شرح الملوكى في التّصريف

ابن يعيش

شرح الملوكى في التّصريف

المؤلف:

ابن يعيش


المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

ويقول : هذا بعير عضويّ ، وإبل عضويّة ، بفتح العين ، على غير قياس. والأوّل أكثر.

ومثله «العضة» التي هي النّميمة. ومنه الحديث عن عليّ رضي‌الله‌عنه (١). «إيّاكم والعضة ، أتدرون : ما العضة ، هي النّميمة». وأصلها أيضا «عضهة» : «فعلة» من : العضه ، وهو البهت. وتجمع على : عضين. وفسّر بعضهم قوله تعالى (٢)(جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) بالسّحر ، لأنه كذب. فهذا يجعل لامه هاء ، كسنة ، واست ، وهو رأي الكسائي. قال ابن عبّاس ، رضي‌الله‌عنه : آمنوا ببعضه وكفروا ببعضه ، أي : فرّقوه ، وجعلوه أعضاء. فجعله من لفظ : العضو ، ومعناه.

وأما «فم» و «شاة» فقد تقدّم (٣) شرحهما في البدل (٤).

__________________

(١) ش : «عليه‌السلام». والحديث في النهاية واللسان والتاج (عضه). وفي لفظه خلاف.

(٢) الآية ٩١ من سورة الحجر.

(٣) انظر ص ٢٨٠ ـ ٢٨١ و ٢٩٠ ـ ٢٩١.

(٤) في حاشية الأصل : بلغ.

٤٢١

حذف النون

قال صاحب الكتاب : قالوا : «مذ» ، وأصلها «منذ». فإن سمّيت رجلا ب «مذ» (١) ثمّ حقّرته ، قلت : منيذ. وإن (٢) كسّرته قلت : أمناذ ؛ فرددت النون. وقالوا : إن زيدا لمنطلق ؛ ولهذا نظائر ، وإن زيدا منطلق ، وأصله إنّ زيدا لمنطلق. ولهذا نظائر (٣). وأنت مخيّر في الإعمال وتركه ، فإن أعملت كنت مخيّرا في إثبات اللام وحذفها. ويلزم إثبات اللّام إذا لم تعمل.

__________________

(١) الملوكي : بمذ رجلا.

(٢) في الأصل : فان.

(٣) ش : «وقالوا : إن زيد منطلق ، ولهذا نظائر ، وإن زيدا منطلق». الملوكي : «وقالوا : إن زيدا لمنطلق ، فحذفوا النون ، وأصله : إن زيدا لمنطلق. وقالوا : دد ، وأصله على قول : ددن. وقالوا : فل ، وأصله من : فلان. ولهذا نظائر». وسقطت بقية الفقرة من الملوكي.

٤٢٢

قال الشارح (١) : اعلم أنّ «مذ» و «منذ» اسمان ، قد استعملتا اسمين وحرفين. فإذا (٢) اعتقد فيهما الاسمّيه كانا مبتدأين ، ومحلّهما رفع ، وما بعدهما مرفوع بحقّ الخبر. ولهما في الرفع معنيان : أحدهما / انتظام المدّة المذكورة ، نحو : ما رأيته مذ يومان. ١٨٧ والآخر يذكر فيه ابتداء الوقت ، على جهة التعريف ، كقولك : ما رأيته مذ يوم الجمعة ، معناه : ابتداء انقطاع الرؤية يوم الجمعة. وإذا اعتقد فيهما الحرفيّة انخفض ما بعدهما ، وكان معناهما انتفاء الرؤيه في الوقت الحاضر ، على معنى «في» ، نحو قولك (٣) : ما رأيته مذ السّاعة ، أي : في هذه الساعة.

والأصل في «مذ» : منذ ، حذفت منها النون تخفيفا. وغلّبت الاسميّة على «مذ» بسبب الحذف ، لأنّ الحذف أغلب على الأسماء من الحروف ، نحو «يد» و «دم» ، لتمكّنها ، ولحاق التنوين بها لتصرّفها. وفي الجملة الحذف في «مذ» بعيد ، لأنّ الحذف في

__________________

(١) انظر شرح المفصل ٤ : ٩٤ ـ ٩٥ و ٨ : ٤٤ ـ ٤٧ و ٧١ ـ ٧٧.

(٢) ش : فان.

(٣) سقط «في نحو قولك» من الأصل وألحق بحاشيته عن نسخة أخرى.

٤٢٣

العين لم يرد إلّا في هذا الموضع ، وفي «سه» لغة في «است». وهو في لغة من جرّ بها أبعد ، لكونها عنده حرفا ، والحذف في الحروف بعيد ، إلّا فيما كان مضاعفا ، نحو «رب» (١) في : ربّ ، و «إن» في : إنّ.

وقد ذهب قوم إلى (٢) أنّ «منذ» و «مذ» ـ على كلّ حال ـ اسمان ، فإذا رفعت ما بعدهما كانا مبتدأين وما بعدهما الخبر على ما سبق ، وإذا خفضت ما بعدهما كانا على تقدير اسمين مضافين ، وإن كانا مبنيّين ، على حدّ قوله تعالى (٣)(مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) ، أضفت «لدن» إلى «حكيم» وإن كان مبنيّا. ومثله «كم» في رفع ما بعدها وخفضه في الخبر ، نحو : كم رجل جاءني! فتكون (٤) بمنزلة عدد مضاف. وتقول : كم إبلك؟ فتكون اسما في موضع خبر (٥) لما بعدها.

والصحيح أنّها (٦) إذا انخفض ما بعدها تكون حرفا ، لأنّها

__________________

(١) ش : رب.

(٢) في الأصل : في.

(٣) الآية ٦ من سورة النمل.

(٤) ش : فيكون.

(٥) ش : في موضع رفع خبرا.

(٦) في حاشية الأصل : «أي : مذ».

٤٢٤

في الزمان بمنزلة «من» في المكان ، في كونها لابتداء الغاية ، و «من» حرف ، ولا يجوز أن يكون ما في معناها وواقعا موقعها إلّا حرفا.

و «منذ» عند / البصريّين كلمة مفردة ، وعند ١٨٨ الكوفيّين مركّبة. قال الفرّاء : هي مركّبة من «من» و «ذو» (١). وقال غيره : إنّها مركّبة من «من» و «إذ» (٢). وهذا (٣) لا يطّلع عليه إلّا بنصّ من الواضع.

وأمّا قولهم «إن زيدا لمنطلق» (٤) خفيفة ، فالأصل «إنّ» مثقّلة ، إلّا أنهم حذفوا إحدى النونين كراهية التضعيف. وقد جاء الحذف في الحروف المضاعفة كثيرا ، تخفيفا ، لثقل التضعيف ، كما فعل ذلك في الاسم والفعل ، من نحو «سرّ ، وضر» (٥) و «رب» (٦) في : ربّ ، و «إن» في : إنّ ، و «كأن» في : كأنّ ، و «لكن» في : لكنّ. ولذلك قال صاحب الكتاب : ولهذا نظائر.

__________________

(١) ش : وإذ.

(٢) ش : وذو.

(٣) ش : وهو.

(٤) ش : إن زيد منطلق.

(٥) في الأصل وش : «سر وضر». وانظر ص ٣٨٧.

(٦) ش : وب.

٤٢٥

فأما «ان» فعلى ضربين : مفتوحة ، ومكسورة. وقد جاء التخفيف فيهما جميعا.

فأمّا المكسورة فإذا خفّفت فلك فيها وجهان : الإعمال والإلغاء. فإلغاؤها لنقص لفظها عن أبنية الأفعال. وهو الأكثر. وأما إعمالها فباعتبار أصلها ، لأنّ ما حذف للتخفيف في حكم المنطوق به ؛ ألا ترى أنهم قالوا : العواور ، من قوله (١) :

* وكحّل العينين ، بالعواور*

فلم يقلبوا الواو الثانية همزة ، على حدّ «أوائل» ، لأنهم أرادوا : «العواوير» فحذفوا الياء تخفيفا ، وهي مرادة. ويؤيّد أنّ ما حذف تخفيفا من اللفظ مراد قولهم : «لقضو الرّجل» فأبقوا الواو ، ولم يردّوا اللام التي هي ياء ، في «قضيت» لأنّ الضمّة ، وإن كانت محذوفة من اللفظ ، مرادة من حيث التقدير. ومثله قولهم (٢) : «رضي زيد» فيمن قال : علم ذلك (٣). فلم يردّوا الواو التي هي

__________________

(١) جندل بن مثنى الطهوي. انظر تخريجه في الممتع ص ٣٣٩. والعواوير : جمع عوّار وهو ، القذى أو الرمد.

(٢) سقط من ش.

(٣) ش : ذاك.

٤٢٦

لام ، لزوال الكسرة ، إذ كانت منوّية مرادة ، وإن لم تكن موجودة في اللفظ.

إلّا أنك إذا ألغيتها عن العمل لزمتها اللام ، للفرق بينها وبين النافية. فتقول في المخفّفة : «إن زيد لقائم» ، وفي / النافية : ١٨٩ «إن زيد قائم» أي : ما زيد قائم ؛ وأمّا (١) إذا أعملتها لم (٢) يلزم إلحاقها اللام ، لأنّه بإعمالها قد وقع الفرق ، نحو : «إن زيدا قائم».

وأما (٣) المفتوحة إذا خفّفت فلا يبطل عملها البتّة ، نحو قولك : علمت أن زيدا قائم. وذلك من قبل أنّ «أن» (٤) المفتوحة تقتضي ما بعدها من جهتين : اقتضاء العامل للمعمول ، واقتضاء الصّلة للموصول. وليست المكسورة كذلك. فأمّا قول الشاعر (٥) :

في فتية ، كسيوف الهند ، قد علموا

أن هالك كلّ من يحفى ، وينتعل

فإنما هو على إضمار الشأن والقصّة ، لا على إبطال العمل. فاعرفه (٦).

__________________

(١) ش : فأما.

(٢) كذا.

(٣) ش : فأما.

(٤) سقط من ش.

(٥) من معلقة الأعشى. شرح القصائد العشر ص ٤٣٣.

(٦) في حاشية الأصل : بلغ.

٤٢٧

حذف الباء

قال صاحب الكتاب : قالوا : «رب رجل رأيت» ، يريدون : ربّ ، قال الشاعر (١) :

* رب هيضل ، مرس ، لففت بهيضل*

قال الشارح (٢) : العرب تقول : «رب رجل رأيته (٣)» ، فيخفّفون الباء ، كراهية التضعيف ، كما خفّفوا «إنّ» على ما تقدّم. وكان القياس ، إذا خفّفت ، أن يسكن آخرها ، لأنه لم يلتق فيها

__________________

(١) عجز بيت لأبي كبير الهذلي. صدره :

أزهير ، إن يشب القذال فإنّه

الملوكي ص ٦٩ وشرح المفصل ٥ : ١١٩ و ٨ : ١٧١. وانظر تخريجه في الممتع ص ٦٢٦. والقذال : ما بين الأذنين والقفا. والهيضل : الجماعة من المتسلحين أمرهم واحد. والمرس : الشديد المجرب للحروب. وفي ش وحاشية الأصل عن إحدى النسخ : «لجب» وهي الرواية المشهورة. انظر ص ٤٢٩.

(٢) انظر شرح المفصل ٨ : ٣١ ـ ٣٢.

(٣) ش : لقيت.

٤٢٨

ساكنان كما فعلوا ب «إنّ» ونظائرها حين خفّفوها ، إلّا أنّ المسموع «رب» بالفتح ، نحو قول الشاعر :

أزهير ، إن يشب القذال فإنّه

رب هيضل ، لجب ، لففت بهيضل

فكأنهم أبقوا الفتحة مع التخفيف ، دلالة وأمارة على أنّها كانت مثقّلة مفتوحة. ونظيره قولهم : «أف» ، لمّا خفّفوها أبقوا الفتحة دلالة وتنبيها على الأصل.

ومثله قولهم : لا أكلّمه حيري دهر (١) ، ساكنة الياء في موضع النصب ، في غير الشعر ، لأنهم أرادوا التشديد في «حيري». فكما أنّه لو أدغم الياء الأولى في الثانية / لم تكن الأولى إلّا ١٩٠ ساكنة ، فكذلك إذا حذف الثانية بقّى الأولى على سكونها ، دلالة وتنبيها على إرادة الإدغام.

ويمكن أن يكون إنما فتح الآخر من «رب» (٢) لمّا لحقه الحذف وتاء التأنيث (٣) ، من قوله (٤) :

__________________

(١) حيري دهر أي : أمد الدهر.

(٢) في الأصل : ربّ.

(٣) في حاشية الأصل : لئلا يكون ما قبل تاء التأنيث ساكنا.

(٤) ضمرة بن ضمرة النهشلي. النوادر ص ٥٥ وشرح المفصل ٨ : ٣١

٤٢٩

ماويّ ، بل ربّتما غارة

شعواء ، كاللّذعة بالميسم

ومن قوله (١) :

* يا صاحبا ، ربّت إنسان [حسن] *

وهذه التاء تلحق «ربّ» ساكنة ، كما تلحق الأفعال ، ومتحرّكة كما تلحق الأسماء. فتقول : «ربّت» بالسّكون ، و «ربّت» بالفتح. فقياس من أسكنها أن يقف عليها بالتاء ، كما يقف على «ضربت». وقياس من حرّكها أن يقف عليها بالهاء ، كما يقف على «ذيّة» و «كيّة».

__________________

وشرح ابن عقيل ٢ : ٣٠ واللسان والتاج (ربب). والشعواء : الكبيرة المنتشرة. والميسم : ما يوسم به البعير بالنار.

(١) النوادر ص ١٠٣ وشرح المفصل ٨ : ٣٢.

٤٣٠

حذف الحاء

قال صاحب الكتاب : قالوا : «حر» ، وأصله : حرح.

تقول في تحقيره : حريح ، وفي تكسيره : أحراح. قال الراجز (١) :

إنّي أقود جملا ، ممراحا

ذا قبّة ، مملوءة أحراحا

قال الشارح : «الحر» أصله «حرح» على زنة : حبر ، وعدل ، إلّا أنّه اطّرد حذف لامه ، وصار كالأصل ، حتّى رفض أصله وهجر. والذي يدلّ على أنّه «فعل» بكسر الأوّل جمعهم إيّاه على : أحراح. قال الراجز :

إنّي أقود جملا ، ممراحا

ذا قبّة ، مملوءة أحراحا

فجمعه هذا الجمع ، وتصغيره على : حريح ، يدلّان على أنّ اللام حاء ، دون غيرها.

__________________

(١) الملوكي ص ٧٠. وانظر تخريجه في الممتع ص ٦٢٧.

٤٣١

واعلم أنّه اجتمع في هذه الكلمة أسباب سوّغت حذف اللام. منها استثقالهم باب «سلس وقلق». ومنها أنّ الحاجز بين المثلين ١٩١ غير حصين ، لسكونه ، فصار كالمضاعف. ومنها أنّ حروف / الحلق مستثقلة ، ولذلك تلعّب (١) بها قريبا من حروف المدّ واللين ؛ ألا ترى أنّه إذا كان عين الكلمة الثلاثيّة ساكنا جاز تحريكها بالفتح ، نحو : الشّعر والشّعر ، والنّحر والنّحر ، وذلك لغة عند البصريّين ، وقياس عند الكوفيّين ، وفي مثل «فخذ» و «شهد» أربعة أوجه : فخذ وفخذ وفخذ وفخذ ، وشهد وشهد وشهد وشهد. ولا يجوز مثل هذا في : كتف ، وعلم. فلمّا اجتمعت هذه الأسباب اجترىء (٢) على اللام بالحذف تخفيفا. ولزم كحذف حروف المدّ واللين ، من نحو «أب» و «أخ».

وربّما جمعوه جمع السلامة فقالوا : حرون وحرين ، كما قالوا : أبون وأخون. فاعرفه (٣).

__________________

(١) ش : حروف الحلق لاستثقالها وقربها من الصدر بلغت.

(٢) في الأصل : اجتزىء.

(٣) في حاشية الأصل : بلغ.

٤٣٢

حذف الخاء

قال صاحب الكتاب : قالوا (١) : «بخ بخ» ، وأصله «بخّ» (٢). قال الشاعر (٣) :

بين الأشجّ ، وبين قيس ، باذخ

بخ بخ لوالده ، وللمولود

ويدلّ ، على أنّ أصله التثقيل ، قول العجّاج (٤) :

* في حسب ، بخّ ، وعزّ أقعسا*

قال الشارح (٥) : واعلم أنّ كلمة «بخ» (٦) تقال عند استعظام

__________________

(١) سقط من الأصل.

(٢) الملوكي : بخّ بخّ.

(٣) أعشى همدان. الملوكي ص ٧٠ وشرح المفصل ٤ : ٧٨. وانظر تخريجه في الممتع ص ٦٢٧. وانظر ص ٤٣٥.

(٤) ديوانه ص ٣٢. وانظر الملوكي ص ٧٠ والممتع ص ٦٢٧ وشرح المفصل ٤ : ٧٨.

(٥) انظر شرح المفصل ٤ : ٧٨ ـ ٧٩.

(٦) ش : أن بخ كلمة.

٤٣٣

الشيء ، بمعنى المدح والفخر. وهو من الأصوات التي سمّي بها الفعل في حال الخبر. فهي اسم «مدح وفخر» ، كما أنّ «أوّناه» (١) اسم : أتألّم ، و «هيهات» اسم : بعد ، و «أفّ» اسم : اتضجّر. وهي مبنيّة لنيابتها عن الفعل. وكان بناؤها على السكون ، على أصل البناء. إلّا أنّه التقى في آخره ساكنان ، وهما الخاءان المدغمة إحداهما في الأخرى (٢) ، فكسرت الثانية ، على أصل التقاء الساكنين.

ويدخلها تنوين التنكير ، فيقال : «بخّ بخّ» ، أي : فخر لك. قال العجاج :

* في حسب بخّ ، وعزّ أقعسا*

١٩٢ ومعناه : في حسب ، يقال منه : بخّ لك. / ومن لم ينوّن فإنه يريد المعرفة ، أي : الفخر لك.

وقد تحذف إحدى الخاءين تخفيفا ، لأجل التضعيف ، فيقال : «بخ بخ» ساكنة الآخر على أصل البناء ، لأنّه لمّا زال الساكن الثاني عادت إلى أصلها ، وهو السكون ، لأنّ الحركة في المبنيّ لعارض. قال أعشى همدان :

__________________

(١) ش : أوّاه.

(٢) سقط «في الأخرى» من ش.

٤٣٤

بين الأشجّ ، وبين قيس ، باذخ

بخ بخ لوالده ، وللمولود

ويقال : إنّ الحجّاج قال (١) : لا بخبخت (٢) بعدها! كأنه اشتقّ منهما فعلا رباعيّا ، كما يقال : حمدل ، وسبحل. والأشجّ (٣) : قيس بن الأشعث. ولابنه مع الحجّاج قصّة مشهورة.

فإن نوّنتها مخفّفة كسرتها ، لالتقاء الساكنين : الخاء ، والتنوين ، فتقول : بخ بخ. قال الشاعر ، وهو خلف الأحمر ، يصف بيتا (٤) :

روافده أكرم الرّافدات

بخ لك ، بخّ ، لبحر خضمّ

فجمع بين اللغتين. وروافد البيت : خشب السّقف. وفي الحديث أنّه لمّا قرأ (٥) : (سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) قال رجل : بخ بخ.

__________________

(١) اللسان والتاج (بخبخ).

(٢) ش : لا تبخبخ.

(٣) زاد في ش : وهو.

(٤) شرح المفصل ٤ : ٧٩ والصحاح واللسان والتاج (بخبخ).

(٥) الآية ١٣٣ من سورة آل عمران.

٤٣٥

فإن قيل : فهلّا قلتم : إنّ المخفّفة هي الأصل ، ويكون من قبيل (١) «صه» و «مه»! قيل : قد سمع في «بخ» التثقيل. فلو كان أصلها المخفّفة لم يجز التثقيل فيها. فأما نحو «القصبّا» (٢) فهو شيء اختصّ به الوقف. وإنما أجري الوصل مجرى الوقف ضرورة ، فلا يحمل عليه غيره ما وجد عنه مندوحة. مع أنّ «بخّ» من الأصوات التي سمّي بها الفعل في حال الخبر ، وعامّة ما جاء منه (٣) على ثلاثة أحرف فصاعدا ، نحو : أفّ ، وهيهات ، وشتّان ، وسرعان ، وأوّتاه. فلذلك حكم أنّ (٤) المشدّدة هي الأصل.

فإذا في هذه الكلمة أربع لغات : بخّ ، بالكسر من غير تنوين على إرادة المعرفة. والكسر مع التنوين ، نحو : بخّ بخّ. ١٩٣ والتخفيف والإسكان ، / نحو : بخ بخ. والتنوين والكسر مع التخفيف ، نحو : بخ بخ. وحكى ابن السكّيت «به به» في معنى : بخ بخ. فهذه خمس لغات. فاعرفه (٥).

__________________

(١) ش : قبل.

(٢) من بيت من الرجز منسوب إلى رؤبة. انظر ٨٣ و ٢٠٢.

(٣) في الأصل : فيه.

(٤) ش : بأنّ.

(٥) ش : فاعرفها.

٤٣٦

حذف الفاء

قال صاحب الكتاب (١) : قالوا في التّضجّر : «أف» ، خفيفة. وأصلها التشديد. وفيها ثمان لغات : أفّ ، أفّ ، أفّ ، أفّا ، أفّ ، أفّ ، أفّى (٢) ـ ممالة (٣) ، مثل حبلى. ولا يقال : أفّي ، بالياء ، كما تقول العامّة ـ وأف ، خفيفة. وحكى البغداديّون فيما رويناه عن (٤) أحمد بن يحيى : «سو أفعل» ، يريدون : سوف أفعل.

قال الشارح (٥) : هذه اللفظة (٦) ممّا سمّي بها الفعل أيضا في الخبر ، وهي اسم «أتضجّر». والكلام عليها كالكلام على «بخّ» وسائر أخواتها. والذي أوجب بناءها وقوعها موقع الفعل المبنيّ في أصل وضعه. فمن كسر فعلى أصل حركة التقاء الساكنين. ومن ضمّ

__________________

(١) سقط «قال صاحب الكتاب» من ش.

(٢) في ش والملوكي تقديم وتأخير.

(٣) ش : تمال.

(٤) ش : وحكى البغداديون فيها عن.

(٥) انظر شرح المفصل ٤ : ٣٨ و ٧٠.

(٦) أي : أف.

٤٣٧

أتبع الضمّ الضمّ على حدّ «غضّ» و «ردّ». ومن فتح فطلب التخفيف لثقل التضعيف. ومن نوّن أراد التنكير ، كأنه (١) أراد : تضجّرا ما. ومن لم ينوّن أراد التعريف (٢) ، أي : التضجّر المعروف. ومن حذف الفاء فتخفيفا من ثقل التضعيف ، وأسكنها لأنه لم يلتق فيها ساكنان. وقرأ ابن عبّاس ـ رضي‌الله‌عنهما (٣) ـ : (فَلا)(٤) تَقُلْ لَهُما : أُفٍ خفيفة مفتوحة. وقياس هذه القراءة قياس «رب» فيمن خفّفها وأبقى الفتحة ، كأنهم بقّوا (٥) الفتحة مع التخفيف ، أمارة ودلالة على أنّها قد كانت مثقّلة مفتوحة. وقد تقدّم ذلك في «رب».

وأمّا «أفّى» ممالة ففيها إشكال ، لأنّ ألف التأنيث قلّ ما يوجد في اسم مبنيّ. على أنّهم قد قالوا : «هنّا» مشدّدة في «هنا» ، ومثله «لبّى» في قولهم : لبّيك ، عند يونس ، لأنه يعتقد ١٩٤ أنه اسم مفرد مبنيّ. وإنّما قلبت في «لبّيك» على حدّ / قلبها في : عليك ، وإليك ، ولديك.

__________________

(١) زاد في الأصل وش : قال.

(٢) ش : التخفيف.

(٣) سقط «رضي‌الله‌عنهما» من ش.

(٤) الآية ٢٣ من سورة الاسراء. ش : ولا.

(٥) ش : أبقوا.

٤٣٨

وأمّا «سوف» فحذف الفاء منه بعيد جدا. وإن صحّت هذه الرواية عن أحمد بن يحيى فوجهها أنّ «سوف» حرف يختصّ بالأفعال المستقبلة ، ويتنزّل منها منزلة الجزء. ولكونه كالجزء منها لم يعمل فيها ، مع اختصاصه بها. فلمّا كان كالجزء من الفعل لحقه من الحذف ما يلحق الفعل ، وصار ذلك دلالة على قوّة اتصاله بالفعل ، واتّحاده به.

وذهب بعضهم إلى أنّ السين في «سيفعل» محذوفة من «سوف». وهو (١) بعيد ، أبعد من قولهم «سو أفعل» ، لأنه إجحاف.

ومعنى سوف : التنفيس (٢) في الزمان. وقال بعضهم : هي حرف وعد. كأنه لمّا رآها تختصّ بالمستقبل ، والمستقبل تقع به العدات ، سمّاه حرف وعد.

__________________

(١) في الأصل : فهو.

(٢) تحتها في الأصل : التأخير.

٤٣٩

حذف الطاء

قال صاحب الكتاب : قالوا «قط». وأصله «قطّ» (١) من : قططت ، أي : قطعت (٢).

قال الشارح : «قط» مخفّفة بمعنى : حسب. وهي مبنيّة على السكون ، وسبب بنائها أنّها وقعت موقع فعل الأمر ، في أوّل أحوالها ، فبنيت كبنائه (٣). تقول : رأيته مرّة واحدة فقط ، وقطك درهمان ، أي : اكتف واقطع. وقولنا : في أوّل أحوالها ، احتراز (٤) من «حسب» فإنّها في معنى «قط» ، واقعة موقع الفعل ولم تبن (٥). والعلّة في ذلك أنّ «حسب» اسم متمكّن ، أريد به معنى الفعل ، بعد أن وقع متصرّفا ، ولم يوقع موقع الفعل في

__________________

(١) سقط من الملوكي.

(٢) سقط «أي قطعت» من ش.

(٣) في الأصل : لبنائه.

(٤) ش : احترازا.

(٥) في الأصل : «ولم يبن». وفي الحاشية : «أي : في أول أحواله».

٤٤٠