شرح الملوكى في التّصريف

ابن يعيش

شرح الملوكى في التّصريف

المؤلف:

ابن يعيش


المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

١
٢

بسم الله الرّحمن الرّحيم

المقدمة

الحمد لله حمد الشاكرين ، والصلاة على نبيّه الأمين. وبعد :

١

فقد كنت عزمت ، منذ سنوات ، على تحقيق هذا الكتاب ، وتابعت ذلك في خطى وئيدة. ثم علمت بعد أن الزميل الكريم ، الأستاذ «محمد نديم فاضل» يعمل أيضا في هذا السبيل ، معتمدا النسخة الحلبية. ولكنه كان في أول الطريق ، فآثر على نفسه ، وتكرّم بالوقوف عند ما وصل إليه ، ليفسح لي المجال ، فأتابع الخطى ، وأنجز ما عزمت عليه. فتقبّلت منه هذه الأربحيّة بقبول حسن ، وشكرت له إيثاره وفضله.

وإنني ، إذ أقدّم هذا الجهد المتواضع إلى أبناء العربية ومحبّيها ودارسيها ، لأرجو أن يجعله الله خالصا لوجهه الكريم ، ومصدر خير لي في الدنيا والآخرة ، وينبوع بركة لمن قرأ فيه ، أو رجع إليه.

٢

أما مؤلف الكتاب فهو (١) موفق الدين ، أبو البقاء ، يعيش بن

__________________

(١) وفيات الأعيان ٦ : ٤٥ ـ ٥١ وإعلام النبلاء ٤ : ٤١١ ـ ٤١٤ ــ وشذرات الذهب ٦ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩ وبغية الوعاة ٢ : ٣٥١ والمختصر في تاريخ البشر ٣ : ١٧٤ ـ ١٧٥ وتتمة المختصر في أخبار البشر ٢ : ٢٥٧ ومفتاح السعادة ١ : ١٩٧ وكشف الظنون ص ٤١٢ و ١٧٧٥ وهدية العارفين ٢ : ٥٤٨ وبروكلمان ٥٢١ : ١.S.٢٩٨ ـ ٢٩٧ : I.G.

٣

علي بن يعيش بن أبي السرايا بن محمد بن علي بن الفضل بن عبد الكريم بن محمد بن يحيى بن حيان القاضي بن بشر بن حيان الأسدي. ويعرف بابن يعيش ، وبابن الصانع (١) أيضا.

كان موطن أسرته في الموصل ، ثم رحلت إلى مدينة حلب ، حيث ولد موفق الدين ، في الثالث من رمضان سنة ٥٥٦ (٢). وقد شب في هذه المدينة الحبيب ، وتر عرع يمتص رحيق أجوائها العلمية. فأخذ النحو عن أبي السخاء فتيان الحائك الحلبي (٣) ، وأبي العباس المغربي. كما سمع الحديث على أبي الفرج يحيى بن محمود الثقفي ، والقاضي أبي الحسن أحمد بن محمد الطرسوسي ، وخالد بن محمد بن نصر القيسراني ، وأبي سعد بن أبي عصرون.

ثم هاج به الحنين إلى موطن أسرته القديم ، وموئل العلم والعرفان. فشدّ الرحال إلى العراق سنة ٥٧٧ ، يطلب الثقافة على أبي البركات ابن الأنبارى. ولكنه ، في الموصل قبل أن يدرك بغداد ، بلغته وفاة ابن الأنباري ، فأقام في موطن أسرته ، يأخذ الحديث عن أبي الفضل عبد الله بن أحمد الحطيب الطوسي ، وأبي محمد عبد الله بن عمرو بن سويد الرضي التكريتي. ورجع إلى حلب.

__________________

(١) بصاد مهملة ونون وعين ، كما ضبط في بغية الوعاة ومفتاح السعادة وهدية العارفين. وصحف في سائر المصادر ، فجعل : ابن الصائغ.

(٢) وقيل : سنة ٥٥٣. بغية الوعاة والمختصر وتتمة المختصر ومفتاح السعادة.

(٣) بغية الوعاة ٢ : ٢٤٣.

٤

وكأن ما استقاه ، من العلم ، لم يملأ نفسه ويشبع نهمه ، ولم يكن كافيا لمنصب التعليم والاقراء ، الذي كان يطمح إليه. فيمّم شطر دمشق ، يأخذ عن أعلامها ، ويستزيد من ينابيعها. وهناك لقي أبا اليمن الكندي (١) ، تاج الدين زيد بن الحسن ، وسأله عن مواضع مشكلة في العربية. فأبدى الشيخ إعجابه بعلم ابن يعيش وفطنته ، وكتب له رقعة ، يمدح فيها تقدمه في علم العربية ، والفن الأدبي.

وبذلك رجع ابن يعيش إلى مدينة حلب ، راضيا بزاده ، واثقا بنفسه ، وتصدّر للتعليم والاقراء في علوم العربية والأدب. فأصبح شيخ الجماعة في تلك المدينة ، وموئل الطلاب والعلماء والفقهاء والسادة.

لقد عرف موفق الدين بالحذق في التعليم ، وحسن التفهيم ، والصبر على المتعلمين ، وخفة الروح ، وظرف الشمائل ، وكثرة المرح مع سكينة ووقار. حتى عظم شأنه وفاق أقرانه ، وانتهى إليه علم العربية ، وقصده الناس من مختلف البلاد ، وأصبح لديه جماعة من النابهين المتميزين. وقد تخرّج به خلق كثير ، حتى قيل : إن غالب فضلاء حلب تلاميذ له. وكان أشهر من تخرّج به ياقوت الحموي (٢) ، وابن خلّكان (٣) ، وجمال الدين الوائلي محمد بن أحمد الشريشي (٤) ، وأبو بكر الدشتي (٥).

وقد كثرت مجالس ابن يعيش في حلب ، فكان منها مجلس في جامعها بالمقصورة الشمالية ، يقرىء فيه بعد العصر. وآخر في المدرسة الرواحية ، يقرىء فيه بين الصلاتين.

__________________

(١) إنباه الرواة ٢ : ١٠ ـ ١٤.

(٢) إرشاد الأريب ٣ : ٤٧ و ٧٧.

(٣) وفيات الأعيان ٦ : ٤٦ ومفتاح السعادة ١ : ٢٥٧.

(٤) نفح الطيب ٢ : ٧١٧.

(٥) مفتاح السعادة ١ : ١٩٧.

٥

ولبث في عمله هذا زمانا طويلا ، يلازمه الطلاب والعلماء ، ويصنف ما تيسّر له ، حتى شاخ وهرم ، وأدركته المنية في سحر الخامس والعشرين ، من جمادى الأولى سنة ٦٤٣. ودفن من يومه بالمقام المنسوب إلى إبراهيم الخليل عليه‌السلام ، بعد أن زرع العلم والمعرفة ، وترك مصنفات أشهرها : شرح المفصّل للزمخشري ، وكتابنا هذا الذي ننشره (١).

٣

وأما الكتاب ، كتابنا الذي ننشره ، فهو «شرح الملوكيّ في التصريف». فقد كان أبو الفتح عثمان بن جني صنف كتابا في علم التصريف لطيفا ، سمّاه «مختصر التصريف» (٢) ، واشتهر بين الناس باسم «الملوكيّ» (٣). وطبع غير مرة.

وقد شاع ذكر ذلك الكتاب بين العلماء ، فشرحه :

عمر بن ثابت الثمانيني (٤) ، المتوفى سنة ٤٤٢.

__________________

(١) وله أيضا حاشية على كتاب «المنصف» لابن جني. كشف الظنون ص ٤١٢. ووهم البغدادي فزعم أن له حاشية على تصريف العزي لابن جني! هدية العارفين ٢ : ٥٤٨. وذكر أن له كتابا اسمه «تفسير المنتهى من بيان إعراب القرآن». بروكلمان ٥٢١ : ١.S.

(٢) كذا جاء في إجازة له بخطه. إرشاد الأريب ٥ : ٢٩ ـ ٣٠ والمبهج ص ٤. وقد ذكر للكتاب أسماء أخرى : مقدمات أبواب التصريف ، ومختصر التصريف الملوكي ، وجمل أصول التصريف.

(٣) فهرست ابن خير ص ٣١٧. وزعم شمس الدين محمد بن ابراهيم بن ساعد ، وأخذ عنه طاش كبري زاده ، أن ابن جني سمى كتابه هذا «التصريف الملوكي». ارشاد القاصد الى أسنى المقاصد ومفتاح السعادة ١ : ١٣٤ ـ ١٣٥. وزعم البغدادي أن التصريف الملوكي هو للمازني. الخزانة ١ : ١١٦ و ٢ : ٢٣٦ و ٣ : ٣٦٧.

(٤) إرشاد الأريب ٦. ٤٦ وابن عصفور والتصريف ص ٢٤٣.

٦

ابن الشجري هبة الله بن علي أبو السعادات (١) ، المتوفى سنة ٥٤٢.

القاسم بن القاسم الواسطي (٢) ، المتوفى سنة ٦٢٦.

موفق الدين يعيش بن علي بن يعيش ، المتوفى سنة ٦٤٣.

ولكن الأيام ذهبت بهذه الشروح ، إلّا ما صنعه ابن يعيش فقد سلمت بعض نسخه من عوادي الزمن ، وعاشت إلى عصرنا الحاضر ، ليتيسّر لنا ـ باذن الله ـ تحقيقه ونشره ، وللناس الافادة منه.

كان ابن يعيش قد لمس أهمية علم التصريف ، ومكانة كتاب ابن جني منه ، وحاجته إلى التوضيح والتفسير. فقام بمهمة شرحه شرحا موجزا ، قال (٣) : «لمّا كان التصريف من أجلّ العلوم وأشرفها ، وأغمض أنواع الأدب وألطفها ، حاجة النحوي إليه ضرورية ، والمملق منه مملق من حقيقة العربية ، وكان الكتاب الموسوم ب «الملوكيّ» ، المنسوب إلى الشيخ أبي الفتح عثمان بن جني ـ رحمه‌الله ـ مشتملا على كثير من حدوده ، وجمل من قوانينه وعقوده ، إلّا أنه ـ لقرب ما بين طرفيه ، وفرط إيجاز ما اشتمل عليه ـ لا يصحب في كل يد عنانه ، ولا يضح لكل خاطر بيانه ، أمليت هذا الكتاب ، شرحا لمشكله ، وإيضاحا لسبله ، مقيّدا كل فصل منه بحججه وعلله. وتحرّيت فيه الايجاز ، لئلّا يخرج عن الغرض بوضعه».

وكان قد بدأ ، من قبل ، بكتابه «شرح المفصل». ولكنه لم

__________________

(١) إرشاد الأريب ٧ : ٢٤٨ وكشف الظنون ص ٤١٣.

(٢) ارشاد الأريب ٦ : ١٨٦ وكشف الظنون ص ٤١٢. ونسب خطأ الى محمد بن آدم الهروي ، المتوفى سنة ٤١٤ ، شرح للتصريف الملوكي. انظر ارشاد الأريب ٦ : ٥٩٤ وبغية الوعاة ٢ : ٢٦١.

(٣) انظر ص ١٧.

٧

يستطع إنجازه ، لعدة موانع (١) «منها اعتراض الشواغل ، ومنها ما أحدثته السبعون بين القلم والأنامل ، ومنها أن الزمان فسد ، حتى علا باقله على درجة قسّ ، وانحط قسّه عن درجة باقل». ولهذا انصرف عنه ، وشغل نفسه بعمل أقل مشقة ، وأيسر منالا ، وهو شرح الملوكي. فأتم بناءه ، وأنجز تأليفه ، في أوائل الربع الثاني من القرن السابع. ثم كان ازدهار للعلم (٢) ، ونشاط للعلماء ، في مدينة حلب ، بعد استقرار البلد واستتباب الأمن. فرجع موفق الدين إلى كتابه الأول ، يكمل منه ما نقص ، ويلحق به ما يجعله عملا سويّا ، ويمليه على طلابه.

ولذلك وقع تصنيف «شرح الملوكي» بين المرحلتين التين قضاهما في تأليف «شرح المفصل». فلا عجب أن ترى في كل من الكتابين إشارة إلى الآخر (٣).

وقد سمى المؤلف كتابه هذا (٤) «شرح الملوكيّ في التصريف». وكثيرا ما ذكره باسم «شرح الملوكيّ» (٥). غير أنه اشتهر بين الناس باسم (٦) «شرح التصريف الملوكيّ». وآثرنا نحن ما أطلقه المؤلف نفسه.

٤

يعرف من هذا الكتاب ثلاث نسخ خطية ، وهي :

__________________

(١) شرح المفصل ١ : ٢ ـ ٣.

(٢) شرح المفصل ١ : ٣.

(٣) انظر ص ٣١ وشرح المفصل ٤ : ٧٠ و ٥ : ١١٠ و ٧ : ١٥٦ و ١٠ : ٢٣.

(٤) شرح المفصل ٧ : ١٥٦.

(٥) شرح المفصل ٤ : ٨٠ و ٥ : ١١٠ و ١٠ : ٢٣.

(٦) وفيات الاعيان ٦ : ٥١ واعلام النبلاء ٤ : ٤١٤ وكشف الظنون ص ٤١٢ وهدية العارفين ٢ : ٥٤٨ وبروكلمان ٥٢١ : ١.S وابن عصفور والتصريف ص ١٣٤.

٨

١ ـ نسخة إستانبول :

تحتفظ بها مكتبة كبرل باستانبول تحت الرقم ١٥١١. وهي في ١٦٤ ورقة ، بخط جيد. كتبت في ١٤ صفر من سنة ٧٥١. وقد رجعت إليها منذ سنوات ، وتصفحتها ، وقرأت فيها ، ثم طلبت تصويرها ، فلم يتيسر ، لتعذر تصوير المخطوطات باستانبول في هذه السنوات. ولذلك لم أستطع أن أستفيد منها في هذا العمل.

٢ ـ النسخة الحلبية (الأصل) :

تحتفظ بهذه النسخة دار الكتب الوقفية بحلب ، في المكتبة العثمانية تحت الرقم ١٠٤٧. وقد تكرّم المشرفون على هذه الدار بمساعدتي ، فيسّروا لي ، مشكورين ، أمر الاستفادة منها.

تقع هذه النسخة في ٢٣٠ صفحة من القطع الصغير ، وفي كل صفحة ١٩ سطرا ، بخط جيد مضبوط. وكان الفراغ من كتابتها يوم الاثنين الثاني من شوال سنة ٦٧٨. وقد اخترمت الورقتان الأوليان منها ، وفيهما العنوان ، والخطبة ، وجزء يسير من صدر الكتاب. فقام الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة بالحاق ذلك ، نقلا من النسخة الشنقيطية. وقد أشار إلى ذلك في أول النسخة ، ثم قال : «وهذه النسخة ، التي بين يديك ، تمتاز عليها بالشكل لأكثرها ، شكلا صحيحا نافعا ، بل واجبا في هذا الفن. كما تمتاز بقربها من حياة المؤلف ابن يعيش ـ رحمه‌الله تعالى ـ مع سلامتها من التحريف ، بما أتقنه كاتبها ، من وضعه تحت كل حرف ذي اشتباه حرفا مفردا مثله ، بيانا لصحته ، وإبعادا لسطو التحريف عليه. رحمه‌الله تعالى ، وغفر لنا وله ، وللمسلمين أجمعين ، آمين. قاله ، وكتبه عبد الفتاح بن محمد بن بشير ، أبو غدّة الحلبي. عفي عنهم. السبت ١٧ من رمضان سنة ١٣٦٧».

وأثبت قبل هذا أيضا ما يلي : «شرح التصريف الملوكي ، للامام

٩

موفق الدين ، أبي البقاء ، يعيش بن علي بن يعيش الحلبي ، شارح المفصّل للامام الزمخشري. ويعرف بابن الصانع (١). ولد في حلب سنة ٥٥٦ ، وتوفي بها سنة ٦٤٣. ترجم له ابن خلكان في الوفيات ٢ : ٣٤١ ترجمة مسهبة طيبة ، وقال : شرح التصريف الملوكي لابن جني شرحا جيدا. وأثنى على أخلاقه ، وعلمه ، وظرفه. وحضر عليه الكثير ، من دروسه ، في حلب. رحم الله الجميع».

وقد عورضت هذه النسخة بالأصل الذي نقلت منه ، فانتهت المعارضة في سنة ٦٧٩ ، ونص الناسخ على ذلك في الصفحة الأخيرة ، كما أشار إليه في مواطن متفرقة من النسخة.

أضف إلى هذا أن الناسخ نفسه ، وبعض العلماء المتأخرين ، قد ألحقوا كثيرا ، من العبارات والكلمات ، بحواشي النسخة ، وبين السطور ، لتفسير المفردات والجمل ، وتصحيح بعض الأوهام والأخطاء. وبذلك أصبحت النسخة جديرة بأن تعتمد ، فتكون أصلا للتحقيق العلمي ، والنشر الدقيق.

ولكن هذا كله ، لا يعني أن النسخة خالية من الخطل. فقد تبين لي فيها مواطن عدّة ، دخلها التصحيف ، والتحريف ، والسهو ، والاخلال. فاستعنت على تقويمها بما تيسّر.

٣ ـ النسخة الشنقيطية (ش) :

كان الشيخ محمد محمود بن التلاميذ ، التركزي الشنقيطي ، في إستانبول مطلع القرن الرابع عشر ، فكلف من نقل له من هذا الكتاب نسخة. ثم قام الشيخ نفسه بمقابلتها وتصحيحها ، وأثبت في حاشية

__________________

(١) في الأصل : «الصائغ». وانظر بغية الوعاة ٢ : ٣٥١ ومفتاح السعادة ١ : ١٩٧ وهدية العارفين ٢ : ٥٤٨.

١٠

ختامها : «انتهت المقابلة ، من أوله إلى آخره ، لشر بقين من رمضان سنة ١٣٠٣ ، على يد مالكه محمد محمود بن التلاميذ التركزي الشنقيطي. لطف به».

وكان قد جعل عنوانها ، بخطه أيضا ، كما يلي : «هذا شرح العلامة موفق الدين بن يعيش ، على تصريف الامام أبي الفتح عثمان بن جني ، الموسوم بالملوكي». وأثبت تحته : «ملكه ، بفضل ربه وكرمه ، محمد محمود بن التلاميذ التركزي. ثم وقفه على عصبته بعده ، وقفا مؤبدا. فمن بدله فاثمه عليه. وكتبه محمد محمود ، لطف به ، آمين ، غرة رمضان سنة ١٣٠٣».

والنسخة هذه محفوظة في دار الكتب المصدرية ، بالقاهرة ، تحت الرقم ٣ صرف ش. وهي في ٢٣١ صفحة ، بخط جيد مشكول ، وفي كل صفحة ١٩ سطرا. بيد أن المجلد أخلّ بنسق صفحات الخمس الأول منها ، فوقعت كما يلي : ١ ، ٢ ، ٢١ ـ ٤٢ ، ١٩ ، ٢٠ ، ٣ ـ ١٨ ، ٤٣ ... وقد استطعت أن أعيد ، مستعينا بالأصل ، إلى هذه النسخة تناسقها واضطراد صفحاتها.

وأكاد أرجح أن المصدر الأول ، لما نقلت منه هذه النسخة ، قد كتبه تلميذ لابن يعيش. والمؤنس في هذا أن عبارة المصنف المألوفة «قال الشارح» كثيرا ما استبدل بها في هذه النسخة «قال شيخنا موفق الدين شارحه» ، أو ما يشبهها من العبارات الدالة على التلمذة.

٥

وفي التحقيق اعتمدت النسخة الحلبية ، فجعلتها أصلا للكتاب. وعارضت بها النسخة الشنقيطية ، وأثبتّ ما بينهما من خلاف له أهمية ، أو

١١

فائدة. وأعرضت عن التصحيفات السطحية التي يدركها كل قارىء ، ولا تقدّم فائدة تذكر.

ثم رجعت إلى مطبوعة «التصريف الملوكي» ، فعارضت بها ما أورده ابن يعيش من عبارات مؤلفه ، وأثبتّ ما جاء من خلاف بين الكتابين. وقد أوضح هذا أن ابن يعيش قد تصرّف أحيانا ، فبدل العبارة ، أو أسقط منها ما يستغنى عنه ، أو ما يعرقل سياق النص ، ويحول دون التسلسل والاستقامة.

وفي عناوين الكتاب ، استعنت بما أثبته ابن يعيش ، ثم أضفت إليه بعض الكلمات ، ليتيسر للقارىء والدارس أمر المراجعة فيه ، والبحث عن المسائل والموضوعات.

وأضفت إلى ذلك كله معارضة نصوص الكتاب بما يقابلها في «شرح المفصل» ، وأحلت على تلك المواطن التي تلتقي أو تتفق. وقد ثبت لي ، من هذا الصنيع ، أن المصنف كان ينقل ، في شرح المفصل ، كثيرا جدا من نصوص هذا الكتاب.

وختاما أدعو الله أن يقبل مني ما بذلت ، ويغفر لي ما اجترحت ، ويسدد الخطى ، ويجزل الثواب. وهو نعم المولى ، ونعم النصير.

حلب الخميس ٤ صفر ١٣٩٣

٨ آذار ١٩٧٣

الدكتور فخر الدّين قباوه

١٢

١٣

١٤

١٥

١٦

بسم الله الرّحمن الرّحيم

وصلّى الله على محمّد نبيّه الكريم

[خطبة الكتاب]

الحمد لله على نعمه ، وصلواته على سيّدنا محمّد ، وآله خزّان حكمه ، وبعد :

فإنّه لمّا كان التّصريف من أجلّ العلوم وأشرفها ، وأغمض أنواع الأدب وألطفها ، حاجة النّحويّ إليه ضروريّة ، والمملق منه مملق من حقيقة العربيّة ، وكان الكتاب الموسوم ب «الملوكيّ» ، المنسوب إلى الشيخ أبي الفتح عثمان بن جنّي ، رحمه‌الله ، مشتملا على كثير من حدوده ، وجمل من قوانينه وعقوده ، إلّا أنه ، لقرب ما بين طرفيه ، وفرط إيجاز ما اشتمل عليه ، لا يصحب في كلّ يد عنانه ، ولا يضح لكلّ خاطر بيانه ، أمليت هذا الكتاب ،

١٧

شرحا لمشكله ، وإيضاحا لسبله ، مقيّدا كلّ فصل منه بحججه وعلله. وتحرّيت فيه الإيجاز ، لئلّا يخرج عن الغرض بوضعه. وما توفيقي إلّا بالله ، عليه توكّلت ، وإليه أنيب.

[معنى التصريف]

قال الشّيخ أبو الفتح عثمان بن جنّي ـ رحمه‌الله ـ : (١) معنى قولنا «التّصريف» هو أن تأني إلى الحروف الأصول ـ وسنبيّن ما معنى (٢) قولنا الأصول ـ فتتصرّف (٣) فيها بزيادة (٤) أو تحريف ، بضرب من ضروب التّغيير. فذلك هو التصريف لها ، والتصرّف فيها (٥).

قال الشيخ الشارح موفّق الدين : اعلم أنّ التّصريف مصدر ، وضع كالعلم على هذا العلم ؛ للفرق ، خصّوا به ما عرض في أصول الكلم وذواتها من التّغيير ، كاختصاصهم علم

__________________

(١) قبله في الملوكي : «هذه جمل من أصول التصريف ، يقرب تأمّلها ، وتقلّ الكلفة على ملتمس الفائدة منها ، قليلة الألفاظ ، كثيرة المعاني».

(٢) سقط «ما معنى» من الملوكي.

(٣) ش : فتتصرّف.

(٤) الملوكي : بزيادة حرف.

(٥) الملوكي : هو التصرف فيها والتصريف لها.

١٨

العربية بالنّحو. فالتّصريف : كلام على ذوات الكلم ، والنّحو / ٢ كلام على عوارضها الداخلة عليها. وفعله : صرّفته أصرّفه تصريفا. يقال : صرّفته فتصرّف ، أي : طاوع وقبل التّصريف.

وحدّه : دور الأصل في الأبنية المختلفة والصّور المتغايرة (١). / ٣ واشتقاقه من تصريف الحديث والكلام ، وهو تغييره بحمله على غير الظاهر. ومنه تصريف الرّياح ، وهو تحويلها من حال إلى حال : جنوبا ، وشمالا ، وصبا (٢) ، ودبورا ، إلى غير ذلك من أجناسها. فالتصريف تغيير الحروف الأصول ، ودورها في الأبنية المختلفة بحسب تعاقب المعاني عليها. نحو قولك في الماضي : ضرب ، وفي الحال : يضرب ، وفي الاستقبال : سيضرب ، وضارب للفاعل ، ومضروب للمفعول. فالأبنية مختلفة ، والأصل الذي هو «ض ر ب» واحد ، موجود في جميع ضروبها. فهو كالجوهر الذي يتصرّف في جميع ضروب الخلق والصّور. وجوهر كلّ شيء : مادّته وجنسه

__________________

(١) الكلام من أول الكتاب إلى هنا سقط من الأصل ، وألحقه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة به نقلا من ش. وجاء في الأصل هنا زيادة ما يلي : فالتصريف دور الأصل في الأبنية المختلفة والصور المتغايرة.

(٢) في الأصل : وصباء.

١٩

الذي يصوّر منه ذلك الشيء ، نحو الذّهب والفضّة. فإنّهما جوهر لما يصاغ منهما ؛ ألا ترى أنّه يصاغ (١) منهما الصّور المختلفة ، والذهب والفضّة شيء واحد موجود فيها. ونظيره الشخص الذي يتصرّف في الجهات الستّ ذاهبا وجائيا ، وآخذا يمنة ويسرة ، ونحو ذلك.

[الأسماء والأفعال والحروف]

واعلم أنّ الأصل على ثلاثة أضرب : أسماء ، وأفعال ، وحروف.

فأمّا الضرب الأوّل ، وهو الأسماء ، فثلاثة أقسام : ثلاثيّة ، ورباعيّة ، وخماسيّة.

فالقسم الأول ، وهو الثلاثيّ (٢) ، عشرة أبنية :

فعل : بفتح الأوّل وسكون الثاني ، ويكون اسما وصفة. فالاسم صقر وكلب. والصفة صعب وضخم.

وفعل : بكسر الأوّل وسكون الثاني ، ويكون اسما وصفة. ٤ فالاسم نحو عدل وعكم (٣). والصفة / نحو نقض (٤) ونضو (٥).

__________________

(١) ش : نحو الذهب والفضة فانه يصاغ.

(٢) ش : «الثلاثيّ فالثلاثية». وانظر شرح المفصل ٥ : ١٤ ـ ١٥ و ٦ : ١١٢ ـ ١١٣.

(٣) تحته في الأصل «أي : الحمل».

(٤) النقض : المنقوض.

(٥) النضو : المهزول من الخليل.

٢٠