شرح الملوكى في التّصريف

ابن يعيش

شرح الملوكى في التّصريف

المؤلف:

ابن يعيش


المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

والضمّة ، لضعفها وسعة مخرجها.

فأمّا «العوض» و «الطّول» و «العيبة» فإنّ الواو والياء لمّا تحرّكتا قويتا ، ولحقتا بالحروف الصحاح ، فجازت مخالفة ما قبلهما من الحركات إيّاهما.

وأمّا «سوط» و «حوض» فلم تقلب الواو فيهما (١) للفتحة قبلها ، وإن كانت ساكنة ، كما قلبت في «ميزان» و «ميعاد» من قبل أنّ بين الواو والياء مناسبة وقربا ، ليس بينهما وبين الألف ؛ ألا ترى أنّهما يكونان ردفين في القوافي ، نحو قول عمرو بن كلثوم (٢) / : ١١٣

* ولا تبقي خمور الأندرينا*

وفيها (٣) :

__________________

(١) في الأصل : فيها.

(٢) عجز مطلع معلقته. وصدره :

ألا ، هبّي بصحنك ، فاصبحينا

والأندرين : موضع بالشام. شرح القصائد العشر ص ٣١٩.

(٣) في حاشية الأصل : «أي : في تلك القصيدة». وتمام البيت :

قريناكم ، فعجّلنا قراكم

، قبيل الصّبح ، مرداة ، طحونا

شرح القصائد العشر ص ٣٦٠.

٢٦١

* مرداة ، طحونا*

ونحو قول امرىء القيس (١) :

قد أشهد الغارة الشّعواء ، تحملني

جرداء ، معروقة اللّحيين ، سرحوب

ثم قال (٢) :

كالدّلو ، بتّت عراها ، وهي مثقلة

وخانها وذم ، منها ، وتكريب

ولا يجوز معها الألف. فلمّا كان بين الياء والواو هذا التقارب اجتذبت كلّ واحدة منهما الأخرى إليها ، وصارتا ، بما ذكرناه ، بمنزلة الحرفين يتقارب مخرجاهما ، نحو : الدّال والطاء ، والظاء والثاء. فلذلك قلبت الواو الساكنة للكسرة قبلها ياء ، والياء الساكنة واوا

__________________

(١) ديوانه ص ٢٢٦. والشعواء : المتفرقة. والجرداء : الفرس القصيرة الشعر. والمعروقة اللحيين : القليلة لحم الخدين. وفي حاشية الأصل : «فرس سرحوب أي : عتيقة».

(٢) ديوانه ص ٢٢٧. وفي الأصل وش : «وذم منه». والوذم : سير يعلق بعرى الدلو. والتكريب : أن يشدّ خيط من الدلو إلى الحبل ، ليكون عونا متى انقطعت عروة ، أو انحلت عقدة.

٢٦٢

للضّمّة قبلها (١). ولمّا تباعدت الألف منهما (٢) تباعدت الفتحة أيضا من الكسرة والضمّة ، فلم تقو الفتحة في نحو «سوط» و «حيض» (٣) ، على قلب الواو والياء الساكنتين بعد الفتحة.

على أنّا قد ذكرنا (٤) أنّ بعض العرب يقول في وجل : «ياجل» ويوجل ، ووحل : «ياحل» ويوحل ، فيقلب الواو الساكنة للفتحة قبلها. ومنه لغة بلحارث بن كعب : مررت بالرّجلان ، ورأيت الرّجلان.

وأمّا قلب الياء واوا ، غير مقيس ، فقالوا في العلم «رجاء ابن حيوة» ، وأصله : حيّة ، فقلبوا الياء الثانية واوا. وجاء على ما لم يستعمل ، لأنّه ليس في كلامهم ما عينه ياء (٥) ولامه واو. ومثله في القلب «حيوان» ، قلبوا الياء التي هي لام واوا ، كراهية التّضعيف. هذا مذهب الخليل وسيبويه. ويؤيّد ذلك أنهم لم يشتقّوا من هذا اللفظ فعلا ، ولذلك قال سيبويه (٦) : «ليس في الكلام مثل :

__________________

(١) سقط «ياء ... قبلها» من ش.

(٢) ش : منها.

(٣) ش : حوض.

(٤) انظر ٩٧.

(٥) سقط من ش.

(٦) انظر الكتاب ٢ : ٣٨٩ وشرح المفصل ١٠ : ٥٥.

٢٦٣

حيوت». أي : ليس في الكلام : حيوت ، ولا ما جرى ١١٤ مجراها ، / ممّا عينه ياء ولامه واو.

وقال أبو عثمان (١) : الواو في «حيوان» أصل غير مبدلة ، وإن لم يستعمل منه فعل. وقاسه على : فاظ الميّت فيظا وفوظا. قال : ف «فوظ» مصدر ولم يستعمل منه فعل (٢) ، وكذلك : ويح ، وويس ، وويل ، هنّ مصادر ، وليس لهنّ أفعال. فكذلك «الحيوان» عنده مصدر ، ولا فعل له من لفظه ، وهو قول سديد.

ومذهب الجماعة في «الحيوان» ـ ليس أبا عثمان ـ يؤيّد عندك شدّة استكراههم التّضعيف واجتماع الأمثال ؛ ألا ترى كيف عدلوا هنا عن الياء إلى ما هو أثقل منها ، وهو الواو ، ليختلف اللفظان ، ويخفّ بذلك. وإذا كانوا قد أبدلوا الياء واوا ، كراهية التضعيف ، فإبدالهم الواو ياء في : ديوان ، واعليواط ، واخربواط ، عند من قال ذلك ، أولى بالجواز ، وأيسر (٣) حالا.

__________________

(١) المنصف ٢ : ٢٨٤ ـ ٢٨٧.

(٢) سقط «فقاسه ... فعل» من ش.

(٣) في حاشية الأصل : «من القلب في الحيوان».

٢٦٤

فاجتمع إلى استكراههم التضعيف فيه (١) أنّه علم ، والأعلام يتطرّق إليها من التّغيير ما لا يتطرّق إلى غيرها.

وقد قالوا : جبيت الخراج جباوة ؛ وأصله : جباية ، فأبدلوا الياء واوا في غير التضعيف ، كما قالوا «الثالي» في الثالث ، و «السادي» في السادس.

وأمّا إبدال الواو من الهمزة فقد أبدلت إبدالا مطّردا منها ، إذا سكنت وانضمّ ما قبلها ، نحو قولك في تخفيف مؤمن ، وجؤنة : «مومن» و «جونة» ، بقلبها واوا خالصة ، لتعذّر جعلها بين بين ، على ما مضى.

وتبدل الواو أيضا من الهمزة ، إذا كانت مفتوحة مضموما ما قبلها ، نحو : جؤن ، وبؤر ، وسؤلة. فتقول في تخفيف ذلك : «جون» / و «بور» و «سولة» ، تخلصها واوا ، ١١٥ ولا تجعلها بين بين ، لأنّ في جعلها بين بين تقريبا لها من الألف ، والألف لا يكون ما قبلها مضموما ، فكذلك ما قرب منها.

وقد أبدلت الواو من الهمزة غير مطّرد ، قالوا في آخيته :

__________________

(١) أي : في حيوة.

٢٦٥

«واخيته». فالواو بدل من الهمزة ، وليستا لغتين على حدّ : وكدّت وأكدّت ، وورّخت وأرّخت. وليس في الكلام مثل «وعوت» أعني : ما فاؤه ولامه واو ، إلّا قولهم «واو». فاعرفه (١).

__________________

(١) في حاشية الأصل : بلغ.

٢٦٦

ابدال الهمزة

قال صاحب الكتاب : قد أبدلت الهمزة من الألف للتأنيث ، نحو : صفراء (١) ، وصحراء ، وأصدقاء (٢) ، وعشراء (٣). الهمزة (٤) في ذلك ونحوه بدل من ألف التأنيث ، كالتي في : حبلى ، وسكرى.

قال الشارح (٥) : اعلم أنّ الهمزة في : صحراء ، وأصدقاء ، وصفراء ، وعشراء ، ونحو ذلك ، إنّما هي ألف التأنيث ، كالتي في : حبلى ، وبشرى ، وسكرى. وقعت بعد ألف زائدة للمدّ ، فالتقى ألفان زائدتان ، فلم يكن بدّ من حذف إحداهما (٦) ، أو حركتها. فلم يجز الحذف ، لأنّك لو حذفت الأولى لزال المدّ ، وقد

__________________

(١) الملوكي : في نحو حمراء.

(٢) سقط من ش.

(٣) العشراء : الناقة مضى على حملها عشرة أشهر.

(٤) الملوكي : فالهمزة.

(٥) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٩ ـ ١٠.

(٦) ش : أحدهما.

٢٦٧

بنيت الكلمة ممدودة ، ولو حذفت الثانية لزال علم التأنيث ، وهو أقبح من الأول. فلم يبق إلّا تحريك إحداهما (١) ، فلم يجز تحريك الأولى ، لأنّ حرف المدّ متى حرّك فارق المدّ ، فوجب تحريك الثانية. فلمّا حرّكت انقلبت همزة ، فقلت : حمراء ، وصفراء. هذا مذهب سيبويه ، وعليه المعوّل.

وإنما قلنا إنّه بدل ، ولم نقل إنها زيدت للتأنيث (٢) من ١١٦ أوّل / وهلة ، لأنّا رأيناهم لمّا جمعوا بعض ما فيه همزة التأنيث أبدلوها في الجمع البتّة ، ولم يحقّقوها ، وذلك قولهم في جمع صحراء ، وصلفاء (٣) : «صحاريّ» و «صلافيّ». ولم يرد عنهم إظهار الهمزة في شيء من ذلك ، نحو : صحاريء ، وصلافيء ، بالهمز. ولو كانت الهمزة فيهنّ أصلا ، غير مبدلة ، لجاءت في الجمع ، كما قالوا : كوكب درّيء ، وكواكب دراريء ، ورجل قرّاء ، ورجال قراريء ، فجاؤوا بالهمزة في الجمع ، لمّا كانت أصلا.

وإنما قلبت الهمزة في الجمع هنا (٤) ، لأنّ الهمزة منقلبة عن ألف

__________________

(١) ش : أحدهما.

(٢) زاد في ش : همزة.

(٣) الصلفاء : الأرض الصلبة الغليظة الشديدة.

(٤) أي : في صحاريّ وصلافيّ.

٢٦٨

التأنيث ، على ما ذكرنا ، لاجتماعها مع الألف الأولى. وأنت إذا جمعت انقلبت الألف الأولى ياء في الجمع ، لانكسار ما قبلها ، على حدّ انقلاب ألف : قرطاس وقراطيس ، وحملاق وحماليق. ولمّا انقلبت الألف ياء صارت الهمزة بعدها إلى أصلها ، وهو الألف ، لزوال سبب قلبها همزة ، وهو الألف الأولى. ثمّ قلبت ألف التأنيث ياء ، للياء التي هي بدل من ألف المدّ قبلها ، ثمّ أدغمت الياء في الياء ، فقيل :

صحاريّ. قال الشاعر (١) :

لقد أغدو على أشق

ر ، يغتال الصّحاريّا

وقد ذهب بعضهم إلى أنّ الألف (٢) الأولى في : حمراء وصحراء وصفراء ، للتأنيث ، والثانية مزيدة ، للفرق بين مؤنّث «أفعل» ، نحو : أحمر وحمراء ، وأصفر وصفراء ، وبين مؤنّث «فعلان» ، نحو : سكران وسكرى. وهذا قول واه جدّا ، لأنّ علم التأنيث لا يكون إلّا طرفا ، ولا يكون حشوا البتّة.

__________________

(١) الوليد بن يزيد. ديوانه ص ٥٨ وشرح المفصل ٥ : ٥٨ والممتع ص ٣٣٠ وسر الصناعة ١ : ٩٧ والانصاف ص ٨١٦ وشرح الشافية ١ : ١٩٤ وشرح شواهدها ص ٩٥ والخزانة ٣ : ٣٢٤ ـ ٣٢٦.

(٢) سقط من ش.

٢٦٩

١١٧ وقول من قال : إنّ الألفين معا للتأنيث ، واه / أيضا ، لعدم النظير ، لأنّا لا نعلم علامة تأنيث على (١) حرفين ، فيحمل هذا عليه.

ومن أطلق عليهما ذلك ، وسمّاهما ألفي التأنيث ، فتسمّح (٢) في العبارة وتجوّز ، لتلازمهما. فاعرفه.

قال صاحب الكتاب : وأبدلت الهمزة أيضا من الواو ، إذا انضمّت ضمّا لازما ، نحو قولك في وجوه : «أجوه» ، وفي وعد : «أعد» ، وفي أثوب : «أثوب» ، وفي أسوق : «أسؤق» (٣) ، وفي سووق : «سؤوق» (٤). قال الرّاجز (٥) :

* لكلّ دهر ، قد لبست أثؤبا*

قال الشارح (٦) : اعلم أنّ الواو إذا انضمّت ضمّا لازما جاز إبدالها همزة ، جوازا حسنا ، وكان المتكلّم مخيّرا بين الهمزة

__________________

(١) سقط من ش.

(٢) في الأصل : فتسمّح.

(٣) سقط «وفي أسوق أسؤق» من الملوكي.

(٤) سقط «وفي سووق سؤوق» من ش. الملوكي : «وفي سوق سؤق».

(٥) معروف بن عبد الرحمن. انظر تخريجه في الممتع ص ٣٣٦.

(٦) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ١١ ـ ١٥.

٢٧٠

والأصل ، فاء كانت الهمزة أو عينا. وذلك نحو : وجوه و «أجوه» ، وأثوب و «أثؤب».

وصار ذلك قياسا مطّردا ، كرفع الفاعل ونصب المفعول ، وذلك لكثرة ما ورد عنهم من ذلك ، مع موافقة القياس ؛ ألا ترى أنّ الضمّة تجري عندهم مجرى الواو ، والكسرة مجرى الياء ، والفتحة مجرى الألف. ويسمّون الضّمّة الواو الصغيرة ، والكسرة الياء الصغيرة (١) ، والفتحة الألف الصغيرة. وكانت هذه الحركات أوائل هذه الحروف ، إذ الحروف تنشأ عنها ، في مثل : «الدّراهيم» ، و «الصّياريف» ، و «لم تهجو ولم تدعي» (٢). وكانت الواو تحذف للجزم في نحو : لم يدع ، ولم يغز ، كما تحذف الضمّة في نحو : لم يضرب ، ولم يخرج.

فلمّا كان بين الحركات والحروف هذه المناسبة أجروا الواو

__________________

(١) سقط «والكسرة الياء الصغيرة» من ش.

(٢) في حاشية الأصل : «صدره :

هجوت زبّان ، ثم جئت معتذرا

من هجو زبّان ، لم تهجو ، ولم تدع».

والبيت لأبي عمرو بن العلاء ، وهو زبان. انظر تخريجه في الممتع ص ٥٣٧.

٢٧١

١١٨ والضمّة مجرى الواوين المجتمعين. فلمّا كان اجتماع الواوين / يوجب همز أحدهما على حدّ : واصلة وأواصل ، وواقية وأواق (١) ، على ما سيذكر في موضعه ، كان اجتماع الواو مع الضّمّة يبيح ذلك ويجيزه ، من غير وجوبه ، حطّا لدرجة الفرع عن الأصل.

وقولنا «لازمة» (٢) احتراز (٣) من العارضة لالتقاء الساكنين ، نحو قوله تعالى (٤)(اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ)(٥) و (لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)(٦) و (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ.) ومن العارض ضمّة الإعراب في مثل : هذا دلو ، وحقو ، وغزو. الضمّة في ذلك كلّه لا تسوّغ الهمز ، لكونها عارضة ؛ ألا ترى أنّ أحد الساكنين قد يزول ويرجع إلى أصله ، وكذلك ضمّة الإعراب في مثل : هذا دلو ، وحقو ، قد تصير إلى الجرّ والنصب ، وتزول.

فإن قيل : فأنتم قلبتم الواو والياء ألفا ، لتحرّكهما وانفتاح ما قبلهما (٧) ، في نحو «عصا» و «رحى» ، وإن كانت الحركة حركة

__________________

(١) ش : وأواقي.

(٢) كذا! وانظر ص ٢٧٠.

(٣) ش : احترازا.

(٤) الآية ١٦ من سورة البقرة.

(٥) الآية ٢٣٧ من سورة البقرة.

(٦) الآية ١٨٦ من سورة آل عمران.

(٧) في الأصل وش : لتحركها وانفتاح ما قبلها.

٢٧٢

إعراب ، فهلّا أجزتم همزها في «هذا دلو» و «حقو» ، لضمّة الإعراب ، كما قلبتموها في «هذه عصا» و «قنا» (١) ، لضمة الإعراب! قيل : هذه مغالطة من السّائل ، لأنا لم نقلب الواو في «عصا» لكون الواو مضمومة ، بل إنّما قلبت لكون الحركة لازمة لحرف الإعراب. فأمّا كون الحركة ضمّة ، دون غيرها ، فهو غير لازم ؛ ألا ترى أنه قد يدخل عامل آخر غير الرّافع ، فيزيل الرّفع ويحدث غيره (٢). فلعدم لزوم الضمّة في «هذا غزو» و «دلو» لم يجز الهمز فيهما ، وللزوم التحرّك لحرف الإعراب وجب القلب في «عصا» و «رحى» ، لأنّ علّة القلب التحرّك مطلقا ، بأيّ حركة كان ، مع انفتاح ما قبلها ، وعلّة جواز الهمز كون الحركة ضمّة على الخصوص. / فاعرفه. ١١٩

ومن العرب من يبدل من الواو المكسورة همزة إذا كانت فاء لا غير. نحو : وشاح و «إشاح» ، ووسادة و «إسادة» ، ووعاء و «إعاء». وقرأ سعيد بن جبير (٣) : قبل إعاء أخيه. وقالوا :

__________________

(١) في الأصل : قفا.

(٢) في الأصل : «فيزول الرفع ويحذف غيره». وفي الحاشية :

«أي : غير الرفع إذا كان إعرابه بالحروف».

(٣) الآية ٧٦ من سورة يوسف.

٢٧٣

وفادة و «إفادة». وأنشد سيبويه (١) :

أمّا الإفادة فاستلوت ركائبنا

عند الجبابير ، بالبأساء ، والنّعم

ووجه ذلك أنهم شبّهوا الواو المكسورة بالواو المضمومة ، لأنّهم يستثقلون الكسرة أيضا ، كما يستثقلون الضمة ؛ ألا ترى أنك تحذفها من الياء المكسور ما قبلها ، كما تحذف الضمّة منها ، نحو قولك : «هذا قاض» و «مررت بقاض».

وهمز الواو المكسورة ، وإن كثر عندهم ، فهو أضعف قياسا من همز الواو المضمومة ، وأقلّ استعمالا ؛ ألا ترى أنهم يكرهون اجتماع الواوين ، فيبدلون الأولى همزة ، نحو قوله (٢) :

__________________

(١) الكتاب ٢ : ٣٥٥. وروايته فيه وفي المحكم واللسان والتاج (وقد): «إلّا الافادة فاستولت ركائبنا». والبيت لابن مقبل. انظر ديوانه ص ٣٩٨ والمنصف ١ : ٢٢٩ وشرح المفصل ١٠ : ١٤. والجبابير : جمع جبّار وهو الملك. والنعم : جمع نعمة ، وهي اليد البيضاء. أي : نعود بالخيبة مرة ، وبالعطاء أخرى.

(٢) قسيم بيت للمهلهل بن ربيعة. تمامه :

ضربت صدرها إليّ ، وقالت :

يا عديّا ، لقد وقتك الأواقي

المنصف ١ : ٢١٨ وشرح المفصل ١٠ : ١٠ والأغاني ٤ : ١٤٧ ــ والمقتضب ٤ : ٢١٤ والسمط ص ١١١ والعيني ٤ : ٢١١ والخزانة ١ : ٣٠٠ واللسان والتاج (وقى). وانظر ٢١٠.

٢٧٤

* لقد وقتك الأواقي*

ولا يفعلون ذلك في الياء مع الواو ، نحو : ويح ، وويس ، وويل ، ويوم. فلمّا كان حكم الضمّة مع الواو قريبا من حكم الواو مع الواو ، كذلك (١) يجب أن يكون حكم الكسرة مع الواو قريبا من حكم الياء مع الواو.

واعلم أنّ أكثر أصحابنا يقفون في همز الواو المكسورة على السماع دون القياس ، إلّا أبا عثمان (٢) فإنّه كان يطرد ذلك (٣) فيها ، إذا وقعت فاء ، لكثرة ما جاء منه ، مع ما فيه من المعنى (٤).

وقد أبدلوا الواو المفتوحة أيضا ، على قلّة وشذوذ ، قالوا : «امرأة أناة» ووناة ، لأنه من الونى ، وهو الفتور. وقالوا : «أحد» ، وأصله : وحد ، من أحد عشر ، وأحد وعشرين ، ونحو ذلك من الأعداد. فأمّا / قولهم : «ما بالدار أحد» فالهمزة أصليّة ، ١٢٠ لأنها للعموم لا للإفراد. وقالوا : وجم و «أجم». وقالوا في «أسماء»

__________________

(١) كذا.

(٢) زاد في ش : رحمه‌الله.

(٣) أي : يجريه على القياس والاضطراد. انظر المنصف ١ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩.

(٤) ومثله في شرح المفصل ١٠ : ١٤.

٢٧٥

العلم : إنّ أصله : وسماء ، من الوسامة.

قال أبو عثمان (١) : «وليس ذلك مما يتّخذ أصلا ، ولكن يحفظ نادرا». وإنما كان ذلك في المفتوحة نادرا ، لخفّة الفتحة (٢) ، ولأنّه إذا لم يطّرد في المكسورة ، على الأكثر ، مع ثقلها ، ففي المفتوحة ذلك بطريق الأولى ، لخفّتها. فاعرفه.

قال صاحب الكتاب : وتبدل من الواو والياء أيضا ، إذا وقعتا طرفين بعد ألف زائدة. وذلك نحو : «كساء» و «رداء». وأصلهما : كساو ورداي ، فقلبتا (٣) همزتين. وأشباه ذلك كثيرة (٤).

قال الشارح (٥) : التحقيق في هذه الهمزة أنّها بدل (٦) من الف ، وتلك الألف بدل من الواو والياء. وذلك أنك إذا قلت : كساء ، ورداء ، وسقاء ، وعطاء (٧) ، فأصلهنّ : كساو ،

__________________

(١) المنصف ١ : ٢٣١. والنقل فيه تصرف.

(٢) سقط من ش.

(٣) ش : «فقلبا». الملوكي : فانقلبتا.

(٤) ش والملوكي : كثير.

(٥) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٩ ـ ١٠.

(٦) في الأصل : أبدلت.

(٧) ش : غطاء.

٢٧٦

ورداي ، وسفاي. وعطاو ، لأنّها من : الكسوة ، والرّدية ، وسقيت ، وعطا يعطو.

فلمّا (١) وقعت الواو والياء طرفين ، بعد ألف زائدة ، والألف الزائدة في حكم الفتحة ، لزيادتها ، وأنها من مخرجها ـ والذي يدلّ على (٢) أنّ الألف الزائدة عندهم في حكم الفتحة ، والياء الزائدة في حكم الكسرة ، أنّهم أجروا «فعالا» في التكسير مجرى «فعل» ، فقالوا : جواد وأجواد ، كما قالوا : جبل وأجبال ، وقلم وأقلام. وأجروا «فعيلا» مجرى «فعل» ، فقالوا : يتيم وأيتام ، كما قالوا : كتف وأكتاف ـ وإذا كانت الألف الزائدة في حكم الفتحة فكما قلبت الواو والياء ألفا إذا كانت (٣) متحرّكة ، للفتحة قبلها ، في نحو «عصا» و «رحى» / ، كذلك تقلب في : كساء ، ١٢١ ورداء ، وسقاء ، وعطاء (٤) ، للألف الزائدة قلبها ، مع ضعفها بتطرّفها. فصار التقدير : كساا ، ورداا ، وسقاا ، وعطاا (٥) ، بألفين ، فلمّا التقى ساكنان كرهوا حذف أحدهما ، فيعود الممدود

__________________

(١) ليس للشرط هذا من جواب.

(٢) سقط من ش.

(٣) كذا.

(٤) ش : غطاء.

(٥) سقط «للألف الزائدة ... وعطاا» من ش.

٢٧٧

مقصورا ، ويزول الغرض الذي بنوا الكلمة عليه ، فحرّكوا الألف الأخيرة لالتقاء الساكنين ، فانقلبت همزة ، فصارت : كساء ، ورداء ، وسقاء ، وعطاء.

فالهمزة في الحقيقة بدل من الألف ، والألف بدل من الواو والياء. إلّا أنّ صاحب الكتاب قال : إنّها بدل من الواو والياء (١) ، على عادة تجوّز النّحاة ههنا. فاعرفه.

قال صاحب الكتاب : وأبدلت الهمزة أيضا من الهاء ، قالوا «آل» وأصله «أهل» ، فأبدلت الهاء همزة فصارت : «أأل». ثمّ أبدلوها ألفا فقالوا : آل. وقالوا في تحقير آل : «أهيل» ، وفي قول يونس : أويل (٢).

قال الشارح (٣) : «آل» أصله «أهل» ، لقولهم في التصغير «أهيل». وأما ما يحكى عن يونس في تصغيره : «أويل» فقليل (٤) ، والأكثر أهيل. ووجهه أنّه جعله بدلا لازما ،

__________________

(١) سقط «إلّا أن ... والياء» من ش.

(٢) الملوكي : «أهيل على مذهب الجماعة ، وأويل في قول يونس».

(٣) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ١٥ ـ ١٦.

(٤) سقط من ش.

٢٧٨

فصغّره على لفظه ك «عيد وعييد» و «آدم وأويدم».

وإنما قلنا : إن الألف في «آل» بدل من همزة ، والهمزة بدل من الهاء ، ولم نقل : إن الألف بدل من الهاء من أوّل وهلة ، لأنّا لم نرهم أبدلوا الألف من الهاء في غير (١) هذا الموضع ، فيقاس هذا عليه. وكان بين الهاء والهمزة مقاربة في المخرج ، وكلّ واحدة (٢) منهما تبدل من الأخرى في نحو : ماء ، وشاء ، وهيّاك ، وإيّاك ، ولهنّك في : لإنّك. / ١٢٢

فلذلك حكم بأنّ الألف بدل من الهمزة ، والهمزة بدل من الهاء ، وأصله «أهل» فصار «أألا» ، ثمّ أبدل من الهمزة الثانية ألف ، لسكونها وانفتاح ما قبلها ، كما قلنا في «آدم» و «آخر».

وقد أبدلت الهمزة من الهاء في «ماء» ، وأصله «موه» فقلبوا الواو ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، فصار في التقدير «ماها» ، ثمّ أبدلوا من الهاء همزة فصار «ماء». وقولهم في التكسير : أمواه ، وفي التصغير : مويه ، دليل على أنّ العين واو ، واللام هاء.

__________________

(١) سقط من ش.

(٢) في الأصل : واحد.

٢٧٩

وقد أبدلوا (١) الهمزة من الهاء في «شاء» جمع «شاة». وأصله «شوهة» على زنة «فعلة» كقصعة ، وجفنة. فحذفوا الهاء ، تشبيها بحروف العلّة ، لخفائها ، وضعفها ، وتطرّفها ـ وهم كثيرا ما يحذفون حروف العلّة ، إذا وقعت طرفا ، وبعدهنّ تاء التأنيث ، نحو : برة ، وثبة ، وقلة ، وكرة. كأنّهم أقاموا تاء التأنيث مقام المحذوف. ومثل «شاة» في حذف لامه «عضة» وأصله «عضهة». يدلّ على ذلك قولهم : جمل عاضه. وسيأتي (٢) ذلك إن شاء الله تعالى ـ فلمّا انحذفت الهاء بقي الاسم «شوة» فانفتحت الواو ، لمجاورة تاء التأنيث ، لأن تاء التأنيث يفتح ما قبلها ، نحو زاي (٣) : حمزة ، وحاء : طلحة ، فقلبت الواو ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، فصارت «شاة» كما ترى.

فلمّا جمعت بطرح تاء التأنيث ، على حدّ : تمرة وتمر ، وقمحة وقمح ، بقي الاسم على حرفين ، آخرهما ألف وهي معرّضة للحذف إذا دخلها التنوين ، كما تحذف ألف «عصا» و «رحى» فيبقي (٤) الاسم الظاهر على حرف واحد ، وذلك محال ، فأعادوا الهاء

__________________

(١) انظر شرح المفصل ٥ : ٨٢ ـ ٨٣.

(٢) انظر ١٨٤ ـ ١٨٦.

(٣) في الأصل : زاء.

(٤) في الأصل : فبقي.

٢٨٠