شرح الملوكى في التّصريف

ابن يعيش

شرح الملوكى في التّصريف

المؤلف:

ابن يعيش


المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

وكلاهما ـ أعني : النّيّام ، والصّيّابة ـ شاذّ من جهة القياس والاستعمال. أمّا الاستعمال فظاهر القلّة (١). وأمّا القياس فإنه إذا ضعف القلب مع المجاورة في «صيّم» و «قيّم» كان مع التباعد والفصل أولى (٢).

__________________

(١) في الأصل : لقلته.

(٢) في حاشية الأصل : بلغ.

٥٠١

فصل من البناء

قال صاحب الكتاب : والغرض فيه عند التّصريفيّين الرياضة والتدرّب. معنى قول أهل التّصريف : «ابن (١) من كذا مثل كذا». فتأويله : خذ (٢) حروف هذه الكلمة الأصول ، دون الزوائد ، إن كانت (٣) فيها زوائد ، وافكك (٤) صيغتها التي هي الآن غليها ، وصغها / على نحو من صيغة المثال المطلوب منك (٥) : ساكنه كساكنه ، ومتحرّكه كمتحرّكه ، ومضمومه كمضمومه ، ومفتوحه كمفتوحه ، ومكسوره كمكسوره. فإن كان فيه زائد (٦)

__________________

(١) زاد في الملوكي : لي.

(٢) الملوكي : «تأويله : خذ حرفا من هذه الحروف ، أو».

(٣) ش : كان.

(٤) الملوكي : فافكك.

(٥) سقط من الملوكي.

(٦) في الأصل : «كانت فيها زوائد». ش : «كانت فيه زوائد».

والتصويب من الملوكي.

٥٠٢

جئت به في المثال الذي تصوغه بعينه ، كما ضمّن سؤاله. فإن عرض هناك ما يوجب قلبا ، أو حذفا ، أو تغييرا (١) ، على ما تقدّم في هذه الجمل ، أمضيته ، وصرت إلى ما يوجبه القياس فيه.

ولك أنّ تبني من العدّة (٢) ما هو مثلها وفوقها ، إن شئت. وليس لك أن تبني من العدّة (٣) ما هو دونها ، لأنّ ذلك يكون هدما لا بناء. فلك (٤) أن تبني من الثلاثيّ ثلاثيّا ورباعيّا وخماسيّا ، ومن الرباعيّ أيضا رباعيّا وحماسيّا ، [ومن الخماسيّ أيضا خماسيّا](٥). وليس لك أن تبني من الخماسيّ رباعيّا ، ولا من الرباعيّ ثلاثيّا ، لما ذكرناه (٦). فأمّا ما دون الثلاثة فلا يبنى منه ، ولا يبنى مثله (٧).

قال الشارح : أبان صاحب الكتاب هذا بما فيه مقنع. وبالجملة الغرض منه رياضة النّفس ، وامتحان فهم الطالب ، وتقوية منّته

__________________

(١) ش : تغيرا.

(٢) في الأصل : «اللفظ». ش : «اللفظة». والتصويب من الملوكي.

(٣) ش : اللفظة.

(٤) ش : ولك.

(٥) تتمة من الملوكي.

(٦) الملوكي : ذكرنا.

(٧) الملوكي : فلا تبني منه ولا تبني مثله.

٥٠٣

على القياس. ولذلك لا ينبغي أن ينظر فيه إلّا من آنس (١) من نفسه إتقان ما سلف من قولنا. حتّى إذا عرض ما يوجب قلبا ، أو حذفا ، أو تغييرا (٢) ما ، صار إلى ما يوجبه القياس فيه.

وهو على ضربين :

أحدهما أن تبني ثلاثيّا من ثلاثيّ ، أو رباعيّا من رباعيّ ، أو خماسيّا من خماسيّ. فيكون الغرض منه موازنة الفرع بالأصل المحذوّ ، ومقابلة السّاكن منه بالسّاكن مثله ، والمتحرّك بالمتحرّك ، من غير زيادة ، إذ كان على عدّته.

والضرب الثاني أن تبني رباعيّا من ثلاثيّ ، أو خماسيّا من رباعيّ أو ثلاثيّ. وهذا لا بدّ فيه من تكرير ، ليلحق بعدّة الأصل المحذوّ (٣). ثم توازن بعد بالحركة (٤) والسّكون.

وإنما كان الإلحاق بتكرير اللام دون غيرها ، من قبل أنك إذا ٢١٩ أردت إلحاق / كلمة بكلمة ، أكثر حروفا منها ، فلا بدّ من زيادة

__________________

(١) ش : أنس.

(٢) ش : تغيرا.

(٣) سقط «أو ثلاثي ... المحذو» من ش.

(٤) في الأصل : الحركة.

٥٠٤

تبلّغها عدّة المثال المحذوّ. ولا تكون الزيادة إلّا عند انّهاء حروف الكلمة ، فإذا استوفيت مالك ، من الأصول ، فحينئذ تأتي بالزيادة ، فتكرّر اللّام بعد انتهاء حروف الكلمة. وتكون الحروف كلّها أصولا ، وفق المثال المحذوّ الذي حروفه كلّها أصول ، نحو «جعفر» و «زبرج» (١) مثلا.

واعلم أنّ الأصل المحذوّ لا بدّ أن (٢) يكون من كلام العرب ، لتبني على ما بنت العرب ، وتقيس على أصل ثابت. هذا مذهب الخليل وسيبويه والمازنيّ (٣). وكان أبو الحسن الأخفش يجيز ذلك ، ويبني على أيّ مثال سألته ، وإن لم يكن من كلام العرب. ويقول : إنّما سألتني أن أمثّل لك ، فمسألتك ليست (٤) بخطأ ، وتمثيلي عليها صواب.

والصحيح الأوّل ، لأنّه إذا لم يجز القياس على مثل «جهور» (٥) و «قسور» (٦) و «بيطر» مع استعمال العرب له ، لقلّته ، فألّا يقاس على ما لم يرد به سماع ، ولا استعمل له مثال ، كان أولى بالامتناع.

__________________

(١) الزبرج : الزينة من الوشي وغيره.

(٢) في الأصل : وأن.

(٣) زاد في ش : رحمهم‌الله.

(٤) في الأصل : ليس.

(٥) الجهور : الجريء.

(٦) القسور : الأسد.

٥٠٥

فعلى هذا لو قيل : ابن من «ضرب» مثل «جعفر» أو «جعفر» بكسر الفاء وضمّها ، لم يجز عند الخليل وسيبويه ، لما ذكرناه. ويجوز عند أبي الحسن التمثيل ، فتقول «ضربب» و «ضربب». فاعرفه (١).

__________________

(١) في حاشية الأصل : بلغ.

٥٠٦

[الصحيح من ذلك]

قال صاحب الكتاب : من ذلك : كيف تبني (١) من ضرب مثل علم (٢) : «ضرب» ، ومثل ظرف : «ضرب» ، ومثل قطّع : «ضرّب» ، ومثل جعفر : «ضربب» ، ومثل سبطر : «ضربّ» ، ومثل حبرج (٣) : «ضربب» (٤) ، ومثل حندس (٥) : «ضربب» ، ومثل سفرجل : «ضربّب» ، ومثل جردحل (٦) : «ضربب» (٧) ، ومثل جحمرش (٨) : «ضرببب» ، ومثل كوثر : «ضورب» ، ومثل صيرف : «ضيرب» ، ومثل جهور : «ضروب». تقابل (٩)

__________________

(١) ش : يبنى.

(٢) زاد في الملوكي : قلت.

(٣) الحبرج : ذكر الحبارى.

(٤) زاد في الملوكي : «ومثل درهم : ضربب».

(٥) الحندس : الليل المظلم.

(٦) الجردحل : الضخم.

(٧) سقط من ش.

(٨) الجحمرش : العجوز الكبيرة.

(٩) في الأصل : فقابل.

٥٠٧

٢٢٠ الأصل / بالأصل ، والزائد بالزائد (١) ، حتّى تكون قد أدّيت [المثال](٢) المطلوب منك.

فإن قيل : ما معنى : ضرب ، وضرب ، وضيرب ، وضروب (٣) ، ونحو ذلك؟ قيل : المعنى فيه ارتياضك به ، وإفادتك قوّة النّفس ، ونهوض المنّة في أمثالها (٤) ، مما نطقت به العرب.

وكذلك إن بنيت من خرج مثل جعفر قلت : «خرجج» ، ومثل حنزقر (٥) قلت : «خرججّ» (٦) ، ومثل قاتل : «خارج» ، ومثل استكرم : «استخرج».

قال الشارح : قد تقدّم (٧) أنّ معنى قولنا : «ابن من كذا مثل كذا» وتأويله : خذ حروف الكلمة المحذوّة الأصول دون الزّوائد ، إن كان هناك زائد ، وافكك تركيبها ، وصغ (٨) منها صيغة تماثل

__________________

(١) في الأصل : «وبالزائد الزائد». الملوكي : «تقابل بالأصل الأصل ، وبالزائد الزائد».

(٢) من الملوكي.

(٣) الملوكي : وضورب.

(٤) الملوكي : أمثاله.

(٥) الحنزقر : القصير الدميم.

(٦) ش : خخرجّ.

(٧) زاد في ش : قولنا.

(٨) ش : وضع.

٥٠٨

الصيغة المطلوبة. فإن كانت بعدّتها كان المطلوب المماثلة في الحركة (١) والسّكون. وإن كانت أزيد منها كرّرت اللام ، لما ذكرناه ، لتبلغ عدّة الأصل المطلوب. ثمّ تماثلها بالحركة والسّكون.

ونظير ذلك السّوار والخاتم مثلا ، إذا قيل : صغ (٢) من السّوار مثل هذا الخاتم ، فمعنى ذلك (٣) : اسبك السّوار وغيّر صورته ، وصغ (٤) منه صورة تماثل الخاتم. فالأصل الذي هو الذهب والفضّة واحد. وإنما اختلفت الصورة. فكذلك الحروف الأصول بمنزلة الجوهر ، والمعنيّ بالجوهر جنس الشيء الذي منه ذلك الشيء ، تختلف (٥) صورها بالمماثلة ، والأصل موجود فيها. وقد تقدّم نحو من هذا.

فإذا قيل لك : ابن من «ضرب» مثل «علم» ، فمعناه : فكّ تركيب «ضرب» ، وصغ (٦) من حروفها صيغة تماثل «علم». فتقول : «ضرب» بكسر الراء ، لأنّها بعدّتها ، وليس بينهما اختلاف ،

__________________

(١) ش : الحركات.

(٢) ش : ضع.

(٣) ش : فمعناه.

(٤) ش : وضع.

(٥) ش : مختلف.

(٦) ش : وضع.

٥٠٩

إلّا بكسر اللّام في «علم» ، فكسرت الراء من «ضرب» ، لتماثل «علم» لأنّها بإزائها.

وكذلك لو قيل : ابن من «ضرب» مثل «ظرف» ، قلت : «ضرب» بضمّ الراء ، لتماثل راء «ظرف» وتقابلها.

٢٢١ وكذلك لو بنيت مثل «قطّع» / من «ضرب» [لقلت «ضرّب» ،] ضعّفت العين ، لتماثل الطاء في «قطّع» لأنها بإزائها.

فلو بنيت منه مثل «جعفر» لقلت : «ضربب» ، كرّرت الباء ، لتلحق بعدّة «جعفر» ، ثم ماثلت الحركة (١) والسكون بمقابلهما (٢). ولم تدغم الباء الأولى في الثانية ، وإن كانا مثلين متحرّكين ، لأنّ الغرض منه الموازنة والإلحاق بمثال «جعفر». فلو أدغمته لبطلت الموازنة ، لأنك كنت تسكّن الباء الأولى ، وهي بإزاء الفاء في «جعفر» وهي مفتوحة.

ولو بنيت مثل «سبطر» من «ضرب» لقلت : «ضربّ». كرّرت الباء لتلحق بعدّة «سبطر» ، ثم ماثلت بينهما بالحركة

__________________

(١) ش : بالحركة.

(٢) في النسختين : فتقابلها.

٥١٠

والسكون ، على ما تقدّم. إلّا أنك أدغمت ههنا ، لسكون الباء الأولى ، ولم يكن إسكانها لأجل الإدغام ، إنما (١) كان لأجل أنها بإزاء الطاء في «سبطر». فحصل الإدغام ضرورة لذلك.

ولو بنيت منه مثل «حبرج» قلت : «ضربب». وكذلك الباقي. كرّرت حرفا واحدا ، لأنّ المحذوّ رباعيّ ، لتلحق (٢) بعدّته ، ثمّ تحكيه بالحركات والسكون.

فإن بنيت مثل «سفرجل» قلت : «ضربّب». كرّرت الباء مرّتين ، لتبلغ عدّة المحذوّ ، وهو خماسيّ. ثم قابلته بالحركة والسكون. إلّا أنك أدغمت الباء الأولى في الثانية ، لسكونها ، لأنّها بإزاء الراء في «سفرجل» ، وهي ساكنة.

وتقول في مثل «جردحل» : «ضرببّ». كسرت الضاد لأنها (٣) بإزاء الجيم من «جردحل» ، وهي مكسورة فيه. وسكّنت الراء لأنها بإزاء راء «جردحل». وأدغمت الباء الثانية في الثالثة ، لأنها ساكنة بإزاء الحاء من «جردحل».

__________________

(١) ش : وإنما.

(٢) ش : ليلتحق.

(٣) سقط من ش.

٥١١

وتقول في مثل «جحمرش» : «ضرببب». فلا تدغم ، لتحرّك الأمثال ، لأنها بإزاء ما هو متحرّك من المثال المحذوّ ؛ ألا ترى أنّ الباء الأولى بإزاء الميم من «جحمرش» ، والباء الثانية بإزاء الراء منه ، والباء الأخيرة بإزاء الشين. وكلّ واحد من هذه الحروف ٢٢٢ متحرّك (١) في الأصل المحذوّ. فوجب أن يكون كذلك / في المثال المطلوب ، لتصحّ الموازنة. فلا يجوز الإسكان للإدغام ، لئلّا يزول الإلحاق ، ويبطل الغرض المقصود.

فإن بنيت مثل «كوثر» قلت : «ضورب». أتيت بالواو مزيدة ثانيا ، كما كانت (٢) في الأصل كذلك.

فإن بنيت مثل «صيرف» قلت : «ضيرب». أتيت بالياء مزيدة ثانيا ، كما كانت كذلك في الأصل.

فعلى هذا تقول في مثل «جهور» : «ضروب». زدت الواو ثالثة ، كما كانت في «جهور» (٣) كذلك. فتقابل (٤) الأصل

__________________

(١) في الأصل : وكل واحدة من هذه الحروف متحركة.

(٢) زاد في الأصل هنا : كذلك.

(٣) سقط «ضروب ... جهور» من ش.

(٤) في الأصل : «تقابل». وفي الحاشية عن إحدى النسخ ما أثبتنا.

٥١٢

بالأصل ، والزائد تأتي به لفظه في مكانه ، بإزاء ما كان في الأصل المحذوّ.

فإن قيل : فما معنى هذه الأمثلة المطلوبة ، نحو : «ضرب» بكسر الراء ، و «ضرب» بضمّها ، ونحوهما من الأمثلة المذكورة؟ قيل : ليس تحتها معنى ، كما كان تحت الأصل المحذوّ ، نحو «علم» و «ظرف». وإنما كان الغرض من الإتيان بها رياضة النفس ، وامتحان الفهم ، وتقوية المنّة على العمل بالقياس ، على ما تقدّم من كلام العرب.

وقوله : «وكذلك إن (١) بنيت من خرج مثل جعفر قلت : خرجج» إلى آخر الفصل ، يريد أنّ هذا البناء لا يختصّ بأن يكون من لفظ دون لفظ آخر. بل لك أن تبني من كلّ كلمة ، ثلاثيّة أو رباعيّة أو خماسيّة ، كلمة أخرى على عدّتها ، أو أزيد منها. ولا تبني ما هو دونها في العدّة ، لأنه يكون بنقص منه ، والبناء إنما يكون بالزيادة. فأمّا النقص فهو هدم. فلذلك لا يبنى من «دحرج» مثل «علم» أو «ظرف» ، ولا من «سفرجل» مثل «جعفر».

ويحكى (٢) أنّ أبا عليّ حضر يوما حلقة أبي بكر ابن الخياط ،

__________________

(١) ش : لو.

(٢) انظر الخصائص ٣ : ٣٠٠ ـ ٣٠١ ، وفيه أن المجلس كان عند أبي العباس المعمري لا في حلقة ابن الخياط.

٥١٣

فأكثر أصحابه على أبي عليّ المسائل ، وهو يجيب. فلمّا وقفوا عنه أقبل على أكبرهم سنّا ، وأوفرهم معرفة (١) ، فقال : كيف تبني من ٢٢٣ «سفرجل» مثل «عنكبوت»؟ فابتدر مسرعا ، وقال : / «سفرروت» (٢). فقام أبو عليّ خارجا ، وهو يقول : سفرروت سفرروت! فاستحيا أبو بكر. وذلك أنّ عنكبوتا رباعيّ ، والواو والتاء زوائد (٣) ، فلا يبنى مثله من «سفرجل» لأنه خماسيّ. فاعرفه.

__________________

(١) ش : معونة.

(٢) في الأصل هنا وفيما بعد : «سفرووت».

(٣) كذا.

٥١٤

المعتل من ذلك

قال صاحب الكتاب : إن بنيت من البيع مثل كتف قلت : «باع» وأصله «بيع» ، فقلبت الياء ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، على ما تقدّم.

وإن بنيت من القول مثل جعفر قلت : «قولل». فصحّت الواو ، لأنّه لم يجىء أمر يغيّر (١) له ، لأنّ الياء والواو ، إذا سكنتا وانفتح ما قبلهما ، صحّتا نحو : حوض ، وروض ، وبيت ، وزيت.

فإن بنيت من غزوت مثل جعفر ، قلت : «غزوى». وأصله «غزوو» فقلبت الواو ، لوقوعها رابعة ، ياء فصارت «غزوي». ثمّ انقلبت (٢) الياء ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، فصارت «غزوى» كما ترى.

__________________

(١) ش : تغيّر.

(٢) الملوكي : ثم قلبت.

٥١٥

فإن بنيت مثل سبطر من غزوت قلت : «غزوّ» ، فصحّحت (١) الواو لإدغامها.

قال الشارح : قد تقدّم (٢) قولنا : إنّ شرط البناء أن تكون عدّة الكلمة المصوغ منها على عدّة المثال المحذوّ ، أو أنقص منها ، نحو أن تبني مثل (٣) «جذع» من (٤) «فلس» ، أو نحو «جعفر» منه. ولا يكون المصوغ منه أكثر حروفا ، نحو أن تبني من «جعفر» مثل «جذع» ، أو من «سفرجل» مثل «جذع» (٥).

فإذا كان المثال المحذوّ على عدّة المصوغ منه ، فالمطلوب أن يحاذيه بالحركة والسكون ، فيقابل (٦) المتحرّك بمتحرّك مثله على نحو حركته. والاعتبار بالحروف الأصول دون الزوائد.

فإن كان في المثال المصوغ منه زوائد ، ليست في المثال المحذوّ ، أسقطتها منه ، نحو أن تبني من نحو «مستغفر» مثل «جذع».

فإنّك تقول : «غفر» ، وتحذف الميم والسين والتاء ، لأنها زوائد.

__________________

(١) في الأصل : فصحّحت.

(٢) انظر ص ٥١٣.

(٣) في الأصل : من.

(٤) في الأصل : مثل.

(٥) ش : جعفر.

(٦) في الأصل : فقابل.

٥١٦

فإن كان في المثال المحذوّ زوائد / ، ليست في الأصل ٢٢٤ المصوغ منه ، أتيت بها في المثال المطلوب. وذلك نحو أن تبني مثل «مستغفز» من «جذع» فتقول : «مستجذع».

وإذ قد فهم معنى البناء وشرطه ، فأنت لو بنيت من «البيع» مثل «كتف» فهذا بناء ثلاثيّ من ثلاثيّ مثله. فليس المقصود إلّا مقابلة المتحرّك بمتحرّك مثله ، والساكن بمثله. فيجب أن تقول : «باع» وأصله «بيع» ، بفتح الباء وكسر الياء ، لأنّه في «كتف» كذلك مفتوح الفاء مكسور العين. إلّا أنك قلبت الياء ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، على قاعدة الواو والياء إذا تحرّكتا وانفتح ما قبلهما ، فصار «باعا» ، كما قالوا : «كبش صاف» (١) و «رجل مال» (٢). وأصلهما «صوف» و «مول». ففعل بهما ما ذكر.

وإن بنيت من «القول» مثل «جعفر» قلت : «قولل». لمّا كان الأصل المصوغ منه ، وهو القول ، ثلاثيّا ، والمثال المحذوّ ، وهو «جعفر» ، رباعيّ ، كرّرت اللام منه ليلحق بعدّته. ثم

__________________

(١) في حاشية الأصل : كثير الصوف.

(٢) أي : كثير المال.

٥١٧

حاذيته بالحركة والسكون ، ففتحت القاف ، وأسكنت الواو ، لأنّ القاف بإزاء الجيم من «جعفر» وهي مفتوحة ، والواو في «قولل» بإزاء العين وهي ساكنة. وصحّحت (١) الواو ، فلم تقلبها ، لأنه لم يوجد فيها ما يقتضي تغييرها ، لأنّ الواو والياء إذا سكنتا ، وانفتح ما قبلهما ، ثبتتا نحو : روض ، وحوض ، وشيخ ، وبيت.

فإن بنيت من «غزوت» مثل «جعفر» قلت : «غزوى» ، وأصله : «غزوو». كرّرت اللام التي هي الواو ، ليلحق بعدّة المثال المحذوّ ، ثم قلبت الواو الأخيرة ياء ، لوقوعها رابعة ، على حدّ قلبها في «أغزيت» و «ادّعيت». فصارت في التقدير «غزوي». ثم قلبتها ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، على حدّ قلبها في (٢) «فتى» و «رحى».

فإن بنيت مثل «سبطر» من «غزوت» قلت : «غزوّ». ٢٢٥ كرّرت الواو لتلحق بعدّة «سبطر» /. وأدغمت الواو الأولى في الثانية ، لسكونها لأنها بإزاء الطّاء في «سبطر» ، والطاء في «سبطر» ساكنة. وصحّت الواو الأخيرة (٣) ، فلم تقلب ياء ،

__________________

(١) ش : وصحت.

(٢) ش : وانفتاح ما قبلها نحو.

(٣) ش : الآخرة.

٥١٨

وإن وقعت رابعة ، لتحصّنها بالإدغام. وذلك أنك لمّا (١) أدغمت فيها الواو الأولى فارقت المدّ ، وزال عنها شبه الألف ، لسكون ما قبلها ، وكون الألف لا يدغم فيها. فلم تقلب لذلك ، وصحّت كما صحّت الواو في «اخروّاط» و «اجلوّاذ» ، ولم تقلب للكسرة قبلها ، كما قلبته (٢) في «ميزان» و «ميعاد».

قال صاحب الكتاب : فإن بنيت مثل جحمرش من غزوت ، قلت : «غزواو». وأصله (٣) «غزووو». فقلبت الواو الوسطى ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها. وصحّحت الطرف ، لأنّ الألف قبلها ليست بزائدة.

وإن شئت : «غزوو» فقلبت الأخيرة (٤) ياء ، لتطرّفها وانكسار ما قبلها. وصحّت الواو الأولى ، لسكون ما قبلها ، كما صحّت الواو والياء في نحو «غزو» و «رمي». وصحّت الواو الوسطى ، وإن كانت متحرّكة مفتوحا ما قبلها ، لأنك قد أعللت اللّام

__________________

(١) ش : لو.

(٢) ش : «ولم يقلبا للكسرة قبلهما كما قلبتا».

(٣) الملوكي : «وأصلها». وسقط «وأصله غزووو» من ش.

(٤) ش والملوكي : الآخرة.

٥١٩

الأخيرة ، فلم (١) تعلل الي قبلها ، لأنّ العرب لا تجمع بين إعلالين متواليين ؛ ألا ترى إلى صحّة الواو في نحو «الهوى» و «النّوى» لاعتلال اللّام. فإن تراخيا ، وفصل بينهما (٢) ، جاز اجتماعهما ، نحو قولك : «ف بعهدك» ، و «ق زيدا» ، و «ش ثوبك». فتحذف الواو والياء جميعا من «وفيت» و «وقيت» و «وشيت» (٣). والقياس القياس (٤).

قال الشارح : إذا بنيت مثل «جحمرش» من «غزوت» قلت : «غزواو» ، وأصله «غزووو». وذلك أنّ التاء في «غزوت» لا اعتداد بها في البناء ، لأنها ضمير الفاعل ، وليست من الكلمة. فتفتح الغين ، وتسكّن الزاي ، بحذاء الجيم والحاء ، وتفتح ٢٢٦ الواو الأولى ، وتكسر الثانية ، بحذاء الميم / والراء في

__________________

(١) الملوكي : ولم.

(٢) ش : «وانفصل ما بينهما». الملوكي : وانفصل بينهما.

(٣) في الأصل : وفيت ووشيت ووقيت.

(٤) زاد في الملوكي : «والادغام له قسم برأسه. تمت الجمل التي اقتضتها الحال ، وبالله التوفيق. والحمد لله حق حمده. وصلّى الله على سيّدنا محمّد النبيّ ، وآله الطاهرين ، وأصحابه الأخيار المنتخبين. وسلّم تسليما كثيرا».

٥٢٠