شرح الملوكى في التّصريف

ابن يعيش

شرح الملوكى في التّصريف

المؤلف:

ابن يعيش


المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

وفعل : بضمّ الأوّل وسكون الثاني ، ويكون اسما وصفة. فالاسم برد وقفل. والصفة نحو عبر ومرّ. يقال : ناقة عبر أسفار ، أي : لا تزال يسافر عليها.

وفعل : بفتح الأوّل والثاني ، يكون اسما وصفة. فالاسم جمل وجبل. والصفة (١) حسن وبطل.

وفعل : بفتح الأوّل وكسر الثاني ، يكون اسما وصفة. فالاسم كتف وكبد ، والصفة حذر ووجع.

وفعل : بفتح الأوّل وضمّ الثاني ، يكون اسما وصفة. فالاسم عضد ورجل. والصفة حدث وحذر. يقال : رجل حدث ، أي : حسن الحديث. ورجل حذر ، أي : متيقّظ.

وفعل : بكسر الأول وفتح الثاني ، يكون (٢) اسما وصفة. فالاسم ضلع وعنب (٣). والصفة قالوا : قوم عدى. ولا نعلمه جاء صفة إلّا في هذا وحده (٤) من المعتلّ ، وهو اسم جنس وصف به

__________________

(١) زاد في ش : نحو.

(٢) سقط «بكسر الأول وفتح الثاني يكون» من ش.

(٣) ش : وعنب بكسر الأول وفتح الثاني.

(٤) كذا ، وقالوا : منزل زيم ، أي : متفرق الأهل. انظر الممتع ص ٦٣ ـ ٦٥.

٢١

الجمع كالسّفر والرّكب. وليس بتكسير ، لأنه لا نظير له في الجموع المكسّرة.

وفعل : بكسر الأوّل والثاني ، يكون اسما وصفة. فالاسم نحو إبل. قال سيبويه (١) : «وهو قليل ، ليس في الأسماء غيره». وقال أبو الحسن (٢) : يقال للخاصرة : إطل ، وأيطل. قال (٣) :

له أيطلا ظبي ، وساقا نعامة

وإرخاء سرحان ، وتقريب تتفل

وقالوا في الصفة : امرأة بلز (٤) ، وهي : العظيمة ، وقيل : القصيرة.

وفعل : بضمّ الأوّل والثاني ، يكون اسما وصفة. فالاسم طنب وعنق. والصفة ناقة سرح (٥) ، وطرح (٦).

__________________

(١) في الكتاب ٢ : ٣١٥ : «وهو قليل ، لا نعلم في الأسماء والصفات غيره».

(٢) وهو الأخفش الأوسط.

(٣) من معلقة امرىء القيس في ديوانه ص ٢١. والارخاء : ضرب من السير ليس بشديد. والسرحان : الذئب. والتقريب : ضرب من الجري. والتتفل : ولد الثعلب. وفي حاشية الأصل : «أي : تعجيل ولد الثعلب».

(٤) وقيل : أصل بلز هو بلزّ بالتشديد ثم خفّف. الممتع ص ٦٥.

(٥) السرح : السريعة المشي.

(٦) الطرح : جمع طروح ، وهي القوس الشديدة الحفز للسهم.

٢٢

وفعل : بضمّ الأوّل وفتح الثاني ، يكون (١) اسما وصفة. فالاسم ربع (٢) وخزز (٣). والصفة ختع (٤) وسكع (٥).

فهذه الأمثلة العشرة / كلّها ثلاثيّة. وهي جامعة لأصول الثلاثيّ ٥ كلّه.

وليس في الأسماء «فعل» إلّا «دئل» ، اسم قبيلة أبي الأسود. والمعارف غير معوّل عليها في الأبنية ، لأنه يجوز أن يسمّى الرجل بالاسم والفعل والحرف (٦). وقيل : الدّئل اسم دويبّة (٧) شبيهة بابن عرس ، فيما حكاه الأخفش. ولم يذكره (٨) سيبويه. قال الشاعر (٩) :

__________________

(١) ش : ويكون.

(٢) الربع : الفصيل يولد في الربيع.

(٣) في حاشية الأصل : «ذكر الأرانب ، وجمعه خزاز».

(٤) في حاشية الأصل : «أي : ماهر».

(٥) في حاشية الأصل : «أي : متردد في الباطل».

(٦) سقط «والمعارف غير ... والحرف» من ش ههنا ، وألحق بآخر هذه الفقرة.

(٧) زاد في ش : معروفة.

(٨) في الأصل : ولم يذكر.

(٩) كعب بن مالك الأنصاري. ديوانه ص ٢٥١ وشرح المفصل ١ : ٣٠ والمنصف ١ : ٢٠ والاقتضاب ص ٤٦٨. والمعرس : موضع النزول ليلا.

٢٣

جاؤوا بجيش ، او قيس معرسه

ما كان إلّا كمعرس الدّئل

ويجوز أن تكون قبيلة أبي الأسود منقولة منه (١).

وليس في الكلام «فعل». كأنّهم كرهوا الخروج من الكسر ، الذي هو ثقيل ، إلى الضمّ الذي هو أثقل منه.

واعلم أنّ الثلاثيّ أعدل الأبنية (٢) ، إذ كان : حرف (٣) يبتدأ به لا يكون (٤) إلّا متحرّكا ، وحرف (٥) يوقف عليه لا يكون إلّا ساكنا ، وحرف (٦) يكون حشوا في الكلمة فاصلا بينهما ، لئلّا يلي الابتداء الوقف ؛ لأن المتجاورين كالشي الواحد ، والوقف والابتداء متضادّان ، ففصل بينهما. وليس المراد بالاعتدال قلّة الحروف ، فإن في الكلام نحو : من ، وكم ، ولن ، وعن ، ولا يقال : إنّها أعدل الأبنية. وإنّما المراد بذلك أنها جاءت على مقتضى القياس.

__________________

(١) وذكروا أيضا : رءئم ووءعل. انظر الممتع ص ٦١.

(٢) انظر الخصائص ١ : ٥٥ ـ ٥٦.

(٣) ش : حرفا.

(٤) في الأصل : ولا يكون.

(٥) ش : وحرفا.

(٦) ش : وحرفا.

٢٤

والقسم الثاني : وهو الرّباعيّ. وله خمسة أبنية ، كلّها أصول (١). وهي :

فعلل : يكون اسما وصفة. فالاسم (٢) نحو جعفر وجندل (٣). والصفة سلهب (٤) وخلجم (٥).

وفعلل : يكون اسما وصفة. فالاسم زبرج (٦) وزئبر (٧). والصفة عنفص (٨) وصمرد (٩).

وفعلل : يكون اسما وصفة. فالاسم برثن (١٠) وحبرج (١١). والصفة جرشع (١٢) وكندر (١٣).

__________________

(١) انظر شرح المفصل ٦ : ١٣٦ ـ ١٣٧.

(٢) سقط «يكون اسما وصفة فالاسم» من ش.

(٣) الجندل : الحجارة.

(٤) السلهب : الطويل.

(٥) في حاشية الأصل : «الخلجم : الطويل».

(٦) في حاشية الأصل : «الزبرج : الزينة».

(٧) في حاشية الأصل : «خمل الثوب».

(٨) في الأصل وش : «عنقص». وفي حاشيتهما : «العنقص : المرأة البذيئة القليلة الحياء». والصواب بالفاء.

(٩) في حاشية الأصل : «الصمرد : الناقة القليلة اللبن».

(١٠) في حاشية الأصل : «برئن : مخلب الأسد».

(١١) في حاشية الأصل : «حبرج : ذكر الحبارى».

(١٢) في حاشية الأصل : «الجرشع [من] الابل : العظيم».

(١٣) تحتها في الأصل : «القصير».

٢٥

وفعلل : يكون اسما وصفة. فالاسم درهم. والصفة قال ٦ سيبويه (١) : / «هجرع (٢) ، وهبلع (٣)». وفيهما نظر يأتي بيانه (٤).

وفعلّ : يكون اسما وصفة. فالاسم فطحل (٥) ، وهو من أسماء الدهر ، وقمطر (٦). والصفة سبطر (٧) وهزبر (٨).

وأضاف أبو الحسن بناء سادسا ، وهو «فعلل» نحو : جخدب (٩). وسيبويه لا يثبت هذا الوزن ، ويرويه جخدبا كبرثن بالضمّ. ورواية الأخفش محمولة على إرادة جخادب ، ثمّ حذفوا ، لأنّهم يقولون : جخدب وجخادب ، كما قالوا : علبط وعلابط (١٠) ، وهدبد وهدابد (١١).

وأرى القول ما قاله أبو الحسن ، لأنّ الفرّاء قدحكى : برقع

__________________

(١) الكتاب ٢ : ٣٣٥.

(٢) فوقها في الأصل : «طويل».

(٣) فوقها في الأصل : «أكول».

(٤) انظر ٨٧.

(٥) في حاشية الأصل : «زمن لم يخلق الناس بعد».

(٦) في حاشية الأصل : «القمطر : ظرف السكر ، وما يصان فيه الكتب أيضا».

(٧) السبطر : الطويل الممتدّ.

(٨) في حاشية الأصل : «هزبر أي : قوي».

(٩) في حاشية الأصل : «جخدب : ضرب من الجراد».

(١٠) العلابط : الغليط من اللبن.

(١١) الهدابد : اللبن الخائر جدا.

٢٦

وبرقع (١) ، وطحلب (٢) وطحلب ، وقعدد (٣) وقعدد ، ودخلل (٤) ودخلل. فهذا وإن كان الضمّ فيه المشهور إلّا أنّ الفتح قد جاء عن الثّقة ، فلا سبيل إلى ردّه. ويؤيّد ذلك أنهم قالوا : سودد ، بمعنى السّيادة ، فهو من لفظ سيّد ، وعوطط (٥) من لفظ عائط. فإظهار التضعيف فيهما دليل على إرادة إلحاقهما (٦) بجخدب ، كما قالوا : مهدد (٧) وقردد (٨) ، حين أرادوا إلحاقه بجعفر. وعلى هذا تكون الألف في بهمى (٩) ودنيا (١٠) للالحاق بجخذب ، لقولهم في الواحد : بهماة ودنياة ، فيما حكاه (١١) ابن

__________________

(١) وانظر الممتع ص ٦٧.

(٢) الطحلب : الخضرة تعلو الماء المزمن.

(٣) في حاشية الأصل : «رجل قعدد إذا كان قريب الآباء من الجدّ الأكبر».

(٤) في حاشية الأصل : «دخلل الرجل : دخلله الذي يداخله في أموره ويخص به».

(٥) العوطط : الناقة لم تحمل سنين ، من غير عقر.

(٦) في الأصل : إلحاقها.

(٧) مهدد : اسم من أسماء النساء.

(٨) القردد : الوجه.

(٩) البهمى : ضرب من النبات. ش : «بهمأ». وفي الأصل : «بهمى». والوجه ما أثبتنا لتكون الألف للالحاق لا للتأنيث.

(١٠) في الأصل : «دنيا» والوجه ما أثبتنا لتكون الألف للالحاق لا للتأنيث.

(١١) في الأصل : «فيما حكاهما». ش : «تكون الألف في بهمأ ودنيا فيما حكاه».

٢٧

الأعرابي. فأما علبط فمحذوفة من علابط ، لأنه ليس في العربيّة كلمة تتوالى فيها أربع متحرّكات. والذي يدلّ على ما قلناه أنّه ليس شيء من هذا المثال ، إلّا ومثال فعالل جائز فيه. نحو عجالط (١) وعجلط ، وعكالط (٢) وعكلط ، ودوادم (٣) ودودم.

القسم الثالث : وهو (٤) الخماسيّ. وله أربعة أبنية :

فعلّل : ويكون اسما ويكون صفة. فالاسم فرزدق (٥) ٧ وسفرجل. والصفة شمردل (٦) وهمرجل (٧). /

وفعللّ : يكون اسما وصفة. فالاسم قرطعب (٨) وحنبتر (٩). والصفة جردحل (١٠) وحنزقر (١١).

__________________

(١) العحالط : اللبن الخاثر الثخين.

(٢) العكالط : اللبن الخاثر الثخين.

(٣) الدوادم : شيء شبه الدم ، يخرج من شجر السمر.

(٤) سقط «وهو» من الأصل. وانظر شرح المفصل ٦ : ١٤٣.

(٥) تحتها في الأصل : «قطعة مدورة من العجين».

(٦) تحتها في الأصل : «الفتي القوي».

(٧) الهمرجل : الجواد السريع.

(٨) فوقها في الأصل : «الشيء القليل».

(٩) الحنبتر : الشّدّة. ش : خنبتر.

(١٠) الجردحل : الضخم من الابل.

(١١) فوقها في الأصل : «القصير الذميم القصر».

٢٨

وفعللل : قالوا في الصفة : جحمرش (١) وصهصلق (٢). ولا نعلمه جاء اسما.

وفعلّل : يكون اسما وصفة. فالاسم قذعمل (٣). والصفة خبعثن (٤).

وقد ذكر محمد بن السّريّ (٥) بناء خامسا ، وهو «هندلع» (٦) لبقلة. وأحسبه رباعيّا والنّون فيه زائدة. ولو جاز أن يجعل «هندلع» بناء خامسا لجاز أن يجعل «كنهبل» (٧) بناء سادسا. وهذا يؤدّي إلى خرق متّسع.

فهذه أصول الأسماء المجرّدة من الزيادة. وقد ذهب الفرّاء والكسائيّ إلى أنّ الأصل في الأسماء كلّها الثلاثيّ ، وأنّ الرباعيّ فيه

__________________

(١) في حاشية الأصل : «الجحمرش : المرأة العجوز».

(٢) في حاشية الأصل : «صهصلق : صوت شديد. وقيل : العجوز الصخابة أيضا».

(٣) القذعمل : الشيء.

(٤) فوقها في الأصل : «الأسد الضخم».

(٥) زاد في ش : «رحمه‌الله». ومحمد بن السريّ هو ابن السرّاج.

(٦) انظر الممتع ص ٧١ والخصائص ٣ : ٢٠٣.

(٧) الكنهبل : ضرب من الشجر.

٢٩

زيادة حرف ، والخماسيّ فيه حرفان زائدان (١). والمذهب الأوّل ، وهو رأي سيبويه (٢). ولذلك تزنه بالفاء والعين واللام. ولو كان الأمر على ما ذكر لقوبل الزائد بمثله.

وإنّما لم يكن السداسيّ أصلا ، لأنه ضعف الأصل الأوّل ، فيصير كالمركّب مثل حضر موت ، فنقصوه عن ذلك. فافهمه ، إن شاء الله تعالى.

* * *

الضرب الثاني ، وهو الأفعال. وهي قسمان : ثلاثيّة ورباعيّة.

القسم الأول : وهي الثلاثيّة.

وهي ثلاثة أبنية (٣) :

فعل : كضرب وقتل.

وفعل : كعلم وسلم.

وفعل : كظرف وشرف.

فأمّا «فعل» فبناء ما لم يسمّ فاعله ، كضرب وقتل. وأصله «فعل» أو «فعل» ، ثمّ نقل فصار حديثا عن المفعول.

__________________

(١) في الأصل : زائدتان.

(٢) زاد في ش : «رحمه‌الله».

(٣) انظر شرح المفصل ٧ : ١٥٢ ـ ١٥٤.

٣٠

ولا يكون منقولا من «فعل» ، لأنه لازم لا يتعدّى إلى مفعول ، إلّا أن يكون معه ظرف أو جارّ ومجرور ، فإنه حينئذ يجوز أن يبنى منه «فعل» نحو : ظرف في هذا المكان. وقد ذهب قوم / إلى أنه ٨ بناء مستقلّ غير منقول من غيره. وهذا يأتي مستقصى بحججه في (١) «شرح المفصّل».

وليس في الأفعال «فعل» ساكن الحشو. فأمّا قوله (٢) :

فإن أهجه يضجر كما ضجر بازل

من الأدم ، دبرت صفحتاه ، وغاربه

فإنه أراد «ضجر» و «دبرت» ، إلّا أنّه أسكن لثقل الكسرة ، على حدّ قولهم ، في كتف : كتف. وأمّا قول الآخر (٣) :

__________________

(١) انظر شرح المفصل ٧ : ٦٩ ـ ٧٣ و ١٥٢.

(٢) الأخطل. شرح المفصل ٧ : ١٢٩ و ١٥٢ واللسان والتاج (ضجر) و (أدم) والمنصف ١ : ٢١ والانصاف ص ١٢٣ والكشاف ١ : ١٨٣ والكامل ص ٩٠٦. والبازل : ما بلغ التاسعة من الابل. ودبر : جرح وتقرّح.

(٣) كذا ، وهو للأخطل. ديوانه ص ١٣٧ وشرح المفصل ٧ : ١٥٢ والمنصف ١ : ٢١ واللسان والتاج (سلف). وسلف : وجب ومضى. والصفق : عقد البيع. وفي الأصل وش : «صفقة».

٣١

وما كلّ مبتاع ، ولو سلف صفقه

براجع ما قد فاته ، برداد

فإنه أراد «سلف» ، ثمّ أسكن ضرورة ، وهو شاذّ. فإسكان المفتوح ضرورة ، وإسكان المضموم والمكسور لغة.

القسم الثاني : وهو الرباعيّ. وله مثال واحد ، وهو (١) :

فعلل : نحو : دحرج ، وسرهف (٢).

وليس في الأفعال ما هو على أكثر من أربعة أحرف أصول. كأنّ ذلك لفضل الأسماء على الأفعال ، لقوّتها واستغنائها عن الأفعال ، وحاجة الأفعال إليها.

* * *

الضرب الثالث : الحروف :

وهي (٣) تكون على حرف واحد ، نحو : لام الجرّ وبائه ، وواو العطف وفائه.

__________________

(١) انظر شرح المفصل ٧ : ١٦٢.

(٢) في حاشية الأصل : «سرهف : حسّن غذاءه».

(٣) انظر شرح المفصل ٨ : ٢ ـ ١٥٨ و ٩ : ٢ ـ ٥٣.

٣٢

وتكون على حرفين ، نحو : من ، وهل ، وأم ، ولم ، وشبه ذلك.

وتكون على ثلاثة أحرف ، نحو : نعم ، وأنّ ، وليت.

ولا يجيء من الحروف ما هو على أربعة أحرف ، إلّا وأن يكون الرابع حرف لين ، نحو : حتّى ، وإلّا ، وأمّا ، لأنّ حرف اللّين يجري مجرى الحركة والزيادة للاطلاق. كأنّ ذلك لنقص الحروف عن درجة الأفعال ، كما نقصت الأفعال عن درجة الأسماء.

فإن قيل : إنّ في الحروف نحو : كأنّ ، ولعلّ ، ولكنّ ، وهي على أكثر من ثلاثة أحرف ، وليس فيها حرف لين! فالجواب : أمّا «كأنّ» فمر كبّة (١) ، وأصلها «إنّ» / دخلت عليها كاف ٩ التشبيه ، وركّبت معها كما ركّبت مع «ذا» و «أيّ» ، في «كذا» و «كأيّ». فإذا قلت : كأنّ زيدا الأسد ، فأصله : إنّ زيدا كالأسد. فلمّا تقدّمتها الكاف فتحت لها الهمزة ، كما تفتح مع سائر حروف الجرّ ، نحو : لأنّ ، وبأنّ. والفصل بينهما أنّ التشبيه في الفرع أقعد ، لأنّك تبني كلامك على التشبيه من أوّل الأمر. وفي

__________________

(١) انظر شرح المفصل ٨ : ٨١ ـ ٨٣.

٣٣

الأصل يمضي صدره على اليقين ، ثمّ يسري التشبيه من آخره إلى أوّله.

وأمّا «لعلّ» فهي (١) : «علّ» زيدت عليها اللام ، على حدّ زيادتها في قوله تعالى (٢)(إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ) في قراءة من فتح «أنّ» (٣). ودلّ على ذلك حذفهم إيّاها كثيرا. قال الشاعر (٤) :

علّ الهوى ، من بعيد ، أن يقرّبه

أمّ النّجوم ، ومرّ القوم بالعيس

وقال الآخر (٥) :

* يا أبتا علبّك ، أو عساكا*

وذهب الكوفيّون إلى أنّهما لغتان ، والأوّل أشبه وأقيس.

وأما «لكنّ» فحرف (٦) نادر البناء ، لا مثال له في الأسماء

__________________

(١) انظر شرح المفصل ٨ : ٨٧ ـ ٨٨.

(٢) الآية ٢٠ من سورة الفرقان.

(٣) في الأصل : إنّ.

(٤) جرير. ديوانه ص ٣٢٢ وشرح المفصل ٨ : ٨٧. والأم : القصد والتوجه ، يريد : الاهتداء بالنجوم. والمر : الاسراع.

(٥) رؤبة ، وقيل : هند بنت عتبة. انظر ١٧٣.

(٦) انظر شرح المفصل ٨ : ٧٤ و ٧٩ ـ ٨١.

٣٤

والأفعال ، وألفه أصل لأنّا لا نعلم أحدا ، يؤخذ بقوله ، ذهب إلى أنّ الألفات في الحروف زائدة. فلو سميّت به لصار اسما وكانت ألفه زائدة ، ويكون وزنه «فاعلّ» (١) ، لأنّ الألف لا تكون أصلا في ذوات الأربعة من الأسماء والأفعال وذهب الكوفيّون إلى أنّها مركّبة ، وأصلها «إنّ» زيدت عليها «لا» و «الكاف» وخفّفت الهمزة ، فصارت : لكنّ (٢). وهو قول حسن ، لندرة البناء وعدم النّظير. ويؤيّده دخول اللام في خبره ، كما تدخل في خبر «إنّ» ، نحو قول الكوفيّين (٣) : /

* ولكنّني من حبّها لعميد*

والمذهب الاوّل ، لضعف تركيب ثلاثة أشياء وجعلها حرفا واحدا. فاعرفه (٤).

__________________

(١) ش : فاعلا.

(٢) في الأصل : لكن.

(٣) عجز بيت ، صدره :

يلومونني في حبّ ليلى عواذلي

شرح ابن عقيل ١ : ٣٦٣ والمغني ص ٢٥٧ وشرح شواهده ص ٢٠٦ وشرح المفصل ٨ : ٦٤ و ٧٩ والانصاف ص ٢٠٩ والخزانة ٤ : ٣٤٣. ش : لكميد.

(٤) زاد في ش : إن شاء الله تعالى.

٣٥

[تصرّف الأصل]

قال الشيخ أبو الفتح (١) : مثال ذلك (٢) : ضرب ، فهذا مثال الماضي. فإن أردت المضارع قلت : يضرب. وإن أردت اسم الفاعل (٣) قلت : ضارب. وإن أردت اسم المفعول (٤) قلت : مضروب (٥). وإن (٦) أردت أنّ الفعل كان من أكثر من واحد ، على وجه المقابلة ، قلت : ضارب زيد عمرا (٧). وإن (٨) أردت أنّه كثّر الضرب وكرّره قلت : ضرّب. وإن (٩) أردت أنّه كان منه (١٠) الضرب في نفسه ، مع اختلاج وحركة ، قلت : اضطرب (١١).

__________________

(١) ش : قال الشيخ أبو الفتح عثمان بن جني رحمه‌الله.

(٢) الملوكي : نحو قولك.

(٣) ش : «فان أردت اسم الفاعل». الملوكي : «أو اسم الفاعل».

(٤) ش : «فان أردت اسم المفعول». الملوكي : «أو المفعول».

(٥) زاد في الملوكي : «أو المصدر قلت : ضربا ، أو فعل ما لم يسمّ فاعله قلت : ضرب».

(٦) ش : فان.

(٧) سقط «زيد عمرا» من الملوكي وزاد فيه «فان أردت أنه استدعى الضرب قلت : استضرب».

(٨) ش والملوكي : فان.

(٨) ش والملوكي : فان.

(٩) الملوكي : فيه.

(١٠) زاد في الملوكي : «وعلى هذا عامة التصرف في هذا النحو من كلام العرب».

٣٦

قال الشارح (١) : قد أشار صاحب الكتاب إلى طرف من التصريف ، وأراك دور الأصل في فروعه المختلفة الأبنية ، وعرّفك أنّ الأصل يتصرّف مرّة بالمضيّ نحو «ضرب» ، ومرّة بالحاضر أو المستقبل (٢) نحو «يضرب» أو «سيضرب» ، ومرّة يكون موصوفا به الموجد له نحو «ضارب» ، ومرّة يكون موصوفا به المحلّ نحو «مضروب» ، ومرّة يكثر الفعل نحو «ضرّب» ، ومرّة يقلّ ، ومرّة يكون من اثنين على وجه المقابلة نحو «ضارب» ، ومرّة يطاوع ، ومرّة لا يطاوع.

وجملة الأمر أنّ تصرّف الأصل ينقسم قسمين : تصرّف الفعل ، وتصرّف الاسم.

[تصرف الفعل]

فأمّا تصرّف الفعل فيكون بغير زيادة ، وبزيادة.

فأما تصرّفه بغير زيادة فعلى أربعة أضرب : فعل ، يفعل ، افعل ، لا تفعل.

__________________

(١) ش : «قال الشارح شيخنا موفق الدين رحمه‌الله».

(٢) في الأصل : والمستقبل.

٣٧

فأمّا «فعل» فهو بناء يختصّ به الماضي ، فيكون ثلاثيّا ورباعيّا. فالثلاثيّ منه على ثلاثة أضرب : صحيح ، ومضاعف ، ومعتلّ.

فصل الصحيح

وهو ثلاثة أبنية : فعل بفتح العين ، وفعل بكسر ١١ العين ، وفعل بضمّ العين.

فأما «فعل» فيكون (١) متعدّيا وغير متعدّ. فالمتعدّي نحو : ضرب زيد عمرا ، وقتل بشر خالدا. وغير المتعدّي نحو : جلس ، وذهب.

والمضارع منه يجيء على «يفعل» و «يفعل» بكسر العين وضمّها. ويكثران فيه ، حتّى قال بعض النحويين : إنّه ليس أحدهما أولى من الآخر. وقد يكثر أحدهما في عادة ألفاظ الناس حتّى يطّرح الآخر ، ويقبح استعماله. وقال بعضهم : إذا عرف أنّ الماضي «فعل» ولم يعرف المستقبل فالوجه أن يجعل «يفعل»

__________________

(١) انظر شرح المفصل ٧ : ١٥٢ ـ ١٥٤.

٣٨

بالكسر ، لأنّه أكثر والكسرة أخفّ. وقيل : هما سواء فيما لا يعرف. وقيل : إن الأصل في مضارع المتعدّي الكسر نحو : يضرب. وإنّ الأصل في مضارع غير المتعدّي الضمّ نحو : يسكت. قال : هذا مقتضى القياس ، إلّا أنهما قد يتداخلان ، فيجيء (١) هذا في هذا ، وهذا في هذا. وربما تعاقب الأمران على الفعل الواحد نحو : عرش يعرش ويعرش ، وعكف يعكف ويعكف. وقد قرىء بهما (٢). وقالوا : شتم يشتم ويشتم ، ولمز يلمز ويلمز ، ونفر ينفر وينفر ، في أحرف سوى (٣) ذلك.

ولا يجيء «فعل» على «يفعل» إلّا أن تكون العين أو اللام أحد حروف الحلق. وحروف الحلق ستّة : الهمزة ، والهاء ، والعين ، والحاء ، والغين ، والخاء. وذلك نحو : قرأ يقرأ ، وجبه يجبه ، وقلع يقلع ، وذبح يذبح. وقالوا فيما كانت فيه هذه الحروف عينا : سأل يسأل ، وذهب يذهب ، وبعث يبعث ،

__________________

(١) ش : ويجيء.

(٢) أي في قوله تعالى (يَعْرِشُونَ) و (يَعْكُفُونَ). الآية ١٣٧ من سورة الأعراف ، و ٦٨ من سورة النحل ، و ١٣٨ من سورة الأعراف. وفي الأصل : «فرق بهما».

(٣) ش : سواء.

٣٩

ونحر ينحر ، ونغر (١) ينغر ، وفخر يفخر. وإنما فعلوا ١٢ ذلك / لأنّ هذه الحروف الستّة حلقيّة مستقلة (٢) ، والضمّة والكسرة مرتفعتان في الطرف الآخر من الفم ، فلمّا كان بينهما نباعد في المخرج ضارعوا (٣) بالفتحة حروف الحلق ، لأنّ الفتحة من الألف ، والألف أقرب إلى حروف الحلق ، لتناسب (٤) الأصوات ، ويكون العمل من وجه واحد.

وقد جاء شيء من هذا النحو على الأصل ، قالوا : برأ يبرؤ ، وهنأ يهنىء ، وزأر يزئر ، ونأم ينئم (٥) ، ونهق ينهق. والأصل في الهمزة والهاء أقلّ ، لأنهما أدخل في الحلق. فكلمّا سفل الحرف كان الفتح (٦) ألزم. وقالوا : نزع ينزع ، ورجع يرجع ، ونطح بنطح ، وجنح (٧) يجنح. والأصل في العين أقلّ منه في الحاء ، لأنها (٨) أقرب إلى الهمزة من الحاء. والأصل

__________________

(١) نغر : غلى جوفه غيظا.

(٢) ش : مستقلة.

(٣) في حاشية الأصل : «أي : شابهوا».

(٤) ش : لتتناسب.

(٥) ش : ينأم.

(٦) ش : الفتح له.

(٧) في حاشية الأصل : «جنح الظلام إذا دخل وأظلم».

(٨) ش : لأنهما.

٤٠