المسجهر الكذوب اللّون. وقال ذو الرّمة يصف الأظعان :

توارى وتبدو لي إذا ما تطاولت

شخوص الضّحى وانشقّ عنها غديرها

(الشّخوص) : تطاول في وقت الضّحى لأن السّراب يرفعها يقول تبدو لي الأظعان في ذلك الوقت إذا رفعها الآل وتواري إذا انشقّ عنها غديرها ، يعني السّراب ، وهذا الذي يشير إليه لتخيل الشّخوص في المناظر ، لذلك قال ابن أحمر :

وازدادت الأشباح أخيلة

وتعلّل الحرباء بالثّغر

وقال جرير

ومن دونه تيه كأنّ شخوصها

يحلن بأمثال فهنّ شوافع

وقال ذو الرّمة في بيان السّراب يصف فلاة :

بها غدر وليس بها بلال

وأشباح تحول وما تريم

تموت قطا الفلاة بها أواما

ويحسر في مناكبها النّسيم

قوله : (أشباح تحول) : أي تتحرّك ولا تبرح بل يخيّل ذلك إليك. وقال الشّماخ وذكر ناقة:

إذا شرفات الآل زالت ونصفت

تناطح ضبعاها به ويداهما

قوله : نصفت : صار السّراب إلى أنصافها ، وقوله : ويداهما : جعل اليدين للضّبعين وقال:

وحومانة زرقاء يجري سرابها

بمنسجة الآباط حدب ظهورها

٤٤٣

(حومانة) : أرض غليظة ، و (المنسجة) : المنصبّة أي ليست بضيقة الفروج وقال الكميت :

إذا ما الآل أعرض لم يجمح

إليّ بأعين الخوف الغيوب

(يجمح) : ينظر نظرا شديدا ، و (الغيوب) : جمع الغيب وهو المتخفّض. وقال ذو الرّمة:

ترى الريعة القوداء منه كأنّها

مناد بأعلى صوته القوم لامع

الرّيعة : هضبة وهي الجبل الصّغير المفترش مع الأرض ، أي كأنّها في السّراب ، (مناد) : يلمع بثوبه ، وقوله يصف قنه. قوداء طائقها في الآل محزوم الطّائق حرف شاخص في القنّة وقوله : كأنّما الأعلام فيها سير. أي كأنّها تسير في السّراب. قال جران العود وذكر أرضا :

ببلقعة كأنّ الأرض فيها

تجهز للتّحمل والبكور

يريد أنّ السّراب يطرد فيها فكأنها تجهز. وقال ابن الدّمينة :

برماحة الأنضاد فماصة الصّوى

تداوي المطايا من مروح العجازف

(الأنضاد) : جمع النّضد وهو ما تراكم من الجبل. و (الصّوى) : الأعلام وتقصمها في السّراب.

قال أبو النّجم :

بمهمة سابغة جلاله

ينفض في العين الضّحى أسماله

أراد ينفض الضّحى أسمال السّراب فيما ترى العين وقال :

حتى إذا الأكم طفت في آلها

مثل طفو الحمّ في آهالها

وقال :

إذا السّراب استشخص الأجذالا

واطّردت دياسقا أسمالا

واستنسج الآرام والتّلالا الأجذال : أصول الشجر ، (واطّردت دياسقه) : وهو السّراب الأبيض وشبهه بأسمال الثّياب. قال ابن مقبل :

ويوم يقسّم ريعانه

رءوس الأكام يغشّين آلا

ترى البيد تهدج من حرّه

كأنّ على حزم راء بغالا

٤٤٤

بغالا عقارى تغشّينه

وكلّ تحمل منه فزالا

جعلها (عقارى) : لأنّها لا تلد ، و (ريعانه) : أوّله ، (تهدج) : تتحرك يعني أنّ الآل يتحرّك فكأنّ (بغالا) على كل شرف توجف. ولأبي ذؤيب :

يستنّ في عرص الصّحراء فائزه

كأنّه سبط الأهداب مملوج

وأنشد :

ونسجت لوامع الحرور

سبائيا كسرق الحرير

فالمراد به السّراب يستدل من هذا البيت على أنّ السّرق يقع على الحرير الأبيض دون غيره. قال ذو الرّمة :

إذا تنازع جالا مجهل قذف

أطراف مطّرد بالحرّ منسوج

تلوى الشّنايا بأحقيها حواشيه

لي الملأ بأطراف التّفاريج

جعل أطراف السّراب المنسوج بالحرّ يتنازعها جانبا المفازة ، وقد بالغ في الإبانة والتّصوير. وهذا كما قال الرّاعي :

وإذا ترقّصت المفازة غادرت

زبدا يبغّل خلفها تبغيلا

ويعني بالزّبد حادي الإبل ، وما أوردناه في السّراب ووجوه تشبيه كاف في هذا الموضع.

فأمّا البرق : فإنّ الأصمعيّ قال : أحسن ما قيل في وصف البرق والغيث قول عدي بن الرّفاع :

فقمت أخبره بالغيب لم يره

والبرق إذانا محزون له أرق

قال أبو نصر : كذا رويناه عن الأصمعي ، وهذا مما يعد من تصحيفه. ورواه أبو عمر والشيباني وابن الأعرابي وأبو عبيدة. والبرق إذانا محزوله أرق : أي مشترف مراقب. وتصحيح رواية الأصمعي :

لا كلفته فيه وبعده مرن

يسبح في ريح شآمية

مكلل بعماء ألماه منتطق

معنى (يسبح) : يعرض وروى يسبح أي الرّعد. وقال :

ألقى على ذات أحقاد كلاكله

وشتّ نيرانه وانجاب يأتلق

نارا يعاود منها العود حدّته

والنّار تسفع عيدانا فتحترق

٤٤٥

وبات تجتلب الجوزاء درتها

بنوءها حين هاجت مربع نعق

يبكي ليدرك محلا كان ضيّعه

يريق منبسط منه ومندفق

جون المسارب رقراق تظلّ به

شم المخارم والأثناء تصطفق

يكاد يطلع ظلما ثم يغلبه

عز الشّواهق والوادي به شرق

ويقال في البرق : يشرى ـ ويومض ـ ويعن ـ ويعترض ـ ويوبض ـ ويستطير ـ ويستطيل ـ ويلمع ـ ويتبوج ـ ويخطف ـ ويخفو ـ ويبرق ـ ويتألّق ـ ويتلألأ ـ ويستشري ـ وينيض ـ ويخرق ـ ويسلسل ـ ويشتن ـ ويبتسم ـ ويضحك ـ ويبعق ـ وينشق ـ ويرتعص ـ ويقري ـ ويهص ـ ويثقب ـ ويلوّح ـ ويتهلّل ـ ويتكلّل. ومما يستحسن في وصف البرق وخفائه ، والرّعد في حدائه ، والثّلج ولألائه ـ قول بعضهم :

ينبض نبض العرق في استخفاء

كأنّه في البعد والخفاء

شرارة تطرف من قصباء

أو طرف طيرهم باقتداء

حتى إذا امتدّت على السّواء

ورجفت بزجل الحداء

وقعقعت بالرّعد ذي الضّوضاء

كأنّ بين الأرض والسّماء

رجل جراد ثار في عماء

أو سرعانا من دبا غوغاء

وكرسفا ينذف في الهواء

تطيره الرّيح على قواء

أو حلبا ينطف من أطباء

أو رغوة تنفش من غرلاء

أو كتفي الفضّة البيضاء

أو كانتثار الدّر ذي اللّألاء

أو كانتظام الودع في الإخفاء

فأشمطت الأرض على فتاء

واستوفت الآكام بالصّواء

وقال آخر :

وأرض أنست بأهوائها

وغيث سريت له إذ سرى

وشمت بوارق أقطاره

فبرق يلوح وبرق خبا

وبات يعجّ عجيج القطا

وباتت بجوالقها تمترى

وقد هدأ الصّوت من غيره

ودارك بين البكا والفنا

وقلت له حين أبصرته

يراوح بين الخسا والزّكا :

أأنت القطار أم أنت البحا

ر أم أنت قاسم المرتجى؟

فأنبت ما لم يكن نابتا

وقلع من نبته ما عفا

ولم تلبث الأرض أن صرّحت

عن النور واخصر أعلى الضّفا

وصار على الأرض من وبله

قناع السّيول وإزر الربى

٤٤٦

شعر :

تأزّرت الأرض ثم ارتدت

من النّور حليا كساها الحيا

وصار سواء إذا جبتها

مفاوز بربّها والقرى

قال العتابي :

أرقت للبرق يخبو ثمّ يأتلق

يخفيه طورا ويبديه لنا الأفق

كأنّها غرّة شهباء لامحة

في وجه دهماء ما في جلدها يلق

أو ثغر زنجية تغترّ ضاحكة

تبدو مشافرها طورا وتنطبق

أو غرّة الصّبح عند الفجر حين بدت

أو في المساء إذا ما استعرض الشّفق

له بدائع حمر اللّون هائلة

فيها سلائل بيض ما لها حلق

والغيم كالثّوب في الآفاق منتشر

من فوقه طبق من تحته طبق

تظنّه مصمتا لا فتق فيه فإن

سالت عزاليه قلت الثّوب منفتق

إن قعقع الرّعد فيه قلت ينخرق

أو لألأ البرق فيه قلت تحترق

تستكّ من رعده أذن السّميع كما

يغشي إذا نظرت في برقه الحدق

فالرّعد صهصلق والرّيح مخترق

والبرق موتلق والماء منبعق

غيث أواخره تحدو أوائله

أرب بالأرض حتى ماله لثق

قد حاك فوق الرّبى نورا له أرج

كأنّه الوشي والدّيباج والسّرق

فطار في الأنف ريح طيب عبق

ونار في الطّرف لون مشرق أنق

من خضرة نبتها حمراء قانية

أو أصفر فاقع أو أبيض يقق

ولبعض بني مازنة :

إذا الله لم يسق إلّا الكرام

فاسق ديار بني حنبل

ملثا مربا له هيدب

صخور الرّواعد والأزمل

تكركره حصحصات الجنو

ب وتفرغه هزة الشّمال

كأنّ الرّباب دوين السّحاب

نعام تعلق بالأرجل

كأنّ الركية من فيضه

إذا ما بدا فلكة المغزل

قال علي بن الجهم في السّحاب شعرا :

وسارية ترتاد أرضا تجودها

شغلت بها عينا قليلا هجودها

أتتنا بها ريح الصّبا وكأنّها

فتاة ترجيها عجوزا تقودها

تميس بها ميسا فلا هي إن دنت

نهتها ولا إن أسرعت تستعيدها

٤٤٧

تقاربها في كلّ أمر تريده

ليسرح في أكنافها من يريدها

إذا فارقتها ساعة ولهت له

كأمّ وليد غاب عنها وليدها

فلمّا أضرّت بالعيون بروقها

وكادت تصمّ السّامعين رعودها

دعتها إلى حلّ النّطاق فأرعشت

يداها وخرّت سمطها وعقودها

وكادت تمسّ الأرض إمّا تلهفا

وإمّا حذارا أن يضيع فريدها

فلمّا رأت حرّ الثّرى متعقدا

بما زلّ عنها والرّبى تستزيدها

وأنّ أقاليم العراق فقيرة

إليها أقامت بالعراق تجودها

فما برحت بغداد حتّى تفجّرت

بأودية ما تستفيق مدودها

وحتّى رأينا الطّير في جنباتها

تكاد أكفّ الغانيات تصيدها

وحتّى اكتست من كل نور كأنّها

عروس عليها وشيها وبرودها

ودجلة كالدّرع المضاعف نسجها

لها حلق تبدو وتخفي حديدها

فلمّا قضت حقّ العراق وأهله

أتاها من الرّيح الشّمال يريدها

فمرّت تفوت الطّير سبقا كأنّها

جنود عبيد الله ولّت بنورها

٤٤٨

الباب التّاسع والأربعون

في تذكّر طبّ الزّمان ـ والتهلّف عليه ـ والحنين إلى الألّاف ـ والأوطان

كنا قد ذكرنا فيما صدّرنا به هذا الكتاب ما أنشأ الله عليه الخليقة من حبّ الوطن والسّكن ، وما درج إليه أولي النّحل السّليمة ـ والعقد الصّحيحة من الولوع بحفظ متقادم أعصارهم ، بما اتّفق من سير وحكم نخبهم ـ وأنه حبّب إليهم ما يأثره القرن بعد القرن ، منهم ليظهر من جلائل صنعه ـ في كل حين وفوائد منحه على كلّ حال ما توافق فيه الرّواة ـ وتلاحق به المدد والأوقات.

وذكرنا أيضا شيئا صالحا من علّة الحنين إلى الألّاف والأوطان ، وما تأسّس عليه أسباب التّنافس والتّحاسد بين الرّجال ، إلى انكشاف الأحوال عن التّراضي بينهم بمختلفات الأقسام ، وإنّ جميع ذلك حكمة بالغة من الله جلّ جلاله في الأنام ، فأحببنا أن نجدد هنا ما يتأكّد به ما تقدّم ، أنشد المبرد شعرا :

لعمري لئن جليت عن منهل الصّبا

لقد كنت ورّاد المشربة العذب

ليالي أعدو بين بردين لاهيا

أميس كغصن البانة النّاعم الرّطب

سلام على سير القلاص مع الرّكب

ووصل الغواني والمدامة والشّرب

سلام امرئ لم تبق منه بقية

سوى نظر العينين أو شهوة القلب

قال أبو تمام :

إذا لا صدوف ولا كنود اسماهما

كالمعنيين ولا نوار نوار

إذ في القتادة وهي أنجل أيكة

نمر وإذ عود الزّمان نضار

قال دريد بن عبد الله :

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت

مزارك من ريّا وشعباكما معا

وأذكر أيّام الحمى ثمّ أنثني

على كبدي من خشية أن تقطّعا

٤٤٩

تلفّت نحو الحيّ حتّى وجدتني

وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا

وليست عشيات الحمى برواجع

عليك ولكن خلّ عينيك تدمعا

أنشد أبو صالح الآمدي عن الأخفش :

سقى الله أياما لنا ليس رجّعا

إلينا وعصر العامريّة من عصر

ليالي أعطيت البطالة مقودي

تمرّ اللّيالي والشّهور ولا أدري

مضى لي زمان لو أخيّر بينه

وبين حياتي خالدا آخر الدّهر

لقلت دعوني ساعة وحديثها

على غفلة الواشين ثم اقطعوا عمري

وقال آخر :

أقول لصاحبي والعيس تهوي

بنا بين المنيفة فالضّمار

تمتّع من شميم عرار نجد

فما بعد العشيّة من عرار

ألا يا حبّذا نفحات نجد

وريّا روضه بعد القطار

وأهلك إذا يحلّ الحيّ نجدا

وأنت على زمانك غير زار

شهور ينقضين وما شعرنا

بأنصاف لهنّ ولا سرار

قال ابن الرّومي :

بكيت فلم تترك لعينك مدمعا

زمانا طوى شرخ الشّباب فودّعا

سقى الله أوطارا لنا ومآربا

تقطّع من أقرانها ما تقطّعا

ليالي ينسين اللّيالي حسابها

بلهنية أقضي بها الحول أجمعا

على غرة لا أعرف اليوم باسمه

وأعمل فيه اللهو مرأى ومسمعا

قال معن بن زائدة :

تمطّى بنيسابور ليلي وربّما

يرى بجنوب الدّير وهو قصير

ليالي إذا كلّ الأحبة حاضر

وما كحضور من يحبّ سرور

فأصبحت أمّا من أحبّ فنازح

وأمّا الألى أقليهم فحضور

وإذ لا أبالي أن يضيّع سائس

ويشقى بما جرّت يداه وزير

يحنّ إلى الألّاف قلبي وقلبه

إذا شاء عن ألّافه لصبور

أبيت أناجي النّفس حتى كأنّما

يشير إليها بالبنان مشير

لعلّ الذي لا يجمع الشّمل غيره

يدير رحى جمع الهوى فتدور

فتسكن أشجانا وتلفي أحبة

ويورق غصن للشّباب نضير

٤٥٠

أراعي نجوم اللّيل حتى كأنّني

بأيدي العداة الثّائرين أسير

وله :

باد الهوى وتقطّعت أسبابه

وصبا فعاود قلبه أطرابه

ذكر النّميريّ الغواني بعد ما

نزل المشيب وبان منه شبابه

وتذكّر اللهو القديم فساقه

أن شطّ بعد تقارب أحبابه

غشي المنازل بالسّليل فهاجه

ربع تبدّل غيره أربابه

بانوا وما من بين حيّ راحل

إلّا له أجل يلوح كتابه

ولقد نراه للقتول وأهلها

جارا تمسّ بيوتهم أطنابه

صافت بوج في ظلال كرومه

حتى شتا وتصرّمت أعنابه

وتذكّرت متربّعا من أرضه

بردت شمائمه وجال سحابه

كم قد أربّ بجوّه من معذق

متهزّم قرد يطير ربابه

فمحلّها منه رواء مبقل

هزج إذا ارتفع النّهار ذبابه

حلّ به ثمد ومحضر بهجة

حرما وأمنا حوله أنصابه

يهوي إليها العالمون كأنّهم

قطع القطا متواترا أسرابه

إنّ الذي يهوى فؤادك قربه

قد سدّ بالبلد الحرام حجابه

أنّى ينال إذا انتمت في مشرف

دون السّماء حصينة أبوابه

لجّ المتيّم في البعاد سفاهة

والبين ينعب ظبيه وغرابه

حتى إذا احتمل الحبيب تبادرت

عيناه دمعا دائما تسكابه

إنّ امرأ كلفا بذكرك موزعا

حقّ عليكم وصله وثوابه

قد طال ما انتظر النّوال لديكم

حتى استملّ ولامه أصحابه

لو تنطق العيس اشتكت ما عالجت

من حبسها عند القتول ركابه

قال ابن ميادة :

ألا ليت شعري هل ابيتنّ ليلة

بحرّة ليلى حيث رببني أهلي

بلاد بها نيطت عليّ تمائمي

وقطّعن عني حين أدركني عقلي

قال ابن الرومي :

ولي وطن آليت ألّا أبيعه

وألّا أرى غيري له الدّهر مالكا

عهدت بها شرخ الشّباب ونعمة

كنعمة قوم أصبحوا في ظلالكا

وقد ألفته النفس حتى كأنّه

لها جسد إن غاب غودرت هالكا

٤٥١

وحبّب أوطان الرّجال إليهم

مآرب قضّاها الشّباب هنالكا

إذا ذكروا أوطانهم ذكّرتهم

عهود الصّبا فيها فحنّوا لذلكا

اعتل رجل في غربته فتذكّر أهله فقال :

لو أنّ سلمى أبصرت تحدّدي

ودقة في عظم ساقي ويدي

وبعد أهلي وجفاء عودي

عضّت من الوجد بأطراف اليد

قال أبو عنية :

ألا خبّروا إن كان عندكم خبر

أتقفل أم نثوي على الهمّ والضّجر

شعر :

نفى النّوم عن عيني تعوّض رحلة

لها الهمّ واستولى بها بعدها السّخر

فإن أشك من ليلى ليلى طوله

فقد كنت أشكو منه بالبصرة القصر

فيا حبّذا بطن الحزير وظهره

ويا حسن واديه إذا ماؤه ذخر

ويا حسن تلك الباسقات إذا غدت

مع الماء تجري مصعدات ومحدر

ويا حبّذا نهر الأبلة منظرا

إذا مدّ في إبانه النّهر أو جزر

وفتيان صدق همّهم طلب العلى

وسيماهم التّحجيل في المجد والغرر

لعمري لقد فارقتهم غير طائع

ولا طيب نفسا بذاك ولا مقر

وقائلة ما ذا نآى بك عنهم

فقلت لها لا علم لي فسلي القدر

فيا سفرا أووى بلهوي وأنثي

ونغّصني عيشي عدمتك من سفر

وقال آخر :

أعلى اليأس أنت أم أنت راج

كلّ همّ مصيره لانفراج

ما تغنّى القمريّ إلا شجاني

وغناء القمريّ للقلب شاج

فلنوح الحمام يهتاج قلبي

يا لقوم لقلبي المهتاج

وخليل سرى إليّ ودوني

سير شهرين للبغال النّواج

عامدا ما تراه يقظان عيني

وهو في النّوم لي ضجيع مناج

جعلت نفسه لنفسي على البعد

مزاجا أحبب به من مزاج

كم بجرجان ليت شعري مقامي

ومتى من غمومها أنا ناج

إنّ أشهى إلي منها مقام

بين دار المنجاب والحجاج

في فتو من كل أيلج يكفي

وجهه في الظّلام فقد السراج

ربّ فاحفظهم وردّ إليهم

غرابتي يا مؤلف الأزواج

٤٥٢

وقال آخر :

ألا ما لعينك لا ترقد

وما لدموعك لا تجمد

وما بال ليلك ليل السّليم

ساوره الحيّة الأربد

وخلّاك صحبك في زفرة

وهمّ عنك في غفلة هجّد

فما لك من وحشة مؤنس

وما لك عند البكا مسعد

فقاس الهوى وتقرد به

فأنت الوحيد به المفرد

مللت بجرجان طول الثّوى

وبالبصرة الدار والمولد

وكم لي بها من أخ أصيد

نماه لمجد أب أصيد

مصابيح ليل إذا أشرقت

يفرج عنه الدّجى الأسود

إذا النّاس غمّتهم أزمة

فلم يبق كهل ولا أمرد

يؤمّل أو يرتجى رفده

يعود بخير ولا يرفد

ولم يدر حرّان ذو درّية

إلى من بكربته يقصد

سواء إذا ازدحم الواردو

ن أقربهم فيه والأبعد

إذا ما التقوا وثقوا عنده

بأن لن يزادوا ولن يطردوا

ويغشون في الحرب حوماتها

إذا شبّ نيرانها الموقد

وأعرضت الخيل مزورة

سرابيلها العلق المجسّد

إذا وعدوا أنجزوا وعدهم

وإن أوعدوا حان من أوعدوا

مواريث آباء آبائهم

يورثها سيّد أسيد

فلو كان يخلد أهل الندى

وأهل المعالي إذا خلدوا

متى ألقهم بعد طول المغيب

أجدهم على خير ما أعهد

ألا ربّما طاب لي مصدري

لديهم وطاب لي المورد

شعر :

وإن يقدر الله لي رجعة

فجدّي بقربهم الأسعد

وإلّا فلا حزني منقض

ولا حرّ نيرانه يبرد

فيا سادة النّاس أنتم مناي

على بعد داري فلا تبعدوا

وأقسم ما طاب لي بعدكم

مقام ولا طاب لي مقعد

يغور هواي إذا غرتم

وإن تنجدوا فالهوى منجد

ألا ليتني جاركم بالعرا

ق ما جاور الفرقد الفرقد

ألا أيّها النّاس إنّي لكم

على خالد مشهد فاشهدوا

٤٥٣

بكى من عتاب توالت به

قواف يردّدها المنشد

فكيف إذا ما استحرّ الهجاء

إذا لا يقوم ولا يقعد

قال محمد بن عبد الله بن ظاهر :

يا جبل السّماق سقيا لكا

ما فعل الظّبي الذي حلكا

فارقت أوطانك لأنّه

فارقك الخلّ ولا ملكا

فأيّ أوطانك أبكي دما

ماءك أو طينك أو ظلّكا

أو نفحات منك تأتي إذا

دمع الندى تحت الدّجى بلّكا

حدّث الزّيدي قال : أخبرنا الزّبير بن بكار قال : كانت ظبية تحت محمد بن أبي بكر بن مسور وكانت ذات مال ولا مال له ، فخرج يطلب الرّزق فلمّا كان في موضع يقال له : بلكثة ، انصرف راجعا فدخل إليها فقالت : الخير رجعت فقال شعرا :

بينما نحن بالبلاكث فالقا

ع سراعا والعيس تهوي هويّا

خطرت خطرة على القلب من ذكرا

ك وهنا فما استطعت مضيّا

ولو أنّ ما أهدين لي كان شربة

ببطن اللّوى من وطب راع شفانيا

وأنشد أبو بكر بن دريد قال : أنشدني أبو عمر أنّ الكلابي لرجل من قومه قال شعرا :

يحنّ إلى الرّمل اليماني صبابة

وهذا لعمري لو رضيت كثيب

فأين الأراك الدّوح والسّدر والغضا

ومستنجز عما يحبّ قريب

هناك تغنّينا الحمام ويجتني

جنا اللهو يحلو لي لنا ويطيب

قال أعرابي :

أيا أثلاث القاع من بين توضح

حنيني إلى أظلالكنّ طويل

ويا أثلاث القاع قد ملّ صاحبي

ثوائي فهل في ظلّكن مقيل

ويا أثلاث القاع ظاهر ما بدا

على ما بقلبي شاهد ودليل

ويا أثلاث القاع قلبي موكّل

بكنّ وجدوى خيركنّ قليل

ألا هل إلى شمّ الخزامى ونظرة

إلى قرقري حتى الممات سبيل

قال أعرابي :

ألا حبّذا والله لو تعلمانه

ظلالكما يا أيّها الطّللان

وماء كما العذب الذي لو شربته

وبي صالب الحمّى إذا لشفاني

٤٥٤

وأنشد الأخفش علي بن سليمان :

اقرأ على الوشل السّلام وقل له

كلّ المشارب مذ هجرت ذميم

سقيا لظلّك بالعشيّ وبالضّحى

ولبرد مائك والمياه حميم

لو كنت أملك منع مائك لم يذق

ما في فلاتك ما حييت لئيم

قال الرّياشي أنشدني أعرابي :

سلّم على قطن إن كنت تاركه

سلام من يهوى مرة قطنا

قلت لبيك إذ دعاني لك الشّوق

وللحاد بين كرا المطيّا

ثم كرّوا صدور عيس عتاق

مضمّرات طوين السّير طيّا

ذاك مما لقين من دلج اللّيل

وقول الحداة باللّيل هيّا

فقالت : لا جرم والله لأشاطرنك ملكي فشاطرته.

قال أبو تمام :

وما سافرت في الآفاق إلّا

ومن جدواك راحلتي وزادي

مقيم الظّنّ عندك والأماني

وإن تلفت ركابي في البلاد

معاد البعث معروف ولكن

ندى كفّيك في الدّنيا معادي

وأين تجور عن قصد لساني

وقلبي رائح برضاك غاد

ومما كانت الحكماء قالت

لسان المرء من خدم الفؤاد

قال البحتريّ :

أملي فيكم وحقّي عليكم

ورواحي إليكم وابتكاري

واضطرابي في النّاس حتى إذا عدت

إلى حاجة فأنتم قصاري

قال أبو تمام :

كلّ شعب كنتم به آل وهب

فهو شعبي وشعب كلّ أديب

إنّ قلبي لكم لكالكبد

الحرّى وقلبي لغيركم كالقلوب

أبو عبد الله بن الأعرابي قال : أنشدتني امرأة من أهل اليمامة لنفسها وكانت مرضت بمصر شعرا :

تحاشد جاراتي فجئن عوائدا

قصار الخطى تجر البطون حواليا

وجئن برمان وتين وفرسك

وبقل بساتين ليشفين دائيا

٤٥٥

شعر :

أحبّه والذي أرسى قواعده

حبّا إذا ظهرت أعلامه بطنا

فليتنا لا نريم الدّهر ساحته

وليته حين سرنا غربة معنا

ما من غريب وإن أبدى تجلّده

إلّا سيذكر عند الغربة الوطنا

قال أعرابي :

لا والذي إن كذبت اليوم عاقبني

وإن صدقتكم ربّي فعافاني

ما قرّت العين بالأبدال بعدكم

ولا وجدت لذيذ النّوم يغشاني

ومن المستحسن في هذا المعنى قوله :

شيب أيام الفراق بمفارقي

وانشزن نفسي فوق حيث يكون

وقد لان أيام اللّوى ثم لم يكد

من العيش شيء بعدهنّ يلين

يقولون : ما أبلاك والمال غانم

عليك وضاحي الجلد منك كثير

فقلت لهم : لا تعذلوني وانظروا

إلى النّازع المقصور كيف يكون

يعني بالنازع المقصور : بعير حنّ إلى وطنه فقيّد مخافة أن يهيم على وجهه وهذا في الإبل معروف لذلك قال القائل :

لا تصبر الإبل الجلاد تفرّقت

بعد الجميع ويصبر الإنسان

قال :

هبت وما في الأفق منه قزعة

وليس منه أحد على أمل

فأنشأته قطعا تمت ما

زال وما زالت به حتى اتّصل

وطأطأت بالأرض من أكتافه

وسدّدت منه الفروج والخلل

حتى إذا كان بعيدا فدنا

وكان في السّير خفيفا فثقل

وأسمع الأصمّ صوت رعده

ووقر السّمع الصّحيح وأعل

وأبصر الأكمه ضوء برقه

وخطف الطّرف الحديد وأكل

وصرّ حتى قيل هذا حاصب

من السّماء وعذاب قد أظل

ونحن مصنوع لنا مدبر

فيه ولكنّا خلقنا من عجل

حلّت عزاليه بسرّمن رأى

فلم تزل تعلّها بعد النّهل

إذا تلكا هتف الرّعد به

وأومضت فيه البروق فهطل

ليل التّمام والنّهار كله

متّصلا مذ غدوة حتى الأصل

٤٥٦

فما دنا حتّى اتّقى النّاس أذى

إفراطه وقالت الأرض بجل

شرقت فيما ضرّ منه أهله

وما شركت في السّرور والجذل

ولا نقعت غلة بمائه

في معشر قد نقعوا به الغلل

ولا أجلت الطّرف في رياضه

ولا أسمت السّرح في الوادي البقل

ولا تحملت له صنيعة

يشملني مرفقها فيمن شمل

إلّا بتحميل السّلام سيله

إلى مدينة السّلام إن حمل

إلى بلاد جلّ إخواني بها

ومن أعزّ من صديق وأجل

خرج عوف بن محلم مع عبد الله بن طاهر إلى متصيّد ، فكان عبد الله يحدثه وسمعه يثقل عن الاستماع فانبرى يقول شعرا :

إنّ الثّمانين وبلّغتها

قد أحوجت سمعي إلى ترجمان

وأبدلتني بشطاط الخنا

وكنت كالصّعدة تحت السّنان

وعوّضتني من زماع الّذي

وهمّه همّ الدثور الهدان

فتهت بالأوطان وجدا بها

وبالفواني أين مني الفوان

وصرت ما فيّ لمستمتع

إلّا لساني وبحسبي لسان

أدعو به الله وأثني به

على الأمير المصعبي الهجان

وقرّباني بأبي أنتما

من وطني قبل اصفرار البنان

وقيل ينعاني إلي نسوة

أوطانها حرّان فالرّقتان

سقى قصور الشّاذياخ الحيا

من بعد عهدي وقصور الميان

٤٥٧

الباب الخمسون

في ذكر أنواع الظّل وأسمائه ونعوته

ويقال : ظلّ وفيء وتبع فجمع ظل ظلال وظلول وجمع الفيء أفياء وفيوء.

تتبع أفياء الظّلال عشية

على طرق كأنّهنّ سبوت

وقال آخر :

فسلام الإله يغدو عليهم

وفيوء الفردوس ذات الظّلال

وإنما قال : أفياء الظّلال ، فأضاف الفيء إلى الظّل ، لأنّه ليس كلّ ظل فيء وكلّ فيء ظل وكان رؤبة يقول : الظّل ما نسخته الشّمس وهو أول ، والفيء ما نسخته الشمس وهو آخر.

وقالوا : الظّل بالغداة والعشي ، والفيء بالعشي. وقال أبو حاتم : الظّل يكون ليلا ونهارا ، ولا يكون الفيء إلّا بالنّهار ، وهو ما نسخته الشّمس ففاء وكان من أوّل النّهار ولم تنسخه. قال الشاعر :

فلا الظّل من برد الضّحى نستطيعه

ولا الفيء من برد العشيّ نذوق

وقال :

لعمري لأنت البيت أكرم أهله

وأقعد في أفيائه بالأصائل

والتّبع : الظّل بالغداة والعشي. قال الشّاعر :

نرد المياه حضيرة ونفيضه

ورد القطاة إذا استمال التّبع

وإذا كان الظّل تاما لم ينقص ولم تنسخه الشّمس قيل : ظل دوم ودائم. قال : شتّان هذا والعناق والنّوم والمشرب البارد والظل الدّوم.

وهذا كقوله تعالى : (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) [سورة الملك ، الآية : ٣٠] أي غائرا ـ وظلّ

٤٥٨

رفق ومسترفق ، وجلس في أرفق الظّل وظلّ ممدود ومديد ، وظلّ واصب ـ وظلّ ساكن. وظلّ راتب راسب ومعتد وعتيد. وظلّ أمم وعمم ، فإذا كان كشيفا ثخينا لم تنسخه الشّمس أو نسخته ووفرته. قيل ظلّ قوي ـ وكشيف ـ وثخين رصين ـ وسجس ـ ووارف ـ ووريف. قال :

غدا تحت فينان من الظّل وارف

وظل واف ضاف ـ وظلّ سابغ ـ وظلّ وحف نعف ـ وظلّ ـ واعد ـ وصادق ـ وموثوق ـ وظلّ ـ مظلّ ـ وظليل وظلّ فينان ـ وذو فيون ـ وظلّ مغطال ـ ومغطئل.

وإذا كان ضعيفا شفا قيل شف هف. وشفيف هفيف ـ وشفشف ـ وشفشاف ـ وهفهف ـ وهفهاف ـ وشعشع ـ وشعشاع ـ وخادع ـ وخداع ـ وخدوع وكاذب ـ وكذاب ـ وكذوب ـ وظنون ـ وحتيفور ـ وملذان ـ وملاق ـ وخفاق.

فإذا أكلته الشّمس ـ وتحيفته قيل أخذ الظّل يتراجع ـ ويتراد ـ ويزحل وينحلّ ويضهل ـ ويذبل ـ وينحف ـ ويهرد وينزل ـ ويأفل ـ وينشل ـ ويشل ـ ويليح ـ ويلق ـ ويدق ـ ويموت ـ ويأزي ـ ويحسر ـ ويقصر ـ ويمصح ـ ويهرب ـ ويجنح ـ ويرزح ـ وينفق ـ ويحول ويزول ـ ويصيف ـ ويضيف ـ ويقلص ـ ويضحي ـ ويكري. قال ابن أحمر :

وتواهقت أخفافها طبقا

والظّل لم يفضل ولم يكثر

ويتأزّف ـ ويتجارف ـ ويتأزّى ـ ويتقاصر ـ ويسمئيل ـ ويضمحلّ ـ ويغيب ـ وظلّ منقوص.

وإذا ضاق كلّ ضيق قيل : أخذ يضيق ـ ويقع ـ ويسقط ـ وينصب ـ وكرب يغيب ـ ويرزأ ـ ويفيء ـ ويبلى ـ ويموت ـ وقد عاد ـ ولاذ ـ وعاوذ ـ ولاوذ ، وألاذ ـ واسترق ـ وانحمق ـ وانغفق ـ وانسرب ـ وانبتر.

والظلّ : ضيق ـ وضيق ـ وزناء ـ وأحمق ـ ومحمق ـ وضهل ـ وواشل ـ ناشل ـ وشعى ـ ولقي ـ وهزيل ـ ونحيف ـ وحرض ـ ودنف ـ وهالك ـ وساقط ـ ومتكرس ـ ومتزرب ـ وخانس كانس ـ وأعجف ـ ومحيف مذيق ـ وصحصاح.

فإذا أسرع الزّوال ـ وتعجّل في الانفتال ـ قيل ظلّ مستوفز ـ ومستقلص ومستطرد ـ ومالح ـ وراغش ـ ووالق ـ ودالق.

فإذا أخذ يترجّح قيل يترجّح ـ ويميد ـ ويمور ـ ويتراد ـ ويتغيف ـ فإذا وقف قيل قد وقف ـ وصام ـ وقام ـ ومكد ـ وركد ـ ومصد ـ وحار ـ وتحيّر ـ ودوم ـ وتلدد ـ وتبلد ـ وعقل ـ واعتقل ـ وتخبس ـ وتصبّر ـ وظلّ حيران ثابت لا يزول.

٤٥٩

ويقال : وردته والظّل عقال ـ وحذاء ـ وطباق ـ وطراق ـ قال الشّاعر :

وكان طرّاق الخف أو قل زائدا

وشعار ودثار ـ ورداء ـ وخف ـ ونعل ـ وجورب.

قال : وانتعل الظّل فصار جوربا. وساق ـ وظل مثارب من الأرومة ومتجعثن من الجعثنة ومتجرثم من الجرثومة.

فإذا حوّل قيل حول ـ وفاء ـ وراع ـ ونسخ ـ وانتقل ـ وبدل ـ واعتدب.

ويقال : يزل الظّل محولا ومحولا وطاردا ، ومطرودا ـ وناسخا ـ ومنسوخا وسارقا ـ ومسروقا ـ ولاحقا ـ وملحوقا.

ويقال : له أول ما يظهر في فيئه نبت الظلّ ـ ونجم ـ ونسم ـ وعسم ـ وبدا ـ وتولّد ـ وظهر ـ وأنتج ـ ونبع ـ ونبغ ـ وانتعش ـ وانتقش ـ وأحنى ـ وطلع ـ ونسغ وجلس في نسيغ الظّل ورسيغه. وموكده ـ ومنتجه ـ ومنبته ـ ومستنبته ـ ومستنبطه ـ ومستوشاه ـ ومستعلقه ـ ومستذاقه ـ ومستطعمه ـ ومسترفقه ـ ومستحلقه ـ ومستودقه ـ ومستمتعه ـ ومسترفده ـ وملتقطه ـ ومستفاه ـ ومشتفه ـ ونفاشه ـ وجناه.

فإذا انبسط شيئا في فيئه قيل : حي ـ وربا ـ ونبت ـ وسعى ـ ومشى ـ وحبا ـ وثار ـ وسار ـ وجسم ـ وسمن ـ واستطال ـ وفضل ـ ونمى.

ويقال : ظلّ شاب ـ وجذع ـ وقيان ـ وشارخ ـ وغض. قال قد صبحت والظّل غض ما زجل ـ وظلّ دوم ودائم ـ وروح ـ ورائح وثمل ـ وهائل ـ وظلال ثمل ـ وثملة وثوامل ـ وجاءنا في ثميلة الظّل ـ وثامله ـ ومشتمله ـ وثمله ـ وثمده ـ وشجرة مثملة وقد استبرد في الظلّ ـ واستروح ـ واستدفأ ـ وظلّ مدفئ ـ ودفيء ـ على فعيل ـ وسخن ـ وساخن ـ وسخاخين ـ وظلّ بارد ـ وكريم ـ وأدفأت الشّجرة بظلالها ـ ودفأت وأبردت ـ وأروحت ـ وأراحت ـ وأطابت ـ وأطيبت ـ وتفيأت الشّجرة بظلها ـ وأفاءت ظلالها ـ وقد فاء الظّل بفيء فاء وفيئا.

ويقال : ظل مومن ـ ومشمل ـ وموسر ـ وميامن ومياسر ـ وقد أيمنت ـ ويامنت وأيسرت ـ وياسرت ـ وأشملت ـ ووقع ذات اليمين ـ وذات الشّمال ـ وإذا تحرّك خلال الشّجر قيل رمح الظلّ ـ وركض وارتكض ـ وصرخ ـ ورقص ـ ورنق.

ويقال : ركض الماء في المجمر أيضا.

ويقال : ظل أبيض ـ وأشهب ـ وأسمر ليس بشديد السّواد ـ والعس ـ وأدعج وأظمأ ـ

٤٦٠