مصابيح الظلام - ج ٦

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٦

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-6-X
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥١

في الجماعة فأشدّ وأشدّ ، ويتأكّدان في الجهريّة ، خصوصا الصبح والمغرب.

وعن المفيد وجوبهما في الجماعة (١) ، وكذا عن الشيخ وابن البرّاج وابن حمزة (٢) ، وعن أبي الصلاح أنّهما شرط فيها (٣).

وعن «المبسوط» : ومتى وقعت الجماعة بغيرهما لم تحصل فضيلة الجماعة ، إلّا أنّ الصلاة ماضية (٤).

وعن المرتضى : وجوب الإقامة على الرجال في كلّ فريضة ، والأذان أيضا على الرجال والنساء في الصبح والمغرب ، والجمعة ، وعلى الرجال خاصة في الجماعة (٥) ، وعن [ابن] أبي عقيل وجوب الأذان في الصبح والمغرب ، والإقامة في جميع الخمس (٦).

وعن ابن الجنيد وجوبهما على الرجال جماعة ، وفرادى سفرا وحضرا ، في الصبح والمغرب والجمعة ، والإقامة في البواقي ، وعلى النساء التكبير والشهادتين فقط (٧).

وعن المرتضى أيضا أنّ الإقامة واجبة على الرجال دون الأذان ، إذا صلّوا فرادى ، ويجبان عليهم في المغرب والعشاء ، وعنه أيضا وجوبهما سفرا وحضرا (٨).

حجّة المشهور الأصل ، لخروجهما عن الصلاة قطعا.

__________________

(١) المقنعة : ٩٧.

(٢) المبسوط : ١ / ٩٥ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٦٤ ، المهذّب : ١ / ٨٨ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٩١.

(٣) الكافي في الفقه : ١٤٣.

(٤) المبسوط : ١ / ٩٥.

(٥) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٢٩.

(٦) نقل عنه العلامة في مختلف الشيعة : ٢ / ١٢٠.

(٧) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ١١٩.

(٨) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٢٩.

٤٦١

نعم ؛ على القول بالاشتراط لا يتمشّى التمسّك به على القول بكون لفظ العبادة اسما لخصوص الصحيحة.

وفي «المدارك» و «الذخيرة» استدلّا بأنّ الصادق عليه‌السلام حينما علّم حمّاد الصلاة ، قام مستقبل القبلة ، وقال بخشوع : «الله أكبر» من دون أذان وإقامة (١).

وفيه أنّه عليه‌السلام لم يكن في صدد تعليم خصوص الواجبات ، لو لم نقل أنّه عليه‌السلام كان في صدد تعليم خصوص المستحبّات ، كما لا يخفى على المتأمّل ، إذ الظاهر كونه في صدد بيان الآداب والمستحبّات خاصة ، وأنّ حمّادا كان يعلم الواجبات ، وكان أتى بها ، ولذا لم يأمره عليه‌السلام بإعادة صلاته ، بل ولم يذمّه ذمّ تارك الواجب ، بل قال : «ما أقبح بالرجل منكم يأتي عليه ستّون أو سبعون سنة ، ولا يقيم صلاة واحدة بحدودها تامّة» ، بعد ما قال له : «لا تحسن أن تصلّي» (٢) ، ثمّ شرع في الإتيان بالآداب.

وفيها مواضع كثيرة في الدلالة على ما ذكرت ، بل صريحة في كونها مستحبّات الصلاة ، ولا شكّ في كون الأذان والإقامة من المستحبّات الأكيدة ، سيّما الإقامة ، فإنّها في غاية شدّة الاستحباب كادت تبلغ الوجوب ، ولذا قال بوجوبها من قال.

مع أنّه عليه‌السلام كان في صدد بيان ما هو جزء الصلاة ، لا ما هو خارج عنها ، ولذا لم يذكر الواجبات الخارجة. مع أنّه عليه‌السلام لم يشر إلى النيّة الواجبة بوجه أصلا.

نعم ؛ احتجّ في «المنتهى» بما رواه العامّة عن علقمة والأسود أنّهما قالا : دخلنا على عبد الله فصلّى بنا بلا أذان ولا إقامة (٣) ، لكن فيه عدم ظهور كون فعل

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٣ / ٢٥٧ ، ذخيرة المعاد : ٢٥١.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٩٦ الحديث ٩١٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٩ الحديث ٧٠٧٧.

(٣) منتهى المطلب : ٤ / ٤١٠.

٤٦٢

عبد الله هذا حجّة.

ثمّ شرعا في الاستدلال عليه بالأخبار الدالّة على عدم وجوب الأذان ، مثل صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام «إنّ أباه كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة ولم يؤذّن» (١).

وصحيحة عمر بن يزيد عنه عليه‌السلام : عن الإقامة بغير أذان [في المغرب] فقال : «ليس به بأس» (٢). إلى غير ذلك.

ثمّ نقلا عن «المختلف» : إنّ كلّ موضع يكون الأذان مستحبّا ، تكون الإقامة فيها مستحبّة ، لعدم القول بالفصل (٣) ، وفيه أيضا ما فيه.

ثمّ استدلّا بصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام : عن رجل نسي الأذان والإقامة حتّى دخل في الصلاة ، فقال : «فليمض في صلاته فإنّما الأذان سنّة» (٤) ، والظاهر من السنّة هنا ما يقابل الوجوب (٥).

لكن تخصيص التعليل في الأذان ربّما يوجب مناقشة ، إذ المناسب أن يقول : لأنّهما سنّة ، وإن كان الراجح إرادة الأذان والإقامة جميعا منه ، حتّى يتمّ التعليل.

لكن الظاهر كفاية هذا القدر من الظهور مع انضمام الشهرة ، وكون المقام ممّا يعمّ به البلوى ، ويكثر لديه الحاجة ، فلو كان واجبا لاشتهر اشتهار الشمس ، لا أن

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٠ الحديث ١٦٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٥ الحديث ٦٨٦٤ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥١ الحديث ١٦٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٠ الحديث ١١٠٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٧ الحديث ٦٨٧٤.

(٣) مختلف الشيعة : ٢ / ١٢٢.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٨٥ الحديث ١١٣٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٤ الحديث ١١٣٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٤ الحديث ٧٠١٣.

(٥) مدارك الأحكام : ٣ / ٢٥٨ ، ذخيرة المعاد : ٢٥١.

٤٦٣

يكون خلافه مشهورا ، والقائل بالوجوب يتشبّث بما ستعرفه من الدليل الضعيف ، مع مخالفته للأصول والعمومات.

ويؤيّده ما ورد في الأخبار من إطلاق لفظ الأذان والإقامة معا ، منها ما سيجي‌ء في رواية عمر بن خالد.

ويدلّ على استحبابهما أيضا صحيحة ابن اذينة ، وصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام الآتيتين (١) ، وغيرهما ظواهر أخبار اخر ، مثل ما مرّ في الصحيح وغيره أنّ من أذّن وأقام صلّى خلفه صفّان من الملائكة ، وإن أقام (٢) صلّى خلفه ملك أو صف أو ملكان (٣).

فإنّها في غاية الظهور في عدم اشتراط الأذان وعدم وجوبه ، مضافا إلى ظهورهما من الخارج أيضا ، كما عرفت ، وظاهره في عدم اشتراط الإقامة ، وعدم وجوبها أيضا بشهادة السياق في كون الإقامة مثل الأذان في إيراث الفضيلة ، وهي صلاة الملائكة خلفه.

مضافا إلى ظهور أنّه غير مأخوذ في ماهيّة الصلاة ، لا شطرا ولا شرطا أن يصلّي الملك خلفه يرتكبها ، وظاهر أنّ ذلك فضيلة ومنقبة زائدة على حقيقة الصلاة ، وماهيّتها الصحيحة شرعا ناشئة عن فعل الأذان والإقامة الخارجين عن نفس الماهيّة جزما ، للإجماع والأخبار في أنّ الدخول في الصلاة إنّما يكون بتكبيرة الإحرام (٤).

وأيضا ذكر هذه الأخبار وأمثالها ممّا يتضمّن الترغيب فيها ظاهر في

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٦٩ الحديث ٦٨١٤ ، ٣٨٦ الحديث ٦٨٦٩.

(٢) في (ك) زيادة : فقط.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨١ الباب ٤ من أبواب الأذان والإقامة.

(٤) راجع! وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٩ الباب ١ من أبواب أفعال الصلاة.

٤٦٤

استحبابهما ، لأنّ الواجب لا يكتفى فيه بمجرّد الترغيب ، بل يضمّ إليه الترهيب أيضا ، بل هو الأهم ، بل هو المهم فيه ، ولذا يكتفى به غالبا.

وأيضا الأخبار المعتبرة كثيرة في أنّ من نسي الأذان والإقامة لا يضرّ صلاته ، وصلاته تامّة (١).

فهي ظاهرة في عدم كونهما شرطا للصلاة ، فإذا ثبت من الأخبار خروجهما عن الصلاة ، وعدم كونهما شرطا ، ثبت عدم الوجوب من الاصول والإطلاقات ، لأنّ الأصل براءة الذمّة. والأصل استصحاب الحالة السابقة ، وعدم اشتراط الصلاة بهما.

وأيضا من قال : بالاشتراط قال باشتراط الصلاة بهما معا وحيث ظهر من الأخبار الكثيرة الصحيحة والمعتبرة عدم اشتراطها بالأذان جزما ، بل عدم وجوبه مطلقا ، لا شرطيّا ولا شرعيّا ، ثبت عدم اشتراطها بالإقامة أيضا ، لعدم قائل بالفصل.

فما ورد في بعض الأخبار من أنّ الإقامة من الصلاة ، وأنّ من دخل فيها فقد دخل في الصلاة (٢) ، فمع عدم صحّتها ، ظواهرها مخالفة للأخبار والإجماع ، بل الضرورة من الدين ، لأنّ من الضروريّات عدم كونها جزء الصلاة ، وإنّ الدخول في الصلاة إنّما يكون بتكبيرة الإحرام ، فيكون المراد تأكّد استحباب مراعاة ما يراعى في الصلاة فيها ، ولذا ورد جواز التكلّم عمدا في الإقامة وبعدها قبل الدخول في الصلاة (٣).

__________________

(١) راجع! وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٣ الباب ٢٨ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٣ الباب ١٠ من أبواب الأذان والإقامة.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٤ الحديث ١٨٦ و ١٨٧ ، الاستبصار : ١ / ٣٠١ الحديث ١١١٣ و ١١١٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٥ الحديث ٦٩٠٠ و ٦٩٠١.

٤٦٥

وكيف كان ؛ ربّما كان الأحوط عدم ترك الإقامة عند عدم ضيق الوقت ، والضرورات الاخر.

وفي «محاسن» البرقي في الصحيح عن فضالة بن أيّوب ، عن الحسين بن أبي العلاء ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأله : إنّ أصحاب الدهر يقولون : كيف صارت الصلاة ركعة وسجدتين؟ فقال عليه‌السلام : «إنّ أوّل صلاة صلّاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في السماء بين يدي الله تعالى أمره أن يدنو من صاد فيتوضأ ، فتوضأ منها وأسبغ وضوءه ، ثمّ استقبل عرش الرحمن فقام قائما ، فأوحى الله إليه بافتتاح الصلاة ففعل ، ثمّ أوحى إليه بقراءة فاتحة الكتاب ، وأمره أن يقرأها ، ثمّ أوحى إليه أن اقرأ نسب ربّك ، فقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، الحديث (١).

والكليني روى مضمون ذلك في «الكافي» في حديث صحيح عن الصادق عليه‌السلام ـ وهو طويل ـ في باب علّة الأذان والصلاة (٢) ، وفي «الوافي» في باب بدء الصلاة وعللها (٣).

وربّما يظهر منها وقوع الأذان الناقصة الفصول (٤) بصورة الإقامة ، ووقوعه قبل الوضوء للصلاة ، فظهر أنّه الأذان الإعلامي ، فتأمّل!

وأيضا في مقام تعداد الواجبات للدين أو الصلاة لم نجد أنّه يذكر وجوبهما ، مثل قولهم عليهم‌السلام : «مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم» (٥) ونحوه.

__________________

(١) المحاسن ٢ / ٤٥ الحديث ٦٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٧٠ الحديث ٧٠٨٩ مع اختلاف.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٨٢ الحديث ١.

(٣) الوافي : ٧ / ٥٧ الحديث ٥٤٧٢.

(٤) لم ترد في (د ١ ، ٢) و (ك) و (ط) : الناقصة الفصول.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣ حديث ٦٨ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٦٦ الحديث ٩٦٣ مع اختلاف يسير.

٤٦٦

فلو كان الأذان والإقامة واجبين أو شرطين لكان أولى بالذكر لخفائه ، وكذا لو كانت الإقامة وحدها كذلك.

وفي «الفقه الرضوي» : «الأذان والإقامة من السنن اللازمة ، وليستا بفريضة ، وليس على النساء أذان وإقامة ، وينبغي لهن إذا استقبلن القبلة أن يقلن : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّدا رسول الله» (١) ، انتهى.

ويدلّ على ما ذكر فيه للنساء صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال له : النساء عليهنّ أذان؟ فقال : «إذا شهدت الشهادتين فحسبها» (٢).

وصحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام : عن المرأة تؤذّن للصلاة ، فقال : «حسن إن فعلت ، وإن لم تفعل أجزأها أن تكبّر وأن تشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله» (٣).

وصحيحة جميل عنه عليه‌السلام : عن المرأة [أ] عليها أذان وإقامة؟ فقال : «لا» (٤).

فظهر ممّا ذكر عدم تأكّد استحبابه عليها ، وكذا الإقامة.

احتجّ الشيخ على وجوبهما في الجماعة في «التهذيب» برواية القاسم بن محمّد عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير ، عن أحدهما عليهما‌السلام سأله : أيجزي أذان واحد؟ قال : «إن صلّيت جماعة لم يجز إلّا أذان وإقامة ، وإن كنت وحدك تبادر أمرا تخاف أن يفوتك يجزيك إقامة إلّا الفجر والمغرب فإنّه ينبغي أن تؤذّن فيهما وتقيم ، من أجل أنّه لا يقصر فيهما ، كما يقصر في سائر الصلوات» (٥) ، واجيب بضعف السند (٦).

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٩٨.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٧ الحديث ٢٠١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٥ الحديث ٦٩٣٨.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٨ حديث ٢٠٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٥ الحديث ٦٩٣٧.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٧ الحديث ٢٠٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٦ الحديث ٦٩٣٩.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٠ الحديث ١٦٣.

(٦) المعتبر : ٢ / ١٣١.

٤٦٧

أقول : الرواية معتضدة بموثّقة عمّار ، التي هي حجّة ، كما عرفت مكرّرا ، وليست بهذا المتن ، بل بأن سأل عن الرجل يؤذّن ويقيم ليصلّي وحده فيجي‌ء رجل [آخر] فيقول له : نصلّي جماعة هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان والاقامة؟ قال : «لا ولكن يؤذّن ويقيم» (١).

وهي أقوى دلالة ، ومرويّة أيضا في «الكافي» و «الفقيه» و «التهذيب» ، فتصير قويّة السند ، لما عرفت مرارا ، مع أنّ صحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام قال : «يجزيك إذا خلوت في بيتك إقامة واحدة بغير أذان» (٢) يطابقها.

ويؤيّدهما أيضا صحيحة الحلبي عنه عليه‌السلام : أنّ أباه عليه‌السلام كان إذا صلّى وحده في البيت أقام إقامة واحدة ولم يؤذّن (٣).

والجواب منع الدلالة على الوجوب بعد ما ثبت أنّ المنفرد لا يجب عليه الأذان والإقامة مطلقا خصوصا الأذان ، لوضوح دلالة الصحاح على عدم وجوبه عليه ، كما عرفت.

مع المعارضة لرواية أبي مريم الأنصاري : إنّ الباقر عليه‌السلام أمّ قوما بلا أذان ولا إقامة ، معلّلا بأنّي مررت بجعفر وهو يؤذّن ويقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك (٤).

ورواية عمرو بن خالد عن الباقر عليه‌السلام أنّه سمع إقامة جاره فقال : «قوموا» ، فقمنا فصلّينا معه بغير أذان ولا إقامة ، قال : «يجزيكم أذان جاركم» (٥).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٠٤ الحديث ١٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٨ الحديث ١١٦٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٧٧ الحديث ١١٠١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٢ الحديث ٧٠٠٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٠ الحديث ١٦٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٤ الحديث ٦٨٦٢.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٠ الحديث ١٦٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٥ الحديث ٦٨٦٤.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٨٠ الحديث ١١١٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٧ الحديث ٧٠٢٣.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٨٥ الحديث ١١٤١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٧ الحديث ٧٠٢٤.

٤٦٨

لا يقال : لعلّ الشيخ قائل بكفاية الأذان والإقامة من الجار أو غيره ، وثبوت عدم وجوب الأذان والإقامة على المنفرد ينفع الجواب عن الصحيح لا الضعيف ، لأنّ خروج بعض الحديث أو أكثره عن الظاهر لا يوجب خروج الكلّ عنه.

لأنّا نقول : جميع ما ذكره المعصوم عليه‌السلام جواب لسؤال واحد من الراوي ، وهو أنّه هل يجزي أذان واحد؟

فلو كان المعصوم عليه‌السلام بنى على إرادة أقلّ الواجب من الإجزاء ، خالف ما ظهر من الخارج كما قلنا ، بل ومن نفس الخبر ، وهو قوله عليه‌السلام : «ينبغي» وقوله : «من أجل» (١). إلى آخره ، فتأمّل جدّا.

وإن بنى على أنّ المراد من الإجزاء هو أقلّ الواجب في خصوص قوله : «إن صليت جماعة». إلى آخره دون قوله : «إن كنت» (٢). إلى آخر الحديث ، لم يطابق جوابه للسؤال الواحد ، فإنّ الإجزاء في السؤال لفظ واحد ، ليس له إلّا معنى واحد ، فتدبّر!

ويدلّ على عدم وجوب الأذان صحيحة أبي عبيدة عن الباقر عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا كانت ليلة مظلمة وريح ومطر صلّى المغرب ثمّ مكث قدر ما يتنفّل الناس ، ثمّ أقام مؤذّنه ثمّ صلّى العشاء ثمّ انصرفوا» (٣).

ومثلها رواية ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام ، وصحيحة أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن الحسن بن علي بن فضّال ، عن عبد الله بن بكير ، عن الحسن بن زياد ،

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٧ الحديث ٦٨٧٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٨ الحديث ٦٨٧٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥ الحديث ١٠٩ ، الاستبصار : ١ / ٢٧٢ الحديث ٩٨٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٠٣ الحديث ٤٩٢٢ مع اختلاف يسير.

٤٦٩

عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا كان القوم لا ينتظرون أحدا اكتفوا بإقامة واحدة» (١) ، إذ يظهر منها أنّ الأذان في الجماعة لإعلام الناس في اجتماعهم ، كما أنّه في صورة الجمع بين الفريضتين أيضا كذلك ، كما في صحيحة رهط ، منهم الفضيل وزرارة عن الباقر عليه‌السلام : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع [بين] الظهر والعصر بأذان وإقامتين وجمع بين المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين» (٢).

والظاهر أنّ القائل بوجوبهما للجماعة والمشترط لها لا يضايق في سقوط الأذان في الفريضة الثانية في صورة الجمع ، كما أنّه لا يضايق عن سقوطه ، وسقوط الإقامة جميعا في الفريضة الثانية بالنسبة إلى المأموم في صورة جمعه بينها وبين الاولى في الاقتداء بالإمام في فريضة واحدة ، كأن يصلّي المسافر ظهره وعصره مقتديا بإمام حاضر في ظهره خاصّة أو عصره أو المغرب والعشاء ؛ بعشاء الإمام ، ونحو ذلك ممّا ورد في النصوص ، وعمل به الأصحاب ، وإن كان بينهما وبين ظاهر ما استدلّ به منافاة في الجملة.

وكيف كان ؛ القول بوجوبهما للجماعة لا قوّة له أصلا ، بعد ما عرفت من حال دليله.

نعم ؛ القول باشتراطهما لها ربّما كان له قوّة بملاحظة أنّ الجماعة هيئة شرعيّة موقوفة على النصّ ، لكونها وظيفة الشرع ، والمنقول من الهيئة وقوعها بأذان وإقامة جميعا ، وإن كانت بأذان وإقامتين في صورة الجمع ، أو بأذان وإقامة للجماعة ، وإن جمع المأموم بين فريضتين ، على حسب ما ذكر.

نعم ؛ ظهور كون الأذان في الجماعة لاجتماع الناس بحيث أنّه لو لم يحتج إليه

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٠ الحديث ١٦٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٥ الحديث ٦٨٦٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٨ الحديث ٦٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٢٣ الحديث ٤٩٨١.

٤٧٠

واستغنى عنه للاجتماع سقط وجوبه ، وجاز الاكتفاء بإقامة على حسب ما دلّ عليه الصحيحة والمعتبرة يقتضي عدم اشتراطها بالأذان ، فلم يبق لهذا القول أيضا قوّة ، وكون الإقامة خاصّة شرطا لها ممّا لم يوجد به قائل.

فمقتضى عدم وجود القائل بالفصل بين الأذان والإقامة عدم اشتراط الإقامة أيضا.

لكن ثبوت الإجماع المركّب ، بحيث يطمأنّ المكلّف من عدم القائل بالفصل بالجماعة الخالية عن الإقامة أيضا. ويحصل له البراءة اليقينيّة عند تركه القراءة الواجبة ، أو إتيانه بالركوع الزائد أو السجود الزائد ، أو التشهّد الزائد ، أو القنوت الزائد ، أو يتحرّك (١) في أثناء الصلاة على حسب ما سيجي‌ء ، ربّما لا يخلو عن إشكال ما ، بل اكتفاؤه بالجماعة الخالية عن الأذان مطلقا بالنحو الذي ذكر لا يخلو عن إشكال أيضا ، لعدم صحّة السند ، وإن كان في غاية القوّة ومعتبرا ، وصحيح السند ربّما كان مضمونه داخلا في سقوط خصوص الأذان في صورة الجمع بين الفريضتين ، وإن كان خلاف ما يظهر من بعض الأخبار ، من أنّ الإتيان بالنافلة بين الفريضتين يخرجهما عن الجمع بينهما ، ويدخلهما في صورة التفريق (٢) ، واختار ذلك من اختاره من المحقّقين على حسب ما سيجي‌ء إن شاء الله تعالى.

وبالجملة ؛ القول بعدم وجوبهما ، وعدم اشتراطهما أيضا في الجماعة قوي ، لكن الأحوط في مقام تحصيل البراءة اليقينيّة ، على حسب ما عرفت ، عدم تركهما للجماعة مطلقا.

حجّة القول بوجوبهما في المغرب والصبح خاصّة ، صحيحة ابن سنان عن

__________________

(١) في (د ٢) و (ك) : ينحرف.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٢٢٤ ، الباب ٣٣ من أبواب المواقيت.

٤٧١

الصادق عليه‌السلام : «يجزيك في الصلاة إقامة واحدة إلّا الغداة والمغرب» (١).

وصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «أدنى ما يجزي من الأذان أن تفتتح الليل بأذان وإقامة ، وتفتتح النهار بأذان وإقامة ، ويجزيك في سائر الصلوات إقامة بغير أذان» (٢). إلى غير ذلك من الأخبار.

منها ؛ رواية علي بن أبي حمزة ، عن أبي بصير السابقة (٣) ، وفي الصحيحة المذكورة أيضا ، إشارة إلى إطلاق الأذان على الأذان والإقامة جميعا ، كما قلنا.

والجواب عنها بأنّها معارضة لما دلّ على استحباب الأذان صريحا ممّا مرّ.

ومرّت صحيحة عمر بن يزيد ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الإقامة بغير أذان في المغرب ، فقال : «ليس به بأس وما احب أن يعتاد» (٤).

وما دلّ على استحباب الإقامة أيضا ظاهر ، وغير ذلك ممّا مرّ فيحمل على الاستحباب جمعا.

وممّا يعضد الحمل عليه فيما ظهر عنه الوجوب في هذه المسألة ؛ والمسألة السابقة وهي وجوبهما للجماعة مطلقا ، الأخبار المعتبرة الدالّة على سقوط الأذان في السفر.

منها ؛ صحيحة ابن مسلم ، والفضيل بن يسار ، عن أحدهما عليهما‌السلام قال : «يجزيك إقامة في السفر» (٥) ، والغالب في صلاتهما الجماعة ، كما لا يخفى على المطّلع

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥١ الحديث ١٦٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٠ الحديث ١١٠٧ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٧ الحديث ٦٨٧٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٦ الحديث ٨٨٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٦ الحديث ٦٨٦٩.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٨ الحديث ٦٨٧٦.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥١ الحديث ١٦٩ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٧ الحديث ٦٨٧٤.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٢ الحديث ١٧٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٥ الحديث ٦٨٦٥.

٤٧٢

بحالهما.

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن الصادق عليه‌السلام : «يجزي في السفر إقامة بغير أذان» (١).

وصحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل هل يجزيه في السفر والحضر إقامة ليس معها أذان؟ قال : «نعم لا بأس به» (٢).

وهذه الصحيحة تدلّ على السقوط في الحضر أيضا مطلقا ، وحمل مثلها على غير المغرب والصبح والجماعة مطلقا فيه ما فيه ، لأنّ ترك الاستفصال في أمثال المقام يفيد العموم اللغوي (٣).

والتوجيه بذلك بعيد غاية البعد ، أبعد من توجيه ما ظهر منه الوجوب على الاستحباب ، لما ظهر لك.

مع أنّ التساوي لا أقلّ منه ، فترتفع الدلالة على الوجوب ، وتبقى الاصول والإطلاقات سالمة ، مع أنّه على تقدير رجحان ما أيضا لا يكفي ، كما لا يخفى على المتأمّل.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٩ الحديث ٩٠٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٤ الحديث ٦٨٥٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥١ الحديث ١٧١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٤ الحديث ٦٨٦١.

(٣) في (د ١ ، ٢) و (ك) و (ط) : القوي.

٤٧٣
٤٧٤

١٣٢ ـ مفتاح

[سقوط الأذان والإقامة عن السامع]

ويسقطان عن السامع ، وفاقا للمشهور ، للنصوص (١) ، ولا سيما مع عدم التكلّم ، للخبر (٢).

والظاهر أنّه رخصة ، فيستحبّ التكرار إلّا للمأموم ، كذا قيل (٣).

ويستحبّ الحكاية عند السماع ، كما في النصوص (٤).

وعمّن جاء المسجد ولمّا يتفرّق الصفّ وإن فرغ القوم من صلاتهم ، فإنّه يكتفي بأذانهم وإقامتهم ، للموثّق (٥) وغيره (٦). وهل هو رخصة أو عزيمة؟ قولان (٧) ، لروايتين (٨) أصحّهما الأوّل.

__________________

(١) راجع! وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٧ الباب ٣٠ من أبواب الأذان والإقامة.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٧ الحديث ٧٠٢٣.

(٣) جامع المقاصد : ٢ / ١٩٣.

(٤) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٣ الباب ٤٥ من أبواب الأذان والإقامة.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٠ الحديث ٧٠٠٤.

(٦) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٢٩ الباب ٢٥ من أبواب الأذان والإقامة.

(٧) المبسوط : ١ / ١٥٢ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٦٤ ، لاحظ! مفتاح الكرامة : ٦ / ٤٠٨ ـ ٤١١.

(٨) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٣ الحديث ٧٠٠٤ و ٧٠٠٥.

٤٧٥

ويسقط الأذان خاصّة في السفر رخصة ، للمعتبرة (١).

وعن الجامع بين الفرضين في الثانية ، للصحيح (٢) ، ولا سيّما في عصر عرفة وعشاء مزدلفة ، فإنّ في الصحيح وغيره (٣) أنّه السنة ، وظاهره كونه عزيمة.

وعن القاضي في غير الاولى من ورده ، للصحيح وغيره (٤) ، فقيل : إنّه رخصة (٥) ، وقيل : عزيمة (٦) ، وعلى الثاني فالإتيان به مكروه أو حرام.

والحق بها في المشهور أذان العصر يوم الجمعة (٧) ، فإن كان لاستحباب الجمع فيه فحسن ، وإن كان للخبر (٨) ففيه ضعف سندا ودلالة ، وخصّه بعضهم بمن صلّى الجمعة دون الظهر (٩) ، والأصح عدم السقوط فيه مطلقا إلّا حالة الجمع ، وفاقا للمفيد والقاضي (١٠) ، لإطلاق الأمر.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٨٥ الحديث ٦٨٦٧.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٢٢٣ الحديث ٤٩٨١.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٤٥ الباب ٣٦ من أبواب الأذان والإقامة.

(٤) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٤٦ الباب ٣٧ من أبواب الأذان والإقامة.

(٥) البيان : ١٤٢ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ١٦٧.

(٦) مدارك الأحكام : ٣ / ٢٦٣.

(٧) لاحظ! مدارك الأحكام : ٣ / ٢٦٣ و ٢٦٤.

(٨) وسائل الشيعة : ٧ / ٤٠٠ الحديث ٩٦٨٧.

(٩) السرائر : ١ / ٣٠٤.

(١٠) المقنعة : ١٦٢ ، المهذّب : ١ / ١٠٤.

٤٧٦

قوله : (ويسقطان). إلى آخره.

لم يظهر لي ما ذكره في كلام المشهور ، ولا في الأخبار ، بل القدر الذي ظهر من كلام بعضهم جواز الاجتزاء في الجماعة بأذان مؤذّن سمعه الإمام ، وإن كان ذلك المؤذّن منفردا (١) ، كما هو مضمون رواية أبي مريم ، ورواية عمرو بن خالد السابقتين (٢) ، ولم أطّلع على خبر غيرهما.

نعم ؛ في الصحيح عن ابن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إذا أذّن مؤذّن فنقص الأذان وأنت تريد أن تصلّي بأذانه فأتمّ ما نقص هو من أذانه» (٣).

وهذا أيضا لا يفيد ما ذكره المصنّف من سقوطهما عن السامع مطلقا ، بل مقتضاه التخيير في خصوص الأذان بين اجتزاء السامع مع إتيانه بالمتروك ، وبين عدم اعتداده به ، مضافا إلى عدم وجدان مفت بمضمونها ، كما عرفت ، فكيف يكون مشهورا؟

فما في «المدارك» من أنّه إذا ثبت اجتزاء الإمام بسماع الأذان ، فالمنفرد أولى ، بعد اعترافه بأنّ المفروض في عبارات الأصحاب اجتزاء الإمام خاصة (٤). فيه ما فيه ، لأنّ الجماعة يكفي فيها أذان واحد وإقامة واحدة قطعا ، من غير حاجة إلى أن يؤذّن كلّ واحد منهم ويقيم كذلك ، بخلاف المنفرد ، فإنّ تكليف كلّ واحد منهم الأذان لنفسه ، والإقامة كذلك.

فكيف تتحقّق الأولويّة بخلافه؟ سيّما بعد ما ظهر من أنّ النص الذي هو دليل

__________________

(١) شرائع الإسلام : ١ / ٧٧ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٢٩٩.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٧ الحديث ٧٠٢٣ و ٧٠٢٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٨٠ الحديث ١١١٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٧ الحديث ٧٠٢٢.

(٤) مدارك الأحكام : ٣ / ٣٠٠.

٤٧٧

هذا الحكم ، مختصّ بصورة الجماعة واجتزاء الإمام.

واعلم! أنّ مقتضى رواية أبي مريم أنّ الاجتزاء إنّما هو إذا لم يتكلّم الإمام بعد سماعه ، ومقتضى رواية عمرو جواز الاجتزاء بعد التكلّم أيضا ، والأوّل أقوى سندا ، وموافقا لما ورد من أنّ من تكلّم بعد الإقامة يعيدها ، وأنّ بعد الإقامة حرم الكلام على أهل المسجد (١) ، فمراعاته أولى.

وأيضا مقتضى النصّ والفتاوى جواز الاجتزاء بأذان الغير ، لا سقوطهما رأسا ، كما ذكره المصنّف.

فيحتمل استحباب تكرارهما على السامع ، وعدم لزوم الاجتزاء ، للعمومات الدالّة على استحبابهما ، وخصوص موثّقة عمّار السابقة عن «الفقيه» وغيره ، المتضمّنة للأمر بإعادتهما على من أتى بهما منفردا ، فأراد أن يصلّي بهما جماعة (٢) ، فلاحظ وتأمّل!

ويستثنى من ذلك المؤذّن للجماعة والمقيم لهم ، لإطباق المسلمين كافّة على ترك الإعادة والتكرار ، ولو كان مستحبّا ، لما أطبقوا كذلك.

قوله : (ويستحب الحكاية). إلى آخره.

هذا مذهب العلماء كافّة ، حكاه في «المنتهى» (٣).

ويدلّ عليه روايات كثيرة كصحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا سمع المؤذّن يؤذّن قال مثل ما يقول في كلّ شي‌ء» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٣ الحديث ٦٨٩٣ ، ٣٩٤ الحديث ٦٨٩٥.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٨ الحديث ١١٦٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٢ الحديث ٧٠٠٩.

(٣) منتهى المطلب : ٤ / ٤٣٢.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٢٩ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٣ الحديث ٧٠٦٦.

٤٧٨

وصحيحة الاخرى عنه عليه‌السلام أنّه قال : «لا تدع ذكر الله على كلّ حال ، ولو سمعت المنادي ينادي بالأذان ، وأنت على الخلاء ، فاذكر الله عزوجل ، وقل كما يقول المؤذّن» (١).

وفي «الفقيه» : وروي : «أنّ من سمع الأذان فقال كما يقول المؤذّن زيد في رزقه» (٢).

وهنا فوائد :

الأولى : كون الحكاية بجميع ألفاظ الأذان ، فما في «المبسوط» من أنّه روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : يقول إذا قال حيّ على الصلاة : لا حول ولا قوّة إلّا بالله (٣) ، لعلّه من روايات العامّة (٤) ، لكونها موافقة لطريقتهم ، مع ضعف السند ، فكيف يعدل عن مضمون الصحاح المجمع عليها به؟

الثانية : عدم استحباب حكايته في الصلاة ، كما هو ظاهر الأصحاب ، لوقوع الكلام الأجنبي فيها ، مع عدم عموم يشمله.

الثالثة : لو فرغ عن الصلاة ولم يحك فالظاهر سقوطهما لفوات محلّها ، وهو ما يعد الفصل بغير فصل ، أو معه.

وفي «التذكرة» ، خيّر بينها وبين تركها (٥).

وعن الشيخ في خلافه يؤتى به ، لا من حيث كونه أذان ، بل من حيث كونه ذكرا (٦) ، وفيهما ما فيهما.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٧ الحديث ٨٩٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٤ الحديث ٧٠٦٧ مع اختلاف يسير.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٩ الحديث ٩٠٤.

(٣) المبسوط : ١ / ٩٧.

(٤) صحيح البخاري : ١ / ٢٠٨ الحديث ٦١٣.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٣ / ٨٣.

(٦) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٣ / ٢٩٤.

٤٧٩

الرابعة : يستحب حكاية الأذان المشروع ، ومنه المقدّم قبل الفجر على ما سيجي‌ء ، وأذان الجنب في المسجد ، لكون النهي عن الكون لا عن الأذان.

وكذا أذان من اتّخذ الأجر ، لكون النهي عن اتّخاذه ، وأمّا أذان المجنون والكافر والمرأة إذا سمع صوتها الأجنبي وأمثالها ، ممّا لا يظهر استحبابه شرعا ، فغير ظاهر استحباب حكايتها.

الخامسة : في الصحيح عن الحارث بن المغيرة عن الصادق عليه‌السلام قال : «من سمع المؤذّن يقول : أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأشهد أنّ محمّدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال مصدّقا محتسبا : وأنا أشهد أن لا إله إلّا الله ، وأنّ محمّدا رسول الله واكتفي بهما عمّن أبى وجحد ، واعين بها من أقرّ وشهد ، كان له من الأجر عدد من أنكر وجحد ، وعدد من أقرّ وشهد» (١).

وورد أيضا استحباب قول : «اللهم إنّي أسألك بإقبال نهارك وإدبار ليلك وحضور صلواتك وأصوات دعائك أن تصلّي على محمّد وآل محمّد وأن تتوب عليّ إنّك أنت التوّاب الرحيم ، إذا سمع أذان الصبح ، وقال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب ثمّ مات من يومه أو ليلته مات تائبا» (٢).

والظاهر من قوله عليه‌السلام : «وقال مثل ذلك» في المغرب أن يقول : اللهمّ إنّي أسألك بإقبال ليلك وإدبار نهارك ، لا أن يقول ذلك بعينه ، إذ لو كان المراد ذلك لكان يقول : إذا سمع أذان الصبح وأذان المغرب ، فتأمّل جدّا!

وفي بعض النسخ زيادة : «وتسبيح ملائكتك» (٣).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٣٠ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٧ الحديث ٨٩١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٤ الحديث ٧٠٦٨ مع اختلاف يسير.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٧ الحديث ٨٩٠ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ١ / ٢٣٠ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٢ الحديث ٧٠٦٠ مع اختلاف يسير.

(٣) ثواب الأعمال : ١٨٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٢ ، الحديث ٧٠٦١.

٤٨٠