شرح الملوكى في التّصريف

ابن يعيش

شرح الملوكى في التّصريف

المؤلف:

ابن يعيش


المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

أخ. كأنّ ذلك قد خرج منبهة على أصل القلب (١) ، كالقود ، والحوكة ، وأطولت. قال أبو عثمان (٢) : «هذا شاذّ (٣) ، مشبّه بما ليس مثله ، نحو «صوّم». كما شبّه الذين قالوا «صيّم» بباب «عصيّ». إلّا أنّ : صيّما ، وما كان مثله ، يطّرد ، ونجوّ ، وبهوّ (٤) ، لا يطّرد».

__________________

(١) ش : الباب.

(٢) المنصف ٢ : ١٢٣.

(٣) في حاشية الأصل : «أي : النحوّ وغيره ، مما ذكره ، مشبّه في التصحيح بصوّم ، وإن لم يكن مثله ، كما شبّه : صيّم ب : عصيّ. إلّا أنّ : صيّما ، وما كان مثله ، مطرد لحصول التخفيف ، إذ الياء أخف من الواو ، بخلاف : النحوّ ، إذ في حمله على : صوّم ، تثقيل لا تخفيف».

(٤) المنصف : وما كان مثله مطرد ، ونحوّ.

٤٨١

عقد

[ابدال أولى الواوين همزة]

قال صاحب الكتاب : كلّ واوين التقتا في أول الكلمة قلبت الأولى منهما همزة ، فتقول في تحقير : واصل : أو يصل ، وفي جمعه : أواصل (١). والأصل : وويصل ، وو واصل. فقلبت الواو الأولى همزة ، كراهية اجتماع (٢) الواوين في أوّل الكلمة. فأمّا قوله سبحانه وتعالى (٣)(ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) فإنما صحّت الواو فيه (٤) لأنّ الواو الثانية مدّة ، وإنما هي بدل من (٥) ألف «واريت». فلمّا لم تلزم لم يعتدّ بها. ومما قلبت فيه الواو همزة

__________________

(١) الملوكي : «وذلك نحو تحقير واصل وجمعه : أو يصل ، وأواصل».

(٢) الملوكي : لاجتماع.

(٣) سقط من الملوكي. والآية هي ٢٠ من سورة الأعراف.

(٤) الملوكي : فإنما صح ذلك.

(٥) سقط من الملوكي.

٤٨٢

قوله (١) :

ضربت صدرها إليّ ، وقالت :

يا عديّا ، لقد وقتك الأواقي

وأصله (٢) «الوواقي» جمع واقية ، كعافية وعواف. فإن توسّطت الواوان صحّتا. وذلك قولك في النسب إلى نوى ، وهوى : «نوويّ» و «هوويّ».

قال الشارح (٣) : اعلم أنّ التضعيف في أوائل الكلم قليل. وإنما جاءت أليفاظ يسيرة ، من نحو : «ددن». وأكثر ما يجيء منه مع الفصل ك «كوكب» و «ديدن». فلمّا ندر في الحروف الصحاح امتنع في الواو ، لثقلها ، مع أنها تكون معرّضة لدخول واو العطف ، وواو القسم ، فيجتمع ثلاث واوات ، وذلك مستثقل. فلذلك تقول في جمع واصلة : «أواصل». وأصله «وواصل» على حدّ : قائمة وقوائم. قال الشاعر :

* يا عديّا ، لقد وقتك الأواقي*

__________________

(١) الملوكي : «فلما لم تلزم لم يكن بها اعتداد. ومن المهموز من ذلك قول الشاعر». والبيت في الملوكي ص ٨٢. وانظر ص ٢٧٤.

(٢) الملوكي : والأصل.

(٣) انظر شرح المفصل ١٠ : ١٠.

٤٨٣

وكذلك لو بنيت من : وعد ، ووزن ، مثل «جورب» لقلت : «أوعد» و «أوزن». ولو سمّيت [بهما](١) لصرفتهما في المعرفة ، لأنهما «فوعل» ككوثر وجوهر (٢) ، وليسا ب «أفعل» كأورد (٣) ، وأولج.

ومن ذلك «الأولى». الهمزة فيها (٤) بدل من الواو ، وأصلها «وولى» ، لأنها تأنيث «الأوّل». ولم يستعمل منها (٥) فعل.

وأمّا قوله تعالى (٦)(ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما) فلم يهمز ، لأنّ الواو الثانية لا اعتداد بها ، من حيث أنها ألف «واريت» ، فقلبت (٧) واوا لانضمام ما قبلها. ولذلك لم يدغم في مثل «سوير» و «بويع». ولو بنيت مثل «فوعل» من : وعد ، ووزن ، لقلت : «ووعد» و «ووزن» ، ولم تهمز ، لأنها زائدة

__________________

(١) من شرح المفصل ١٠ : ١٠.

(٢) زاد في ش : وجهور.

(٣) ش : كأود.

(٤) ش : منها.

(٥) ش : «منهما». وفي حاشية الأصل : «أي : من الأولى ، بخلاف : قربى ، وبعدى ، وغيرهما ، لأنه استعمل منهما : قرب ، وبعد».

(٦) الآية ٢٠ من سورة الأعراف.

(٧) ش : قلبت.

٤٨٤

مضموم ما قبلها ، فصارت مدّة. وجرت (١) مجرى المنقلبة عن ألف «فاعل». وهمز واو «ووري» و «ووعد» جائز ، لانضمامها ، على حدّ «وقّتت ، وأقّتت» ، لا لاجتماع الواوين ، على حدّ «أواصل».

فإذا توسّطت الواوان صحّتا ، نحو «نوويّ» في النسب إلى «نوى» ، و «هوويّ» في النسب إلى «هوى» ، لأنّ التضعيف لا يستثقل آخرا ، كما يستثقل أوّلا. ولذلك كثر نحو : شدّ ، ومدّ ، وحبّ (٢) ، ودرّ ، وقلّ باب «ددن» و «كوكب». ومع ذلك فإنه موضع يؤمن فيه دخول واو العطف وواو القسم.

ونحو ذلك (٣) «الأولى». فاعرفه.

__________________

(١) في الأصل : وجرى.

(٢) ش : وجبّ.

(٣) في حاشية الأصل : «أي : في اجتماع المثلين في الأول».

٤٨٥

عقد

[ابدال الواو همزة في منتهى المجموع]

قال صاحب الكتاب : إذا كان قبل ألف التكسير وبعدها حرفا علّة ، وجاور ما بعدها الطرف ، قلب (١) الحرف الأخير همزة ، وذلك نحو «أوائل». أصلها «أواول» ، فلمّا اكتنفت الألف الواوان ، وقربت الأخيرة من الطرف ، قلبت همزة. وكذلك «عيّل (٢) وعيائل» و «سيّقة (٣) وسيائق». هذا مذهب ٢١٢ صاحب الكتاب (٤). وأبو الحسن / يخالف (٥) فلا يهمز ، إلّا

__________________

(١) الملوكي : قلبت.

(٢) العيل : واحد العيال ، وهم الأولاد الذين يعال بهم.

(٣) السيقة : ما سيق من النهب.

(٤) صاحب الكتاب ههنا هو سيبويه.

(٥) الملوكي : يخالفه.

٤٨٦

في الواوين (١) خاصّة. فإن تراخى الطرف بحاجز صحّ في القولين جميعا ، وذلك نحو «طواويس» و «نواويس». وأما (٢) قول الراجز (٣) :

* وكحّل العينين ، بالعواور*

جمع عوّار (٤) ، كأنه إنما (٥) صحّت الواو لأنّه أراد «العواوير» (٦) ، فحذف الياء ضرورة ، وهو يريدها.

قال الشارح (٧) : اعلم أنّ ألف الجمع في «فواعل» أو «مفاعل» لمّا اكتنفها واوان ، وهي من جنسهما ، كانت (٨) الثانية مجاورة للطرف ، والطرف محلّ تغيير. وهم كثيرا ما يعطون الجار حكم مجاوره ؛ ألا ترى أنهم (٩) قالوا : «صيّم» و «قيّم» ، فأبدلوا

__________________

(١) زاد في الملوكي : جميعا.

(٢) الملوكي : فأما.

(٣) جندل بن مثنى الطهوي. انظر ص ٤٨٩ والملوكي ص ٨٥ وشرح المفصل ١٠ : ٩٢. وانظر في تخريجه الممتع ص ٣٣٩.

(٤) تحته في الأصل : «القذى».

(٥) كذا ، وفي الملوكي «فانما» وسقط منه «جمع عوار كأنه».

(٦) زاد في ش : وهو القذى.

(٧) انظر شرح المفصل ١٠ : ٩١ ـ ٩٤.

(٨) ش : من جنسيهما ، وكانت.

(٩) سقط من ش.

٤٨٧

الواو ياء ، لقربها من الطرف ، تشبيها ب «عصيّ» و «حقيّ». فكذلك أبدلوا الواو همزة في «أوائل» و «قوائل» ، تشبيها ب «كساء» و «سقاء» ، مع كراهية اجتماع الواوين ، بينهما حاجز غير حصين من جنسهما ، وهو الألف.

فإن اكتنفها ياءان ، أو ياء وواو ، فإنّ الخليل وسيبويه يهمزان فيهما ، ويجريانهما مجرى الواوين ، لمشابهة الياء الواو ، وأصل الهمز (١) في الواوين. وأبو الحسن لا يرى الهمز إلّا في الواوين ، لثقلهما ، ويحتجّ بقولهم في تكسير ضيون (٢) : «ضياون» ، من غير همز.

قال أبو عثمان (٣) : «سألت الأصمعيّ عن «عيّل» كيف تكسّره العرب؟ فقال : «عيائل» ، يهمزون كما يهمزون في الواوين». وهذا نصّ في محل النّزاع ، للخليل وسيبويه. وأما «ضيون وضياون» فهو شاذّ ، كأنه خرج منبهة على الأصل ، كالقود ، والحوكة ، مع كونه صحّ في الواحد وهو «ضيون». فلمّا صحّ في الواحد صحّ في الجمع ؛ ألا ترى أنهم لمّا أعلّوا «ديمة»

__________________

(١) في الأصل : الهمزة.

(٢) الضيون : السنّور الذكر.

(٣) المنصف ٢ : ٤٤.

٤٨٨

بقلب واوه ياء ، أعلّوا الجمع فقالوا : «ديم». فإعلال الجمع إنما كان لإعلال الواحد ، ولو لا إعلاله (١) في / الواحد لم يعلّ (٢) ٢١٣ الجمع ، لأنه لم يوجد فيه ما يوجب اعتلاله ، سوى ما ذكر. وفي «ضياون» بالعكس ، صحّ في الجمع مع وجود سبب الهمز (٣) ، لصحّة الواحد. وصار شذوذ صحّته في الجمع كشذوذ صحّته في الواحد.

فإن بعدت هذه الحروف عن الطرف ، وفصل بينها وبينه ياء أو غيره ، صحّت ، ولم (٤) تهمز ، نحو «طاووس وطواويس» و «ناووس ونواويس» ، لأنّ الموجب للقلب الثقل مع القرب من الطرف ، فلمّا فقد أحد وصفي العلّة ، وهو مجاورة الطرف ، لم يثبت الحكم.

فأمّا قوله (٥) :

* وكحّل العينين ، بالعواور*

فإنّ الألف ، وإن كان قد اكتنفها واوان في الجمع ، ومع ذلك لم يهمز (٦) ،

__________________

(١) في الأصل : اعتلاله.

(٢) في الأصل : لم يعتلّ.

(٣) في الأصل : الهمزة.

(٤) ش : فلم.

(٥) انظر ص ٤٨٧.

(٦) في الأصل : لم تهمز.

٤٨٩

فلأنّ الواو الثانية ، وإن كانت قد جاورت الطرف في اللفظ ، فهي في التقدير والحكم متباعدة عنه. وذلك لأنّ ثمّ ياء مقدّرة ، والتقدير «عواوير» بياء فاصلة بينها وبين الطرف ، ك «طواويس». وذلك من قبل أنّه جمع «عوّار» ، وحرف العلّة إذا وقع رابعا في المفرد لم يحذف في الجمع ، بل يقلب ياء ، إن كان (١) غير ياء ، نحو «حملاق وحماليق» و «جرموق وجراميق». فإن كان ياء بقي على حاله ، ولم يحذف ، ك «قنديل وقناديل». وإنما حذف الشاعر الياء من «العواوير» ضرورة ، وما حذف للضرورة فهو في حكم المنطوق به. فاعرفه.

__________________

(١) في الأصل : كانت.

٤٩٠

عقد

[اسم الفاعل من الأجوف]

قال صاحب الكتاب : متى اعتلّت عين فعل (١) ، فوقعت بعد ألف «فاعل» همزت البتة ، لاعتلالها. وذلك نحو : قام فهو قائم ، وسار فهو سائر ، وهاب فهو هائب. فإن صحّت في الماضي (٢) صحّت في اسم الفاعل (٣) ، وذلك نحو : عور فهو عاور ، وحول فهو حاول (٤) ، وصيد (٥) فهو صايد. غير مهموز.

قال الشارح (٦) : اسم الفاعل / لمّا كان بينه وبين الفعل ٢١٤

__________________

(١) ش والملوكي : فعل.

(٢) سقط «صحت في الماضي» من الملوكي.

(٣) زاد في الملوكي : أيضا.

(٤) في الأصل : عور وحول فهو عاور وحاول.

(٥) الملوكي : «صيد البعير».

(٦) انظر شرح المفصل ١٠ : ٧٧ ـ ٧٨ و ٦٦.

٤٩١

مضارعة ، ومشابهة (١) ، ومناسبة ، من حيث أنّه جار عليه في حركاته ، وسكناته ، وعدد حروفه ، ويجب (٢) بوجوبه ، ويعمل عمله ، اعتلّ باعتلاله وصحّ بصحّته ، ليكون العمل فيهما من وجه واحد ، ولا يختلف. ولو لا اعتلال فعله لما اعتلّ. فلذلك قلت : «قائم» و «سائر» و «هائب» ، بالهمز. والأصل «قاوم» و «ساير» و «هايب» ، فأريد إعلالها لاعتلال أفعالها. وإعلالها إمّا بالحذف أو القلب. فلم يجز الحذف ، لأنّه يزيل صيغة الفاعل ، ويصيّره إلى لفظ الفعل ، فيلتبس الاسم بالفعل. فإن قيل : الإعراب يفصل بينهما ، فإذا قلت : «هذا قام يا فتى» ، علم بالرفع أنه اسم. وإذا قلت : «هذا قام» ـ بالفتح من غير إعراب ولا تنوين ـ علم أنّه فعل! قيل : الإعراب لا يكفي فارقا ، لأنه قد يطرأ عليه الوقف ، فيزيله ، فيبقى الالتباس (٣) على حاله. وكانت (٤) الواو والياء بعد ألف زائدة ، وهما مجاورتا الطرف ، فقلبتا (٥)

__________________

(١) سقط من ش.

(٢) يجب : يكون واجبا ، وهو الفعل اللازم الذي لا يتعدى إلى مفعول به.

(٣) في الأصل : الالباس.

(٤) ش : «وإن كانت». وفي شرح المفصل ١٠ : ٦٦ : «فكانت».

(٥) ش : قلبتا.

٤٩٢

همزة ، بعد قلبهما (١) ألفا ، ك «كساء» و «رداء» على حدّ «أوائل» ، وكما قلبوا العين في «صيّم» و «قيّم» تشبيها ب «عصيّ» و «حقيّ».

فإن قيل : مشابهة «قيّم» و «صيّم» باب «جثيّ» و «عتيّ» (٢) شيء سوّغ القلب وجوّزه ، مع جواز استعمال الأصل فيه ، فما بالكم أوجبتم القلب والاعتلال (٣) في «قائم» و «بائع» ولم تجيزوا استعمال الأصل؟ قيل : الاعتلال في اسم الفاعل (٤) نحو «قائم» و «قائل» ونحوهما ، إنما كان لاعتلال أفعالها. وحين وجب الإعلال كان بالقلب أولى (٥) ، لمشابهة «كساء» و «رداء» ، لمجاورة الطرف. فاعرف الفرق.

والذي يدلّ ، أن الإعلال سرى من الفعل الماضي إلى اسم الفاعل ، أنّه إذا صحّت فيه صحّت في اسم الفاعل ، / نحو «عاور» ٢١٥ و «حاول» و «صايد».

قال أبو الفتح عثمان (٦) بن جنّي (٧) : «إنما وجب همز عين اسم

__________________

(١) في الأصل : قلبها.

(٢) ش : وعصيّ.

(٣) ش : الاعلال.

(٤) زاد في الأصل هنا : على.

(٥) سقط من ش.

(٦) سقط من ش.

(٧) انظر المنصف ١ : ٢٨٠ ـ ٢٨١. وهذا المذهب أصله للمبرد. انظر المقتضب ١ : ٩٩.

٤٩٣

الفاعل ، لأنّ العين لمّا كانت (١) اعتلّت ، فانقلبت في «قال» و «باع» ألفا ، فلمّا جئت إلى اسم الفاعل ، وهو على «فاعل» صارت قبل عينه ألف «فاعل» ، والعين قد كانت انقلبت ألفا في الماضي. فالتقت في اسم الفاعل ألفان (٢) ، فلم يجز حذف إحداهما ، فيعود إلى لفظ : قام. فحرّكت الثانية التي هي عين ، كما حرّكت راء : ضارب ، فانقلبت همزة ، لأنّ الألف إذا حرّكت صارت همزة».

وهذا فيه بعد ، لأنّه لو كان الأمر على ما ذكر لوجب أن يقال في اسم الفاعل من «أقام» و «أخاف» : «مقئم» بالهمز ، و «مخئف» ، لأنّ الألف نقلت من الماضي إلى اسم الفاعل ، ثمّ حرّكت بالكسر ، فصارت همزة. ولا قائل به. فاعرفه (٣).

__________________

(١) المنصف : «اسم الفاعل إذا كان على وزن فاعل نحو : قائم ، وبائع ، لأن العين كانت قد».

(٢) زاد في المنصف : «وهذه صورتهما : قاام».

(٣) في حاشية الأصل : بلغ.

٤٩٤

عقد

[الادغام بمنع قلب الواو والياء]

قال صاحب الكتاب : الواو والياء متى أدغمتا احتمتا ، وتحصّنتا من القلب. وذلك نحو قولك «عيّل» و «سيّل». قال أبو النجم (١) :

* نباته بين التّلاع السيّل*

وقال آخر (٢) :

* وإذا هم نزلوا فمأوى العيّل*

فإن كان جمعا جاز البدل في الواو ، لثقل الجمع ، وذلك قولك في صوّم :

__________________

(١) الملوكي ص ٨٦ وشرح المفصل ١٠ : ٣١. وانظر ص ٤٩٧.

(٢) عجز بيت لأبي كبير الهذلي. وصدره :

يحمي الصّحاب ، إذا تكون كريهة

الملوكي ص ٨٦ وشرح المفصل ١٠ : ٣١ وشرح الحماسة للتبريزي ١ : ٨٩ وشرح أشعار الهذليين ص ١٠٧٥. وانظر ص ٤٩٧.

٤٩٥

«صيّم» ، وفي قوّم : «قيّم». قال الراجز (١) :

لو لا الإله ما سكنّا خضّما

ولا ظللنا ، بالمشائي ، قيّما

وقالوا : اجلوّذ (٢) اجلوّاذا ، واخروّط اخروّاطا. فصحّت الواو بعد الكسرة ، لأنها قويت بإدغامها. فإن تراخت الواو عن (٣) الطرف في الجمع (٤) بالحاجز (٥) صحّت ، وذلك نحو «صوّام» و «قوّام».

وربّما اعتلّت على بعدها عنه ، قال ذو الرّمة (٦) :

ألا ، طرقتنا ميّة بنة منذر

فما أرّق النّيّام إلّا سلامها

__________________

(١) الملوكي ص ٨٧ ومعجم ما استعجم ص ٥٠٢ ومعجم البلدان ٤ : ٤٤٨ وشرح المفصل ١ : ٦٠ والخصائص ٣ : ٢١٩ والصحاح واللسان والتاج (خضم) و (شأو). وخضم : اسم موضع. والمشائي : جمع مشآة ، وهي الزبيل من التراب يخرج من البئر. ويروى : «بالمشاء» وهو تناسل المال وكثرته.

(٢) سقط من ش.

(٣) في الأصل : من.

(٤) الملوكي : الواو في الجمع عن الطرف.

(٥) في الأصل : بخاجز.

(٦) ديوانه ص ٦٣٨ والملوكي ص ٨٧. وانظر تخريجه في الممتع ص ٤٩٨.

٤٩٦

/ هكذا أنشده ابن الاعرابيّ (١) بالياء. ٢١٦

قال الشارح (٢) : قد تقدّم (٣) أنّ الياء الساكنة إذا انضمّ ما قبلها قلبت واوا ، نحو «موسر» و «موقن». وهو من : اليسر ، واليقين. وكذلك الواو الساكنة تقلب ياء للكسرة قبلها ، نحو «ميزان» و «ميعاد». فإن أدغمتا تحصّنتا واحتمتا من القلب ، من قبل أنهما بالإدغام بعدتا من (٤) الاعتلال ، ومن شبه الألف من حيث أن الألف لا تدغم أبدا ، ولأنّ المدغم والمدغم فيه بمنزلة حرف واحد ، يرتفع بهما اللسان دفعة واحدة ، فهو لذلك في حكم المتحرّك. ولذلك يجوز الجمع بين ساكنين ، إذا كان الأوّل حرفا ليّنا والثاني مدغما ، ك «دابّة» و «شابّة» ، لأنّ لين الحرف الأوّل وامتداده كالحركة فيه ، والمدغم كالمتحرّك. وإذا كان كذلك ، وقويتا (٥) بالإدغام ، لم تتسلّط الحركتان قبلهما على قلبهما. قال أبو النجم (٦) :

__________________

(١) زاد في الملوكي : عن أبي الغمر.

(٢) انظر شرح المفصل ١٠ : ٩٣ ـ ٩٤ و ٣١ ـ ٣٢.

(٣) انظر ص ١١٢.

(٤) ش : عن.

(٥) في الأصل : وقويت.

(٦) انظر ص ٤٩٥ و ٢٦٠.

٤٩٧

كأنّ ريح المسك ، والقرنفل

نباته ، بين التّلاع ، السّيّل

وقال الآخر (١) :

وتركن نهدا عيّلا أبناؤها

وبنو فزارة كاللصّوت ، المرّد

وقال الآخر (٢) :

يحمي الصّحاب ، إذا تكون كرهية

وإذا هم نزلوا فمأوى العيّل

فلم تؤثّر الضمّه في ياء «السّيّل» ولا «العيّل» لإدغامها ، وإن كانت في الحقيقة ساكنة قبلها ضمّة.

وكذلك قالوا : اخروّط اخروّاطا ، واعلوّط اعلوّاطا ،

__________________

(١) عبد الأسود بن عامر بن جوين. سر الصناعة ١ : ١٧٣ والقلب والابدال لابن السكيت ص ٤٢ والجمهرة واللسان والتاج (لصت) و (عيل) وشرح شواهد الشافية ص ٤٧٥. واللصوت : اللصوص. وفي الأصل : «ويتركن»! وكذلك كانت في ش ثم صوبت كما أثبتنا.

(٢) انظر ص ٤٩٥ و ٢٦٠.

٤٩٨

واجلوّذ اجلوّاذا. فلم يقلبوا الواو الساكنة ياء لانكسار ما قبلها ، وذلك لما ذكرناه من تحصّنها بالإدغام. فلم يقولوا : اجليواذا ، واخريواطا. ولذلك كان قولهم في دوّان : «ديوان» من الشاذّ غير المقيس ، للتخفيف لثقل التضعيف ، لا لسكونها وانكسار ما قبلها. فهو من قبيل «قيراط» و «دينار» ، في : قرّاط ، ودنّار ، لا من قبيل «ميزان» و «ميعاد» (١). وربما قالوا : «اخريواط» و «اجليواذ» تشبيها ب «ديوان».

ولم يقل في «العيّل» و «السيّل» / : العويل ، ٢١٧ والسّويل ، لأنّ قلب الواو إلى الياء أخفّ من قلب الياء إلى الواو.

وأمّا (٢) «صائم وصيّم» و «قائم وقيّم» ففي هذا الجمع وجهان : أحدهما «صوّم» و «قوّم» بإثبات الواو على الأصل. ويجوز «صيّم» و «قيّم» بقلب الواو ياء. والعلّة في جواز القلب في هذا الجمع أنّ واحده قد اعتلّت عينه ، وهو «صائم» و «قائم» ، والجمع أثقل من الواحد. وجاورت الواو الطرف ، فأشبهت : «عصيّا» و «عتيّا». فقلبت الواو ياء ، كما تقلب في «عصيّ» و «عتيّ» ،

__________________

(١) ش : ميقات.

(٢) ش : وأما قولهم.

٤٩٩

لمجموع هذه الأسباب. وربما قالوا : «صيّم» و «قيّم» ، بكسر أوله كما قالوا : «عصيّ» و «عتيّ». قال الشاعر (١) :

فبات عذوفا للسّماء ، كأنّما

يوائم رهطا ، للعروبة ، صيّما

والذي يدلّ ، على أنّ القلب في «قيّم» و «صيّم» للمجاورة ، أنهم إذا تباعدت عن الطرف لم يجز القلب. وذلك نحو «صوّام» و «قوّام».

وربما قلبوا ، مع تباعده من الطرف. قال الشاعر (٢) :

* فما أرّق النّيّام إلّا سلامها*

وقالوا : «فلان في صيّابة قومه» و «وصوّابة قومه» ، حكاهما الفرّاء ، أي : في صميم قومه. والصّيّابة : الخيار من كلّ شيء.

والأصل : صوّابة ، لأنّه من : صاب يصوب. وإنما قلبوا الواو ياء.

__________________

(١) الأعشى. ديوانه ص ٢٠٢ والمنصف ٢ : ٤ وشرح المفصل ١٠ : ٩٣. يصف ثورا وحشيا. والعذوف : الذي منع نفسه عن الطعام أو الشراب. والرواية : «عذوبا» ، وهو الرافع رأسه قائما لا يأكل ولا يشرب. ويوائم : يباري. والعروبة : يوم الجمعة.

(٢) انظر ص ٤٩٦.

٥٠٠