شرح الملوكى في التّصريف

ابن يعيش

شرح الملوكى في التّصريف

المؤلف:

ابن يعيش


المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢

كذلك (١). بل يلزم الكسر (٢) كما لم يختلف باب : غزا يغزو. فلزوم الكسر هنا كلزوم الضمّ هناك. إلّا أن تكون (٣) العين حرف حلق ، فإنه يفتح ، قالوا : نأى ينأى ، ورأى يرى ، ونهى ينهى. فجاء على «يفعل» مفتوحا ، من أجل الهمزة والهاء.

وأمّا (٤) «فعل» بكسر العين فيكون متعدّيا نحو : خشي وهوي ، وغير متعدّ نحو : ردي (٥) الكافر ، وغوي (٦) الفصيل. والمضارع منهما «يفعل» بالفتح نحو : يخشى ، ويهوى ، ويردى ، ويغوى.

وأما «فعل» فقد قالوا : قضو الرّجل ، ورمو ، إذا حذق القضاء ، وأجاد الرّمي. وهو من الياء ؛ ألا ترى إلى ظهورها في : قضيت ، ورميت. والمضارع منه : يقضو ، ويرمو.

ولا يختلف ذلك. فاعرفه.

__________________

(١) تحتها في الأصل : «أي يختلف».

(٢) ش : الكسر.

(٣) ش : يكون.

(٤) في الأصل : فأما.

(٥) ردي : هلك.

(٦) غوي : بشم من اللبن وفسد جوفه.

٦١

(١) القسم الثاني ، من تصرف الفعل ، وهو : يفعل :

اعلم أنّ هذا البناء يختصّ به المضارع ، وهو يشمل الحاضر والمستقبل. وقد تقدّم الكلام على أبنيته. ويلزم حرف المضارعة في أوّله ، لإفادة المعاني المفادة منها. وسيأتي الكلام على حروف المضارعة (٢) ٢٢ في فصل زيادة الحروف ، / من هذا الكتاب ، إن شاء الله تعالى. ويسكن ما بعد حرف المضارعة منه (٣) في الثلاثيّ أبدا. نحو : يضرب ، ويعلم ، ويشرف. وإنّما سكّن لئلّا تتوالى في الكلمة أربع متحرّكات لوازم. وذلك معدوم في كلامهم.

فإن قيل : فأنت تقول : يعد (٤) ، ويقول ، ويشدّ ، ولا تسكّن ما بعد حرف المضارعة منه (٥)! قيل : «يعد» وشبهه الفاء الساكنة منه محذوفة ، وأصله : «يوعد». وأما «يقول» و «يشدّ» ونحوهما من المضاعف والمعتلّ العين ، فالحركة فيه عارضة ، لأنها منقولة من العين إلى الفاء ، وأصلها (٦) : يقول ويشدد (٧) ، على ما سيأتي (٨).

فأمّا الرّباعيّ فلا يلزم إسكان الفاء منه كما لزم في الثلاثي ، لأنّ

__________________

(١) زاد في ش : فصل.

(٢) انظر ٧٢ ـ ٧٣.

(٣) سقط من الأصل.

(٤) زاد في ش : «ويردّ». وهو في الأصل أيضا إلا أنه ضرب عليه بالقلم.

(٣) سقط من الأصل.

(٥) في الأصل : فأصلها.

(٦) ش : ويردد.

(٧) انظر ١٩٦ ـ ٢٠١.

٦٢

السكون قد لزم عينه ، فاستغني عن إسكان الفاء منه.

(١) القسم الثالث ، وهو : افعل :

اعلم أنّ «افعل» بناء يختصّ به الأمر ، وتلزم همزة الوصل ما سكن ثانيه. جعلوها وسيلة إلى النطق بالساكن. فأمّا : «قم» و «ردّ» فالحركة وإن كانت عارضة فيهما ، لكنّه لمّا اطّرد فيه الإعلال ، حتّى صار الأصل مهجورا ، صارت الحركة في الفاء كالأصل ، فلم يحتج إلى همزة الوصل.

القسم الرابع ، وهو : لا تفعل :

وهو بناء يختصّ به النهي ، وزمانه المستقبل ، وقد تقدّم الكلام على هذه الصيغة بما فيه مقنع.

__________________

(١) زاد في ش : فصل.

٦٣

فصل

القسم الثاني

وهو تصرف الفعل بزيادة

وذلك على ثلاثة أضرب (١) : موازن (٢) للرباعيّ على سبيل الإلحاق ، وموازن (٣) له من غير إلحاق ، وغير (٤) موازن.

فالضرب الأول ، وهو الملحق ، وهو قسمان : أحدهما إلحاق بتكرير حرف من / الفعل. نحو : «جلبب» و «شملل» ٢٣ إحدى اللامين زائدة ، لأنّه من الجلب والشّمل. وإنما كرّرت اللام فيهما للإلحاق ب «دحرج» و «وسرهف» ، فصار موازنا لهما في عدد حروفه ، ومثلهما (٥) في حركاته وسكناته ، ولذلك لم يدغم

__________________

(١) انظر شرح المفصل ٦ : ٤٧ ـ ٥٠ و ٧ : ١٥٤ ـ ١٥٦.

(٢) ش : موازن.

(٣) ش : وغير.

(٤) كذا.

(٥) في الأصل وش : «ومثله».

٦٤

المثلان فيهما ، كما أدغم في : شدّ ومدّ ، لئلّا تزول الموازنة ، فيكون نقضا للغرض. وهذا القبيل من الإلحاق مطرّد مقيس ، حتّى لو اضطرّ شاعر أو ساجع إلى مثل «ضربب» و «خرجج» لجاز له الاستعمال ، وإن لم يسمعه من العرب ، لكثرة ما جاء عنهم من ذلك. ولا أعلمه (١) جاء إلّا متعدّيا (٢).

القسم الثاني من الإلحاق : ما كان بزيادة حرف من حروف الزيادة التي هي «اليوم تنساه». وذلك نحو زيادة الواو في : حوقل ، والياء في : شيطن وبيطر ، والألف في : سلقى وقلسى ، والنون في : قلنس. فهذا كلّه ملحق ب «دحرج» و «سرهف». ويكون متعدّيا وغير متعدّ. فالمتعدّي نحو : صومعته (٣) وبيطرته. وغير المتعدّي نحو : حوقل (٤) وسيطر (٥). وهذا القبيل مقصور على السّماع لقلّته.

ومضارع هذه الأفعال كمضارع الرباعيّ ، نحو : يشملل ،

__________________

(١) تحته في الأصل : «أي : فعلل».

(٢) كذا وقالوا : شملل بمعنى أسرع.

(٣) صومعته : سوّيت له صومعة.

(٤) حوقل الرجل : كبر وعجز عن الجماع.

(٥) ش : «بيقر». وبيقر : هلك.

٦٥

ويجلبب ، ويحوقل ، ويبيطر.

ومصدره : الشّملله ، والجلببة ، والحوقلة ، والبيطرة ؛ كمصدر الرباعيّ نحو : الزّلزلة ، والقلقلة. وربما جاء على «فعلال» (١) نحو : حيقال وسلقاء ، قال الشاعر (٢) :

يا قوم ، قد حوقلت ، أو دنوت

وبعد (٣) حيقال الرّجال الموت

فالحيقال مصدر كالزّلزال والسّرهاف. واعتبار الإلحاق بالمصدر الأوّل ، لأنه أغلب في الرباعيّ وألزم. وربما لم يأت منه فعلال (٤) ، ٢٤ قالوا : دحرجته دحرجة. ولم يسمع (٥) فيه : دحراج. / ولذلك قال سيبويه (٦) : «تقول : دحرجته دحرجة واحدة ، وزلزلته

__________________

(١) ش : «فيعال». وكل منهما لا يفي بالمراد. والصواب : «فيعال أو فعلال».

(٢) رؤبة. ديوانه ص ١٧٠ والمقتضب ٢ : ٩٦ والمخصص ١ : ١٤ وشرح المفصل ٧ : ١٥٥ والصحاح واللسان والتاج (حوقل).

(٣) في ش وحاشية الأصل عن نسخة أخرى : «وشرّ».

(٤) ش : فيعال.

(٥) كذا ، وسمع دحراج. انظر القاموس والتاج (دحرج).

(٦) زاد في ش : «رحمه‌الله». وانظر الكتاب ٢ : ٢٤٦.

٦٦

زلزلة واحدة. تجيء بالواحدة (١) على المصدر الأغلب الأكثر».

* * *

الضرب الثاني : وهو الموازن من غير إلحاق. وهو ثلاثة أبنية : أفعل ، وفعّل ، وفاعل. نحو : أكرم ، وكسّر ، وقاتل. فهذه الأبنية وإن كانت على وزن «دحرج» ، في حركاته وسكناته ، فذلك شيء كان بحكم الاتفاق ، وليست الموازنة فيها مقصودة. والذي يدلّ على ذلك أنك تقول : أكرم إكراما ، وكسّر تكسيرا ، وقاتل مقاتلة وقتالا. فلم تأت مصادرها على نحو «الدّحرجة» و «الزّلزلة». فلمّا اختلفت المصادر علم أنها ليست للإلحاق ، وإن اتفقت في المضارعة ، لأن الاعتبار بالمصادر التي هي أصلها. وشيء آخر يدلّ على ما ذكرناه ، أنّ ما زيد للإلحاق ليس الغرض منه إلّا إتباع لفظ للفظ لا غير ، نحو واو «جهور» (٢) دخلت لإلحاق هذا البناء الثلاثيّ ببناء «دحرج» الرباعيّ. فهو شيء يخصّ اللفظ ، من غير أن يحدث معنى. وهذه الأبنية الثلاثة ، التي هي : أفعل وفصّل

__________________

(١) في الأصل وش : «بالواحد». والتصويب من الكتاب.

(٢) في حاشية الأصل : «بمعنى جهر».

٦٧

وفاعل ، فالزيادة في كلّ بناء منها أفادت معنى لم يكن قبل ، على ما سيذكر.

فأما «أفعل» فذكر سيبويه (١) أنه يدلّ على عشرة معان. وقد أفرد أهل اللغة في «فعل وأفعل» كتبا. ونحن نذكر من ذلك ما لا بدّ منه ، وهي خمسة معان :

منها أن يجيء لنقل غير المتعدّي إلى المتعدّي ، وهو الغالب على هذا البناء. ومعنى ذلك أن يجعله مفعولا للفعل الذي كان له ، نحو : ذهب وأذهبته ، وخرج وأخرجته. قال الله تعالى (٢) : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ.) وقال (٣) : (كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ ؛)(٤) ألا ترى أنه حدث بالهمزة تعدّ لم يكن قبل.

٢٥ الثاني : / أن يجيء للسّلب ، كقولهم : أعجمت الكتاب ، أي : أوضحته وأزلت عجمته. وأشكيت الرّجل ، وأعتبته : أزلت شكايته ، وعتبه. قال الشاعر (٥) :

__________________

(١) الكتاب ٢ : ٢٣٣ ـ ٢٣٧. وانظر شرح المفصل ٧ : ١٥٩.

(٢) الآية ٢٠ من سورة الأحقاف.

(٣) الآية ٢٧ من سورة الأعراف.

(٤) سقط «تعالى ... أبويكم» من ش ، وموضعه بياض.

(٥) الصحاح واللسان (شكا).

٦٨

تمدّ بالأعناق ، أو تلويها

وتشتكي ، لو أنّنا نشكيها

وفي الحديث (١) : «شكونا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حرّ الرّمضاء ، فلم يشكنا» ، أي : لم يفسح لنا في إزالة ما نشكوه.

الثالث : أن يكون بمعنى الدعاء ، نحو قولهم : سقيته فشرب ، وأسقيته : قلت له : سقاك الله. قال الشاعر (٢) :

وقفت على ربع ، لميّة ، نافتي

فما زلت أبكي عنده ، وأخاطبه

وأسقيه ، حتّى كاد (٣) ممّا أبثّه

تكلّمني أحجاره ، وملاعبه

أي : أدعو له بالسّقيا.

الرابع : أن يكون للصّيرورة ، نحو قولك : أصبحنا وأمسينا وأفجرنا. أي : صرنا في هذه الأوقات. قال الشاعر (٤) :

__________________

(١) المسند ٥ : ١٠٨ و ١١٠ والنهاية واللسان والتاج (شكا).

(٢) في الأصل : «الفرزدق». والبيتان لذي الرمة. انظر الممتع ص ١٨٧.

(٣) في الأصل وش : «كدت». والصواب ما أثبتنا.

(٤) شرح المفصل ٧ : ١٠٤ واللسان والتاج (فجر). وفي

٦٩

فما أفجرت ، حتّى أهبّ بسحرة

علاجيم ، عين ابني صباح تثيرها

ومنه : أشملنا ، وأجنبنا ، وأصبينا ، أي : دخلنا في أوقات هذه الرّياح. ومنه : أدنف الرّجل ، كأنه دخل في وقت الدّنف (١). وأكثر ما يستعمل ذلك في الأحيان ، وما جرى مجراها.

الخامس : أن يجيء «فعلت» و «أفعلت» بمعنى واحد ، نحو : جدّ في الأمر وأجدّ ، وصددته وأصددته ، وقلته البيع وأقلته ، وبكر وأبكر ، وبدأ الله الخلق وأبدأهم. وأصل ذلك أنّ كلّ واحد منهما لغة لقوم ، ثم تختلط فتستعمل اللغتان.

وأما «فعّل» (٢) فإنه يشارك «أفعل» في أكثر معانيها ، إلّا أنّ أحدهما قد يكثر في معنى ويقلّ في الآخر. ولها معان خمسة :

٢٦ الأوّل : أن تكون للتكثير / ، وهو الغالب على هذا البناء ،

__________________

الأصل وش : «عين ابني صباح يثيرها». وفي حاشية الأصل : «علاجيم : جمع علجوم. وعلجم الليل إذا دخل واشتد ظلامه».

والعلجوم : المسن من الابل والوحش. وصباح : اسم قبيلة.

(١) في حاشية الأصل : «الدنف : السقم».

(٢) انظر شرح المفصل ٧ : ١٥٩.

٧٠

تقول : كسّرت المتاع ، وغلّقت الأبواب ، وقطّعت الثياب ، إذا أردت تكرير الفعل. قال الله تعالى (١) : (جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ.) وقال (٢) : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً.)

وليس المراد من ذلك التعدية ؛ ألا ترى أنّ هذه الأفعال متعدّية من غير تضعيف. إنما المراد بها التكثير ، وأنه وقع شيئا فشيئا ، على تماد وتطاول. ويؤيّد ذلك عندك أنك تقول : موّت الشّاء ، وربّض الغنم ، وبرّك الإبل ، وقوّمت (٣). فتجد الفعل منها غير متعدّ ، كما كان قبل التضعيف. ومن ذلك : يجوّل ، ويطوّف. والتخفيف في ذلك جائز ، إلّا أنّ المخفّف يحتمل القليل والكثير ، والمشدّد خاصّ للكثير. وربّما كثّروا بالهمزة كما كثّروا بالتضعيف ، لاشتراكهما ؛ قالوا : أغلقت الأبواب ، في معنى : غلّقتها. قال الفرزدق (٤) :

ما زلت أغلق أبوابا ، وأفتحها

حتّى أتيت أبا عمرو بن عمّار

__________________

(١) الآية ٥٠ من سورة ص.

(٢) الآية ١٢ من سورة القمر.

(٣) قومت : أصابها القوام ، وهو داء يأخذ في قوائمها. ش : قوّمت.

(٤) ديوانه ص ٣٨٢ والكتاب ٢ : ١٤٨ و ٢٣٧. وأبو عمرو هو ابن العلاء المشهور.

٧١

ومثله : أجدت الشيء وجودته (١). وذلك قليل في الهمزة.

الثاني (٢) : ك «أفعل» المتعدّية ؛ قالوا : فرح وفرّحته ، وغرم وغرّمته ، ونبل (٣) ونبّلته ، ونزل ونزّلته. تريد : حملته على ذلك ، وجعلته يفعله.

الثالث : السّلب والإزالة ، نحو قولهم : قذّيت عينه ، أي :

أزلت قذاها. وقرّعت الفصيل ، أي : أزلت عنه القرع ، وهو بثر يحدث بالفصال. وقرّدته ، أي : أزلت عنه القراد. ومن ذلك مرّضته ، أي : قمت عليه في مرضه ووليته (٤). وقيل في قوله تعالى (٥)(حَتَّى إِذا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ :) إنّ معناه : أزيل ٢٧ الفزع عنها ، نحو : مرّضته : أزلت مرضه. /

الرّابع : الدّعاء له أو عليه ، كقولك : سقّيته ، أي قلت : سقاك الله. وجدّعته (٦) وعقّرته ، أي : قلت له : عقره الله

__________________

(١) ش : جدّدت الشيء وأجددته.

(٢) ش : والثاني.

(٣) في حاشية الأصل : «نبل أي : فضل ، بمعنى صار فاضلا ، فهو نبيل».

(٤) في الأصل : ووليّته.

(٥) الآية ٢٣ من سورة سبأ.

(٦) في حاشية الأصل : «التجديع : تجديع الأنف».

٧٢

وجدعه.

الخامس : التّسعية ، نحو (١) قولك : خطّأته ، وفسّقته وزنّيته (٢) ، أي : سمّيته واستقبلته به.

وأما «فاعل» فله معنيان (٣) :

أحدهما : أن يكون من اثنين ، كلّ واحد منهما يفعل بصاحبه مثل ما يفعل به الآخر ، إلّا أنك ترفع أحدهما وتنصب الآخر ، كأنّ الفعل للمسند إليه دون الآخر. نحو : ضاربته ، وقاتلته ، وشاتمته ، وعازّني فعززته (٤). ويكون كلّ واحد منهما فاعلا ومفعولا في المعنى ، كنت مخيّرا ؛ أيّهما شئت رفعته ونصبت الآخر. ويجوز أن يكون متعدّيا إلى مفعول ثان ، غير الذي يفعل بك مثل فعلك ، نحو : عاطيت زيدا الكأس ، ونازعته المال.

الثاني : أن يجيء لواحد لا يراد به المفاعلة ، نحو : عافاه الله ، وطارقت النّمل (٥) ، وعاقبت اللّصّ ، وسافر زيد.

__________________

(١) في الأصل : وهو.

(٢) ش : زيّنته.

(٣) انظر شرح المفصل ٧ : ١٥٩.

(٤) عازني فعززته أي : غالبني فغلبته.

(٥) طارقت النمل : صيرتها طاقا فوق طاق.

٧٣

فلمّا كان بناء هذه الصّيغ يحدث فيها هذه المعاني دلّ أنها ليست للإلحاق. فاعرفه.

* * *

الضرب الثالث : غير الموازن. وهو عشرة أبنية (١) : تفعّل ، وتفاعل ، وانفعل ، وافتعل ، وافعلّ ، واستفعل ، وافعالّ ، وافعوعل ، وافعوّل ، وافعنلل. منها اثنان ليس في أوّلهما همزة ، وثمانية قد لزمت أوّلها همزة الوصل لسكونه. وإنّما سكنت أوائلها لئلّا يتوالى فيها أكثر من ثلاث متحرّكات ؛ ألا ترى أنّا لو حرّكنا النون من «انطلق» ، والطاء واللام والقاف متحرّكات ، لتوالى أربع متحرّكات ، وذلك مفقود في كلامهم. والباقي محمول ٢٨ على ما ذكر. /

فأما «تفعّل» فهو مطاوع «فعّل» ، نحو : كسّرته فتكسّر ، وقطّعته فتقطّع. وهو نظير «فعلته فانفعل» ، نحو : قطعته فانقطع ، وكسرته فانكسر ، إلّا أنّ هذا يكون متعدّيا وغير متعدّ. فالمتعدّي نحو قوله تعالى (٢)(يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ

__________________

(١) كذا وفيها موازنات وملحقات. وانظر شرح المفصل ٧ : ١٥٨ ـ ١٦٢.

(٢) الآية ٢٧٥ من سورة البقرة.

٧٤

مِنَ الْمَسِ) و (تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ)(١). وغير المتعدّي نحو : تحوّب (٢) ، وتأثّم (٣). و «انفعل» لا يكون إلّا غير متعدّ أبدا. ومعنى المطاوعة : أن تريد من الشيء أمرا ، إمّا أن يفعله إن كان ممّن يصحّ منه الفعل ، وإمّا أن يكون المحلّ قابلا للفعل ، فيصير إلى مثل حال من يصحّ منه الفعل. ولهذا البناء (٤) معان ستة (٥) :

الأوّل منها : تكلّف الأمر وتعاطيه. قال سيبويه (٦) «وإذا أراد الرّجل أن يدخل نفسه في (٧) أمر ، حتى يضاف إليه ، ويكون من أهله ، فإنك تقول : تفعّل. مثل (٨) : تشجّع ، وتبصّر (٩) ، وتجلّد ، وتحلّم. قال حاتم (١٠) :

__________________

(١) الآية ١١٧ من سورة الأعراف ، والآية ٤٥ من سورة الشعراء.

(٢) تحوب : ألقى الحوب عن نفسه. وفي حاشية الأصل : «الحوب : الذنب».

(٣) تأثم : ألقى الاثم عن نفسه. وفي حاشية الأصل : «أي : صار ذا إثم».

(٤) أي : تفعّل.

(٥) سقط من ش.

(٦) الكتاب ٢ : ٢٤٠.

(٧) في الأصل : إلى.

(٨) الكتاب : وذلك.

(٩) في الأصل : تنصّر.

(١٠) الكتاب : «وتبصّر وتحلّم وتجلّد وتمرّأ ، وتقديرها : تمرّع ، أي : صار ذا مروءة. وقال حاتم الطائي». وانظر البيت في

٧٥

تحلّم عن الأدنين ، واستبق ودّهم

ولن تستطيع الحلم ، حتّى تحلّما

ومنه قيل : تقيّس وتنزّر ، أي : أدخل نفسه في قيس ونزار ، حتى يضاف إليهما.

الثاني : أن يكون بمعنى «استفعل» في الطلب. قالوا : تنجّز حوائجه ، أي : استنجزها. ومنه قالوا : تعظّم واستعظم ، وتكبّر واستكبر ، وتيقّن واستيقن ، وتبيّن واستبان. ومنه : تفهّم واستفهم ، وتبصّر ، وتأمّل ، كلّها استثبات.

الثالث : أن (١) يكون بمعنى الإتيان على الشيء ، وأخذه جزءا بعد جزء ، على تماد ومهلة. كقولهم : تجرّعه ، وتحسّاه ، وتفوّق (٢) ، وتنقّصه ، وتسمّع الحديث.

الرابع : أن يكون بمعنى الاتخاذ ، نحو : تديّرت (٣) المكان ،

__________________

الممتع ص ١٨٤ وشرح المفصل ٧ : ١٥٨. وعلق على «الأدنين» في حاشية الأصل بما يلي : «أي : الأقارب».

(١) سقط من ش.

(٢) تفوق الفصيل اللبن : أخذه فواقا بعد فواق.

(٣) ش : تدبرت.

٧٦

وتوسّدت السّاعد ، / أي : اتخذت المكان دارا ، والساعد ٢٩ وسادة.

الخامس : أن يكون بمعنى السّلب. قالوا : تحوّب وتأثّم ، أي : تجنّب الحوب والإثم. ومنه : تهجّد وتحرّج ، أي : تجنّب ذلك.

السادس : قالوا : تظلّمني. قال الشاعر (١) :

تظلّمني حقّي كذا ، ولوى يدي

لوى يده الله ، الذي هو غالبه

ف «تفعّل» ههنا بمعنى «فعل».

وأما «تفاعل» فهو مطاوع «فاعل». وهو على ضربين : يكون متعدّيا وغير متعدّ. فالمتعدّي نحو : تقاضيت الدّين ، وتجارينا الحديث ، وتفاوضناه. قال الشاعر (٢) :

__________________

(١) فرعان بن الأعرف. عيون الأخبار ٣ : ٨٦ ـ ٨٧ ومعجم الشعراء ص ١٨٩ والاصابة ٥ : ٢١٦ والعيني ٢ : ٣٩٨ والعققه والبررة ص ٣٦٠ ـ ٣٦٢ وشرح الحماسة للمرزوقي ص ١٤٤٥ وللتبريزي ٤ : ١٩.

(٢) عمر بن أبي ربيعة. ولفّق المؤلف فيه بين بيتين للشاعر. انظر ديوان عمر ص ١٧١ والكامل ص ٥٥٣ و ٨٢٩.

٧٧

فلمّا تفاوضنا الحديث ، وأسفرت

وجوه ، زهاها الحسن أن تتقنّعا

وغير المتعدّي نحو : تغافل ، وتعاقل. وهو أغلب وأكثر ، نحو :

تضاربنا وتشاتمنا. ذكرت فعل كلّ واحد منكما بالآخر ، ولا مفعول غير كما. وله معان ثلاثة :

أحدها : الإيهام. وهو أن (١) يريك أنه في أمر ، وليس فيه.

نحو : تعاميت ، وتصاممت ، وتعارجت ، وتجاهلت. قال الشاعر (٢) :

* إذا تخازرت ، وما بي من خزر*

فقوله : وما بي من خزر ، دلّ على ما ذكرناه.

الثاني : أن يكون بمعنى «فعل» ، نحو : تجاوزته ، بمعنى : جزته.

__________________

(١) سقط من الأصل.

(٢) أرطاة بن سهية أو طفيل الغنوي أو عمرو بن العاص. انظر الممتع ص ١٨٢ وشرح المفصل ٧ : ٨٠ والمقتضب ١ : ٧٩. وفي حاشية الأصل : «الخزر : ضيق الحدقة. يقال : تخازر الرجل إذا ضيق جفنيه ليحدد نظره للشيء».

٧٨

الثالث : أن يكون بمعنى الطلب ، نحو : تقاضيته الدّين ، أي : استقضيته.

وأمّا «انفعل» فهو بناء المطاوعة ، ولا يكون متعدّيا البتّة. وأصله الثلاثة ، ثم تدخل الزيادة عليه من أوّله ، نحو : قطعته فانقطع ، وسرحته فانسرح ، وحسرته فانحسر. وقالوا : / ٣٠ طردته فذهب. ولم يقولوا : انطرد. استغنوا ب «ذهب» عنه. وقالوا : انطلق ، ولم يستعملوا (١) «فعل» الذي هو (٢) مطاوعه. ومثله (٣) : أزعجته فانزعج ، وأغلقت (٤) الباب فانغلق. كأنّهم طاوعوا به «أفعل». ومثله قوله (٥) :

__________________

(١) كذا! وهو عن الكتاب ٢ : ٢٤٢. وقالوا : طلق بمعنى أطلق. انظر الصحاح والقاموس واللسان والتاج (طلق). ش : ولم يستعمل.

(٢) ش : هذا.

(٣) بل قالوا : زعجه بمعنى أزعجه. الصحاح واللسان والقاموس والتاج (زعج).

(٤) ونقل ابن دريد «غلق» بمعنى أغلق. وقيل : هي لغة رديئة متروكة. انظر الجمهرة والصحاح واللسان والقاموس والتاج (غلق).

(٥) للكميت. وصدره : لا خطوتي تتعاطى غير موضعها انظر تخريجه في الممتع ص ١٩٠. ش : «في حميت السمن». وفي حاشية الأصل : «الحميت : زقّ الدهن».

٧٩

* ولا يدي في حميت السّكن تندخل*

جاء به على : أدخلته فاندخل. وهذا شاذّ.

ولا يكون «فعل» الذي «انفعل» مطاوع له إلّا متعدّيا نحو : كسرته فانكسر. فأمّا قول الشاعر (١) :

وكم منزل ، لولاي ، طحت كما هوى

بأجرامه ، من قلّة النّيق ، منهوي

فاستعمله من «هوى يهوي» ، وهو غير متعدّ كما ترى ، ضرورة ، مع أنّ هذا البيت من قصيدة وقع (٢) فيها اضطراب.

واعلم أنّه لا يقع «انفعل» إلّا حيث يكون علاج وعمل.

ولذلك استضعف بعضهم (٣) : انعدم الشّيء. وقد قالوا : قلت الكلام فانقال ، لأنّ القول له تأثير في تحريك اللسان وإعماله.

وأما «افتعل» فله معان :

__________________

(١) يزيد بن الحكم الثقفي. انظر الممتع ص ١٩١. وتحت «طحت» في الأصل : «أي : هلكت». وفوق «النيق» فيه : «رأس الجبل».

(٢) سقط من الأصل.

(٣) ش : استضعف قولهم.

٨٠