شرح الملوكى في التّصريف

ابن يعيش

شرح الملوكى في التّصريف

المؤلف:

ابن يعيش


المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

أوّل أحواله ؛ ألا تراك تقول : أحسبني الشيء إحسابا ، أي : كفاني ؛ ويقال : هذالك حساب ، أي : كاف. قال الله تعالى (١)(جَزاءً مِنْ رَبِّكَ ، عَطاءً حِساباً.) فلتصرّفه لم يبن.

١٩٥ واشتقاقه من : قططت الشيء ، إذا / قطعته عرضا. كأنّ الاكتفاء اعترض ، فقطع عن الاستمرار. وأصلها «قطّ» ، بالتضعيف. دلّ على ذلك الاشتقاق ، ولولاه كانت كصه ومه ، أعني : على حرفين. وغلب فيها التخفيف الأصل ، لكثرة استعمالها ، وحملا على نظيرها وهو «قد». تقول : قدك درهمان ، كما تقول : قطك درهمان. وتدخلها نون الوقاية : قطني درهمان (٢) ، وقدني. وذلك ليسلم سكون البناء من الكسر ، كما تقول : منّي ، وعنّي. قال الشاعر (٣) :

امتلأ الحوض ، وقال : قطني

مهلا ، رويدا ، قد ملأت بطني

__________________

(١) الآية ٣٦ من سورة النبأ.

(٢) سقط «كما تقول ... درهمان» من س.

(٣) الصحاح واللسان والتاج (قطط) والسمط ص ٤٧٥ وإصلاح المنطق ص ٤٧ و ٣٤٢ وتهذيب الاصلاح ١ : ١٠١.

٤٤١

وقال الآخر في قد (١) :

* قدني من نصر الخبيبين ، قدي*

يريد بالخبيبين : عبد الله ومصعبا ابني الزّبير.

وأمّا «قطّ» بمعنى الزمان فمبنيّة على الضمّ ك : قبل ، وبعد.

قال الكسائيّ : كانت «قطط» مضمومة العين ، فلمّا سكن الحرف الأوّل للإدغام حرّك الآخر بحركته. والذي أراه أن يكون أصلها «فعلا» ساكن العين ، لأنّ الحركة زيادة في المتحرّك ، فلا يصار إليها إلّا بدليل ، ولأنّ أكثر ظروف الزمان كذلك ، نحو : قبل ، وبعد ، ويوم ، وشهر ، ودهر. فكان كأخواته. ومنهم من يقول : «قطّ» بضمّ القاف ، كأنّه يتبع الضمّ الضمّ ، مثل : «مدّ» و «شدّ» (٢). ومنهم من يخفّفه ، فيقول «قط» بضمّ الطاء ،

__________________

(١) حميد الأرقط أو أبو بحدلة. المغني ص ١٨٥ وشرح شواهده ص ١٦٦ وشرح ابن عقيل ١ : ٦٦ والصحاح واللسان والتاج (قدد) والسمط ص ٤٧٥ و ٦٤٩ ـ ٦٥٠ والأمالي ٢ : ١٩ والعيني ١ : ٣٥٨ والخزانة ٢ : ٤٤٩ ـ ٤٥٤ وشرح المفصل ٣ : ١٢٤.

(٢) ش : مذ ومنذ.

٤٤٢

فيحذف إحدى الطاءين تخفيفا ، ويبقي (١) الحركة بحالها ، دلالة وتنبيها على أصلها ، كما قلنا في «رب». ومنهم من يتبع الضمّ الضمّ ، في المخفّفة أيضا (٢) ، فيقول «قط». وهو قليل. فاعرفه (٣).

__________________

(١) ش : وتبقي.

(٢) سقط من ش.

(٣) في حاشية الأصل : بلغ.

٤٤٣

التغيير بالحركة والسكون (١)

[في اعلال الأجوف]

١٩٦ قال صاحب الكتاب : / من ذلك مضارع كلّ فعل اعتلّت عينه ، نحو قولك : يقوم ، ويبيع ، ويخاف ، ويهاب. وأصله : يقوم ، ويبيع ، ويخوف ، ويهيب. فنقلت الضمّة والكسرة والفتحة إلى ما قبل. فذلك تحريك ساكن ، وتسكين متحرّك. وقلبت الواو والياء في : يخوف ، ويهيب ، ألفا لتحرّكهما في الأصل ، وانفتاح ما قبلهما الآن. وكذلك ما تجاوز (٢) الثلاثة ، ممّا عينه واو أو ياء ، نحو : يقيم ، ويريد ، ويستعين ، ويستريب (٣). وأصله : يقوم ، ويرود ، ويستعون ،

__________________

(١) ش : أو السكون.

(٢) الملوكي : ما يجاوز.

(٣) الملوكي : ويستريث.

٤٤٤

ويستريب (١). فنقلت الكسرة إلى ما قبل هذه الحروف ، وسكنت هي ، بعد أن كانت متحرّكة بالكسر ، وانقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها.

قال الشارح (٢) : اعلم أنّ كلّ حادث يحدث في الكلمة ، من إسكان متحرّك ، أو تحريك ساكن ، فهو تصرّف فيها وتصريف لها ، كالزيادة ، والبدل ، والحذف ، من حيث هو تلعّب بالكلمة ، وتغيير لها عن (٣) أصلها ، ومقتضى القياس فيها. فإذا التغيير : ضرب من التصريف. وقيل : التصريف يكون مع سلامة الذات ، والتغيير يكون بانتقاص الذات عما كانت عليه. ولذلك يقال : تغيّرت حال فلان (٤) ، أي : انتقصت (٥) وزالت عما كانت عليه :

فمن ذلك : يقوم ، ويبيع (٦) ، ويخاف ، ويهاب. الأصل

__________________

(١) انظر شرح المفصل ١٠ : ٦٥ ـ ٦٦.

(١) انظر شرح المفصل ١٠ : ٦٥ ـ ٦٦.

(٢) في الأصل : من.

(٣) سقط «الواو والياء في : يخوف ... حال فلان» كله من ش ههنا ، وأفحم بين «وانكسار ما قبلها» و «على حد : ميزان» في ص ٤٤٩.

(٤) ش : انتقضت.

(٥) سقط من ش

٤٤٥

فيهنّ «يقوم» و «يبيع» ، لأنّ ما كان معتلّ العين أو اللام بالواو ، من الأفعال ، فمضارعه على «يفعل» نحو : يقتل. وما اعتلّ من ذلك بالياء فيأتي مضارعه على «يفعل» نحو : يضرب. وقد تقدّم شرح ذلك (١). والأصل في يخاف ، ويهاب «يخوف» و «يهيب» ، نحو : يعلم. نقلوا الضمّة من الواو في «يقول» ١٩٧ إلى القاف ، ونقلوا / الكسرة من الياء في «يبيع» إلى الباء. ونقلوا الفتحة من الواو والياء في «يخوف» و «يهيب» إلى ما قبلهما ، وهو الخاء والهاء ، ثمّ قلبتا ألفين لتحرّكهما في الأصل ، وانفتاح ما قبلهما الآن. ففي هذين الفعلين ـ أعني «يخاف» و «يهاب» ـ نقل وقلب. وفي «يقول» و «يبيع» نقل فقط.

وإنّما وجب إعلال المضارع من هذه الأفعال ، مع سكون ما قبل الواو والياء فيها (٢) ، حملا على الفعل الماضي في : قال ، وباع ، وخاف ، وهاب ، من حيث أنّ الأفعال كلّها جنس واحد ، فكرهوا أن يكون أحدهما معتلّا والآخر صحيحا. ومما يدلّ على أنّ الإعلال سرى إلى هذه الأفعال من الماضي أنه إذا صحّ الماضي صحّ المضارع ؛

__________________

(١) انظر ص ٥٢ ـ ٦٣.

(٢) في الأصل وش : فيهما.

٤٤٦

ألا ترى أنهم لما قالوا : «عور» و «حول» ، فصحّحوهما قالوا : «يعور» و «يحول» و «عاور» و «حاول» ، فصحّحوا هذه الأمثلة لصحّة الماضي.

وكما أعلّوا المضارع ههنا ، لاعتلال الماضي ، أعلّوا الماضي أيضا لاعتلال المضارع ؛ ألا ترى أنهم قالوا : «أغزيت» و «ادّعيت» و «أعطيت» (١) ، وأصلها الواو لأنها (٢) من : غزا يغزو ، ودعا يدعو ، وعطا يعطو. فقلبت الواو فيها ياء حملا على المضارع ، الذي هو «يغزي» و «يدّعي» و «يعطي» ، طلبا لتماثل ألفاظها وتشاكلها ، من حيث أنّها كلها جنس واحد.

وإذا كانوا قد أعلّوا. نحو : قائل وبائع ، ومقول ، ومبيع ، ومقال ، ومباع ، وما أشبهها من الأسماء ، حملا على الأفعال ، لجريانها عليها ، فلأن يعلّوا الأفعال بعضها لاعتلال بعض كان ذلك أولى. ومن احتجّ لإعلال هذه الأفعال بثقل (٣) الحركة على الواو والياء فقد

__________________

(١) سقط من ش.

(٢) في الأصل : «لأنه». ش : «لأنهما». والتصويب من شرح المفصل ١٠ : ٦٦.

(٣) في الأصل : لثقل.

٤٤٧

قرّب ، والتحقيق ما ذكرناه ، لأنّ حرف العلّة إذا سكن ما قبله لم تثقل عليه الحركة.

١٩٨ وقول صاحب الكتاب / «فذلك تحريك ساكن وإسكان متحرّك» يعني : تحريك الفاء من : يقول ، ويبيع ، ويخاف ، ويهاب ، بنقل حركة العين إليها ، وسكون العين التي هي الواو والياء في : يقول ، ويبيع ، ويخاف ، ويهاب ، بعد نقل حركتها إلى الفاء.

وأمّا : يقيم ، ويريد ، ويستعين ، ويستريب ، فإن الأصل فيها (١) : يقوم ، ويرود ، ويستعون ، ويستريب. فنقلت الكسرة (٢) إلى ما قبلها ، فصار : يقوم ، ويرود ... بكسر الفاء وسكون العين ، ثمّ قلبت الواو ياء (٣) ، لسكونها وانكسار

__________________

(١) ش : «ويستريب ، فان الواو والياء في : يخوف ، ويهيب لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها الآن. وكذلك ما تجاوز الثلاثة جماعيته واو أو ياء نحو : يقيم ، ويريد ، ويستعين ، ويستريب ، وأصله». وهو من تخليط النساخ.

(٢) سقط من الأصل.

(٣) ش : «فقلت الكسرة إلى ما قبل هذه الحروف ، وسكنت هي بعد أن كانت متحركة ، وانقلبت الواو ياء».

٤٤٨

ما قبلها (١) على حدّ «ميزان» و «ميعاد». والذي أوجب نقل الحركة في هذه الأفعال ما تقدّم ، من إرادة الإعلال حملا على الماضي. ولو لا اعتلال الماضي ، نحو : أقام ، وأراد ، واستعان ، واستراب ، لم يجب الإعلال ههنا.

وإنما وجب الإعلال في «أقام» و «أراد» ونحوهما ، حملا على الثلاثيّ المجرّد ، الذي هو «قال» وراد. وقد تقدّم (٢).

__________________

(١) أقحم ههنا في ش ما كان قد سقط في ص ٤٤٥.

(٢) زاد في ش : «فاعرفه». وانظر ص ٤٤٦.

٤٤٩

[في الادغام]

قال صاحب الكتاب : ومن ذلك كلّ فعل (١) كانت عينه ولامه من موضع واحد فماضيه مدغم لا غير ، إن كان ثلاثيا ، نحو : شدّ ، ومدّ ، وضنّ ، وحبّذا زيد. والأصل (٢) : شدد (٣) ، ومدد ، وضنن ، وحبب. فثقل (٤) اجتماع حرفين متحرّكين على هذه الصورة ، فأسكن الأوّل منهما ، وأدغم في الثاني.

فإن (٥) تجاوز الماضي ثلاثة (٦) أحرف أدغم أيضا ، إلّا أنه يلحقه التغيير بالحركة والسكون ، ما لم يكن ملحقا. وذلك نحو «استعدّ» و «اطمأنّ» ، وأصله : استعدد ، واطمأنن ، نقلت (٧) الحركة من المتحرّك إلى الساكن قبله ، وأدغم الأول من

__________________

(١) زاد في الملوكي : غير ملحق.

(٢) ش : فالأصل.

(٣) في الأصل : شدد.

(٤) ش : ثقل.

(٥) ش والملوكي : وإن.

(٦) ش : الثلاثة.

(٧) الملوكي : فنقلت.

٤٥٠

الحرفين فيما بعده.

فإذا صرت إلى المضارع نقلت الحركة منهما (١). وذلك قولك : يشدّ ، ويمدّ ، ويضنّ ، ويستعدّ ، ويطمئنّ. وأصله : يشدد ، ويمدد ، ويضنن ، ويستعدد ، ويطمأنن. فنقلت / الحركة من المثل الأوّل ، ثم أدغم في الثاني. فذلك ١٩٩ أيضا تسكين متحرّك ، وتحريك ساكن.

قال الشارح (٢) : هذا الفصل من المدغم ، لمّا كان فيه إسكان الحرف المدغم ، وتحريك ما قبله بنقل حركته إليه ، نحو «يردّ» و «يشدّ» ، جرى ذلك مجرى الإعلال في «يقوم» و «يبيع». فلذلك ذكر معه.

وجملة الأمر أنّ اجتماع المثلين عندهم مكروه ، لأنهم يستثقلون أن يميلوا ألسنتهم عن موضع ، ثمّ يعيدوها إليه ، لما في ذلك من الكلفة على اللسان. وقد شبّه الخليل ذلك بمشي المقيّد ، لأنه يرفع رجله ويضعها في موضعها ، أو قريب منه ، لأنّ القيد يمنعه عن

__________________

(١) الملوكي : فيهما.

(٢) انظر شرح المفصل ١٠ : ١٢١ و ٩ : ١٢٨ ـ ١٢٩.

٤٥١

الانبعاث ، وامتداد الخطوة.

فإذا اجتمع في الكلمة مثلان متحرّكان أسكنوا الحرف الأوّل ، وأدغموه في الثاني. ومعنى الإدغام : أن تصل حرفا بحرف مثله ، من غير فصل بينهما. ولذلك يسكن الحرف الأوّل ، لئلّا تفصل حركته بينهما ، فيبطل الإدغام ، لأنّ (١) محلّ الحركة من الحرف بعده ، لا معه ، ولا قبله ؛ ألا ترى أنّ الحرف الأوّل إذا تحرّك لم يمكن الإدغام ، وإذا لم يفصل بينهما فاصل من حركة أو وقف صارا ، لشدّة اتصالهما (٢) ، كالمتداخلين ، فيرتفع اللسان بهما دفعة (٣) واحدة شديدة. فيكون ذلك أخفّ عليهم من ارتفاع اللسان بهما دفعتين.

فإذا كان الفعل ماضيا على ثلاثة أحرف ، وعينه ولامه مثلان ، لزم الإدغام ، نحو «شدّ» و «مدّ» و «حبّذا» ، للزوم الحركة آخره. وأصله : شدد ، ومدد ، وحبب. وأدغمت ما كان على «فعل» في الأفعال بفتح العين ، لثقل الفعل. ولا يدغم ذلك في الأسماء (٤) ، من نحو «شرر» و «طلل» ، لخفّة الاسم. فهذا القبيل

__________________

(١) ش : ولأن.

(٢) في الأصل : صار لشدة اتصالها.

(٣) في شرح المفصل : رفعة.

(٤) ش : الاسم.

٤٥٢

من الأفعال المدغمة ليس فيه إلّا إسكان الحرف الأوّل ، / ٢٠٠ لأجل الإدغام ، لا غير ، من غير نقل حركته إلى غيره. لتحرّك ما قبله.

فإن زاد الفعل الماضي على ثلاثة أحرف ، نحو : «استعدّ» و «اطمأنّ» ، وجب الإدغام أيضا ، إلّا أنك تنقل حركة الحرف المدغم إلى الساكن قبله ، لئلّا يلتقي في الكلمة ساكنان. وكان ذلك أولى من اجتلاب حركه غريبة أجنبيّة. وهذا فيه إسكان متحرّك ، وهو الحرف المدغم ، وتحريك ساكن ، وهو ما قبله ، بنقل حركته إليه.

فإن كان أحد المثلين مزيدا للإلحاق ، من نحو «شملل» و «جلبب» ، لم يجز الإدغام ، لأنّ الباء الثانية في «جلبب» واللّام الثانية في «شملل» كررّت ، لإلحاقه ببناء «دحرج» و «سرهف». فلو أدغم لزال الإلحاق ، وبطلت الموازنة ، فينتقض (١) الغرض المطلوب من تكرير الحرف.

وأمّا المضارع من هذه الأفعال كلّها ، نحو : يشدّ ، ويمدّ ، ويستعدّ ، ويطمئنّ ، فكلّ العرب تدغمه على ما مثّلنا ، للزوم الحركة لامه.

__________________

(١) ش : فينقض.

٤٥٣

وأما المجزوم من هذه الأفعال ، والموقوف آخرها للبناء ، من نحو : لم يغضّ ، ولم يفرّ ، ولا تغضّ ، ولا تفرّ ، وغضّ ، وفرّ ، فإنّ أهل الحجاز لا يرون إدغام ذلك ، لسكون آخره ، وأنت لا تدغم إلّا في متحرّك. فيأتون به على الأصل ، ويقولون : لم يغضض ، ولم يفرر ، ولا تغضض ، ولا تفرر ، واغضض ، وافرر.

وبنو تميم ، وغيرهم من العرب ، يدغمون ذلك كلّه ، ويشبّهونه بالمعرب ، من حيث أنّه قد تتعاقب عليه الحركات ، لالتقاء الساكنين ، كما تتعاقب حركات الإعراب على المعرب ؛ ألا ترى أنك تقول : اردد ابنك ، واردد القوم ، ولا تردّنّ. قال الله تعالى (١) : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ.) كأنهم نزّلوا الحركة العارضة منزلة اللّازمة في «يشدّ» و «يمدّ» ، فأدغم كإدغامه. وفي هذا أيضا إسكان متحرّك ، وتحريك ساكن ، على ما تقدّم. إلّا أنهم إذا أدغموا ذلك حرّكوا المدغم فيه ، لالتقاء الساكنين.

٢٠١ وأجازوا / في مثل «غضّ» و «مدّ» ثلاثة أوجه : أحدها

__________________

(١) الآية ٨٨ من سورة الحجر والآية ١٣١ من سورة طه.

٤٥٤

الفتح طلبا للخفّة. والثاني الضمّ للإتباع. والثالث الكسر على أصل التقاء الساكنين. وفي مثل «عضّ» و «غصّ» وجهان : الكسر على أصل التقاء الساكنين. والفتح من وجهين : أحدهما إتباع فتحة العين ، والثاني طلب الخفّة. وفي مثل «فرّ» و «قلّ» وجهان (١) أيضا : الكسر من وجهين : على أصل التقاء الساكنين ، والإتباع. والفتح طلب الخفّة.

فإن كان بعده ألف ولام نحو : غضّ الطّرف ، فالكسر لا غير (٢) ، لأنّه لمّا كان الكسر جائزا في الكلمة الواحدة ، لالتقاء الساكنين ، ثم عرض التقاؤهما من (٣) كلمتين. قوي سبب الكسر ، فصار الجائز واجبا. فاعرفه.

__________________

(١) سقط «والثاني طلب ... وجهان» من ش.

(٢) كذا ، وجاء غيره.

(٣) في الأصل : بين.

٤٥٥

[في التخفيف والاتباع]

قال صاحب الكتاب : ومن ذلك أيضا ، وهو غريب ، قول الشاعر (١) :

الأربّ مولود ، وليس له أب

وذي ولد ، لم يلده أبوان

أراد : لم يلده. فأسكن اللام ، لكسرتها (٢) ، فالتقى (٣) ساكنان : اللام ، والدال ، فحرّكت الدال لالتقاء الساكنين ، وفتحت لمجاورتها

__________________

(١) رجل من أرذ السراة. الملوكي ص ٧٣ وشرح المفصل ٩ : ١٢٦ و ٤ : ٤٨ وشرح الشافية ١ : ٤٥ و ٢ : ٢٣٨ وشرح شواهدها ص ٢٢ والمغني ص ١٤٤ وشرح شواهده ص ١٣٦ والخزانة ١ : ٣٩٧ ـ ٤٠٠ والكتاب ١ : ٣٤١ و ٢ : ٢٥٨. وفي حاشية الأصل «كعيسى عليه‌السلام» يريد تفسير مولود. وفيها أيضا «كآدم عليه‌السلام» يريد تفسير ذي ولد.

(٢) سقط من ش.

(٣) الملوكي : والتقى.

٤٥٦

فتحة الياء. وهذا (١) شاذّ لا يقاس عليه.

قال الشارح (٢) : اعلم أنّ العرب تقول : «انطلق يا زيد» ، بسكون اللام وفتح القاف. وأصله «انطلق يا زيد» (٣) ، فشبّهوا «طلق» من : انطلق ، ب «كتف» و «ورك» ، [فأسكنوا اللام على حدّ إسكان «كتف»](٤) ، فالتقى ساكنان في «انطلق» وهو : القاف سكنت للأمر ، واللّام قبلها سكنت للتخفيف ، فحرّكت القاف ، لالتقاء الساكنين. وحرّكت بحركة أقرب المتحرّكات (٥) إليها ، وهي فتحة الطاء ، كما قالوا : «غضّ» و «فرّ» و «عضّ» ، فيمن أتبع.

ومثله قول الشاعر : (٦)

الأربّ مولود ، وليس له أب

وذي ولد ، لم يلده أبوان

__________________

(١) في الأصل : وهو.

(٢) انظر شرح المفصل ٩ : ١٢٦ ـ ١٢٧.

(٣) سقط من ش.

(٤) تتمة من شرح المفصل.

(٥) في الأصل : الحركات.

(٦) انظر ص ٤٥٦.

٤٥٧

كأنّه شبّه قوله «يلد» ب «كتف» ، فسكّن اللام ، وحرّك الدال بالفتح إتباعا لحركة الياء ، كما قلنا في «انطلق».

فهذا فيه إسكان متحرّك ، وتحريك ساكن. فصار ك «يقوم» و «يبيع» ، إلّا أنّ الحركة ههنا غير المحذوفة ، ٢٠٢ والحركة في «يقوم» و «يبيع» هي المحذوفة / نفسها ، نقلت (١) إلى ما قبلها.

وقريب منه قراءة من قرأ (٢)(وَيَخْشَ اللهَ ، وَيَتَّقْهِ) والأصل : يتّقيه ، فحذف الياء للجزم (٣) ، فبقيت : يتّقه. فشبّه (٤) «تقه» بكتف ، فسكن القاف فصار : يتّقه ، بسكون القاف (٥) وكسر الهاء (٦). ومثله (٧) :

__________________

(١) ش : فنقلت.

(٢) الآية ٥٢ من سورة النور. وانظر الكشاف ٣ : ٢٤٩ والبحر المحيط ٦ : ٤٦٨ والقراءة لحفص. شرح الشافية ٢ : ٢٣٨ ـ ٢٤٠.

(٣) سقط من ش.

(٤) سقط من ش.

(٥) التاء.

(٦) وزعم في شرح المفصل ٩ : ١٢٧ أن الهاء للسكت حركت بالكسر لالتقاء الساكنين. والحق أن الهاء ضمير راجع إلى الله تعالى. انظر شرح الشافية ٣ : ٢٣٩ ـ ٢٤٠.

(٧) للعجاج. ديوانه ص ٣٢ وشرح الشافية ١ : ٤٥ وشرح

٤٥٨

* فبات منتصبا ، وما تكردسا*

شبّه «تصبا» من «منتصب» بكتف ، فسكن الصّاد.

فأما قول الآخر (١) :

* قالت سليمى : اشتر لنا سويقا*

فيحتمل أن يكون من هذا ، وشبّه المنفصل بالمتّصل ، وجعل «ترل» من «اشتر لنا» بمنزلة : كتف. ومثله قول الآخر (٢) :

ومن يتّق فإنّ الله معه

ورزق الله مرتاح ، وغادي

شبّه «تقف» من «يتّق فإنّ» بكتف.

__________________

شواهدها ص ٢١ ـ ٢٢ والخصائص ٢ : ٢٥٢ و ٣٣٨. يصف ثورا وحشيا. وتكردس : انقبض واجتمع بعضه إلى بعض.

(١) العذافر الكندي. الخصائص ٢ : ٢٤٠ و ٣ : ٩٦ وشرح شواهد الشافية ص ٢٢٥ ـ ٢٢٨ والبحر المحيط ٦ : ٤٦٨ وشرح المفصل ٩ : ١٢٤.

(٢) شرح الشافية ٢ : ٢٤٠ و ٢٩٩ وشرح شواهدها ص ٢٢٥ و ٢٢٨ والصحاح واللسان والتاج (أوب) و (وقى). وفي ش : «مؤتاب وعادي». وهي الرواية.

٤٥٩

فأمّا قراءة من قرأ (١) : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ) بإسكان اللام ، فهو من هذا ، إلّا أنّه في القراءة أسهل أمرا ، لشدّة اتصال حرف العطف بما بعده. وهي في الشّعر كالضرورة.

ويحتمل قوله :

* قالت سليمى : اشتر لنا سويقا*

وجها آخر ، وهو أن يكون لمّا حذف الياء للأمر ، وبقيت الراء مكسورة ، كأنّه لم يجزمه ، فجزمه بحذف الكسرة ثانيا ضرورة.

ومثله «لم أبله» حذفت الياء من «أبالي» للجزم ، والكسرة أيضا ، ولذلك (٢) حذفت الألف. وهذه الكسرة كسرة التقاء الساكنين.

ويجوز أن يكون أجرى الوصل مجرى الوقف ، كما أجرى (٣) «سبسبّا» كذلك و «القصبّا». فاعرفه.

__________________

(١) الآية ٢٩ من سورة الحج.

(٢) في الأصل : وكذلك.

(٣) من رجز منسوب إلى رؤبة ، وفيه :

يترك ما أبقي الدّبا سبسبّا

ومنه البيت الذي فيه «القصبّا». انظر ص ١٩٥ و ٤٣٦.

٤٦٠