ابن يعيش
المحقق: الدكتور فخر الدين قباوة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: مكتبة العربيّة بحلب
المطبعة: مطبعة مكتبة العربيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٥٢
وقيل : إنه : لمّا وجب إعلال «وعدة» و «وزنة» ، لما ذكرناه ، كان القصد حذف الواو (١) كالفعل ، فنقلوا كسرة الواو إلى العين ، لئلّا تحذف في المصدر واو متحركة ، فيزيد الاسم على الفعل في الإعلال ، والاسم فرع على الفعل في الإعلال ، فإذا لم ينحطّ عن درجة الأصل فيساويه (٢). وأمّا (٣) أن يفوقه فلا.
وفي الجملة أنّه إعلال اختصّ ب «فعلة». ولزمت تاء التأنيث كالعوض من المحذوف. وأمّا (٤) قوله تعالى (٥) : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ) فهو من الشاذّ ، كأنه خرج منبهة على الأصل ، كالقود والحوكة. ويحتمل أن يكون المراد به الاسم لا المصدر ، فلذلك صحّ (٦).
قال / صاحب الكتاب : وإذا كان الماضي على «أفعل» ١٥٠ حذفت همزته في المضارع ، فقلت «أكرم» و «يكرم» ،
__________________
(١) ش : الحذف للواو.
(٢) ومثله في شرح المفصل ١٠ : ٦١. يريد : فهو يساويه.
(٣) شرح المفصل : فأما.
(٤) ش : فأما.
(٥) الآية ١٤٨ من سورة البقرة.
(٦) في حاشية الأصل : بلغ.
و «أحسن» و «يحسن» (١). والأصل : «أؤكرم» و «أؤحسن» ، فحذفت الهمزة الثانية ، لاجتماع الهمزتين. وربما خرج بعض ذلك صحيحا غير محذوف ، على أصله ، قال الراجز (٢) :
* فإنّه أهل ، لأن يؤكرما*
قال الشارح (٣) : كان القياس في تخفيف هذه الهمزة أن (٤) تقلب واوا ، فيقال : «أوكرم» و «أوحسن» ، كما قالوا : «جون» في تخفيف : جؤن. إلّا أنّ التخفيف في «جؤن» جائز ، وفي «أؤكرم» واجب لاجتماع الهمزتين. إلّا أنهم كرهوا قلب الهمزة واوا ، لأنّ حرف المضارعة قبله بعرضيّة الزوال في الأمر ، فتقع الواو أوّلا. وذلك مما يكرهونه ؛ ألا ترى أنهم لا يزيدونها أوّلا ، وإذا وقعت أوّلا تسبّبوا في قلبها إلى غيرها ، نحو : تراث ، وتكأة ، وتخمة ، وأقّتت ، وأجوه ، ووعاء وإعاء ، ووشاح وإشاح ، وأحد ، وأناة. كلّ ذلك كراهية لوقوع الواو أوّلا ، مع
__________________
(١) الملوكي : «فقلت : أكرمت وأكرم ، وأحسنت وأحسين».
(٢) انظر ص ٣٣٩.
(٣) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه».
(٤) ش : بأن.
أنّها بعرضيّة أن يدخل عليها واو العطف فيجتمع واوان. وذلك أبلغ في الثقل ؛ ألا ترى أنهم قالوا ، في واصلة وواقية : «أواصل» و «أواق» ، فقلبوا الواو الأولى همزة ، فرارا من الجمع بين واوين.
فلمّا كان اتّباع القياس يؤدّي إلى ما ذكر ألزموها الحذف ، ثم حملوا سائر الباب عليه ، ليجري على منهاج واحد. في التخفيف ولا يختلف.
وربما جاء على الأصل ، قال الراجر (١) :
* فإنّه أهل ، لأن يؤكرما*
وقال (٢) :
* وصاليات ، ككما يؤثفين*
هو «يؤفعلن» (٣) / من : أثفيت ، وقياسه «يثفين» ، ١٥١ إلّا أنّه جاء على الأصل (٤).
قال صاحب الكتاب (٥) : وأمّا ما حذف للوقف ، أو للجزم ،
__________________
(١) انظر ص ٣٣٩ و ٣٤٢.
(٢) انظر ص ٣٣٩.
(٣) ش : يفعلين.
(٤) سقط «وقياسه ... الأصل» من ش.
(٥) ش : قال صاحب الكتاب عثمان بن جني.
أو لالتقاء الساكنين ، فإنّ ذلك لا يعتدّ به حذفا (١) ، لأنه متى زال الساكن ، أو فارق الجزم أو الوقف (٢) ، عاد الحرف.
قال الشارح (٣) : اعلم أنّ الحذف على ضربين : لازم ، وعارض.
فاللّازم : ما حدث عن علّة لازمة ، نحو ما ذكرناه من الحذف في : يعد ، وتعد (٤) ، وأكرم ، وتكرم ، ونظائر ذلك. فهذا الحذف معتدّ به من حيث أنّه (٥) لازم ، للزوم سببه.
وأمّا ما يحذف لعلّة عارضة فلا يعتدّ حذفا ، ويكون في حكم الموجود ، وإن لم ينطق به. نحو ما حذف للوقف ، أو للجزم ، أو لالتقاء الساكنين ، لأنّ الوقف ليس بلازم ، من حيث أنك قد تصير إلى الوصل. والجازم قد يزول ويأتي عامل آخر غيره ، إمّا رافع ، وإمّا ناصب. وكذلك الساكنان قد يزول أحدهما ، ويعود إلى أصله ؛ ألا ترى أنك تقول : «لم أنم البارحة» و «رمت المرأة» ، فلا تعيد
__________________
(١) الملوكي : لا يعتدّ حدفا فيه.
(٢) الملوكي : وفارق الجزم والوقف.
(٣) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه».
(٤) ش : ونعد.
(٥) ش : إنه.
المحذوف ، وإن تحرّك اللّام (١) ، من قبل أنّ الحركة عارضة. فاعرفه.
قال صاحب الكتاب (٢) : فأمّا الجزم فنحو قولك (٣) : لم يرم ، ولم يغز ولم يخش ، ولا تستقص عليه (٤). والوقف نحو قولك : اغز (٥) ، وامض معه ، واسع في حاجته.
قال الشارح (٦) : اعلم أنّك إذا قلت : «يغزو» و «يرمي» و «يخشّى» ، فعلامة الرفع ضمة مقدرة ، استثقل اللفظ بها على واو مضموم ما قبلها ، وعلى ياء مكسور ما قبلها ، فحذفت ، والنّيّة فيها الحركة. وقولهم : «إنّه يسكن في حال الرفع» لا يريدون أنّ السكون / علامة الرفع. وإنما المراد أنه يسكن في حال الرفع ، ١٥٢ لكون الضمة مقدّرة ، لا أنّ السكون نفسه علامة الرفع ؛ ألا ترى أنه
__________________
(١) كذا ، وهو يوافق «لم أنم البارحة». أما «رمت المرأة» فالمتحرك فيه هو تاء التأنيث.
(٢) زاد في ش : عثمان بن جني.
(٣) الملوكي : والجزم نحو.
(٤) سقط هذا المثال من الملوكي.
(٥) الملوكي : ارم واغز.
(٦) ش : «قال شيخنا موفق الدين شارحه».
لا يقال : إنّ سكون الألف علامة الرفع في «يخشى» ، لأنها في حال النصب ساكنة أيضا.
فإذا جزمته قلت : «لم يغز» و «لم يرم» و «لم يخش». وقد اختلف العلماء ـ رحمهمالله ـ في تأثير الجازم.
فقال قوم : إنّ الجازم حذف الضّمّة المقدّرة في «يغزو» و «يرمي» و «يخشى» ، وحذف الواو والياء والألف إنما كان لينقص لفظ المجزوم عن لفظ المرفوع ، ولا يستويا ، كما كان ذلك في الصحيح ، نحو قولك : «يضرب» و «لم يضرب».
وقال قوم ـ وهو المذهب ـ : إن الجازم حذف هذه الحروف أنفسها ، لأنّهنّ وإن كنّ من أنفس الكلم فقد أشبهن الحركات ، من حيث أنّ مخارج هذه الحروف هي مخارج الحركات ، وهنّ أصول للحركات (١) عندنا. ومع ذلك فقد كانت في حال الرفع لا يدخلها حركة ، كما لا يدخل الحركة حركة. فلمّا أشبهت الحركات حذفها الجازم ، وكان حذفها جزما كما يكون حذف الحركة. وقد شبّه أبو بكر الجازم بالدواء الذي إن وجد فضلا (٢) ، وإلّا أخذ من
__________________
(١) في الأصل : الحركات.
(٢) يريد : إن وجد في البدن فضلة أخذها.
نفس البدن. فكذلك الجازم ، إن وجد حركة ، وإلّا حذف من نفس الكلم (١).
وأمّا : «اغز» و «ارم» و «اخش» في حال (٢) الوقف ، فالمعنيّ بالوقف هنا البناء على السكون ، لا الوقف الذي هو ضدّ الوصل. فإنما حذفت هذه الحروف فيها ، وإن لم يكن ثمّ جازم ، حملا على المجزوم ، لأنه لمّا استوى لفظ المجزوم وفعل الأمر في الصحيح ، نحو : «لم يضرب» و «اضرب» سوّي بينهما في المعتلّ ، لئلّا يختلف الباب. فاعرفه.
قال / صاحب الكتاب : وممّا (٣) حذف لالتقاء ١٥٣ الساكنين ، نحو «قم» ، و «بع» ، و «خف». وأصله : «قوم» و «بيع» و «خاف» ، فحذفت الواو والياء والألف ، لسكونها وسكون ما بعدها. ومن ذلك «هذا قاض» و «مستقض» و «ساع» (٤). [والأصل «قاضي» و «مستقضي» و «ساعي»](٥) ،
__________________
(١) ش : الكلام.
(٢) سقط من الأصل.
(٣) الملوكي : وما.
(٤) الملوكي : وهذا مستقض ، ونظرت إلى ساع.
(٥) تتمة من الملوكي.
فأسكنت الياء ، استثقالا للضمّة والكسرة (١) عليها في الرفع والجرّ ، وكان (٢) التنوين بعدها ساكنا ، فحذفت (٣) لالتقاء الساكنين. وكذلك نظائره.
قال الشارح : «قم» و «بع» و «خف» من أفعال الأمر. وزمن الأمر الاستقبال ، لأنّ زمن الحال أقصر من أن يكون للآمر والمأمور ، فأصل قم ، وبع «تقوم» و «تبيع» ، بضمّ الواو وسكون القاف ، وكسر الياء وسكون الباء.
والذي يدلّ على ذلك أنك إذا أمرت الغائب ظهر حرف المضارعة ، نحو «ليقم زيد». وربّما جاء على الأصل في أمر المخاطب ، نحو قوله تعالى ـ في قراءة النبيّ صلىاللهعليهوسلم ـ (٤) فبذلك فلتفرحوا ، ونحو ما روي عنه في كلام له ، في بعض غزواته : (٥) «لتأخذوا مصافّكم».
ثمّ حذفت حرف المضارعة ، لأنّ المواجهة تغني عن حرف
__________________
(١) الملوكي : أو الكسرة.
(٢) ش : فكان.
(٣) زاد في الملوكي : الياء.
(٤) الآية ٥٨ من سورة يونس.
(٥) المغني ص ٢٥١.
الخطاب ، ولئلا يشبه لفظ الأمر لفظ الخبر ، فجئت بهمزة الوصل ، لسكون ما بعد حرف المضارعة ، وهي القاف مثلا ، فصار «اقوم». فأرادوا إعلاله ، حملا على الماضي ، لتجري الأفعال على منهاج واحد ، في الصحّة والإعلال ، فنقلوا الضمّة من عينه إلى فائه ، فحصلت الغنية عن همزة الوصل ، بحركة الفاء ، فحذفت ، فصار «قوم». فحذفوا الواو ، لسكونها وسكون الميم بعدها ، فصار «قم». وكذلك نظائره ، نحو «قل» و «بع». هذا مقتضى القياس فيها ، إلّا أنها (١) [ما] استعملت / مرّة على الأصل ، ثمّ أعلّت. ١٥٤
وقوله : «الأصل (٢) : قوم ، وبيع» يعني : بعد حذف حرف المضارعة ، والإعلال الذي ذكرنا.
وأمّا «قاض» و «مستقض» (٣) و «ساع» فإنها أسماء متمكّنة ، لم يعرض فيها ما يخرجها عن التمكّن ، فاستحقّت لذلك أن تدخلها الحركات الثلاث والتنوين ، كسائر الأسماء المتمكّنة ، إلّا أنّ آخرها (٤) لمّا كان ياء مكسورا ما قبلها استثقلت عليها الضمّة
__________________
(١) سقط من ش.
(٢) كذا وانظر ص ٣٤٧.
(٣) في الأصل : ومستقص.
(٤) في الأصل وش : آخره.
والكسرة ، في حال الرفع والجرّ ، فحذفت (١) ، وبقيت الياء ساكنة ، وكان التنوين بعدها ساكنا ، فحذفت لالتقاء الساكنين. وخصّت الياء بذلك ، لكثرة اعتلالها ، وكون الكسرة قبلها تدلّ عليها.
وأمّا (٢) «جوار» و «غواش» فالقياس فيهما ، وفي نظائرهما ، ألّا تنصرف (٣) ، لأنها (٤) على زنة «مساجد» و «دراهم» ، إلّا أنّه لمّا كان جمعا ، والجمع أثقل من الواحد ، وكان في آخره ياء قبلها كسرة ، وذلك ممّا يزيده ثقلا ، مع ثقل الضمّة والكسرة المقدّرة فيه ، في حال الرفع والجرّ ، فحذفوا ياءه تخفيفا. فلمّا حذفت الياء نقص الاسم ، وزال بناء «مساجد» ، فانصرف. هذا مذهب سيبويه والخليل (٥).
وذهب أبو الحسن إلى أنّ التنوين ليس تنوين (٦) صرف ، وإنما هو تنوين عوض ، كتنوين «يومئذ» و «ساعتئذ». وذلك أنه لمّا استثقلت الضمّة والكسرة على هذه الياء ، فحذفت (٧) ، عوّض من الحركة في حال الرفع والجرّ التنوين. وفيه بعد ، لأنه يلزم
__________________
(١) سقط من ش.
(٢) ش : فأما.
(٣) ش : ألا تصرف.
(٤) في الأصل : لأنهما.
(٥) زاد في ش : رحمهماالله.
(٦) ش : بتنوين.
(٧) في حاشية الأصل : «أي : الحركة».
العوض في «يغزو» و «يرمي». ويمكن أن يقال : التعويض في «جوار» ونحوه تعويض جواز ، لا تعويض وجوب. فاعرفه (١).
قال صاحب الكتاب : ومن ذلك «هذا (٢) قول مقول» ، و «هذا فرس مقود». والأصل «مقوول» و «مقوود» ، / فأسكنت الواو ، لثقل الضمّة ، وحذفت إحدى الواوين لالتقاء ١٥٥ الساكنين ، على الخلاف في المذهبين.
قال الشارح (٣) : هذه المسألة مختلف فيها. فمذهب سيبويه والخليل أنّ المحذوف في «مقول» و «مبيع» واو «مفعول» ، لأنّها زائدة لا يختلّ (٤) الاسم بحذفها ، والعين هي الثابتة. فإن كان من الواو ظهرت فيه الواو ، وإن كان من الياء ظهرت الياء. فتقول في «مفعول» من القول : «مقول» ، وفي «مفعول» من البيع : «مبيع». ووزن مقول : «مفعل» (٥) ، ووزن مبيع : «مفعل» (٦).
__________________
(١) في حاشية الأصل : «بلغ».
(٢) سقط من الأصل.
(٣) انظر شرح المفصل ١٠ : ٦٦ ـ ٦٧ و ٧٨ ـ ٨١.
(٤) ش : ولا يختلّ.
(٥) ش : مفعل.
(٦) ش : مفعل.
وقال الأخفش : المحذوف عين الكلمة ، ووزن مقول عنده : «مفول» ، ووزن مبيع : «مفيل». وذلك أنّ أصل مبيع «مبيوع» ، فنقلت الضمّة من الياء إلى ما قبلها ، فسكنت الياء (١) وقبلها مضموم ، فأبدلت الضمّة كسرة لتصحّ الياء ، كما فعل في «بيض» وأصله «بيض» كحمر ، ثمّ حذفت الياء لسكونها وسكون واو «مفعول» ، على قياس الحذف لالتقاء الساكنين. وذلك بعد أن لزمت فاء الكلمة الكسرة المبدلة من ضمّة الياء المحذوفة. فوليها واو «مفعول» ساكنة ، فقلبت ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، على حدّ «ميزان» و «ميعاد» ، فصارت : «مبيعا». و «مقول» ثبتت الواو فيه ، لانضمام ما قبلها.
قال المازنيّ (٢) : «وكلا القولين حسن جميل». فمذهب أبي الحسن أقيس ، من جهة قاعدة حذف الأول إذا وليه ساكن ، ومذهب الخليل وسيبويه أقلّ كلفة وعملا.
فإن قيل : ولم وجب إعلال «مقول» و «مبيع» حتّى ١٥٦ نقلت حركة عينه إلى فائه؟ قيل : إنما وجب إعلاله حملا على /
__________________
(١) سقط من ش.
(٢) المنصف ١ : ٢٨٨.
فعله ، لجريانه عليه حكما ، وإن لم يجر عليه لفظا ؛ ألا ترى أنّ الواو مزيدة للمدّ ، تجري مجرى ما نشأ (١) عن إشباع الحركة في ، نحو «القرنفول». فكأنّه «مقول» على زنة «مفعل» ، إلّا أنّهم زادوا الواو رفضا لبناء «مفعل» في الكلام. فمن حيث أعللت «يقال» و «يباع» أعللت «مقولا» و «مبيعا» (٢) ، كإعلالك «قائلا» و «بائعا» لإعلال «يقول» و «يبيع».
وأمّا قول صاحب الكتاب : «إنهم استثقلوا (٣) الضمّة على الواو والياء في : مقوول ، ومبيوع» فتقريب ، وتسهيل للعبارة. والتحقيق ما ذكرناه. ألا ترى أنّ الواو والياء إذا سكن ما قبلهما لم يثقل عليهما ضمّة ولا كسرة ، نحو «غزو» و «ظبي». فاعرفه.
وبنو تميم يتمّون «مفعولا» من الياء ، فيقولون : «مبيوع» و «معيوب». قال (٤) :
* وكأنّها تفّاحة ، مطيوبة*
__________________
(١) في الأصل : فجرى مجرى ما تنشأ.
(٢) ش : مقول ومبيع.
(٣) كذا ، وانظر ص ٣٥١.
(٤) انظر تخريجه في الممتع ص ٤٦٠. وهو في المقتضب ١ : ١٠١ والمنصف ١ : ٢٨٦ والخصائص ١ : ٢٦١.
وقال علقمة بن عبدة (١) :
* يوم رذاذ ، عليه الرّيح ، مغيوم*
ولا يتمّونها «مفعولا» من الواو ، لا يقولون (٢) : «مقوول» ولا «مقوود» ، لأنه اجتمع فيه ، مع إعلال فعله ، أنه من الواو ، والواو أثقل من الياء ، والضمّة عليها أثقل منها على الياء. ولذلك جاز همز الواو المضمومة في مثل «وقّتت» و «أقّتت» ، ولم يجز ذلك في الياء.
وشجّعهم على تتميم «مفعول» من الياء خفّة الياء مع سكون ما قبلها ، وأنّ اسم المفعول ليس على زنة الفعل المضارع ، في عدد حروفه. ولذلك قالوا : «غزي فهو مغزوّ» ، فصحّحوا المفعول ، وإن كان الفعل معلّا (٣).
على أنه قد ورد عنهم تصحيح «المفعول» من الواو أيضا ، وهو
__________________
(١) من مفضلية له. ديوانه ص ٥٦ والمفضليات ص ٤٦٠ والممتع ص ٤٦٠ وشرح المفصل ١٠ : ٨٠. وصدره : حتّى تذكّر بيضات ، وهيّجه
(٢) كذا ، وقالوا «مقوول ومقوود». انظر ما يذكره بعد ، والممتع ص ٤٦١ وشرح المفصل ١٠ : ٨٠.
(٣) ش : معتلّا.
قليل ، قالوا : فرس مقوود ، ورجل معوود (١) ، وثوب مصوون. وأنشدوا (٢) :
* والمسك في عنبره ، المدووف* /
١٥٧ وقد أجازه أبو العبّاس كالياء. فاعرفه.
ونظير هذه المسألة في الحذف قولهم : أقام إقامة ، وأخاف إخافة. وأصله «إقوامة» و «إخوافة». فقلبوا الواو ألفا ، بعد نقل حركتها إلى ما قبلها ، لما يأتي ، فصار «إقاامة» و «إخاافة» بألفين ، فحذفت إحدى الألفين ، لالتقاء الساكنين ، على الخلاف المذكور. فاعرفه.
__________________
(١) في الأصل : «مفوود». ش : «مقوود». والمعوود : من عاد المريض إذا زاره.
(٢) شرح المفصل ١٠ : ٨٠. وانظر تخريجه في الممتع ص ٤٦١. وفي الأصل وش : «في عبيره».
الثاني من الحذفين ، وهو ما لا يقاس عليه
قال صاحب الكتاب (١) : قد حذفت الهمزة ، والألف ، والواو ، والياء ، والهاء ، والنون ، والباء (٢) ، والحاء ، والخاء ، والفاء ، والطاء.
حذف الهمزة
من ذلك قولنا «الله». أصله (٣) في أحد قولي سيبويه «إلاه» ، فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال ، وصارت الألف واللام عوضا منها (٤).
قال الشارح (٥) : قد اختلف الناس في اسم «الله» ، فذهب بعضهم إلى أنه اسم مرتجل للعلميّة ، ولا اشتقاق له. ولسيبويه فيه
__________________
(١) انظر الممتع ص ٦١٩ ـ ٦٢٨.
(٢) ش : «والياء». الملوكي : «والتاء».
(٣) الملوكي : وأصله.
(٤) في الأصل : عنها.
(٥) انظر شرح المفصل ١ : ٣ ـ ٤ و ٢ : ٩.
قولان : أحدهما ما حكاه صاحب الكتاب ، من أنّ أصله : «إلاه» ، وأدخلت الألف واللام عليه للتعظيم ، ودفع الشّياع الذي ذهبوا إليه ، من تسمية أصنامهم وما يعبدونه آلهة ، فصار لفظه «الإله». ثم حذفت الهمزة تخفيفا ، على غير قياس كالاعتباط ، لكثرة دوره ، ولزمت الألف واللام كالبدل من الهمزة المحذوفة ، وصارتا كأحد حروف الاسم ، لا تفارقانه (١) ، ولا يجوز حذفهما منه.
يدلّ على ذلك أنّهم قد يقطعون الهمزة في النداء وفي القسم ، نحو «يا ألله اغفرلي» ، وقولهم : «أفألله (٢) لتفعلنّ» (٣). ولو كانت غير عوض لم تثبت كما لم تثبت في غير هذا الاسم (٤). ولا يقال : / ١٥٨ لمّا لزمتا هذا الاسم للتعظيم صارت كأحد حروف الاسم ، فجاز قطعها ، لأنه لو كان كما ظنّ لجاز قطع همزة الوصل في : الذي ، والتي ، للزومها (٥).
وقد عاب الجوهريّ هذه المقالة ، وقال (٦) : «لو كانت الألف
__________________
(١) ش : لا يفارقانه.
(٢) ش : «أتألله».
(٣) في الأصل وش : «لأفعلن». وأثبتّ ما في شرح المفصل ٩ : ١٠٦. وانظر الصحاح واللسان (أله).
(٤) في الأصل : ولو كانت غير عوض لم تثبت في هذا الاسم.
(٤) في الأصل : ولو كانت غير عوض لم تثبت في هذا الاسم.
(٥) الصحاح واللسان (أله). وفي النقل تصرف.
واللام عوضا من الهمزة المحذوفة لم تجتمع معهما في نحو : الإله». وليس المراد بقولنا : إنّ الألف واللام عوض من الهمزة ، أنهما دخلا بعد حذف الهمزة. وإنما المراد أنهما دخلا لما ذكرناه من التعظيم ، ودفع الشّياع. ثمّ لمّا حذفت الهمزة صارت الهمزة (١) واللام عوضا منها (٢) ، على معنى أنّ الكلمة لم تنقص عدّتها عن أبنية الأصول ، بالألف واللام ، لا كما قلنا (٣) في «عدة» و «زنة» : إنّ تاء التأنيث عوض من فاء الكلمة ، لأن الأصل : «وعد» و «وزن» (٤) ، ولمّا حذفت الواو دخلت التاء.
على أنّ بعضهم يقول : إنّما العوض من الهمزة ألف «فعال». وإليه ذهب أبو الفتح في «الخصائص».
وقال بعضهم : إنّ الأصل «إلاه» على ما قلناه ، ثم دخلت الألف واللام لما ذكرناه ، ثم خفّفت الهمزة التخفيف (٥) القياسيّ ، بأن حذفت وألقيت حركتها على الساكن قبلها ، وهو اللّام ، فتحركت اللام بحركة الهمزة ، وهي الكسرة ، فصارت في التقدير :
__________________
(١) يريد : الألف ، أي : همزة الوصل.
(٢) في الأصل : عنها.
(٣) ش : قلت.
(٤) كذا ، وانظر ص ٣٣٩.
(٥) في الأصل : للتخفيف.
«أللاه» كما تقول : «الحمر» و «الولى» (١). فاجتمع مثلان متحرّكان ، وهما اللّامان ، فأدغمت اللام الأولى في الثانية ، بعد إسكانها لأجل الإدغام ، كما فعلت في «شدّ» و «مدّ». ولزمت الألف واللام لدخولها ، لتعريف اللفظ وتعظيمه كلزومها «الذي» و «التي» إذ دخلا لإصلاح اللفظ ، لا لمعنى التعريف ، لأنّ «الذي» و «التي» يتعرّفان بالصّلة لا بهما.
وإلاه «فعال» (٢) من : أله يأله / إلاهة ، أي : ١٥٩ عبد عبادة. ومعناه : ذو الألوهيّة ، أي : الذي يألهه العباد. يقال : أله الله العبد يألهه ، أي : عبده. ومنه قراءة ابن عبّاس ، رضياللهعنه (٣) : ويذرك وإلاهتك أي : عبادتك (٤). قال : كان فرعون يعبد ولا يعبد. ومنه قول الراجز (٥) :
لله درّ الغانيات ، المدّه |
|
سبّحن ، واسترجعن من تألّهي |
__________________
(١) ش : الولى.
(٢) في الأصل : «يقال». وفي الحاشية ما أثبتنا.
(٣) الآية ١٢٧ من سورة الأعراف.
(٤) ش : وعبادتك.
(٥) رؤبة. ديوانه ص ١٦٥ وشرح المفصل ١ : ٣ والصحاح واللسان والتاج (أله) و (مده). والمدّه : المادحات.
يريد : من تعبّدي.
وقيل : إلاه «فعال» بمعنى «مفعول» لأنه مألوه ، أي : معبود ، كقولنا : إمام ، أي : مؤتم به.
ويجوز أن يكون إله من : أله يأله ، إذا تحيّر ، كأنّ العباد حاروا في عظمته وقدرته.
وقيل : أصل إلاه «ولاه» : «فعال» من : الوله ، وهو التحيّر أيضا ، من نحو قوله (١) :
وأراني طربا ، في إثرهم |
|
طرب الواله ، أو كالمختبل |
فقلبت الواو همزة ، كما قالوا (٢) : وشاح وإشاح ، ووعاء وإعاء. وحكى أبو القاسم الزجّاجيّ هذا القول في بعض أماليه.
والقول الثاني في اسم «الله» من قولي سيبويه : أنّ أصله «لاه» ، قال الراجز (٣) :
__________________
(١) النابغة الجعدي. ديوانه ص ٩٣ واللسان والتاج (طرب) و (خبل).
(٢) ش : كما في.
(٣) الأعشى. ديوانه ص ١٩٣ وشرح المفصل ١ : ٣ والصحاح ــ (ليه) واللسان والتاج (أله) و (ليه). والشاهد ليس من الرجز ، وانما هو عجز بيت من مجزوء البسيط ، صدره : كحلفة ، من أبي رياح