كتاب الأزمنة والأمكنة

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني

كتاب الأزمنة والأمكنة

المؤلف:

الشيخ أبي علي أحمد بن محمد بن الحسن المرزوقي الاصفهاني


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٦

ترى الواحد الأنس الأنيس ويهتدي

بحيث اهتدت أمّ النجوم الشّوابك

وقال أبو حنيفة : المجرّة دائرة متّصلة اتصال الطّوق وهي وإن كانت مواضع منها أرقّ ، ومواضع أكثف ، ومواضع أدق ، ومواضع أعرض فهي راجعة في خاصتها إلى الاستدارة وأكشف قناعها وأوسعها هو ما بين شولة العقرب فإلى النّسرين ، فإلى الرّدف ، والشّولة ، والرّدف كلاهما في نطاقها الأوسط أو قريب.

فإذا كانت الشّولة مشرفة على الثّور رأيت حينئذ من فوق الثّريا مستقدا في المشرق ، ورأيت المجرّة قد أخذت من عند شولة العقرب فمضت حتّى سلكت بين النّسرين. ثم مضت حتى غشيت كواكب الكفّ الخضيب رقّت واستدقّت إلى أن تبلغ العيّوق فتكشف هناك. فإذا بلغت العيّوق سلكت بين الكوكبين الجنوبيين من كواكب الأعلام الثّلاثة المعروفة بتوابع العيّوق. ثم مضى قدما حتّى تسلك بين الهقعة والهنعة وحاك بحاشيتها الشّرقية كوكبي الهنعة. ثم مضت حتى تسلك بين الشّعريين ، ثم تمضي وتغشى الغدرة بحاشيتها الغربية فتكشف هناك ، ثم تمضي عند العذرة حتى تسلك أسفل من كواكب الحمل ، ثم تمضي من هناك حتّى تشتمل على الشّولة ، ومنها كنّا بدأنا بالوصف ، فتجدها دائرة متّصلة.

ألا ترى أنا بدأنا بوصفها من عند الشّولة ثم لم تزل تستقر بها حتى عدنا إلى الشّولة فهذا الإيضاح عن استدارتها واتّصال بعضها ببعض اتّصال الطّوق ، وفي تحوّلها من جهة إلى جهة. يقول ذو الرّمة وهو يذكر رفقاءه :

بشعب يشجون الغلاء في روسه

إذا حوّلت أمّ النّجوم الشوابك

إمّا أن يريد زمانا من الأزمنة لأنّ المجرّة تتغيّر مواضعها في الأزمنة فتراها في الشّتاء أوّل اللّيل في خلاف موضعها من السّماء ، وفي الصّيف أوّل اللّيل وكذلك من آخر اللّيل في الشّتاء والصّيف ولذلك قيل : سطى هجر نرطب هجره وذلك أنّ أوّل ظهور المجرة عشاء من المشرق ، هو في ابتداء القيظ وأيّام طلوع الثّريا فيبدو منها عشاء قوس في المشرق أخذه من شرقي الشّمال إلى شرقي الجنوب مضجعه في الأفق ، ثم يزداد كلّ عشاء ارتفاعا وتوسطا إلى أن يسترقّ القيظ ويطلع السّهيل عشاء قد كبدت السماء ، فتوسّطتها فصار أحد طرفيها في قبلة العراق ، وطرفها الآخر في فقاء المصلّى ، ووسطها على قمة الرّأس ، وذلك زمان يكثر فيه الرّطب. والمجرّة بهذه الصّفة سواء آخر اللّيل أيام طلوع الثّريا فإمّا أن يكون ذو الرّمة أراد هذا المعنى ، أو يكون أراد وقتا من اللّيل ، لأنّ المجرة تراها في آخر اللّيل في غير موضعها من أوّله وذلك في جميع ليالي الدّهر على ذا وليس ما ترى من هذا المفاز منها الذي وضعت له من الفلك ، ولكنّها وضعت فيه على انحراف ، فأنت ترى ذلك منها لدور الفلك بها.

٢٦١

وقولهم في المجرة أم النّجوم كقولهم في السماء جربة النّجوم. قال الشّاعر :

وخوت جربة النجوم فما

تشرب أروية لمري الجنوب

قوله خوت يريد لم يكن معها مطر وأصل الجربة القراح من الأرض. قال الأشعر بن حمران :

أما ذا يعدو فثعلب جربة

أو ذيب عادية يعجرم عجرمة

(العجرمة) سرعة في خفة.

ويقال : للسّماء الخضراء للونها كما قيل للأرض الغبراء ، والهواء ممدود وهو الفتق الذي بين السّماء والأرض في كلّ وجه وهو السّكاك والسّكاكة واللّوح والسّحاح ، وأعنان السّماء نواحيها. ويقال : لا أفعل كذا ولو نزلت في اللّوح والسّكاك. وقال بعض أصحاب المعاني أصله من الضيّق على هذا قولهم بيرسك وقوله : استكّت المسامع من كذا أي ضاقت فلم ينفتح للاصغاء إليها والصّبر عليها كأنّ الهواء وهو ما بين السّماء والأرض يمتلئ منها كلّ شيء فلا مجوّف إلا ويتخاله حتى يضيق عنه وهذا حسن.

٢٦٢

الباب الثّاني والعشرون

في برد الأزمنة ووصف الأيام واللّيالي به

قال أبو نصر : كبة الشّتاء شدته ودفعته كالكبة في القتال ، ويقال : شتاء الشتاء ، إذا اشتدّ برده ، وهذا شتاء شات ، وكلاب الشّتاء نجوم أوّله وهي الذّراع والنثرة ـ والطّرف ـ والجبهة.

قال أبو حاتم : البرد ـ والقر ـ ولا يقال : القر إلا في شدّة البرد ـ ويقال : يوم قر ، وليلة قرة وقد قرّ يومنا ، وكان روية تقر ، ولقد قررت يا يومنا قرة وقرورا. ومن أمثالهم : حرّة تحت قرّة إذا عطش الإنسان في اليوم البارد فأكثر شرب الماء ويوم قر. قال : تحرّقت الأرض واليوم قر. وقرّ الرجل وهو مقرور وهرئ فهو مهروء وأصابته قرّة وأصابت المحموم قرّة فانتفض ويقال لذلك العروراء وقد عري فهو معروء :

وصرد الرجل وأصردنا إذا صرد ماؤنا. والصّراد الواحدة وصرادة غيوم تهيج ببرد شديد ولا يكاد يكون معها مطر.

وقال أبو زيد : النافجة : شدّة البرد والريح ، قال : والحرجف والشّهباء والبليل نحوها ـ والبليل يكون معه بلل وندى. والقرقف البرد في قبل اللّيل. وقال الأصمعيّ : قيل للحمى قرقف لأنّ صاحبها يقرقف عنها أي يرعد.

والهريئة : مهموزة شدّة البرد ، وقيل للأعرابي : إنّ الجنوب إذا هبّت دفئت الأرض ، فقال : ربّ هريئة إذا هبّت تذري الشّجر ، يقول : إنها وإن كانت كذلك فربما كان تحتها البرد. قال أبو حاتم : إذا رأوها تدهدئه وتطيره. ويقال للأحمق : وما هو إلّا هراءة على فعالة والهراء والخطل وأنشد :

ومنطق رخيم الحواشي لا هراء ولا بزر

قال الأصمعي : يقال : قر حمطير بالحاء مثل الزمهرير وقال النّميري : بالقاف قمطرير

٢٦٣

وقال التّميميون : من أسمائه (الصّر) والصّنبر و (الزمهرير) و (النّوافج) و (الكلب) و (اليبس والقعقع).

فأمّا (الصنبر) فالقر الشّديد في ريح أو غير ريح. ويقال : إنّ يومنا لصنبر القر. قال طرفة شعرا :

يجفان تعتري مجلسنا

وسديف حين هاج الصّنبر

كسر الباء للحاجة.

ويقال : يوم ذو صر ويومنا يوم صر ومن أمثالهم : صر وصنبر ، والمرقي في القر ، والزّقاء الصيّاح.

ويقال : يوم زمهرير على النّعت وأيام زمهريرة.

والنّافجة : الرّيح تهبّ في برد وقد نفجت نفجا ويقال : ازمهرّ يومنا وهذا قر زمهرير ، وقمطرير. وأنشد :

ويوم قتام مزمهرّ شفيفه

جلوت ترباع تزين المثاليا

والكلب : الزّمان الشّديد القر القليل المراعي ويقال : زمان كلب وعام كلب إذا قلّ خيره وكثر ضيره. قال : وعضّ السّلطان وشرّه وغلاء السعر ، وقلة المرعى هذا كله كلب.

واليبس : شدّة الحال في القر وغيره يقال : زماننا يابس.

والقعقع مثل اليبس وتقعقع زماننا : وهو أن يكون شديدا مع قر ومن دون السّعر فتعذر التّجارات ويجور السّلطان.

والخشيف : شدّة البرد يقال : أصابنا خشيف وقد خشفت ليلتنا ، والماء الجامس خشيف.

والصّقيع : أن يرى وجه الأرض بالغداة كالماء اليابس ، وترى الشّجر والبقل كأنما نثر عليه دقيق. وقد صقعت السّماء بصقيع كثير وضربتنا السّماء اللّيلة بصقيع وليلتنا ذات صقيع.

والجليد شدّة البرد جمس الماء أو لم يجمس ، ويقال : جلدتنا السّماء اللّيلة بجليد شديد ، وضربتنا بجليد منكر وهو أشد القر وأيبسه.

ويقال : جمس الماء وجمد والجموس : أكثر على ألسنة العرب من الجمود.

والأرين : القرّ الشديد يحصر منه الإنسان والمال وهو شبيه بالصّقيع وليلة ذات أرين ولا يقال يوم ذو أرين.

٢٦٤

قال أبو زيد يقال : أرزت ليلتنا تأرزا أريزا ، وهي أرزة إذا اشتدّ بردها وأكثر ما يكون ليلا.

ويقال : ليلة جاسية : إذا كان بردها شديدا ، ويوم جاسئ وقد جسأ جسوءا ويقال : برد البرد على ثيابي أي تركها باردة. وقيل : نحن مبردون في شدة البرد. وأنشد ابن الأعرابي :

ها إنّ ذا ظالم الدّيان متكئا

على أسرته يشفي الكوانينا

الدّيان بن قطن كان شريفا فشبه ظالما به وترك التّنوين كما قال : (وحاتم الطّائي وهاب المسمى) قوله : يشفي الكوانينا أي : يشفي في البرد الشّديد ، أراد أنّه صاحب نعمة فانتصب الكوانين على الظرف ، أي في هذا الوقت الشديد البرد والعرب تشبه الثّقيل من الرجال بالكانون. قال الحطيئة يهجو أمّه :

أغربالا إذا استودعت سرّا

وكانونا على المتحدثينا

قال أبو حاتم : لا أعرف هذا ولكن يقال في القيظ : أبرد القوم فهم مبردون والإبراد أن يصيبهم الرّوح آخر النهار في القيظ وفي غير هذا البرد النّوم وفي القرآن : (لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَلا شَراباً) [سورة النبأ ، الآية : ٢٤] أي نوما ، ومن كلامهم منعنا البرد من البرد أي القر من النوم. وأنشد :

بردت مراشفها علي فصدّني

عنها وعن قبلاتها البرد

أي النّوم ويقال : أصابتنا سبة من برد ، وهو أن يصيبك من القر أشد مما كنت فيه أياما وإن أصابك برد في آخر الرّبيع قلت : أصابتنا سبة والدّهر سبات أي أحوال حال هكذا وحال هكذا ، أصابتنا سبة حر ، وسبة برد ، وسبة روح ، وسبة دف ، وقالوا : الصّحو في الشتاء ذهاب القر ويقال : ليلة مصحية إذا ذهب قرّها وإن كانت متغيمة وإن طلعت الشّمس نهارا واشتدّ القر فليس بصحو.

قال أبو حاتم : العامّة تظن أن الصّحو لا يكون إلّا ذهاب الغيم وليس كذلك لأنّ الصّحو ذهاب البرد وتفرّق الغيم ، ويقال : تقشّعت السّماء إذا ذهب غيمها ، ويقال : يوم صحو على النّعت وليلة صحوة وأيام صحوات الهاء ساكنة ، ويوم مصح ، وليلة مصحية ، وقد أصحينا من القر. وقال أبو أسلم : يوم فصية وليلة فصية.

أما الطّلقة فمثل الصّحوة ويقال : كانت اليوم فصية وطلقة ويوم طلقة وفصية ويوم طلق وليلة طلقة ويقال : أفصينا من ذلك القر أي خرجنا منه وأصابتنا فصيات ، أي أيام دفيات طيبة ، ويقال : انفسخ القر وانفسخ الشّتاء إذا انكسر وضعف ، والحضر شدّة البرد في

٢٦٥

الأطراف والسّبرة يكون غدوة وعشية في البرد قبل طلوع الشّمس وبعدها قليلا ، وحين تجنح الشّمس للغروب والجميع السبرات ، وفي الحديث : «وإسباغ الوضوء في السّبرات».

وقال بشر بن برد : الماء في السّبرات أي بارد الماء ، وقال قطرب : السّبرة برد الغداة خاصة ، والعرواء : البرد عند اصفرار الشّمس ، وقال : يوم شبم وماء شبم.

وحدّث الأصمعيّ أنّ أعرابيا قال : موسى خدمة. في جزور سنمة. في غداة شبمة ، وقد شبم الماء. قال أبو حاتم : ولو وجدت في شدّة القيظ ماء باردا لقلت : هو شبم. وأنشد جرير :

تعلّل وهي ساغبة بنيها

بأنفاس من الشّبم القراح

ويقال : هرأ القرّ أموالنا أي : قتلها وأهلكها هرأ. قال ابن مقبل يرثي عثمان رضي‌الله‌عنه :

وملجأ مهروءين يلقى به الحيا

إذا حلقت كحل هو الأمّ والأب

وقالوا : تصيب النّافجة النّاس ، والقر الشديد ، وهم مرقون مبصرون فيقتل أموالهم ، يقال : هو مرق في الرّقيق المال والحال ، وقد أهرأ بنو فلان إذا أصابهم القر في الجرز ، وهي الأرض التي ليس بها شجر ولا دفء فماتت مواشيهم.

وقال أبو أسلم ؛ أهرءوا في هذه القرّة ، وهرءوا فيها ، سواء إذا ماتت أموالهم. وقال أبو حاتم أهرءوا إذا أصاب أموالهم لهرء هرءوا لا أدري في هذا المعنى هو أم لا.

ويقال : مرّت بنا صناديد من البرد أي بابات منه ضخام ، وصناديد الغيث كذلك ، ويقال: غيث صنديد. وأنشد لابن مقيل :

عفته صناديد السّماكين وانتحت

عليه رياح الصّيف غبرا محاوله

يعني أمطارا تقشر وجه الأرض وقد جاءت بنو السّماكين.

وحكى ابن الأعرابي يوم صفوان : لا غيم فيه ، ولا كدر ، شديد البرد صاف ، ويوم شيبان: بارد فيه غيم صراد.

ويقال : شهري الشّتاء شيبان وملحان ، لبياض الأرض فيهما والأبيض الأملح ، وقيل : هما الكانونان وأنشد الأصمعيّ شعرا :

تحوّل لونا بعد لون كأنّه

بشفان يوم مقلع الوبل يصرد

يقال : أصردنا وصردنا وشفان الرّيح بردها ، وكذلك شفيفها : يريد أنّ السّحاب قد

٢٦٦

أقلع وانقشع فهو أشد لبرده.

حكى الأصمعيّ قال : قلت لأعرابي : ما أعددت للشّتاء؟ فقال : قرموصا دفئا وشملة مكوذة ، وصيصية سلوكا (المكوذة) التي يبلغ الكاذنين ـ (والصّيصية) التي يقلع بها التّمر من الجلال (والقرموص) شبه بير يحفره فيأوي من البرد إليه. وأنشد :

جاء الشّتاء ولمّا اتّخذ ربضا

يا ويح كفّي من حفر القراميص

(والرّبض) قيل : هو المرأة لأنّها تربض البعل أي تخدمه. وقيل : الرّبض القيّم. ومنه قيل : منك ربضك وإن كان سمارا : أي منك : قيّمك وإن كان قيّم سوء ، وهذا كما قيل : منك عيطك وإن كان أشيا. وقال ابن الأعرابي : الرّبض في هذا المثل : ما يقيم الإنسان من القوت ويربضه أي يكفيه. وقد قيل : منك محضك ، ومنك ربضك وإن كان سمارا. (والسمّار) الذي قد أكثر ماؤه ، وهو نحو الضّياح وهذا يدلّك على معنى الرّبض في المثل وما سواه من التّفسير ، فهو محمول على المعنى لا على اللّفظ ، كما قيل : منك أنفك وإن كان أجدع ، فيحمل تفسير الأنف على العشيرة والأنف في الحقيقة هو المشم الذي قد عرف.

وربض البطن أمعاؤه والرّبيض جماعة الغنم. قال الدّريدي : الرّبض القطعة العظيمة من الثّريد ، فإذا قالوا : جاءنا بثريد كربضة أرنب كسروا الرّاء.

قال الزّهري : حجرت المطار العام ، حجرت : امتنعت والمطار : جمع مطر مثل جمل وجمال. وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي قال : يقال : هو الحس ـ والبرد ـ والقر ـ والقرس ـ والصر ـ والعرقف ـ والهلبة ـ والكلبة ـ والعنبرة ـ والصّرة. هذا كله حدّة الشّتاء وكلبه ـ والزّمهرير ـ والأريز.

وقال الكلابي : العثية : الهلباء الباردة ـ (القرّة) ترميهم بالقطقط وهو القطر الصّغار من المطر ـ والثّلج ـ واليوم الأهلب : الشديد البرد ـ وغداة هلباء وقالوا : الشّهر الآخر من الشّتاء يسمّى الأهلب ، ولا يسمّى غيره من شهوره أهلب ، وذلك لشدّة صفق رياحه ، مع قرّ وعواصف.

وحكى اللّحياني : هلبة الشّتاء وكلبه مثقلان وحكى أيضا يوم هلبة ويوم كلبة. وحكى قطرب مثل ذلك ، ويقال : أرزت ليلتنا أريزا ، وليلة آرزة ، وأتت اللّيلة تأرزهم أشد الأرز.

وأنشد عن المفضل في شدة البرد بعد أن حكى المثل السّائر (أبرد من غب المطر) أي من غب يوم المطر شعرا :

طوينا يجمع والنّجوم كأنّها

من القرّ في جوّ السّماء كواسف

٢٦٧

وقال آخر : العابط الكرم للأضياف إن نزلوا في يوم صرّ من الصّراد. هرار الصّراد الجهام : وهو السّحاب الذي لا ماء فيه مع الشّمال ـ والجليد ـ والضّريب ـ والسّقيط ـ والجليب ـ والصّقيع ـ والسّقيع ـ والسّميخ ـ ما ينزل من السّماء ومن الثّلج وأنشد شعرا :

نعاء ابن ليلى للسّماخ وللنّدى

وأيدي شمال باردات الأنامل

نعاء مثل دراك أي أنع وأنشد ثعلب شعرا :

ويوم بليل الحمار الصّديد

محمرة شمسه بارد

سقيت رغيبا وأطعمته

فليس بحارّ ولا جامد

قال ابن الأعرابيّ : الفصيّة : ما بين الحر والبرد ، وهو من فصيت الشيء إذا أنبتّه من غيره. وزعم أنّ قولهم أفصى برد عمى اشتقاقه من هذا.

و (ضبارة) الشّتاء صميمه ، الرّاء مشدّدة ، وقد يخفّف فيقال : ضبارة ذكر ذلك عن غير واحد من العلماء.

ويقال : من الكلبة : كلب البرد إذا اشتدّ كلبا وأنشد الفرّاء :

أنجمت قرة الشّتاء وكانت

قد أقامت بكلبه وقطار

وقال العكلي : جئتك في صنبر الشّتاء وفي بركته ، وقد استعمله بعضهم في الحر وحكى غداة صنبرة. وقال جرّان العود :

وألفين فوقي شرّ ثوب علمته

من البرد في شهر الشّتاء الصّنابر

وقال طرفة : (وسديف حين هاج الصّنبر) (١) وقال أبو حنيفة : بلغني عن بعضهم أنّه حكي عن العرب في الصّبارة مثل ذلك يجعلونه في شدّة الحر أيضا.

والصّرصر : الرّيح الشّديدة الباردة وفي القرآن : (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) [سورة القمر ، الآية : ١٩] وقيل : تداكؤ الصّر ازدحامها. وأنشدني حمزة بن الحسن قال : أنشدني علي بن سليمان عن المبرّد :

فذاك نكس لأبيض حجره

مخيرق العرض لئيم مطره

__________________

(١) أورد صاحب القاموس صنابر الشّتاء شدة برده ، وأمّا قول الشاعر نطعم الشّحم والسّديف ونسقي المخض في الصّنبر والصّراد بتشديد النّون والرّاء وكسر الباء فللصرواة ١٢ القاضي محمد شريف الدين الحنفي عفا عنه.

٢٦٨

في ليل كانون شديد حضره

عضّ بأطراف الزّباني قمره

يقول : هو أقلف ليس بمختون إلّا ما قلص منه القمر وشبه قلفته بالزّباني. وقال آخر : (إنّك أقلف إلّا ما جنى القمر) ويقال : من ولد والقمر في العقرب فهو نحس. وقال الأصمعي : إذا عضّ أطراف الزّباني القمر : فهو أشد ما يكون من البرد.

فصل

فيما وضع على ألسنة البهائم

(الأصمعي) قال : قيل للضّانية : كيف أنت في اللّيلة القرّة الباردة؟ قال : أوّله رخالا وآخره جفالا ـ وأحلب كثبا ثقالا ـ ولم تر مثلي مالا ـ الرّخال الإناث من أولاد الضّأن الواحد رخل ، والكثبة البقية من اللّبن ، قال ابن الأعرابي : لا أعلم جمعا على فعال إلّا خمسة أحرف : رخال وفرار وتوام وظآر ورباب.

قال الأصمعيّ : إنما قيل ذلك لأنّ الإناث أعجب إلى أصحاب النّتاج من الذّكور لأنّ الإناث تحبس للغنية ، والذّكور تذبح وتباع ، وحكي أنهم يقولون : إذا نتجت أحلبت أي : أذكرت أم أنأثت ، ويقال : للمبعوث في الههم أحلبت.

وقال الأصمعيّ : العرب تقول المحق الخفي إذكار الإبل ، وقال ابن الأعرابي : ويقولون : الضّأن تمشي عجالا ـ وتحتلب علالا ـ وتجز جفالا ـ وتنتج رخالا. وحكي أيضا الضّأن تكسوك وهي رابضة أي لها سمن ـ ولبن ـ وصوف ـ وهي مقيمة ، قال : ويقال : الماعز لبنها رغوة ـ وشعرها عروة ـ وقيل : النّعجة مساء أي لا تقدر على احتباس بولها.

قال الأصمعيّ : تقول العرب : الغنم إذا أقبلت أقبلت ـ وإذا أدبرت أقبلت ـ وتقول في الإبل : إذا أقبلت أدبرت ـ وإذا أدبرت ذنبت رأسا.

وقيل للمعز : لك الويل : جاء البرد ، فقال : است حجواء ـ وذنب ألوى ـ والذئب جفاء ـ است حجواء وجحواء : أي بارزة لا يسترها شيء. وروي قيل : للمعز : جاء البرد ، قالت : استي جحوى ، والذّنب يعوي ، فأين المأوى ، والبيت الأجهى الذي لا ستر عليه. وقيل للمعز : كيف أنت في اللّيلة الباردة؟ قالت : الإهاب رقاق ـ والشّعر دقاق ـ والذّئب جفاء. ولا بدّ لي من الكن. وقيل للنّاقة : كيف أنت في اللّيلة الباردة؟ قالت ؛ أبرك بالعرى ـ وأوّلها الذّرى ـ ويروى : أبرك بالنّحى ـ وأولاها الذّرى ـ ويحمى وزيمة عن أخرى ـ وقيل : أطابق شحمه فوق أخرى ـ والوزيمة البضعة. وقيل للكلب : أنت فيها قال : أحوي نفسي : أجعل أنفي عند استي ، ويقال : إنّه قال : أحويه أي أجمعه ـ وأكويه وأجعل طرفه عند فيه ـ

٢٦٩

ويقال : إنه حكي هذا عن الضّب ، لأنّه يلوي جحره حتّى يرد آخره إلى ابتدائه ، ويجعل أقصاه عند أدناه. اللهمّ اجعلني أحويه وألويه حتى أجعل قعره عند فيه.

ويقال : إنّ الضّانية والمعز خيّرتا فقيل للضّانية أيّما أحبّ إليك السّتارة ـ أم الغزارة ـ فاختارت السّتارة ، فسترت وقلّ لبنها وصارت الغزارة للمعز وهتك سترها وكشف فرجها ، ومما حكي عن البهائم وإن لم يكن من هذا الباب ، قالت الأرانب : اللهم اجعلني حذمة لذمة أسبق الأكف بالأكمة الحذمة واللّذمة التي تلزم الأشياء ، وقولها أسبق الأكف بالأكمة : فإنها قصيرة اليدين ، فإذا صعدت فانت وإذا هبطت أدركت. ومما يحكى أنّ الأرنب قال للشّاة : لا عفطت ولا نغطت ، فقال العنز : لا مررت إلّا على حاذق قاذق.

٢٧٠

الباب الثّالث والعشرون

في حرّ الأزمنة ووصف اللّيالي والأيام به

قال أبو حاتم : الحر والحرارة ـ وحر يومنا يحر بكسر الحاء حرا وحرارة. قال أبو نصر : قد قيل : يحر ولم أسمعه من الأصمعيّ. وفي القيظ : قاظ يومنا يقيظ قيظا وقد قظنا أي صرنا في القيظ.

وقالوا : أصفنا نصيف صيفا ، ويوم صائف ويوم قائظ ، والحرّة العطش وفي الأمثال : حرّة تحت قرّة.

ويقال : صمخة الشّمس الخاء معجمة ، وصمخة الحر أشد الصّمخ ودمغته الشّمس بحرّها أي أصابت دماغه فهي دامغة ، والدّامغة أيضا : الجلدة التي فيها الدّماغ ، وتدعى أم الدّماغ ، والجميع الدّوامغ ، وأنشد للعجّاج شعرا :

لهامهم أرضه وأفتخ

أم الصّدى عن الصّدى وأصمخ

وفتخته الشّمس فتخا مثل دمغته.

ووغيرة الغيظ أشدّ الغيظ حرّا.

والوقدة : سكون الرّيح واشتداد الحر ، ويقال : يوم ومد وليلة ومدة وأنشد أبو زيد :

قد طال ما حلأتمونا لا نزد

فخلّياها والسّجال تبرد

من حرّ أيام ومن ليل ومد

قالوا : والوغرة عند طلوع الشّعرى ، وقد وغرنا وغرة شديدة ، وغرنا أيضا وغرا ، وأوغرنا أصابنا الحر الشّديد وأصابتنا وغرات.

وأصابتنا أكة من حرّ والأكة الحر المحتدم الذي لا ريح فيه ، ويقال هذا يوم آكة بالإضافة ، ويوم ذو آكة ، وذو آك ، وقد أكت يومنا وأنشد :

٢٧١

إذا الشّريب أخذته آكة

فخلّه حتّى يبكّ بكّة

وقالوا في الأكة : شيء قليل من سدى.

والعكّة : الرّيح الشّديدة مع السّدى واللّثق الكثير ، وهذا يوم عكّة بالإضافة ويوم ذو عكيك ، وأنشد أبو زيد :

يوم عكيك يعصر الجلمود

يترك حمران الرّجال سودا

وقد عكّ يومنا يعكّ عكا ويوم عكّ على الإضافة. وليلة عك ، ويوم عك على النّعت ، وليلة عكّة كل هذا يقال.

والأجّة : مثل الوغرة ومنها الأجيج والنّاجج من النّار وأوار الحر صلاؤه ، وشدّته ، وكذلك أوار النّار ، ويوم ذو أوار وإنّ الحر الشّديد الأوار.

وإذا دنوت من النّار فوجدت حرّها في وجهك فذاك أوارها وأوار الهاجرة والسّموم ، وهو ما يصيب وجهك من الحر الشّديد ، وأنشد القحيف العامري :

ولا استقبلت بين جبال بمّ

وإسبيذ لها جرّة أوار

فأما قول لبيد :

أسبّ الكانس لم يؤر بها

شعبة السّاق إذا الظّل عقل

قوله : يؤر من الإرة وهو مستوقد النّار تحت القدر وغيرها ، ويجمع على الإرّات والأرين ، وروي لم ياور ، بها ، مثل يعوت ويكون من الأوار إلّا غيره.

وحمّارة القيظ أشدّ ما يكون منه يقال : أتيته في حمارة القيظ ، وفي حمر القيظ وفي حمرة القيظ ، وحمر كل شيء أشدّه. قال أبو حاتم : وسألت الأصمعيّ ، هل يقال : حمرة الشّتاء فقال : حمرة القيظ يعرف ، وهاب أن يقال : حمرة الشّتاء والوديقة : شرّ الحر.

يقال : أصابتنا وديقة حرّ ، ويوم ذو وديقة بالإضافة ، وكذلك إذا دنت الشّمس من الأرض فيقال : ودقت الشّمس ، وفلان يأتينا في الودائق أي في أنصاف النّهار في القيظ وأنشد :

ألم يكن حقا أن يتولّ عاشق

تكلّف إدلاج السّرى والودائق

وصخدان الشّمس : محرك الخاء ومسكنه : شدّة الحر ، ويوم صخدان وليلة صخدانة ، وقد صخد يومنا بفتح الخاء ، ويوم صاخد ، وليلة صاخدة ، والصّخد مثل الوسد ، ويقال : السّخد بالسين.

٢٧٢

واللهبة : لهبة القيظ ، ويوم ذو لهبان ، ويقال : يوم وهجان ، وليلة وهجانة وأتيتك في وهجان الحر ، وإنّ يومنا لوهج ، وقد وهج يومنا وهجا وتوهّج ووهج الحر وتوهّج الحر وأنشد :

لقد رأيت الظّعن الشّواخصا

على جبال تهص المراهصا

في وهجان بلح له الوصاوصا

يوما ترى حرباءه محاوصا

يطلب في الجنفل ظلّا قالصا الجنفل : ما يحفل من السّحاب والظّل أي أسرع ويروى الجيفل وهو ما تناهى من كل شيء ، والوصاوص : خرق البرقع الصغير وإنما يفعل ذلك نساء بني قيس ، فأما نساء بني تميم فتحلّ المرأة برقعها ، ومنه قول الشّاعر شعرا :

لهو لا بمنحول البراقع حقبة

فما بال دهر لزّنا بالوصاوص

ويقال : قابت المرأة برقعها قوبا إذا جعلت لها عينا.

والوقدة أن يصيبك حرّ شديد في آخر الحر بعد ما يقال : قد أبردنا ، ويستنكر الحر فيصيبك الحر بغير ريح ولا سدى فتلك الوقدة والوقدان وقيل الوقدة نصف شهر وعشرة أيام ، وأقلّها سبعة أيّام ، فأمّا اليوم واليومان فلا يعدونه وقدة.

ويقال : أصابتنا سبة من حرّ والسّبة نحو من شهر ، ونصف شهر ، وعشرة أيام.

ويقال : احتدم علينا الحرّ والاحتدام شدّة الحرّ مع همود الرّيح ، ولا يقال مع الرّيح احتدم ، ويقال : اسم يومنا وأحر إذا كان ذا سموم وحرور.

واللّفحة : إذ تحرّق جلده ، وقد سفعت لونه السّموم.

وألفحته : وكافحته أي قابلت وجهه ليس بينهما سترة. ومنه قيل : كافحت الرّجل وكلّمته كفاحا وأنشد : ولا كافحوا مثل الذين يكافح.

ويقال : أتيته في معمعان الصّيف ومعمان الصّيف ، وفي معمعان الحر ، ويوم معمعان ، وليلة معمعانة ومعمعاني ومعمعانية. قال ذو الرمة :

حتّى إذا معمعان الصّيف هبّ له

بأجة نش عنها الماء والرّطب

والرّمض : شدّة الحر على الأرض ، وقد رمض التّراب ورمض الإنسان إذا أصاب جلده الرّمض ، وقد رمضت الفصال إذا احترقت أخفافها بحر الأرض ، وزعموا أنّ رمضان سمّي بذلك : لأنّهم حين سمّوا الشّهور اشتقوا أسماءها مما يكون فيها ، فسمّوا جمادى

٢٧٣

لجمود الماء فيها ، ورمضان لأنّ الفصال كانت ترمض فيه. وأنشد :

المستغيث بعمرو عند كربته

كالمستغيث من الرّمضاء بالنّار

وقيل : الرّمضاء : التّراب الحامي ، ويقال : يوم ذو سموم ويوم سموم بالإضافة ، ويوم سموم على النّعت. وقد اختلفوا في السّموم والحرور ، فمنهم من يجعل السّموم بالنهار والحرور باللّيل ، ومنهم من يجعلهما على العكس من ذلك.

والدّفاءة : مهموزة مثل الومدة وقد دفىء يومنا دفاء ، والمعتدلات بالدّال غير معجمة أيّام شديدة الحر. وكان الأصمعي يقول بالذّال المعجمة ، وكان ينشد بيت ابن أحمر :

حلّوا الرّبيع فلمّا أن تجلّلهم

يوم من القيظ حامي الودق معتدل

بالذّال (والمعتذلات) نحو من خمسة عشر يوما ، وهي أيام الفصل في دبر الصّيف عند طلوع سهيل.

وقال أبو زيد : (السّكنة) مثل الوقدة ، وكذلك السّختة ، وقال أبو حاتم : هي فارسية. قال رؤبة : (وأرض جسر تحت حر سخت) قال أبو زيد : يقال : باض علينا الصّيف ، فإن قيل : القيظ والصّيف واحد ، قيل : النّجم والكوكب واحد ولا يجوز أن يقال : في عين فلان نجم إنّما يقال : في عين فلان كوكب. وكلام العرب لا يختلف ، والحرة شدّة العطش في الشّتاء والصّيف ، ومثل العرب : حرّة تحت قرّة فهذا في الشّتاء وأنشد شعرا :

ما كان من سوقه أسقى على ظمأ

خمرا بماء إذا ما جودها بردا

من ابن مامة كعب ثم عى به

زؤ المنيّة إلّا حرة وقدى

زؤ المنية : قدرها. (وقدى) : نعت للحرّة على فعلى وهو من التّوقد ، ومن أمثالهم : برد غداه حر غد من ظماء وأصله رجل أراد سفرا فأصبح فرآها باردة فقال : لا أحتاج إلى الماء ، فصبّ ما كان معه فلمّا توقّدت الحران عطش ، فقال : هذا لقيت منه ما يصر الجندب ، أي حرّا شديدا ، وفي المثل : علقت معالقها وصرّ الجندب للشّدة ، ومن أمثالهم : قيل للجندب : ما يصرّك؟ فقال : أصرّ من حرّ غد يضرب لمن يخاف ما لم يقع فيه.

ويقال : يوم ذي شربة أي يشرب فيه الماء الكثير من شدّة الحر ، ويقال : يوم ومد ومصمقر وأنشد للمرار العدوي :

خبط الأرواث حتّى هاجه

من يد الجوزاء يوم مصمقر

ويقال : يوم أبت وأمت وحمت وهو مثل الومد وقد أبت يومنا وأمت وحمت وأتيته في حمراء الظّهيرة والظّهيرة الخوصاء أشد الظّهائر حرّا وأصله في النّجوم ، يقال : تخاوصت

٢٧٤

النّجوم إذا صغت للغروب ، ويقال : ظهيرة شهباء لبياض غمسها وشرابها. قال عدي بن الرّقاع شعرا :

ودنا النّجم يستقلّ وحارت

كلّ يوم ظهيرة شهباء

ورددن بالسّماوة حتّى

كذبتهنّ غدرها والنّهاء

وقال أيضا : ظهيرة غرّاء ، ويقال : هذا يوم يرمح فيه الجندب : أي يضرب الحصى برجله ، لارتماضه. قال : ويشبّهون الشيء القليل اللّبث بسحابة الصّيف. قال ابن شبرمة الضّبي :

أراها وإن كانت تحبّ كأنّها

سحابة صيف عن قليل تقشّع

قال الدّريدي : أفرة الصّيف : شدّة حر ، وأنشد في شدة الحر :

لدن غدوة حتّى ألاذ بخفّها

بقيّة منقوص من اللّيل صائف

يصف ناقة ركبت في الهاجرة ، والظّل تحت أخفافها إلى أن صار الظّل كما وصف ويقال : لاذ وألاذ بمعنى.

وذكر صاحب العين يوم خدر شديد الحر ، وأنشد لطرفة :

ومكان رعل ظلمانه

كالمخاض الجرب في اليوم الخدر

ويقال : خدر النّهار إذا لم يتحرّك فيه ريح ، ولا يوجد فيه روح. وقوله : وإن كان يوما ذا كواكب أشهبا. قال : كان اليوم ذا كواكب من السّلاح وأشهب أي يوم شمس لا ظلّ فيه.

قال آخر : ويوم كظلّ الرّمح والشّمس شامس ، أي طويل لا ظلّ فيه لشدّته ، وظلّ الرّمح يطول جدا في أوّل النّهار. وأنشد :

ويوم ضربنا الكبش حتّى تساقطت

كواكبه من كلّ عضب مهنّد

قوله : تساقطت كواكبه : يعني به معظم الحر. وأنشد ابن الأعرابي :

قد شربنا بالثّريا حقبة

ورقينا في مراقي السّحق

قال : يطلع الثّريا في أول حدّ القيظ وفي آخر مطر الصّيف ، فربما رؤيت في الفدين من الماء ، فشربنا بالثّريا واستقصينا الجزء إلى آخره ، وطلوع الثّريّا أول الجزء ، وطلوع الجوزاء آخر انقطاع البقل ، وقال : في مراقي السّحق يريد به : الضّياع. قال الأصمعي : وتقول العرب : استقبال الشّمس داء واستدبارها دواء وأنشد :

إذا استدبرتنا الشّمس درّت متوننا

كأنّ عروق الجوف ينضحن عندما

٢٧٥

الباب الرّابع والعشرون

في شدّة الأيّام ورخائها وخصبها وجدبها وما يتّصل بها

الأصمعي : جداع : اسم للسّنة المجدبة على مثال خدام. وقال أبو حنبل الطّائي :

لقد آليت أغدر في جداع

وإن منيت أمّات الرّباع

لأنّ الغدر في الأقوام عار

وإنّ الحرّ يجزع بالكراع

وأنشد غيره في صفة الجدب :

إلى الله أشكو هجمة عربيّة

أضرّ بها مرّ السّنين النوائر

فأضحت رذايا تحمل الطّين بعد ما

تكون غياث المقترين المفاقر

يصف نخلا أيبسها الجدب ، فسقف بها البيوت بعد أن كان غياثا للفقراء والمحاويج. ومفاقر جمع فقير على غير قياس ، مثل مطايب الجزور. وأنشد :

يا ويحها من ليلها ما ضمّا

ضمّ إليها هقما هقما

أجهد من كلب إذا ما طمّا

يصف امرأة نزل بها ضيف في ليلة مجدبة. والهقم : الجائع وانهقم جاع وخمص والهقم : الكثير الأكل الواسع الجوف. ويقال : بحر هقم أي بعيد القعر ، وهو يتهقّم الطعام أي يتلقّمه لقما عظاما وأجهد من كلب : أي أجوع ، ورجل جاهد : أي جائع شهوان وطم الكلب الشيء أي اختلسه ومرّ به. وأنشد ابن الأعرابي :

في روضة بذل الرّبيع لها

وسمّي غيث صادق النّجم

وقال في صادق النّجم : أراد أن نوءه لم يخلف بل وفى بوعده ، وقيل : أراد به ما نجم من النّبات يعني موضعا معشبا حسن النّبت. وقال أبو عمرو : الهتأة على وزن الهتعة ستة أهلكت كلّ شيء ويقال : هتأت الثّوب إذا خرّقته.

٢٧٦

ويقال : أرمتهم السّنة والأرم القطع ، ويقال : اقتحمتهم السّنة أي حطّهم الجدب إلى الأمصار ، وقال آخر :

يا دهر ويحك فأولى ممّا ترى

قد صرت كالقب الملح المعقر

ويقال : دفت دافّة وهفت هافّة ، وهفت هافية ، وقذت قاذية إذا أتاهم قوم قد أقحمتهم السّنة من البدو ، قوله في البيت : فأولى مما ترى : أي ارحمني ، يقال : أويت له ماوية وأية أي : رفقت ، قوله : مما ترى أي مما يوجبه ويذهب إليه. وأنشد :

ظلم البطاح له انهلال حريصة

وصفا النّطاف له بعيد المناح

هذا رواية المفضل وغيره ، وفي رواية ابن الأعرابي : ظلم البطاح له هلال حريصة. قال : وهو مقلوب ، أراد حريصة هلال أي سحابة نشأت في أول ليلة من الشّهر. والحريصة : سحابة تحرص وجه الأرض : أي تقشر ، ومعنى انهلال حريصة انصبابها ، وظلمة البطاح أن تحرف إليها الطّين من غيرها وأنشد :

وله مكارم أرضها معلومة

ذات الطّوى وله نجوم سمائها

ذات الطّوى : سنة جدبة والطّوى الجوع ، ورجل طيان وانتصب ذات الطّوى على الظّرف. وقوله : وله نجوم سمائها. إذا أخلفت النّجوم فلم تمطر جار هذا الرّجل فكأنّه الأنواء ، وكأنّ الأنواء له ، وأنشد الطّوسي :

سقى المتدلّيات من الثّريا

نوء الجوزاء أخت بني عديّ

المتدلّيات سحابات دنت من الأرض ، ومطرها أكثر ، وصوبها أغزر.

قال الآخر : يكاد يدفعه من قام بالرّاح ، والجوزاء قيل : امرأة ، ونوؤها موضعها الذي سارت إليه يريد سقى هذا المطر الآتي بنوء الثّريا نوء الجوزاء أخت بني عدي ونوؤها : وجهتها التي تنوء بها ، وانجر أخت على البدل من الجوزاء والصفة.

ويقال : اغتفت السّنة بني فلان ، والغفة البلغة من العيش وأنشد الأصمعيّ إذ بعضهم يغتف جاره.

والجلبة : السّنة المجدبة وهي الجوع أيضا قال الهذلي :

من جلبة الجوع جيّار وأرزيز ، أبو عبيد خطر به الضّيق في المعاش والرفاغة والرّفاغية والرّفاهية والرّفهنية مثل البلهنية.

ويقال : هو في عيش أغضف ـ وأغزل ـ وأرغل ـ وأوطف ـ وأهدب ـ وأزب ـ

٢٧٧

وهلوف ـ يعني واسعا وزمانه زمان سلوة وخفض.

ويقال : هو في رخاخ من العيش ، وعيش دغفل ـ ودغفق ـ ومدغفق ـ ورفيغ أي واسع. قال الدّريدي : المدغفق اشتقاقه من دغفق الماء إذا صبّه صبّا واسعا.

قال العجّاج : وإذا زمان النّاس دغفل ، فأضافه. قال أبو عبيدة : هو في عيش أوطف ـ وأغضف ـ وغاضف ـ ورافع وعفاهم إذا كان واسعا.

يقال : نحس في ربيلة من العيش أي في عيش متربل ند. وفي المثل ، ليس المتعلّق كالمتأنقّ ، يقول ليس من عيشه ضيق يتعلق به ، كمن عيشه ليّن واسع يختار منه ما شاء. والعلقة ما يبلغ به.

وفي الحديث : انّ عبد الله بن مسعود كان يقول : إذا قرأت (آل حاميم) صرت في روضات أتأنّق فيهنّ أي يعجبني.

ويقال : عيش طان ذو رزغة أي كثير النّدى ، وقولهم : طان كقولك : رجل مال.

ويقال : إنّهم لفي غضراء من العيش ، وغضارة وقد غضرهم الله ، وإنّه لذو طرة وكلّ ذلك من السّعة.

أبو عمرو : نشأ فلان في عيش رقيق الحواشي وفي زمان مخضم لا مقضم.

ويقال : نبتت في زماننا نابتة ، أي نشأت فيه نشوء صغار. وما أحسن نابتة بني فلان لأولادهم ، وأولاد أولادهم ، إذ تناسقوا في الحسن والرّضا. ومما يشبه هذا قولهم : بتّ بليلة النّابغة يراد قوله :

فبتّ كأني ساورتني ضئيلة

من الرّقش في أنيابها السّمّ ناقع (١)

وقوله في موضع آخر :

فبتّ كأنّ العائدات فرشن لي

هراسا به يعلى فراشي ويقشب (٢)

وهذا كما ضرب المثل بصحيفة المتلمس لقوله : وكذلك افتوا كلّ قط مضلّل.

ويقال للّيلة التي لا نوم فيها : مات بليلة انقذ (٣) يراد به القنفذ ، لأنه لا ينام ليلة بدلالة قول الأخر :

__________________

(١) ناقع : قاتل.

(٢) يقشب : يجدّد.

(٣) في القاموس وانقذ كأحمد وقد تدخل عليه ال القنفذ ـ الحسن النعماني.

٢٧٨

قوم إذا دمس الظّلام عليهم

جدحوا قنافذ بالنّميمة تمرع

ويقال : زمان غزير ، وعيش غزير أي لا يفزع أهله.

ويقال : عيش رغد مغد. ويقال : عام غيداق ، أي كثير الخير ، وسيل غيداق وماء غدق.

الفرّاء : عام أزب : أي مخصب. أبو عبيدة : عيش خرم : أي ناعم وهي عربية ومعيشية رفلة.

ويقال : أنت في عام رخي اللّبن ، عريض البطان ، أي واسع الخصب وهذا كما يقال : أصاب فلان قرن الكلأ ، أي أنفه الذي لم يؤكل منه شيء ، ووقع في الأهيغين أي الطّعام والشّراب ، وزمانه زمان الأهيغين.

والمعصب الذي عصبت السّنون ماله.

ويقال : في عيشة شظف : أي يبس وشدة ، وقد شظفت يده إذا خشنت.

الأصمعيّ يقال : موت لا يجر إلى عار خير من عيش في رماق ، أي قدر ما يمسك الرّمق.

ويقال : أصابتهم من العيش والزّمان ضعف ـ وحفف ـ وقشف ـ وويد ـ كلّ هذا من شدّة العيش.

وقال يعقوب : بنو فلان في ويد أي في ضيق ، وكثرة عيال ، وقلّة مال ، وهو في رتب من العيش : أي غلظ.

الأصمعي : عيش مزلج أي مدنق.

ويقال : أصابتهم الضّبع أي السّنة ، وقد كحلتهم السّنون : أي اشتدّت عليهم وأنشد :

لسنا كأقوام إذا كحلت

إحدى السّنين فجارهم تمر

أي يأكلون جارهم. وقال سلامة بن جندل :

قوم إذا صرحت كحل بيوتهم

عزّ الذّليل ومأوى كلّ قرضوب

وأصابتهم أزمة وأزبة ولزمة. وحكى الأصمعي : أزمت أزام وأنشد :

أهان لها الطّعام فلم تصفه

غداة الرّوع إذا زمت أزام

٢٧٩

ودعاء النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أشدد وطأتك على مضر واجعل سنين كسني يوسف» فاستجاب الله دعوته حتى أكلوا العلهز.

والسّنة : الشّهباء البيضاء من الجدب. وقال ابن الأعرابي : الّتي ليس فيها مطر ، وقال هي الشّهباء ثم البيضاء ثم الحمراء ، فالشّهباء أمثل من البيضاء والحمراء شرّ من الجميع.

وسنة غبراء : وقماء وكهباء والكهبة كدرة في اللّون.

وعام مجوعة ومجاعة ، وسنة جداء ، وحجرة ورملاء.

وعام الرّمادة : وسنة وسنة وعام سنيت ومسنت وسنة جالفة بالمال.

والرّمادة : سنة المحل ، وقد أرمدوا.

وسنة محاردة : من حراد النّاقة إذا قلّ لبنها.

ويقال : عام أرمد في قلة الخير ، وأبقع أي بقع فيه المطر في مواضع ولا يعم. وأحرج وأسهب ، وكلّ هذا في قلة الخير.

قال أبو يوسف : سمعتهم يقولون : حراميس واحدها حرمس. ويقال : هذه السّنة ذات فحم عظام ، ويقال : أزمتهم السّنة أي دقّتهم ، والأزم العض.

وسنة حصّاء : لا نبت فيها ، وامرأة حصاء لا شعر عليها.

الفرّاء : عام أرشم : قليل النّبات. والبوازم الشّدائد الواحدة بازمة ، وأنشد :

ونحن الأكرمون إذا غشينا

عياذا في البوازم واعتزازا

وقال :

وما أخذ الدّيوان حتّى تصعلكا

زمانا وحتّ الأشهبان غناهما

في سنتين لا خير فيهما. وقال آخر :

رأت مرّ السّنين أخذن منّي

كما أخذ السّرار من الهلال

ويقال : ثلمة ثلم المحاق جانب الهلال ، ويقال : مطر مريع ، وأنشد متمم بن نويرة :

تقى الله أرضا حلّها قبر مالك

ذهاب الغوادي المدجنات فأمرعا

وقال آخر :

ويقيم في دار الحفاظ بيوتنا

زمنا ونظعن غيرنا للأمرع

وحكى ابن الأعرابي : ألا صبّحته صباحا حازرا؟ والأصل في الحازر : اللّبن الحامض.

٢٨٠