محمّد باقر الوحيد البهبهاني
المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-6-X
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٥١
مرّة واحدة ، وإن كفى في بوله قبل أن يطعم الطعام عند كلّ نجاسة (١) ، انتهى.
ومراده أنّ الاكتفاء بالصبّ في بول الرضيع إنّما هو مع تكرير الإزالة بحسب الحاجة إلى الدخول في العبادة ، عملا بالأخبار الدالّة على الصبّ.
وأمّا مع الاكتفاء بالمرّة في اليوم ، فلا بدّ من الغسل ، للرواية المتقدّمة (٢) المعمول بها عند الأصحاب ، المعاضدة بالاعتبار ، فتقيّد الأخبار الدالّة على الصبّ مطلقا بهذه الرواية ، الموصوفة بالصفات المذكورة في هذه المادّة المخصوصة ، وهي اتّحاد الثوب.
وكيف كان ؛ لا تأمّل في المسألة لما قلنا ، ولاتّفاق الأصحاب عليه.
واعلم! أنّ المشهور بين الأصحاب ، استحباب إيقاع الغسلة آخر النهار ، لإطلاق الرواية ، منضما إلى وقوع الصلوات الأربع في حال الطهارة (٣).
ولا نعلم فيه مخالفا صريحا سوى العلّامة في «التذكرة» ، فإنّه قال : وفي وجوبه إشكال ينشأ من الإطلاق ، ومن أولويّة طهارة أربع على طهارة واحدة (٤).
وغير خفيّ أنّ ما وجّهنا به للاستحباب قويّ ، سيّما بملاحظة مقتضى الأصل وفهم المعظم ، مع أنّ ما وجّهه للوجوب في دلالته عليه تأمّل ، بعد ملاحظة إطلاق الرواية ، وغيره ممّا ذكر.
وفي وجوب إيقاع الصلاة عقيب غسل الثوب والمتمكّن من لبسه ، مع اقتضاء العادة نجاسته بالتأخير ، نظر.
نعم ؛ ربّما كانت القاعدة المسلّمة تقتضي الوجوب ، وأنّ ما ذكر لتحصيل
__________________
(١) نهاية الإحكام : ١ / ٢٨٨.
(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٩ الحديث ٣٩٧١.
(٣) معالم الدين في الفقه : ٢ / ٦٢٤ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٥٥ ، ذخيرة المعاد : ١٦٥.
(٤) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٩٤.
اليسر ، والميسور لا يسقط بالمعسور.
بل الظاهر من الرواية أنّ الغسل مرّة ، لأجل كون الصلاة مع الغسل في الجملة ، لا أن يكون الغسل يقع للصلاة في وقوعها بطهارة فتأمّل ، ولو أخلّت بالغسل جهلا بالنجاسة ، فصلاتها صحيحة.
وأمّا العامدة ؛ فالظاهر عدم صحّة ما صلّت مع النجاسة ، ويحتمل عدم صحّة صلاة آخر النهار والليل فقط.
وأمّا الجاهلة بالحكم ؛ فقد عرفت أنّها كالعامدة على ما هو المشهور ، بل كاد أن يكون إجماعا ، لو لم نقل بالإجماع.
وأمّا ناسية النجاسة بنسيان الغسل ، فلعلّها داخلة في حكم ناسي النجاسة وقد مرّ.
ثمّ اعلم! أنّه نقل عن جماعة من الأصحاب ، منهم الشهيد في «الذكرى» و «الدروس» العفو عن نجاسة ثوب الخصي الذي يتواتر بوله ، إذا غسله مرّة في النهار (١).
واستدلّ عليه بالحرج والمشقّة ، وبما رواه الشيخ في الصحيح عن سعدان بن مسلم عن عبد الرحيم القصير قال : كتبت إلى أبي الحسن الأوّل عليهالسلام أسأله عن خصي يبول فيلقى من ذلك شدّة ، ويرى البلل بعد البلل ، فقال : «يتوضّأ وينضح ثوبه في النهار مرّة واحدة» (٢).
ولا يضرّ الضعف بعد الانجبار بعمل الأصحاب ، وبالعلّة المذكورة ،
__________________
(١) نقل عنهم في معالم الدين في الفقه : ٢ / ٦٢٤ ، لاحظ! ذكرى الشيعة : ١ / ١٣٩ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٢٧.
(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٤ الحديث ١٣٤٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٨٥ الحديث ٧٥١.
وللاعتضاد بالأصل ، والصدوق ذكرها في «الفقيه» مرسلا (١) ، فربّما يظهر أنّه أيضا أفتى بها ، فتأمّل!
ولا يخفى أنّ مدلول الرواية هو النضح ، وأنّه لأجل البلل ، كما ورد فيه مكرّرا كما مرّ ، لا البول اليقيني ، فلعلّهم فهموا منه الغسل ، لكثرة استعماله فيه ، ومن البلل ما فيه البول وهو بعيد ، لأنّ الأصل الحقيقة حتّى يظهر القرينة على خلافها ، وهي مفقودة.
فالأمر دائر مع الحرج والمشقّة ، لقوله تعالى (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) (٢) و (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) (٣) وغير ذلك.
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٣ الحديث ١٦٨.
(٢) الحجّ (٢٢) : ٧٨.
(٣) البقرة (٢) : ١٨٥.
١٢٢ ـ مفتاح
[حكم ما لا يمكنه التطهير]
إذا لم يمكنه التطهير صلّى فيه ، كما في الصحاح المستفيضة (١) ، ويجوز نزعه والصلاة عريانا ، قاعدا موميا ، للخبرين (٢) المنجبر ضعفهما بالشهرة ، ولكن الأولى الستر والقيام واستيفاء الأفعال ، وفاقا للإسكافي (٣) ، وقيل : بل يجب النزع حتما (٤) ، كما في الخبرين ، وليس بشيء.
ولو اشتبه ثوباه أو أزيد ، ولم يمكنه التطهير صلّى فيما زاد على المتيقّن النجاسة ، في كلّ واحد مرّة ، ولا يصلّي عريانا ، وفاقا للأكثر (٥) ، لتمكّنه معه من الثوب الطاهر واستيفاء الشرائط ، ولجواز صلاته في المتيقّن النجاسة فالمشكوك أولى ، وللحسن (٦) وهو نصّ فيه.
__________________
(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٤ الباب ٤٥ من أبواب النجاسات.
(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٦ الحديث ٤٢٤٨ و ٤٢٥١.
(٣) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٨٩ و ٤٩٠.
(٤) المبسوط : ١ / ٣٩ و ٩٠ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٥٥.
(٥) المبسوط : ١ / ٣٩ و ٩٠ و ٩١. النهاية للشيخ الطوسي : ٥٥ ، الخلاف : ١ / ٤٨١ المسألة ٢٢٤ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٥٦.
(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ٥٠٥ الحديث ٤٢٩٨.
وقيل : بل يصلّي عريانا ، لوجوب الجزم عند الافتتاح بكونها هي الصلاة الواجبة ، وهو منتف في كلّ منهما (١).
وفيه منع ذلك أوّلا ، ثمّ إسقاطه فيما نحن فيه ثانيا ، لمكان الضرورة ، وليس بأولى من الستر والقيام واستيفاء الأفعال.
__________________
(١) السرائر : ١ / ١٨٤ و ١٨٥.
قوله : (إذا لم يمكنه). إلى آخره.
اختلف الأصحاب في ذلك ، فالأكثر على وجوب النزع والصلاة عريانا منهم الشيخ ، وابن البرّاج ، وابن إدريس ، والمحقّق في «الشرائع» ، والعلّامة في أكثر كتبه (١) بل في «الخلاف» إجماع الفرقة (٢) ، وهو الظاهر من «الكافي» (٣).
ومال جمع إلى التخيير بينه وبين الصلاة عاريا ، منهم الشهيدان ، و «المعتبر» و «المنتهى» على ما نقل (٤) ، وابن الجنيد استحبّ الصلاة فيه (٥).
حجّة الأكثر الإجماع المنقول (٦) ، وموثّقة سماعة المرويّة في «الكافي» و «التهذيب» قال : سألته عن رجل يكون في فلاة من الأرض ليس عليه إلّا ثوب واحد وأجنب فيه وليس عنده ماء كيف يصنع؟ قال : «يتيمّم ويصلّي عريانا» (٧) الحديث.
ورواية محمّد بن علي الحلبي عن الصادق عليهالسلام : في الرجل أصابته جنابة وهو
__________________
(١) النهاية للشيخ الطوسي : ٥٥ ، المبسوط : ١ / ٣٩ ، الخلاف : ١ / ٤٧٤ المسألة ٢١٨ ، نقل عن ابن البراج في منتهى المطلب : ٣ / ٣٠١ ، السرائر : ١ / ١٨٦ ، شرائع الإسلام : ١ / ٥٤ ، نهاية الإحكام : ١ / ٣٧٢ ، تحرير الأحكام : ١ / ٢٥ ، قواعد الأحكام : ١ / ٨ ، مختلف الشيعة : ١ / ٤٨٧.
(٢) الخلاف : ١ / ٤٧٤ المسألة ٢١٨.
(٣) الكافي : ٣ / ٣٩٦.
(٤) نقل عنهم في ذخيرة المعاد : ١٦٩ ، لاحظ! اللمعة الدمشقيّة : ٢٥ ، البيان : ٩٦ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٢٧ ، ذكرى الشيعة : ١ / ١٣٩ ، مسالك الأفهام : ١ / ١٢٩ ، المعتبر : ١ / ٤٤٥ ، منتهى المطلب : ٣ / ٣٠٣.
(٥) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ١ / ٤٩٠.
(٦) لاحظ! كشف اللثام : ١ / ٤٥٤.
(٧) الكافي : ٣ / ٣٩٦ الحديث ١٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٥ الحديث ١٢٧١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٦ الحديث ٤٢٥٠ مع اختلاف يسير.
بالفلاة وليس عليه إلّا ثوب واحد وأصاب ثوبه مني ، قال : «يتيمّم ويطرح ثوبه ويجلس مجتمعا ويصلّي فيومي إيماء» (١).
وقويّه محمّد الحلبي عنه عليهالسلام : عن الرجل يجنب في الثوب أو يصيبه بول وليس معه ثوب غيره ، قال : «يصلّي فيه إذا اضطرّ إليه» (٢) ، إذ فرق بين أن يقول : يصلّي فيه بشرط الاضطرار إليه ، وأن يقول : يصلّي فيه ، لأنّه اضطرّ إليه.
فظهر ضعف ما أجاب عنها في «المعتبر» : بأنّ الاضطرار يكفي فيه عدم التمكّن من غيره (٣).
ويدلّ على المشهور أيضا العمومات الدالّة على المنع من الصلاة في النجس.
احتجّ الشيخ بهذه العمومات أيضا بعد الاحتجاج بالإجماع ، والروايتين الأوّلتين (٤) ، واجيب عن الأوّل : بأنّه إجماع في محلّ النزاع (٥).
وفساد هذا الاعتراض عرفته مرارا ، لأنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد حجّة لشمول أدلّة حجيّة خبر الواحد له ، بل في الحقيقة هو أيضا خبر ، لأنّه عبارة عن الاتّفاق الكاشف عن قول المعصوم عليهالسلام قطعا ، والثّقة أخبر بذلك.
والخبر الواحد حجّة ، سواء كان حسّيا أو حدسيا ، كما هو المحقّق المسلّم ، ومن المسلّمات المبيّنات عدم ضرر خروج معلوم النسب وإن كان مائة ، فمجرّد النزاع كيف ينافي الإجماع ويضرّه ، والعبرة فيه بنقل الثّقة ، لا الثبوت علينا.
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٦ الحديث ١٢٧٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٦ الحديث ٤٢٥١.
(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٤ الحديث ٨٨٣ ، الاستبصار : ١ / ١٦٩ الحديث ٥٨٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٥ الحديث ٤٢٤٦.
(٣) المعتبر : ١ / ٤٤٥.
(٤) الخلاف : ١ / ٤٧٥ و ٤٧٦.
(٥) ذخيرة المعاد : ١٦٩.
واجيب عن الروايتين بعدم صحّة السند ، لكون الاولى موثّقة ، والثانية في طريقها محمّد بن عبد الحميد ، ولم يوثّق صريحا (١).
وهذا الاعتراض أيضا ظهر فساده مرارا ، لأنّهما منجبرتان بعمل الأصحاب ، لأنّ القدماء والمتأخّرين عملوا بهما.
بل اتّفقوا كلّ الاتّفاق لأنّهما حجّة عند جميع الفرق المذكورة ، أمّا المشهور فظاهر ، وأمّا من قال بالتخيير مطلقا ، أو مع استحباب الصلاة فيه أيضا فلما ستعرف ، مع أنّ الموثّق حجّة كما حقّق ، سيّما مع كونها مرويّة في «الكافي» (٢) الذي حكم مصنّفه بكون جميع أحاديثه صادرة عن المعصوم عليهالسلام ، بعنوان الصحّة واليقين.
مع أنّ ابن إدريس وغيره ممّن لم يقل بحجيّة خبر الواحد عملوا بالروايتين ، فهما قطعيّتان عندهم على الظاهر ، أو مستندا الإجماع القطعي عندهم ، وهم كثيرون (٣) ، فتدبّر!
ومحمّد بن عبد الحميد عدّ حديثه صحيحا ، كما ستعرف.
هذا ؛ مع انجبار هما بقويّة الحلبي المذكورة (٤) ، والعمومات الكثيرة بعد الإجماع المذكور ، لأنّه ادّعى إجماع الفرقة ، ولا أقلّ من الشهرة العظيمة بين القدماء.
ولذا لم ينقل التخيير ، إلّا عن خصوص جمع من التأخّرين (٥) ، مع ما عرفت
__________________
(١) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٦٠ ، ذخيرة المعاد : ١٦٩.
(٢) الكافي : ٣ / ٣٦٩ الحديث ١٥.
(٣) الخلاف : ١ / ٤٧٥ ، السرائر : ١ / ١٨٦ ، كشف اللثام : ١ / ٤٥٤.
(٤) مرّ آنفا.
(٥) منتهى المطلب : ٣ / ٣٠٣ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٢٧ ، مسالك الأفهام : ١ / ١٢٨ و ١٢٩ ، جامع المقاصد ١ / ١٧٧ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٦١.
من القول بتحتّم الصلاة عريانا أيضا ، بل بعضهم في أكثر كتبه (١).
والشيخ مع روايته الأخبار المعارضة لهاتين الروايتين جعلهما الأصل ، وحمل المعارضة بمحامل بعيدة غاية البعد (٢) ، وليس ذلك إلّا لغاية اعتماده عليهما ، وعلى إجماع الفرقة.
وحجّة القائلين بالتخيير الجمع بين الأدلّة المذكورة ، والأخبار المعارضة لها.
وهي رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليهالسلام : عن الرجل يجنب في ثوب ليس معه غيره ولا يقدر على غسله قال : «يصلّي فيه» (٣).
وصحيحة محمّد الحلبي عنه عليهالسلام : عن الرجل يكون له الثوب الواحد فيه بول لا يقدر على غسله ، قال : «يصلّي فيه» (٤).
وصحيحته الاخرى عنه عليهالسلام : عن رجل أجنب في ثوبه وليس معه [ثوب] غيره قال : «يصلّي فيه وإن وجد الماء غسله» (٥).
وصحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهالسلام : عن رجل عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوبا نصفه دم أو كلّه يصلّي فيه أو يصلي عريانا؟ قال : «إن وجد ماء غسله ، وإن لم يجد [ماء] صلّى فيه ولم يصلّ عريانا» (٦).
__________________
(١) قواعد الأحكام : ١ / ٨ ، مختلف الشيعة : ١ / ٤٨٧ ، نهاية الإحكام : ١ / ٣٧٢.
(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٤ ذيل الحديث ٨٨٥ ، الاستبصار : ١ / ١٦٩ ذيل الحديث ٥٨٦.
(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٠ الحديث ٧٥٤ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٤ الحديث ٨٨٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٤ الحديث ٤٢٤٣.
(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٠ الحديث ٧٥٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٤ الحديث ٤٢٤٢.
(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٠ الحديث ١٥٥ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٧١ الحديث ٧٩٩ ، الاستبصار : ١ / ١٨٧ الحديث ٦٥٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٤ الحديث ٤٢٤٠ مع اختلاف يسير.
(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٠ الحديث ٧٥٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٤ الحديث ٨٨٤ ، الاستبصار : ١ / ١٦٩ الحديث ٥٨٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٥ الحديث ٤٢٤٤.
ويرد عليهم أنّ مقتضى هذه الروايات تعيين الصلاة في الثوب بعنوان الوجوب من دون تجويز غيره ، كما أنّ الأدلّة السابقة اقتضت وجوب الصلاة عريانا ، من دون تجويز غيره.
فهذه الروايات لم يقل بها أحد ، ومضامينها خلاف ما اتّفق عليه الكلّ وخلاف الأدلّة السابقة ، وخلاف الإجماع الذي نقله في «المنتهى» ، لأنّه نقل الإجماع على جواز الصلاة عاريا (١).
ولأجل ما ذكر ، حمل الشيخ الراوي لها بأنّ المراد صلاة الميّت ، أو إذا لم يتمكّن من نزعه ، وأنّ الدم دم السمك (٢) ، وهو أعرف بحال ما رواه ، ولم يجعل التخيير من جملة المحامل ، لأنّه يوجب تخريب الأدلّة السابقة ، وتخريب هذه الروايات جميعا ، لأنّ ما بين الجواز وظواهر هذه الأخبار ـ سيّما الأخبار الأخيرة ـ بون بعيد ، لأنّ الراوي لا يدري الحكم ولذا يسأل ، فاجيب بأنّ الحكم هو الصلاة في الثوب النجس.
بل وصرّح بالمنع عن الصلاة عاريا ، فعلى هذا تعيّن العمل بالأدلّة السابقة والتأويل في خصوص هذه الروايات ، كما صدر عن الشيخ وغيره من أكثر الأصحاب ، لا تخريب الكلّ ، كما صدر عن هؤلاء.
وورد عنهم عليهمالسلام الأمر بالأخذ بالخبر المشتهر بين الأصحاب ، وترك العمل بالشاذّ (٣) ، من دون أمر بتوجيه وتأويل حينئذ أصلا في خبر من الأخبار ، ولا شكّ ولا شبهة في كونها شاذّة ، مع قطع النظر عن التوجيه.
__________________
(١) منتهى المطلب : ٤ / ٢٨٣.
(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٤ ذيل الحديث ٨٨٥ و ٨٨٦.
(٣) وسائل الشيعة : ٢٧ / ١٠٦ الحديث ٣٣٣٣٤.
مع أنّ هذا الحمل ، ليس بأولى من حملها على صورة عدم تيسير النزع ، لأنّه ليس من الصور النادرة ، لو لم نقل بأنّ أكثر الأوقات كذلك ، لعدم الخلوّ عن البرد أو الحرّ ، أو الناظر المحترم ، أو الخوف عن اطّلاع مطّلع منه ، أو السقم ، أو خوف حدوثه ، أو شدّة خوفه ، أو بطء برئه ، أو شدّة علاجه ، إلى غير ذلك من الامور التي قلّما يخلو عنه في البلاد ، ومحلّ اجتماع الناس.
وأمّا الروايتان ؛ فقد وردتا في الفلاة من الأرض ، ولذا أمر في إحداهما بالصلاة قائما (١) ، ومرّ أنّ ذلك عند الأمن من المطّلع. والثانية : وإن كانت في صورة عدم الأمن ، إلّا أنّها في صورة تيسير النزع قطعا (٢).
ويشهد على ذلك الثالثة أيضا (٣) ، مع أنّ حمل المطلق على المقيّد ، والعام على الخاص ليس بعزيز في الأخبار ، بل كثر ورودهما ، إلى أن اشتهر ، وتلقّي بالقبول عند جميع الفحول أنّه ما من عامّ إلّا وقد خصّ.
ومعلوم أنّ إطلاق المطلق في أمثال المقام يرجع إلى العموم ، مع أنّه لو لم يرجع ، لم يتحقّق تعارض.
وكيف كان ؛ ليس بأندر من حمل الوجوب العيني على التخييري ، سيّما مع التصريح بالمنع من اختيار الصلاة عاريا ، وخصوصا بعد استلزامه تخريب الأدلّة السابقة أيضا.
فإن قلت : هذه الروايات صحاح على ما نصّ عليه في «المدارك» و «المعالم» و «الذخيرة» (٤) ، وغير الصحيح لا يعارض الصحيح ، على ما ورد عنهم عليهمالسلام.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٦ الحديث ٤٢٥٠.
(٢) راجع! الصفحة : ٢٤٧ و ٢٤٨ من هذا الكتاب.
(٣) راجع! الصفحة : ٢٤٨ من هذا الكتاب.
(٤) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٦٠ و ٣٦١ ، معالم الدين في الفقه : ٢ / ٦٢٨ و ٦٢٩ ، ذخيرة المعاد : ١٦٩.
قلت : إنّ العلّامة يصحّح الحديث الذي في طريقه محمّد بن عبد الحميد المذكور ، وصحّح أيضا طريق الصدوق إلى منصور بن حازم وهو فيه (١) ، وغيره أيضا يعدّ حديثه صحيحا.
بل خالي العلّامة المجلسي رحمهالله حكم بتوثيقه صريحا (٢) ، وكذا المحقّق الشيخ محمّد شارح «الاستبصار» (٣).
مع أنّ قولهم : لم يوثّق صريحا ظاهر في ظهور توثيقه عندهم ، ومدارهم على الظهور وإن قالوا بأنّ التعديل من باب الشهادة أو الخبر ، لأنّ تعيين المشترك وترجيح التعديل على القدح (٤) بالظنون.
مع أنّ الأصل والظاهر عدم السقط في السند ، وكذا عدم التحريف والاشتباه ، وغير ذلك ، فتأمّل جدّا!
مع أنّ محمّد المذكور ممّن يروي عنه في «نوادر الحكمة» ، ولم يستثن القميّون رواياته عنه.
وهذا دليل على صحّة أحاديثه عندهم ، بل وعدالته أيضا ، على ما اعترف غير واحد من المحقّقين ، وحقّقته في حاشيتي على رجال الميرزا (٥).
وأمّا رواية عبد الرحمن ؛ ففي طريقها أبان بن عثمان الناووسي الذي لم يوثّقه أحد من هؤلاء المستدلّين بها ، بل ربّما حكموا بضعفه ، وربّما حكموا بقوّته ، لكونه ممّن أجمعت العصابة على ما نقله بعض مشايخ الكشّي (٦) ، وإن لم يعتبره الشيخ
__________________
(١) خلاصة الرجال للحلّي : ٢٧٧.
(٢) الوجيزة للعلّامة المجلسي رحمهالله : ١٦٤.
(٣) استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار : ١ / ٢١٢ و ٢١٣.
(٤) في (ز ٣) : الجرح.
(٥) تعليقات على منهج المقال : ٣٠٢.
(٦) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.
والنجاشي ، وغيرهما من المعدّلين (١).
مع أنّ تصحيح القدماء لا يستلزم التوثيق ، كما هو ظاهر ، مع أنّ في طريقها أيضا علي بن الحكم المشترك عندهم ، وإن روى عنه أحمد بن محمّد ، ومع جميع ذلك حكم في الكتب الثلاثة بصحّتها ، فكيف تكون صحيحة؟
ورواية محمّد بن عبد الحميد غير صحيحة أيضا ، والموثّق حجّة على المشهور ، وعند المستدلّين للتخيير ، ولا يضرّ إضماره ، لأنّه من سماعة ، وحقّق في الرجال حاله (٢).
سلّمنا صحّة هذه كلّها ، وعدم صحّة الروايات السابقة ، لكنّ المنجبر بعمل الأصحاب مقدّم على غير المنجبر ، وإن صحّ باصطلاح المتأخّرين ، بل الذي لم يعمل به الأصحاب لا يكون حجّة ، فضلا عن أن يقاوم الحجّة ويغلب عليها ، وهو مسلّم عند الفقهاء ، ومدارهم في الفقه عليه ، وحقّقناه في «الفوائد» (٣).
فإن قلت : الصدوق لم يذكر في «الفقيه» سوى الروايات المذكورة ، فظاهره القول بتحتّم الصلاة في النجس ، كما مال إليه في «المعالم» ، و «المدارك» ، و «الذخيرة» (٤) ، فلم تكن شاذّة ، حتّى يجب طرحها أو تأويلها.
قلت : لم ينسب أحد إلى الصدوق هذا القول ، بل لم ينسب إلى أحد من القدماء والمتأخّرين ، حتّى في الكتب المذكورة ، بل عرفت ادّعاء العلّامة الإجماع على جواز الصلاة عاريا (٥) ، مضافا إلى ما عرفت من إجماع الشيخ وغيره (٦) ، فلعلّه
__________________
(١) رجال النجاشي : ١٣ الرقم ٨ ، الفهرست للشيخ الطوسي : ١٨ الرقم ٥٢ ، رجال الطوسي : ١٥٢ الرقم ١٩١ ، رجال ابن داود : ٣٠ الرقم ٦.
(٢) تعليقات على منهج المقال : ١٧٤ و ١٧٥.
(٣) الفوائد الحائريّة : ٢٠٧ الفائدة ٢٠ ، ٣٢٠ الفائدة ٣٣.
(٤) معالم الدين في الفقه : ٢ / ٦٢٩ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٦١ ، ذخيرة المعاد : ١٦٩.
(٥) منتهى المطلب : ٤ / ٢٨٣ ، راجع! الصفحة : ٢٥١ من هذا الكتاب.
(٦) الخلاف : ١ / ٤٧٤ و ٤٧٥ المسألة ٢١٨ ، راجع! الصفحة : ٢٤٨ و ٢٤٩ من هذا الكتاب.
كان قائلا بذلك في صورة عدم تيسّر النزع الغالب.
والصدوق ربّما كان فتواه عين مضمون الرواية ، من دون إظهار التوجيه بالتخصيص والتقييد وغيرهما ، مع حصول العلم بأنّ عمله كذلك ، وإن لم يظهر ، كما هو الحال في كثير من المستحبّات ، فإنّه يروي حديثه بلفظ ظاهر في الوجوب ، من دون ذكر تأويل ، أو إتيان معارض ، كما هو الحال في مستحبّات الأوقات ، والأيّام الشريفة وغيرها ، وغير ذلك.
وكذا الحال في المطلقات والعمومات الكثيرة ، وعرفت أنّها وإن كانت مطلقة ، إلّا أنّها مقيّدة ، ولذا لم ينسب أحد إلى ذلك.
سلّمنا ؛ لكن الخبر المنجبر بعمل الكلّ ليس مثل الذي لم يعمل به إلّا نادرا ، سيّما ويكون مثل الصدوق ، فإنّه عمل في المشهور بالعدد (١) ، وقال باسهاء النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والمعصوم عليهالسلام (٢) ، لما رواه العامّة (٣) بنحو يظهر كونها موضوعة على ما حقّق ، إلى غير ذلك.
وكيف كان ؛ لا شكّ في عدم المقاومة ، فضلا عن الغلبة ، سيّما بعد ملاحظة الإجماعات وغيرها ، واتّفاق القدماء والمتأخّرين على الفتوى ، بعدم التحتّم المذكور.
بل وعدم نسبته إلى أحد حتّى الصدوق ، وأنّه وغيره من القدماء كالكليني ، قد أكثروا من إيراد الروايات التي لا يعملون بظاهرها جزما ، مع عدم إظهار منه أصلا ، فلعلّ المقام منه ، فإنّه في ذلك الزمان إلى أواخر أزمنة المتأخّرين كان عدم
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ٢ / ١١١.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٣٤ ذيل الحديث ١٠٣١.
(٣) المجموع للنووي : ٤ / ٩٤ ، المغني لابن قدامة : ١ / ٣٧٣.
التحتّم معلوما من الشيعة ، بحيث لم يحتج إلى التنبيه ، ولم يجوّز نسبته إلى أحد منهم ، ولذا ما نسبوا.
وممّا يرجّح أيضا الأمر بالإعادة في بعض الأخبار إذا صلّى بالنجس ، مثل موثّقة عمّار وغيرها (١) ، ولم يرد ذلك في الصلاة عاريا ، فلو كان مستحبّا ـ كما ذهب إليه ابن الجنيد (٢) وجمع (٣) ـ لما ناسب ذلك.
ومع التساوي لا وجه للمنع عن أحدهما وتعيين الآخر ، بل لا يناسب ذلك صورة التساوي أيضا!
مع أنّ ظاهر الموثّقة وغيرها وجوب الإعادة ، وبه قال الشيخ (٤) ، وهذا يؤكّد الترجيح ، فتأمّل جدّا.
واستدلّ بعضهم على التخيير بمجرّد الإجماع الذي نقله في «المنتهى» (٥) ، وفيه ما فيه ، لأنّ هذا الجواز بالمعنى الأعمّ جزما ، لأنّ المعظم قالوا بالوجوب حتّى هو في سائر كتبه (٦) ، والقائل بالأخصّ شاذّ ، مع أنّ غايته أنّه خبر واحد ، دالّ على عدم المنع من الصلاة عاريا ، فلا يعارض الأدلّة المذكورة الكثيرة الصريحة بحسب الدلالة ، فضلا أن تغلب عليها.
مع أنّ الذي نقلوه كون مستند القول بالتخيير ، صحيحة علي بن جعفر
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٠٧ الحديث ١٢٧٩ و ٢ / ٢٢٤ الحديث ٨٨٦ ، الاستبصار : ١ / ١٦٩ الحديث ٥٨٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٥ الحديث ٤٢٤٧.
(٢) نقل عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة : ١ / ٤٨٩ و ٤٩٠.
(٣) روض الجنان : ١٦٩ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٦١ ، ذخيرة المعاد : ١٦٩.
(٤) المبسوط : ١ / ٣٩ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٥٥ ، الخلاف : ١ / ٤٧٤ المسألة ٢١٨.
(٥) مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٣٥٠ ، لاحظ! منتهى المطلب : ٣ / ٣٠١.
(٦) لاحظ! قواعد الأحكام : ١ / ٨ ، مختلف الشيعة : ١ / ٤٨٧ ، نهاية الإحكام : ١ / ٣٧٢.
المتقدّمة (١).
وممّا ذكر ظهر فساد جعل المستند كون الطهارة من الخبث واجبة ، كوجوب القيام والركوع والسجود وستر العورة من دون تفاوت وترجيح ، مضافا إلى أنّ الواجب الواحد كيف يساوي المتعدّد والمتكثّر؟ سيّما مع كونه شرطا ، والمتعدّد أركانا وشرطا.
وممّا ذكر ظهر أنّ البراءة اليقينيّة في الصلاة عاريا على جميع الأقوال الثلاثة المذكورة. نعم ؛ الأحوط الجمع مهما تيسّر.
ثمّ اعلم! أنّ من قال بوجوب الصلاة عاريا ، قال به بالنحو الذي اختاره في الصلاة عاريا على ما يظهر.
ومرّ أنّ المشهور كانوا يقولون يصلّي قائما ، مع الأمن من المطّلع ، وقاعدا مع عدمه.
ومنهم من قال (٢) : قائما مطلقا (٣) ، ومنهم من قال : قاعدا كذلك (٤) ، فقول المصنّف : قاعدا موميا ، نظره إلى مدلول الخبرين (٥) ، لا فتوى الأصحاب.
ومع ذلك رواية سماعة على ما في «الاستبصار» فيها : «قائما» مكان «قاعدا» (٦) ، وهو أمتن من «التهذيب» ، كما لا يخفى.
وكيف كان ؛ الكلام فيهما هو الكلام فيما ورد من الأمر بالقعود ، ومرّ في مبحثه.
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٤ الحديث ٤٢٤٤.
(٢) في (ز ٣) يقول بالصلاة.
(٣) السرائر : ١ / ٢٦٠.
(٤) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٤٩.
(٥) راجع! الصفحة : ٢٤٧ و ٢٤٨ من هذا الكتاب.
(٦) الاستبصار : ١ / ١٦٨ الحديث ٥٨٢.
واعلم! أنّ جميع ما ذكرنا (١) ، إنّما هو في صورة عدم إمكان التطهير ، وعدم ساتر آخر مع إمكان النزع ، وأمّا مع عدم الإمكان ، فلا شكّ في صحّة الصلاة فيه ووجوبه.
وهل يجب عليه الإعادة حينئذ ـ كما اختاره الشيخ (٢) ـ أم لا ـ كما اختاره المشهور ـ؟ لأنّه أتى بالمأمور به ، وخرج عن العهدة ، لأنّ المفروض من وجوب الصلاة في النجس أو معه ، من جهة عدم التمكّن منهما ، فعلى هذا لا وجه للحكم بالإعادة بحسب القاعدة ، والظاهر أنّه أنّما يتمّ لو وقع صلاته في آخر الوقت.
وأمّا لو صلّى في سعة الوقت ، فلا نسلّم إتيانه بالمأمور به ، لأنّ جواز الصلاة في النجس ، إنّما هو عند عدم التمكّن من التطهير ، ومن الثوب الطاهر ، وعند السعة لا نسلّم ذلك ، لإمكان حصول أحدهما ، على حسب ما مرّ في التيمّم وغيره.
نعم ؛ مع قطعه بعدمهما يمكن ذلك ، لكن لا يكاد يتخلّف القطع عادة.
وعلى تقدير التخلّف ، يمكن أن يقال : ظهر فساد المعتقد الذي كان منشأ للامتثال ، فلا نسلّم الامتثال بعد ظهور خطئه.
نعم ؛ القضاء فرض جديد لم يثبت ، لأنّ العمومات وردت في الفوت ، وبعد الإتيان بالواجب في آخر وقته كيف يصدق الفوت مع وجوب الإتيان حينئذ قطعا؟ إلّا أن يقال : ظواهر الروايات المذكورة عدم وجوب الإعادة ، وإن وقعت في سعة الوقت مطلقا.
لكن عرفت عدم بقائها على ظواهرها ، إن قلنا بحجّيتها ، فكيف ترفع اليد عن العمومات الدالّة على وجوب مراعاة الطهارة مهما أمكن؟
__________________
(١) في (ز ٣) : ذكر.
(٢) المبسوط : ١ / ٣٩ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٥٥ ، الخلاف : ١ / ٤٧٤ المسألة ٢١٨.
وعلى فرضه ، كيف يوثق به ويطمئن إليه؟ سيّما في مقام تحصيل البراءة اليقينيّة ، وبعد ملاحظة نظائر المقام من التيمّم وغيره أنّه ورد أمثال هذه الإطلاقات وظهور إرادة نفس الفعل ، لا في أيّ وقت كان يصحّ ، بل لا يصحّ إلّا عند الضيق ، أو حصول اليأس.
ويشهد عليه حسنة صفوان الآتية عن قريب ، ومع ذلك ورد في الأخبار الأمر بالإعادة ، مثل موثّقة عمّار عن الصادق عليهالسلام : عن رجل ليس عليه إلّا ثوب ولا تحلّ له الصلاة فيه وليس يجد ماء يغسله ، كيف يصنع؟ قال : «يتيمّم ويصلّي فإذا أصاب ماء غسله وأعاد الصلاة» (١).
وهذا وإن لم يقيّد بالضرورة ، إلّا أنّه قيّد بها على حسب ما ذكرنا سابقا.
وفي «الفقيه» ـ بعد نقل رواية عبد الرحمن السابقة (٢) ـ قال : وفي خبر آخر قال : «يصلّي فيه فإذا وجد الماء غسله وأعاد الصلاة» (٣).
والظاهر أنّ مراده منه الموثّقة ، وأنّ بناؤه على استحباب الإعادة ، وهو الأظهر جمعا بين الأخبار.
واعلم! أيضا أنّ البدن إذا كان متنجّسا بالنجاسة التي في الثوب ، ولا يمكن تطهيرهما ، فهل يجب حينئذ نزع الثوب والصلاة عاريا ـ تخفيفا للنجاسة وتقليلا لها مهما أمكن ، ووقوفا على ظاهر الروايات الدالّة على النزع ـ أم لا؟ تحصيلا للستر الذي هو شرط والأركان الكثيرة ، وكون الصلاة مع النجاسة على أيّ تقدير فكيف يترك الشرط الثابت المؤكّد والأركان الكثيرة بمجرّد تحصيل الأخفّيّة والأقلّيّة في
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٤ الحديث ٨٨٦ ، الاستبصار : ١ / ١٦٩ الحديث ٥٨٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٥ الحديث ٤٢٤٧.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٠ الحديث ٧٥٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٤ الحديث ٤٢٤٣.
(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٠ الحديث ٧٥٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٤ الحديث ٤٢٤١.
النجاسة؟
مع أنّها ربّما كانت في البدن في غاية الكثرة ، وفي الثوب في غاية القلّة ، أقلّ من رأس إبرة ومنتهى شعرة.
ويمكن أن يكون المراد من الروايات بيان حال الثوب النجس من حيث هو هو ، من دون ملاحظة انضمام نجاسة البدن معه ، كما هو الحال في سائر الأخبار الواردة في الثوب النجس.
والظاهر كون مراد الفقهاء في فتاويهم ذلك ، بل لعلّه لا تأمّل فيه ، وأنّ الأمر كذلك.
فمن هذا يظهر وجه جمع آخر ، بين ما دلّ على وجوب النزع (١) ، وما دلّ على الصلاة في الثوب من دون تجويز النزع (٢) ، بل ومع التصريح بالمنع عنه ، بحمل الأوّل على عدم نجاسة البدن بنجاسة الثوب ، والثاني على نجاسته ، وهذا وجه جمع آخر حسن ، فتدبّر!
قوله : (ولو اشتبه ثوباه). إلى آخره.
هذا هو المشهور بين الأصحاب ، والموافق للقواعد الشرعيّة أو للحسن كالصحيح عن صفوان ، عن أبي الحسن عليهالسلام : أنّه كتب إليه يسأله عن رجل كان معه ثوبان فأصاب أحدهما بول ، ولم يدر أيّهما هو ، وحضرت الصلاة وخاف فوتها وليس عنده ماء ، كيف يصنع؟ قال : «يصلّي فيهما جميعا» (٣).
__________________
(١) راجع! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٦ الباب ٤٦ من أبواب النجاسات.
(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٤ الباب ٤٥ من أبواب النجاسات.
(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦١ الحديث ٧٥٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٥ الحديث ٨٨٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٥٠٥ الحديث ٤٢٩٨.