مصابيح الظلام - ج ٦

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٦

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-6-X
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥١

وإليه أشار في «المنتهى» بقوله : لأنّ الشرط بدون ستر الجميع لا يتيقّن حصوله (١) ، وتبعه في «الذكرى» (٢).

وفيه أنّ مقتضى الأخبار عدم وجوب ستره إلّا على المرأة وأنّ غير المرأة يكفيه ستر القبل والدبر ، فالمتبادر من المرأة يجب عليها الستر ليس إلّا ، فتأمّل!

وهل يجب للأمة ستر ما عدا الرأس؟ الأظهر نعم ، لكونه عورة ، ولدلالة الأخبار والفتاوى.

بل ادّعى في «المنتهى» عليه الإجماع (٣) ، والظاهر أنّ العنق تابع للرأس ، لعسر ستره بدون الرأس.

اعلم! أنّ المحقّق في «المعتبر» استحبّ المقنعة للأمة مستدلّا بأنّ فيه من الستر والحياء ، وهو مطلوب في النساء (٤).

وذهب بعض إلى عدمه ، لعدم الدليل ، ولرواية أحمد بن محمّد بن خالد البرقي ، بإسناده إلى حمّاد اللحّام عن الصادق عليه‌السلام : عن المملوكة تقنّع رأسها إذا صلّت ، قال «لا ، قد كان أبي إذا رأى الخادم تصلّي مقنّعة ضربها لتعرف الحرّة من المملوكة» (٥) (٦) ، وقريب من هذه الرواية رواية أبي خالد القمّاط (٧).

__________________

(١) منتهى المطلب : ٤ / ٢٧٧.

(٢) ذكرى الشيعة : ٣ / ١١.

(٣) منتهى المطلب : ٤ / ٢٧٩.

(٤) المعتبر : ٢ / ١٠٣.

(٥) المحاسن : ٢ / ٣٧ الحديث ١١١٦ ، علل الشرائع : ٣٤٥ الحديث ٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤١١ الحديث ٥٥٦٢ مع اختلاف يسير.

(٦) مدارك الأحكام : ٣ / ١٩٩.

(٧) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٢ الحديث ٥٥٦٤.

١٦١

ولا يخفى أنّ الرواية وردت على سبيل التقيّة ، لأنّ الثاني (١) أمر بضربها حينئذ ليعرف الحرّة من الأمة ، بل ربّما كان فيها شي‌ء ليشعر بها ، مضافا إلى بعد التعليل فيها ، بمعرفة الحرّة من المملوكة ، ومضافا إلى أنّ الضرب لا بدّ أن يكون لفعل حرام ولا شكّ في عدم حرمته ، وفاقا من الخصم ، فكيف يضربها؟

__________________

(١) في (ز ٣) : عمر.

١٦٢

١٢٠ ـ مفتاح

[عدم جواز الصلاة مع نجاسة الثوب وغيره]

لا يجوز الصلاة مع نجاسة الثوب أو البدن إلّا ما عفي عنه ممّا يأتي ، بالكتاب والسنّة والإجماع ، فتبطل مع الاختيار والتعمّد فيهما ، كما في الصحاح المستفيضة (١). أمّا لو ظنّ النجاسة فالأحوط نضحه بالماء ، بل غسله إن استند إلى سبب معتبر ، كما مرّ. وإن جهلها قبل الصلاة ولم يعلم بها حتّى خرج الوقت صحّت إجماعا.

وإن علم بها في الأثناء ، فإن أمكنه نزعه مع الستر أو تبديله أو تطهيره استمرّ ، وإلّا استأنف ، إلّا إذا استيقن سبقها على الصلاة فيستأنف مطلقا.

وقيل بالتفصيل وإن استيقن السبق (٢). وقيل : يستأنف مطلقا مع سعة الوقت (٣).

وإن علم بها بعد الفراغ فإن كان عالما بها قبلها ولكنّه نسي ، فيجب عليه

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٤ الحديث ٤٠٥٥ ، ٤٣٠ الحديث ٤٠٧٢ ، ٤٧٥ الحديث ٤٢١٨.

(٢) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٥١ و ٣٥٢.

(٣) المعتبر : ١ / ٤٤٣.

١٦٣

الإعادة مع بقاء الوقت دون خروجه ، وقيل : يعيد مطلقا (١) ، وعليه الأكثر (٢) ، وقيل : لا يعيد مطلقا (٣).

وإن لم يكن علمها فلا يعيد مطلقا ، وقيل : يعيد مع بقاء الوقت (٤). لنا في الكلّ الجمع بين الصحاح (٥) ، ولهم مخصوص بعضها (٦).

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ٥٢ ، المبسوط : ١ / ٣٨.

(٢) المقنعة : ١٤٩ ، السرائر : ١ / ١٨٣ ، لاحظ! المعتبر : ١ / ٤٤١.

(٣) نقل عن الشيخ الطوسي في تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٩٠ المسألة ١٣٠ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٤٨.

(٤) الاستبصار : ١ / ١٨٤ ذيل الحديث ٦٤٢.

(٥) انظر! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٩ الباب ٢٠ ، ٤٧٩ الباب ٤٢ من أبواب النجاسات.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٤ الحديث ٤٠٥٥ ، ٤٣٠ الحديث ٤٠٧٢ ، ٤٧٥ الحديث ٤٢١٨.

١٦٤

قوله : (لا يجوز). إلى آخره.

أقول : ما قاله المصنّف لا شبهة في تحقّق الإجماع عليه ، نقله الفاضلان في «المعتبر» و «المنتهى» ، بل وغيرهما أيضا (١).

وأمّا الصحاح ؛ فمنها صحيحة ابن مسلم ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة ، وإن نظرت في ثوبك فلم تصبه ثمّ صلّيت فيه ثمّ رأيته بعد فلا إعادة عليك ، وكذلك البول» (٢).

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يصلّي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب ، أيعيد صلاته؟ قال : «إن كان لم يعلم فلا يعيد» (٣).

وصحيحة إسماعيل الجعفي عن الباقر عليه‌السلام : عن الدم الزائد على قدر الدرهم قال : «إن لم يكن رآه حتّى صلّى فلا يعيد الصلاة» (٤). إلى غير ذلك من الأخبار الصحاح والمعتبرة.

ولا يخفى أنّ إطلاق كلام الأصحاب ، بل صريح بعضهم عدم الفرق بين أن يكون المكلّف عالما بالحكم أو جاهلا (٥).

__________________

(١) المعتبر : ١ / ٤٣١ ، منتهى المطلب : ٣ / ٣٠٤ ، ذخيرة المعاد : ١٥٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦١ الحديث ٧٥٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٣ الحديث ٨٨٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٤ الحديث ٤٠٥٥ مع اختلاف يسير.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٠٦ الحديث ١١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٩ الحديث ١٤٨٧ ، الاستبصار : ١ / ١٨٠ الحديث ٦٣٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٥ الحديث ٤٢١٨.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٥ الحديث ٧٣٩ ، الاستبصار : ١ / ١٧٥ الحديث ٦١٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٠ الحديث ٤٠٧٢.

(٥) روض الجنان : ١٦٨.

١٦٥

وتأمّل فيه المقدّس الأردبيلي بأنّ الإجماع فيه غير ظاهر ، والأخبار ليست بصريحة في ذلك ، والنهي الوارد بعدم الصلاة مع النجاسة ، والأمر الوارد بالصلاة مع الطهارة المستلزم له غير واصل إليه ، فلا يمكن الاستدلال بالنهي المفسد للعبادة ، لعدم علمه به ، فكيف يكون منهيّا عنه؟ (١) انتهى.

أقول : فيه أوّلا : أنّ الإجماع ظاهر كمال الظهور بل صريح ، إذ من جملة من ادّعى الإجماع العلّامة ، وهو صرّح بأنّ حكم الجاهل حكم العامد (٢).

وثانيا : أنّ الأخبار وإن لم تكن صريحة ، إلّا أنّها ظاهرة البتّة ، مع أنّها ليست صريحة في حكم العامد أيضا (٣). سلّمنا ، لكن يكفي لنا عدم القول بالفصل.

واستشكل في «المدارك» أيضا ، لقبح تكليف الغافل ، وقال : والحقّ أنّهم إن أرادوا بكون الجاهل كالعامد أنّه مثله في وجوب الإعادة في الوقت ، مع الإخلال بالعبادة فهو حقّ ، لعدم حصول الامتثال المقتضي لبقاء المكلّف تحت العهدة.

وإن أرادوا أنّه كالعامد في وجوب القضاء فهو على إطلاقه مشكل ، لأنّ القضاء فرض مستأنف ، فيتوقّف على الدليل ، فإن ثبت مطلقا أو في بعض الصور ثبت الوجوب وإلّا فلا.

وإن أرادوا أنّه كالعامد في استحقاق العقاب فمشكل ، لأنّ تكليف الجاهل بما هو جاهل تكليف بما لا يطاق.

نعم هو مكلّف بالبحث والنظر إذا علم وجوبهما بالعقل أو الشرع ، فيأثم بتركهما لا بترك ذلك المجهول (٤) ، انتهى.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٣٤٢.

(٢) نقل عنه في مدارك الأحكام ، ٢ / ٣٤٤ ، ذخيرة المعاد : ١٦٧.

(٣) في (ز ٣) : العالم أيضا فما تقول الجواب عنه فهو الجواب هنا.

(٤) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٤٤.

١٦٦

أقول : فيه أوّلا : منع كونه تكليف الغافل ، كيف وهو يعلم أنّه مكلّف بتكليفات كثيرة غاية الكثرة ، ويعلم أنّ تركها موجب للعقاب ، لعلمه بأنّه أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّه صاحب الشرع ، وتكليفات لا بدّ من التشرّع بها وإطاعته فيها ، وعلمه أيضا بالضروريات ، مثل وجوب الوضوء والغسل والتيمّم والصلاة ، وغير ذلك من العبادات التي لا يعرف ماهيّتها إلّا من الشرع لكونها وظيفة.

وعلمه بأنّه لا بدّ (١) من المعرفة ، وطلب العلم الواجب على كلّ مسلم ومسلمة ، سمعه من العلماء والوعّاظ وغيرهم من المسلمين ، ويطّلع عليه بالتظافر والتسامع من المسلمين ، وملاحظة أفعالهم وآثارهم من الكتب وغيره ، كما هو حال من نشأ بين المسلمين ، فإنّه عالم إجمالا وإن لم يعرف التفصيل ، والعلم الإجمالي يخرج عن الغفلة والمعذوريّة.

ألا ترى أنّه لو أعطى المولى عبده طومارا ملفوفا ، وأمره بكلّ ما كتب في هذا الطومار ، وأعلمه بأنّه لو ترك واحدا منه لعاقبه ، فلم يعتن العبد ولم يفتحه ، فلا شكّ في أنّ العقلاء يذمّونه ، ولا يقولون بأنّه غافل ، فيقبح التكليف به.

وثانيا : أنّ المراد كونه كالعامد في وجوب القضاء في الموضع الذي يجب قضاء ما فات منه ، فقوله : فهو مشكل. إلى آخره ، فيه ما فيه ، لأنّ الدليل هو عدم حصول الامتثال المقتضي لبقاء المكلّف تحت العهدة ، كما اعترف هو أيضا في الشقّ الأوّل ، سيّما على القول بأنّ العبادة اسم للصحيحة ، وسيّما بملاحظة ما ثبت من اشتراط قصد القربة فيها. هذا ؛ مضافا إلى إطلاقات الأخبار.

وثالثا : أنّ المراد أنّه كالعامد في استحقاق العقاب ، وقوله : فمشكل. إلى آخره. أيضا فيه ما فيه ، لمنع كونه تكليفا بما لا يطاق مع إمكان التعلّم.

__________________

(١) في (د ٢) زيادة : واطّلاعه فيه وعلمه بالضروريات.

١٦٧

ولو فرض عدمه في بعض الوقت فلا نسلّم قبح مثله ، إذا كان التقصير ناشئا منه ، وهو الموجب لعدم الإمكان.

مع أنّه ظاهر أنّه معاقب البتّة ، ولا يكون هو إلّا من تكليف ، كما اعترف هو أيضا ، لكنّه قال : إنّ العقاب بمقدّماته لا بنفسه.

ولا يخفى أنّه على هذا يصير النزاع لفظيّا ، إذ هو على أيّ تقدير معاقب على ترك ذلك الفعل ، أعم من أن يكون العقاب على الجهل ، أو شي‌ء آخر ، إلّا أن يقال : إنّ الفقهاء يقولون بالعقاب على ترك ذي المقدّمة أيضا ، والحقّ معهم لعدم مانع منه كما عرفت في مثال إعطاء الطومار ، فتأمّل جدّا.

هذا إذا كانت النجاسة في غير محلّ الوضوء أو الغسل ، وأمّا إذا كانت فيهما فينجس الماء أوّلا ، ولا يحصل الوضوء والغسل ، بناء على اشتراط طهارة المحلّ ، أو عدم كفاية الغسل الواحد لرفع الحدث والخبث ، فيجب الإعادة مطلقا.

هذا كلّه اذا كانت النجاسة غير معفو عنها ، وأمّا إذا لم تكن كذلك ، فسيجي‌ء حكمه.

قوله : (أمّا لو ظنّ النجاسة). إلى آخره.

مرّ الكلام فيه مستوفى في بحث النجاسات ، وأنّ الظنّ لا عبرة به في المقام أصلا (١) ، فلاحظ!.

قوله : (وإن جهلها). إلى آخره.

نقل الإجماع عليه ابن فهد صريحا ، حيث قال : إذا لم يسبقه العلم ، وتيقّن سبقها على الصلاة ، فلا إعادة مع خروج الوقت إجماعا (٢) ، انتهى ، وابن إدريس

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٥ (المجلّد الخامس) من هذا الكتاب.

(٢) المهذّب البارع : ١ / ٢٤٦.

١٦٨

أيضا ادّعى الإجماع عليه (١).

وقيل : عبارة العلّامة في «المنتهى» مشعرة بالخلاف ، حيث نسب عدم الإعادة فيه إلى أكثر علمائنا (٢) ، وكذلك عبارة «الذكرى» أيضا (٣).

والظاهر صحّة الإجماع وتحقّقه ، والأخبار في غاية الظهور فيه ، مع أنّك ستعرف عدم وجوب الإعادة في الوقت ، ففي خارجه بطريق أولى.

قوله : (فإن علم بها). إلى آخره.

أقول : إن علم في الأثناء فإمّا أن يعلم السبق ، أو يظنّ ، أو يشكّ ، أو يظنّ عدم السبق ، أو يستيقن ذلك.

فالأوّل ؛ وهو أن يعلم السبق ، فظاهر الشيخ في «المبسوط» و «النهاية» وجوب الاستئناف مطلقا (٤) ، وأنّه أمر مسلّم خال عن الإشكال ، بل وعن «الخلاف» أيضا (٥) ، إذ نقل عنه أنّه لمّا اختار فيهما إعادة الصلاة في الوقت عند الجهل بالنجاسة احتجّ عليه بأنّه لو علم بالنجاسة في أثناء الصلاة ، وجب عليه الإعادة ، فكذا إذا علم في الوقت بعد الفراغ (٦) ، فجعل الأوّل أصلا ثابتا مسلّما خاليا عن التأمّل.

ثمّ فرّع عليه ما هو غير مسلّم ومحلّ للإشكال ، لأنّ عدم الإعادة خلاف

__________________

(١) السرائر : ١ / ١٨٣.

(٢) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٤٨ ، ذخيرة المعاد : ١٦٨ ، لاحظ! منتهى المطلب : ٣ / ٣٠٩.

(٣) ذكرى الشيعة : ١ / ١٤١.

(٤) المبسوط : ١ / ٣٨ و ٩٠ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٥٢ و ٩٤.

(٥) الخلاف : ١ / ٤٧٨ المسألة ٢٢١.

(٦) نقل عنه في منتهى المطلب : ٣ / ٣١١.

١٦٩

مقتضى القاعدة الثابتة وهي كون العبادة التوقيفيّة تستدعي البراءة اليقينيّة عند اشتغال الذمّة بها يقينا.

والأخبار أيضا فيه مختلفة ، كما ستعرف ، بخلاف الاستئناف مطلقا فإنّه موافق للقاعدة المذكورة ، وأصالة عدم الخروج عن العهدة ، وأصالة البقاء تحت العهدة وغيرهما.

ومع ذلك ورد الصحاح في وجوب الإعادة (١) مطلقا من دون معارض كما ستعرف.

وأمّا تفريعه ؛ فلعلّه للقياس بطريق أولى ، فإنّ الجهل بالنجاسة في بعض أجزاء الصلاة إذا كان مضرّا موجبا للإعادة ففي جميع أجزائها وتمامها بطريق أولى ، كما ستعرف.

لكن ستعرف أنّ الأقوى عدم الإعادة على العالم بعد الفراغ ، والإعادة على العالم في الأثناء ، كما اختاره غير واحد من المحقّقين (٢) ، منهم المصنّف.

وفي عبارة غير واحد من الفقهاء : أنّ من رأى النجاسة في الأثناء ، فإن أمكنه غسلها أو إلقائها أتمّ صلاته وإلّا استانف (٣) (٤).

لكن يحتمل أن يكون حكم رؤيتها في الأثناء من حيث هي هي ، مع قطع النظر عن استيقان سبقها.

__________________

(١) في (د ١) و (ز ٣) : الاستيناف.

(٢) المعتبر : ١ / ٤٤١ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٤٨.

(٣) في (ز ٣) : فيجب عليه الإتمام إن لم يكن الإزالة ولا إلقاء الثوب النجس وستر العورة بغيره بما تبطل الصلاة به كفعل الكثير ونحوه ، وإلّا فتبطل صلاته ويجب عليه الاستقبال بعد إزالتها ، بدلا من : فإن أمكنه غسلها أو إلقائها أتم صلاته وإلّا استأنف.

(٤) المبسوط : ١ / ٣٨ ، نهاية الأحكام : ١ / ٣٨٥ ، المهذّب البارع : ١ / ٢٤٨ ، روض الجنان : ١٦٩.

١٧٠

ولذا صرّح في «المبسوط» بذلك مكرّرا على ما نقل عنه ، فلذا ما نسب إلى الشيخ في «المبسوط» إلّا عدم الاستئناف ، إلّا مع عدم إمكان الإلقاء والغسل (١) صاحب «المدارك» وتبع غيره ، مع نقلهما ما نقلنا عنه من احتجاجه ، ولم يعترضا عليه ، ولا تعرّضا للجمع والتوجيه ، ونسباه إلى القول بعدم الاستئناف المذكور خاصّة (٢) ، والظاهر وقوع الغفلة عنهما.

وممّا ذكرنا قال في «المعتبر» : وعلى قول الشيخ الثاني يستأنف (٣) ، وتبعه جماعة على ما قيل (٤).

ومرادهم من القول الثاني : هو ما ذكره (٥) في الاحتجاج المذكور ، وقد عرفت أنّه صريح في ذلك ، وظاهر في المسلّمية ، والخلوّ عن التأمّل ، كما عرفت.

وعرفت أيضا أنّه الحقّ ، مع أنّهما صرّحا قبل هذه المسألة متّصلا بها الاحتجاج المذكور عن «المبسوط» ، وسيجي‌ء عن «النهاية» أيضا.

فلا يتوجّه عليهم ما أورده في «المدارك» و «الذخيرة» بمنع الملازمة (٦) ، وأنّ الشيخ قطع في «المبسوط» بالمضيّ في الصلاة مع التمكّن من الإلقاء والستر بغيره (٧) ، انتهى.

وظهر لك وضوح فساد هذا الإيراد عليهم من وجوه عديدة ، وغير واحد

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٩٠.

(٢) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٥٠ و ٣٥١ ، ذخيرة المعاد : ١٦٨.

(٣) المعتبر : ١ / ٤٤٣.

(٤) لاحظ! ذخيرة المعاد : ١٦٨.

(٥) في (ز ٣) ذكرنا.

(٦) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٥١ ، ذخيرة المعاد : ١٦٨.

(٧) المبسوط : ١ / ٩٠.

١٧١

من المتأخرين جعل هذه المسألة متفرّعة على مسألة إعادة الجاهل في الوقت فاختاروا عدم الاستئناف المطلق ، بناء على كون المختار عدم إعادة الجاهل في الوقت على ما سيجي‌ء.

وفيه ما ستعرف (١) في مسألة الجاهل بالنجاسة العالم بها في الوقت ، والمختار وجوب الاستئناف المطلق ، مع بقاء الوقت لما عرفت من القاعدة.

ولصحيحة زرارة الطويلة السابقة حيث قال فيها : إن رأيته في ثوبي وأنا في الصلاة ، قال : «تنقض الصلاة» (٢).

وصحيحة ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة» (٣).

وصحيحة أبي بصير عنه عليه‌السلام : عن رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثمّ علم به ، قال : «عليه أن يبتدئ الصلاة» (٤). إلى غير ذلك من الأخبار التي لا معارض لها أصلا ، لأنّ ما دلّ على عدم إعادة الجاهل في الوقت ، ظاهر فيمن فرغ عن الصلاة.

والقول بكون العلّة معذوريّة الجاهل من حيث هي هي قياس ، لو لم نقل بكونه مع الفارق.

لا يقال : تعارض الصحاح والمعتبرة حسنة ابن مسلم (٥) قال : قلت له عليه‌السلام :

__________________

(١) في (ز ٣) : عرفت.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٢ الحديث ٤٢٣٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٣ الحديث ٨٨٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٤ الحديث ٤٠٥٥.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٠٥ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٠ الحديث ١٤٨٩ ، الاستبصار : ١ / ١٨١ الحديث ٦٣٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٤ الحديث ٤٢١٥.

(٥) في (ز ٣) : محمّد بن مسلم بإبراهيم بن هاشم.

١٧٢

الدم يكون [في الثوب] عليّ وأنا في الصلاة ، قال : «إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ ، وإن لم يكن عليك غيره فامض في صلاتك» (١).

لأنّا نقول : الحسنة كيف تقاوم الصحاح؟ فكيف الصحاح والمعتبرة والقاعدة؟

ومع ذلك قوله عليه‌السلام : «وإن لم يكن عليك». إلى آخره ، ممّا لم يقل به أحد منهم ، فكيف يكون دليلا لهم؟ بل هو مخالف للمجمع عليه والأدلّة المسلّمة ، فلا بدّ من التوجيه والحمل على كون المراد دم المعفوّ عنه ، وكون الأمر بالطرح على سبيل الاستحباب ، على ما ينادي به تتمّة هذه الحسنة على نسخة «الكافي» و «الاستبصار» و «الفقيه» (٢).

بل يظهر منها كون ما في «التهذيب» وهما ، مضافا إلى ظهور الحزازة فيه ، ومع ذلك فيها تتمّة في «التهذيب» أيضا ، تمنع عن الاستدلال ، فلاحظ.

لا يقال : ما في صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام : في الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر وهو في صلاته كيف يصنع به؟ قال : «إن كان دخل في صلاته فليمض ، وإن لم يدخل فلينضح ما أصاب من ثوبه ، إلّا أن يكون فيه أثر فيغسله» (٣) ربّما يعارضها.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٥٩ الحديث ٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦١ الحديث ٧٥٨ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٤ الحديث ٧٣٦ ، الاستبصار : ١ / ١٧٥ الحديث ٦٠٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣١ الحديث ٤٠٧٦.

(٢) في (ز ٣) و (د ١) زيادة : وهي هذه حيث قال : «لا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم وما كان أقلّ من ذلك فليس بشي‌ء تراه أم لم تره وإذا رأيته وهو أكثر من درهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صلّيت فيه» [وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣١ الحديث ٤٠٧٦ مع اختلاف يسير] فعلى هذا تكون الرواية دليلا لنا ، لأنّ «الكافي» أضبط سيّما ووافقه في «الاستبصار» والصدوق أيضا في «الفقيه» فتعيّن.

(٣) الكافي : ٣ / ٦١ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٦١ الحديث ٧٦٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٧ الحديث ٤٠٣٦ مع اختلاف يسير.

١٧٣

قلنا : هي واردة في صورة النسيان ، ومع ذلك تضمّن الأمر بالغسل مطلقا في صورة تحقّق أثر الخنزير.

وإنّما قلنا بأنّ الاستئناف المطلق عند اتّساع الوقت ، لأنّ وجوب الإزالة ليس إلّا لأجل الصلاة ، فإذا فاتت الصلاة فأيّ فائدة فيها؟ والقضاء فرض مستأنف ، ومرّ الكلام في ذلك مشروحا في مبحث التيمّم (١).

لا يقال : الأمر بالاستئناف مطلق.

لأنّا نقول : المطلق ينصرف إلى الأفراد الشائعة.

ومع ذلك نقول : ما دلّ على وجوب وقوع الصلاة في أوقاتها أقوى منه بمراتب ، بل ما دلّ على وجوب الصلاة أيضا يعارضه ، لما عرفت من أنّ القضاء فرض مستأنف ، هذا كلّه حكم مستيقن سبق النجاسة ، سواء كان سبقها على الصلاة أو على قدر منها.

وأمّا الظان بالسبق ، فقد عرفت عدم ضرر الظنّ بالنجاسة ، ومنه يظهر حكم الشكّ بطريق أولى ، وكذا الظنّ بعدم السبق ، وكذا اليقين بالعدم.

لا يقال : ربّما كان التحقيق في الأثناء مضرّا مانعا عن صحّتها.

لأنّا نقول : المستفاد من الصحاح عدم المضرّة مع إمكان الإزالة ، مثل صحيحة معاوية بن وهب عن الصادق عليه‌السلام : عن الرعاف أينقض الوضوء؟ قال : «لو أنّ رجلا رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فتناوله فقال (٢) برأسه فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها» (٣).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٦٢ ـ ٢٦٤ (المجلّد الرابع) من هذا الكتاب.

(٢) في النسخ : فمال.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٧ الحديث ١٣٤٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٤١ الحديث ٩٢٢٢.

١٧٤

ومثلها صحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام (١) ، وصحيحة إسماعيل بن عبد الخالق (٢).

لا يقال : مقتضى الخبرين البناء على عدم الكلام مطلقا ، ولم يقل به أحد.

لأنّا نقول : المطلق يحمل على المقيّد ، وهو ما دلّ على المنع من فعل الكثير ونحوه ، مع أنّ الأصل حجّية أجزاء الحديث ، إلّا فيما ثبت عدمها.

قوله : (لكنّه نسي). إلى آخره.

الإعادة مطلقا هو المشهور بين الفقهاء ، ومنهم الصدوق ، والمفيد ، والمرتضى والشيخ في «النهاية» و «المبسوط» و «الخلاف» ، وابن إدريس (٣).

بل نقل عنه ادّعاء الإجماع عليه ، واعترافه بأنّه لو لا الإجماع لما صار إليه (٤) بل اطّلعت على «السرائر» فوجدت عبارته هكذا : إنّ من صلّى في ثوب فيه نجاسة غير معفوّ عنها مع العلم بذلك بطلت صلاته ، وإن علم أنّ فيه نجاسة ثمّ نسيها ثمّ صلّى كان مثل الأوّل عليه الإعادة ، سواء خرج الوقت أو لم يخرج الوقت بغير خلاف بيننا في المسألتين ، إلّا من شيخنا أبي جعفر الطوسي في استبصاره فحسب دون سائر كتبه (٥) ، انتهى.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١٨ الحديث ١٣٠٢ ، الاستبصار : ١ / ٤٠٣ الحديث ١٥٣٦ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٤٠ الحديث ٩٢٢٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٨ الحديث ١٣٤٥ ، الاستبصار : ١ / ٤٠٣ الحديث ١٥٣٧ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٤١ الحديث ٩٢٢٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٣ ، المقنعة : ٦٦ و ١٤٩ ، نقل عن المرتضى في ذخيرة المعاد : ١٦٧ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٥٢ ، المبسوط : ١ / ٩٠ ، الخلاف : ١ / ٤٧٨ المسألة ٢٢١ ، السرائر : ١ / ١٨٣.

(٤) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٢ / ٣٤٥.

(٥) السرائر : ١ / ١٨٣.

١٧٥

ونقل عن الشيخ في بعض فتاويه عدم الإعادة مطلقا (١) ، وذهب في «الاستبصار» إلى الاعادة في الوقت دون خارجه (٢) ، وتبعه بعض المتأخّرين مثل العلّامة وغيره (٣).

ويدلّ على المشهور ـ مضافا إلى الإجماع المنقول ، والقاعدة المسلّمة من استدعاء شغل الذمّة اليقيني البراءة اليقينيّة وكون العبادة اسما للصحيحة لا للأعم ـ الأخبار الكثيرة منها : صحيحة زرارة ، قال : قلت : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من مني فعلمت أثره إلى أن اصيب له الماء ، فأصبت وقد حضرت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئا وصلّيت ، ثمّ إنّي ذكرت بعد ذلك ، قال : «تعيد الصلاة وتغسله» (٤).

ولا يضرّها الإضمار ، لأنّ الظاهر مثل زرارة الراوي لا يروي عن غير المعصوم عليه‌السلام (٥) ، فلعلّه من جهة تقطيع بعض أجزائها عن بعض صار مضمرا ، مع أنّ الصدوق في كتابه «العلل» نقلها عن الباقر عليه‌السلام (٦).

ومنها : صحيحة ابن أبي يعفور ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثمّ يعلم فينسى أن يغسله فيصلّي ، ثمّ يذكر بعد ما صلّى ، أيعيد صلاته؟ قال : «يغسله ولا يعيد صلاته ، إلّا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله

__________________

(١) نقل عنه في تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٩٠ المسألة ١٣٠.

(٢) الاستبصار : ١ / ١٨٤ ذيل الحديث ٦٤٢.

(٣) إرشاد الاذهان : ١ / ٢٤٠ ، مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٣٤٥.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢١ الحديث ١٣٣٥ ، الاستبصار : ١ / ١٨٣ الحديث ٦٤١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٩ الحديث ٤٢٢٩.

(٥) في (ز ٣) : الإمام.

(٦) علل الشرائع : ٣٦١ الحديث ١.

١٧٦

ويعيد الصلاة» (١).

ومنها : صحيحة أبي بصير عنه عليه‌السلام قال : «إن أصاب ثوب الرجل الدم فصلّى فيه وهو لا يعلم فلا إعادة عليه ، وإن هو علم قبل أن يصلّي فنسي وصلّى فيه فعليه الإعادة» (٢).

ومنها : موثّقة سماعة قال : سألت الصادق عليه‌السلام عن الرجل يرى بثوبه الدم فينسى أن يغسله حتّى يصلّي؟ قال : «يعيد صلاته كي يهتمّ بالشي‌ء إذا كان في ثوبه عقوبة لنسيانه» (٣).

وما روي في «قرب الإسناد» عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : عن رجل احتجم فأصاب ثوبه دم فلم يعلم به حتّى إذا كان من الغد كيف يصنع؟ قال : «إن كان رآه ولم يغسله فليقض جميع ما فاته على قدر ما كان يصلّي ولا ينقص منه شي‌ء ، وإن كان رآه وقد صلّى فليعتد بتلك الصلاة ثمّ يغسله» (٤). إلى غير ذلك من الأخبار الصحاح والمعتبرة.

ويدلّ على عدم الإعادة مطلقا صحيحة الحسن بن محبوب ، عن العلاء ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يصيب ثوبه الشي‌ء ينجّسه فينسى أن يغسله فيصلّي فيه ، ثمّ يذكر أنّه لم يكن غسله ، أيعيد الصلاة؟ قال : «لا يعيد ، قد مضت الصلاة

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٥ الحديث ٧٤٠ ، الاستبصار : ١ / ١٧٦ الحديث ٦١١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٩ الحديث ٤٠٧١.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٤ الحديث ٧٣٧ ، الاستبصار : ١ / ١٨٢ الحديث ٦٣٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٦ الحديث ٤٢٢٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٤ الحديث ٧٣٨ ، الاستبصار : ١ / ١٨٢ الحديث ٦٣٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٠ الحديث ٤٢٣٢.

(٤) قرب الاسناد : ٢٠٨ الحديث ٨١٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٧ الحديث ٤٢٢٣.

١٧٧

وكتبت له» (١).

وصحيحة علي بن جعفر عن الكاظم عليه‌السلام : عن رجل ذكر وهو في صلاته أنّه لم يستنج من الخلاء ، قال : «ينصرف ويستنجي ويعيد الصلاة ، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك ولا إعادة عليه» (٢).

وموثّقة عمّار بن موسى ، عن الصادق عليه‌السلام يقول : «لو أنّ رجلا نسي أن يستنجي من الغائط حتّى يصلّي لم يعد الصلاة» (٣).

ومثلها ضعيفة أحمد بن هلال (٤) ، وحسنة المثنّى الحنّاط ، عن عمرو بن أبي نصر ، عن الصادق عليه‌السلام قال : سألت عنه عليه‌السلام إنّي صلّيت فذكرت أنّي لم أغسل ذكري بعد ما صلّيت ، أفأعيد؟ قال : «لا» (٥).

لكن لا يخفى أنّ هذه الأخبار سوى الأوّل تدلّ على عدم الإعادة لمن ترك الاستنجاء نسيانا وتفطّن به بعد الفراغ من الصلاة (٦) ، إلّا أن يقال بعدم القائل بالفصل بينهما ، وهو محتاج إلى الفحص والتأمّل.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٣ الحديث ١٣٤٥ ، الاستبصار : ١ / ١٨٣ الحديث ٦٤٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٠ الحديث ٤٢٣٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٥٠ الحديث ١٤٥ ، الاستبصار : ١ / ٥٥ الحديث ١٦١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣١٨ الحديث ٨٣٨ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٩ الحديث ١٤٣ ، الاستبصار : ١ / ٥٤ الحديث ١٥٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣١٨ الحديث ٨٣٧.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٨ الحديث ١٤٠ ، الاستبصار : ١ / ٥٤ الحديث ١٥٧ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣١٧ الحديث ٨٣٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٥١ الحديث ١٤٨ ، الاستبصار : ١ / ٥٦ الحديث ١٦٣ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٩٥ الحديث ٧٧٦.

(٦) في (ز ٣) و (د ١) زيادة : ولم يعلم منها حكم ترك النجاسة نسيانا وتفطن بعد الصلاة.

١٧٨

ومع ذلك تعارضها ما ورد في خصوص الاستنجاء ما هو أكثر عددا وصحيحته أكثر ومفتى به بين الأصحاب ، مضافا إلى ما ظهر من تحقّق الوهم في كثير ممّا ذكر ، ومع ذلك ظهر من صحيحة زرارة (١) كون الاستنجاء بالماء.

وربّما يظهر من الأخبار أنّهم في ذلك الزمان كانوا يتغوّطون ويستنجون بالأحجار ونحوها إلى وقت الوضوء للصلاة ، فكانوا يستنجون بالماء ذلك الوقت ، فلعلّ المراد خصوص هذا الاستنجاء وإن بعد جمعا بين الأخبار ، فتأمّل!

مع أنّ هذه الأخبار لا تعارض الأخبار الدالّة على الإعادة مطلقا والإجماع المنقول ، فضلا أن يغلب عليها ، لعدم التقاوم بين هذه الأخبار وبينها ، لكثرتها عددا غاية الكثرة ، ولكون سند أكثرها صحاحا ، وباقيها معتبرا ، ولاعتضادها بالشهرة بين الأصحاب والإجماع (٢).

ولأنّها عمل بمضمونها مثل المرتضى وابن إدريس (٣) ، وهما ممّن لا يعملان باخبار الآحاد إلّا إذا كانت محفوفة بالقرينة القطعيّة ، فيعلم أنّها كانت عندهما محفوفة بالقرينة.

فمع جميع هذا ؛ كيف يجوز ترك العمل بها والعمل بخلافها؟ مع أنّها لو كانت ضعيفة لا تقاوم أيضا ، لكونها منجبرة بعمل الأصحاب.

وحقّق أنّ الضعيف المنجبر أقوى من الصحيح من حيث هو ، فما ظنّك بها (٤) إذا كان صحيحا ، بل وصحاحا ومعتبرة؟

__________________

(١) راجع! الصفحة : ١٧٦ من هذا الكتاب.

(٢) في (ز ٣) زيادة : فإنّ ابن إدريس صرّح بعدم الخلاف إلّا من الشيخ في «الاستبصار» ، وصرّح أيضا بأنّه في جميع كتبه ـ سوى كتابه المبارك ـ وافق الأصحاب ، [السرائر : ١ / ١٨٣].

(٣) نقل عن المرتضى في المعتبر : ١ / ٤٤١ ، السرائر : ١ / ١٨٣.

(٤) في (ز ٣) زيادة : مع أنّه ورد الأمر بالأخذ بما اشتهر بين الأصحاب ، ولا شكّ في أنّ المقام منه فيشمله الأمر.

١٧٩

وبالجملة ؛ إذا كانت المرجّحات كلّها معها ، فكيف يمكن التمسّك بخلافها وترجيح خلافها عليها؟ وهذا واضح.

والمحقّق في «المعتبر» لمّا نقل صحيحة ابن محبوب ، وقال بعد نقلها : وعندي أنّ هذه حسنة ، والاصول تطابقها ، لأنّه صلّى صلاة مشروعة مأمورا بها ، فيسقط الفرض بها ، ويؤيّد ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان» (١) ، انتهى (٢).

وفيه أنّ سقوط الفرض من تحقّق الامتثال العرفي الذي هو الإتيان بالمطلوب واقعا لا مطلقا ، لعدم كونه مسلّما ولا بيّنا ولا مبيّنا.

وتحقّقه بعد ظهور المخالفة لما امر به وإن كانت نادرة قليل في أمر غاية القلّة فيه ما فيه ، سيّما مع ما عرفت من الأخبار المعتضدة بعمل الأصحاب ، وغيره من المرجّحات المذكورة الصريحة غاية الصراحة.

وكون الاصول تطابقها أيضا محلّ تأمّل ، لاستدعاء شغل الذمّة اليقيني البراءة اليقينيّة ، ولأصالة عدم الخروج عن العهدة بها ، وأصالة عدم كونها صلاة مأمورا بها ، وعدم كونها العبادة المطلوبة وغيرها.

هذا ؛ مضافا إلى أنّ العبادة اسم للصحيحة لا للأعم ، مع أنّ الشيخ نسب هذه الرواية إلى الشذوذ (٣).

وفي التأييد أيضا نظر ظاهر ، لأنّه لا ربط للمدّعى أصلا ، إذ المدّعى هو كون صلاة الناسي المذكور صحيحة أو باطلة.

والذي يظهر من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع». إلى آخره ، هو كون الناسي غير

__________________

(١) الخصال : ٤١٧ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٦٩ الحديث ٢٠٧٦٩.

(٢) المعتبر : ١ / ٤٤١ و ٤٤٢ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٠ ذيل الحديث ١٤٩٢.

١٨٠