ابن يعيش
المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
دبابيج. وهذا ونحوه لا يقاس عليه ، لقلّته.
قال الشارح (١) : إنّما كثر إبدال الياء ، لأنها حرف مجهور ، مخرجها من وسط اللسان. فلمّا توسّط مخرجها الفم ، وكان فيها من الخفّة ما ليس في غيرها ، كثر إبدالها كثرة ليست لغيرها. وإبدالها وقع على ضربين : مطّرد ، وشاذّ.
فالمطّرد : إبدالها من ثلاثة أحرف : الألف ، والواو ، والهمزة.
فإبدالها من الألف ، إذا انكسر ما قبلها ، نحو قولك في تصغير حملاق : «حميليق» ، وفي تصغير قرطاس : «قريطيس» ، وفي [تصغير](٢) مفتاح : «مفيتيح». وكذلك تقول في تكسيره : حماليق ، وقراطيس ، ومفاتيح. ومن ذلك : قاتلت قيتالا ، وضاربت ضيرابا ، الياء فيهما بدل من ألف «فاعلت» ، من قولك : قاتلت ، وضاربت.
وإنما قلبت الألف ياء ، لانكسار ما قبلها ، لضعفها ، وسعة
__________________
(١) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٢١ ـ ٢٩.
(٢) من شرح المفصل ١٠ : ٢١.
مخرجها ، ولزومها المدّ. فجرت ، لذلك ، مجرى المدّة المشبعة عن حركة ما قبلها. فلذلك لم يجز أن تخالف حركة ما قبلها مخرجها ، بل ذلك ممتنع مستحيل.
وأما إبدالها من الواو فإذا سكنت ، وانكسر ما قبلها ، ولم ١٠٤ تكن مدغمة ، نحو : ميعاد ، وميزان ، وميقات ، / وريح ، وديمة. والياء في ذلك منقلبة عن الواو ، لسكونها وانكسار ما قبلها. وأصله : موزان ، وموعاد ، وموقات ، وروح ، ودومة ، لأنه من : الوزن ، والوعد ، والوقت ، والرّوح ، والدّوام ؛ يقال : دوّمت السّحابة ، إذا طال مكثها ، قال الشاعر (١) :
* إن دوّموا جاد ، وإن جادوا وبل*
وربّما قالوا : دامت السّحابة تديم ديما ، جعلوه من الياء. والصحيح أنه من الواو ، لإجماع العرب طرّا على : الدّوام ، وهو أدوم من هذا.
وإنما قلبوا الواو ياء ، إذا سكنت وانكسر ما قبلها ، تشبيها بالألف ، من حيث أنّ الواو والياء متى سكنتا ، وكان قبلهما حركة من
__________________
(١) انظر ص ٢٤٠.
جنسيهما (١) ، كانتا مدّتين كالألف. فكما أنّ الألف منقلبة إذا انكسر ما قبلها أو انضمّ ، نحو «ضويرب» و «مفاتيح» ، فكذلك انقلبت الواو والياء ، إذا أشبهتاها (٢). إلّا أنّ النطق بالكسرة قبل الواو الساكنة ليس مستحيلا ، كاستحالة ذلك مع الألف ، بل هو (٣) مستثقل. وكذلك النطق بالضّمّة قبل الياء الساكنة.
فإن تحرّكت هذه الواو ، وزالت الكسرة عن الحرف الذي قبلها ، زال عنها شبه الألف ، وقويت بالحركة ، وعادت إلى أصلها. نحو : مويزين ، ومويعيد (٤) ، ومويقيت ، وموازين ، ومواقيت. فأمّا قولهم «عيد وأعياد» فإنّه ألزم القلب لكثرة استعماله. وأما «ريح» فتكسيره على «أرواح» ؛ قال الشاعر (٥) :
* تلفّه الأرواح ، والسّميّ*
وربما قالوا : «أرياح» ، ألزموه القلب ، وهو قليل من قبيل الغلط.
__________________
(١) ش : جنسهما.
(٢) في الأصل : أشبهتها.
(٣) ش : إلا أنه.
(٤) سقط من ش.
(٥) العجاج. ديوانه ص ٦٩ وشرح المفصل ٥ : ٤٤ والممتع ص ٢٣٦ والصحاح واللسان والتاج (سمو). والسميّ : جمع سماء.
وقوله «ما لم تكن مدغمة» (١) احتراز من (٢) مثل «اخرواط» ١٠٥ و «اجلوّاذ». فإنك لا تقلب / الواو فيهما ياء ، مع سكونها وانكسار ما قبلها ، لتحصّنها بالإدغام ، وخروجها عن شبه الألف ، إذ الألف لا تدغم ولا يدغم (٣) فيها. وله عقد (٤) ، يذكر فيه ، إن شاء الله تعالى.
وأما إبدالها من الهمزة ، فإذا سكنت ، وانكسر ما قبلها ، وأريد تخفيفها ، قلبت ياء خالصة ، نحو قولك في تخفيف ذئب : «ذيب» ، وفي تخفيف بئر : «بير».
فإذا (٥) كان قبل هذه الهمزة الساكنة همزة مكسورة قلبت الثانية ياء ، ولزم القلب ، لاجتماع الهمزتين. وذلك نحو «إيلاف» و «إيمان» ، وأصلهما : إئلاف ، وإئمان ، «إفعال» من : الألفة والأمن. ولا يجوز تحقيقها كما جاز في الواحدة.
وكذلك الهمزة المفتوحة ، إذا انكسر ما قبلها ، نحو «مئر» (٦)
__________________
(١) كذا وانظر ص ٢٣٩.
(٢) ش : احترازا عن.
(٣) سقط «ولا يدغم» من الأصل.
(٤) انظر ٢١٥ ـ ٢١٧.
(٥) ش : فان.
(٦) المئر : جمع مئرة ، وهي العداوة.
و «بئار» (١) ، تقلبها ياء خالصة ، إذا أردت تخفيفها ، لتعذّر جعلها بين بين ، لأنّ في جعلها بين بين تقريبا لها من الألف ، والألف لا يكون ما قبلها مكسورا ، فكذلك ما قرب منها.
وكذلك لو وقعت هذه الهمزة بعد ياء «فعيل» ، أو بعد ياء التحقير ، فإنّ تخفيفها بقلبها ياء خالصة ، وإدغام ما قبلها فيها. وذلك قولك في تخفيف خطيئة : «خطية» ، وفي تخفيف نبيء : «نبيّ». وتقول في تخفيف أريئس ـ تصغير أرؤس ـ : «أريّس». وذلك لأنه لا يجوز تخفيف هذه الهمزة ، بإلقاء حركتها على الساكن قبلها ، على حدّ قولك في يسأل : «يسل» ، ويجأر : «يجر». لأنّ ياء «فعيل» حرف مدّ ، وحرف المدّ لا يجوز تحريكه ، لأنه متى حرّك فارق المدّ. وكذلك ياء التّصغير لا يجوز تحريكها ، لأنّها رسيلة ألف التكسير وأختها ، فكما أنّ الألف لا تتحرّك فكذلك هذه الياء أيضا لا تتحرّك.
على أنّ بعضهم قال في تخفيف خطيئة : / «خطية» ، ١٠٦ فحرّك الياء بحركة الهمزة ، وهو قليل شاذّ.
__________________
(١) البئار : جمع بئر. وفي الأصل : سئر.
وأمّا القسم الثاني من أقسام إبدالها (١) ، وهو الشاذّ ، فقد أبدلت من حروف صالحة العدّة ، على غير قياس ، وإنما تحفظ حفظا ، ولا يقاس عليها (٢).
وأكثر ما جاء من ذلك فيما كان مضاعفا ، لثقل التّضعيف ، قالوا : «ديباج» وهو فارسيّ معرّب ، وأصله : «دبّاج» ، لقولهم في تكسيره : دبابيج ، وفي تصغيره : دبيبيج. والتّصغير والتّكسير مما تردّ (٣) فيه الأشياء إلى أصولها ؛ ألا تراك تقول في تكسير باب : أبواب ، وفي ناب : أنياب ، وتقول في تحقيرهما : بويب ، ونييب. فعادت الألف فيهما إلى الأصل. ونظائر ذلك كثيرة (٤). ومن قال في التكسير : ديابيج ، بالياء ، وفي التصغير : دييبيج ، لم تكن عنده بدلا من شيء ، وكانت زائدة في الكلمة ، لأنها لا تكون أصلا في بنات الأربعة (٥). ووزن الكلمة إذا «فيعال».
وقالوا : «لا وربيك» ، يريدون : لا وربّك. فأبدل من
__________________
(١) في الأصل : بدلها.
(٢) في الأصل : وإنما يحفظ حفظا ولا يقاس عليه.
(٣) ش : يردّ.
(٤) ش : كثير.
(٥) في الأصل وش : الثلاثة.
الباء الثانية ياء ، لثقل التّضعيف.
وقد ذهب قوم إلى أنّ قولهم «لبّيت بالحجّ» أصله عنده ، لبّبت : «فعّلت» ، من قولهم : ألبّ الرّجل (١) بالمكان ، إذا أقام به. والصحيح عند المحقّقين أنّه مشتقّ من لفظ «لبّيك» (٢) ، كما قالوا : «سبحل» من : سبحان الله ، و «هيلل» (٣) من : لا إله إلّا الله. فالياء في «لبّيت» هي الياء في «لبّيك» نفسها.
وقال يونس في «لبّيك» : إنّ أصلها : لببب ، على زنة «فعلل» ولا يحمله على «فعّل» كبقّم (٤) ، وخضّم (٥) ، لقلّته في الأسماء ، ثم أبدل من الباء الثالثة ياء (٦) للتضعيف ، فصار «لبّي» ، ثم أبدل من الياء ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، فصار «لبّى» ، ثم قلبها ياء مع كاف الضمير / ، كما تقلب ألف «لدى» ١٠٧ و «كلا». وهو قول واه ، لأنه لو كان مثل «لدى» و «كلا»
__________________
(١) سقط من ش.
(٢) انظر شرح المفصل ١ : ١١٨ ـ ١١٩.
(٣) ومنه الهيللة وهي التهليل. انظر التاج ٨ : ١١٣. والمشهور : هلّل.
(٤) البقم : العندم ، وهو صبغ معروف.
(٥) تحتها في الأصل : «اسم موضع».
(٦) سقط من الأصل.
لثبتت الألف مع الظاهر ، وانقلبت مع المضمر. فلمّا كانت ياء مع الظاهر والمضمر دلّ على خلاف مذهبه.
ومذهب الخليل وسيبويه أنّ «لبّيك» مثنّى ك «سعديك» ، ووزنه «فعليك» ، واشتقاقه من : ألبّ بالمكان ، إذا أقام به ، ومعناه : إقامة بعد إقامة على الطّاعة.
فأمّا قول الشاعر (١) :
قامت بها ، تنشد كلّ منشد |
|
فايتصلت ، بمثل ضوء الفرقد |
فإنه أراد «اتّصلت» ، فأبدل من التاء الأولى ياء ، للتضعيف. وقالوا : «ديجوج ودياج» ، فأبدلوا من الجيم الثانية ياء ، كراهية التضعيف ، كما أبدلوا من الياء جيما في قوله (٢) :
خالي عويف ، وأبو علجّ |
|
المطعمان اللّحم بالعشجّ |
__________________
(١) انظر تخريجه في الممتع ص ٣٧٩. وفي الأصل : تنشد.
(٢) انظر تخريجه في الممتع ص ٣٥٣ وانظر ١٤٣ والملوكي ص ٥٠ ـ ٥١ وشرح المفصل ٩ : ٧٤. وعلجّ : عليّ. والعسجّ : العشيّ.
ثم أدغموها في الياء الأولى المنقلبة عن واو : ديجوج ، فصار «دياجيّ» مشدّد الياء ، ثمّ حذفوا إحدى الياءين تخفيفا ، على حدّ «هين» و «لين» (١). ولزم التخفيف ههنا ، لقرب الياء من الجيم.
وقالوا «قيراط» وأصله «قرّاط» (٢) لقولهم في تكسيره : قراريط.
وقد ذهب بعضهم إلى أنّ «شيراز» (٣) أصلها : «شرّاز» ، وأنّ الياء بدل من الرّاء ، لقولهم في تكسيره : شراريز. ومن قال : شواريز ، فالياء عنده بدل من الواو ، لسكونها وانكسار ما قبلها ، وأصلها «شوراز» على زنة «فوعال». ولا يضير (٤)
__________________
(١) ش : هيّن وليّن.
(٢) في حاشية الأصل : «وجاء : خنّاب ، من غير قلب للنون الأولى. قال الجوهري : والخنّاب : الطويل من الرجل. وهذا مما جاء على أصله شاذا ، لأن كل ما كان على : فعّال ، من الأسماء أبدل من أحد حرفي تضعيفه ياء ، مثل ، دينار ، وقيراط ، كراهية أن يلتبس بالمصادر. إلّا أن يكون بالهاء فيخرج عن أصله ، مثل : دنّابة ، وصنّارة ، ودنّامة ، وخنّابة. لأنه الآن أمن التباسه بالمصادر». انظر الصحاح واللسان والتاج (خنب). قلت : وجاء على الأصل أيضا : حنّاء ، وقثّاء.
(٣) الشيراز : اللبن الخاثر المستخرج ماؤه.
(٤) في الأصل : ولا يضرّ.
عدم النظير ، مع قيام (١) الدّليل.
وقالوا : «تسرّيت» ، وأصله : تسرّرت ، من (٢) «السّرّيّة» وهي «فعليّة» من السّرّ ، وهو النّكاح ، وأصله ١٠٨ الإخفاء. / وسمّي النّكاح سرّا ، لأنّ من أراده استتر واستخفى. وتسرّيت : تفعّلت ، منه ، أي : اتّخذت سرّيّة. ويجوز أن تكون «سرّيّة» : «فعليّة» من السّرور ، كأنها تسرّ صاحبها بطواعيتها ، وهو قول أبي الحسن. وكلاهما سديد.
وقالوا : «قصّيت أظفاري» ، وأصله «قصّصت». فالياء بدل من الصاد. ويحتمل أن يكون قصّيتها بمعنى : أخذت أقاصيها ، فتكون الياء ، على هذا ، من نفس الكلمة غير مبدلة.
وقالوا ، في قول رؤبة (٣) :
* تقضّي البازي ، إذا البازي كسر*
__________________
(١) سقط من ش.
(٢) سقط «تسربت ... من» من ش.
(٣) ديوانه ص ١٧.
: إنّ معناه «تقضّض البازي» من : انقضّ الطائر. فأبدلوا من الضّاد الأخيرة ياء.
وقالوا : «تلعّيت» ، أي : أكلت اللّعاعة ، وهي بقلة ناعمة ، وأصله «تلعّعت» ، فالياء بدل من العين.
وقالوا في جمع مكّوك (١) : «مكاكيّ» ، وأصله «مكاكيك» ، كشبّوط وشبابيط ، إلّا أنهم كرهوا التّضعيف ، فأبدلوا من الكاف الأخيرة ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، وشدّدت لذلك.
وقالوا : أمللت الكتاب و «أمليته» ، فالياء بدل من اللّام الثانية. قال الله تعالى (٢)(فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ)(٣) بُكْرَةً وَأَصِيلاً ، وقال (٤)(وَلْيُمْلِلِ)(٥) الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ. فجاء التنزيل باللغتين (٦) معا (٧).
__________________
(١) المكوك : طاس يشرب به.
(٢) الآية ٥ من سورة الفرقان.
(٣) في الأصل : عليهم.
(٤) الآية ٢٨٢ من سورة البقرة.
(٥) في الأصل وش : فليملل.
(٦) في الأصل : بلغتين.
(٧) ش : جميعا.
وقالوا ، في قول الشاعر (١) :
نزور امرأ ، أمّا الإله فيتّقي |
|
وأمّا بفعل الصّالحين فيأتمي |
: إنه أراد «فيأتمّ».
وقالوا : «دينار» ، وأصله «دنّار» ، لقولهم : دنانير. فالياء بدل من النون.
ومن ذلك قولهم : «تظنّيت» هو : تظنّيت (٢) «تفعّلت» من الظّنّ. فالياء بدل من النون الأخيرة.
١٠٩ وقال أبو عمرو / ، في قوله تعالى (٣)(لَمْ يَتَسَنَّهْ :) إنّ أصله «يتسنّن» أي : يتغيّر ، من قوله (٤)(مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) أي : متغيّر. فأبدل من النون الأخيرة ياء ، للتّضعيف ، ثمّ قلبها ألفا لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، ثمّ حذفت للجزم ، والهاء دخلت لبيان الحركة. والصواب أن يكون «يتسنّه» من معنى : السّنة ،
__________________
(١) كثير عزة. انظر تخريجه في الممتع ص ٣٧٤.
(٢) سقط من ش.
(٣) الآية ٢٥٩ من سورة البقرة.
(٤) الآيات ٢٦ و ٣٣ و ٣٨ من سورة الحجر.
ولفظها ؛ والمعنى في ذلك أنّه لم تغيّره السّنون بمرورها ، والهاء أصليّة ، ووزنه «يتفعّل». هذا على [قول](١) من قال : سانهته. ومن قال : سنة سنواء (٢) ، كانت (٣) الهاء ـ أيضا ـ عنده للسّكت (٤).
وقالوا : «دهديت الحجر» أي : دحرجتها. وأصله «دهدهتها» لقولهم : دهدوهة (٥) الجعل ، لما يدحرجه.
وقالوا في «صهصهت» ـ إذا قلت (٦) : صه صه ـ : «صهصيت». فالياء (٧) بدل من الهاء للتضعيف.
وقالوا : «ديوان» ، وأصله «دوّان» ، ومثاله «فعّال». والنون فيه لام ، لقولهم : دوّنته ، ودواوين. فإن قيل : فهلّا قلبتم الواو ياء في «ديوان» للياء الساكنة قبلها ، كما فعلتم ذلك ب : «سيّد» و «ميّت»! قيل : لأنه كان يؤدّي إلى نقض الغرض ، لأنهم كرهوا التّضعيف في «دوّان» (٨) ، فأبدلوا ليختلف الحرفان. فلو
__________________
(١) من شرح المفصل ١٠ : ٢٥.
(٢) السنواء : الشديدة.
(٣) في الأصل : كان.
(٤) في حاشية الأصل : بلغ.
(٥) في الأصل وش : دهدهة.
(٦) زاد في ش : له.
(٧) في الأصل : الياء.
(٨) في الأصل : ديوان.
أبدلوا الواو فيما بعد للزم أن يقولوا : ديّان ، فيعودوا إلى نحو مما هربوا منه. مع أنّ الياء غير لازمة (١) ، وإنما أبدلت من الواو تخفيفا ؛ ألا تراهم قالوا : دواوين ، فأعادوا الواو ، لمّا زالت الكسرة من قبلها. على أنّ بعضهم قال : دياوين ، جعل البدل لازما.
وربّما جاء هذا البدل في غير (٢) التّضعيف ، أنشد سيبويه (٣) :
لها أشارير ، من لحم ، تتمّره |
|
من الثّعالي ، ووخز ، من أرانيها |
قالوا : أراد : الثّعالب ، والأرانب ، فاضطرّ إلى إسكان الباء (٤) ، فلم ١١٠ يمكنه / ذلك ، فأبدل من الباء ياء ساكنة ، في موضع الجرّ.
فأمّا قول الرّاجز (٥) :
__________________
(١) في الأصل : ملازمة.
(٢) زاد في ش : هذا.
(٣) الكتاب ١ : ٣٤٤. والبيت لأبي كاهل اليشكري ، وينسب إلى النمر بن تولب. انظر تخريجه في الممتع ص ٣٦٩. والأشارير : القطع من اللحم تجفف للادخار. وتتمره : تجففه. والوخز : قطع من اللحم.
(٤) سقط من ش.
(٥) انظر تخريجه في الممتع ص ٣٧٨. وزرع : مرخم زرعة.
يفديك ، يا زرع ، أبي ، وخالي |
|
قد مرّ يومان ، وهذا الثّالي |
وأنت ، بالهجران ، لا تبالي |
فإنه أبدل من الثّاء الثانية ياء ، كأنه كره باب «سلس وقلق».
ومثله قول الشاعر (١) :
إذا ما عدّ أربعة ، فسال |
|
فزوجك خامس ، وأبوك سادي |
وقال الآخر (٢) :
عمرو ، وكعب ، وعبد الله بينهما |
|
وابناهما خمسة ، والحارث السّادي |
أراد : السادس ، فأبدل من السين ياء.
وقالوا في إنسان : «إيسان» ، أبدلوا من النون الأولى ياء (٣) ، تشبيها ب «الثالث» و «السادس» ، قال الشاعر (٤) :
__________________
(١) النابغة الجعدي. انظر تخريجه في الممتع ص ٣٦٨. والفسال : جمع فسل ، وهو الرذل من الرجال.
(٢) شرح شواهد الشافية ص ٤٤٨.
(٣) سقط «وقالوا في ... ياء» من ش.
(٤) عامر بن جؤين. انظر تخريجه في الممتع ص ٣٧١.
فياليتني ، من بعد ما طاف أهلها ، |
|
هلكت ، ولم أسمع بها صوت إيسان |
فإذا كسّروه قالوا : «أناسيّ» ، بالنّون ، على الأصل. وربّما قالوا : «أياسيّ» بالياء على اللفظ ، كما قالوا : عيد وأعياد ، وجعلوه بدلا لازما. و «أناسيّ» أصله «أناسين» ، فأبدلوا من النون الثانية ياء ، وأدغموها في (١) الياء الأولى المبدلة من ألف : إنسان. وقيل : إن «أناسيّ» ليس تكسير : إنسان ، وإنما هو جمع «إنسيّ» ، كما قالوا : بختيّ وبخاتيّ.
وهذه الألفاظ ، وإن كانت كثيرة ، فهي بالنسبة إلى ما يبدل نزر يسير ، فلذلك لا يقاس عليه.
__________________
(١) كذا والصواب : وأدغموا فيها.
ابدال الواو
قال صاحب الكتاب : تبدل (١) من الألف في نحو «ضويرب» و «ضوارب». ومن الياء ، إذا سكنت وانضمّ ما قبلها ، غير مدغمة ، وذلك (٢) نحو «موسر» و «موقن». أصله (٣) : ميسر ، وميقن ، لأنهما من : اليسر ، واليقين. فتقول في التّصغير : مييسر ، ومييقن. وتبدل من الهمزة ، إذا سكنت وانضمّ ما قبلها ، / عند التخفيف (٤) ، وذلك قولك في (٥) ١١١ جؤنة (٦) : «جونه» ، وفي (٧) مؤمن : «مومن».
قال الشارح (٨) : إبدال الواو أيضا على ضربين : مقيس ، وغير
__________________
(١) الملوكي : تبدل الواو.
(٢) سقط من الأصل.
(٣) الملوكي : أصلها.
(٤) زاد في الملوكي : والبدل.
(٥) الملوكي : في تخفيف.
(٦) الجؤنة : سلة صغيرة مغطاة بالجلد ، يجعل فيها الطيب والثياب.
(٧) الملوكي : في تخفيف.
(٨) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه. أحسن الله توفيقه».
وانظر شرح المفصل ١٠ : ٢٩ ـ ٣٢.
مقيس.
فالمقيس إبدالها من ثلاثة أحرف : الألف ، والياء ، والهمزة.
فأمّا إبدالها من الألف فمتى وقعت ثانية ، وصغّرت الكلمة التي هي فيها ، انقلبت واوا ، نحو : «ضويرب» و «خويتم». وذلك لانضمام ما قبلها. وقالوا في التكسير : «ضوارب» و «خواتم». قال الشاعر (١) :
* وتترك أموال ، عليها الخواتم*
حملوا التّكسير في ذلك على التّصغير ، لأنهما من واد واحد ؛ ألا ترى أنّ علم التّصغير ، من حروف اللين ، يقع ثالثا ساكنا ، وبعده حرف مكسور ، كما أنّ التكسير هنا كذلك. فلمّا كان هذه المناسبة والمقاربة حمل كلّ واحد منهما على الآخر ؛ ألا ترى أنه كما حمل التكسير هنا على التصغير ، كذلك (٢) حمل التصغير في «أسيود» (٣)
__________________
(١) عجز بيت للأعشى. وصدره :
يقلن : حرام ما أحلّ بربّنا
ديوانه ص ٧٧ ـ ٨١ وشرح المفصل ١٠ : ٢٩ والمقتضب ٢ : ٢٥٧ والخصائص ٢ : ٤٩٠ والمخصص ١٠ : ١٠٨.
(٢) ش : فكذلك.
(٣) كذا ، وهو جائز. الهمع ٢ : ١٨٦.
و «جديول» على التكسير حيث قالوا : «أساود» و «جداول».
وقد شبّهت الألف المبدلة من الهمزة ، في مثل «آدم» و «آخر» ، بهذه الألف ، حيث لزمها البدل ، لاجتماع الهمزتين ، فقلبوها واوا فقالوا : أويدم ، وأويخر ، وأوادم وأواخر (١).
وقد أبدلوها من الألف المبدلة من الواو والياء معا ، وذلك قولك في النّسب إلى مثل عصا ، وفتى : «عصويّ» و «فتويّ». كأنهم أرادوا تحريك الألف ، لالتقاء الساكنين : سكون الألف ، والياء الأولى من ياءي النسب ، ولم يمكن تحريك الألف ، فقلبوها إلى حرف يمكن فيه الحركة ، فكان الواو. ولم يقلبوها ياء كراهية (٢) اجتماع ثلاث ياءات وكسرة.
وأمّا / إبدالها من الياء ، فإذا سكنت الياء وانضمّ ما قبلها ١١٢ قلبت واوا ، نحو «موسر» و «موقن» ، لأنه من : اليسر ، واليقين. فإن تحرّكت الياء (٣) ، أو زالت الضمّة من قبلها ، عادت
__________________
(١) زاد في ش : «قال :
* أوالف مكة من ورق الحمي*»
والبيت للعجاج وروايته : أوالفا. انظر ٩٩.
(٢) في الأصل : كراهة.
(٣) ش وشرح المفصل ١٠ : ٣٠ : «الواو». وانظر ص ٢٤٣.
إلى أصلها ، من نحو قولك في التصغير : مييسر ، ومييقن ، وفي التكسير : مياسير ، ومياقين.
وقوله «غير مدغمة» احتراز (١) من «العيّل» (٢) و «السّيّل» (٣) ، لأنّ الياء قد تحصّنت بالإدغام ، فلم تقلب. وسيأتي ذلك مستوفى.
وقد (٤) تقدّمت العلّة في قلب الواو ياء (٥) ، إذا سكنت وانكسر ما قبلها ، وهو شبهها بالألف. وفي ذلك غير ما تقدّم ، وهو أنّ هذه الحركات أبعاض هذه الحروف ، ونائبات عنها في كثير من المواضع ، على ما تقدّم شرحه. فإذا نطقت بالضّمّة فقد نطقت ببعض الواو ، فآذنت بتمامها. فإذا رجعت عنها إلى الياء فقد نقضت أوّل كلامك بآخره ، وخالفت بين طرفيه. فإذا بدأت بالضّمة ، وجئت بالياء ، فقد جئت بغير المتوقّع ، وذلك ـ وإن كان مستقلا ـ فليس بالمستحيل كاستحالة مجيء الألف بعد الكسرة
__________________
(١) ش : احترازا.
(٢) العيل : حمل عائل وهو الفقير. وانظر ٢١٥ ـ ٢١٦.
(٣) السيل : جمع سائل ، من سال يسيل. وانظر ٢١٥ ـ ٢١٦.
(٤) سقط من ش.
(٥) انظر ١٠٣ ـ ١٠٤.