ابن يعيش
المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
العارض كالمعدوم ؛ ألا ترى أنّه لم يجز (١) القلب في مثل (٢)(اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ) و (٣) (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ) و (٤) (لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) لكون الحركة عارضة لالتقاء الساكنين. كما لم يجز همزها كما جاز في : «أثؤب» جمع ثوب ، و «أسؤق» جمع ساق. وهذا واضح.
ومنها ألّا يلزم من القلب والإعلال لبس ؛ ألا ترى أنهم قد قالوا في التثنية : قضيا ، ورميا ، وغزوا ، ودعوا. فلم يقلبوهما ألفين ، مع تحرّكهما وانفتاح ما قبلهما ، لأنهم لو قلبوهما ألفين ، وبعدهما ألف التثنية ، لوجب أن يحذف أحدهما (٥) ، لالتقاء الساكنين / ، ٩٥ فيلتبس الاثنان بالواحد. ومن ذلك قولهم : «الغليان» و «النّزوان» ، فصحّحوهما (٦) لأنّهم لو قلبوهما ألفين ، وبعدهما ألف فعلان ، لوجب حذف أحدهما (٧) ، وأن يقال : غلان ،
__________________
(١) في الأصل : لم يجب.
(٢) الآيتان ١٦ و ١٧٥ من سورة البقرة.
(٣) الآية ١٨٦ من سورة آل عمران. وسقط «في أموالكم» من الأصل.
(٤) الآية ٢٣٧ من سورة البقرة.
(٥) ش : أن تحذف إحداهما.
(٦) ش : صححوهما.
(٧) ش : إحداهما.
ونزان ، فيلتبس «فعلان» معتلّ اللام ب «فعال» ممّا لامه نون. فاحتملوا ثقل اجتماع الأشباه والأمثال ، إذ ذلك أيسر من الوقوع في محظور اللّبس والإشكال.
فأمّا «الحيدان» و «الجولان» فمحمول على «النّزوان» و «الغليان» ، لأنهم لمّا صحّحوا اللّام ، مع ضعفها بتطرّفها ، كان تصحيح (١) العين أولى ، لقوّتها بقربها من الفاء وبعدها من الطرف.
فأمّا «ماهان» (٢) و «داران» (٣) فشاذّ في الاستعمال ، وإن كان هو القياس.
ومن ذلك قولهم : هوى ، ونوى ، وغوى ، وشوى ، لم يعلّوا العين ، لاعتلال اللام ، فلم يكونوا ليجمعوا بين إعلالين في كلمة واحدة.
ومن ذلك قولهم : عور ، وحول ، وصيد البعير ، إذا رفع رأسه من داء. لم يعلّوا ذلك لأنّ «عور» في معنى
__________________
(١) ش : بصحة.
(٢) المشهور «هامان». وانظر الممتع ص ٤٩٢.
(٣) داران : اسم علم.
«اعورّ» ، و «حول» في معنى «احولّ» ، و «صيد» في معنى «اصيدّ». فلمّا كان لا بدّ من صحّة العين في : اعورّ ، واصيدّ (١) ، لسكون ما قبل الواو والياء فيهما ، لم يكن بدّ من صحّة العين في : عور ، وصيد البعير ، لأنّهما في معناهما (٢) وكالأصل. وإنّما حذف الزوائد لضرب من التخفيف ، فجعل صحّة العين في : عور ، وصيد ، ونحوهما ، أمارة على أنّ معناه «افعلّ». كما جعل التصحيح في «مخيط» وبابه ، دلالة على أنّه منتقص من «مخياط». ومثل : عور ، وصيد : اعتونوا ، واهتوشوا ، واجتوروا ، صحّت الواو فيها لأنها / بمعنى : ٩٦ تعاونوا ، وتهاوشوا ، وتجاوروا.
وقد شذّت ألفاظ ، خرجت منبهة على الأصل (٣) ، ودليلا على الباب. وذلك نحو : القود ، والأود ، والحيد (٤) ، والخونة ، والحوكة. وكأنّهم حين أرادوا إخراج شيء من ذلك مصحّحا ، ليكون كالأمارة والتنبيه على أصل الباب ، تأوّلوا الحركة بأن نزّلوها
__________________
(١) سقط «فلما كان ... اصيّد» من ش.
(٢) ش : لأنها في معناها.
(٣) ش : خرجت منبّهة.
(٤) سقط من ش.
منزلة الحرف ، حتّى كأنّ «فعلا» : «فعال» ، و «فعلا» : «فعيل». فكما يصحّ نحو : خوان ، وصوان ، وطويل ، وحويل ، صحّ نحو : القود ، والحوكة ، وحول ، وروع (١). فكانت الحركة التي هي سبب الإعلال ، على هذا التأويل ، سببا للتّصحيح. ويدلّ على ما ذكرنا ، من تنزيل الحركة منزلة الحرف ، قوله (٢) :
في ليلة ، من جمادى ، ذات أندية |
|
لا يبصر الكلب ، من ظلمائها ، الطّنبا |
فتكسيرهم «ندى» على «أندية» دليل على تنزيلهم الفتحة التابعة للدّال ، التي هي عين ، منزلة الألف التابعة لها ، فصار : ندى وأندية ، كرداء وأردية.
وما عدا ما ذكر ، ممّا تحرّكت فيه الواو والياء ، وانفتح ما قبلهما ، فإنهما تقلبان (٣) ألفين ، نحو : قال ، وباع ، وطال ، وخاف ،
__________________
(١) ش : وحول وروع.
(٢) مرة بن محكان. شرح الحماسة للتبريزي ٤ : ١٢٤ وشرح شواهد الشافية ص ٢٧٧ ـ ٢٨٣ وشرح المفصل ١٠ : ١٧ والمقتضب ٣ : ٨١ والخصائص ٣ : ٥٢ ـ ٥٣.
(٣) ش : يقلبان.
وهاب ، وغزا ، ورمى ، وباب ، وناب ، وعصا ، ورحى. والأصل : قول ، وبيع ، وطول ، وخوف ، وهيب ، وغزو ، ورمي ، وبوب ، ونيب (١) ، لقولك : القول ، والبيع ، والطّول ، والخوف ، والهيبة ، والغزو ، والرّمي ، وأبواب ، وأنياب ، وعصوان ، ورحيان.
واعلم أنّ الواو والياء لا تقلبان (٢) إلّا بعد إيهانهما بالسكون. ولا يلزم على ذلك باب «سوط» و «شيخ» ، لأنّه / بني ٩٧ على السّكون ، ولم يكن له حظّ في الحركة ، فيهن بحذفها. فلو رمت قلب الواو والياء ، في : «قوم» و «بيع» ، وهما متحرّكتان (٣) ، لا حتمتا بالحركة ، ولم تقلبا. فاعرفه.
فأمّا : باب ، وناب ، ودار ، فأصلها «بوب» و «نيب» و «دور» ، قلبت الواو والياء فيها ألفا ، لتحرّكهما ، وانفتاح ما قبلهما ، كما كان ذلك في الأفعال. وليست الأفعال أولى من الأسماء بذلك ، لأنّ العلّة المقتضية لهذا الإعلال فيهما واحدة. إلّا أنّ الإعلال في الأفعال أقوى منه في الأسماء ، لأنّ الأفعال موضوعة للتّنقّل في
__________________
(١) وأسقط المؤلف «وعصو ، ورحي».
(٢) ش : لا يقلبان.
(٣) في الأصل : متحركان.
الأزمنة والتصرّف. والأسماء سمات على المسمّيات.
ولذلك كان عامّة ما شذّ ، من ذلك ، في الأسماء دون الأفعال ، نحو «الحيد» (١) و «القود» (٢) و «الخونة». ولم يشذّ في الأفعال شيء من نحو : قام ، وباع. فأمّا «استحوذ» و «استنوق الجمل» و «استتيست العنز» فلضعف الإعلال فيه ، من حيث كان محمولا في الإعلال على غيره ؛ ألا ترى أنّه لو لا إعلال «قال» و «باع» لم يجب الإعلال في «أقال» و «أباع». فاعرفه.
وقد أبدلوا الألف من الواو والياء ، مع سكونهما ، وذلك إذا انفتح ما قبلهما (٣). وذلك قليل غير مطّرد ، قالوا : «وجل ياجل» ، أجروا الحرف السّاكن مجرى المتحرّك ، طلبا للتخفيف ، لأنّ اجتماع الياء مع الألف أخفّ عليهم من اجتماع اليائين ، أو اجتماع الواو مع الياء. وقالوا في النّسب إلى «الدوّ» : داويّ ، قلبوا الواو الأولى ألفا. ومن الجائز ألّا يكونوا قلبوا الواو هنا ألفا ، بل ٩٨ اشتقّوا اسما على فاعل من «الدوّ» / ، ونسبوا إليه. وقالوا في
__________________
(١) ش : الجيد.
(٢) زاد في ش : والحوكة.
(٣) سقط «وذلك إذا انفتح ما قبلهما» من ش.
النّسب إلى «الحيرة» : حاريّ ، وإلى «طيّىء» : طائيّ. والأشبه أن يكون قوله (١) :
* تزوّد منّا ، بين أذناه ، طعنة*
وقول الآخر (٢) :
* قد بلغا ، في المجد ، غايتاها*
من ذلك. وعليه حمل بعضهم (٣) قوله تعالى (٤)(إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) ، وهي لغة بلحارث (٥) بن كعب (٦).
__________________
(١) صدر بيت لهوبر الحارثي. وعجزه :
دعته إلى هابي التّراب ، عقيم الصحاح واللسان والتاج (عقم) وشذور الذهب ص ٤٧ والهمع ١ : ٤٠ والدرر اللوامع ١ : ١٤ وشرح المفصل ٣ : ١٢٨.
(٢) رجل من بني الحارث. الخزانة ٣ : ٣٣٧ ـ ٣٣٨ وأوضح المسالك ١ : ٣٣ والانصاف ص ١٨ وديوان رؤبة ص ١٦٨ وشرح المفصل ٣ : ١٢٩.
(٣) في الأصل : وعليه حمل.
(٤) الآية ٦٣ من سورة طه.
(٥) في الأصل : الحارث.
(٦) في حاشية الأصل : بلغ.
ابدال الألف من الهمزة
قال صاحب الكتاب : متى سكنت الهمزة ، وانفتح ما قبلها ، فتخفيفها وإبدالها جميعا أن تصيّرها ألفا في اللفظ. فالتخفيف (١) نحو قولك في رأس : «راس» ، وفي (٢) فأس : «فاس» ، وفي اقرأ : «اقرا» ، وفي اهدأ : «اهدا». والبدل قولك : «آدم» و «آمن» (٣) ، فأبدلت الهمزة ألفا ، لاجتماع الهمزتين ، وسكون الثانية ، وانفتاح ما قبلها.
قال الشارح (٤) : اعلم أنّ الهمزة حرف مستثقل ، لأنه نبرة في الصدر ، وهو أدخل حروف الحلق ، وإخراجه كالتهوّع. فلذلك مال أهل الحجاز ومن وافقهم إلى تخفيفها. فمتى كانت
__________________
(١) سقط من الأصل.
(٢) زاد في الأصل : تخفيف.
(٣) زاد في الملوكي : «والأصل : أأدم ، وأأمن».
(٤) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ٩ : ١٠٧ ـ ١١٤ و ١٠ : ١٩.
الهمزة ساكنة ، وأريد تخفيفها ، أزيلت نبرتها ، فتلين وتستحيل حرفا ليّنا. وتدبّرها (١) حركة ما قبلها : فإن كانت (٢) قبلها فتحة انقلبت ألفا ، وإن كانت (٣) قبلها كسرة انقلبت ياء ، وإن كانت (٤) قبلها ضمّة انقلبت واوا ، أصلا كانت الهمزة أو زائدة. وهذا البدل على ضربين : جائز وواجب.
فالجائز يكون في الهمزة الواحدة نحو «راس» في : رأس ، و «فاس» في : فأس ، و «شامل» في : شأمل. قلبت الهمزة في جميع ذلك ألفا حين أريد تخفيفها ، لسكونها وانفتاح ما قبلها. وأنت مخيّر بين / التحقيق والتخفيف. ٩٩
وبعضهم يبدل من الهمزة المفتوحة ، إذا انفتح ما قبلها ، ألفا أيضا ، نحو «سال» في : سأل ، و «قرا» في قرأ. قال الشاعر (٥) :
راحت بمسلمة البغال عشيّة |
|
فارعي ، فزارة ، لا هناك المرتع |
يريد : هنأك. وقال حسّان (٦) :
__________________
(١) ش : ويديرها.
(٢) ش : كان.
(٣) الفرزدق. انظر الممتع ص ٤٠٥.
(٤) انظر الممتع ص ٤٠٥.
سالت هذيل رسول الله فاحشة |
|
ضلّت هذيل ، بما قالت ، ولم تصب |
وهذا قليل ، من قبيل الضّرورة ، من حيث كان إجحافا بها (١) ، لتغيّر لفظها ، وإذهاب حركتها. والوجه أن تجعل بين بين.
فأمّا قوله تعالى فيما قرأ به ابن عامر ونافع (٢)(سَأَلَ سائِلٌ) فإنه من السّيل ، لا من السّؤال ، وسائل : واد في جهنّم ، على ما ورد به التفسير. ويجوز أن يكون من : «سلت تسال» ، تجعله معتلّ العين بالياء ك «هبت تهاب» ، فيكون من معنى السّؤال ، لا من لفظه. فعلى هذا تكون همزته (٣) همزة إعلال لا أصليّة.
وأما البدل الواجب فيكون في الهمزتين تلتقيان : الأولى مفتوحة ، والثانية ساكنة ، فلا بدّ من إبدال الثانية ألفا ، نحو : آدم ، وآخر ، وآزر ، وآمن. وهذا البدل لازم ، كراهية (٤) اجتماع الهمزتين في كلمة واحدة. وإذا أبدلت الهمزة على هذا جرت الألف
__________________
(١) في الأصل : لها.
(٢) الآية ١ من سورة المعارج. وانظر البحر المحيط ٨ : ٣٣٢.
(٣) في حاشية الأصل : «أي : همزة سائل».
(٤) ش : كراهة.
التي هي بدل منها مجرى ما لا أصل له في همز البتّة ؛ ألا ترى (١) أنّهم قد قالوا «أوادم» كما قالوا «خواتم» ، فأجروا الألف المبدلة من الهمزة ، بقلبها واوا في الجمع ، مجرى الألف المحضة.
__________________
(١) ش : «ألا ترى إلى قوله :
أوالفا مكة ، من ورق الحمي
فأجرى ألف (آلف) مجرى ألف (خاتم). فاعرفه». والبيت الذي أنشده هو للعجاج. ديوانه ص ٥٩ والكتاب ١ : ٨ و ٥٦. وانظر ١١١.
ابدال الألف من النون
قال صاحب الكتاب : أبدلت من التنوين في النصب (١) ، ١٠٠ / نحو (٢) «رأيت زيدا» و «كلّمت عمرا» (٣) ، ومن (٤) النون الخفيفة ، إذا انفتح ما قبلها ، من أمر الواحد ، نحو قولك للرجل في الوقف : «اضربا» و «قوما» ، تريد : اضربن ، وقومن.
قال الله تعالى (٥)(لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) ، فإذا وقفت قلت : (لَنَسْفَعاً). قال الأعشى (٦) :
* ولا تعبد الشّيطان ، والله فاعبدا*
__________________
(١) في الأصل : أبدلت من التنوين في النصب ألفا إذا وقفت.
(٢) الملوكي : نحو قولك.
(٣) الملوكي : جعفرا.
(٤) في الأصل : أومن.
(٥) الآية ١٥ من سورة العلق.
(٦) صدره : فاياك والميتات ، لا تأكلنّها
ويروى في بيتين. انظر ديوان الأعشى ص ١٠٣ وشرح المفصل ٩ : ٣٩ و ٨٨.
أراد : فاعبدن. وأبدلت أيضا من نون : إذن (١).
قال الشارح (٢) : إنما أبدلت الألف من النون في هذه المواضع ، لمضارعة النون حروف المدّ واللين ، بما فيها (٣) من الغنّة. وقد تقدّم ذلك (٤). فأبدلوا من التنوين ألفا في حال النّصب ، لخفّة الألف. ولم يبدلوا في حال الرّفع والجرّ ، لثقل الواو والياء عندهم ؛ ألا ترى أنهم قد حذفوها (٥) في قوله تعالى (٦)(وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ) ، و (٧) (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) ، وفي قول الشاعر (٨) :
* وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه*
__________________
(١) زاد في الملوكي : «في الوقف ، نحو قولك : لأضربنّك إذا. تريد : إذن».
(٢) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه رضياللهعنه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٢٠ ـ ٢١ و ٩ : ٨٨ ـ ٩٠.
(٣) في الأصل : بما يشبهها.
(٤) انظر ٣٩ ـ ٤٠.
(٥) حذفوها أي : حذفوا الياء. وفي الأصل : حذفوهما.
(٦) الآية ٤ من سورة الفجر.
(٧) الآية ٩ من سورة الرعد.
(٨) الأعشى. ديوانه ص ٩٨ والكتاب ١ : ١٠ واللسان والتاج (غني). وعجزه : ويكنّ أعداء ، بعيد وداد
وقالوا «أخ» و «أب» و «حم» ، والأصل الواو. ولا يفعلون مثل ذلك بالألف إلّا على ندرة وقلّة. فلذلك أبدل في حال النصب ، ولم يبدل في حال الرفع والجرّ.
على أنّ أبا الخّطاب (١) حكى أنّ أزد السّراة يبدلون في حال الرفع والجرّ ، كما يبدلون في حال النصب ، فيقولون : «هذا زيدو» و «مررت بزيدي» ، ولا يبالون الثّقل. ومن العرب من يقول : «رأيت زيد» ، كما يقول : «مررت بزيد» و «هذا زيد». قال الشاعر (٢) :
* وآخذ ، من كلّ حيّ ، عصم*
وقال الآخر (٣) :
* وجعل القين على الدّفّ إبر*
وقال الآخر (٤) :
__________________
(١) وهو الأخفش الأكبر.
(٢) الأعشى. ديوانه ص ٢٩ وشرح المفصل ٩ : ٧٠ وشرح شواهد الشافية ص ١٩١. وصدره : إلى المرء قيس أطيل السّرى والعصم : العهود.
(٣) شرح المفصل ٩ : ٦٩.
(٤) الهمع ٢ : ٢٠٥ والدرر ٢ : ٢٣٢.
ألا حبّذا غنم ، وحسن حديثها |
|
لقد تركت قلبي بها هائما ، دنف |
وهذه اللغة ، وإن لم يحكها سيبويه ، فقد حكاها أبو الحسن / ١٠١ وغيره ، وهي في القلّة مقابلة لغة أزد السّراة. والمشهور اللغة الأولى.
وأمّا نون التأكيد الخفيفة ، نحو قوله تعالى (١)(لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ) و «اضربن» في الأمر ، فإنّها تبدل في الوقف ألفا كالتنوين ، لمضارعتها إيّاه ؛ ألا ترى أنّهما من حروف المعاني ومحلّهما آخر الكلمة ، وهي خفيفة ضعيفة وقبلها فتحة. فأبدل منها الألف كما أبدل من التنوين. قال الشاعر (٢) :
* ولا تعبد الشّيطان ، والله فاعبدا*
يريد «فاعبدن». وقال الآخر (٣) :
أبوك يزيد والوليد ، ومن يكن |
|
هما أبواه لا يذلّ ، ويكرما |
__________________
(١) الآية ١٥ من سورة العلق.
(٢) انظر ٢٣٢.
(٣) شرح المفصل ٩ : ٨٩.
يريد «ويكرمن».
وقد قيل في قول امرىء القيس (١) :
* قفا نبك من ذكرى حبيب ، ومنزل*
: إنّه أراد «قفن» على التأكيد بالنون الخفيفة ، ثمّ وقف بالألف ، وأجرى حال الوصل مجرى الوقف ضرورة (٢). وقيل : إنّه على مخاطبة الواحد مخاطبة الاثنين ، على حدّ قوله (٣) :
فإن تزجراني ، يابن عفّان ، أنزجر |
|
وإن تدعاني أحم عرضا ، ممنّعا |
ومثله قول الآخر (٤) :
فقلت لصاحبي : لا تعجلاني |
|
بضرع أكولة ، واجتثّ (٥) شيحا |
__________________
(١) مطلع معلقته. ديوانه ص ٨. وعجزه :
بسقط اللّوى ، بين الدّخول فحومل
(٢) في حاشية ش : «لا ضرورة في هذا الشعر».
(٣) سويد بن كراع العكلي. انظر تخريجه في شرح القصائد العشر ص ٨. وابن عفان هو سعيد بن عثمان بن عفان.
(٤) مضرس بن ربعي الأسدي ، أو يزيد بن الطثرية. انظر تخريجه في الممتع ص ٣٥٧ وشرح القصائد العشر ص ٨ ـ ٩.
(٥) كذا وفي حاشية ش : «قلت : صوابه :
ومنه قول الحجّاج (١) : «يا حرسيّ اضربا عنقه». وهذا لا بأس به إذا لم يلتبس (٢) بالاثنين ، فأمّا إذا التبس (٣) فلا. فأمّا قوله تعالى (٤)(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) فيحتمل ـ والله أعلم ـ أن يكون من هذا ، والخطاب لمالك. ويجوز أن يكون الخطاب للملكين الموكّلين من قوله (٥)(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ ، مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ.) / وقال أبو عثمان : «لمّا ثنّى الضمير استغنى عن أن ١٠٢ يقول : ألق ألق» يشير (٦) إلى إرادة التأكيد اللفظيّ.
وأمّا «إذن» التي للجزاء فإنّ نونه ، وإن كانت غير زائدة ، فإنها تبدل ألفا في الوقف ، لسكونها وانفتاح ما قبلها. ولا يلزم ذلك في «أن» و «لن» و «عن» ، لأنّ البدل في «إذن» إنما كان ، مع ما ذكرنا من سكونها وانفتاح ما قبلها ، لأجل مشابهتها الاسم
__________________
لا تحبسانا بنزع أصوله ، واجدزّ شيحا وكتبه محمد محمود بن التلاميذ التركزي. لطف به آمين». والأكولة : العاقر من الشياه. وتحت «شيحا» في الأصل : «اسم نبت».
(١) شرح القصائد السبع الطوال ص ١٧. والحرسيّ : واحد الحرس.
(٢) ش : لم يلبس.
(٣) ش : ألبس.
(٤) الآية ٢٤ من سورة ق.
(٥) الآية ٢١ من سورة ق.
(٦) في الأصل : «أشير». وانظر المنصف ٢ : ٣٣٤.
والفعل ؛ ألا ترى أنها تلغى في «أنا إذا أكرمك» ولا تعملها ، كما يلغى الفعل في قولهم «ما كان أحسن زيدا» ، والاسم في قولهم «كان زيد هو العاقل». وتقع أخيرا غير متّصلة (١) بالفعل ، كقولك «أنا أكرمك إذا» ، كما استعملت «لمّا» استعمال الأسماء ووقعت أخيرا في قولهم «لمّا جئت جئت» (٢). فهي ههنا بمنزلة ظرف زمان. فلما أشبهت الاسم والفعل أبدلت من نونها الألف في الوقف ، كما أبدلت في «رأيت رجلا» و «لنسفعا».
__________________
(١) في الأصل وش : «غير متصل». وفي شرح المفصل ١٠ : ٢١ : «ويقع آخرا غير متصل».
(٢) كذا و «لما» ههنا ليست أخيرا. فلعله يريد «لما» الجازمة التي يجوز أن يحذف بعدها الفعل. انظر شرح المفصل ٨ : ١١٠ ـ ١١١.
ابدال الياء
قال صاحب الكتاب : إبدال الياء : أبدلت (١) الياء من حروف كثيرة ، قد استقصيتها ، ومقدارها نحو من عشرين حرفا ، في كتابي الموسوم ب «سرّ الصّناعة في الإعراب» (٢). وإنما نذكر ههنا ما يكثر استعماله :
أبدلت من الألف ، إذا انكسر ما قبلها ، نحو «قراطيس» و «مفاتيح». فالياء فيه (٣) بدل من ألف «قرطاس» و «مفتاح».
ومن الواو ، إذا سكنت وانكسر ما قبلها ، غير مدغمة ، وذلك نحو : ميعاد ، وميزان ، وريح ، وقيل ، وديمة. كل ذلك من الواو ، لقولك : وعدت ، ووزنت ، وراوحت ، وقاولت
__________________
(١) الملوكي : قد أبدلت.
(٢) الملوكي : «سر صناعة الاعراب» ، وكذلك كان اسم الكتاب في مطبوعته.
(٣) الملوكي : فيها.
زيدا ، ودوّمت السّحابة (١) من الدّيمة. وقال الراجز (٢) : / ١٠٣
هو الجواد ابن الجواد ابن سبل |
|
إن دوّموا جاد ، وإن جادوا وبل |
وتبدل أيضا من الهمزة ، إذا سكنت وانكسر ما قبلها ، نحو قولك في تخفيف ذئب : «ذيب» ، وفي تخفيف بئر : «بير».
وتبدل أيضا من الرّاء في «قيراط» وأصله «قرّاط» ، لقولهم في جمعه : قراريط (٣). وكذلك «دينار» (٤) وأصله «دنّار». وكذلك (٥) «ديباج» وأصله «دبّاج» ، فيمن قال :
__________________
(١) زاد في الملوكي : تدويما.
(٢) جهم بن سنبل. اللسان والتاج (سبل) و (دوم) والجمهرة ١ : ٢٨٨ وشرح القصائد السبع ص ٥٥٨ والأزمنة والأمكنة ٢ : ٨٨ وشروح السقط ص ٣١٨ وأدب الكاتب ص ١٠١ وشرحه ص ١٨٦ والاقتضاب ص ٣٢١. ويروى : «أنا الجواد» فهو يفخر بنفسه ، وسبل أبيه. وقيل : هو مديح لفرسه. وسبل : فرس كريمة ، وهي أمّ أعوج الأكبر.
(٣) زاد في الملوكي : «وفي تصغيره : قريريط».
(٤) الملوكي : «وكذلك من النون في : دينار ، لقولك في تحقيره وتكسيره : دنانير ، ودنينير».
(٥) الملوكي : «وكذلك من الباء في».