ابن يعيش
المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
على صحّة هذا القول رواية من روى :
* وإنّا (١) ، من حربهم ، برآء*
فأظهر المحذوف في هذه الرواية. فعلى هذا لا تصرفه ، لأنّ الهمزة الباقية للتأنيث على حدّها في : حمراء وصحراء. ووزن الكلمة إذا «فعاء». قال (٢) : أخذ هذا القول من أبي الحسن في «أشياء». وأكثر أهل البصرة يحمله على أنه جمع على «فعال» ، وليس منتقصا من غيره ، نحو : «تؤام» (٣) و «رباب» جمع : ربّى (٤).
وفي جمع «بريء» أربعة أقوال : بريء وأبرئاء ، كصديق وأصدقاء ، وبريء وبرآء ، كشريف وشرفاء ، وبريء وبراء ، كظريف وظراف ، وبريء وبراء ، كتؤام ورباب ، / ١٧٠ على حدّ (٥) ما تقدّم.
وقول البصريّين أقرب إلى التحقيق ، لأنّهم يجرونه على ظاهره ، من غير تكلّف حذف. والفرق بين هذا الموضع و «أشياء» ،
__________________
(١) كذا.
(٢) كذا.
(٣) في حاشية الأصل : «جمع توءم».
(٤) في حاشية الأصل : «ربّى : الشاة التي تربّي ولدها». ش : ربيّ.
(٥) سقط من ش.
على قول أبي الحسن (١) ، أنّ «أشياء» أكثر من «براء» حروفا واستعمالا ، فجاز أن يتطرّق إليها من الحذف والتخفيف ما لا يتطرّق إلى ما هو دونه فيما ذكر.
فأمّا من روى «لبراء» بفتح الباء ، وليس بين الراء والألف همزة ، فإنّه مصدر ك «سواء». ولذلك يكون مع الواحد والاثنين والجمع بلفظ واحد ، كما تقول : رجل عدل ، ورجلان عدل ، ورجال عدل. فاعرفه.
__________________
(١) زاد في ش : رحمهالله.
حذف الألف
قال صاحب الكتاب : يقولون (١) : «أم والله لأفعلنّ» يريدون «أما والله». وربّما حذفوها في الوقف تخفيفا ، قال لبيد (٢) :
وقبيل ، من لكيز ، شاهد |
|
رهط مرجوم ، ورهط ابن المعل |
يريد «ابن المعلّى». وقال أبو عثمان في قوله تعالى (٣) : (يا أَبَتِ :) أراد : يا أبتا. وأنشد أبو الحسن وابن الاعرابيّ وغيرهما (٤) :
__________________
(١) الملوكي : ويقولون.
(٢) ديوانه ص ١٩٩. وانظر ص ٣٨٦ والممتع ص ٦٢١ ـ ٦٢٢ ص ٦٣.
(٣) الآية ٤ من سورة يوسف. وانظر ١٤٤ و ١٧٢ وأمالي ابن الشجري ٢ : ٧٥ والبحر المحيط ٥ : ٢٧٩ والتبيان ٦ : ٩٤ والممتع ص ٦٢٢ والخصائص ٣ : ١٣٥.
(٤) سقط من ش. والبيت في الملوكي ص ٦٤. وانظر تخريجه في الممتع ص ٦٢٢. ش : «بليت ولا بلهف». وانظر ١٧٣.
فلست بمدرك ما فات منّي |
|
بلهف ، ولا بليت ، ولا لوانّي |
أراد «بلهفا». وحذف الألف ، على الجملة ، قليل ، لخفّتها (١).
قال الشارح : حكى محمد بن الحسن ـ رحمهالله ـ (٢) عن العرب : «أم والله لأفعلنّ» يريدون : أما والله لأفعلنّ (٣). فحذفوا الألف تخفيفا ، وهو شاذّ قياسا واستعمالا. أما شذوذه في الاستعمال فظاهر لقلّته ، وأمّا في القياس فمن وجهين :
أحدهما : أنّ الألف خفيفة غير مستثقلة ؛ ألا ترى أنّ من قال (٤)(ذلِكَ ما كُنَّا نَبْغِ ، وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ)(٥) ، فحذف ١٧١ الياء تخفيفا / في الوقف ، لم يحذف الألف في قوله (٦)(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى ، وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) لخفّتها.
__________________
(١) سقط من ش.
(٢) سقط «رحمهالله» من ش. وانظر شرح المفصل ٨ : ١١٦ ـ ١١٨.
(٣) سقط من ش.
(٤) الآية ٦٤ من سورة الكهف.
(٥) الآية ٤ من سورة الفجر.
(٦) الآيتان ١ و ٢ من سورة الليل.
والجهة الثانية أنّ الحذف في الحروف بعيد جدّا ، لأنّه نوع من التصرّف ، والحروف لا تصرّف لها ، لعدم اشتقاقها وتصرّفها. ولذلك حكم (١) على ألفاتها كلّها بأنها أصل ، نحو «ما» و «لا». وأمر آخر وهو أنّ هذه الحروف وضعت اختصارا ، لتنوب عن الأفعال ، وتدلّ على معانيها ؛ ألا ترى أنّ همزة الاستفهام قد أغنت عن «أستفهم» ، وكذلك «ما» أغنت عن «أنفي». فلو اختصرت هذه الحروف ، وحذفت منها شيئا ، لكان اختصارا لمختصر ، وهو إجحاف.
فلذلك بعد الحذف فيها ، ووجب إقرارها على ما هي عليه ، لعدم الدلالة على المحذوف (٢). والذي حسّنه قليلا بقاء الفتحة دلالة على الألف المحذوفة ، إذ لو لم يكن ثمّ محذوف لكانت الميم ساكنة ، نحو «أم» في العطف ، و «هل» و «بل». فلمّا تحرّكت من غير علّة علم أنّ ثمّة (٣) محذوفا مرادا. هذا مع ما في حذفها من التخفيف ، فإنّ الألف ، وإن كانت خفيفة بالنسبة إلى الواو والياء ، فلا إشكال في كون حذفها أخفّ من وجودها.
__________________
(١) في الأصل : لم يحكم.
(٢) ش : الحذف.
(٣) ش : ثمّ.
وقد حمل أبو الفتح قوله تعالى (١) : (لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ) ، في قراءة عليّ وزيد (٢) ، على أنّ المراد : «لا تصيبنّ» ، على حدّ قراءة الجماعة ، إلّا أنه حذف الألف من «لا» تخفيفا ، على حدّ حذفها من «أما».
فأما بيت لبيد (٣) :
وقبيل ، من لكيز ، شاهد |
|
رهط مرجوم ، ورهط ابن المعل |
فإنه أراد «المعلّى» فحذف الألف تخفيفا ، ثمّ أتبعها الفتحة لأنها كالعرض اللّاحق مع الألف. إذ كانت الألف لا يكون ما قبلها ١٧٢ إلّا مفتوحا ، / فصارت كالتكرير في الراء ، والصّفير في الصاد والسين. فكما أنك إذا حذفت حرفا من هذه الحروف زال معها ما يصحبه من التكرير والصّفير ، كذلك لمّا حذفت الألف حذفت معها الفتحة ، لأنها من أعراضها. ويجوز أن تكون حذفت الفتحة (٤)
__________________
(١) الآية ٢٥ من سورة الأنفال.
(٢) فوقها في الأصل : رضياللهعنهما.
(٣) انظر ٣٨٣.
(٤) ش : «أن يكون حذف الفتحة تخفيفا».
للوقف ، بعد حذف الألف ، على حدّ قوله (١) :
لو أنّ قومي حين أدعوهم حمل |
|
على الجبال الصّمّ لارتضّ الجبل |
فإنه أراد «حملوا» ، فحذف الواو تخفيفا ، ثمّ حذف الضّمّة للوقف.
وأما تخفيف اللام من «ابن المعل» فإنه لمّا وقف على الحرف المشدّد في القافية المقيّدة (٢) ، خفّف كما خفّف الآخر في قوله (٣) :
فداء لبني قيس ، على |
|
ما أصاب النّاس ، من سرّ ، وضر |
_________________
(١) في إيضاح الوقف والابتداء ١ : ٢٧٣ وشرح المفصل ٩ : ٨٠. وارتض : تكسر وتفرق ..
(٢) في حاشية الأصل : «أي : التي لا يكون في آخرها حروف الاطلاق أي : المدّ».
(٣) طرفة بن العبد. ديوانه ص ٨٥ والكتاب ٢ : ٤٠٨ والمقتضب ٢ : ١٤٠ وشرح الحماسة للتبريزيّ ٢ : ٥٧٣ وأمالي ابن الشجري ٢ : ٥٥ والخزانة ٤ : ١٠١ ـ ١٠٢. وفي الأصل وش : «لبني عبس». وقيس : قبيلة الشاعر. والمبرّ : الغالب القاهر. وانظر ص ١٨٨.
ما أقلّت قدماي ، إنّهم |
|
نعم السّاعون ، في الأمر ، المبر |
فخفّف «ضر» و «مبر» وهو من قبيل الضرورة. وقد أورده السيرافي في باب ما يجوز للشاعر.
فأما قوله تعالى (١) : (يا أَبَتِ) بفتح التاء ففيه وجهان :
أحدهما أن يكون المراد (٢) ـ والله أعلم ـ «يا أبتا» بالألف ، ثمّ حذفت الألف ، وبقيت الفتحة دلالة على الألف المحذوفة ، كما أنّ الكسرة تبقى دلالة على الياء فيمن كسر. وحسّن حذفها أنّ هذه الألف لمّا كانت منقلبة عن ياء الإضافة ، وتلك الياء قد كان يجوز حذفها ، أجريت الألف المنقلبة عنها مجراها. ويؤيّد هذا الوجه كثرة ما جاء من هذا ، نحو قول الشاعر (٣) :
يا أبتا ، لا تزل عندنا |
|
فإنّا نخاف بأن تخترم |
__________________
(١) انظر ص ٣٣١ و ٣٨٣.
(٢) سقط من ش.
(٣) الأعشى. ديوانه ص ٣٣ والكتاب ١ : ٣٨٨ و ٢ : ٢٩٩ والمقتضب ٣ : ٧١ والخصائص ٢ : ٩٦ وأمالي ابن الشجري ٢ : ١٠٤ ـ ١٠٥ والعيني ٤ : ٢٥٢ وشرح شواهد المغني ص ١٥١ والخزانة ٢ : ٤٤١ ـ ٤٤٣ وشرح شواهد الشافية ص ٢٤٣.
وقال (١) :
* يا أبتا ، علّك ، أو عساكا*
وقال الآخر (٢) : /
يا أبتا ، ويا أبه |
|
حسنت ، إلّا الرّقبه |
فلما كثرت (٣) هذه الكلمة في كلامهم ، ألزموها (٤) هذا القلب ، وحذفوا الألف تخفيفا. هذا رأي أبي عثمان. ومثله (٥) : (يا بَنِي) في قراءة من فتح الياء ، كأنّه أراد : يا بنيّا ، ثمّ حذفت (٦) الألف.
والوجه الآخر : أن (٧) يكون مثل (٨) «يا طلحة أقبل» على
__________________
(١) نسب إلى رؤبة وإلى هند بنت عتبة. الكتاب ١ : ٣٨٨ و ٢ : ٢٩٩ وديوان رؤبة ص ١٨١ والخصائص ٢ : ٩٦ والانصاف ص ٢٢٢ والمغني ص ١٦٢ وشرح شواهده ص ١٥١ ـ ١٥٢ والروض الأنف ٢ : ٨٣ وسيرة ابن هشام ص ٦٥٦ والخزانة ١ : ٥٥٦ و ٢ : ٤٤١ والعيني ٤ : ٢٥٢ وشرح المفصل ٣ : ١٢٠ و ٧ : ١٢٣ و ٨ : ٨٧. وسقط البيت من ش. وانظر ص ٣٤.
(٢) في شرح المفصل ٢ : ١٢. وسقط «وقال الآخر» من ش.
(٣) في الأصل : كثر.
(٤) في الأصل : فألزموها.
(٥) ش : ومثله قراءة من قرأ.
(٦) ش : حذف.
(٧) في الأصل : أنه.
(٨) سقط من ش.
إقحام التاء. كأنّه أراد حذفها للترخيم ، ثمّ أقحمها ، وهو لا يريدها ، فلم يعتدّ بها ، وحرّكها بحركة ما قبلها ، فقال «يا أبت» نحو قوله (١) :
كليني لهمّ ، يا أميمة ، ناصب |
|
وليل ، أقاسيه ، بطيء الكواكب |
ففتح التاء من «أميمة» ، لأنّه أراد الترخيم وأقحم.
وأمّا قول الشاعر (٢) :
فلست بمدرك ما فات منّي |
|
بليت ، ولا بلهف ، ولا لوانّي |
هكذا (٣) أنشده (٤) أبو الحسن ، بفتح الفاء ، وقال : كذا سمعته من العرب. ووجهه أنّه أراد «بلهفا» من قوله (٥) :
__________________
(١) النابغة. ديوانه ص ٥٤.
(٢) انظر ص ٣٨٤ حيث روي «بلهف ولا بليت».
(٣) كذا.
(٤) ش : أنشد.
(٥) جعفر بن علبة الحارثي. شرح الحماسة للمرزوقي ص ٤٤ وللتبريزي ١ : ٤٤ واللسان والتاج (سحبل) ومعجم ما استعجم ص ١٠٦٢. وعجزه : علينا الولايا ، والعدوّ المباسل وأحلبت : أعانت.
* ألهفى بقرّى سحبل ، يوم أحلبت*
كأنه حكى حال النداء ، كما حكى الآخر في قوله (١) :
* فهي ترثّي بأبا ، وابناما*
وقد أجريت الألف مجرى الياء في الحذف ، في هذا النحو (٢) ، في الشعر وغيره ، وإن لم يكثر ؛ ألا ترى إلى قولهم (٣) : «أصاب النّاس جهد ، ولو تر أهل (٤) مكّة» فحذفوا الألف ، كما حذفوا الياء في قوله تعالى (٥) : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ.) فاعرفه.
__________________
(١) رؤبة. ديوانه ص ١٨٥ والكتاب ١ : ٣٢٢ وشرح المفصل ٢ : ١٢ والمقتضب ٤ : ٢٧٢ واللسان والتاج (بنو) و (رثي). وترثي : تبكي.
(٢) في حاشية الأصل : «أي : في الاسم والفعل».
(٣) اللسان (رأى) وأمالي ابن الشجري ٢ : ٧٦. ورووه نثرا ، وهو ههنا يصح أن يكون بيتا من الشعر على الوافر عروضة مجزوءة مقطوفة ، على رأي الأخفش.
(٤) الرواية : ولو تر ما أهل مكة.
(٥) الآية ١٠٥ من سورة هود.
حذف الواو
قال صاحب الكتاب : قد حذفوها في أسماء صالحة العدّة ، قالوا : «غد» ، وأصله «غدو». وربما خرج على أصله ، قال الراجز (١) :
لا تقلواها ، وادلواها دلوا |
|
إنّ مع اليوم أخاه ، غدوا / |
وقالوا : «حم». وأصله «حمو» لقولهم : هذا حموك. فهو من باب ما لم يأت إلّا من الواو ، غير «ذو» وحدها ، وأصله : «ذوي» (٢). وقالوا : «أب» و «أخ» ، وهما من الواو ، لقولك :
__________________
(١) الملوكي ص ٦٤ وشرح المفصل ٤ : ٨ والمقتضب ٢ : ٢٣٨ و ٣ : ١٥٣ وأمالي ابن الشجري ٢ : ٣٥ والاقتضاب ص ٣٧٣. وانظر تخريجه في الممتع ص ٦٢٢ ـ ٦٢٣. يخاطب الراجز سائقيي ناقته فينهاهما عن طردها ويأمرهما أن يسوقاها سوقا رفيقا. وفي حاشية الأصل : «لا تقلواها أي : لا تطرداها ولا تسوقاها سوقا شديدا. ويقال : دلوت الناقة دلوا ، يعني : سرتها سيرا رويدا. من الصحاح». وانظر ص ٣٩٤.
(٢) سقط «وأصله ذوي» من الملوكي.
أبوان ، وأخوان. وقالوا : «هن» ، وهو من الواو (١) ، لقولك : هنوك. ومنه «ابن» لقولهم : بنوّة. ومنه «اسم» لأنّه من : سموت. وقالوا : «كرة» ، وهي (٢) من الواو ، لقولهم : كروت بالكرة. وقالوا : «قلة» (٣) ، وهي من الواو ، لقولك : قلوت بالقلة. و «الثّبة» : الجماعة من الناس وغيرهم (٤) ، و «الظّبة» : حرف السّيف ، جميعا من الواو حملا على الأكثر. بذلك وصّى أبو الحسن.
قال الشارح (٥) : اعلم أنّ هذه الكلم مما كثر استعمالها محذوفة ، حتّى غلبت الأصل ، ولم يجز إتمامها إلّا في ضرورة شعر. وهذه الأسماء ، وإن كانت صالحة العدّة ، فالحذف فيها شاذّ في القياس ، لأنّ القياس في مثل «أخ» و «أب» ونحوهما ، ممّا هو على «فعل» بفتح العين ، قلب الواو فيها ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، فيقال : «أخا» و «أبا» ، على حدّ «عصا» و «قفا». وما كان مثل
__________________
(١) سقط «لقولك ... من الواو» من ش.
(٢) في الأصل : وهو.
(٣) القلة : عود يلعب به الصبيان.
(٤) ش : ومن غيرهم.
(٥) انظر شرح المفصل ١ : ٥٢ ـ ٥٣ و ٥ : ٨.
«غد» و «دم» ، ممّا هو «فعل» ساكن العين ، أن تصح اللّام فيه ، لأن الواو والياء متى سكن ما قبلهما لم تثقل عليهما ضمّة ولا كسرة ، وجريا مجرى الصحيح ، نحو «غزو» و «ظبي». فلمّا حذفت لامات هذه الكلم البتّة ، ولم تجر على ما يقتضيه القياس ، كانت شاذّة ، وإن كثرت عدّة واستعمالا. والباعث لهم على ذلك طلب الخفّة. وكثر فيما لامه واو ، لثقل الواو.
فأمّا «غد» فأصله «غدو» على زنة «فعل» مفتوح الفاء ساكن العين لامه واو ، بدليل أنّ الشاعر لمّا (١) اضطرّ عاود ١٧٥ الأصل ، نحو قوله (٢) : /
وما النّاس إلّا كالدّيار ، وأهلها |
|
بها يوم حلّوها ، وغدوا بلاقع |
وقول الآخر (٣) :
لا تقلواها ، وادلواها دلوا |
|
إنّ مع اليوم أخاه ، غدوا |
__________________
(١) ش : إذا.
(٢) لبيد. ديوانه ص ١٦٩ والكتاب ٢ : ٨٠ والمنصف ١ : ٦٤ و ٢ : ١٤٩.
(٣) انظر ص ٣٩٢.
والشاعر له معاودة الأصول (١) المرفوضة. وصار ذلك كالقود ، والحوكة ، وأغيلت المرأة ، وأطولت من قوله (٢) :
* صددت ، فأطولت الصّدود ، وقلّما*
في الدلالة على أصل الباب. هذا من طريق السّماع ، وأما القياس فإنّ الأصل عدم الحركة ، ولا يصار إلى ما يخالفه إلّا بدليل ، مع أنّ باب «فعل» أخفّ من باب «فعل» وأكثر ، فكان الحمل عليه أولى.
وأمّا «حم» فهو من الواو أيضا ، لقولهم في التثنية : «حموان». وليس في قولك «حموك» دليل ، لأنك تقول في النصب : حماك ، وفي الجرّ : حميك. فأمّا استدلال صاحب الكتاب بقولهم (٣) : هذا حموك ، فالمعنيّ به أنه من باب ما أعرب بالحروف في حال الإضافة. والغالب على هذه الأسماء اعتلال لاماتها بالواو ، ولم يخرج من ذلك إلّا «ذو» (٤) وحدها فإنها من الياء ، على
__________________
(١) في الأصل : للأصول.
(٢) صدر بيت ينسب إلى عمر بن أبي ربيعة والمرار الفقعسي. وعجزه :
وصال ، على طول الصّدود ، يدوم
انظر تخريجه في الممتع ص ٤٨٢. وهو في المقتضب ١ : ٨٤.
(٣) ش : «بقوله». وانظر ص ٣٩٢.
(٤) ش : «ذو مال». وانظر شرح المفصل ١ : ٥٣.
ما سيذكر. فحاصله استدلال بالكثرة ، لا بظهور الواو في حال الرفع.
وأصله «حمو» بفتح العين ، دلّ على ذلك قولهم في تكسيره «أحماء» كآخاء ، وآباء. إذ لو كانت «فعلا» بسكون العين ، لقيل فيه في القلّة : «أحم» كدلو وأدل ، وحقو وأحق ، لأنّ باب جمع «فعل» بفتح العين في القلّة «أفعال» نحو : جبل وأجبال ، وقلم وأقلام (١) ، وباب «فعل» بسكون العين «أفعل» نحو : أكلب وأكعب. فلمّا لم يقل ذلك ، بل قيل «أحماء» ، دلّ على أنّه «حمو» بفتح العين ، لا : حمو ، بسكونها.
وفي «حم» أربع لغات : حموك ، كأخيك وأبيك ، ولا يستعمل إلّا مضافا. وقد جاء في الشعر غير مضاف ، وهو ١٧٦ شاذّ. / قال رجل من ثقيف (٢) :
* هي ما كنّتي ، وتزعم أنّي لها حمو*
و «حما» مقصور ، كعصا ، ورحى (٣) ، وقفا. و «حم» كأخ ،
__________________
(١) ش : وعلم وأعلام.
(٢) الصحاح واللسان والتاج (حمو). وفي حاشية الأصل : «ما : زائدة. وكنتي أي : زوجتي».
(٣) سقط من ش.
وأب. و «حمء» مهموز ، حكاه الفرّاء وأنشد (١) :
قلت لبوّاب ، لديه دارها |
|
تئذن ، فإنّي حمؤها ، وجارها |
والحم : كلّ قرابة من قبل الزّوج ، فهم الأحماء كالأخ والأب.
وأمّا «أب» فأصله «أبو» على زنة «فعل» بفتح العين.
يدلّ على ذلك تكسيرهم إيّاه في القلّة على «أفعال» نحو : آباء. قال الله تعالى (٢) : (قُلْ : إِنْ كانَ آباؤُكُمْ) وقال (٣) : (وَإِلهَ آبائِكَ.)
وهو من الواو ، لقولهم في التثنية : أبوان. ويقال : ما كنت أبا ولقد أبوت ، وماله أب يأبوه ، أي : يغذوه ويربّيه. فظهور (٤) الواو في تصاريف الكلمة دليل على أنّه من الواو. وقد جمعوه جمع السلامة ، قالوا : أبون. قال الشاعر (٥) :
__________________
(١) لمنصور بن مرئد الأسدي. العيني ٤ : ٤٤٤ والمغني ص ٢٤٩ وشرح شواهده ص ٢٠٥. وتئذن أي : لتأذن. وحذف لام الأمر وكسر حرف المضارعة.
(٢) الآية ٢٤ من سورة التوبة.
(٣) الآية ١٣٣ من سورة البقرة.
(٤) ش : فهو بظهور.
(٥) زياد بن واصل السلمي. الكتاب ٢ : ١٠١ والمقتضب ٢ : ١٧٤ والمخصص ١٣ : ١٧١ و ١٧ : ٨٦ وأمالي ابن الشجري ــ ٢ : ٣٧ والروض الأنف ٢ : ٢٩٢ واللسان والتاج (أبو) والخزانة ٢ : ٢٧٥.
فلمّا تعرّفن أصواتنا |
|
بكين ، وفدّيننا بالأبينا |
وقد قرىء (١) إله أبيك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ، على إرادة جمع السلامة.
وكذلك «أخ» أصله «أخو» بفتح العين على زنة : جبل ، وجمل ، لجمعهم إيّاه في القلّة على : «آخاء». حكى سيبويه (٢) ذلك عن يونس ، وأنشد أبو عليّ (٣) :
وجدتم بنيكم دوننا ، إذ نسبتم |
|
وأيّ بني الآخاء تنبو مناسبه |
وهو من الواو أيضا ، لقولهم في التثنية : أخوان ، وقولهم في التكسير : إخوان ، وإخوة ، وفي المؤنث : أخوات. وتقول : ما كنت أخا ولقد أخوت تأخو أخوّة. ويجمع أيضا جمع السلامة ،
__________________
(١) الآية ١٣٣ من سورة البقرة.
(٢) الكتاب ٢ : ١٠١.
(٣) اللسان والتاج (أخو). وفي الأصل وش : «إن نسبتم» وقد صححت في ش كما أثبتنا.
قالوا : أخون ، كما قالوا : أبون. قال الشاعر (١) :
وكان بنو فزارة شرّ عمّ |
|
وكنت لهم كشرّ بني الأخينا |
/ ١٧٧ وأما «هن» وهنوك فأصله «هنو» بفتح العين ، دلّ على ذلك قولهم في جمعه : أهناء ، كأبناء وآخاء. ولامه واو ، لقولهم في مؤنّثه «هنت». فإبدالهم التاء من لامها دليل على أنها من الواو ، لأنّ إبدال التاء من الواو أكثر من إبدالها من الياء. فعلى (٢) الأكثر يكون العمل. ويؤيّد ذلك قولهم في الجمع : هنوات. قال الشاعر (٣) :
أرى ابن نزار قد جفاني ، وملّني |
|
على هنوات ، شأنها متتابع |
وقد ذهب قوم إلى أنّ المحذوف هاء ، وأنها بمنزلة «شفة» و «عضة» التي لامها تارة هاء ، وتارة واو. وحملهم على القول
__________________
(١) عقيل بن علّفة المري. النوادر ص ١١١ و ١٩١ والمقتضب ٢ : ١٧٤ والبيان والتبيين ١ : ١٨٥ ـ ١٨٦ و ٢ : ٢٥٣ و ٤ : ٨٥ و ١٨٦ والخزانة ٢ : ٢٧٦ ـ ٢٧٨ والصحاح واللسان والتاج (أخو).
(٢) ش : على.
(٣) انظر ص ٢٩٨ ـ ٢٩٩.
بذلك (١) تصغيرهم إيّاه على «هنيهة» ، وقولهم في النداء : «يا هناه». وذلك ضعيف لقلّة باب «سلس وقلق». وليس فيما قالوا (٢) حجّة ، لأنّه قد تقدّم (٣) القول : إن الهاء في «هنيهة» بدل من ياء : هنيّة ، والهاء في «هناه» بدل من واو : هنوات.
وأما «ابن» (٤) فأصله «بنو» على زنة «فعل» كجبل وحمل. دلّ على ذلك قولهم في جمعه : أبناء ، قال الله تعالى (٥) : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ.) وقال تعالى (٦) : (إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ.) قال الشاعر (٧) :
* بنوهنّ أبناء الرّجال الأباعد*
ولا يجوز أن يكون «فعلا» كجذع ، ولا «فعلا» كقفل ،
__________________
(١) ش : وحملهم على ذلك.
(٢) ش : قالوه.
(٣) انظر ص ٣١٠ ـ ٣١١.
(٤) انظر شرح المفصل ٩ : ١٣٢ ـ ١٣٣.
(٥) الآية ١٨ من سورة المائدة.
(٦) الآية ٢٤ من سورة التوبة.
(٧) الفرزدق. ديوانه ص ٢١٧ وشرح ابن عقيل ١ : ١٠٨ والمغني ص ٥٠٤ والخزانة ١ : ٢١٣. وصدره : بنونا بنو أبنائنا ، وبناتنا