شرح الملوكى في التّصريف

ابن يعيش

شرح الملوكى في التّصريف

المؤلف:

ابن يعيش


المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

المحذوفة / من الواحد ، فصار في التقدير «شاه». وكان إعادة ١٢٣ المحذوف أولى من اجتلاب حرف غريب أجنبيّ. ثم أبدلت الهاء همزة فقيل : «شاء».

فإن قيل : فهلّا حين أعدتم اللام المحذوفة ، وحذفتم تاء التأنيث ، للفرق بين الواحد والجمع ، أعدتم العين إلى سكونها وصحّحتموها ، فقلتم «شوه» كحوض ، وروض! قيل : لمّا تحرّكت العين ، لمجاورة تاء التأنيث عند حذف اللام ، واستمرّ ذلك ، لزم (١) حتّى صارت الكلمة كأنها مصوغة (٢) على هذه البنية ، وصار ردّ اللام في الجمع كالعارض الذي لا يعتدّ به ، فثبتت الحركة في العين ، ولزم قلبها ألفا بعد ردّ اللام ، كما لزم الحذف في «لم تقل المراة» لكون الحركة عارضة.

هذا مذهب سيبويه ؛ ألا ترى أنّ «يدا» لمّا استمرّ حذف لامها ، واطّردت حركة عينها ، من نحو : هذه يد ، ورأيت يدا ، ومررت بيد ، لم يلزم ردّها (٣) في قوله (٤) :

__________________

(١) ش : ولزم.

(٢) ش : موضوعة.

(٣) في حاشية الأصل : «أي : ردّ العين إلى السكون بعد إعادة اللام ، لأن أصل يد كان : يديا ، بسكون العين».

(٤) شرح المفصل ٤ : ١٥١ و ٥ : ٨٣ و ٦ : ٥ والمنصف

٢٨١

يديان ، بيضاوان ، عند محلّم

قد تمنعانك أن تضام ، وتضهدا

و «يد» أصلها : يدي ، بلا خلاف. ولذلك لم يكن في قوله (١) :

فلو أنّا ، على حجر ، ذبحنا

جرى الدّميان ، بالخبر ، اليقين

دلالة على أنّ أصل «دم» : دمي ، بفتح العين ، لما ذكرنا. وسيأتي ذلك بعد (٢).

وإنّما أبدلوا الهمزة من الهاء في هذه المواضع ـ أعني : أهلا ، وماء ، وشاء ـ تعويضا ، ومقاصّة من كثرة دخول الهاء عليها في (٣) هيّاك نعبد ، وهيّاك نستعين ، وقوله (٤) :

__________________

١ : ٦٤ والخزانة ٣ : ٣٤٧ ـ ٣٤٩ وشرح شواهد الشافية ص ١١٣ والصحاح واللسان والتاج (يدي). ومحلم : ملك من ملوك اليمن. وتضهد : تقهر. وانظر ١٨٢.

(١) علي بن بدال السلمي. شرح المفصل ٤ : ١٥١ ـ ١٥٢ و ٦ : ٥ و ٩ : ٢٤ وانظر تخريجه شرح اختيارات المفضل ص ٧٦٢.

(٢) في الأصل : «بعده». وانظر ١٨١ ـ ١٨٤.

(٣) الآية ٥ من سورة الفاتحة.

(٤) طفيل الغنوي أو مضرس بن ربعي. انظر تخريجه في الممتع

٢٨٢

فهيّاك والأمر الذي إن توسّعت

موارده ضاقت عليك مصادره

و «هن فعلت فعلت» في : إن فعلت فعلت. على ما سيأتي (١). كما قالوا : الفتوى والتّقوى ، / والشّروى ، فقلبوا الياء ١٢٤ واوا ، قصاصا من كثرة دخول الياء عليها في : سيّد وميّت ، وشويته شيّا ، وطويته طيّا. وقالوا في دهدهت : «دهديت» ، أبدلوا الياء من الهاء ، قصاصا من إبدالهم الهاء من الياء في «هذه» ، والأصل : هذي. وأمثلة ذلك كثيرة. فاعرفه.

واعلم أنّه قد اجتمع في «ماء» و «شاء» إعلال العين بقلبها ألفا ، وإعلال اللام بقلبها همزة. وهو من الشاذّ الذي لا يقاس عليه. إلى ذلك أشار أبو عثمان (٢). وقال الجرجانيّ : الجمع بين إعلالين محظور في حروف المدّ واللين ، لكثرة اعتلالهنّ وتغيّرهنّ (٣) ، وأمّا الهاء

__________________

ص ٣٩٧ وفي ش : «وهياك». وسقط «ضاقت عليك مصادره» من الأصل. وانظر ١٣٣ و ١٣٤ وشرح المفصل ٨ : ١١٨ و ١٠ : ٤٢. ويروى : «عليك المصادر».

(١) سقط «على ما سيأتي» من ش. وانظر ١٣٤.

(٢) زاد في ش : رحمه‌الله.

(٣) ش : تغييرهن.

٢٨٣

والهمزة فحرفان صحيحان ، أبدل أحدهما من الآخر ، على قلّة وندرة ، فلا يعدّ إعلالهما إعلالا.

والصحيح الأوّل ، لما فيه من الإجحاف بالكلمة ، بلحاق التغيير لعينها ولامها.

* * *

٢٨٤

ابدال النون

قال صاحب الكتاب : تبدل النون من ألف التأنيث. قالوا في صنعاء : «صنعانيّ» ، وفي بهراء : «بهرانيّ». وإن شئت قلت : النون بدل من الواو في : صنعاويّ ، وبهراويّ.

قال الشارح (١) : القياس في : صنعاء ، وبهراء ، أن يقال فيهما في النّسب : «صنعاويّ» و «بهراويّ» ، كما تقول في صحراء : «صحراويّ» ، وفي خنفساء : «خنفساويّ». تبدل من الهمزة واوا ، فرقا بين الزائدة والأصليّة في «قثّاء» و «حنّاء».

إلّا أنّه ورد عنهم «صنعانيّ» و «بهرانيّ» على غير قياس. فمن الأصحاب من قال : النون بدل من الهمزة في «صنعاء». ومنهم

__________________

(١) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٣٦ و ٦ : ١١.

٢٨٥

من قال : هي بدل من الواو. كأنهم قالوا : «صنعاويّ» ١٢٥ كصحراويّ ، ثمّ أبدلوا من / الواو نونا. وهذا القول أحبّ إليّ ، وهو رأي أبي عليّ (١). وذلك من أجل أنّ النون لا تقارب الهمزة ، فتبدل منها ، لأنّ النون من الفم ، والهمزة من أقصى الحلق. وإنما النون تقارب الواو في المخرج ، فأبدلت منها ، كما أبدلت الواو من النون في قولك (٢)(مِنْ والٍ) ، و (٣) (مِنْ واقٍ) ، و «إن وّقفت وقفت». فاعرفه.

وقد ذهبوا إلى أنّ النون في «فعلان» فعلى (٤) ، نحو : سكران ، وعطشان ، وغضبان ، وحرّان ، بدل من همزة «صحراء» و «حمراء». وهو رأي الخليل وسيبويه (٥).

والذي حملهم على هذه المقالة شدّة التباسهما وتوافقهما ؛ ألا ترى أنّ وزنهما واحد في الحركة والسكون ، وأنّ في آخر كلّ واحد منهما زيادتين ، زيدتا معا ، الأولى منهما ألف. ومنها أنّ مؤنّث كلّ واحد

__________________

(١) زاد في ش : رحمه‌الله.

(٢) الآية ١ من سورة الرعد.

(٣) الآيات ٢١ من سورة غافر و ٣٤ و ٣٧ من سورة الرعد.

(٤) سقط من ش.

(٥) الكتاب ٢ : ١٠ و ٣١٤.

٢٨٦

منهما على غير لفظ مذكّره. فلمّا كان بين النون في «فعلان» نحو : عطشان وسكران ، وبين الهمزة في «فعلاء» نحو : حمراء وصفراء ، هذا التقارب ، قالوا : إنّ النون بدل من الهمزة.

واختلفوا في معنى البدل هنا ، فقال قوم : إنها بدل منها ، لا كإبدال التاء من الواو في «تجاه» و «تراث» وشبههما. وإنّما المراد بذلك أنّ النون تعاقب ، في هذا الموضع ، الهمزة ، كما تعاقب لام التعريف (١) التنوين ، أي : لا تجتمعان (٢). فلمّا لم تجامع النون الهمزة قيل : إنها بدل منها ، على معنى أنهما لا تجتمعان (٣) مع قرب ما بينهما. وقال قوم : إنما المراد بذلك البدل الصريح ، كإبدال التاء من الواو في «تراث» و «تخمة».

والقول هو الأوّل ، وعليه حذّاق أهل هذه الصناعة ، كأبي عليّ وشبهه ؛ ألا تراه لم يجعل النون في «صنعانيّ» بدلا من الهمزة في «صنعاء» لبعد النون من الهمزة ، / مع أنه لا معنى للإبدال ١٢٦ الحقيقيّ هنا. وذلك لأنا إنما قلنا : إنّ التاء في «تراث» و «تجاه»

__________________

(١) ش : المعرفة.

(٢) ش : لا يجتمعان.

(٣) ش : لا يجتمعان.

٢٨٧

بدل من الواو ، لدلالة الاشتقاق ، لأنّه من : ورثته (١) فهو موروث ، وواجهته مواجهة فهو وجيه. ولم تقم الدلالة على أنّ الهمزة استعملت للمذكّر في مثل «سكراء» و «عطشاء» ، حتّى نقول : إنّ النون في «سكران» و «عطشان» بدل منها. كيف وقد قامت الدلالة على أنّ الهمزة في مثل «حمراء» و «صحراء» بدل من ألف التأنيث في «حبلى» و «سكرى» ، والنون في «عطشان» و «سكران» تختصّ بالمذكّر ، فلا يكون ما هو مختصّ بالمذكّر بدلا من علم تأنيث ، هذا محال بيّن.

__________________

(١) في الأصل : ورث.

٢٨٨

ابدال الميم

قال صاحب الكتاب : تبدل الميم من النون الساكنة ، إذا وقعت قبل الباء ، نحو قولك (١) «عنبر وقنبر». اللفظ بهما «عمبر» و «قمبر» بالميم. وكذلك : «امرأة شنباء». فإن تحرّكت هذه النون لم تقلب ميما. تقول : عنابر ، وقنابر ، والشّنب ، والعنب.

قال الشارح (٢) : النون الساكنة حرف رخو ضعيف ، يمتدّ (٣) بغنّة في (٤) الخيشوم. والباء حرف شديد مجهور ، مخرجه من الشفة. وإذا جئت بالنون الساكنة قبل الباء خرجت من حرف ضعيف إلى حرف ينافيه ويضادّه ، وذلك ممّا يثقل. فجاؤوا بالميم مكان

__________________

(١) ش : «وذلك قولك». الملوكي : «وذلك في قولك».

(٢) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٣٤ ـ ٣٥.

(٣) في الأصل : تمتد.

(٤) ش : إلى.

٢٨٩

النون ، لأنها تشاركها في الغنّة ، وتوافق الباء في المخرج ، لكونها من الشفة ، فيتجانس الصوت بهما ولا يختلف ؛ ألا ترى أنّهم قالوا «صراط» ، وأصله «سراط» بالسين ، لأنّه من : سرطت الشيء ، إذا (١) بلعته ، كأنّ الطّريق يبتلع (٢) المارّة. فلمّا رأوا أنّ السّين حرف ضعيف مهموس منسلّ ، والطاء حرف شديد مطبق ، جاؤوا ١٢٧ بالصاد ، لتوافق السّين / في الهمس والصّفير ، وتوافق الطّاء في الإطباق. وإذا فعلوا ذلك ههنا ، مع الفصل بينهما ، فأن يفعلوه في «عنبر» و «شنباء» ، مع عدم الفصل ، أولى وأحرى.

فأمّا إذا تحرّكت النون في : الشّنب ، والعنب ، وعنابر ، فإنها تقوى بالحركة ، ويصير مخرجها من الفم ، فتبعد من الميم. فلم تقع (٣) موقعها.

قال صاحب الكتاب : وتبدل الميم من الواو في «فم» ، وأصله «فوه» بوزن : فوز (٤). فحذفت الهاء ، وأبدلت الواو ميما. فإن حقّرت أو كسّرت رددته إلى الأصل (٥) ، فقلت : فويه ، وأفواه.

__________________

(١) ش : أي.

(٢) في الأصل : تبلع.

(٣) في حاشية الأصل : «أي : الميم موقع النون».

(٤) زاد في الملوكي : وثوب وثور.

(٥) الملوكي : رددت الأصل.

٢٩٠

قال الشارح (١) : الأصل في «فم» : «فوه». عينه واو ، ولامه هاء. والذي يدلّ على ذلك قولك في التصغير : «فويه» ، وفي التكسير : «أفواه». ووزنه «فعل» بفتح الأول وسكون الثاني. إلّا أنّه وقعت الهاء فيه طرفا ، وهي مشبهة حروف المدّ واللين ، فحذفت كحذف حرف اللين ، من نحو «يد» و «دم». ومثله :

شفة ، وسنة ، وعضة. فلمّا حذفت الهاء بقي الاسم على حرفين ، الثاني منهما واو ، والأول مفتوح. فكان إبقاؤه على حاله يؤدّي إلى قلبه ألفا ، لتحرّكه بحركات الإعراب ، وكون ما قبله مفتوحا ، على حدّ «عصا» و «رحى». والألف تحذف عند دخول التنوين عليها ، لالتقاء الساكنين ، كعصا ورحى ، فيبقى الاسم المتمكّن على حرف واحد ، وهو معدوم. فلمّا أفضى إبقاء الواو إلى ما ذكر ، ولم يمكن حذفها ، لئلّا يبقى الاسم على حرف واحد ، فنصير (٢) إلى ما فررنا منه ، أبدلت منها الميم ، لأنّ الميم حرف صحيح ، لا تثقل عليه الحركات (٣) ، وفيها غنّة تناسب لين / الواو. فاعرفه. ١٢٨

__________________

(١) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٣٣ ـ ٣٤ و ١ : ٥٣.

(٢) ش : فيصير.

(٣) زاد في شرح المفصل : «وهو من مخرج الواو ، لأنهما من الشفة».

٢٩١

ابدال التاء

قال صاحب الكتاب : تبدل التاء من الواو في «هنت» لقولهم (١) : هنوات. وفي «بنت» و «أخت» لقولهم : أخوات ، والبنوّة (٢). وفي : تكأة ، و (٣) تكلان ، وتراث ، وتجاه ، وتقيّة ، وغير ذلك ، لقولهم : توكّأت ، ووكيل ، وورثت ، والوجه ، ووقيت. وقالوا : «أتلجه» ، والأصل (٤) : أولجه.

ومتى كانت (٥) فاء «افتعل» واوا أو ياء ، قلبت تاء في أكثر اللغة (٦). وذلك قولك : اتّزنت ، واتّعدت ، واتّلجت. قال طرفة (٧) :

__________________

(١) الملوكي : لقولك.

(٢) الملوكي : «لقولك : بنات وأخوات والأخوّة والبنوّة».

(٣) ش والملوكي : وفي.

(٤) الملوكي : أي.

(٥) في الأصل : كان.

(٦) ش : الكلام.

(٧) ديوانه ص ١٨٢ والممتع ص ٣٨٦ وسر الصناعة ١ : ١٦٣ وشرح المفصل ١٠ : ٣٧ والملوكي ص ٤٢. وانظر ص ٢٩٥.

٢٩٢

فإنّ القوافي يتّلجن موالجا

تضايق عنها ، أن تولّجها الإبر

وقال النحويّون ، في «مفتعل» من اليسر : «متّسر».

وأبدلت التاء أيضا من الياء في «ثنتين» (١) ، و «ذيت» ، و «كيت» ، لأنّه من : ثنيت ، ومن قولك : ذيّة ، وكيّة.

والتاء في «كلتا» بدل من لام «كلا» ، وأن تكون (٢) واوا أمثل من أن تكون (٣) ياء (٤).

قال الشارح (٥) : إبدال التاء من الواو ورد على ضربين : مقيس ، وغير مقيس.

فالمقيس : «افتعل» وما تصرّف منه ، إذا (٦) بنته ممّا فاؤه واو أو ياء ، فإنك تقلب فاءه تاء ، وتدغم التاء في تاء «افتعل». نحو : اتّزن يتّزن فهو متّزن ، وأصله : اوتزن يوتزن

__________________

(١) الملوكي : ثنتان.

(٢) ش والملوكي : يكون.

(٢) ش والملوكي : يكون.

(٣) زاد في الملوكي : «ولفظه إذا كانت واوا : كلوى».

(٤) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٣٦ ـ ٤١ و ٤ : ١٣٧.

(٥) في الأصل : وإذا.

٢٩٣

فهو موتزن. ففعل به ما قدّمناه ، من قلب الواو تاء ، وإدغامها في تاء «افتعل» ، فصار «اتّزن». ومثله «اتّعد» و «اتّلج». وكذلك لو بنيته من «وجل» و «وضؤ» لقلت : «اتّجل» و «اتّضأ». وقالوا فيما فاؤه ياء : اتّأس يتّئس ومتّئس ، إذا بنوه من : يئس. وقالوا : «اتّسر» ، وهو «افتعل» من : اليسر ، ومن أيسار (١) الجزور.

والعلّة في ذلك أنهم لو لم يقلبوهما تاء هنا لزمهم قلب الواو ياء ، ١٢٩ إذا / انكسر ما قبلها ، نحو قولك : ايتعد ، ايتلج ، ايتزن ، وفي الأمر (٢) : ايتعد ، ايتزن. وإذا انفتح ما قبلها قلبت ألفا ، نحو : ياتعد ، ياتلج ، في لغة من قال : ياجل ، وياحل. ثمّ ردّوها (٣) واوا إذا انضمّ ما قبلها. وكذلك الياء. فلمّا رأوا مصيرهم إلى تغيّرهما ، لتغيّر أحوال ما قبلهما ، لو لم يقلبوهما ، قلبوهما (٤) إلى التاء ، لأنه حرف جلد ، لا يتغيّر بتغيّر أحوال ما قبله ، وهو قريب

__________________

(١) في حاشية الأصل : «الأيسار : جمع يسر ، وهو المقامر بالجزور».

(٢) سقط من ش.

(٣) ش : «يردها». شرح المفصل : «ردها».

(٤) سقط من ش.

٢٩٤

المخرج من الواو ، وفيه همس يناسب لين الواو والياء ، ليوافق لفظه لفظ ما بعده ، وهو التاء ، فيدغم فيها ، ويقع النطق بهما دفعة واحدة.

فلذلك قالوا : اتّلج ، واتّعد ، واتّسر. قال الشاعر (١) :

فإنّ القوافي يتّلجن موالجا

تضايق عنها ، أن تولّجها الإبر

وقال الآخر (٢) :

فإن تتّعدني أتّعدك ، بمثلها

وسوف أزيد الباقيات القوارصا

ومن العرب من يجري ذلك على الأصل ، من غير إبدال ، ويحتمل من التغيير ما تجنّبه الآخرون ، فيقول : ايتعد وايتزن ، فهو موتعد وموتزن. والأوّل أكثر. ولكثرته كان مقيسا. فاعرفه.

وقد أبدلت الواو تاء على غير قياس ، وهو القسم الثاني ، قالوا :

__________________

(١) انظر ص ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

(٢) الأعشى. ديوانه ص ١٠١ والممتع ص ٣٨٦ وشرح المفصل ١٠ : ٣٧ وسر الصناعة ١ : ١٦٣. والقوارص : الكلمات المؤذية.

٢٩٥

«تكأة» ، وأصله «وكأة» ، لقولهم : توكّأت على العصا ، وأوكات الرّجل : أصبت له متّكأ.

وقالوا «تكلان» ، وهو «فعلان» من : وكلت أكل. يقال : رجل وكلة تكلة ، أي : عاجز يكل أمره إلى غيره. والوكيل منه ، كأنّه موكول إليه.

وقالوا : «تراث» وهو المال الموروث ، قال الله تعالى (١)(وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا.) قال الشاعر (٢) :

فإن تهدموا بالغدر داري فإنّها

تراث كريم ، لا يبالي العواقبا /

وأصله «وراث» لأنّه من الوراثة. يقال : ورثت أرث وراثة ، وورثا وإرثا. قلبوا الواو همزة ، على حدّ «وشاح» و «إشاح».

وقالوا : «تجاه» ، وأصله : وجاه ، لأنه من الوجه ، وهو مستقبل كلّ شيء.

__________________

(١) الآية ١٩ من سورة الفجر.

(٢) سعد بن ناشب. شرح الحماسة للمرزوقي ص ٧٠ وللتبريزي ١ : ٧٢ والخزانة ٣ : ٤٤٤ ـ ٤٤٦ وشرح المفصل ١٠ : ٣٩.

٢٩٦

وقالوا : «تقيّة» ، وأصلها : وقيّة «فعيلة» من : وقيت. و «التّقوى» : فعلى ، منه. و «تقاة» : فعلة منه.

وقالوا : «توراة» ، وأصلها : ووراة «فوعلة» من : وري الزّند.

و «تولج» (١) : فوعل ، من : ولج يلج.

وقال البغداديّون : توراة «تفعلة» ، وتولج «تفعل». والصحيح الأول ، لأنّ «فوعلا» أكثر من «تفعل» في الأسماء. ولو لم يقلبوها تاء فيهما لزمهم قلبها همزة ، لاجتماع الواوين ، على حدّ «أواصل» : جمع واصلة.

وقالوا : «تخمة» (٢) ، وأصلها «وخمة» ، لأنها من الوخامة ، والوخم هو الوباء. والتّخمة : داء كالهيضة.

وقالوا : «تيقور» ، وهو «فيعول» من الوقار. فالتاء أصلها الواو. قال الشاعر (٣) :

__________________

(١) التولج : كناس الوحش.

(٢) كذا بسكون الخاء ، وهي لغة العامة. التاج (وخم).

(٣) العجاج. ديوانه ص ٢٧. وانظر تخريجه في الممتع ص ٣٨٤.

٢٩٧

* فإن يكن أمسى البلى تيقوري (١) *

ومعناه : كأنّ الهمّ سكّن حدّته ، فوقّره.

فأما التاء في القسم نحو «تالله» فهي بدل من الواو في «والله» ، والواو بدل من الباء في «بالله» لأفعلنّ ، وبك لأفعلنّ. ولكون التاء بدلا من بدل ، اختصّت باسم الله ، ولم تقع في جميع مواقع الباء ؛ ألا ترى أنّ «آلا» لمّا كانت الألف فيه بدلا من همزة ، هي بدل من الهاء في «أهل» ، لم يقع في جميع مواقع «أهل» ، ولزم الأخصّ الأشرف. فلا يقال : آل الحائك ، ولا آل البزّاز. بل يقال : القرّاء آل الله ، واللهمّ صلّ على محمّد وآله.

١٣١ وقد أبدلت الواو تاء أيضا ، لاما ، قالوا : «هنت» /. فالتاء فيه بدل من الواو ، لقولهم في الجمع : «هنوات». قال الشاعر (٢) :

__________________

(١) في حاشية الأصل : «مصدر كالوقار».

(٢) الكتاب ٢ : ٨١ وشرح المفصل ١ : ٥٣ و ٥ : ٣٨ و ٦ : ٣ و ١٠ : ٤٠ والملوكي ص ٤٧ والصحاح واللسان والتاج (هنو) والمقتضب ٢ : ٢٧٠ وأمالي ابن الشجري ٢ : ٣٨ وسر الصناعة ١ : ١٦٧ والمنصف ٣ : ١٣٩. وانظر ١٣٥ و ١٣٦ و ١٣٧ و ١٧٧.

٢٩٨

أرى ابن نزار قد جفاني ، وملّني

على هنوات ، شأنها متتابع

وقالوا : «بنت» و «أخت». فالتاء فيهما بدل من الواو التي هي اللام (١). وأصل بنت : «بنو» ، على زنة «فعل» بفتح الفاء والعين. وكذلك أخت أصلها «أخو». فنقل «ابن» من فعل إلى «فعل» كعدل وجذع ، في المؤنث. ونقل «أخ» من فعل إلى «فعل» كقفل وبرد. وأبدل من لاميهما التاء. وليست التاء فيهما علم التأنيث ؛ ألا ترى أنّ ما قبل التاء فيهما ساكن ، وتاء التأنيث لا يكون ما قبلها إلّا مفتوحا ، نحو : حمزة ، وطلحة ، وقائمة ، وقاعدة ، لأنها بمثابة اسم ضمّ إلى اسم وركّب معه ، ففتح ما قبلها ، كفتح ما قبل الاسم الثاني من «حضرموت» و «بعلبكّ». وإنما علم التأنيث في «بنت» و «أخت» بناؤهما على هاتين الصّيغتين ، ونقلهما من (٢) بنائهما الأوّل. ولذلك تتعاقب الصّيغة في «بنت» وتاء التأنيث في «ابنة» ، فيقال : بنت ، وابنة. فتكون الصيغة في بنت مقابلة تاء التأنيث في ابنة. والكلام عليهما يأتي مستوفى في

__________________

(١) في الأصل : لام.

(٢) ش : عن.

٢٩٩

فصل الحذف (١).

وأما «ثنتان» (٢) فالتاء فيه بدل من لامه أيضا. وهي ياء ، بدليل الاشتقاق ، لأنّه من : ثنى يثني ، لأنّ الاثنين كلّ واحد منهما يثنى على الآخر. وأصله «ثني» (٣)» كقنو. والكلام فيه كالكلام على «بنت». فاعرفه.

وأما «كلتا» (٤) في قولهم : جاءتني المرأتان كلتاهما ، ومررت بهما كلتيهما ، فذهب سيبويه إلى أنّها «فعلى» بمنزلة الذّكرى ، ١٣٢ وأصلها «كلوا» ، / فأبدلت الواو تاء. وهي عنده اسم مفرد ، يفيد معنى التثنية خلافا للكوفيّين ، وليس من لفظ «كلّ». بل من معناه. والذي يدلّ على أنه مفرد مجيء الخبر عنه مفردا. نحو قوله (٥) :

أكاشره ، وأعلم أن كلانا

على ما ساء صاحبه ، حريص

__________________

(١) في حاشية الأصل : «بلغ». وانظر ١٧٧ ـ ١٧٨.

(٢) انظر شرح المفصل ٩ : ١٣٤.

(٣) في الأصل : «ثنو».

(٤) انظر شرح المفصل ٦ : ٦.

(٥) الكتاب ١ : ٤٤٠ والانصاف ٢٠١ وأمالي ابن الشجري ١ : ١٨٨ و ٤٤٣ وشرح المفصل ١ : ٥٤ والمقتضب ٢ : ٢٤١. وأكاشره : أصاحكه.

٣٠٠