ابن يعيش
المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
وقال الآخر (١) :
كلا يومي أمامة يوم صدّ |
|
وإن لم نأتها ، إلّا لماما |
فإفراد الخبر عنها دليل أنها مفردة ؛ ألا ترى أنه لا يجوز : «الزيدان قائم» ، بوجه من الوجوه.
وهي في حال دخول التاء مفردة ، كالحال قبل دخول التاء ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى (٢) : (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ) كيف عاد الضمير من الخبر مفردا ، ولو كان مثنّى لفظا ومعنى لم يجز الإخبار عنه إلّا بالتثنية ، نحو «الزيدان قاما». وربّما عاد الضمير إليه من الخبر مثنّى ، حملا على المعنى ، وهو قليل. قال الشاعر (٣) :
كلاهما حين جدّ الجري بينهما |
|
قد أقلعا ، وكلا أنفيهما رابي |
__________________
(١) جرير. ديوانه ص ٥٣٩ والانصاف ص ٤٤١ واللسان والتاج (كلا) وشرح المفصل ١ : ٥٤.
(٢) الآية ٣٣ من سورة الكهف.
(٣) الفرزدق. ديوانه ص ٣٤ وشرح المفصل ١ : ٥٤ والخصائص ٢ : ٤٢١ و ٣ : ٣١٤ والانصاف ص ٤٤٧ والمغني ص ٢٢٤.
فقال «أقلعا». ولو حمل على اللفظ لقال «أقلع» كما قال «رابي» حين حمل على اللفظ. ومثله «كلّ» في جواز الحمل على اللفظ والمعنى ، فتقول : كلّهم ضربته ، وضربتهم. إلّا أنّ الحمل على المعنى في «كلّ» أكثر منه في «كلا».
وممّا يدلّ على أنّ «كلا» ليست تثنية صناعيّة إضافتها إلى المثنّى ، في قولهم : جاني الرّجلان كلاهما ، ومررت بهما كليهما. ولو كانت تثنية لكانت إضافة الشيء إلى نفسه ، وهو ممتنع كما امتنع : مررت بهما اثنيهما. فأمّا قولهم : مررت بهم ثلاثتهم وأربعتهم ، فإنه ضمير الجمع ، وقد يراد به الكثرة. وليس كذلك التثنية ، فإنه ١٣٣ لا يجوز / أن يراد بضمير التثنية أكثر من اثنين (١).
وذهب أبو عمر الجرميّ إلى أنّ التاء في «كلتا» للتأنيث ، والألف لام الكلمة. وهو قول غير مرضيّ ، لأنّ «كلا» اسم مفرد بإجماع من البصريّين ، وعلم التأنيث لا يكون حشوا في المفرد. وأيضا فإنّ ما قبل التاء في «كلتا» ساكن ، وتاء التأنيث لا يكون ما قبلها إلّا مفتوحا ، مع أنه ليس في الكلام ما هو على وزن (٢)
__________________
(١) ش : الاثنين.
(٢) ش : زنة.
«فعتل» فتلحق به. وهذا واضح.
فإن قيل : ولم زعمت أنّ التاء بدل من الواو دون الياء؟ قيل : فيها خلاف ، والأولى أن تكون من الواو ، لكثرة إبدال التاء من الواو. فاعرفه.
* * *
ابدال الهاء
قال صاحب الكتاب : قد أبدلت من الهمزة. تقول (١) العرب : أرقت الماء (٢) و «هرقت» ، وفي أنرت الثوب (٣) : «هنرته» ، وفي أرحت الدابّة : «هرحتها» ، وفي إيّاك : «هيّاك». قال الشاعر (٤) :
فهيّاك والأمر الذي إن توسّعت |
|
موارده ضاقت عليك مصادره |
قال الشارح (٥) : قد أبدلوا الهاء من الهمزة إبدالا صالحا ، على سبيل التخفيف ، إذ الهمزة حرف شديد مستثقل ، والهاء حرف
__________________
(١) في الأصل : بقول.
(٢) سقط من ش والملوكي.
(٣) أنرت الثوب : جعلت له علما.
(٤) انظر ص ٢٨٣. وفي الأصل : «المصادر» كما جاء في شرح الحماسة للمرزوقي ص ١١٥٢ وللتبريزي ٣ : ١٥١ وشرح المفصل ١٠ : ٤٢.
(٥) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٤٢ ـ ٤٣ و ٨ : ١١٨ ـ ١١٩ و ١٤٩ ـ ١٥٠.
مهموس خفيف ، ومخرجاهما متقاربان ، إلّا أنّ الهمزة أدخل منها في الحلق. فقالوا : «هرقت الماء» في : أرقت ، أبدلوا الهاء من الهمزة الزائدة.
فأمّا قولهم : «أهرقت الماء» فليست الهاء بدلا ، وإنما هي زائدة ، على حدّ زيادة السين في «أسطاع» ، وقد تقدّم (١) القول فيه.
وقالوا : «هرحت الدّابّة» أي : أرحتها.
وقالوا : «هردت أن أفعل» أي : أردت أن أفعل (٢). وفي المضارع «أهريد».
وربّما أبدلوها / من همزة الاستفهام ، وقالوا : «هزيد ١٣٤ منطلق» في : أزيد منطلق. قال (٣) :
وأتى صواحبها ، فقلن : هذا الذي |
|
منح المودّة غيرنا ، وجفانا؟ |
وقد (٤) قالوا : «أنرت الثّوب» وهنرته. وهو : أفعلت
__________________
(١) انظر ص ٢٠٦ ـ ٢٠٨.
(٢) سقط «أن أفعل» من ش.
(٣) جميل بن معمر. انظر تخريجه في الممتع ص ٣٩٩ ـ ٤٠٠.
(٤) سقط من ش.
من النّير.
وقد قالوا في الهمزة الأصليّة «هيّاك» يريدون : إيّاك. قال (١) :
فهيّاك والأمر الذي إن توسّعت |
|
موارده ضاقت عليك مصادره |
وقد قرىء (٢) : هيّاك نعبد ، وهيّاك نستعين. وربّما فتحوا الهمزة وأبدلوها هاء ، فقالوا : «هيّاك».
وقالوا : «لهنّك قائم» ، يريدون : لإنّك قائم. قال (٣) :
ألا ، ياسنا برق ، على قلل الحمى |
|
لهنّك ، من برق ، عليّ كريم |
وقالوا : «هن فعلت فعلت» في : إن فعلت فعلت (٤).
__________________
(١) انظر ص ٢٨٣ و ٣٠٤. وفي الأصل : «مصادره» وقد محا أحدهم الضمير ، وألحق بالكلمة أل التعريف. وسقط من ش : «الذي ... مصادره» وعوض منه كلمة «البيت».
(٢) الآية ٥ من سورة الفاتحة.
(٣) محمد بن مسلمة. انظر تخريجه في الممتع ص ٣٩٨. وهو في شرح المفصل ٩ : ٢٥.
(٤) سقط «في : إن فعلت فعلت» من الأصل.
وقال بعضهم ، في قولهم (١) «هات» : إنّ الهاء بدل من همزة «آت» ، لقولهم : آتى يؤاتي. فأمّا قوله (٢) :
* لله ما يعطي ، وما يهاتي*
فيدلّ أنهما لغتان ، وليست إحداهما بدلا من الأخرى ، لتصرّف كلّ واحدة منهما بالأمر والمضارع ، كتصرّف الأخرى. وليس جعل أحدهما أصلا والآخر فرعا أولى (٣) من العكس.
وقد قرىء (٤) : (طه ، ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى) ، قيل : المراد «طأ» ، والهاء بدل من الهمزة ، لأنه قد ورد أنّ النبي ، صلىاللهعليهوسلم ، كان يرفع إحدى رجليه في صلاته ، ويعتمد على الأخرى.
وقد قالوا في قوله (٥) :
__________________
(١) في الأصل : قوله.
(٢) في اللسان والتاج (هنا) برواية «والله». وفسر يهاتي بمعنى : يأخذ. فقوله ما يهاتي أي : ما يأخذ.
(٣) ش : بأولى.
(٤) الآيتان ١ و ٢ من سورة طه. وانظر البحر المحيط ٦ : ٢٢٤.
(٥) صدر بيت لذي الرمة. ديوانه ص ٦٢٢ والكتاب ٢ : ١٦٨ والمقتضب ١ : ١٦٣ والخصائص ٢ : ٤٥٨ وشرح شواهد
* هيا ظبية الوعساء ، بين حلاحل*
: إنّ الهاء بدل من همزة «أيا» في النداء ، لغلبة استعمال : أيا.
وهذا (١) البدل وإن كثر (٢) فهو قليل ، بالنسبة إلى ما لم ١٣٥ يبدل ، فلا يجوز (٣) القياس عليه. فلا تقول (٤) في أحمد / : «هحمد» ، ولا في إبراهيم : «هبراهيم» ، ولا في أترجّة : «هترجّة». بل تتّبع (٥) ما قالوا ، وتقف (٦) حيث انتهوا (٧).
__________________
الشافية ص ٣٤٧ ـ ٣٤٨ والانصاف ص ٤٨٢ والآمالي ٢ : ٦١ وأمالي ابن الشجري ١ : ٣٢١ واللسان والتاج (جلل) والكامل ص ٧٨٠ وشرح المفصل ٩ : ١١٩. وعجزه : وبين النّقا ، آأنت أم أمّ سالم؟
والوعساء : الأرض اللينة ذات الرمل. وحلاحل : موضع. والنقا : التل من الرمل.
(١) في الأصل : فهذا.
(٢) ش : «كثرت عدته». وفي شرح المفصل : «كثر عنهم».
(٣) في الأصل : «ولا يجوز».
(٤) في الأصل : «ولا نقول».
(٥) في الأصل : «يتّبع».
(٦) في الأصل : «يوقف». ش : «توقف». والوجه من شرح المفصل.
(٧) في حاشية الأصل : بلغ.
قال صاحب الكتاب : وتبدل أيضا من الواو ، في قول امرىء القيس (١) :
وقد رابني قولها : يا هنا |
|
ه ، ويحك ، ألحقت شرّا بشرّ |
هي «فعال» من «هنوك». وأصلها «هناو» ، أبدل من الواو الهاء (٢). وهذا هو الصحيح فيها (٣) ، لا ما رآه أبو زيد وأبو الحسن.
قال الشارح (٤) : قولهم «يا هناه» ممّا اختصّ به النّداء ، ولم يستعمل في غيره ، كما قالوا فيه : «يالكاع» و «يا خباث» ، ولم يستعملوه في غير النداء. وقد اختلف الناس في هائه الأخيرة ، والصحيح فيها ما ذهب إليه صاحب الكتاب ، من أنّها بدل من الواو التي هي لام الكلمة في «هنوك» و «هنوات» ، من (٥) قوله (٦) :
* على هنوات ، شأنها متتابع*
__________________
(١) ديوانه ص ٦٠ وشرح المفصل ١٠ : ٤٣ والملوكي ص ٤٥.
(٢) الملوكي : فأبدلت الهاء من الواو.
(٣) سقط من الملوكي.
(٤) ش : «قال شيخنا موفق الدين». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٤٣ ـ ٤٤.
(٥) في الأصل : ومن.
(٦) انظر ص ٢٩٨ ـ ٢٩٩ و ٣١١ و ٣١٤.
وكان أصلها «هناو» (١) على زنة «فعال» ، فأبدلت الواو هاء ، فقالوا : هناه.
هذا قول المحقّقين ، وقد ذهب أبو زيد إلى أنّ الهاء لحقت بعد الألف في الوقف ، لخفاء الألف ، كما لحقت الندبة في نحو «وازيداه». وحرّكت تشبيها بالهاء الأصليّة. ويحكى هذا القول أيضا عن أبي الحسن. والألف عندهما بدل من الواو التي هي لام الكلمة.
وهو قول واه ، من قبل أنّ هاء السّكت إنّما تلحق في الوقف ، فإذا صرت إلى الوصل حذفتها البتّة ، فلم توجد لا ساكنة ولا متحرّكة. ولذلك ردّ قول المتنبّي (٢) :
* وا حرّ قلباه ، ممّن قلبه شبم*
لكونه أثبت هاء السكت وحرّكها.
١٣٦ وذهب آخرون إلى أنّ الهاء / في «يا هناه» أصل ، وليست
__________________
(١) في الأصل : هناوا.
(٢) ديوانه ٣ : ٣٦٢. وهو صدر مطلع قصيدة ، وعجزه : ومن بجسمي ، وحالي ، عنده سقم والشيم : البارد.
بدلا ، وإنما هي لام الكلمة ك : «سنة» و «عضة» و «شفة». وهو قول ضعيف ، لقلّة باب «سلس وقلق».
وحكى (١) الثّمانينيّ قولا آخر ، أنهم أبدلوا الواو همزة ، لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة ، ثم أبدلوا من الهمزة هاء. فعلى هذا تكون الهاء بدلا من همزة ، أبدلت من الواو.
قال صاحب الكتاب : وتبدل الهاء (٢) من الياء في «ذه» بمعنى : «ذي» ، ومنها في «هنيهة» تحقير : هنة. وكانت «هنيّة». والأصل الأوّل : «هنيوة» (٣). قال الشاعر (٤) :
أرى ابن نزار قد جفاني ، وملّني |
|
على هنوات ، شأنها متتابع |
وتبدل من الألف ، تقول في هنا : «هنه». قال الشاعر (٥) :
__________________
(١) سقطت الفقرة من ش. والثمانيني هو عمر بن ثابت ، عالم بالعربية من سكان بغداد ، له شرح على التصريف الملوكي. وتوفي سنة ٤٤٢. إرشاد الأريب ٦ : ٤٦.
(٢) زاد في الملوكي : أيضا.
(٣) زاد في الملوكي : لأنها من هنوات.
(٤) انظر ص ٢٩٨ و ٣٠٩ و ٣١٤.
(٥) سقط من الملوكي. والرجز تخريجه في الممتع ص ٤٠٠. وهو
قد وردت من أمكنه |
|
من ههنا ، ومن هنه |
قال الشارح (١) : «ذا» إشارة إلى حاضر مذكّر ، والمؤنّث «تا» و «ذي». وليست الياء في «ذي» للتأنيث ، إنما هي عين الكلمة ، والتأنيث يفهم من نفس الصّيغة ، كما قلنا في «بنت» و «أخت». وتبدل منها الهاء ، فيقال : «ذه». والذي يدلّ على أنّ الياء هي الأصل ، والهاء مبدلة منها ، قولهم في تصغير ذه وذي جميعا : «ذيّا» كالمذكّر ، فتعود الهاء إلى الياء. ولو كانت الهاء هي الأصل لظهرت في التّصغير.
وإذا ثبت أنّ الهاء بدل من الياء ، فكما أنّ الياء ليست للتأنيث فكذلك الهاء أيضا ليست (٢) للتأنيث ، إذ لو كانت للتأنيث لكانت زائدة. وهي ههنا بدل من عين الكلمة ، كما أنّ ميم «فم» بدل من الواو ، وهذا نصّ سيبويه (٣) ، مع أنّ هاء التأنيث تكون
__________________
أيضا في الملوكي ص ٤٧ وشرح المفصل ٣ : ١٣٨ و ٤ : ٦ و ٩ : ٨١. وانظر ص ٣١٥.
(١) ش : «قال شيخنا موفق الدين». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٤٣ ـ ٤٥.
(٢) سقط من ش.
(٣) زاد في ش : رحمهالله.
١٣٧ في الوصل تاء ، نحو : حمزة ، وطلحة ، وقائمة ، وقاعدة. / وهذه هاء وصلا ووقفا.
واعلم أنّ من العرب من يسكّن هذه الهاء ، وصلا ووقفا ، كما كانت الياء. ومنهم من يشبّهها (١) بهاء الإضمار ، لكونها متصلة باسم مبهم غير متمكّن ، فيكسرها في الوصل ، فيقول : «هذهي هند» و «هذهي جمل» ، كما يقول : مررت بهي ، ونظرت إلى غلامهي. ويردفها بياء ، لبيان كسرة الهاء. ومن يقول ذلك يقف على الهاء ساكنة. ومما يدلّ على أنّ الياء لبيان الحركة ، وأنّ الهاء ليست للتأنيث ، أنك لو سمّيت رجلا ب «ذه» (٢) لأعربت ونوّنت ، فقلت : هذا (٣) ذه ، ورأيت ذها ، ومررت بذه. فتحذف الياء للاستغناء عنها بالحركات ، وتصرفه. ولو كانت الهاء للتأنيث لم تصرفه ، كما لم تصرف «حمزة ، وطلحة». وهذا واضح.
وقد قالوا : «هنيهة» ، فأبدلوا الهاء من الياء في «هنيّة» تصغير هنة. وأصلها «هنيوة» لأنها من الواو ، لقولهم :
__________________
(١) في الأصل : شبهها.
(٢) ش : هذه.
(٣) ش : هذه.
هنوات ، من قوله (١) :
* على هنوات ، شأنها متتابع*
فلما اجتمعت الواو والياء ، وقد سبق الأول منهما بالسكون ، قلبت الواو ياء ، وأدغمت الياء في الياء ، على حدّ «سيّد» و «ميّت». ثم أبدلوا الهاء من الياء الثانية ، فصارت : هنيهة.
فإن قيل : فهلّا قلتم إنّ الهاء مبدلة من الواو الأصليّة ، المبدلة منها الياء (٢)! قيل : لمّا كان الإبدال في الواو ، إذا اجتمعت معها الياء ، وقد سبق الأوّل منهما بالسكون ، لازما ، والأصل يقدّر تقديرا من غير أن يستعمل ، صار كالمعدوم ، وصارت الياء كأنها أصل ؛ ألا ترى ١٣٨ أنّ (٣) «دولجا» / أوقع في جميع مواقع «تولج» ، وإن كان بدلا من بدل ، لأجل أنّ الأصل الذي هو (٤) «وولج» غير مستعمل ، وإنما هو شيء يقدّر بمقتضى الاشتقاق.
ومن قال (٥) : إنّ النون في «صنعانيّ» بدل من همزة
__________________
(١) انظر ص ٢٩٨ و ٣٠٩ و ٣١١.
(٢) سقط من ش.
(٣) سقط من ش. والدولج : كناس الوحش.
(٤) سقط من ش.
(٥) انظر ص ٢٨٥.
«صنعاء» ، لزمه عندي أن تكون الهاء هنا بدلا من الواو ، لأنّ البدل في الموضعين لازم ، والأصل فيهما غير مستعمل.
فأما قول الشاعر (١) :
قد وردت من أمكنه |
|
من ههنا ، ومن هنه |
فالهاء بدل من الألف. كأنّه كره الوقف على الألف لخفائها ، فأبدل منها الهاء ، لتقاربهما في المخرج.
فأمّا قولهم «أنه» ، في الوقف على «أن» ، فيجوز أن تكون الهاء بدلا من الألف في «أنا». وهو الأمثل ، لأنّ الأكثر في الاستعمال إنما هو «أنا» بالألف ، والهاء قليلة (٢). ويجوز أن تكون الهاء لبيان الحركة كالألف ، ولا تكون (٣) بدلا منها.
__________________
(١) انظر ص ٣١١ ـ ٣١٢.
(٢) في الأصل : قليل.
(٣) ش : ولا يكون.
ابدال الطاء
قال صاحب الكتاب : إذا كانت فاء «افتعل» صادا أو ضادا أو طاء أو ظاء ، قلبت تاؤه طاء. وذلك قولك (١) في افتعل من الصّلح : «اصطلح» ، ومن الضّرب : «اضطرب» ومن الطّرد : «اطّرد» ومن الظّلم : اظّلم و «اظطلم» (٢) ، واطّلم. وينشد (٣) :
* ويظلم أحيانا ، فيطّلم*
ويظطلم ، ويظّلم ، وينظلم. و [كذلك](٤) تصرّفه ، نحو
__________________
(١) سقط من الملوكي.
(٢) سقط «واظطلم ... وينظلم» من الملوكي.
(٣) قسيم بيت لزهير. وتمامه :
هو الجواد الذي يعطيك نائله |
|
عفوا ، ويظلم أحيانا ، فيطّلم |
شعر زهير ص ١٠٠ وشرح المفصل ١٠ : ٤٧ وشرح شواهد الشافية ص ٢٤٣. وانظر ص ٣١٩.
(٤) من الملوكي. وفي الأصل : وتصرّفه.
«يضطرب» و «يصطلح». وأصله : اضترب ، واصتلح ، واطترد ، واظتلم. ففعل ما ذكرناه (١).
قال الشارح : اعلم أنّ (٢) هذا الإبدال ممّا وجب ولزم ، حتّى صار الأصل فيه مرفوضا ، لا يتكلّم به البتّة ، كما لزم ١٣٩ الابدال / في «قال» و «باع» ، أصلهما «قول» و «بيع» ، ولا يتكلّم بهما على الأصل ، وفي «سيّد» و «ميّت» ، أصلهما «سيود» و «ميوت» ، ولا يتكلّم به.
والعلّة في هذا الإبدال أنّ الصّاد والضّاد والطّاء والظّاء من حروف الاستعلاء ، وهي مطبقة ، والتاء حرف مهموس منفتح غير مستعل ، فكرهوا الإتيان بحرف بعد حرف يضادّه وينافيه. فأبدلوا من التاء طاء ، لأنهما من مخرج واحد (٣) ؛ ألا ترى أنّه لو لا إطباق الطاء لكانت دالا ، ولو لا جهر الدال لكانت تاء. فمخرج هذه الحروف واحد ، إلّا أنّ ثمّة (٤) أحوالا تفرّق بينهنّ ، من
__________________
(١) الملوكي : ما ذكرنا.
(٢) ش : «قال الشارح شيخنا موفق الدين : إن». وانظر شرح المفصل ١٠ : ٤٦ ـ ٤٨.
(٣) في حاشية الأصل : «أي : يقاربه».
(٤) ش : ثمّ.
الإطباق والجهر والهمس. وفي الطاء استعلاء وإطباق يوافق ما قبله ، ليتجانس (١) الصوت ، ويكون العمل من وجه واحد ، فيكون أخفّ عليهم.
ومثله قولهم في مصدر «مزدر» ، أبدلوا من الصاد الزّاي ، لأنها أختها في المخرج والصفير ، وموافقة للدال (٢) في الجهر. كأنهم كرهوا مجيء الدال ، وهو حرف مجهور شديد ، بعد همس الصّاد وضعفها. ومثله قولهم : سويق وصويق ، وسراط وصراط. وكذلك الإمالة في نحو «كتاب» و «عالم». الغرض من ذلك كلّه تجانس الصوت ، وتقريب بعضه من بعض ، والملائمة بينهما.
فلذلك قالوا «اصطبر» وأصله «اصتبر» : افتعل من : الصّبر. وكذلك ما تصرّف منه ، نحو «يصطبر» و «مصطبر» ، لأنّ العلّة الموجبة للقلب ، في الفعل الماضي ، موجودة في المضارع ، وما تصرّف منهما (٣). ف «اضطرب» : افتعل من : الضّرب ، و «اطّرد» : افتعل من : الطّرد ،
__________________
(١) ش : لتجانس.
(٢) في الأصل : «ويوافقه الدال». وتحتها : «إي الدال الزاي».
(٣) ش : منها.
١٤٠ و «اظطلم» : افتعل من : الظّلم. وكذلك ما تصرّف / منها ، نحو : يطّرد ، ومطّرد ، ويضطرب ، ومضطرب ، ويظطلم ، ومظطلم. قال الشاعر (١) :
* ويظلم أحيانا ، فيظطلم*
قال أبو عثمان (٢) : «هذا هو الكلام الصحيح. ومن العرب من يبدل التاء إلى ما قبلها : فيقول : اصّبر يصّبر ومصّبر ، واضّرب يضّرب فهو مضّرب. وقد قرىء (٣)(٤) أَنْ يُصْلِحا يريد : يصطلحا». كأنّ هؤلاء لمّا أرادوا ما ذكرناه من تجانس الصوت ، وتشاكله ، قلبوا الحرف الثاني إلى لفظ الأوّل ، وأدغموه فيه ، لأنه أبلغ في الموافقة والمشاكلة.
ومن العرب من إذا بنى ممّا فاؤه ظاء معجمة «افتعل» أبدل التاء طاء غير معجمة ، ثمّ يبدل من الظاء التي هي فاء طاء أيضا ، لما بينهما من المقاربة ، ثمّ يدغمها في الطاء المبدلة من تاء «افتعل» ، فيقول :
__________________
(١) انظر ص ٣١٦. وفي الأصل : «فيطّلم». ش : «فيظّلم».
(٢) المنصف ٢ : ٣٢٤ ـ ٣٢٧. وفي النقل تصرف.
(٣) الآية ١٢٨ من سورة النساء. وانظر الكشاف ١ : ٥٧١.
(٤) أقحم ههنا في الأصل : «إلى» وفي ش : «إلّا».
«اطّهر (١) بحاجتي» و «اطّلم». والأصل : اظتهر ، واظتلم.
ولا يفعلون ذلك مع الصاد والضاد ، لئلّا يذهب صفير الصاد ، وتفشّي (٢) الضّاد ، بالإدغام.
والصحيح المذهب الأوّل ، وذلك لأنّ المطّرد أنه إذا أريد الإدغام قلب الحرف الأول إلى لفظ الثاني. ولذلك ضعف الوجه الثاني ، لأنّ فيه قلب الثاني إلى لفظ الأوّل. فإذا الوجه الثالث أقيس من الوجه الثاني ، وإن كان (٣) الثاني أكثر منه. وينشد بيت زهير (٤) :
هو الجواد الذي يعطيك نائله |
|
عفوا ، ويظلم أحيانا ، فيطّلم |
ويروى «فيظّلم» ، على حدّ «اصّبر» و «اضّرب» على الوجه ١٤١ الثاني ، وهو قلب الثاني إلى لفظ الأوّل ، / وإدغام الأوّل (٥) في الثاني ، وهو شاذّ في القياس ، وإن كان كثيرا في الاستعمال.
__________________
(١) في الأصل : اظهر.
(٢) في حاشية الأصل : وهو اتساع اللسان.
(٣) زاد في ش : الوجه.
(٤) انظر ص ٣١٦.
(٥) سقط «وإدغام الأول» من ش.