شرح الملوكى في التّصريف

ابن يعيش

شرح الملوكى في التّصريف

المؤلف:

ابن يعيش


المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

قال الشارح (١) : معنى الزيادة إلحاق الكلمة ما ليس منها.

وذلك لإفادة معنى ، أو لضرب من التوسّع في اللغة. وحروف الزيادة عشرة ، على ما ذكر. ويجمعها غير ما ذكر ، نحو (٢) «أسلمني وتاه» ، وإن شئت «الموت ينساه».

وإنّما كانت هذه الحروف هي المزيدة ، دون غيرها من الحروف ، لخفّتها ، وقلّة الكلفة عند النطق بها.

وأصل حروف الزيادة حروف المدّ واللّين ، التي هي : الواو والياء والألف. وذلك لأنّها أخفّ الحروف ، إذ كانت أوسعها مخرجا ـ فأمّا قول النحويّين : إنّ الواو والياء ثقيلتان ، فبالنسبة إلى الألف ، وأما بالنسبة إلى غيرها فخفيفتان ـ / ولأنها مأنوس ٣٩ بزيادتها ، إذ كلّ كلمة لا تخلو منها أو من بعضها ؛ ألا ترى أنّ الكلمة إن خلت من زيادة أحد هذه الحروف فلن تخلو من حركة : إمّا فتحة ، وإمّا ضمة ، وإمّا كسرة ، والحركات أبعاض هذه الحروف ، وهي زوائد لا محالة. فلمّا احتيج إلى حروف تزاد في كلامهم (٣) لغرض

__________________

(١) ش : «قال شيخنا الشارح موفق الدين». وانظر شرح المفصل ٦ : ١١٣ ـ ١١٥ و ٩ : ١٤١ ـ ١٤٣.

(٢) سقط من ش.

(٣) ش : كلمهم.

١٠١

كانت هذه الحروف أولى ؛ إذ لو زيد غيرها لم تؤمن نفرة الطّبع ، والاستيحاش من زيادته ، إذ لم تكن زيادته مألوفة.

وغير حروف المدّ ، من حروف الزيادة ، مشبّهة بها ومحمولة (١) عليها ، على ما ستراه (٢) مفصّلا.

فمن ذلك الهمزة : اعلم أنّ الهمزة ، وإن كانت تستثقل ، ولذلك دخلها التخفيف بالحذف والبدل ، فهي تشبه حروف (٣) المدّ واللين ، من حيث كانت تصوّر بصورتها ، فتكون تارة ألفا ، وتارة واوا ، وتارة ياء. وصورتها في الأصل ألف ، وإنما تكتب تارة واوا وياء ، على مذهب أهل الحجاز في التخفيف. يدلّك على ذلك أنها إذا وقعت موقعا لا تكون فيه إلّا محقّقة لا تكون إلّا ألفا. وذلك إذا وقعت أوّلا ، نحو : أحمد ، وإبراهيم ، وأنرجّة. فتكون ألفا على كل حال ، وإن اختلفت حركاتها ، لأنها إذا وقعت أوّلا (٤) لا يمكن تخفيفها ، لأنّ في تخفيفها تقريبا من الساكن ، فكما لا يبتدأ بساكن كذلك لا يبتدأ بما قرب منه. وهي كثيرة الاعتلال والتغيّر ،

__________________

(١) في الأصل وش : ومحمول.

(٢) زاد في ش : إن شاء الله.

(٣) سقط من ش.

(٤) سقط «نحو أحمد ... أولا» من الأصل.

١٠٢

ومجاورة الألف في المخرج. فلمّا اجتمع فيها ما ذكر ، من شبه حروف اللين ، اجتمعت معها في الزيادة.

وأمّا الميم فمشابهة للواو ، لأنّهما من مخرج واحد ، وهو الشّفة ، وفيها غنّة تمتدّ إلى الخيشوم. فناسبت بغنّتها لين حروف اللين.

وأما (١) النون ففيها أيضا غنّة. ومخرجها ، إذا كانت ساكنة ، من الخيشوم ، بدليل أنّ الماسك إذا أمسك أنفه لم يمكنه النطق بها.

وليس لها مخرج معيّن ، وإنما تمتدّ في الخيشوم كامتداد ٤٠ الألف في الحلق ، وتحذف لالتقاء الساكنين

نحو قوله (٢) :

* ولاك اسقني ، إن كان ماؤك ذا فضل*

__________________

(١) ش : فأما.

(٢) النجاشي : وصدره : فلست بآتيه ، ولا أستطيعه الكتاب ١ : ٩ والمنصف ٢ : ٢٢٩ والخصائص ١ : ٣١٠ وشرح المفصل ٩ : ١٤٢ والخزانة ٤ : ٣٦٧ ـ ٣٦٨. والبيت وضعه النجاشي على لسان ذئب عرض له في سفره ، فدعاه إلى الطعام. ونسب إلى امرىء القيس. ديوانه ص ٣٦٤. وانظر ١٦٣.

١٠٣

و «لم يك الحقّ» (١) ، كما تحذف حروف المدّ واللين ، من نحو : رمى القوم ، ويعطي ابنك. فلما أشبهتها بما ذكرناه شاركتها في الزّيادة.

وأما التاء فمشبهة حروف المدّ واللين أيضا ، لأنها حرف مهموس ، فناسب همسه لين حروف (٢) المدّ واللين. ومخرجه من رأس اللسان وأصول الثنايا ، فهو قريب من مخرج النون. وقد أبدلت من الواو ، في «تالله» و «تراث» و «تجاه» و «تكأة» و «تخمة». وهو من الواو في : والله ، والورائة ، والوجاهة. ومن الياء في «ثنتين» و «ذيت» و «كيت». فلمّا تصرّف فيها هذا التصرّف ، وأبدلت هذا الإبدال ، أتت مع حروف المدّ واللين ، في الزيادة.

وأما الهاء فحرف مهموس أيضا خفيّ ، وهو مجاور الألف في المخرج ، كيف وأبو الحسن (٣) يدّعي أنّ مخرج الألف هو

__________________

(١) قسيم بيت ، لحسيل بن عرفطة. وتمامه :

لم يك الحقّ ، على أن هاجه

رسم دار ، قد تعفّى بالسّرر

النوادر ص ٧٧ والمنصف ٢ : ٢٢٨ والخزانة ٤ : ٧٢ ـ ٧٤.

(٢) في الأصل : حرف.

(٣) الأخفش الأوسط.

١٠٤

مخرج الهاء البتّة؟ ولخفاء الهاء قالوا : ردّها ، بالفتح لا غير ، وردّه (١) ، بالضمّ لا غير. وذلك : لخفاء الهاء كانت كالمعدومة ، كأنك قلت : ردّا ، وردّوا. ولو لا ذلك لجاز الضمّ والفتح والكسر ، نحو : ردّ ، وردّ ، وردّ. وقد أبدلت من الواو في قولهم «يا هناه» ، ومن الياء في قولهم «هذه». فلما وجد فيها ما ذكر ، من شبه حروف اللين ، وافقتها في الزيادة. وقد أخرجها أبو العباس (٢) من حروف الزيادة ، واحتجّ بأنّها لم تزد إلّا في أواخر الكلم للوقف ، نحو : ارمه ، واغزه ، واخشه. قال : ولا (٣) أعدّها مع الحروف التي كثرت زيادتها واطّردت. والقول / الأوّل ، وهو مذهب سيبويه (٤) ، ٤١ لأنها زيدت فيما ذكر. وقد زيدت في مواضع أخر ، ستذكر في موضعها (٥).

__________________

(١) ش : وردّ هو.

(٢) كذا ومثله في ٨٦ وسر الصناعة باب الهاء وشرح المفصل ٩ : ١٤٣ والممتع ص ٢٠٤ وشرح الشافية ٢ : ٣٨٢ وشرح الأشنموني ٣ : ٣٠٥ وشرح التصريح ٢ : ٣٦٢ وشرح شواهد الشافية ص ٣٠١. والمبرد لم يخرج الهاء من حروف الزيادة. انظر المقتضب ١ : ٥٦ و ٦٠ و ٣ : ١٦٩ واللسان والتاج (أمم) وابن عصفور والتصريف ص ٢٢٣.

(٣) ش : فلا.

(٤) زاد في ش : رحمه‌الله.

(٥) ش : في مواضعها إن شاء الله تعالى.

١٠٥

وأمّا السين فهو حرف منسلّ (١) مهموس ، يخرج من طرف اللسان وبين الثّنايا ، قريب من التاء. ولتقاربهما في المخرج ، واتفاقهما في الهمس ، تبادلا ، فقالوا «استخذ» واصله : اتّخذ. وقالوا «ستّ» وأصله : سدس. فلمّا كان بينهما من القرب والتناسب ما ذكر زيدت معها.

وأمّا الّلام فهو وإن كان مجهورا فهو يشبه النون ، وقريب منه في المخرج. ولذلك تدغم فيه النون ، نحو قوله تعالى (٢)(مِنْ لَدُنْهُ.) ويحذفون معها نون الوقاية كما يحذفونها مع مثلها. قالوا : «لعلّي» ، كما قالوا : «إنّي» و «كأنّي». وقد أبدلت من النون في قوله (٣) :

* وقفت فيها أصيلالا ، أسائلها*

فلمّا كان بينهما ما ذكر كانت أختها في الزيادة.

__________________

(١) ش : منسفل.

(٢) الآية ٤٠ من سورة النساء ، والآية ٢ من سورة الكهف.

(٣) صدر بيت للنابغة في معلقته. وعجزه : عيّت جوابا ، وما بالرّبع من أحد ديوانه ص ٢. وأراد بالأصيلال. الأصيلان. وهو تصغير الأصلان أو الأصلان وهو العشي. وانظر ٩٣.

١٠٦

واعلم أنّ زيادة هذه الحروف تقع على ثلاثة أضرب : زيادة لمعنى ، وزيادة لإلحاق (١) بناء ببناء ، وزيادة بناء فقط ، لا يراد به شيء ممّا تقدّم.

فأما ما زيد لمعنى فنحو ألف «فاعل» إذا قلت : ضارب وعالم ، ونحو حروف المضارعة ، يختلف اللفظ بها لاختلاف المعنى.

وأما زيادتها للإلحاق فنحو الواو في «كوثر» و «جهور» ، ألحقت الواو الكلمة ب «جعفر» و «دحرج» ، والياء في «حذيم» و «عثير» ألحقتها ب «درهم».

وأما زيادة البناء فقط فنحو : ألف حمار ، وواو عجوز ، وثمود ، ونحو : ياء سعيد وصحيفة. وأكثر ما تبلغ به ذوات الثلاثة بالزيادة سبعة أحرف (٢) ، نحو : عرفّان (٣) ، واشهيباب ، واحميرار. وتبلغ ذلك بنات الأربعة ، نحو : عبوثران (٤) ، واحرنجام.

__________________

(١) ش : إلحاق.

(٢) كذا ، وقد تبلغ الثمانية. انظر المزهر ٢ : ٢٨ والهمع ٢ : ١٦٠ وابن عصفور والتصريف ص ٢١٦ وشرح المفصل ٦ : ١١٥.

(٣) كذا ومثله في شرح المفصل ٦ : ١١٥ ، وهو في ستة أحرف لا سبعة. والعرفان : جندب ضخم كالجرادة له عرف.

(٤) العبوثران : نبات طيب الريح.

١٠٧

٤٢ وأكثر ما تبلغ / بنات الخمسة بالزيادة ستّة أحرف (١) ، نحو : عضرفوط (٢) ، وقبعثرى (٣). لم يتصرّفوا في الخماسيّ بأكثر من زيادة واحدة ، لكثرة حروفه ، وبعده عن الاعتلال (٤).

[الأصل والزائد]

قال صاحب الكتاب (٥) : معرفة قولنا : الأصل والزائد (٦). الأصل : عبارة ، عند أهل هذه الصناعة ، عن الحروف التي تلزم الكلمة ، في كلّ موضع من تصرّفها ، إلّا أن يحذف من الأصل شيء (٧) لعلّة عارضة ، فإنه لذلك في تقدير الثّبات.

قال الشارح (٨) : اعلم أنّ الأصل عبارة عن الحروف اللازمة للكلمة ، كيف تصرّفت. وهي تجري مجرى الجنس للأنواع ، نحو :

__________________

(١) وقد تبلغ السبعة. انظر المزهر ٢ : ٣٤ والهمع ٢ : ١٦٠ وابن عصفور والتصريف ص ٢١٦.

(٢) العضرفوط : ذكر العظاء.

(٣) القبعثرى : الجمل الضخم العظيم.

(٤) زاد في ش : فاعرفه.

(٥) زاد في ش : عثمان بن جني.

(٦) سقط «الأصل والزائد» من ش.

(٧) في الأصل : «شيء من الأصل». الملوكي : «شيء من الأصول تخفيفا أو».

(٨) ش : قال الشيخ موفق الدين.

١٠٨

الحياة للإنسان والفرس والطّائر ، لا بدّ من وجودها في كلّ واحد من هذه الأنواع ، وإن اختلفت حقائقها. وكالمادّة للمصنوعات ، نحو : الخشب للباب والكرسيّ والسّرير وغير ذلك من الصّور ، لا بدّ من الخشب في جميع ضروب هذه الصّور. فكذلك الحروف الأصول هي مادّة لما يبنى منها من الأبنية المختلفة ، موجودة في جميعها ، من نحو : ضرب يضرب فهو ضارب ومضروب. ف «ض ر ب» (١) موجود في جميع هذه الأبنية. وكذلك القرب والبعد وما أشبههما (٢). ومثله الذّهب (٣) ، تصاغ منه ضروب الصّور ، نحو الحلقة والخاتم وغيرهما على ما تقدّم. الفروع كثيرة ، والأصل الذي هو الذّهب واحد ، موجود في كلّ فرع منها ، لا بدّ من ذلك ، لأنه يجري مجرى المسبّب والسّبب. فإنه (٤) يستحيل وجود المسبّب من غير وجود السّبب. فكذلك (٥) يستحيل وجود لفظ «ضارب» ، من غير وجود لفظ «ض ر ب» (٦) /. ولا يستحيل وجود لفظ «ض ر ب» (٧) ٤٣

__________________

(١) في الأصل : «ضرب» وفوقها ما أثبتنا. ش : فالضرب.

(٢) ش : وما أشبهها.

(٣) زاد في الأصل : والفضة.

(٤) ش : مجرى السبب والمسبب في أنه.

(٥) ش : فلذلك.

(٦) ش : ضرب.

(٦) ش : ضرب.

١٠٩

من غير وجود لفظ «ضارب». فهذا معنى قوله : الأصل (١) عبارة عن الحروف التي تلزم الكلمة ، في كلّ موضع من تصرّفها.

وقوله : عند أهل هذه الصناعة ، تحرّزا (٢) من صناعة أرباب الاشتقاق. فإن الأصل عندهم أصلان : لفظيّ ، ومعنويّ. فاللفظيّ : ما نحن بصدده. والأصل المعنويّ : المعنى المتصرّف في جميع المعاني المتصرّفة منه (٣) ، نحو : عين الحيوان ، وعين الماء ، وعين القوم ، وعين الذّهب والميزان. والأصل منها : عين الحيوان ، لعموم تصرّفها ؛ ألا ترى أنّه يصحّ فيها (٤) معنى المفاعلة والتّفعيل ، نحو : المعاينة والتّعيين. والباقي محمول عليها : فعين الماء تشبّه بعين الحيوان لصفائها ، وعين القوم كأنهم يبصرون به ، وعين الذّهب لفضله كفضل عين الحيوان ، وعين الميزان لأنه يميّز المقدار ، ولذلك يقال : في هذا الميزان حول. وهذا يتعلّق بالاشتقاق.

وقوله : إلّا أن يحذف من الأصل شيء لعلّة عارضة ، تحرّزا (٥) مما قد يحذف للجزم من الحروف المعتلّة ، نحو : لم يغز ، ولم

__________________

(١) في الأصل : الحروف الأصول.

(٢) كذا.

(٣) سقط من الأصل.

(٤) ش : منها.

(٥) كذا في الأصل. ش : تجوزا.

١١٠

يرم ، ولم يخش ، ونحو الحذف في «يعد» وبابه ، وما يحذف (١) لالتقاء الساكنين ، من نحو قولك : يرمي القوم ، ويغزو الجيش ، ولم يبع ، ولم يقم. والأصل : يغزو ، ويرمي ، ويخشى. وإنّما حذفت لاماتها للجازم ، ولو لا الجازم لكانت ثابتة. وكذلك الواو في «يعد» محذوفة للتخفيف. والأصل ثباتها لأنّها فاء الفعل لأنّه من «الوعد». وليس كذلك ما ينحذف من الزوائد ، للاشتقاق والتصريف ، فإنك إذا حذفته لم تكن تريده البتّة ؛ ألا ترى أنك تقول : «ضارب» ، فالألف فيه مزبدة / لتدلّ على معنى الفاعل ، فإذا لم ترد هذا المعنى ، ٤٤ وأردت معنى غيره ، حذفته وجئت بما يدلّ على ذلك المعنى ، كقولك «مضروب». فالحذف ههنا ليس كالحذف فيما تقدّم ، لأنّ كلّ واحد من «ضارب» و «مضروب» وشبههما ، بناء لازم يغاير بناء الآخر ، والأصل فيهما واحد وهو : الضاد والراء والباء. والصور مختلفة ، بحسب تغاير الزّيادات الدالّة على المعاني.

[الميزان الصرفي]

قال صاحب الكتاب : وقد احتاط التّصريفيّون في سمة

__________________

(١) ش : وبالحذف.

١١١

ذلك ، بأن قابلوا [به](١) ، في التمثيل (٢) من الفعل والموازنة : فاء الفعل وعينه ولامه. وقابلوا بالزّائد لفظه بعينه في (٣) نفس المثال المصوغ للاعتبار ، ولم يقابلوا به فاء ولا عينا ولا لاما (٤) ، بل لفظوا به البتّة (٥).

قال الشارح (٦) : اعلم أنه لمّا مسّت الحاجة إلى معرفة الأصل

__________________

(١) تتمة من الملوكي. ش : قالوا.

(٢) في حاشية الأصل عن نسخة أخرى : بالتمثيل.

(٣) في الأصل وش : من.

(٤) الملوكي : فاء الفعل ولا عينه ولا لامه.

(٥) زاد في الملوكي : «من ذلك قولنا : قعد. مثاله : فعل.

فالقاف فاء الفعل ، والعين عينه ، والدال لامه. فالحروف إذا كلها أصول. فاذا قلت : يقعد ، زدت الياء وصار مثاله :

يفعل. فالياء زائدة ، لأنها ليست موجودة في : قعد. والقاف والعين والدال موجودة ، أين تصرّفت الكلمة ، نحو : قاعد ، ومتقاعد ، ومقتعد. فالألف والميم والتاء زوائد ، لأنها ليست موجودة في : قعد. ولذلك زدتها في المثال المصوغ ، لاعتبار الزوائد من الأصول. ولم تقابل بها فاء ولا عينا ولا لاما. فقد بان إذا فرق ما بين الأصل والزائد. وقد تقصّيت ذلك في تفسير تصريف أبي عثمان رحمه‌الله». انظر المنصف ١ : ٧ ـ ١٧.

(٦) ش : قال شيخنا موفق الدين شارحه.

١١٢

من الزائد ، لما يبتنى على ذلك من مسائل التّصغير والتكسير وغيرهما ، احتاطوا في سمة ، ذلك بأن جعلوا (١) للكلم مثالا كالميزان ، قابلوا الأصل فيه بالفاء (٢) والعين واللام. وجاؤوا بالزائد نفسه البتّة محكيّا. ويكون نظم الحركات والسكون في المثال كنظمها في الممثّل. وذلك نحو قولك : «ضرب» ، فالضاد فاء وهي أصل أوّل ، والراء عين وهي أصل ثان ، والباء لام وهي أصل ثالث. ووزن الكلمة لذلك «فعل». فإذا قلت : «يضرب» ، فوزن الكلمة «يفعل» ، الياء زائدة ، ولذلك لفظت بها نفسها ؛ ألا ترى أنها لا تلزم وتزول في : ضرب وتضرب وضارب ، فصار الأصل في اصطلاح أهل هذه الصناعة عبارة عما يقابل في المثال بالفاء والعين واللام ، والزائد عبارة عما ليس / بفاء ولا عين ولا لام. وليس المعنيّ بالزائد ما لو ٤٥ حذفته لم يختلّ معنى الكلمة. هذا محال ؛ ألا ترى أنّ الألف في «ضارب» تدلّ على الفاعل ، فلو حذفتها لزالت هذه الدّلالة. وكذلك ميم «مضروب» ، وأشباهها كثيرة.

فإن تكرّر من الأصل شيء لمعنى كرّرته في المثال المصوغ ،

__________________

(١) في الأصل : بأن يجعلوا.

(٢) في الأصل : قالوا الأصل فيه الفاء.

١١٣

للاعتبار. تقول في مثال «ضرّب» : «فعّل». تضعّف العين لتضعيف (١) الرّاء في «ضرّب» لأنها بإزائها. وكذلك لو كرّرت اللام ، أو كرّرتهما جميعا ، كرّرت ذلك في المثال. نحو : «خدبّ» (٢) و «صمحمح» ، وزنهما «فعلّ» و «فعلعل». فأمّا تكرير الفاء فلم يأت إلّا في حرف واحد (٣) ، وهو (٤) «مرمريس» ووزنه في المثال «فعفعيل» ، لأنه من المراسة وهي الشّدّة.

فإن زاد الاسم المحذوّ على ثلاثة أحرف كرّرت اللام في (٥) المثال المصوغ ، أعنى «فعل» ، ليبلغ عدّة حروف الأصل المحذوّ. تقول في وزن جعفر : «فعلل» ، وفي وزن سفرجل : «فعلّل».

وإنما كان المكرّر اللام دون الفاء والعين ، لأن اللام في «فعل» وسائر الثلاثيّ أشبه الحروف بالزيادة ؛ ألا ترى أنّ اللام في «فعل» مستغنى عنها ، والفاء والعين كالمضطرّ إليهما ، لأنّ الأوّل منهما للابتداء ،

__________________

(١) ش : بتضعيف.

(٢) الخدب : الضخم الطويل.

(٣) كذا وقالوا أيضا : مرمريت.

(٤) في الأصل : نحو.

(٥) في الأصل : من.

١١٤

والآخر للوقف ، واللام كأنّه مستغنى عنها من هذا الوجه. وأيضا فإنّ الحذف من اللّامات كثير في الأسماء ، نحو : يد ، ودم ، ودد ، ونحو ذلك. ولم يجىء الحذف على هذا الحدّ في غير اللام ، إلّا على قلّة وندرة. فدلّ ذلك على مضارعة بين اللام والزائد ، لأنهم حذفوه كما يحذفون الزائد. فأما قولهم : عدة وزنة وصلة ، وقل وبع ، فليس الحذف / فيه على حدّ الحذف في : يد ودم ، لأنّ هذا ٤٦ قياس مطّرد ، ويد ودم : ليس الحذف فيه على هذا الحدّ. وأما : سه ومذ ، فقليلة شاذّة بالنسبة إلى ما حذف فيه اللام. وإنما جاز الحذف في العين لقربه من اللام المشابهة للزائد ، وإن لم يكن مثلها فيما ذكرنا. ولم يجىء ذلك في الفاء إلّا في «الله» و «الناس». فثبت أنّ اللام في الثلاثيّ أشبه الحروف بالزيادة. ولمّا كانوا يلفظون بالزيادة ، وينطقون بها نطقا ، من غير تمثيل بفاء أو عين أو لام ، وجب تكرير اللام دون الفاء والعين ، لينطقوا بالمشابهة للزيادة ، ويلفظوا بها عند الحاجة إلى ذلك ، كما ينطقون بالزائد.

فإن قال قائل : ولم خصّ الميزان بالفاء والعين واللام ، دون غيرها من الألفاظ؟ قيل : لأنهم لمّا أرادوا أن يصوغوا مثالا يكون كالميزان ، لمعرفة الأصل من الزائد ، جعلوا ذلك لفظ الفعل ، لعمومه

١١٥

وشموله كلّ فعل ، علاجا كان أو غير علاج ، غريزة كان أو غير غريزة. قال الله تعالى (١) : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) وقال (٢) : (وَيَفْعَلُ [اللهُ] ما يَشاءُ.) فهو أعمّ ما يعبّر به عن الأفعال. فلذلك وزنوا به ، ليكون التعبير (٣) صحيحا.

فإن قيل : ولم كان الميزان ثلاثيّا ، ولم يكن رباعيّا ، ولا خماسيّا؟ قيل : لكثرة تصرّف الثلاثيّ ، ولأنه لو جعل رباعيّا ، أو خماسيّا ، لم يمكن وزن الثلاثيّ به ، إلّا بإسقاط شيء منه. فجعل ثلاثيّا ، وإذا وزن به ما فوق ذلك كرّرت اللام ، لأنّ احتمال الزيادة أسهل من احتمال الحذف ؛ ألا ترى أنّ ما حذف منه في الكلام نزر يسير ، بالنسبة إلى ما زيد فيه.

[معنى الحرف الزائد]

٤٧ قال صاحب الكتاب : وينبغي / أن تعلم (٤) أنّ معنى قولنا : «الحروف الزوائد» إنما نريد بها (٥) أنّها هي الحروف التي يجوز أن

__________________

(١) الآية ٢٣ من سورة الأنبياء.

(٢) الآية ٢٧ من سورة إبراهيم.

(٣) زاد في ش : به.

(٤) في الأصل : «يعلم». الملوكي : «تعلم أيضا».

(٥) الملوكي : به.

١١٦

تزاد في بعض المواضع ، فيقطع عليها هناك بالزيادة ، إذا قامت عليها الدلالة. ولسنا نريد أنها لا بدّ (١) أن تكون في كلّ موضع زائدة. هذا محال ؛ ألا ترى أنّ «أوى» مثاله «فعل» ، وأنّ الهمزة والواو والياء التي انقلبت الألف عنها كلّها أصول ، وإن كانت (٢) قد يمكن أن تكون في غير هذا الموضع زائدة. وهذا واضح.

قال الشارح (٣) : كأنّ صاحب الكتاب خاف أن يفهم من قوله «حروف الزيادة» أنها تكون زوائد حيث تكون. فأوضح أمرها ، وعرّف الغرض من قولهم : حروف الزيادة. وذلك أنه إذا احتيج إلى حرف يزيدونه لم يكن إلّا من هذه الحروف العشرة. ولو كان المراد بها أنّها لا تكون إلّا زائدة لم يحتج إلى المثال المصوغ لاعتبار الأصل من الزائد ، بل كان تحديدها وحصرها كافيا ، وكان يقال : إذا وجد حرف من هذه الحروف فاقض بزيادته من غير توقّف. وهذا بيّن الفساد. وما (٤) أحسن ما أبان أبو عثمان عن

__________________

(١) زاد في الملوكي : من.

(٢) ش والملوكي : كان.

(٣) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ٩ : ١٤٣.

(٤) في الأصل : وقد.

١١٧

هذا المعنى في ترجمة الباب ، فقال (١) : «هذا (٢) باب ما تجعله زائدا من حروف الزيادة». وأظنّه أخذه من «الكتاب» (٣).

[مواضع الزيادة والأدلة عليها]

قال صاحب الكتاب : اعلم (٤) أنّ لكلّ حرف من هذه الحروف موضعا تكثر (٥) فيه زيادته ، وموضعا تقلّ (٦) فيه (٧). فاعرف تلك الأماكن بما أذكر (٨) لك. وليكن الحكم على الأكثر لا على الأقلّ.

قال الشارح (٩) : لمّا كانت هذه الحروف تكون تارة أصولا ، وتارة روائد ، والتمييز بينهما مفتقر إلى نظر واستدلال ، أخذ في ذكر ٤٨ ما يستدلّ به على زيادتها. /

__________________

(١) المنصف ١ : ٩٨.

(٢) سقط من المطبوعة.

(٣) الكتاب ههنا هو كتاب سيبويه. انظر منه ٢ : ٣١٢.

(٤) الملوكي : واعلم.

(٥) ش : يكثر.

(٦) ش : يقلّ.

(٧) زاد في الملوكي : «وربما اختصّ الحرف بالموضع ، لا يوجد زائدا إلّا فيه».

(٨) الملوكي : أذكره.

(٩) ش : قال شيخنا موفق الدين شارحه.

١١٨

والأسباب التي يعلم بها الأصل من الزائد ثلاثة : الاشتقاق ، والمثال ، والكثرة.

فأما الاشتقاق فهو أقواها دليلا ، وأعدلها شاهدا ، والعلم الحاصل بدلالته قطعيّ ، والعلم الحاصل من المثال والكثرة ظنّيّ وتخمين. فإذا شهد الاشتقاق بزيادة حرف فاقطع به ، وأمضه.

وطريق (١) ذلك أنه إذا وردت (٢) الكلمة ، وفيها بعض حروف الزيادة ، ورأيت ذلك الحرف قد سقط في بعض تصاريفها ، حكمت عليه بأنه زائد لسقوطه ، إذ الأصل ثابت لا يسقط. وذلك نحو الهمزة في «أحمر» ، والألف في «ضارب» ، والواو في «كوثر» ، والياء في «سعيد» ، لأنك إذا اعتبرت «أحمر» وجدت فعله الذي تصرّف منه : حمر يحمر (٣) ، والمصدر الذي هو مأخوذ منه : الحمرة. وليس (٤) فيهما (٥) ألف. وكذلك إذا اعتبرت «كوثرا» رأيت الواو ساقطة ، لأنه من (٦) معنى الكثرة ؛ إذ الكوثر : الرّجل الكثير العطاء. وكذلك «سعيد» الياء ساقطة منه ، لأنه من :

__________________

(١) سقط من ش.

(٢) ش : أوردت.

(٣) في الأصل : احمرّ يحمرّ.

(٤) ش : وليست.

(٥) في الأصل : فيها.

(٦) في الأصل : في.

١١٩

السّعادة ، وفعله : سعد ، فكانت زائدة لذلك. قال سيبويه (١) : «فكلّ (٢) حرف ، من حروف الزوائد ، كان في حرف (٣) ، يذهب في الاشتقاق (٤) ، في ذلك المعنى من ذلك اللفظ ، فاجعله زائدا (٥)». فعلى (٦) هذا المثال يستدلّ على جميع الزوائد ، بذهاب حرف الزيادة في الاشتقاق.

وأمّا الاستدلال بالمثال فأن ترد الكلمة ، وفيها حرف من حروف الزيادة ، وقد أبهم أمره لعدم الاشتقاق. وذلك الحرف يمكن أن يكون أصلا ويكون زائدا ، إلّا أنك إن جعلته أصلا لم ٤٩ يكن له نظير في الأصول ، فيحكم عليه بالزيادة. / وإن كان له نظير في الأصول (٧) لم يحكم بزيادته ، لأنّ الأصل عدم الزيادة. وذلك نحو «عنتر» النون والتاء أصلان ، لأنه بوزن «جعفر» ، إذ النون والتاء بإزاء العين والفاء من جعفر. فأما «عنبس» (٨)

__________________

(١) الكتاب ٢ : ٣٥٢.

(٢) الكتاب : وكلّ.

(٣) فوقها في الأصل : «أي : في كلمة».

(٤) الكتاب : فذهب في اشتقاق.

(٥) الكتاب : من ذاك اللفظ فاجعلها زائدة.

(٦) في الأصل : على.

(٧) سقط «فيحكم عليه ... في الأصول» من ش.

(٨) العنبس : العبوس.

١٢٠