شرح الملوكى في التّصريف

ابن يعيش

شرح الملوكى في التّصريف

المؤلف:

ابن يعيش


المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

ويروى : «فيطّلم» بالطاء غير المعجمة ، على الوجه الثالث.

ويروى : «فينظلم» بنون المطاوعة ، نحو : كسرته فانكسر ، وحسرته فانحسر.

* * *

٣٢١

ابدال الدال

قال صاحب الكتاب : إذا كانت فاء «افتعل» دالا أو ذالا أو زايا قلبت تاؤه دالا. وذلك قولك : «ادّرأ» و «ادّكر» و «ازدجر». والأصل : ادترأ ، واذتكر ، وازتجر ، لأنها من : درأت ، وذكرت ، وزجرت ، فقلبوا التاء دالا ، كما ترى. وقالوا في تولج : «دولج» (١). وقالوا : «ودّ» ، والأصل (٢) : وتد ، فأسكنوا التاء ، فصار : وتدا ، ثم أبدلوها (٣) وأدغموها (٤) ، فقالوا : ودّ.

قال الشارح (٥) : إنّما وجب إبدال تاء «افتعل» دالا ، إذا كان فاؤه زايا [أو دالا أو ذالا] ، نحو : ازدجر ، وازدهى ، وازدار ،

__________________

(١) الدولج : كناس الوحش.

(٢) ش والملوكي : وأصله.

(٣) ش : ثم أبدلوا.

(٤) سقط من الملوكي.

(٥) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٤٨ ـ ٤٩.

٣٢٢

وازدان ، وادّخر (١) ، وادّكر ، وادّلف ، وادّرأ ، لما ذكرناه من إرادة تجانس الصوت ، وكراهية تباينه (٢). وذلك أنّ الزّاي والدّال والذّال حروف مجهورة ، والتاء حرف مهموس ، فأبدلوا من التاء الدال لأنها من مخرجها ، وهي مجهورة ، فتوافق بجهرها جهر الزاي والدّال والذّال ، ويقع العمل من جهة واحدة.

ومن قال : «اصّبر» و «اصّلح» ، فقلب الثاني إلى لفظ الأوّل ، قال ههنا : «ازّجر» و «ازّان» ، لأنّ الزاي لا تدغم في الدال ، لئلّا يذهب ما فيها من الصفير. ولذلك استضعفت (٣) القراءة المنسوبة إلى أبي عمرو ، من إدغام الراء في اللّام ، من نحو قوله (٤) : ١٤٢ (اغْفِرْ لِي) لأنه يذهب تكرير (٥) الراء. وهذا يذكر / في الإدغام. ويقول فيما فاؤه ذال : «اذّخر» و «اذّكر» (٦). ولا يجيء ذلك (٧) فيما فاؤه دال.

__________________

(١) في الأصل : وازدجر.

(٢) في الأصل : نبأته.

(٣) في الأصل : استضعف.

(٤) الآيات : ١٥١ من سورة الأعراف و ٤١ من سورة إبراهيم و ١٦ من سورة القصص و ٣٥ من سورة ص و ٢٨ من سورة نوح.

(٥) ش : بتكرير.

(٦) ش : ادّخر وادّكر.

(٧) في حاشية الأصل : «أي : جعل الفاء والتاء من افتعل ذالا ــ وإدغام الفاء في التاء ، نحو : اذّرأ ، في : ادّرأ».

٣٢٣

ومن العرب من أجاز «اذدكر» و «ازدجر» من غير ادغام ، كما قالوا «اضطرب» ، لأنه لا يلزم أن يكون قبل تاء «افتعل» زاي (١) أو ذال (٢) ؛ ألا ترى أنك تقول : احتكم ، واقتدر ، وغير ذلك. فلمّا لم يلزم الزاي (٣) والذال قبل التاء لم يلزم الإدغام ؛ ألا ترى أنه لمّا لم يلزم أن يكون ما بعد تاء افتعل تاء ، نحو «اقتتل» لم يلزم الإدغام ، وقالوا (٤) : اقتتلوا ، كذلك ههنا.

والوجه الأول.

ولا يجري (٥) المنفصل في هذا البدل (٦) مجرى المتّصل ، لا تقول في نحو «قبّض تلك» : قبّض طّلك ، ولا قبّضلك (٧) ، لعدم لزومه ، وجواز الوقف على الأوّل. وكذلك «قبضت» لا يلزم

__________________

(١) في الأصل وش : دال.

(٢) في الأصل : وذال.

(٣) في الأصل وش : الدال.

(٤) ش : وقلنا.

(٥) الفقرة هذه كلها ليست في إبدال الدال ، وإنما هي في إبدال الطاء كما جاءت في شرح المفصل ١٠ : ٤٧ ـ ٤٨. ووضعها ههنا سهو من المؤلف ، وتأثر بما جاء في المنصف ٢ : ٣٣١ ـ ٣٣٥ من غير تحقيق.

(٦) ش : الباب.

(٧) في الأصل : «قبض ذلك». ش : «قضّ ذلك».

٣٢٤

فيه ذلك ، لأنّ التاء ضمير الفاعل ، وهو اسم قائم بنفسه ، غير الفعل حقيقة ، فلا تقول : قبضط ، ولا قبطّ (١). ومن العرب من يشبّه هذه التاء بتاء «افتعل» ، ويقول : قبطّ ، وفحصط. قال الشاعر (٢) :

وفي كلّ حيّ قد خبطّ بنعمة

فحقّ لشأس ، من نداك ، ذنوب

وذلك لأنّ (٣) الفاعل وإن كان منفصلا ، فقد أجري مجرى بعض حروفه حكما ؛ ألا ترى أنهم سكّنوا آخر الفعل عند اتّصال ضمير الفاعل به (٤) ، نحو «ضربت» و «كتبت» ، لئلّا يجتمع في كلمة واحدة أربع حركات لوازم ، ولا يفعلون ذلك به ، عند اتصال ضمير المفعول ، نحو «ضربك» و «شتمك». ومن ذلك استقباحهم العطف على ضمير الفاعل من غير تأكيد ، ولم يستقبحوا ذلك في ١٤٣ المفعول. ومن ذلك أنّهم قالوا : «كنتيّ» (٥) ، / فنسبوا إلى الفعل والفاعل جميعا ، جعلوهما ككلمة (٦) واحدة ،

__________________

(١) في الأصل : قبضّ.

(٢) علقمة الفحل. ديوانه ص ٣٧. وانظر الممتع ص ٣٦١ وشرح المفصل ١٠ : ٤٨.

(٣) ش : أنّ.

(٤) سقط من الأصل.

(٥) الكنتيّ : الكبير المسنّ.

(٦) ش : كلمة.

٣٢٥

قال (١) :

فأصبحت كنتيّا ، وأصبحت عاجنا

وشرّ خصال المرء كنت ، وعاجن

فلمّا كان الفاعل قد أجري في هذه المواضع مجرى ما هو من الفعل أجروا التاء ، التي هي ضمير الفاعل ، مجرى التاء في «افتعل».

وقد حملهم طلب التجانس ، وتقريب الصوت بعضه من بعض ، على أن أبدلوا من التاء دالا في غير «افتعل». وذلك نحو «دولج» (٢) في : «تولج». كأنهم رأوا التاء مهموسة والواو مجهورة ، فأبدلوا من التاء الدّال ، لأنها أختها في المخرج ، وأخت الواو في الجهر ، لتحصل (٣) المجانسة في الصوت. وهذا قليل شاذّ في الاستعمال ، وإن كان حسنا في القياس. لكن لقلّة استعماله لا يقاس عليه.

وقالوا : «ودّ». وأصله «وتد» ، فأسكنت التاء

__________________

(١) الصحاح والتهذيب واللسان والتاج (كون) والأساس والتاج (كنت). والعاجن : المعتمد على الأرض ، إذا أراد النهوض ، من كبر وعجز.

(٢) الدولج : كناس الوحش.

(٣) ش وشرح المفصل : فتحصل.

٣٢٦

للتخفيف ، على حدّ قولهم في كتف : «كتف» ، فاجتمعت التاء ساكنة والدال ، وهما أختان في المخرج ، فأريد إدغام إحداهما في الأخرى ، فأبدلت دالا ، وأدغمت في الدال الثانية ، فصار «ودّ» (١).

وهذا بدل إدغام ، لا بدل تصريف.

__________________

(١) ش : ودّا.

٣٢٧

ابدال الجيم

قال صاحب الكتاب : تبدل الجيم من الياء بدلا غير مطّرد. قالوا في الإيّل (١) : «إجّل». قال أبو النجم (٢) :

كأنّ في أذنابهنّ الشّوّل

من عبس الصّيف ، قرون الإجّل

وقال آخر (٣) :

__________________

(١) في حاشية الأصل : «الايل : التيس الجبلي».

(٢) الملوكي ص ٤٩ وشرح المفصل ١٠ : ٥٠. وانظر تخريجه في الممتع ص ٣٥٤. وفي حاشية الأصل : «الشوّل : جمع شائل ، وهو المرتفع. والعبس : ما يتعلق بأذناب البعران من أبوالها وأبعارها».

(٣) الملوكي : «الآخر». وأخر فيه هذا الرجز فأثبت بعد الرجز الذي يليه. وانظر ص ٢٤٨ والملوكي ص ٥٠ ـ ٥١ وشرح المفصل ٩ : ٧٤ و ١٠ : ٥٠. وعلجّ : عليّ. والعشجّ : العشيّ. والفلق : ما قطع من التمر بعد تكتله. والبرنجّ : البرنيّ ، وهو ضرب من التمر. والود : الوتد والصيصجّ : الصيصيّ ،

٣٢٨

خالي عويف ، وأبو علجّ

المطعمان اللّحم ، بالعشجّ

وبالغداة ، فلق البرنجّ

يقلع بالودّ ، وبالصّيصجّ

وقال آخر (١) :

يا ربّ ، إن كنت قبلت حجّتج

فلا يزال شاحج يأتيك بج

أقمر ، نهّات ، ينزّي وفرتج

١٤٤ يريد : «حجّتي» ، و «بي» ، و «وفرتي» (٢). وقال (٣) :

* حتّى إذا ما أمسجت وأمسجا*

__________________

مفرده صيصيّة ، وهي الوتد يقلع به التمر. وفي حاشية الأصل : «الصياصي : الحصون ، وقرون الثور». وزاد في الملوكي بعد الرجز : «يريد : عليّ ، وبالعشيّ ، والبرنيّ ، والصيصيّ».

(١) الملوكي : «الراجز». وانظر تخريجه في الممتع ص ٣٥٤ ـ ٣٥٥. وانظر أيضا الملوكي ص ٥٠ وشرح المفصل ٩ : ٧٥ و ١٠ : ٥٠. والشاحج : الحمار أو البغل. والأقمر : الأبيض. وفي حاشية الأصل : «النهات : النهاق». وينزي : يحرّك.

(٢) الوفرة : الشعر إلى شحمة الأذن. وكنى الراجز بالوفرة عن نفسه.

(٣) انظر تخريجه في الممتع ص ٣٥٥. وانظر أيضا الملوكي ص ٥١ وشرح المفصل ١٠ : ٥٠.

٣٢٩

يريد : «أمست وأمسى». وهذا كلّه لا يقاس عليه.

قال الشارح (١) : قد استقصى صاحب الكتاب هذا الفصل. وجملة الأمر أنّ الجيم تبدل من الياء ، لا غير ، لأنهما أختان في الجهر والمخرج ، إلّا أنّ الجيم شديدة ، ولو لا شدّتها لكانت ياء ، وإذا شدّدت الياء صارت جيما. قال يعقوب (٢) : «بعض العرب إذا شدّد الياء صيّرها جيما». وأصل هذا الإبدال في الوقف ، لكراهية الوقف على الياء ، لخفائها وشبهها بالحركة. قال أبو عمرو : قلت لرجل من حنظلة : ممّن أنت؟ قال : «فقيمجّ». قلت : من أيّهم؟ قال : «مرّجّ». يريد : فقيميّا ، ومرّيّا. ومن ذلك قول الراجز (٣) :

خالي عويف ، وأبو علجّ

المطعمان اللّحم ، بالعشجّ

وبالغداة ، فلق البرنجّ

يقلع بالودّ ، وبالصّيصجّ

وقول الآخر (٤) :

__________________

(١) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٥٠ ـ ٥١.

(٢) القلب والابدال ص ٢٩.

(٣) انظر ص ٣٢٨ ـ ٣٢٩. وفي شرح المفصل ١٠ : ٥٠ : «وقد أجرى الوصل مجرى الوقف من قال».

(٤) انظر ص ٣٢٩.

٣٣٠

يا ربّ ، إن كنت قبلت حجّتج

فلا يزال شاحج يأتيك بج

أقمر ، نهّات ، ينزّي وفرتج

وغير الوقف محمول على الوقف ، نحو قوله : «قرون الإجّل».

فأما قوله :

* حتّى إذا ما أمسجت وأمسجا*

فإن الجيم بدل من الألف ، وإن كانت لا تبدل منها ، وإنما تبدل من الياء. لكن لمّا كانت الألف بدلا منها أبدلت منها كما تبدل من الياء ؛ ألا ترى أنّ الألف قد حذفت (١) في (٢) قراءة من قرأ (٣) يا أبت بالفتح ، حيث كانت بدلا من الياء التي للإضافة /. وهذا يدلّ ١٤٥ على أنّ البدل قد يكون في حكم المبدل منه. والذي يدلّ على أنّ الألف في «أمسى» بدل من الياء ، قول الشاعر :

__________________

(١) ش : خففت.

(٢) سقط من الأصل.

(٣) الآية ٤ من سورة يوسف. وهذه قراءة ابن عامر وأبي جعفر الأعرج. انظر البحر المحيط ٥ : ٢٧٩. وفي حاشية الأصل : «فكما اجتزىء بالكسرة عن الياء في يا أبت ، ويا غلام ، كذلك اجتزىء بالفتحة في : يا أبت ، عن الألف المبدلة من الياء». وانظر ١٧٠.

٣٣١

* وكنت حراما ، مسي عاشرة العشر*

فجاء به مفردا كالصّبح ، وليس بجمع ، لأنّ هذه الأسماء لا تجمع هذا الجمع.

وهذا الإبدال شيء يحفظ ، ولا يقاس عليه (١) ، لقلّته ، وخروجه عن (٢) نظائره (٣).

__________________

(١) كذا ، والمعروف أن إبدال الياء المشددة قياسي مطرد في الوقف ، وإبدال الياء المفردة شاذ. الكتاب ٢ : ٣١٤ والمقتضب ١ : ٦٥ والممتع ص ٣٥٤ ـ ٣٥٥ وشرح شواهد الشافية ص ٢١٣ ـ ٢١٦. وقيل : إن إبدالهما قليل نادر. شرح التصريح ٢ : ٣٦٧ وحاشية الصبان على الأشموني ٤ : ٢٨ ـ ٢٨١. وقيل : إن الأول شاذ والثاني أشذ. شرح الشافية ٣ : ٢٢٩ ـ ٢٣٠.

(٢) في الأصل : من.

(٣) في حاشية الأصل : بلغ.

٣٣٢

فصل الحذف

قال صاحب الكتاب : الحذف في كلام العرب على ضربين :

أحدهما عن علّة ، فهو مقيس ما وجدت فيه (١). والآخر عن استخفاف (٢) ، فلا يسوغ قياسه.

الاول [وهو القياسيّ]

متى كانت الواو فاء الفعل ، وكان ماضيه على «فعل» ، ومضارعه على «يفعل» ، ففاؤه التي هي واو محذوفة ، لوقوعها بين ياء وكسرة. وذلك قولك : وعد ، ووزن ، وورد ، ثم تقول : «يعد» و «يزن» و «يرد». وأصله : يوعد ، ويوزن ، ويورد. فحذفت الواو لما ذكرنا. يؤكّد ذلك أنّها إن انفتح ما بعدها صحّت ، فقلت «يوزن» و «يورد» (٣)

__________________

(١) سقط من ش.

(٢) زاد في الملوكي : لا غير.

(٣) سقط من الملوكي.

٣٣٣

و «يوعد». ويضبطه قوله عزوجل (١) : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ.) ومن ذلك (٢) «يوحل» و «يوجل» ، صحّتا لوقوع الفتحة بعدها.

وكذلك حذفوا الواو من المصدر ، فقالوا : «عدة» و «زنة». [والأصل «وعدة» و «وزنة»](٣) ، فاستثقلت الكسرة على الواو ، فنقلت إلى ما بعدها ، وحذفت الواو تخفيفا ، لأنها قد حذفت من فعل هذا المصدر أيضا. أعني : «أعد» و «أزن».

قال الشارح (٤) : إنما حذفت الواو لوقوعها بين ياء وكسرة في الفعل ، نحو «يعد» و «يزن» و «يرد» ، للثقل. وذلك أنّ الواو ١٤٦ مستثقلة ، وقد اكتنفها ثقيلان / : الياء والكسرة ، والفعل نفسه أثقل من الاسم ، وما يعرض فيه أثقل ممّا يعرض في الاسم. فلمّا اجتمع هذا الثقل وجب تخفيفه ، بحذف شيء من هذه الأشياء المستثقلة.

__________________

(١) الآية ٣ من سورة الاخلاص. ش : «قول الله عزوجل». الملوكي : «قول الله تعالى».

(٢) سقط من ش. وزاد بعده في الملوكي : أيضا.

(٣) تتمة من الملوكي.

(٤) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٥٩ ـ ٦٢.

٣٣٤

فلم يجز حذف الياء ، لأنّها حرف المضارعة ، وحذفها يخلّ بمعناها ، مع كراهية الابتداء بالواو. ولم يجز حذف الكسرة ، لأنّه بها يعرف وزن الكلمة. فلم يبق إلّا حذف الواو ، وكان أبلغ في التخفيف ، لكونها أثقل من الياء والكسرة ، مع أنها ساكنة ضعيفة ، فقوي سبب حذفها.

وجعلوا سائر المضارع محمولا على «يعد» ، فقالوا : تعد ، ونعد ، وأعد. فحذفوا الواو ، وإن لم تقع بين ياء وكسرة ، لئلّا يختلف بناء المضارع ، ويجرى في تصريفه على طريقة واحدة ، مع ما في الحذف من التخفيف. ومثله قولهم «أكرم» ، وأصله : «أؤكرم» بهمزتين. ثمّ أتبعوا ذلك سائر الباب ، فقالوا : تكرم ، ويكرم ، ونكرم. فحذفوا الهمزة ، وإن لم توجد العلّة ، ليجري الباب على سنن واحد.

وقال الكوفيّون : إنما سقطت الواو فرقا بين ما يتعدّى ، من هذا الباب ، وما لا يتعدّى. فالمتعدّي ، نحو : وعده يعده ، ووزنه يزنه ، ووقمه (١) يقمه. وما لا يتعدّى ، نحو : وحل

__________________

(١) وقمه : قهره.

٣٣٥

يوحل ، ووجل يوجل.

وذلك فاسد ، لأنه قد سقطت الواو من هذا الباب ، في غير المتعدّي ، كسقوطها من المتعدّي ؛ ألا تراهم قالوا : وكف البيت يكف ، وونم الذّباب ينم ، إذا ذرق ، ووخد البعير يخد. فثبت بذلك ما قلناه. ومما يدلّ على ذلك أنّ بعض الأفعال من هذا ١٤٧ الباب يجيء المضارع منه على «يفعل» / و «يفعل» بالكسر والفتح ، فتسقط (١) الواو من «يفعل» وتثبتها (٢) في (٣) «يفعل». وذلك نحو : وحر صدره يحر ، ووغر يغر. وقالوا : يوحر ، ويوغر. فأثبتوا الواو في المفتوح ، وحذفوها من المكسور. فدلّ على صحة علّتنا ، وبطلان علّتهم.

واعلم أنّ ما كان فاؤه واوا ، من هذا القبيل ، وكان على زنة «فعل» ، فإنه يلزم مضارعه «يفعل» بكسر العين. ولا يجيء منه «يفعل» بضمّ العين ، كما جاء في الصحيح ، نحو : قتل يقتل ، وخرج يخرج. كأنهم أرادوا أن يجري الباب على نهج واحد في

__________________

(١) في الأصل : فنسقط.

(٢) في الأصل : وتثبتها.

(٣) في الأصل وش : «من». والتصويب من شرح المفصل ١٠ : ٥٩.

٣٣٦

التخفيف ، بحذف الواو ، وهو إعلال ثان ، لحقه لأنه منع ما جاز في غيره ، وقد تقدّم ذلك.

فإن انفتح ما بعد الواو صحّت ، ولم تحذف ، لزوال وصف من أوصاف العلّة ، وهو الكسرة. نحو قولك : «يوعد» و «يوزن» ، فيما لم يسمّ فاعله ، قال الله تعالى (١)(لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ.) ومثله : وجل يوجل ، ووحل يوحل. ثبتت الواو لانفتاح ما بعدها.

فأمّا قولهم : «يضع» و «يدع» ، فإنما حذفت الواو منهما لأنّ الأصل : «يوضع» و «يودع» ، لما ذكرناه من أنّ «فعل» من هذا إنما يأتي مضارعه على «يفعل» بالكسر. وإنما فتح في «يضع» و «يدع» لمكان حرف الحلق. فالفتحة إذا عارضة ، والعارض لا اعتداد به ، فهو كالمعدوم. فحذفت الواو فيهما ، لأنّ الكسرة في حكم المنطوق بها.

فأمّا «وسع يسع» و «وطىء يطأ» فهو من باب (٢) : حسب يحسب ، ونعم ينعم. والأصل «يوسع»

__________________

(١) الآية ٣ من سورة الاخلاص.

(٢) في حاشية الأصل : «أي : من باب : فعل يفعل ، بالكسر فيهما».

٣٣٧

و «يوطىء». فالفتحة عارضة لأجل حرف الحلق ، فحذفت الواو لذلك.

فأمّا قولهم : «أورد يورد» و «أوعد يوعد» ، فثبوت ١٤٨ الواو / فيهما ، مع وقوعها بين ياء وكسرة ، إنما كان من أجل أنك إذا قلت في المضارع «أوعد» فأصله «أؤوعد» بهمزتين. فحذفوا الهمزة الثانية ، لاجتماع همزتين ، وحملوا سائر الباب عليه ـ كما قلنا في «أكرم» ، الباب واحد ـ فلم يجمعوا عليه حذف همزته ، وحذف الواو التي هي فاء ، فيتوالى عليه إعلالان ، وهو إجحاف ، مع أنّ الهمزة في «أوعد» إنما حذفت للتخفيف ، لاجتماع همزتين ، وما حذف للتخفيف فهو في حكم المنطوق به. وإذا كانت الهمزة في حكم المنطوق به (١) كانت فاصلة بين الياء والواو حكما ، فلذلك لم تحذف. والدليل على أنّها في حكم المنطوق بها أنها قد تظهر ؛ ألا ترى إلى قوله (٢) :

__________________

(١) ش : بها.

(٢) نسب إلى أبي حيان الفقعسي. المقتضب ٢ : ٩٨ والمنصف ١ : ٣٧ والانصاف ص ١١ والخصائص ١ : ١٤٤ والعيني ٤ : ٥٧٨ وشرح الشافية ١ : ١٣٩ وشرح شواهدها ص ٥٨ والصحاح واللسان والتاج (كرم). وانظر ص ٣٤٢ ـ ٣٤٣.

٣٣٨

* فإنّه أهل ، لأن يؤكرما*

وقول الآخر (١) :

* وصاليات ، ككما يؤثفين*

لأنه من «أثفيت القدر». فاعلم.

وقد حذفت الواو من المصدر أيضا في «عدة» و «زنة» ، والأصل «وعدة» و «وزنة» (٢). والذي أوجب حذفها ههنا علّة ذات وصفين : أحدهما كون الواو مكسورة ، والكسرة تستثقل على الواو. والآخر كون فعله معتلّا ، نحو «يعد» و «يزن». والمصدر يعتلّ باعتلال الفعل ، ويصحّ بصحّته ؛ ألا تراك تقول : قمت قياما ، ولذت لياذا ، والأصل : قواما ، ولواذا ، فأعللتهما بالقلب لاعتلال الفعل. ولو صحّ الفعل لم يعتلّ المصدر ؛ ألا ترى أنك تقول : قاوم قواما ، ولاوذ لواذا ، فيصحّ المصدر فيهما لصحّة

__________________

(١) خطام المجاشعي. الكتاب ١ : ١٣ و ٢٠٣ و ٢ : ٣٣١ والمقتضب ٢ : ٩٧ و ٤ : ١٤٠ و ٣٥٠ والخزانة ١ : ٣٦٧ و ٢ : ٣٥٣ و ٤ : ٣٧٣ وشرح شواهد الشافية ص ٥٩ ـ ٦١ واللسان والتاج (ثفي) والمغني ص ١٩٧ وشرح شواهده ص ١٧٢. وانظر ص ٣٤٣.

(٢) كذا وانظر ١٥٨.

٣٣٩

الفعل ، طلبا للتشاكل والتوافق ، لأن الأفعال والمصادر تجري مجرى المثال الواحد.

١٤٩ فاجتماع هذين الوصفين علّة ، لحذف الواو / من المصدر ؛ ألا ترى أنّ أحد الوصفين لو انفرد لم تحذف له الواو ، وذلك نحو «الوزن» و «الوعد» ، لمّا انفتحت الواو ، وزالت الكسرة ، لم يلزم الحذف ، وإن كان الفعل معتلّا في «يزن» و «يعد». وقالوا : واددته ودادا ، وواصلته وصالا ، فانكسرت (١) الواو في المصدر ولم تحذف مع ذلك. فعلمت أنّ مجموع الوصفين علّة ، لحذف الواو من المصدر ، بدليل أنه لمّا انفرد أحد الوصفين لم يقو على حذف الواو.

واعلم أنّ إعلال نحو «عدة» و «زنة» إنما هو بنقل كسرة الفاء ، التي هي الواو إلى العين. فلمّا سكنت الواو ، ولم يمكن الابتداء بالساكن ، ألزموها الحذف ، لأنهم لو جاؤوا بهمزة الوصل مكسورة أدّى ذلك إلى قلب الواو ياء ، لانكسار ما قبلها وسكونها ، فكانوا يقولون : «ايعدة» بياء بين كسرتين ، وذلك مستثقل. فصاروا إلى الحذف. فإذا القصد الإعلال بنقل الحركة ، والحذف وقع تبعا.

__________________

(١) في الأصل : فانكسر.

٣٤٠