ابن يعيش
المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
والضمّة ، لضعفها وسعة مخرجها.
فأمّا «العوض» و «الطّول» و «العيبة» فإنّ الواو والياء لمّا تحرّكتا قويتا ، ولحقتا بالحروف الصحاح ، فجازت مخالفة ما قبلهما من الحركات إيّاهما.
وأمّا «سوط» و «حوض» فلم تقلب الواو فيهما (١) للفتحة قبلها ، وإن كانت ساكنة ، كما قلبت في «ميزان» و «ميعاد» من قبل أنّ بين الواو والياء مناسبة وقربا ، ليس بينهما وبين الألف ؛ ألا ترى أنّهما يكونان ردفين في القوافي ، نحو قول عمرو بن كلثوم (٢) / : ١١٣
* ولا تبقي خمور الأندرينا*
وفيها (٣) :
__________________
(١) في الأصل : فيها.
(٢) عجز مطلع معلقته. وصدره :
ألا ، هبّي بصحنك ، فاصبحينا
والأندرين : موضع بالشام. شرح القصائد العشر ص ٣١٩.
(٣) في حاشية الأصل : «أي : في تلك القصيدة». وتمام البيت :
قريناكم ، فعجّلنا قراكم |
|
، قبيل الصّبح ، مرداة ، طحونا |
شرح القصائد العشر ص ٣٦٠.
* مرداة ، طحونا*
ونحو قول امرىء القيس (١) :
قد أشهد الغارة الشّعواء ، تحملني |
|
جرداء ، معروقة اللّحيين ، سرحوب |
ثم قال (٢) :
كالدّلو ، بتّت عراها ، وهي مثقلة |
|
وخانها وذم ، منها ، وتكريب |
ولا يجوز معها الألف. فلمّا كان بين الياء والواو هذا التقارب اجتذبت كلّ واحدة منهما الأخرى إليها ، وصارتا ، بما ذكرناه ، بمنزلة الحرفين يتقارب مخرجاهما ، نحو : الدّال والطاء ، والظاء والثاء. فلذلك قلبت الواو الساكنة للكسرة قبلها ياء ، والياء الساكنة واوا
__________________
(١) ديوانه ص ٢٢٦. والشعواء : المتفرقة. والجرداء : الفرس القصيرة الشعر. والمعروقة اللحيين : القليلة لحم الخدين. وفي حاشية الأصل : «فرس سرحوب أي : عتيقة».
(٢) ديوانه ص ٢٢٧. وفي الأصل وش : «وذم منه». والوذم : سير يعلق بعرى الدلو. والتكريب : أن يشدّ خيط من الدلو إلى الحبل ، ليكون عونا متى انقطعت عروة ، أو انحلت عقدة.
للضّمّة قبلها (١). ولمّا تباعدت الألف منهما (٢) تباعدت الفتحة أيضا من الكسرة والضمّة ، فلم تقو الفتحة في نحو «سوط» و «حيض» (٣) ، على قلب الواو والياء الساكنتين بعد الفتحة.
على أنّا قد ذكرنا (٤) أنّ بعض العرب يقول في وجل : «ياجل» ويوجل ، ووحل : «ياحل» ويوحل ، فيقلب الواو الساكنة للفتحة قبلها. ومنه لغة بلحارث بن كعب : مررت بالرّجلان ، ورأيت الرّجلان.
وأمّا قلب الياء واوا ، غير مقيس ، فقالوا في العلم «رجاء ابن حيوة» ، وأصله : حيّة ، فقلبوا الياء الثانية واوا. وجاء على ما لم يستعمل ، لأنّه ليس في كلامهم ما عينه ياء (٥) ولامه واو. ومثله في القلب «حيوان» ، قلبوا الياء التي هي لام واوا ، كراهية التّضعيف. هذا مذهب الخليل وسيبويه. ويؤيّد ذلك أنهم لم يشتقّوا من هذا اللفظ فعلا ، ولذلك قال سيبويه (٦) : «ليس في الكلام مثل :
__________________
(١) سقط «ياء ... قبلها» من ش.
(٢) ش : منها.
(٣) ش : حوض.
(٤) انظر ٩٧.
(٥) سقط من ش.
(٦) انظر الكتاب ٢ : ٣٨٩ وشرح المفصل ١٠ : ٥٥.
حيوت». أي : ليس في الكلام : حيوت ، ولا ما جرى ١١٤ مجراها ، / ممّا عينه ياء ولامه واو.
وقال أبو عثمان (١) : الواو في «حيوان» أصل غير مبدلة ، وإن لم يستعمل منه فعل. وقاسه على : فاظ الميّت فيظا وفوظا. قال : ف «فوظ» مصدر ولم يستعمل منه فعل (٢) ، وكذلك : ويح ، وويس ، وويل ، هنّ مصادر ، وليس لهنّ أفعال. فكذلك «الحيوان» عنده مصدر ، ولا فعل له من لفظه ، وهو قول سديد.
ومذهب الجماعة في «الحيوان» ـ ليس أبا عثمان ـ يؤيّد عندك شدّة استكراههم التّضعيف واجتماع الأمثال ؛ ألا ترى كيف عدلوا هنا عن الياء إلى ما هو أثقل منها ، وهو الواو ، ليختلف اللفظان ، ويخفّ بذلك. وإذا كانوا قد أبدلوا الياء واوا ، كراهية التضعيف ، فإبدالهم الواو ياء في : ديوان ، واعليواط ، واخربواط ، عند من قال ذلك ، أولى بالجواز ، وأيسر (٣) حالا.
__________________
(١) المنصف ٢ : ٢٨٤ ـ ٢٨٧.
(٢) سقط «فقاسه ... فعل» من ش.
(٣) في حاشية الأصل : «من القلب في الحيوان».
فاجتمع إلى استكراههم التضعيف فيه (١) أنّه علم ، والأعلام يتطرّق إليها من التّغيير ما لا يتطرّق إلى غيرها.
وقد قالوا : جبيت الخراج جباوة ؛ وأصله : جباية ، فأبدلوا الياء واوا في غير التضعيف ، كما قالوا «الثالي» في الثالث ، و «السادي» في السادس.
وأمّا إبدال الواو من الهمزة فقد أبدلت إبدالا مطّردا منها ، إذا سكنت وانضمّ ما قبلها ، نحو قولك في تخفيف مؤمن ، وجؤنة : «مومن» و «جونة» ، بقلبها واوا خالصة ، لتعذّر جعلها بين بين ، على ما مضى.
وتبدل الواو أيضا من الهمزة ، إذا كانت مفتوحة مضموما ما قبلها ، نحو : جؤن ، وبؤر ، وسؤلة. فتقول في تخفيف ذلك : «جون» / و «بور» و «سولة» ، تخلصها واوا ، ١١٥ ولا تجعلها بين بين ، لأنّ في جعلها بين بين تقريبا لها من الألف ، والألف لا يكون ما قبلها مضموما ، فكذلك ما قرب منها.
وقد أبدلت الواو من الهمزة غير مطّرد ، قالوا في آخيته :
__________________
(١) أي : في حيوة.
«واخيته». فالواو بدل من الهمزة ، وليستا لغتين على حدّ : وكدّت وأكدّت ، وورّخت وأرّخت. وليس في الكلام مثل «وعوت» أعني : ما فاؤه ولامه واو ، إلّا قولهم «واو». فاعرفه (١).
__________________
(١) في حاشية الأصل : بلغ.
ابدال الهمزة
قال صاحب الكتاب : قد أبدلت الهمزة من الألف للتأنيث ، نحو : صفراء (١) ، وصحراء ، وأصدقاء (٢) ، وعشراء (٣). الهمزة (٤) في ذلك ونحوه بدل من ألف التأنيث ، كالتي في : حبلى ، وسكرى.
قال الشارح (٥) : اعلم أنّ الهمزة في : صحراء ، وأصدقاء ، وصفراء ، وعشراء ، ونحو ذلك ، إنّما هي ألف التأنيث ، كالتي في : حبلى ، وبشرى ، وسكرى. وقعت بعد ألف زائدة للمدّ ، فالتقى ألفان زائدتان ، فلم يكن بدّ من حذف إحداهما (٦) ، أو حركتها. فلم يجز الحذف ، لأنّك لو حذفت الأولى لزال المدّ ، وقد
__________________
(١) الملوكي : في نحو حمراء.
(٢) سقط من ش.
(٣) العشراء : الناقة مضى على حملها عشرة أشهر.
(٤) الملوكي : فالهمزة.
(٥) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٩ ـ ١٠.
(٦) ش : أحدهما.
بنيت الكلمة ممدودة ، ولو حذفت الثانية لزال علم التأنيث ، وهو أقبح من الأول. فلم يبق إلّا تحريك إحداهما (١) ، فلم يجز تحريك الأولى ، لأنّ حرف المدّ متى حرّك فارق المدّ ، فوجب تحريك الثانية. فلمّا حرّكت انقلبت همزة ، فقلت : حمراء ، وصفراء. هذا مذهب سيبويه ، وعليه المعوّل.
وإنما قلنا إنّه بدل ، ولم نقل إنها زيدت للتأنيث (٢) من ١١٦ أوّل / وهلة ، لأنّا رأيناهم لمّا جمعوا بعض ما فيه همزة التأنيث أبدلوها في الجمع البتّة ، ولم يحقّقوها ، وذلك قولهم في جمع صحراء ، وصلفاء (٣) : «صحاريّ» و «صلافيّ». ولم يرد عنهم إظهار الهمزة في شيء من ذلك ، نحو : صحاريء ، وصلافيء ، بالهمز. ولو كانت الهمزة فيهنّ أصلا ، غير مبدلة ، لجاءت في الجمع ، كما قالوا : كوكب درّيء ، وكواكب دراريء ، ورجل قرّاء ، ورجال قراريء ، فجاؤوا بالهمزة في الجمع ، لمّا كانت أصلا.
وإنما قلبت الهمزة في الجمع هنا (٤) ، لأنّ الهمزة منقلبة عن ألف
__________________
(١) ش : أحدهما.
(٢) زاد في ش : همزة.
(٣) الصلفاء : الأرض الصلبة الغليظة الشديدة.
(٤) أي : في صحاريّ وصلافيّ.
التأنيث ، على ما ذكرنا ، لاجتماعها مع الألف الأولى. وأنت إذا جمعت انقلبت الألف الأولى ياء في الجمع ، لانكسار ما قبلها ، على حدّ انقلاب ألف : قرطاس وقراطيس ، وحملاق وحماليق. ولمّا انقلبت الألف ياء صارت الهمزة بعدها إلى أصلها ، وهو الألف ، لزوال سبب قلبها همزة ، وهو الألف الأولى. ثمّ قلبت ألف التأنيث ياء ، للياء التي هي بدل من ألف المدّ قبلها ، ثمّ أدغمت الياء في الياء ، فقيل :
صحاريّ. قال الشاعر (١) :
لقد أغدو على أشق |
|
ر ، يغتال الصّحاريّا |
وقد ذهب بعضهم إلى أنّ الألف (٢) الأولى في : حمراء وصحراء وصفراء ، للتأنيث ، والثانية مزيدة ، للفرق بين مؤنّث «أفعل» ، نحو : أحمر وحمراء ، وأصفر وصفراء ، وبين مؤنّث «فعلان» ، نحو : سكران وسكرى. وهذا قول واه جدّا ، لأنّ علم التأنيث لا يكون إلّا طرفا ، ولا يكون حشوا البتّة.
__________________
(١) الوليد بن يزيد. ديوانه ص ٥٨ وشرح المفصل ٥ : ٥٨ والممتع ص ٣٣٠ وسر الصناعة ١ : ٩٧ والانصاف ص ٨١٦ وشرح الشافية ١ : ١٩٤ وشرح شواهدها ص ٩٥ والخزانة ٣ : ٣٢٤ ـ ٣٢٦.
(٢) سقط من ش.
١١٧ وقول من قال : إنّ الألفين معا للتأنيث ، واه / أيضا ، لعدم النظير ، لأنّا لا نعلم علامة تأنيث على (١) حرفين ، فيحمل هذا عليه.
ومن أطلق عليهما ذلك ، وسمّاهما ألفي التأنيث ، فتسمّح (٢) في العبارة وتجوّز ، لتلازمهما. فاعرفه.
قال صاحب الكتاب : وأبدلت الهمزة أيضا من الواو ، إذا انضمّت ضمّا لازما ، نحو قولك في وجوه : «أجوه» ، وفي وعد : «أعد» ، وفي أثوب : «أثوب» ، وفي أسوق : «أسؤق» (٣) ، وفي سووق : «سؤوق» (٤). قال الرّاجز (٥) :
* لكلّ دهر ، قد لبست أثؤبا*
قال الشارح (٦) : اعلم أنّ الواو إذا انضمّت ضمّا لازما جاز إبدالها همزة ، جوازا حسنا ، وكان المتكلّم مخيّرا بين الهمزة
__________________
(١) سقط من ش.
(٢) في الأصل : فتسمّح.
(٣) سقط «وفي أسوق أسؤق» من الملوكي.
(٤) سقط «وفي سووق سؤوق» من ش. الملوكي : «وفي سوق سؤق».
(٥) معروف بن عبد الرحمن. انظر تخريجه في الممتع ص ٣٣٦.
(٦) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ١١ ـ ١٥.
والأصل ، فاء كانت الهمزة أو عينا. وذلك نحو : وجوه و «أجوه» ، وأثوب و «أثؤب».
وصار ذلك قياسا مطّردا ، كرفع الفاعل ونصب المفعول ، وذلك لكثرة ما ورد عنهم من ذلك ، مع موافقة القياس ؛ ألا ترى أنّ الضمّة تجري عندهم مجرى الواو ، والكسرة مجرى الياء ، والفتحة مجرى الألف. ويسمّون الضّمّة الواو الصغيرة ، والكسرة الياء الصغيرة (١) ، والفتحة الألف الصغيرة. وكانت هذه الحركات أوائل هذه الحروف ، إذ الحروف تنشأ عنها ، في مثل : «الدّراهيم» ، و «الصّياريف» ، و «لم تهجو ولم تدعي» (٢). وكانت الواو تحذف للجزم في نحو : لم يدع ، ولم يغز ، كما تحذف الضمّة في نحو : لم يضرب ، ولم يخرج.
فلمّا كان بين الحركات والحروف هذه المناسبة أجروا الواو
__________________
(١) سقط «والكسرة الياء الصغيرة» من ش.
(٢) في حاشية الأصل : «صدره :
هجوت زبّان ، ثم جئت معتذرا |
|
من هجو زبّان ، لم تهجو ، ولم تدع». |
والبيت لأبي عمرو بن العلاء ، وهو زبان. انظر تخريجه في الممتع ص ٥٣٧.
١١٨ والضمّة مجرى الواوين المجتمعين. فلمّا كان اجتماع الواوين / يوجب همز أحدهما على حدّ : واصلة وأواصل ، وواقية وأواق (١) ، على ما سيذكر في موضعه ، كان اجتماع الواو مع الضّمّة يبيح ذلك ويجيزه ، من غير وجوبه ، حطّا لدرجة الفرع عن الأصل.
وقولنا «لازمة» (٢) احتراز (٣) من العارضة لالتقاء الساكنين ، نحو قوله تعالى (٤)(اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ)(٥) و (لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)(٦) و (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ.) ومن العارض ضمّة الإعراب في مثل : هذا دلو ، وحقو ، وغزو. الضمّة في ذلك كلّه لا تسوّغ الهمز ، لكونها عارضة ؛ ألا ترى أنّ أحد الساكنين قد يزول ويرجع إلى أصله ، وكذلك ضمّة الإعراب في مثل : هذا دلو ، وحقو ، قد تصير إلى الجرّ والنصب ، وتزول.
فإن قيل : فأنتم قلبتم الواو والياء ألفا ، لتحرّكهما وانفتاح ما قبلهما (٧) ، في نحو «عصا» و «رحى» ، وإن كانت الحركة حركة
__________________
(١) ش : وأواقي.
(٢) كذا! وانظر ص ٢٧٠.
(٣) ش : احترازا.
(٤) الآية ١٦ من سورة البقرة.
(٥) الآية ٢٣٧ من سورة البقرة.
(٦) الآية ١٨٦ من سورة آل عمران.
(٧) في الأصل وش : لتحركها وانفتاح ما قبلها.
إعراب ، فهلّا أجزتم همزها في «هذا دلو» و «حقو» ، لضمّة الإعراب ، كما قلبتموها في «هذه عصا» و «قنا» (١) ، لضمة الإعراب! قيل : هذه مغالطة من السّائل ، لأنا لم نقلب الواو في «عصا» لكون الواو مضمومة ، بل إنّما قلبت لكون الحركة لازمة لحرف الإعراب. فأمّا كون الحركة ضمّة ، دون غيرها ، فهو غير لازم ؛ ألا ترى أنه قد يدخل عامل آخر غير الرّافع ، فيزيل الرّفع ويحدث غيره (٢). فلعدم لزوم الضمّة في «هذا غزو» و «دلو» لم يجز الهمز فيهما ، وللزوم التحرّك لحرف الإعراب وجب القلب في «عصا» و «رحى» ، لأنّ علّة القلب التحرّك مطلقا ، بأيّ حركة كان ، مع انفتاح ما قبلها ، وعلّة جواز الهمز كون الحركة ضمّة على الخصوص. / فاعرفه. ١١٩
ومن العرب من يبدل من الواو المكسورة همزة إذا كانت فاء لا غير. نحو : وشاح و «إشاح» ، ووسادة و «إسادة» ، ووعاء و «إعاء». وقرأ سعيد بن جبير (٣) : قبل إعاء أخيه. وقالوا :
__________________
(١) في الأصل : قفا.
(٢) في الأصل : «فيزول الرفع ويحذف غيره». وفي الحاشية :
«أي : غير الرفع إذا كان إعرابه بالحروف».
(٣) الآية ٧٦ من سورة يوسف.
وفادة و «إفادة». وأنشد سيبويه (١) :
أمّا الإفادة فاستلوت ركائبنا |
|
عند الجبابير ، بالبأساء ، والنّعم |
ووجه ذلك أنهم شبّهوا الواو المكسورة بالواو المضمومة ، لأنّهم يستثقلون الكسرة أيضا ، كما يستثقلون الضمة ؛ ألا ترى أنك تحذفها من الياء المكسور ما قبلها ، كما تحذف الضمّة منها ، نحو قولك : «هذا قاض» و «مررت بقاض».
وهمز الواو المكسورة ، وإن كثر عندهم ، فهو أضعف قياسا من همز الواو المضمومة ، وأقلّ استعمالا ؛ ألا ترى أنهم يكرهون اجتماع الواوين ، فيبدلون الأولى همزة ، نحو قوله (٢) :
__________________
(١) الكتاب ٢ : ٣٥٥. وروايته فيه وفي المحكم واللسان والتاج (وقد): «إلّا الافادة فاستولت ركائبنا». والبيت لابن مقبل. انظر ديوانه ص ٣٩٨ والمنصف ١ : ٢٢٩ وشرح المفصل ١٠ : ١٤. والجبابير : جمع جبّار وهو الملك. والنعم : جمع نعمة ، وهي اليد البيضاء. أي : نعود بالخيبة مرة ، وبالعطاء أخرى.
(٢) قسيم بيت للمهلهل بن ربيعة. تمامه :
ضربت صدرها إليّ ، وقالت : |
|
يا عديّا ، لقد وقتك الأواقي |
المنصف ١ : ٢١٨ وشرح المفصل ١٠ : ١٠ والأغاني ٤ : ١٤٧ ــ والمقتضب ٤ : ٢١٤ والسمط ص ١١١ والعيني ٤ : ٢١١ والخزانة ١ : ٣٠٠ واللسان والتاج (وقى). وانظر ٢١٠.
* لقد وقتك الأواقي*
ولا يفعلون ذلك في الياء مع الواو ، نحو : ويح ، وويس ، وويل ، ويوم. فلمّا كان حكم الضمّة مع الواو قريبا من حكم الواو مع الواو ، كذلك (١) يجب أن يكون حكم الكسرة مع الواو قريبا من حكم الياء مع الواو.
واعلم أنّ أكثر أصحابنا يقفون في همز الواو المكسورة على السماع دون القياس ، إلّا أبا عثمان (٢) فإنّه كان يطرد ذلك (٣) فيها ، إذا وقعت فاء ، لكثرة ما جاء منه ، مع ما فيه من المعنى (٤).
وقد أبدلوا الواو المفتوحة أيضا ، على قلّة وشذوذ ، قالوا : «امرأة أناة» ووناة ، لأنه من الونى ، وهو الفتور. وقالوا : «أحد» ، وأصله : وحد ، من أحد عشر ، وأحد وعشرين ، ونحو ذلك من الأعداد. فأمّا / قولهم : «ما بالدار أحد» فالهمزة أصليّة ، ١٢٠ لأنها للعموم لا للإفراد. وقالوا : وجم و «أجم». وقالوا في «أسماء»
__________________
(١) كذا.
(٢) زاد في ش : رحمهالله.
(٣) أي : يجريه على القياس والاضطراد. انظر المنصف ١ : ٢٢٨ ـ ٢٢٩.
(٤) ومثله في شرح المفصل ١٠ : ١٤.
العلم : إنّ أصله : وسماء ، من الوسامة.
قال أبو عثمان (١) : «وليس ذلك مما يتّخذ أصلا ، ولكن يحفظ نادرا». وإنما كان ذلك في المفتوحة نادرا ، لخفّة الفتحة (٢) ، ولأنّه إذا لم يطّرد في المكسورة ، على الأكثر ، مع ثقلها ، ففي المفتوحة ذلك بطريق الأولى ، لخفّتها. فاعرفه.
قال صاحب الكتاب : وتبدل من الواو والياء أيضا ، إذا وقعتا طرفين بعد ألف زائدة. وذلك نحو : «كساء» و «رداء». وأصلهما : كساو ورداي ، فقلبتا (٣) همزتين. وأشباه ذلك كثيرة (٤).
قال الشارح (٥) : التحقيق في هذه الهمزة أنّها بدل (٦) من الف ، وتلك الألف بدل من الواو والياء. وذلك أنك إذا قلت : كساء ، ورداء ، وسقاء ، وعطاء (٧) ، فأصلهنّ : كساو ،
__________________
(١) المنصف ١ : ٢٣١. والنقل فيه تصرف.
(٢) سقط من ش.
(٣) ش : «فقلبا». الملوكي : فانقلبتا.
(٤) ش والملوكي : كثير.
(٥) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٩ ـ ١٠.
(٦) في الأصل : أبدلت.
(٧) ش : غطاء.
ورداي ، وسفاي. وعطاو ، لأنّها من : الكسوة ، والرّدية ، وسقيت ، وعطا يعطو.
فلمّا (١) وقعت الواو والياء طرفين ، بعد ألف زائدة ، والألف الزائدة في حكم الفتحة ، لزيادتها ، وأنها من مخرجها ـ والذي يدلّ على (٢) أنّ الألف الزائدة عندهم في حكم الفتحة ، والياء الزائدة في حكم الكسرة ، أنّهم أجروا «فعالا» في التكسير مجرى «فعل» ، فقالوا : جواد وأجواد ، كما قالوا : جبل وأجبال ، وقلم وأقلام. وأجروا «فعيلا» مجرى «فعل» ، فقالوا : يتيم وأيتام ، كما قالوا : كتف وأكتاف ـ وإذا كانت الألف الزائدة في حكم الفتحة فكما قلبت الواو والياء ألفا إذا كانت (٣) متحرّكة ، للفتحة قبلها ، في نحو «عصا» و «رحى» / ، كذلك تقلب في : كساء ، ١٢١ ورداء ، وسقاء ، وعطاء (٤) ، للألف الزائدة قلبها ، مع ضعفها بتطرّفها. فصار التقدير : كساا ، ورداا ، وسقاا ، وعطاا (٥) ، بألفين ، فلمّا التقى ساكنان كرهوا حذف أحدهما ، فيعود الممدود
__________________
(١) ليس للشرط هذا من جواب.
(٢) سقط من ش.
(٣) كذا.
(٤) ش : غطاء.
(٥) سقط «للألف الزائدة ... وعطاا» من ش.
مقصورا ، ويزول الغرض الذي بنوا الكلمة عليه ، فحرّكوا الألف الأخيرة لالتقاء الساكنين ، فانقلبت همزة ، فصارت : كساء ، ورداء ، وسقاء ، وعطاء.
فالهمزة في الحقيقة بدل من الألف ، والألف بدل من الواو والياء. إلّا أنّ صاحب الكتاب قال : إنّها بدل من الواو والياء (١) ، على عادة تجوّز النّحاة ههنا. فاعرفه.
قال صاحب الكتاب : وأبدلت الهمزة أيضا من الهاء ، قالوا «آل» وأصله «أهل» ، فأبدلت الهاء همزة فصارت : «أأل». ثمّ أبدلوها ألفا فقالوا : آل. وقالوا في تحقير آل : «أهيل» ، وفي قول يونس : أويل (٢).
قال الشارح (٣) : «آل» أصله «أهل» ، لقولهم في التصغير «أهيل». وأما ما يحكى عن يونس في تصغيره : «أويل» فقليل (٤) ، والأكثر أهيل. ووجهه أنّه جعله بدلا لازما ،
__________________
(١) سقط «إلّا أن ... والياء» من ش.
(٢) الملوكي : «أهيل على مذهب الجماعة ، وأويل في قول يونس».
(٣) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ١٥ ـ ١٦.
(٤) سقط من ش.
فصغّره على لفظه ك «عيد وعييد» و «آدم وأويدم».
وإنما قلنا : إن الألف في «آل» بدل من همزة ، والهمزة بدل من الهاء ، ولم نقل : إن الألف بدل من الهاء من أوّل وهلة ، لأنّا لم نرهم أبدلوا الألف من الهاء في غير (١) هذا الموضع ، فيقاس هذا عليه. وكان بين الهاء والهمزة مقاربة في المخرج ، وكلّ واحدة (٢) منهما تبدل من الأخرى في نحو : ماء ، وشاء ، وهيّاك ، وإيّاك ، ولهنّك في : لإنّك. / ١٢٢
فلذلك حكم بأنّ الألف بدل من الهمزة ، والهمزة بدل من الهاء ، وأصله «أهل» فصار «أألا» ، ثمّ أبدل من الهمزة الثانية ألف ، لسكونها وانفتاح ما قبلها ، كما قلنا في «آدم» و «آخر».
وقد أبدلت الهمزة من الهاء في «ماء» ، وأصله «موه» فقلبوا الواو ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، فصار في التقدير «ماها» ، ثمّ أبدلوا من الهاء همزة فصار «ماء». وقولهم في التكسير : أمواه ، وفي التصغير : مويه ، دليل على أنّ العين واو ، واللام هاء.
__________________
(١) سقط من ش.
(٢) في الأصل : واحد.
وقد أبدلوا (١) الهمزة من الهاء في «شاء» جمع «شاة». وأصله «شوهة» على زنة «فعلة» كقصعة ، وجفنة. فحذفوا الهاء ، تشبيها بحروف العلّة ، لخفائها ، وضعفها ، وتطرّفها ـ وهم كثيرا ما يحذفون حروف العلّة ، إذا وقعت طرفا ، وبعدهنّ تاء التأنيث ، نحو : برة ، وثبة ، وقلة ، وكرة. كأنّهم أقاموا تاء التأنيث مقام المحذوف. ومثل «شاة» في حذف لامه «عضة» وأصله «عضهة». يدلّ على ذلك قولهم : جمل عاضه. وسيأتي (٢) ذلك إن شاء الله تعالى ـ فلمّا انحذفت الهاء بقي الاسم «شوة» فانفتحت الواو ، لمجاورة تاء التأنيث ، لأن تاء التأنيث يفتح ما قبلها ، نحو زاي (٣) : حمزة ، وحاء : طلحة ، فقلبت الواو ألفا ، لتحرّكها وانفتاح ما قبلها ، فصارت «شاة» كما ترى.
فلمّا جمعت بطرح تاء التأنيث ، على حدّ : تمرة وتمر ، وقمحة وقمح ، بقي الاسم على حرفين ، آخرهما ألف وهي معرّضة للحذف إذا دخلها التنوين ، كما تحذف ألف «عصا» و «رحى» فيبقي (٤) الاسم الظاهر على حرف واحد ، وذلك محال ، فأعادوا الهاء
__________________
(١) انظر شرح المفصل ٥ : ٨٢ ـ ٨٣.
(٢) انظر ١٨٤ ـ ١٨٦.
(٣) في الأصل : زاء.
(٤) في الأصل : فبقي.