شرح الملوكى في التّصريف

ابن يعيش

شرح الملوكى في التّصريف

المؤلف:

ابن يعيش


المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

في الغين والخاء أحسن من الفتح ، لأنهما أشدّ ارتفاعا إلى الفم ، وذلك نحو : فرغ يفرغ ، وصبغ يصبغ ، ونفخ ينفخ ، وطبخ يطبخ.

فإن كانت هذه الحروف فاءات نحو : أمر يأمر ، وأكل يأكل ، لم يلزم الفتح فيه ، لسكون حرف الحلق في المضارع ، والساكن لا يوجب فتح ما بعده ، لضعفه بالسكون. وقالوا (١) : أبى يأبى ، وقلى يقلى ، وغسى الليل يغسى ، وسلى يسلى. وقالوا : ركن يركن. وقرأ الحسن (٢) : (وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ.) فكان محمد بن السّريّ يذهب في ذلك كلّه إلى أنها لغات تداخلت (٣). وهو فيما آخره ألف أسهل ، لأنّ الألف تقارب الهمزة ، ولذلك شبّه سيبويه : أبى يأبى ، بقرأ يقرأ.

__________________

(١) يسرد بعض ما فتحت عين مضارعه ، وليست عينه أو لامه حرفا حلقيا ، وقد تكون الفاء حرفا حلقيا.

(٢) الآية ٢٠٥ من سورة البقرة. وانظر الكشاف ١ : ٢٥١ والبحر المحيط ٢ : ١١٦.

(٣) في حاشية الأصل : «التداخل في اللغتين أن يكون الفعل الماضي من باب والمضارع من باب».

٤١

(١) وأما البناء الثاني ، وهو «فعل» فهو (٢) على ضربين : يكون متعدّيا ، وغير متعدّ. فالمتعدّي نحو : شرب ولقم (٣). وغير ١٣ المتعدّي نحو : سكر / وفرق (٤).

والمضارع منهما جميعا على «يفعل» بالفتح ، نحو : يشرب ، ويسكر. ويلقم ، ويفرق.

وقد شذّ من ذلك أربعة أفعال جاءت على : فعل يفعل ويفعل جميعا. وهي : حسب يحسب ويحسب ، ويئس ييئس وييأس ، ويبس ييبس وييبس ، ونعم ينعم وينعم. قال سيبويه (٥) : «سمعنا من العرب من يقول (٦) : وهل ينعمن». والفتح (٧) في هذا كلّه هو الأصل ، والكسر على

__________________

(١) زاد ههنا في ش : «فصل». وانظر شرح المفصل ٧ : ١٥٤.

(٢) في الأصل وش : «وهو».

(٣) تحتها في الأصل : «أخذ اللقمة بفيه».

(٤) فوقها في الأصل : «أي : خاف».

(٥) الكتاب ٢ : ٢٢٧.

(٦) قسيم بيت لامرىء القيس في ديوانه ص ٢٧ ، وتمامه :

ألا عم صباحا ، أيّها الطّلل البالي

وهل يعمن من كان في العصر الخالى

(٧) ش : فالفتح.

٤٢

التشبيه (١) بظرف يظرف.

وربما جاء منه شيء على : فعل يفعل ، بكسر العين في الماضي ، وضمّها في المستقبل. قالوا (٢) : فضل يفضل. وهو قليل شاذّ ، وقال أبو عثمان (٣) : أنشد (٤) الأصمعيّ لأبي الأسود الدئليّ (٥) :

ذكرت ابن عبّاس ، بباب ابن عامر

وما مرّ من عيشي هناك ، وما فضل

وقد منع من ذلك أبو زيد وأبو الحسن. وقد جاء عن سيبويه : حضر يحضر. ونظيره من المعتلّ : متّ تموت ، ودمت تدوم. وكلّ ذلك لغات تداخلت.

__________________

(١) في الأصل : «الشبه».

(٢) في الأصل : «وقالوا».

(٣) وهو المازني. انظر المنصف ١ : ٢٥٦.

(٤) ش : «أنشدني». وفي المنصف : «أخبرني الأصمعي قال : سمعت عيسى بن عمر ينشد لأبي الأسود».

(٥) كذا وهو على مذهب الكوفيين في النسب إلى دئل. انظر الاشتقاق ص ١٧٤ والتعليق عليه. وفي ش : «الدؤليّ» وهو القياس. والبيت في ديوانه ص ٤٦ والمنصف ١ : ٢٥٦ والأغاني ١١ : ١١١ وشرح المفصل ٧ : ١٥٤ وطبقات النحويين ص ١٩. والرواية : «وما مرّ من عيشي ذكرت».

٤٣

(١) وأما البناء الثالث ، وهو «فعل» بضمّ (٢) العين ، فلا يكون إلّا غير متعدّ نحو : كرم ، وظرف. قال سيبويه (٣) : «وليس في الكلام فعلته متعدّيا».

ولا يكون مضارعه إلّا مضموما نحو : يكرم ، ويظرف ، لأنه باب على حياله (٤) ، موضوع للغرائز ، والهيئة التي يكون عليها الإنسان ، من غير أن يفعل بغيره شيئا (٥) ، بخلاف «فعل» و «فعل» اللذين يكونان لازمين ومتعدّيين.

ولم يشذّ منه (٦) شيء إلّا ما حكاه سيبويه (٧) من أنّ بعضهم قال : كدت تكاد (٨). والقياس : تكود (٩).

ولا يفتح إذا كان لامه أو عينه حرفا حلقيّا نحو : ملؤ (١٠)

__________________

(١) زاد هنا في ش : «فصل». وانظر شرح المفصل ٧ : ١٥٤.

(٢) ش : «مضموم».

(٣) الكتاب ٢ : ٢٢٦ ـ ٢٢٧.

(٤) سقط «ولا يكون مضارعه ... على حياله» من ش.

(٥) ش : يفعل شيئا بغيره.

(٦) سقط من ش.

(٧) الكتاب ٢ : ٢٢٧.

(٨) ش : كدت أكاد.

(٩) ش : أكود.

(١٠) تحته في الأصل : «أي : صار ملآن. وهو ضد الخلاء. أو من الملء وهو ضد الفراغ».

٤٤

يملؤ ، وقبح يقبح ، / للزومه الضمّ ، كما لم يفتح ما كانت ١٤ فيه الزوائد نحو : استبرأ يستبرىء ، وأسرع يسرع ، لمّا كان الكسر لازما له. وليس ك «فعل» الذي يجيء مضارعه على «يفعل» و «يفعل» مكسورا ومضموما. فاعرفه.

فصل المضاعف

معنى التضعيف : أن يجتمع في الكلمة مثلان من الأصول متجاوران. ولا يخلو تجاورهما (١) من أن يكون بين العين والفاء ، أو بين العين واللام. فإن كان بين العين والفاء فإن ذلك لم يوجد في أبنية الأفعال في شيء من كلامهم. وإنّما جاء في أسماء قليلة نحو : ددن (٢) ، وكوكب ، وأوّل. ولم يشتقّ من ذلك فعل. وقد جاء التضعيف بحاجز اسما وفعلا نحو : سلس ، وقلق (٣). وذلك قليل. فأما تجاور العين واللام فهو كثير واسع في الأسماء والأفعال نحو : طلل ،

__________________

(١) في الأصل وش : «تجاوره». وصححها الشنقيطي في ش كما أثبتنا.

(٢) في حاشية الأصل : «الددن هو اللهو واللعب».

(٣) ش : «سلس وقلق». وفوقهما في الأصل : معا.

٤٥

وشرر ، ومرر (١) ، وقدد (٢) ، وخزز (٣). وأما الفعل فقد جاء منه مثال الماضي على «فعل» نحو : ردّ ، وشدّ ، وعفّ ، وكلّ (٤).

فما كان من ذلك متعدّيا فمضارعه يأتي على «يفعل» نحو : يردّ ، ويشدّ. وقد شذّ منه حرفان (٥) ، قالوا : علّه بالحنّاء يعلّه ، وهرّه يهرّه إذا كرهه. حكاهما المبرّد ، وحكى أبو زيد : عضضت تعضّ (٦) ، بالفتح فيهما. وأنكره أبو العباس. وما كان من ذلك غير متعدّ فمضارعه يأتي على «يفعل» نحو : يعفّ ، ويكلّ.

وقد جاء «فعل» منه متعدّيا وغير متعدّ. فالمتعدّي نحو : شممته ، وعضضته. وغير المتعدّي : ظللت ، وبللت.

والمضارع منهما «يفعل» بالفتح نحو : يشمّ ، ويعض ،

__________________

(١) في حاشية الأصل : «جمع مرات». يريد أنه جمع مرّة.

(٢) في حاشية الأصل : «قدد أي : فرق».

(٣) في حاشية الأصل : «الخزز : ذكر الأرانب لا إناثها».

(٤) ش : كدّ.

(٥) كذا وقد شذ غيرهما. انظر الممتع ص ١٧٨ والمزهر ٢ : ٤٠.

(٦) ش : عضضت أعضّ.

٤٦

ويظلّ ، ويبلّ. وربما قالوا : يبلّ ، بالكسر ، جعلوه من قبيل : حسب يحسب.

ولا يأتي من هذا «فعل» بالضمّ ، قال سيبويه (١) : «لأنهم قد / يستثقلون «فعل» والتضعيف ، فلمّا اجتمعا حادوا إلى غير ١٥ ذلك». وزعم يونس أنّ من العرب من يقول (٢) : لببت ، كما قالوا : ظرفت. والأكثر : لببت بالكسر تلبّ. قال (٣) : «أضربه كي يلبّ ، وكي يقود ذا اللّجب» (٤).

فصل المعتل

اعلم أنّ المعتلّ ما كان فيه حرف علّة. وحروف العلة ثلاثة :

__________________

(١) الكتاب ٢ : ٢٢٦.

(٢) وجاء عن بعض العرب ضم العين في «دممت» و «شررت» و «عززت الشاة» و «فككت». انظر التاج (لبب).

(٣) كذا والقول لصفية بنت عبد المطلب ، وقد ضربت الزبير فسئلت : لم تضربينه؟ وفي روايته خلاف. انظر اللسانى والتاج (لبب) والفائق ٢ : ٤٤٧.

(٤) في حاشية الأصل : «اللجبة : الصوت. يقال : جيش لجب ، أي : ذو صوت. وقوله ذا اللجب ، أي : ذا الصوت».

٤٧

الواو ، والياء ، والألف. ولا يخلو الاعتلال في الفعل الثلاثيّ من أن يكون : فاء ، أو عينا ، أو لاما.

فصل المعتل الفاء

وهو (١) ما كان فاؤه واوا أو ياء. فأما الألف فلا تكون أصلا في شيء من الأسماء المتمكنة ، والأفعال. وإنّما تكون زائدة ، أو منقلبة عن غيرها.

فما كان فاؤه الواو من الأفعال الثلاثيّة فإنه يكون على ثلاثة أبنية : فعل وفعل وفعل.

فما كان على «فعل» فإنّ مضارعه في المتعدّي وغير المتعدّي على «يفعل» بالكسر ، وتحذف منه الواو (٢) ، نحو : وجب يجب ، ووزن يزن. اللازم في ذلك والمتعدّي سواء ، وذلك ليجري الباب على منهاج واحد في التخفيف بحذف الواو. قال سيبويه (٣) : «وقد قال ناس من العرب : وجد يجد» بالضمّ في

__________________

(١) انظر شرح المفصل ١٠ : ٥٩ ـ ٦٤.

(٢) زاد في ش : وذلك.

(٣) زاد في ش : «رحمه‌الله». وانظر الكتاب ٢ : ٢٣٢.

٤٨

المستقبل ، وأنشدوا (١) :

لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة

تدع الحوائم لا يجدن غليلا (٢)

وإنما قالوا ذلك لأنهم كرهوا الضمّة بعد الياء ، كما كرهوا بعدها الواو. ولذلك قلّ نحو : يوم ، ويوح (٣).

وأما ما كان على «فعل» منه فنحو : وجل ، ومضارعه «يفعل» بالفتح نحو : يوجل. وفيه أربع لغات : يوجل بالواو ، وياجل بقلبها ألفا ، وييجل بالياء ، وييجل بكسر الياء. وأجودها تصحيح الواو ، ومنه قوله تعالى (٤) : (لا تَوْجَلْ). وحكى (٥) سيبويه : (٦) ورع يرع ويورع ، / ووغر ١٦

__________________

(١) لجرير. انظر تخريجه في الممتع ص ١٧٧.

(٢) في الأصل وش : «لو شاء». والرواية ما أثبتنا : ونقع : ارتوى.

وفي حاشية الأصل تفسير للحوائم كما يلي : «جمع حائمة وهي الطائفة حول الشيء». وفيها تحت «غليلا» ما يلي : «أي : عطشا».

(٣) في حاشية الأصل : «الشمس».

(٤) الآية ٥٣ من سورة الحجر.

(٥) الكتاب ٢ : ٢٣٣.

(٦) زاد في الكتاب هنا : ورم يرم.

٤٩

يوغر ويغر (١) ، ووحر (٢) يحر ويوحر ، (٣) ويوغر (٤) ويوحر أكثر وأجود (٥). وقد قالوا : ورث يرث ، وولي يلي ، وورم يرم. وقد يكثر في المعتلّ من هذا الباب «فعل يفعل» بكسر العين في الماضي والمضارع ، على قلّته في الصحيح. والعلّة في ذلك كراهيتهم الجمع بين واو وياء ، لو قالوا : ولي يولى ، ووثق يوثق. فحملوه على بناء يسقط الواو. وقالوا : وطىء يطأ ، ووسع يسع. حملوه على : حسب يحسب ، ولذلك حذفوا منه الواو. إلّا أنهم فتحوه لمكان حرف الحلق. ولو لا ذلك لقيل : يوطأ ، ويوسع ، كما قالوا : يوجل ، فأثبتوا الواو.

(٦) وأما ما كان على «فعل» بضمّ العين ، نحو : وضع ،

__________________

(١) في الأصل : وعر يوعر ويعر.

(٢) في حاشية الأصل : «وحر صدره عليّ أي : وغر ، بمعنى حصل فيه شيء من قبلي ...».

(٣) زاد في الكتاب هنا : وجد يجد.

(٤) في الأصل : «ويورع ويوعر».

(٥) سقط من الأصل.

(٦) زاد في ش : فصل.

٥٠

ووطؤ ، ووضؤ (١) ، فمضارعه يأتي على «يفعل» نحو : يوضع ، ويؤطؤ ، ويوضؤ. ولا تحذف الواو منه (٢) كما حذفت مع الكسر في «يعد» ، ولا تقلب ألفا كما قلبت في «ياجل» ، لأنه بناء موضوع للّزوم والثبات ، فلم يغيّر (٣) لذلك.

وأما ما كان فاؤه الياء فإنه يجيء الماضي منه على «فعل» مفتوح العين ، وعلى «فعل» مكسور العين. ولم يأت منه «فعل» مضموم العين ، فيما أعلم.

فما كان الماضي منه على (٤) «فعل» فالمضارع منه «يفعل» بالكسر. نحو : يمن ييمن ، ويسر ييسر ، وينع (٥) يينع. ولا تحذف منه الياء كما حذفت الواو في : يعد وأخوانه ، لخفّة الياء. وحكى سيبويه (٦) أنّ بعضهم قال : يسر يسر ، فحذف الياء كما حذف الواو ، لأنّ الياء وإن كانت أخفّ من الواو فقد تستثقل بالنسبة إلى الألف.

__________________

(١) في حاشية الأصل : «أي : صار وضيئا ، ومعناه بهيّا حسنا».

(٢) سقط من الأصل.

(٣) في الأصل : فلم يغيروا.

(٤) سقط من الأصل.

(٥) قبالته في الأصل : «بمعنى حسن».

(٦) الكتاب ٢ : ٢٣٣ وفيه «يئس يئس»!

٥١

(١) وأما ما كان على «فعل» منه فقد قالوا : يئس ييأس (٢) ، ويبس النّبت ييبس ، بالفتح لا غير (٣). فاعرفه.

فصل المعتل العين

لا يخلو (٤) حرف العلّة ، إذا كان عينا ، من أن يكون واوا أو ياء. وإذا كانت العين واوا فإنّ مثال الماضي منه يأتي على ثلاثة أبنية : فعل ، وفعل ، وفعل.

فأما الأوّل ، وهو «فعل» ، فإنه يأتي متعدّيا وغير متعدّ. فالمتعدّي نحو : قال القول ، وعاد المريض. وغير المتعدّي نحو : طاف ، وقام.

والمضارع منه «يفعل» نحو : يقول ، ويعود ، ويطوف ، ويقوم. ولم يأت من ذلك «يفعل» بالكسر ، لتسلم الواو من القلب إلى الياء (٥).

__________________

(١) زاد في ش : فصل.

(٢) زاد في ش : وييئس.

(٣) كذا ، وحكي فيهما الكسر. انظر الكتاب ٢ : ٢٣٣ والمنصف ١ : ١٩٦ والممتع ص ٤٣٧ وما سيأتي في ١٩.

(٤) انظر شرح المفصل ١٠ : ٦٤ ـ ٩٨.

(٥) سقط «إلى الياء» من الأصل.

٥٢

فإن قيل : فمن أين زعمتم أنّ هذه الأفعال ـ أعني : قال ، وعاد ، وطاف ، وقام ـ أصلها «فعل» بفتح العين ، ولم يكن «فعل» أو «فعل»؟ فالجواب أنها لا تخلو من أن تكون «فعل» كضرب ، أو «فعل» كعلم ، أو «فعل» كظرف. فلا يجوز أن تكون «فعل» بالكسر ، لأنّ المضارع منها على «يفعل» بالضمّ ، نحو : يقول ، ويعود. والأصل : يقول ، ويعود. فنقلوا الضمّ إلى الفاء ، على ما سيأتي في موضعه. و «يفعل» بالضمّ لا يكون من «فعل» على ما تقدّم ، إلّا ما شذّ من نحو : فضل يفضل ، ومتّ تموت. والعمل إنّما هو على الأكثر. ولا يجوز أن يكون «فعل» بالضمّ ، لوجهين : أحدهما أنهم قالوا : قلته ، وعدت المريض. و «فعل» لا يكون متعدّيا البتّة. والوجه الثاني أنه لو كان «فعل» بالضمّ لجاء الاسم منه على «فعيل» ، كما قالوا في ظرف : ظريف ، وفي شرف : شريف. فلمّا لم يقل ذلك ، بل قيل : قائل (١) ، وعائد ، دلّ أنّه «فعل» دون «فعل».

فإن قيل : الاسم من «فعل» لم يأت على منهاج واحد ، بل أتى على ضروب. فكما قالوا : ظريف ، وشريف ، من : ظرف ،

__________________

(١) ش : قائم.

٥٣

وشرف ، فكذلك قالوا : فره (١) فهو فاره ، وطهرت فهي طاهر ، وعقرت فهي عاقر (٢). فجاء الاسم منه على «فاعل». وجاء ١٨ أيضا على «فعل» / ؛ قالوا : صعب فهو صعب. وجاء أيضا على «فعل» قالوا : حسن فهو حسن. وجاء على «فعال» نحو : شجع فهو شجاع. وإذا كان قد أتى على هذه الضروب فلم يكن في قولهم : قائم (٣) ، وعائد ، دليل على أنه من «فعل» بالفتح ، دون «فعل» بالضمّ! قيل : الباب في «فعل» أن يأتي الاسم منه على «فعيل» أو «فعال» ، و «فعيل» أكثر. فإن خرج عن هذين البابين كان شاذّا ، يحفظ ولا يقاس عليه.

الثاني ، وهو «فعل» ، فإنه يأتي (٤) متعدّيا وغير متعدّ. فالمتعدّي نحو : خاف ، كقولك : خفت زيدا. وغير المتعدّي : راح يومنا يراح ، ومال زيد ، إذا صار ذا مال.

__________________

(١) في حاشية الأصل : «فره أي : قوي. ومنه بغل فاره أي : سريع السير قويّ العدو».

(٢) في حاشية الأصل : «العاقر : التي انقطع حملها. والعقيم التي لا تلد».

(٣) كذا في الأصل وش ، وهو صحيح ، والأجود «قائل» لأن الحديث أكثره على : قال وعاد.

(٤) سقط من ش.

٥٤

والمضارع منهما «يفعل» بالفتح نحو : يخاف ويراح. فالذي يدلّ أنّه من الواو ظهور الواو في قولهم : الخوف ، وأموال. ويدلّك أنه «فعل» أنّ مضارعه على «يفعل» نحو : يخاف ويمال. وقولهم : رجل (١) مال ، ويوم راح ، كما قالوا : حذر فهو حذر ، وفرق فهو فرق.

ولم يجىء من هذا «يفعل» بالكسر إلّا حرفان (٢) ، وهما : طاح يطيح (٣) ، وتاه يتيه (٤). فإنّ الخليل (٥) زعم أنّهما مثل «حسب يحسب». وهو من : طوّحت ، وتوّهت. فظهور الواو في «طوّح» و «توّه» يدلّ أنّهما من الواو. وإذا كانا من الواو فلا يجوز أن يكونا «فعل» بفتح العين ، لأنّ ما كانت عينه واوا ، وماضيه «فعل» ، فإنّ مستقبله «يفعل» بالضمّ ، مثل : قال يقول ، وقام يقوم. فلمّا قيل : يطيح ، ويتيه ، على «يفعل» بالكسر علمنا أنّ ماضيه «فعل» مكسور العين. ويدلّ على ذلك

__________________

(١) سقط من الأصل.

(٢) ومثلهما : آن يئين من الأوان. انظر ابن عصفور والتصريف ص ٨٠.

(٣) في حاشية الأصل : «طاح الشيء من يدي بمعنى سقط».

(٤) في حاشية الأصل : «تاه في مشيه إذا تبختر فيه. ويكون بمعنى التكبر».

(٥) المنصف ١ : ٢٦١ ـ ٢٦٢.

٥٥

«طحت» و «تهت» بكسر فائهما. ولو كان ماضيه «فعل» لقلت : طحت ، وتهت ، بالضمّ. فلمّا لم يقل ذلك دلّ أنهما من ١٩ قبيل : خاف وخفت. فإذا قلت : / يطيح ، ويتيه ، فأصلهما : يطوح ، ويتوه ، بالكسر. ثم نقلت كسرة الواو إلى ما قبلها ، فسكنت وانكسر ما قبلها ، فانقلبت الواو ياء. ومن قال : طيّحت ، وتيّهت ، كانا من الياء ، وكانا «فعل يفعل» مثل : باع يبيع.

وأما «فعل» منه (١) «طال يطول» إذا أردت (٢) خلاف «قصر». وهو غير متعدّ كما أن «قصر» غير متعدّ (٣) كذلك.

فهذا من المعتلّ نظير «ظرف» في الصحيح ؛ ألا ترى أنهم قالوا في الاسم منه : طويل ، كما قالوا : ظريف.

فإن كانت العين ياء فهي (٤) على ضربين : فعل بالفتح ، وفعل بالكسر. ولم يجىء منه فعل بالضمّ.

فالضرب الأوّل منه ، وهو «فعل» ، فإنّه يكون متعدّيا

__________________

(١) كذا. ويريد : فمنه.

(٢) في حاشية الأصل : «احترز به عن طال الذي بمعنى تطوّل أي أعطى».

(٣) سقط «غير متمد» من ش.

(٤) ش : فتجيء.

٥٦

وغير متعدّ. [فالمتعدّي] نحو : عابه ، وباعه ، وغير المتعدّي نحو : عال (١) وصار. والذي يدلّ على أنّه «فعل» أنه لو كان «فعل» لجاء مضارعه على «يفعل» بالفتح. فلمّا قالوا فيه : يبيع ، ويعيب ، ويعيل ، ويصير ، دلّ ذلك على أنّ ماضيه «فعل» بالفتح.

فإن قيل : فهلّا قلّم : إنّه «فعل» بالكسر ، وإن جاء مضارعه «يفعل» بالكسر ، ويكون من قبيل «حسب يحسب»! فالجواب أنّ باب «فعل» أن يأتي مضارعه على «يفعل» بفتح العين. هذا هو القياس. وأمّا «حسب يحسب» فهو قليل شاذّ. والعمل إنما هو على الأكثر ، مع أنّ جميع ما جاء من «فعل يفعل» بالكسر جاء فيه الأمران ، نحو : حسب يحسب ويحسب ، ونعم ينعم وينعم ، ويبس ييبس وييبس (٢). فلمّا اقتصر في مضارع هذا الفعل على «يفعل» (٣) بالكسر ، دون الفتح ، دلّ على أنّه ليس منه.

(٤) الضرب الثاني ، وهو «فعل» بكسر العين ، ويكون

__________________

(١) في حاشية الأصل : «عال إذا صار ذا عيلة وعيال ، وهم الأولاد والأتباع ونحوهم».

(٢) ش : «يئس ييئس وييأس». وانظر ما جاء في ١٦ من خلافه.

(٣) سقط «على يفعل» من الأصل.

(٤) زاد في ش : فصل.

٥٧

٢٠ متعدّيا وغير متعدّ. فالمتعدّي نحو : هبتيه ونلته. وغير المتعدّي / نحو : زال ، وحار طرفه. فهذه الأفعال عينها ياء ووزنها «فعل» بكسر العين. ويدلّ أنها من الياء قولهم : الهيبة ، والنّيل. فظهور الياء دليل على ما قلناه. وقالوا : زيّلته فزال ، وزايلته ، فظهرت الياء. وأصله أن يكون لازما ، فزيّلته كخرّجته من «خرج» ، وزايلته كجالسته من «جلس». وإنما نقل إلى حيّز الأفعال التي لا تستغني (١) بفاعليها ك «كان». ويدلّ على أنها «فعل» بكسر العين قولهم في المضارع منها «يفعل» بالفتح ، نحو : يهاب وينال ، ولا يزال ، ويحار طرفه.

ولم يأت (٢) من هذا «فعل» بالضمّ ، كأنهم رفضوا هذا البناء في هذا الباب ، لما يلزم من قلب الياء في المضارع.

فصل المعتل اللام

لا يخلو (٣) حرف العلّة ، إذا كان لاما ، من أن يكون واوا أو ياء.

__________________

(١) ش : لا يستغنى.

(٢) وحكى ابن جني عن بعض الكوفيين «هيؤ». انظر التاج (هيئة).

(٣) انظر شرح المفصل ١٠ : ٩٨ ـ ١٢٠.

٥٨

فإذا كان من ذوات الواو فإنه يجيء على ثلاثة أبنية : فعل ، وفعل ، وفعل.

فالأول ، وهو المفتوح العين ، يكون متعدّيا وغير متعدّ. فالمتعدّي نحو : غزا ، ودعا. وغير المتعدّي نحو : زقا (١) وصفا. والمضارع من هذا الباب يلزمه «يفعل» كما لزم ما الواو فيه ثانية ، فقالوا : يغزو ، ويدعو ، ويزقو ، ويصفو ، كما قالوا : يقوم ، ويقول. وقد قالوا : صغى يصغى ، وشأى يشأى ، فتحوه من أجل حرف الحلق ، كما قالوا : نحر ينحر ، وفخر يفخر. ولم يفعلوا ذلك في : باع يبيع ، وضاع يضوع ، للزوم العين السكون ، ولأنهم لو فعلوا ذلك ربّما أشكل «فعل» مفتوح العين ب «فعل» مكسور العين. ومثله : دعّ (٢) يدعّ ، وسحّت السّماء تسحّ. جعلوه كالمعتلّ حيث كان السكون لازما له.

البناء الثاني ، وهو «فعل» مكسور العين ، يكون (٣) متعدّيا

__________________

(١) في حاشية الأصل : «زقا الديك إذا صاح».

(٢) في حاشية الأصل : «دعّ أي : دفع. ومنه قوله تعالى : (يَوْمَ يُدَعُّونَ) ، أي : يدفعون».

(٣) في الأصل : «ويكون».

٥٩

وغير متعدّ. فالمتعدّي نحو : رضي. وغير المتعدّي نحو (١) : شقي ٢١ وقوي ؛ / ألا ترى أنها من الرّضوان والشّقوة والقوّة. والمضارع منهما «يفعل» بالفتح نحو : يرضى ، ويشقى ، ويقوى.

البناء الثالث ، وهو «فعل» مضموم العين ، قالوا (٢) : سرو (٣) الرجل يسرو فهو سريّ ، وبهو (٤) يبهو فهو بهيّ ، وبذو (٥) يبذو فهو بذيّ (٦).

فإن كان من ذوات الياء فهو أيضا على ثلاثة أبنية : فعل ، وفعل ، وفعل.

فأما «فعل» بفتح العين فيكون متعدّيا وغير متعدّ. فالمتعدي نحو : رمى ، ونهى. وغير المتعدّي : سرى وهمى. والمضارع منهما على «يفعل» نحو : يرمي ، ويسري ، ويهمي. لا يختلف ذلك بأن يجيء مضموما ومكسورا ، كما كان في الصحيح

__________________

(١) سقط من الأصل.

(٢) في الأصل : «فقالوا».

(٣) في حاشية الأصل : «سرو أي : صار سيدا».

(٤) في حاشية الأصل : «بهو أي : صار بهيا».

(٥) في حاشية الأصل : «بذو بمعنى رثت هيئته».

(٦) ش : «ندو يندو فهو نديّ».

٦٠