شرح الملوكى في التّصريف

ابن يعيش

شرح الملوكى في التّصريف

المؤلف:

ابن يعيش


المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

فالقياس يقتضي أن تكون النون فيه أصلا لأنها بإزاء العين من «جعفر» ، إلّا أنّ الاشتقاق قضى عليها بالزيادة ، إذ كان من معنى العبوس. ومن ذلك «قرنفل» النون زائدة ، لأنه ليس في الكلام مثل «سفرجل» بضمّ الجيم. وعلى ذلك فقس.

وأما الاستدلال بالكثرة فهو أن تجد حرف الزيادة يكثر زائدا في موضع من المواضع ، فيما وضح أمره ، فتحكم (١) عليه بالزيادة هناك ، إذا أبهم أمره ، حملا على الأكثر ، إلى أن يجيء ثبت بخلافه. مثال ذلك «أفكل» (٢) الهمزة زائدة ، لأنّ الهمزة قد كثرت زيادتها في أوّل بنات الثلاثة ، نحو : أحمر ، وأصفر ، وأخضر ، حملا للمجهول على المعلوم. فتدبّر ذلك وقس عليه (٣).

__________________

(١) ش : فيحكم.

(٢) الأفكل : الرعدة.

(٣) زاد في ش : إن شاء الله تعالى.

١٢١

[زيادة الألف والواو والياء]

قال صاحب الكتاب : فأما الألف والواو والياء (١) فالحكم عليهنّ أنّهنّ متى كانت واحدة (٢) منهنّ مع ثلاثة أحرف أصول فصاعدا ، ولم يكن هناك تكرير فلا تكون إلّا زائدة ، عرفت الاشتقاق أو لم تعرفه. فإن عرفته كان ما ذكرنا لا محالة ، وإن لم تعرفه حملت ما جهل أمره على ما علم. من ذلك «كوثر» الواو فيه زائدة ، لأن معك ثلاثة أحرف أصول ، لا يشكّ فيها (٣) ، وهي الكاف والثاء والراء ، فالواو إذا زائدة. هذا طريق القياس. فأمّا طريق الاشتقاق فكذلك (٤) ؛ ألا تراه من معنى الكثرة ، يقال : رجل كوثر ، إذا كان كثير العطاء. قال الشاعر (٥) :

__________________

(١) الملوكي : والياء والواو.

(٢) ش : كان واحد.

(٣) ش : لا شك فيه.

(٤) زاد في الملوكي : أيضا.

(٥) الكميت بن زيد الأسدي. ديوانه ١ : ٢٠٩ والمنصف ١ : ٣٥ والمجمل والمقاييس والصحاح واللسان والتاج (كثر). ش : «ابن». والعقائل : الكريمات.

١٢٢

وأنت كثير ، يابن مروان ، طيّب

وكان أبوك ، ابن العقائل ، كوثرا

وكذلك الياء في «كثير» والألف في «كاثر» ، الحكم في (١) ثلاثتها واحد. قال الأعشى (٢) :

ولست بالأكثر منهم حصى

وإنّما العزّة للكاثر

قال الشارح (٣) : قد ذكر صاحب الكتاب ضابطا أتى فيه على طائفة كثيرة من اللغة ، في أقرب مدّة ، وأوجز عبارة. حتّى إذا رأيت حرفا من هذه الحروف ـ أعني : الواو والياء والألف ـ مع ثلاثة أحرف فصاعدا ، وأنت تتيقن أصالتها (٤) ، فاحكم بزيادته. وذلك لأنّا قد استقرينا كلام العرب فوجدنا الأمر كذلك ، فيما ظهر اشتقاقه. نحو : كثير وكوثر وكاثر ، وعقيل وعقال ، الواو والياء

__________________

(١) ش : «عليها». الملوكي : فيها.

(٢) ديوانه ص ١٠٦. والحصى : العدد.

(٣) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ٩ : ١٤٦ ـ ١٥١.

(٤) تحتها في الأصل : «الثلاثة». يريد : أصالة الأحرف الثلاثة.

١٢٣

والألف زوائد ، لأنه من : الكثرة ، والعقل. وكذلك «قسور» (١) الواو زائدة ، لأنه من : القسر ، وهو القهر. وكذلك الواو في «جهور» (٢) و «جوهر» زائدة ، لأنه من : الجهر. وكذلك «جدول» لأنه من : الجدل ، وهو الفتل ، كأنه انفتل من (٣) جهة النهر الأعظم. فلمّا كثر ذلك فيما علم اشتقاقه قضي به ، فيما جهل أمره ، حملا للمجهول على المعلوم. وهذا طريق القياس.

وقوله : ما لم (٤) يكن هناك تكرير ، احتراز (٥) من مثل «صيصية» (٦). فإنّ الياء فيه أصل ، وإن كان معك ثلاثة أحرف أصول ، لأنّ الكلمة مركّبة من «صي» مرّتين. فالياء الأولى (٧) أصل ، لئلّا تبقى الكلمة على حرف واحد ، وهو الصّاد. وإذا كانت الياء الأولى (٨) أصلا كانت الثانية أيضا أصلا ، لأنها هي الأولى كرّرت.

ومثله من الصحيح : زلزل ، وقلقل. ومن ذلك :

__________________

(١) القسور : الشجاع.

(٢) الجهور : الجهير.

(٣) ش : عن.

(٤) كذا والصواب «ولم».

(٥) ش : احترازا.

(٦) الصيصية : الشيء يحتمى به كالحصن وغيره.

(٧) ش : الأول.

(٧) ش : الأول.

١٢٤

الوزوزة ، والوسوسة ، والوشوشة ، الواو في ذلك أصل ، لأنّ الواو مكرّرة ، وتكريرها ههنا أوّلا كتكريرها (١) في «صيصية» آخرا (٢).

ومن ذلك : حاحيت وعاعيت (٣) ، الياء فيهما أصل لأنّها الأولى / كرّرت ، ووزنهما «فعللت». والأصل : عيعيت ٥١ وحيحيت. وإنما قلبت الياء الأولى ألفا ، للفتحة قبلها ، كما قالوا : «ياجل» في «ييجل». ولا يجوز أن تكون الألف منقلبة عن واو عند أصحابنا ، إذ لو كانت منقلبة عن واو لجاءت على الأصل ، نحو : قوقيت (٤) ، وضوضيت (٥). فلمّا لم يأت كذلك دلّ أنّها من الياء. والذي يدلّ على أنّ : حاحيت وعاعيت : «فعللت» ك : زلزلت وقلقلت ، وليستا ب «فاعلت» ، عندنا ، أنهم قالوا في المصدر : حاحاة ، وحيحاء ، وعاعاة. والأصل : حاحية ، وعاعية ، فقلبوا الياء ألفا لانفتاح ما قبلها وتحرّكها. فالحاحاة كالزّلزلة ، والحيحاء كالزّلزال.

__________________

(١) يريد : كتكرير الياء.

(٢) ش : أخيرا.

(٣) حاحيت وعاعيت : صوّتّ بالغنم.

(٤) قوقت الدجاجة : صاحت.

(٥) ضوضيت من الجلبة والضوضاء.

١٢٥

فإن قيل : فقد جاء مصدره أيضا على «محاحاة» (١) ، ومحاحاة كمقاتلة ، فدلّ على أنّ حاحيت : «فاعلت». قيل : ليس محاحاة : «مفاعلة» ، وإنما هي «مفعللة» كمعترسة (٢) ، إذا أردت المرّة الواحدة. ويدلّ على ذلك قولهم : حاحاة ، و «فعللة» لا تكون من «فاعلت».

وقد قال بعضهم : الأصل في : حاحيت وعاعيت «حاحا» و «عاعا» حكاية صوت ، وإنما قلبت الثانية ياء لاتصالها بالضمير. فانقلاب الألف ههنا ياء كانقلاب ألف «حبلى» في التثنية ياء ، فقيل : حبليان.

ومن ذلك قولهم : قوقيت ، وضوضيت ، الياء الثانية أصل لأنها الأولى كرّرت. وأصلها : قوقوت وضوضوت. وإنما قلبت الثانية ياء لوقوعها رابعة ، على حدّ : أغزيت وادّعيت (٣).

فإن قيل : فهلّا كانت الياء في : قوقيت وضوضيت ، ٥٢ زائدة على حدّ زيادتها في : سلقيت (٤) ، وجعبيت (٥)! /

__________________

(١) ش : حاحاة.

(٢) في الأصل : كمعرّسة.

(٣) ش : وأعذيت.

(٤) سلقيته : ألقيته على ظهره.

(٥) جعبيته : صرعته.

١٢٦

قيل : لو قيل بزيادة الياء هنا على حدّ زيادتها في : سلقيت وجعبيت ، لصارت من باب «سلس وقلق» وهو قليل. وباب (١) : زلزلت وقلقت ، أكثر. والعمل إنما هو على الأكثر ، لا على الأقلّ.

فإن قيل : فاجعل الواو فيهما زائدة ، على حدّ زيادتها في : صومعت (٢) ، وحوقلت (٣)! قيل : لو فعل ذلك لصارتا من باب «كوكب وددن» ، مما فاؤه وعينه من واد واحد ، وهو أقلّ من باب «سلس وقلق».

واعلم أنّ الألف لا تزاد أوّلا البتّة ، لأجل سكونها والساكن لا يبتدأ به (٤). وإنما تزاد ثانيا في نحو : ضارب وقاتل ، وخاصم وقاتل. وثالثا نحو : كتاب وغراب ، وعذافر (٥). ورابعة ، نحو (٦) : قرطاس ومفتاح ، وأرطى ومعزى وحبلى ، واشهابّ وادهامّ. وخامسة في نحو : دلنظى (٧) ، وقرقرى (٨).

__________________

(١) في الأصل : فباب.

(٢) صومعت الشيء : جعلت له صومعة.

(٣) حوقل : كبر وعجز عن الجماع.

(٤) سقط من ش.

(٥) العذافر : الشديد الصلب من الابل. وزاد في ش : «واشهابّ وادهامّ» وسقط مما بعد.

(٦) في الأصل : في.

(٧) الدلنظى : الجمل السريع.

(٨) قرقرى : اسم موضع.

١٢٧

وسادسة في نحو : قبعثرى (١) ، وكمّثرى.

واعلم أنّ زيادتها حشوا إنما تكون لإطالة الكلمة ، وإتمام بنائها ، ولا تكون للإلحاق. فلا يقال «كتاب» ملحق ب «دمقس» ، و «عذافر» ملحق ب «قذعمل» (٢) ، لأنّ حرف العلّة إذا وقع حشوا ، وقبله حركة من جنسه ، نحو واو «عجوز» ، وياء «سعيد» ، جرى مجرى الحركة والمدّة ، فلا يلحق بناء ببناء. وإنما الملحق ما لم يكن للمدّ ، وذلك أن يكون ما قبله حركة من غير جنسه ، بأن يكون ما قبل الواو والياء مفتوحا ، نحو : كوثر ، وصومع ، وبيقر (٣) ، أو كان متحرّكا ، نحو : جدول ، وعثير.

فإن كانت الألف طرفا جاز أن تكون للإلحاق ، نحو : سلقى ، وجعبى. وجملة الأمر أنّ الألف تزاد آخرا ، على ثلاثة أضرب : للإلحاق ، والتأنيث ، وزائدة كزيادتها حشوا.

فالأول ، نحو : أرطى ، ومعزى ، ألحقتهما الألف بـ : ٥٣ جعفر ، ودرهم. والذي يدلّ (٤) على زيادة / الألف في «أرطى»

__________________

(١) القبعثرى : الجمل الضخم العظيم.

(٢) القذعمل : الجمل الشديد.

(٣) بيقر : هلك.

(٤) انظر شرح المفصل ٥ : ١٠٧ و ١٠٩ و ٦ : ٣٧.

١٢٨

قولهم : أديم مأروط ، إذا دبغ بالأرطى. فسقوط الألف في «مأروط» دليل على زيادتها. وقولهم : معز (١) ومعيز (٢) ، دليل على زيادة الألف في «معزى». وقولهم : أرطى ومعزى ، بالتنوين ، دليل على أنها ليست للتأنيث ، إذ ألف التأنيث تمنع الصّرف ، فلا يدخلها تنوين ، نحو : حبلى ، وسكرى. ومع ذلك قد سمع عنهم : أرطاة ، فألحقوه تاء التأنيث. فلو كانت للتأنيث لم يدخلها تأنيث آخر ، فيجمع بين علامتي تأنيث. وممّا يدلّ على أنّ الألف في «معزى» ليست للتأنيث تذكيرهم إيّاها ، نحو : قول الشاعر (٣) :

ومعزى ، هدبا ، يعلو

قران الأرض ، سودانا

فوصفهم إيّاه (٤) بالمذكّر يدلّ على أنّه مذكّر. ولو كانت الألف

__________________

(١) ش : «معز». وكلاهما صحيح.

(٢) المعيز : جمع معز.

(٣) الكتاب ٢ : ١٢ والمنصف ١ : ٣٦ وشرح المفصل ٣ : ٦ ٩ : ١٤٧. والهدب : الكثير الشعر. والقران : جمع قرن ، وهو المشرف من الأرض. وقوله سودانا صفة لمعزى ، وجاز جمعها لأن المعزى اسم جنس قد يؤدي معنى الجمع.

(٤) سقط من ش.

١٢٩

للتأنيث لكان مؤنّثا. فثبت بما ذكرناه أنّها زائدة ، لغير معنى التأنيث ، فكان حملها على الإلحاق أولى من حملها على غير الإلحاق ، لأن الإلحاق معنى مقصود ، وإن كانا جميعا شيئا واحدا ؛ ألا ترى أنّ معنى الإلحاق تكثير الكلمة وتطويلها. فإذا كلّ إلحاق تكثير ، وليس كلّ تكثير إلحاقا. فاعرفه.

وأمّا الثاني ، وهو زيادة التأنيث (١) ، فنحو ألف (٢) : حبلى ، وسكرى ، وجمادى. الألف ههنا زائدة للتأنيث. والذي يدلّ على زيادتها الاشتقاق ؛ ألا ترى أنّ «حبلى» من : الحبل ، و «سكرى» من : السّكر ، و «جمادى» من : الجمد (٣). والذي يدلّ على أنها للتأنيث امتناع التنوين من الدخول عليها ، في حال تنكيرها ، ولو كانت لغير التأنيث لكانت منصرفة.

الثالث : إلحاقها زائدة كزيادتها حشوا ، نحو (٤) : قبعثرى ، للعظيم الخلق ، وكمّثرى ، وباقلّى ، وسمانى ، لضرب من الطير. ٥٤ الألف فيهنّ زائدة لأنها لا تكون مع ثلاثة أحرف / أصول

__________________

(١) في الأصل : للتأنيث.

(٢) سقط من ش.

(٣) الجمد : الثلج أو الماء الجامد. ش : الجمد.

(٤) انظر شرح المفصل ٥ : ١٠٧ و ٦ : ٣٧.

١٣٠

فصاعدا إلّا زائدة ، وليست للتأنيث لانصرافها ، مع أنّه قد حكي : باقلّاة وسماناة. وهذا ثبت في أنّها ليست للتأنيث. ولا تكون للإلحاق لأنّه ليس في الأصول ما هو على هذه العدّة والزّنة ، فيكون ملحقا به. وإذا لم تكن زائدة للتأنيث ، ولا للإلحاق ، كانت زائدة لتكثير الكلمة وإتمام بنائها. فاعرفه.

وأما الواو فإنها لا تزاد أوّلا في حكم التصريف. وذلك لأنها لو زيدت أوّلا لم تخل (١) إما أن تزاد ساكنة ، أو متحركة. ولا يجوز زيادتها ساكنة ، لأنّ الساكن لا يبتدأ به. وإن زيدت متحرّكة فلا يخلو من أن تكون مضمومة ، أو مكسورة ، أو مفتوحة. فلو زيدت (٢) مضمومة لا طّرد فيها الهمز على حدّ : وقّتت وأقّتت. وكذلك لو كانت مكسورة على حدّ : وسادة وإسادة ، ووشاح وإشاح ، وإن كان الأوّل أكثر. ولو زيدت مفتوحة لتطرّق إليها (٣) الهمز ، لأنّها لا تخلو من أن تزاد في أوّل اسم ، أو فعل. فالاسم بعرضيّة التّصغير ، والفعل بعرضيّة ألّا يسمّى فاعله ، وكلاهما يضمّ أوّله. وإذا ضمّ تطرّق إليها (٤)

__________________

(١) ش : لم يخل.

(٢) في الأصل : قدّرت.

(٣) في الأصل : فيها.

(٤) في الأصل : إليه.

١٣١

الهمز حينئذ ، مع أنهم قد همزوا الواو المفتوحة ، في نحو : وحد وأحد ، ووناة وأناة ، وهو قليل. فلمّا (١) كان زيادتها أوّلا تؤدّي إلى قلبها همزة ، وقلبها همزة ربّما أوقع لبسا ، أو أحدث شكّا في أنّ الهمزة أصل أو منقلبة ، مع أنّ زيادة الحرف إنما المطلوب منها نفسه ، فإذا لم يسلم لفظه لم يحصل الغرض.

وهي تزاد ثانية في نحو : كوثر ونوفل. وثالثة في نحو : جدول وقسور (٢) ، وعجوز وعمود (٣). ورابعة في نحو : كنهور (٤) ، وجرموق (٥) ، وسنوّر (٦) ، واخروّط (٧). ٥٥ وخامسة في نحو : قندأو ، / وهو العظيم ، وفي : سندأو (٨) ، وعضرفوط (٩) ، ومنجنون (١٠). وهو في ذلك على ضربين :

للإلحاق ، نحو : كوثر ، وجوهر ، ونوفل ، وقسور. كلّ ذلك

__________________

(١) في حاشية الأصل : «ليس في الكتاب جواب لما».

(٢) القسور : الشجاع.

(٣) في الأصل : وثمود.

(٤) الكنهور : السحاب المتراكم الثخين.

(٥) الجرموق : خف صغير يلبس فوق الخف.

(٦) تحتها في الأصل : «للدرع».

(٧) اخروط السير : أسرع.

(٨) السندأو : الحديد الشديد.

(٩) العضرفوط : ذكر العظاء.

(١٠) المنجنون : الدولاب التي يستقى عليها.

١٣٢

ملحق ب «جعفر». وكنهور ، وسنوّر ملحقان ب «سفرجل». وقندأو ، وسندأو ملحقان ب «قرطعب» (١).

ولغير الإلحاق ، نحو : واو عجوز ، وعمود ، وجرموق ، وعضرفوط ، ومنجنون ، لأنّ الواو هنا مدّة فلا تكون ملحقة ، ولأنّه ليس في الأصول ما هو على هذا الوزن ، فيكون ملحقا به. وإنما هو لتكثير الكلمة والمدّ. فاعرفه.

وأما الياء فتزاد أوّلا ، لأنه لا يلزم من زيادتها أوّلا ما يلزم (٢) من زيادة الواو والألف. وذلك نحو : يرمع ، وهو حجارة صغار ، ويلمع (٣) ، ويلمق (٤) ، وهو القباء. وهو فارسيّ معرّب. قال ذو الرّمّة يصف ثورا وحشيا (٥) :

__________________

(١) القرطعب : القطعة من الخرقة.

(٢) ش : ما لزم.

(٣) في حاشية الأصل : «للسراب». وفيها عن نسخة أخرى وفي ش : «تلمع».

(٤) سقط إلى بيت ذي الرمة من ش ، وألحق بحاشيتها على أنه زيادة. وأوله : «اليلمق القباء».

(٥) ديوانه ص ٢٠. والبوارق : السحب فيها مطر وبرق. والمجرمز : المتقبض المجتمع بعضه إلى بعض. واللهق : الأبيض. والعزب : المتباعد الذي ليس له أهل. وفي الأصل : «غرب».

١٣٣

تجلو البوارق عن مجرمّز ، لهق

كأنّه متقبّي يلمق ، عزب

ويعملة ، للناقة يعمل عليها. وفي الفعل ، نحو : يضرب ، ويقعد. وتزاد ثانية ، نحو : خيفق ، وهو صفة. يقال : فلاة خيفق ، أي : واسعة ، وفرس خيفق : أي سريعة. وصيرف ، وضيغم ، وهو من أسماء الأسد. وثالثة ، نحو : عثير ، وهو التّراب ، وجريال ، للذهب. ورابعة (١) نحو : دهليز ، وقنديل ، وزبنية ، لواحد الزّبانية. وخامسة في : عنتريس ، وهي الناقة الشديدة (٢) ، وسلحفية. وسادسة في تصغير عنكبوت وتكسيره ، نحو : عنيكبيت ، وعنا كبيت ، فيما حكاه الأصمعيّ.

وزيادة الياء فيما ذكرناه تعلم (٣) أنها لا تكون أصلا في بنات الثلاثة فصاعدا. وكذلك الواو والألف على ما تقدّم. وقد عرف ٥٦ الملحق من ذلك وضابطه في حرف الواو. / وفيما ذكرته تنبيه على ما لم أذكره (٤).

__________________

(١) زاد في ش : في.

(٢) ش : «في عنتريس من الديك»!

(٣) في الأصل وش : يعلم.

(٤) في حاشية الأصل : بلغ.

١٣٤

زيادة الهمزة

قال صاحب الكتاب : موضع زيادة الهمزة أن تقع أوّلا ، وبعدها ثلاثة أحرف أصول ، نحو : أحمر ، وأصفر ، وأخلق ، وأبلق. فالهمزة زائدة ، ومثاله «أفعل». وكذلك : إجفيل (١) ، وإخريط (٢) ، من : الجفل والخرط. الهمزة (٣) زائدة ، ومثاله «إفعيل» ، لأنّ الياء زائدة لما قدّمناه. فبعد الهمزة ثلاثة أحرف أصول (٤) ، فهي إذا زائدة.

قال الشارح (٥) : الهمزة تزاد أوّلا ، وحشوا ، وآخرا. وأغلب أحوالها أن تقع في أوّل بنات الثلاثة من الأسماء والأفعال.

__________________

(١) الاجفيل : الجبان.

(٢) الاخريط : ضرب من النبات.

(٣) الملوكي : «فالهمزة» وسقط منه «من الجفل والخرط».

(٤) الملوكي : «لما قدّمنا. وبعد الهمزة كذلك ثلاثة أصول».

(٥) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ٩ : ١٤٤ ـ ١٤٦.

١٣٥

فإذا رأيت بعدها ثلاثة أحرف أصول (١) فاقض بزيادة الهمزة هناك ، سواء عرفت الاشتقاق أو لم تعرفه. وذلك لغلبة زيادتها أوّلا وكثرته فيما عرف اشتقاقه. وذلك نحو : أحمر ، وأصفر ، وأخضر ، وأذهب ، وأجلس. وكذلك إذا دخلت أوّلا ، وبعدها أكثر من ثلاثة أحرف ، غير أنّ فيها زوائد عرفت ، تبقى بعدها ثلاثة أحرف أصول. نحو : إمخاض (٢) ، وأسحلان (٣) ، وإخريط ، وإجفيل ؛ ألا ترى أنّ الاشتقاق يقضي بزيادة الهمزة في ذلك كلّه ، لأنّه من : الحمرة ، والخضرة ، والصّفرة ، والذّهاب ، والجلوس ، والمخض (٤) ، والسّحل ، والخرط ، والجفل.

فلمّا كثرت زيادتها أوّلا ، في بنات الثلاثة ، وغلبت فيما ظهر اشتقاقه ، وعلم أمره ، قضي بزيادتها فيما أبهم ، نحو : أفكل ، للرّعدة ، وأيدع ، صبغ أحمر ، وأبلمة (٥) ، وإصبع ، حملا على الأكثر. وهو من حمل المجهول على المعلوم ، مع ما في الحكم بذلك من تحصيل

__________________

(١) في الأصل : «أصولا».

(٢) الامخاص : الحليب ما دام في الممخص. ش : إمحاص.

(٣) الأسحلان : الطويل.

(٤) ش : والمحص.

(٥) في حاشية الأصل : «خوص المقل».

١٣٦

البناء المعتدل ، وهو الثلاثيّ. فلذلك حكمت بزيادة الهمزة في أوّل ذلك كلّه ، / واعتقدت أنّ لها أصولا ثلاثيّة أخذت منها (١) ، ٥٧ وإن لم ينطق بها. فعلى هذا لو سمّيت بأفكل ، وأيدع ، لم تصرفهما ، لأنه لمّا قضي على الهمزة فيهما (٢) بالزيادة ، حملا على المشتقّ ، صار كالمشتقّ. فكما أنك لو سمّيت بأحمد (٣) ونحوه لم تصرفه فكذلك هذا (٤).

هذا إذا لم يكن في الكلمة ما يجوز أن يكون زائدا. فإن كان ذلك لم تقض بزيادة الهمز إلّا بثبت. من ذلك : أيدع ، وأترجّة (٥). فإنه قضي بزيادة الهمزة فيهما ، مع أنّ الياء والتاء من حروف الزيادة ، لغلبة زيادة الهمزة أوّلا على زيادة الياء والتاء ثانيا ، مع أنّه قد ورد عنهم : يدّعته تيديعا ، وهذا ثبت. أما (٦) : أولق (٧) ، وأيصر (٨) ، وإمّعة ، فالهمزة فيهنّ أصل.

__________________

(١) في الأصل وش : منه.

(٢) في الأصل : منهما.

(٣) ش : بأحمر.

(٤) ش : ههنا.

(٥) سها عن تفصيل زيادة الهمزة في أترجة.

(٦) ش : فأما.

(٧) الأولق : الجنون.

(٨) في حاشية الأصل : «الأيصر : كساء يلتفّ به»!

١٣٧

فأما (١) «أولق» فلأنه سمع فيه : ألق الرّجل فهو مألوق. وهذا ثبت في كون الهمزة أصلا ، والواو زائدة ، ووزنه إذا «فوعل». فلو سمّيت به رجلا انصرف ، هذا مذهب سيبويه (٢). قال أبو عليّ (٣) : يجوز أن يكون أولق «أفعل» من :

ولق يلق ، إذا أسرع ، ومنه قوله تعالى (٤)(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ.) ومنه قول الشاعر (٥) :

* جاءت به عنس من الشّام ، تلق*

فهو على هذا «أفعل» والهمزة زائدة ، والواو فاء ، فلو سمّي به رجل لم ينصرف. فيكون (٦) هذا الأصل غير ذاك الأصل ، كما قلنا في «حسان» ونظائره : إن أخذته من الحسن صرفته ، وإن أخذته من الحسّ لم تصرفه. مع أنهم قد قالوا : الولقى والألقى (٧) ، للبكرة (٨) السّريعة الدنيّة (٩) ، والعدو. وهذا يدلّ على أنّ

__________________

(١) ش : أما.

(٢) زاد في ش : رحمه‌الله.

(٣) وهو المشهور بالفارسي.

(٤) الآية ١٥ من سورة النور.

(٥) القلاخ بن حزن. الخصائص ١ : ٩ و ٣ : ٢٩١ وشرح المفصل ٩ : ١٤٥ وتهذيب الألفاظ ص ٢٩٩. والعنس : الناقة الصلبة.

(٦) ش : ويكون.

(٧) ش : الولقاة والألقا.

(٨) البكرة : الفتية من الابل. وفي الأصل : «للكرّة» وفي حاشيته عن نسخة أخرى : «للكسرة».

(٩) سقطت من شرح المفصل.

١٣٨

الفاء (١) منه تكون مرّة همزة ، ومرة واوا ، على حدّ : أو صدت / الباب وآصدته (٢). ٥٨

وأما «أيصر» فهمزته أصل ، وهي فاء ، لقولهم في الجمع :

إصار. فسقوط الياء دليل على أنّها زائدة. قال الشاعر (٣) :

* ويجمع ذا بينهنّ الإصارا*

ولا يقال : إنّ أصل «إصار» : يصار ، فقلبت الياء همزة كما قلبت واو «وشاح» ، لأنّ الياء لا تقلب همزة إذا انكسرت ، مع أنّه ليس في كلام العرب كلمة أوّلها ياء مكسورة إلّا «يسار» لليد (٤).

وأمّا «إمّعة» (٥) فالهمزة فيه أصل ، لأنّه ليس في الصفات

__________________

(١) في الأصل وش : الواو.

(٢) فوقها في الأصل «أي : أغلقته».

(٣) الأعشى. المنصف ١ : ١١٣ واللسان والتاج (أصر). وصدره : فهذا يعدّ لهنّ الخلى وهو من قصيدة له في ديوانه ص ٣٦. وانظر شرح المفصل ٩ : ١٤٤ والمقتضب ٣ : ٣١٧ و ٣٤٣.

(٤) في الأصل : «اليد». وقالوا «يعار» في جمع اليعر بمعنى الجدي. وقالوا أيضا : «ياومه مياومة ويواما». انظر التاج (يعر) و (يوم) ورسالة الملائكة ص ١٢٥.

(٥) في حاشية الأصل : «للذي يقول : أنا معك».

١٣٩

مثل «إفعلة» ، مع أنّا لو حكمنا بزيادة الهمز فيها لكانت الكلمة من باب «كوكب وددن» ، وهو قليل ، وليس العمل عليه.

وأما «أفعى» فهمزته زائدة لقولهم : أرض مفعاة ، إذا كثر فيها الأفاعي. وهذا ثبت. وقد قالوا : «أفعوان». فإن جعلنا الهمزة زائدة كان وزنه : «أفعلان» نحو : أسحلان (١) ، وأملدان (٢). وإن جعلناها أصليّة كان وزنه : «فعلوان» ، ولا يعرف (٣) في الكلام : «فعلوان» في أوله الهمزة ، مع أنّ القياس يقضي بزيادة الهمزة. وذلك أنّ الهمزة إذا كانت أوّلا ، والألف معها آخرا (٤) ، فالكثير الذي عرف بالاشتقاق زيادة الهمزة ، نحو : أعشى ، وأعمى. فثبت بذلك أنّ الهمزة زائدة (٥). وإذا ثبت أنّها زائدة (٦) قضي على الألف في آخره بأنها منقلبة عن حرف أصليّ. وهو مصروف سمع فيه التنوين ، ومن لم يصرفه قدّر فيه الصفة مع الوزن ك «أحمر».

قال صاحب الكتاب : فإن كانت (٧) بعدها أربعة أحرف

__________________

(١) الأسحلان : الطويل.

(٢) الأملدان : اللين الناعم.

(٣) في الأصل : ولم يعرف.

(٤) ش : أخيرا.

(٥) ش : أصل.

(٥) ش : أصل.

(٦) الملوكي : كان.

١٤٠