شرح الملوكى في التّصريف

ابن يعيش

شرح الملوكى في التّصريف

المؤلف:

ابن يعيش


المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

لقولهم : بنون. ففتح فائه في جمع السلامة دليل على ما قلناه. وكذلك قولهم في النسب : «بنويّ» ، بفتح فائه.

والمحذوف منه واو هي لامه ، دلّ على ذلك قولهم في مؤنّثه : «بنت» ، كما قالوا : أخت ، وهنت. فأبدلوا التاء من لامها ، وإبدال التاء من الواو أكثر من إبدالها من الياء ، وعلى الأكثر يكون العمل. فأما «النبوّة» فلا دليل فيها ، لقولهم / : «الفتوّة» ، ١٧٨ وهي من الياء ، لقولهم في التثنية : فتيان ، وفي التكسير : فتية وفتيان. وإنما قاله صاحب الكتاب (١) على سبيل التقريب والتسهيل ، مع أنّ أبا الحسن كان يذهب إلى أنّ لام «فتى» يصلح أن يكون واوا وأن يكون ياء ، ولا قاطع في قولهم : فتية وفتيان ، لأنّه عنده كصبية وصبيان (٢).

واعلم أنّ التاء في «بنت» و «أخت» و «هنت» ليست علامة تأنيث كالتاء في : طلحة ، وحمزة. دلّ على ذلك سكون ما قبلها ، وتاء التأنيث يفتح ما قبلها ، نحو : قائمة ، وقاعدة. وإنما هي بدل من لام الكلمة. ويؤيّد ذلك قول سيبويه (٣) «: ولو سمّيت بهما رجلا

__________________

(١) انظر ١٧٤.

(٢) في حاشية الأصل : بلغ.

(٣) الكتاب ٢ : ١٣. وفي النقل تصرف.

٤٠١

لصرفتهما معرفة». يعني : بنتا وأختا. وهذا نصّ من سيبويه ؛ ألا ترى أنها لو كانت للتأنيث (١) لما انصرف الاسم ، كما لا ينصرف : حمزة وطلحة. وإنما التأنيث مستفاد من نفس الصيغة ، ونقلها من بناء إلى بناء ؛ ألا ترى أنّ أصل «بنت» : بنو ، فنقلوه إلى «فعل» ألحقوه بجذع ، بالتاء. وأصل «أخت» : أخو ، نقلوه إلى «فعل» ألحقوه بقفل وبرد. وأصل «هنت» : هنو ، نقلوه (٢) إلى زنة «فعل» كفلس وكعب. وصار ذلك عملا اختصّ به المؤنث.

ومثل ذلك قول الشاعر (٣) :

جرى ، عشت رحنا عامدين لأرضهم ،

سنيح ، فقال القوم : مرّ سنيح

وذلك أنّه بنى من أصل «عشيّة» اسما على «فعل» ولامه واو ،

__________________

(١) وزعم سيبويه في الكتاب ٢ : ٨٢ و ٣٤٨ أنها للتأنيث!

(٢) في الأصل : فنقلوه.

(٣) أبو حية النميري. الحيوان ٣ : ٤٤٥ والأمالي ١ : ٧٩ والسمط ص ٢٤٣ وزهر الآداب ص ٤٧٧ واللسان والتاج (سنح). والسنيح : ما مرّ من المياسر إلى الميامن ، يتشاعم به.

٤٠٢

أصله «عشيوة» (١) ، ثمّ أبدلت اللام تاء كما أبدلت في : بنت ، وأخت ، فصارت الصيغة ونقلها علم (٢) التأنيث.

وأما «اسم» (٣) فأصله «سمو» على زنة «فعل» بكسر الفاء ـ هكذا قال سيبويه ـ فحذفت الواو تخفيفا ، على حدّ / ١٧٩ حذفها في «أب» و «ابن» وشبههما ، وصارت الهمزة كالعوض عنها. ووزنه «افع» بحذف اللام. والذي يدلّ على أنه «سمو» ، دون «سمو» بفتح الفاء ، قولهم : أسماء ، في الجمع. و «فعل» ، بفتح الفاء وسكون العين ، لا يجمع في القلّة على «أفعال» ، وإنما بابه «أفعل» نحو : أكلب ، وأكعب. ولم يحمل على «فعل» نحو : برد وأبراد ، وقفل وأقفال ، لأنّ باب : جذع ، وعرق ، أكثر ، والعمل إنما هو على الأكثر. مع أن المكسور الأوّل أخفّ من المضموم الأوّل ، فكان الحمل عليه أولى.

وفي «اسم» خمس لغات : اسم ، واسم ـ بكسر الهمزة وضمّها ـ وسم ، وسم ـ بكسر السين وضمّها ـ قال الشاعر (٤) :

__________________

(١) ش : عشوة.

(٢) ش : ونقلها إلى علم.

(٣) انظر شرح المفصل ٩ : ١٣٤.

(٤) المنصف ١ : ٦٠ والانصاف ص ١٦ وشرح المفصل ١ : ٢٤ والصحاح واللسان والتاج (سمو).

٤٠٣

وعامنا أعجبنا مقدّمه

يدعى أبا السّمح ، وقرضاب سمه

وقال (١) :

* باسم الذي في كلّ سورة سمه*

ويروى «سمه» بالضمّ. وقالوا : سمى ، على زنة : هدى وعلى.

قال الشاعر (٢) :

والله أسماك سمى ، مباركا

آثرك الله ، به ، إيثاركا

فتمّم الاسم في هذه اللغة ، ولم يحذف ، وقلب الواو ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، على حدّ : عصا وقفا.

واشتقاق «الاسم» (٣) عند البصريّين من «سما يسمو» إذا

__________________

(١) المنصف ١ : ٦٠ والنوادر ص ١٦٦ والمقتضب ١ : ٢٢٩ والانصاف ص ١٦ وشرح المفصل ١ : ٢٤ واللسان والتاج (سمو) وشرح شواهد الشافية ص ١٧٦ ـ ١٧٧.

(٢) خالد القناني. الانصاف ص ١٥ وأوضح المسالك ١ : ٢٥ والصحاح واللسان والتاج (سمو).

(٣) انظر المسألة الأولى من الانصاف ، وشرح المفصل ١ : ٢٣ ـ ٢٤.

٤٠٤

علا ، لأنّ الاسم يسمو على المسمّى ، ويدلّ على ما تحته من المعنى. وذهب الكوفيّون إلى أنه مشتقّ من «الوسم» الذي هو العلامة ، فكان الاسم علامة على المسمّى ، يعرف بها (١). وهذا القول حسن من جهة المعنى ، إلّا أنه يضعف (٢) من جهة التصريف ؛ ألا ترى أنّهم قالوا : «أسميته». ولو كان من الوسم لقيل : «أوسمته». وقالوا في تكسيره : «أسماء». ولو كان من الوسم لقيل : «أوسام». وقالوا في تصغيره : «سميّ». / ولو كان من الوسم لقيل : ١٨٠ «وسيم» ، أو «أسيم». وفي عدم ذلك ، وأنه لم يقل ، دليل على أنه من السموّ.

فإن ادّعي القلب فليس بالسّهل ، فلا يصار إليه ما وجد عنه مندوحة. مع أنّ القلب ، إذا وقع في كلمة ، فلا بدّ من الرجوع إلى الأصل في بعض تصاريف الكلمة ، نحو «طأمن» ، فإذا صرّفته قلت : اطمأنّ ، ومطمئنّ ، وطمأنينة. فيرجع إلى الأصل. وليس الاسم كذلك ، فإنك تقول فيه : أسميته ، وسمّيته ، وسميّ. ولو كان فاؤه واوا لعادت في ذلك أو بعضه. وهذا ظاهر. والهمزة في

__________________

(١) سقط من ش.

(٢) ش : ضعيف.

٤٠٥

أوّله ، وفي نظائره ، نحو «ابن» و «است» همزة وصل ، كالعوض من اللام المحذوفة. ولذلك تعاقبها ، فلا تجتمعان ؛ ألا ترى أنك تقول في النسب إلى ابن : «ابنيّ» ، فتقرّ الهمزة ما دامت اللام محذوفة ، فإن رددت اللام حذفت الهمزة ، وقلت : «بنويّ». فاعرفه.

وأما «كرة» (١) فأصلها «كروة» على زنة «فعلة» كظلمة ، وغرفة. وذلك لأنّ باب : ظلمة ، وغرفة ، أكثر من باب : زهرة ، وتخمة. وإنما تكثر «فعلة» في الصّفات ، نحو : ضحكة ، وهمزة. وفتحت الراء من «كرة» لمجاورة تاء التأنيث. ولامها واو محذوفة ، لقولهم : كروت بالكرة ، أكرو بها ، كروا ، إذا لعبت بها. قال الشاعر (٢) :

مرحت يداها للنّجاء ، كأنّما

تكرو بكفّي لاعب ، في قاع

وتجمع بالواو والنون فيقال : كرون ، وكرون (٣) ، بالكسر.

__________________

(١) انظر شرح المفصل ٥ : ٣٧.

(٢) المسيب بن علس. من المفضلية ١١. انظر المفضليات ص ٦٢. يصف ناقة. والنجاء : السرعة. والقاع : المنهبط ، من الأرض.

(٣) ش : وكرين.

٤٠٦

وأمّا «قلة» (١) فهي «فعلة» أيضا ، ساكن العين ، لما ذكرناه في «كرة». والمحذوف منه واو ، لقولهم : قلوت بالقلة ، أقلوا قلوا ، ومن قال : «قليت» جعلها من الياء. والأوّل أكثر. وتجمع بالواو والنون أيضا. قالوا : قلون ، وقلون ، بكسر القاف.

وأما «الثّبة» (٢) التي / هي الجماعة ، فمعتلّ اللام. وذلك ١٨١ لكثرة حذف اللام ، وقلّة حذف الفاء والعين ؛ ألا ترى أنّ الفاء لم تحذف إلّا في مصادر بنات الواو ، نحو «عدة» و «زنة». وليست «ثبة» من ذلك ، لأنّ أوائل تلك المصادر مكسورة و «ثبة» مضمومة الأوّل. فأمّا قولهم : «صلة» ، بالضمّ في «الصّلة» فشاذّ (٣) لا يقاس عليه. وكذلك العين ، لم تحذف إلّا في حرفين ، أحدهما «سه» والآخر «مذ». ولا يقاس عليهما. فلذلك وجب أن يكون معتلّ اللام بالواو ، لأنّ أكثر ما حذفت لامه إنما هو من الواو ، نحو «أخ» و «أب» و «حم» ونظائره ، و «ثبة» الحوض ، وهي (٤) وسطه. وذهب أبو الحسن إلى أنه معتلّ العين ،

__________________

(١) انظر شرح المفصل ٥ : ٥ و ٣٧.

(٢) انظر شرح المفصل ٥ : ٣ ـ ٥ و ٨ ـ ٩ و ٣٧.

(٣) في الأصل : شاذ.

(٤) ش : وهو.

٤٠٧

وهو من «ثاب يثوب» لأنّ الماء يثوب إلى وسطه. وهو عند الجماعة معتلّ اللام ، كأنّه من «ثبيت» أي : جمعت ، لأنّ الماء مجتمعه (١) وسط الحوض.

وأمّا «ظبة» السّيف : وهو طرفه ، فهو معتلّ اللام أيضا ، وأصله «ظبوة». والكلام عليه كالكلام في «ثبة». مع أنهم قالوا في جمعه : «ظبى» كبرة وبرى. وهذا ثبت.

__________________

(١) ش : يجمعه.

٤٠٨

حذف الياء

قال صاحب الكتاب : من ذلك «يد». وأصله «يدي» لقولك : يديت إلى فلان يدا ، أي : أسديت إليه معروفا. وكذلك (١) «مائة» أصلها «مئية» (٢). حكى أبو الحسن : أخذت منه مئيا ، يريد : مائة. وهذه دلالة قاطعة. ومن ذلك «دم» وأصله (٣) «دمي» ودمي ، على الخلاف (٤) ، لقولك في التثنية : «دميان». قال الشاعر (٥) :

__________________

(١) الملوكي : ومن ذلك.

(٢) الملوكي : واصلها مأية.

(٣) الملوكي وش : أصله.

(٤) سقط «ودمي على الخلاف» من الملوكي.

(٥) علي بن بدال السلمي. الملوكي ص ٦٦ والمقتضب ١ : ٢٣١ و ٢ : ٢٣٨ و ٣ : ١٥٣ والمخصص ٦ : ٩٢ و ١٥ : ١٦٨ وأمالي ابن الشجري ٢ : ٣٤٤. وانظر ص ٢٨٢ و ٤١٤ وشرح اختيارات المفضل ص ٧٦٢.

٤٠٩

فلو أنّا على حجر ذبحنا

جرى الدّميان بالخبر اليقين

ومنهم من يقول : «دموان» ، وهو قليل. وقال بعضهم (١) : «دمان». وحذف الياء من هذا أقلّ من الواو.

قال الشارح : (٢) اعلم أنّ الواو أثقل من الياء والألف ، والمعنيّ ١٨٢ بالثّقل أنّ الكلفة عند النّطق بها / تكون أكثر ، والياء أخفّ من الواو وأثقل من الألف. وإذا تدبّرت ذلك عند النّطق بالحرف وجدته صحيحا. فلذلك كان حذف الياء هنا أقلّ من حذف الواو ، وأكثر من حذف الألف.

فأما «يد» فأصلها «يدي» على زنة «فعل» ساكنة العين ، بلا خلاف. دلّ على ذلك قولهم في تكسيرهم إيّاه : «أيد» ، وأصله «أيدي» على زنة «أفعل» نحو : كلب وأكلب ، وكعب وأكعب ، إلّا أنهم أبدلوا من ضمّة الدال في «أيدي» (٣) ،

__________________

(١) زاد في الملوكي : أيضا.

(٢) انظر شرح المفصل ٥ : ٣٧ و ٨٣ ـ ٨٤.

(٣) في الأصل وش : أيد.

٤١٠

كسرة لتصحّ الياء ، كما قالوا : «بيض». قال الله تعالى (١)(ما بَيْنَ أَيْدِينا وَما خَلْفَنا) ، وقال (٢)(ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ.) وقال الشاعر (٣) :

إذا الكماة تنحّوا ، أن يصيبهم

حدّ الظّباة ، وصلناها بأيدينا

وقال أيضا (٤) :

* مخاريق ، يأيدي لاعبينا*

ومما يؤكد كونه «فعلا» ، ساكن العين ، قولهم في الكثرة :

«يديّ» على زنة «فعيل» ، نحو قوله (٥) :

__________________

(١) الآية ٦٤ من سورة مريم.

(٢) الآية ١٨٢ من سورة آل عمران والآية ٥١ من سورة الأنفال.

س : ذلك بما كسبت يداك!

(٣) بشامة بن حزن النهشلي. شرح الحماسة للمرزوقي ص ١٠٨ وللتبريزي ١ : ١٠٦ والشعر والشعراء ص ٦٢٠ وعيون الأخبار ١ : ١٩٠.

(٤) عجز بيت من معلقة عمرو بن كلثوم. شرح القصائد العشر ص ٣٣٩. وصدره :

كأنّ سيوفنا ، فينا ، وفيهم ،

(٥) عجز بيت لضمرة بن ضمرة النهشلي ، وينسب إلى الأعشى. وصدره :

٤١١

* فإنّ له عندي يديّا ، وأنعما*

وهذا النوع ، من الجمع ، إنما يكون من «فعل» ساكن العين ، نحو : عبد وعبيد ، وكلب وكليب. قال الشاعر (١) :

والعيس ينغضن بكيرانها

كأنّما ينهسهنّ الكليب

مع أنّ يعقوب قد حكى «يدي». وهذا نصّ على ما قلناه.

ولام «اليد» ياء محذوفة ، لقولهم في التثنية : يديان ، قال الشاعر (٢) :

يديان ، بيضاوان ، عند محلّم

قد تمنعانك أن تضام ، وتضهدا

ويقال : «يدان». وهو الأكثر ، للزوم الحذف. ويؤيّد أنّه من

__________________

فلن أذكر النّعمان إلّا بصالح

النواد ص ٥٣ وديوان الأعشى ص ٢٥٧ وشرح المفصل ٥ : ٨٤ والصحاح والمقاييس واللسان والتاج (يدي). وسقط «فانّ» من ش.

(١) سقط من ش. وفي ش : «ينهضن». والعيس : الابل البيض يخالط بياضها صفرة. وينفضن : يضطربن. والكيران : جمع كور.

(٢) انظر ص ٢٨٢.

٤١٢

الياء قولهم : يديت إليه يدا ، أيدي يديا ، إذا أوليته معروفا.

قال الشاعر (١) :

يديت على ابن حسحاس بن وهب

بأسفل ذي الحجاة ، يد الكريم / ١٨٣

وسمّيت النّعمة يدا ، لأنّ الإعطاء إنّما يكون باليد. فسمّيت بها ، كما سمّوا الحلف يمينا ، لأنّهم كانوا يتعاطون أيمانهم عند التحالف.

وأمّا «دم» فأصله «دمي» كفلس ، وكعب ، لجمعهم إيّاه في الكثرة على : دماء ، ودميّ ، على حدّ : ظبي وظباء وظبيّ ، ودلو ودلاء ودليّ ، ولأنّ «فعلا» بسكون العين (٢) أخفّ من «فعل» ، فكان حمله على الأخفّ أولى. مع أنّ الحركة طارئة على المتحرّك ، والأصل عدمها ، ولا يصار إلى ما يخالف الأصل إلّا بدليل.

وليس في قوله (٣) :

__________________

(١) معقل بن عامر الأسدي. شرح المفصل ٥ : ٨٤ وشرح الحماسة للمرزوقي ص ١٩٣ وللتبريزي ١ : ١٨٦ واللسان والتاج (يدي) ومعجم البلدان ٣ : ٦٥. والرواية : «ذي الجداة» وهو موضع.

(٢) ش : بالسكون.

(٣) انظر ص ٤١٠.

٤١٣

* جرى الدّميان بالخبر اليقين*

دلالة ، عند سيبويه ، على أنّ وزنه (١) «دمي» كجبل وجمل ، لأنّ الحرف عنده إذا تحرّك (٢) بحركة حرف محذوف لزمت الحركة ذلك الحرف ، وإن عاد المحذوف ؛ ألا ترى إلى قولهم : «يديان» بتحريك الدال ، مع إجماعهم أنّ أصله «يدي» ساكن العين ، من غير خلاف. وكان أبو الحسن يردّ عليه هذا الأصل ، ويردّ الحرف المتحرّك إلى أصله ، إذا تمّم الاسم. فعلى (٣) هذا تقول في النسب إلى «غد» على قول سيبويه : «غدويّ» بالتحريك ، وعلى رأي أبي الحسن : «غدويّ» بالسكون على الأصل. وكذلك ما كان منه (٤).

وذهب أبو الحسن والمبرّد إلى أنّ أصله «دمي» ، بالتحريك ، فهو «فعل» كجبل ، وإن جاء جمعه مخالفا لنظائره. قالا : والذي يدلّ على ذلك أنّ الشاعر لمّا (٥) اضطرّ عاد إلى الأصل في قوله (٦) :

__________________

(١) كذا ولعله يريد : أصله.

(٢) في الأصل : لأن الحرف إذا تحرك عنده.

(٣) في الأصل : وعلى.

(٤) في حاشية الأصل : «أي : من هذا الباب».

(٥) ش : إذا.

(٦) الحصين بن الحمام المري. الخزانة ٣ : ٣٥٤ ـ ٣٥٥ وشرح المفصل ــ ٤ : ١٥٣ و ٥ : ٨٤ وشرح الحماسة للتبريزي ١ : ١٩١ ـ ١٩٣ وللمرزوقي ص ١٩٧ ـ ١٩٩ والعقد ١ : ٧٢ و ٧٥ وسيرة ابن هشام ٢ : ٣٦٥ والشعر والشعراء ص ٦٣٠ والأغاني ١١ : ٨٨ وشرح بانت سعاد ٢٠٣ وأمالي اليزيدي ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨ وأمالي الزجاجي ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨. وانظر شرح اختيارات المفضل ص ص ٣٢٦ وشرح شواهد الشافية ص ١١٤ ـ ١١٥ والمنصف ٢ : ١٤٨.

٤١٤

فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا

ولكن على أقدامنا يقطر الدّما

وقال الآخر (١) :

غفلت ، ثمّ أتت تطلبه

فإذا هي بعظام ، ودما / ١٨٤

قالا : ولا يلزم على هذا «يديان» ، لاحتمال أن يكون على لغة من قصر ، فقال : هذه يدا. ورأيت يدا ، ومررت بيدا ، كرحى وقفا.

والوجه الأوّل ، وهو مذهب سيبويه.

ولام «دم» ياء محذوفة ، لقولهم : «دميان». ومن قال :

__________________

(١) المنصف ٢ : ١٤٨ وشرح المفصل ٥ : ٨٤ واللسان والتاج (أطم) و (برغز). يصف بقرة وحشية غفلت عن ولدها.

٤١٥

«دموان» في التثنية ، جعله من الواو. والأول أكثر.

وأما «مائة» فهي من الياء ، وأصلها : «مئية». تقول (١) : أمأيت الدّراهم ، إذا جعلتها مائة مائة. وهذا يدلّ على اعتلال لامه ، ولا يدلّ على أنّها ياء ، لأنّ الواو إذا وقعت رابعة قلبت ياء ، نحو «أعطيت» و «أغزيت» وهما من : عطا يعطو ، وغزا يغزو. والذي يدلّ على أنّ اللام منه ياء ما حكاه أبو الحسن ، من قولهم : «رأيت (٢) مئيا» ، في معنى «مائة». وهذا نصّ.

__________________

(١) في الأصل : يقال.

(٢) كذا وانظر ص ٤٠٩ والممتع ص ٦٢٤.

٤١٦

حذف الهاء

قال صاحب الكتاب (١) : قالوا : «شفة» ، وأصلها : «شفهة» لقولك في التحقير : شفيهة ، وفي التكسير : شفاه ، وفي الفعل : شافهت زيدا ، وفي المصدر : الشّفاه والمشافهة. وقالوا : «عضة» ، وأصلها في أحد المذهبين «عضهة» (٢) لقولك : جمل عاضه ، إذا أكل العضاه. ومن قال (٣) :

هذا طريق ، يأزم المآزما

وعضوات ، تقطع اللهازما

فأصلها عنده «عضوة». وقالوا : «فم» ، وأصله «فوه». وقد

__________________

(١) سقط «قال صاحب الكتاب» من ش.

(٢) الملوكي وش : عضهة.

(٣) انظر تخريجه في الممتع ص ٦٢٥. وانظر ص ٤٢٠ والملوكي ص ص ٦٧ وشرح المفصل ٥ : ٣٨.

٤١٧

تقدّم ذكره (١).

قال الشارح (٢) : قد ذكرنا أنّ الحذف في الأسماء المعتلّة اللّامات ، من نحو : أب ، وأخ ، ويد ، ودم ، شاذّ من جهة القياس ، مع كثرة اعتلال هذه الحروف ، والطمع في جانبها (٣). وإذا كان ١٨٥ كذلك فهو في غير / حروف المدّ ، من نحو : الهاء ، والنون ، والحاء ، أبعد وأشدّ شذوذا.

فأمّا «شفة» فأصلها «شفهة» على زنة «فعلة» كجفنة ، وقصعة. دلّ على ذلك قولهم في التكسير : «شفاه» كجفان ، وقصاع ، مع أنّ باب : قصعة وشربة ، أكثر من باب : قصبة ، وطرفة. والعمل إنما هو على الأكثر ، لا على الأقلّ.

ولامه هاء محذوفة ، يدلّك على ذلك قولهم ، في التصغير :

__________________

(١) زاد في الملوكي : «ومن ذلك : شاة ، وأصلها : شوهه ، لقولك في تحقيرها : شويهة ، وفي تكسيرها : شياه. وقالوا أيضا : شيه ، وأشاوه. وحكى أبو زيد : تشوّهت شاة ، قيل : أي اصطدتها».

(٢) انظر شرح المفصل ٥ : ٨٢ ـ ٨٣.

(٣) في حاشية الأصل : «أي : حروف العلة في الحذف».

٤١٨

شفيهة ، وفي التكسير : شفاه ، وفي الفعل : شافهت مشافهة وشفاها. ويقال : رجل شفاهيّ ، للعظيم (١) الشّفتين. وقد زعم قوم أنه من الواو ، وأصله «شفوة» كسلوة ، وشقوة ، لأنه يقال : شفوات ، في الجمع ، ورجل أشفى ، إذا كان لا تنضمّ شفتاه كالأروق. والصحيح الأول ، وما رووه من : «شفوات» و «أشفى» ، فإن صحّ كان من معنى الشّفة ، لا من لفظها ، ك «سبط وسبطر» ، أو يكون كسنة وعضة ، في أنه يكون له أصلان : الهاء ، والواو.

وأمّا «عضة» لضرب من الشجر له شوك ، قال الشاعر (٢) :

إذا مات منهم ميّت سرق ابنه

ومن عضة ، ما ينبتنّ شكيرها

__________________

(١) ش : للرجل العظيم.

(٢) الصحاح واللسان والتاج (عضه). وفي الأصل : «سرف أنفه». وفي ش : «شرف ابنه». وقال ابن منظور : «يريد أن الابن يشبه الأب ، فمن رأى هذا ظنه هذا ، فكأنّ الابن مسروق. والشكير : ما ينبت في أصل الشجر». وفي الأصل : «لا ينبتنّ».

٤١٩

فلامها (١) هاء محذوفة ، وأصلها «عضهة» على زنة «فعلة» كخرقة وكسرة (٢). والذي يدلّ على ذلك أنّ الشاعر لمّا أضطرّ أتى بها على الأصل ، نحو قوله (٣) :

يحطّ من عماية الأرويّا

يترك كلّ عضهة عصيّا

فجاء بها على الأصل. ويؤيّد أنّها من الهاء قولهم : عضاهة ، وعضاه ، جمعه على حدّ : شجرة وشجر ، وقولهم في التصغير : عضيهة. ويقال : عضهت الإبل ، وبعير عضاهيّ ، ١٨٦ وعضهيّ ، وعاضه ، إذا رعى العضاه. / وأرض معضهة : كثيرة العضاه.

وبعضهم يزعم أنّه من ذوات الواو ، لأنّها تجمع على «عضوات» ، وينشد (٤) :

هذا طريق ، يأزم المآزما

وعضوات ، تقطع اللهازما

__________________

(١) في الأصل وش : ولامها.

(٢) ش : وكسوة.

(٣) في الأصل : «يخط من عماية الأرزيّا». وفي الحاشية تصويب عن نسخة أخرى. ويحطه : ينزله. وعماية : جبل في نجد. والأروي : إناث الوعول.

(٤) انظر ص ٤١٧.

٤٢٠