مصابيح الظلام - ج ٦

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٦

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-6-X
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥١

وفيها شهادة على ما ذكرنا سابقا ، من عدم الإتيان بالصلاة حال نجاسة الثوب ، إلّا في آخر الوقت (١) ، لتقرير المعصوم عليه‌السلام معتقد الراوي ، مع كونه من أجلّة فقهائنا ، فتأمّل!

وهذه الحسنة حسنها ب ـ علي بن إسماعيل (٢) ـ ، من متكلّمي أصحابنا وأعاظمهم ، على ما ذكرته في الرجال (٣) ، مع أنّها رواها الصدوق والشيخ.

وفي «الفهرست» : أنّه روى جميع كتب صفوان ورواياته ، عن جماعة ، عن الصدوق ـ في الصحيح ـ عن صفوان (٤) ، فيلزم صحّتها ، مضافا إلى ما ذكره الصدوق في «الفقيه» (٥).

وأمّا القواعد ، فهي حصول البراءة اليقينيّة ، على ما هو الحال في نظائر المقام المسلّم ، وتمكّن المكلّف من الصلاة في الثوب الطاهر ، فيجب للعمومات ، وتمكّنه من الركوع والسجود والقيام الواجب ، فيجب كلّ منهما ، للعمومات الواردة في كلّ واحد منهما ، وأنّ الصلاة في المتيقّن النجاسة جائزة في الجملة ، فمع الشكّ بطريق أولى.

وعن ابن إدريس وجوب الصلاة عريانا حينئذ (٦) ، وفي «المبسوط» جعله رواية (٧) ، وفي «الخلاف» نقله عن بعض (٨).

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٥٨ من هذا الكتاب.

(٢) في (ز ٣) زيادة : الجليل.

(٣) تعليقات على منهج المقال : ٢٢٦.

(٤) الفهرست للشيخ الطوسي : ٨٣ و ٨٤.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٣.

(٦) السرائر : ١ / ١٨٥.

(٧) المبسوط : ١ / ٣٩.

(٨) الخلاف : ١ / ٤٨١ المسألة ٢٢٤.

٢٦١

احتجّ ابن إدريس بوجوب اقتران وجوه الأفعال بها ، وكون الصلاة واجبة وجه يقع عليه الصلاة ، فلا يؤثّر فيه ما يتأخّر ، ولوجوب القطع بطهارة الثوب ، عند إيقاع كلّ فريضة (١).

ويرد على الأوّل : إنّ الصلاة عاريا أيضا ، يتوقّف على قصد الوجوب ، وهو يتوقّف على العلم به ، وهو أوّل الكلام ، إلّا أن يقال : القطع بعدم الوجوب في الأوّل يعيّن الثاني ، لدوران الأمر بينهما ، لما عرفت من عدم احتمال جواز الصلاة في النجس عندهم ، فضلا عن الوجوب.

وهذا أيضا يؤيّد الإجماع ، على وجوب الصلاة عاريا في المسألة السابقة ، لكن القطع بعدم الوجوب في الأوّل غلط ، لوجوب أحدهما بالأصالة ، والآخر من باب المقدّمة ، ومقدّمة الواجب واجبة شرعا على المشهور ، وعلى غير المشهور لازمة البتّة ، ولا نسلّم وجوب قصد أزيد من ذلك ، إن سلّمنا وجوب قصد الوجوب. ومرّ الكلام فيه ، في بحث الوضوء.

مع أنّ المكلّف يقصد فعل الواجب عند كلّ واحدة منهما ، مثلا بقصد فريضة الظهر لا نافلته ، ولا نسلّم وجوب قصد أزيد من هذا بعد تسليم الوجوب.

مع أنّا نقول الواجب حينئذ ليس واحد ، بل متعدّد بظاهر الشرع للحسنة ، بل الصحيحة (٢) الموافقة لعمل الأصحاب والقواعد.

وعلى الثاني : بمنع وجوب القطع عند كلّ واحدة ، بل يكفي ما ذكرنا.

وما أجاب في «المنتهى» : بكفاية عدم القطع ، وأنّ الشرط يوجب الاكتفاء بالصلاة في ثوب واحد منهما ، عند عدم الطاهر ووجوده أيضا (٣) ، وهو خلاف

__________________

(١) السرائر : ١ / ١٨٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٥٠٥ الحديث ٤٢٩٨.

(٣) منتهى المطلب : ٣ / ٣٠٠ و ٣٠١.

٢٦٢

الوفاق والأدلّة ومعلوم الفساد ، وسيّما عند وجود الثوب الطاهر ومرّ في بحث الإناءين المشتبهين منه أيضا ما يظهر فساد هذا الاحتمال (١).

فروع :

الأوّل : عن «المنتهى» : لو كان معه ثوب متيقّن الطهارة تعيّن لصلاته ، ولم يجز له أن يصلّي في الثوبين مطلقا ، لأنّ المكلّف به واحد حينئذ بمقتضى الأدلّة ، فكيف يصلّي مرّتين؟ لأنّ الثانية بدعة ، ولعدم تأتّي نيّة الامتثال في الصلاة في الثوبين ، في كلّ واحد منهما ، وسيجي‌ء وجوب تلك النيّة.

ولو كان أحدهما طاهرا والآخر عفوا ، تخيّر في الصلاة في أيّهما كان ، والأولى أن يصلّي في الطاهر ، وكذا لو كان إحدى النجاستين المعفو عنها أقلّ (٢).

الثاني : لو كان له ثياب نجسة وطاهرة ، وحصل الاشتباه صلّى بعدد النجس وزاد واحدة ، ليعلم وقوع أحدها في الطاهر.

ولو كثرت الثياب ، بحيث يشقّ ذلك ، يحتمل الوجوب بقدر المكنة ، ويحتمل التخيير ، ولعلّه الأقوى ، لعدم الفائدة في أزيد منه ، وفقد العلّة له.

الثالث : لو ضاق الوقت عن الصلاة في الجميع ، صلّى فيما يحتمله الوقت ، وإن كانت واحدة ، وله الخيرة في الصلاة ، في أيّ الأثواب شاء ، إلّا أن يظنّ طهارة أحدهما ، فحينئذ لم يبعد التعيين ، وقيل : يصلّي عريانا (٣).

وفي «الذخيرة» : لو كان عليه صلوات مترتبة ، وجب مراعاة الترتيب

__________________

(١) راجع! الصفحة : ١٦٢ ـ ١٦٥ (المجلّد الخامس) من هذا الكتاب.

(٢) منتهى المطلب : ٣ / ٣٠١.

(٣) شرائع الإسلام : ١ / ٥٤ ، جامع المقاصد : ١ / ١٧٧.

٢٦٣

فيها ، فلو كان عليه ظهر وعصر ، صلّى الظهر فيهما ، ثمّ صلّى العصر فيهما (١).

ولو صلّاهما في أحد الثوبين على الترتيب ، ثمّ في الآخر كذلك ، لم يبعد جوازه كما في «نهاية» العلّامة (٢).

ولو صلّى الظهر في أحدهما ، ثمّ العصر في الآخر ، ثمّ صلّى فيه الظهر ، ثمّ العصر في الأوّل ، صحّ له الظهر لا غير ، ووجب عليه إعادة العصر في الثاني ، لجواز أن يكون الطاهر ما وقع فيه العصر أوّلا ، ولو فقد أحد المشتبهين صلّى في الباقي ، ثمّ صلّى عاريا لتوقّف البراءة اليقينيّة عليهما.

فما في «الذخيرة» و «المدارك» من الاكتفاء بالصلاة في الباقي ، لأنّ الصلاة في متيقّن النجاسة جائزة ، ففي المشكوك فيه بطريق أولى (٣) ، فيه ما فيه ، كما عرفت.

ثمّ اعلم! أنّه إذا حصل الظنّ بكون أحد المشتبهين طاهرا ، فهل يجوز الاكتفاء حينئذ بالصلاة فيه؟ فيه إشكال ، لعدم حصول اليقين بالبراءة ، وعدم دليل على اعتبار هذا الظن شرعا.

نعم ؛ في صورة عدم وجوب الصلاة في كلّ منهما ، أو كلّ منهما يتعيّن الصلاة في المظنون ، لبطلان الصلاة في الموهوم ، مع التمكّن من المظنون.

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ١٦٦.

(٢) نهاية الإحكام : ١ / ٢٨٢.

(٣) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٥٨ ، ذخيرة المعاد : ١٦٦.

٢٦٤

١٢٣ ـ مفتاح

[عدم جواز الصلاة في جلد الميتة]

لا يجوز الصلاة في جلد الميتة إجماعا ، إلّا ما لا تحلّه الحياة منها ، سواء دبغ أو لم يدبغ ، وسواء قلنا بطهارته به أم لا ، للصحيح : سألته عن جلد الميتة أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال : «لا ، ولو دبغ سبعين مرّة» (١).

وسواء كان ساترا للعورة أم لا ، للعموم ، وفي القوي : «لا تصلّ في شي‌ء منه ولا في شسع» (٢).

قيل : وسواء كانت ذات النفس أولا ، لإطلاق المنع (٣). وفيه نظر ، لانصراف الإطلاق إلى الفرد المتبادر.

هذا إذا علم كونه ميتة ، أو وجد في يد كافر ، أمّا مع الشكّ في التذكية فقيل بالمنع أيضا ، لأصالة عدمها (٤) ، وليس بشي‌ء ، إذ لا حجيّة في مثل هذا الأصل سيّما في بلاد الإسلام ، والحقّ الجواز وإن وجد في يد من يستحلّها

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٣ الحديث ٥٣٤٠.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٣ الحديث ٥٣٤١

(٣) الحبل المتين : ١٨٠ ، لاحظ! الحدائق الناضرة : ٧ / ٥٦.

(٤) منتهى المطلب : ٤ / ٢٠٥ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٨ ، الدروس الشرعية : ١ / ١٤٩ ، روض الجنان : ٢١٢.

٢٦٥

بالدبغ ، أو يستحلّ ذباحة أهل الكتاب ، إلّا أن يخبر ذو اليد بعدم التذكية ، لأصالة البراءة ، وللصحاح المستفيضة (١).

منها : «صلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميّت» (٢) وفي آخر : «ليس عليكم المسألة إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم إنّ الدين أوسع من ذلك» (٣).

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٠ الباب ٥٠ من أبواب النجاسات.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٣٤ الحديث ٩٢٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٠ الحديث ٤٢٦١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٨ الحديث ١٥٢٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩١ الحديث ٤٢٦٢.

٢٦٦

قوله : (لا يجوز). إلى آخره.

هذا الحكم إجماعي ، ونقل الإجماع عليه جماعة (١) ، والأخبار فيه مستفيضة.

منها صحيحة محمّد بن مسلم قال : سألته عن جلد الميتة (٢) ، إلى آخر ما ذكره المصنّف.

وصحيحة ابن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن الصادق عليه‌السلام : في الميتة ، قال :

«لا تصلّ في شي‌ء منه ولا في شسع» (٣).

وهذا لا يقصر عن الصحيح ، لاجتماع مقويّات كثيرة نبّهنا عليها مرارا.

وصحيحة علي بن مغيرة منه أنّه سأله عليه‌السلام عن الميتة ينتفع بشي‌ء منها؟ قال : «لا» (٤) إلى غير ذلك ممّا دلّ على عدم الجواز مطلقا ، سواء دبغ أم لا ، قلنا بطهارته به أم لا ، مع أنّك عرفت عدم طهارته به البتّة.

وكذا سواء كان ساترا للعورة أم لا ، بل يحرم استصحابه أيضا ، للمنع عنها في الشسع.

ولما رواه في «التهذيب» عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن جعفر : أنّه كتب إلى أبي محمّد عليه‌السلام يجوز للرجل أن يصلّي ومعه فأرة المسك؟ فكتب : «لا بأس به إذا

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٧٧ ، منتهى المطلب : ٤ / ٢٠٢ و ٢٠٣ ، جامع المقاصد : ٢ / ٨٠ ، روض الجنان : ٢١٢ ، مدارك الأحكام : ٣ / ١٥٧.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٠ الحديث ٧٥٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٣ الحديث ٧٩٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٣ الحديث ٥٣٤٠.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٣ الحديث ٧٩٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٣ الحديث ٥٣٤١.

(٤) الكافي : ٦ / ٢٥٩ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٤ الحديث ٧٩٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٥٠٢ الحديث ٤٢٩١.

٢٦٧

كان ذكيّا» (١).

ولموثّقة سماعة عن الصادق عليه‌السلام : أنّه سأله عن تقليد السيف في الصلاة فيه الفراء والكيمخت؟ قال : «لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة» (٢).

ورواية علي بن أبي حمزة : أنّ رجلا سأل الصادق عليه‌السلام عن تقليد السيف والصلاة فيه؟ فقال : «ما علمت أنّه ميتة فلا تصلّ فيه» (٣).

لكن ورد في الصحيح ، عن أبان ، عن إسماعيل بن الفضل عنه عليه‌السلام : عن لباس الجلود والخفاف والنعال والصلاة فيها إذا لم تكن من أرض المسلمين ، فقال : «أمّا النعال والخفاف فلا بأس بها» (٤) ، إلّا أنّ الأخبار السابقة أكثر وأصحّ وأوفق بمذهب الشيعة ، وأبعد عن مذهب العامة.

ويؤيّده ما رواه في كتاب «كمال الدين وتمام النعمة» عن القائم عليه‌السلام : في قوله تعالى (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) (٥) الآية ، «أنّه من قال أنّهما كانا من إهاب ميتة ، افترى على موسى عليه‌السلام ، واستجحده في نبوّته ، لأنّه إمّا أن تكون صلاة موسى عليه‌السلام فيهما جائزة ، أو غير جائزة ، فعلى الأوّل : جاز لبسهما في تلك البقعة ، لأنّها لم تكن بأقدس وأطهر من الصلاة ، وعلى الثاني : أوجب على موسى عليه‌السلام أنّه لم يعرف الحلال من الحرام ، وهذا كفر.

ثمّ قال : «المراد من النعلين محبّة أهله» (٦).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٢ الحديث ١٥٠٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٣٣ الحديث ٥٦٣٢.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٢ الحديث ٨١١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٥ الحديث ٨٠٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٣ الحديث ٤٢٧١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٨ الحديث ١٥٣٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩١ الحديث ٤٢٦٣ مع اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٣٤ الحديث ٩٢٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٢٧ الحديث ٥٦١٣ مع اختلاف يسير.

(٥) طه (٢٠) : ١٢.

(٦) كمال الدين وتمام النعمة : ٢ / ٤٦٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٤ الحديث ٥٣٤٣ نقل بالمضمون.

٢٦٨

والظاهر أنّ مضمون ما ذكر شعار الشيعة ، فتأمّل جدّا!

قوله : (قيل). إلى آخره.

القائل والد شيخنا البهائي ، وقوّاه هو أيضا (١). وفي «الذخيرة» : أنّ ذلك هو مقتضى عدم الاستفصال في الروايات ، وإطلاق كلام الأصحاب ، ثمّ رجّحه بعد التأمّل فيه (٢) ، ومقتضى كلام «المعتبر» و «المنتهى» ، اختصاص المنع بميتة ذي النفس (٣).

والمدقّق الشيخ علي في «شرح الألفية» ، نقل الإجماع على جواز الصلاة في جلد السمك (٤).

وفي «الذخيرة» : ونسب النقل إلى «الذكرى» عن «المعتبر» ، وفي «شرح القواعد» نقله عن «المعتبر» ، وخطّأه الشارح الفاضل ، بأن ليس في العبارة إلّا عبارة موهمة لذلك وهو حسن (٥) ، انتهى.

وظاهر «المدارك» ادّعاء تبادر ذي النفس (٦) كالمصنّف ، وهو غير بعيد بالنسبة إلى الأخبار وكلام الأصحاب ، كما مرّ في بحث مسألة نجاسة الميتة ، سيّما بالنسبة إلى مثل القمّل والبرغوث والذباب والنمل ونحوها ، لأنّ الميتة في مقابل المذكّى ، وليس لهذه الامور تذكية ، وإن كان الأحوط التجنّب عن مثل السمك.

__________________

(١) الحبل المتين : ١٨٠.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٣٣.

(٣) المعتبر : ٢ / ٧٧ ، منتهى المطلب : ٤ / ٢٠٢.

(٤) رسائل المحقّق الكركي : ٣ / ٢٣٦.

(٥) ذخيرة المعاد : ٢٣٣.

(٦) مدارك الأحكام : ٣ / ١٦١.

٢٦٩

وروي في «التهذيب» عن علي بن مهزيار ، وفي «الفقيه» عن إبراهيم بن مهزيار أنّه كتب إلى أبي محمّد عليه‌السلام يسأله عن الصلاة في القرمز وأنّ أصحابنا يتوقّفون فيه فكتب : «لا بأس به مطلقا والحمد لله» (١).

والقرمز : صبغ أرمني من عصارة دود يكون في آجامهم (٢) فتأمّل!

قوله : (هذا إذا علم). إلى آخره.

ذكر جمع من الأصحاب ، كما أنّ الصلاة تبطل في الجلد ، مع العلم بكونه ميتة ، أو وجوده في يد الكافر ، كذا تبطل مع الشكّ في تذكيته (٣) ، لأصالة عدم التذكية ، لعدم تحقّقها إلّا بتحقّق شرائط كثيرة ، مثل الاستقبال والتسمية ، وفري كلّ واحد من الأوداج الأربعة بآلة مخصوصة من شخص مخصوص ، إلى غير ذلك ، وكلّ واحد من هذه الشرائط الكثيرة يكون حادثا مسبوقا بالعدم اليقيني ، ولم يثبت حدوثه.

فالعدم اليقيني مستصحب ، لقولهم عليهم‌السلام ـ في غير واحد من الصحاح والمعتبرة ـ : «لا تنقض اليقين بالشكّ أبدا إلّا باليقين» (٤) ونحوهما ، وغير ذلك ممّا يقتضي استصحاب ما ثبت شرعا.

وأيضا الشكّ في الشرط يوجب الشكّ في المشروط ، والوارد في الأخبار

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧١ الحديث ٨٠٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٣ الحديث ١٥٠٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٣٥ الحديث ٥٦٤٠ مع اختلاف يسير.

(٢) القاموس المحيط : ٢ / ١٩٤ ، مجمع البحرين : ٤ / ٣١.

(٣) منتهى المطلب : ٤ / ٢٠٥ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٨ ، روض الجنان : ٢١٢.

(٤) وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١ ، ٣ / ٤٧٧ الحديث ٤٢٢٤ ، ٨ / ٢١٧ الحديث ١٠٤٦٢ ، بحار الأنوار : ١ / ٩٨ ، ٧٧ / ٣٥٩ الحديث ٢ مع اختلاف يسير.

٢٧٠

عدم جواز الصلاة في الميتة (١) ، وهي اسم لما هو في الواقع ميتة كسائر الأسامي ، من غير مدخليّة معرفة أو غيرها ، فإذا احتمل كونه ميتة ، احتمل كون الصلاة فيه منهيّا عنها وفاسدة.

وشغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة ، فكيف يكفي مجرّد الاحتمال؟.

هذا على تقدير كون الصلاة اسما للأعم ، وأمّا على تقدير كونها اسما لخصوص الصحيحة ، فعدم الكفاية أظهر وأوضح.

وأيضا ستجي‌ء موثّقة ابن بكير المانعة عن الصلاة في شي‌ء ممّا لا يؤكل لحمه التي هي مستند الشيعة ، وفي غاية الاعتبار ، وفيها ما يدلّ على اشتراط العلم بالتذكية حيث قال عليه‌السلام في آخرها : «فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في كلّ شي‌ء منه جائز إذا علمت أنّه ذكي قد ذكّاه الذبح» (٢).

وصحيحة عبد الله بن جعفر السابقة (٣) ، أيضا تدلّ على اشتراط التذكية فلاحظ وتأمّل ، إذ فرق بين أن يقول : إذا جاز كونه ذكيا ، أو إذا احتمل وأمثال هذه العبارات ، وبين أن يقول : إذا كان ذكيا.

وأيضا في «الكافي» بسنده إلى علي بن أبي حمزة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام وأبا الحسن عليه‌السلام : عن لباس الفراء والصلاة فيها ، فقال : «لا تصلّ فيها إلّا فيما كان منه ذكيا» (٤) الحديث.

وأيضا ستجي‌ء الأخبار الدالّة على أن ما يؤخذ من غير سوق المسلمين يجب السؤال عن تذكيته.

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٦٧ و ٢٦٨ من هذا الكتاب.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٣٣ الحديث ٥٦٣٢.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الحديث ٥٣٤٥.

٢٧١

وكذا ما يؤخذ من المشرك ، وإن ما يؤخذ من يد من يستحل الميتة ، لا يجوز أن يباع على أنّه ذكي وإن أخبر ذو اليد أنّه ذكي ، إلى غير ذلك ممّا يظهر منه أنّ الشكّ في التذكية ليس مثل العلم بها واقعا أو شرعا ، فلو لم يكن ما ذكره الفقهاء وما هو مسلّم عند جميعهم من كون الأصل عدم التذكية الذي في قوّة كون الأصل كونه ميتة حتّى يثبت تذكيته لم يكن لما ذكره في الأخبار وجه.

واستضعف في «المدارك» و «الذخيرة» هذا القول ، بأنّه مبني على حجيّة الاستصحاب واعتباره (١) ، وهو ضعيف ، وعلى تقدير التسليم ، غاية ما يحصل منه الظنّ واعتباره هنا محلّ نظر.

مع أنّه قد ورد في عدة أخبار الإذن في الصلاة ، فيما لا يعلم كونه ميتة ، مثل صحيحة الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الخفاف التي تباع في السوق ، فقال : «اشتر وصلّ فيها حتّى تعلم أنّه ميّت بعينه» (٢).

وصحيحة البزنطي عن الرضا عليه‌السلام : عن الخفّاف يأتي السوق فيشتري الخف لا يدري أذكي هو أم لا ، ما تقول في الصلاة فيه وهو لا يدري [أيصلّي فيه]؟ فقال : «نعم ، أنّا اشتري الخف من السوق ويصنع لي واصلّي فيه وليس عليكم المسألة» (٣).

وفي رواية اخرى له عنه عليه‌السلام أنّه قال بعد ذلك : «إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم ، إنّ الدين أوسع من ذلك» (٤). ومثلها صحيحة سليمان بن جعفر عن الكاظم عليه‌السلام (٥). إلى غير ذلك.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٨٧ ، ذخيرة المعاد : ٢٣٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٣٤ الحديث ٩٢٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٢٧ الحديث ٥٦١٢.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧١ الحديث ١٥٤٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٢ الحديث ٤٢٦٥.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٨ الحديث ١٥٢٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩١ الحديث ٤٢٦٢.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٧ الحديث ٧٨٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩١ الحديث ٤٢٦٢.

٢٧٢

أقول : الاستصحاب حجّة عند الفقهاء ، ومدارهم في الفقه عليه ، كما لا يخفى.

مع أنّ الصحاح والمعتبرة الدالّة ، على عدم جواز نقض اليقين بالشكّ أبدا (١) وغير ذلك ، لا تأمّل في دلالتها وحجيّتها. وبسطنا الكلام في ذلك في رسالة منفردة (٢).

بل الظاهر أنّه لا يمكن رفع اليد عنه في موضوعات الأحكام ، وإثبات اصطلاح زمان المعصوم عليه‌السلام وغير ذلك ، سيّما أصالة العدم ، ولذا اختار حجّيتها فيها الأخباريون أيضا ، مع أنّك عرفت أنّ الشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط (٣) ، فلا يتحقّق الامتثال بالتقريب الذي عرفت.

وما أجاب في «الذخيرة» : بأنّ لفظ «الميتة» لا عموم فيه ، فينصرف إلى ما هو المتبادر ، وهو ما علم كونه ميتة (٤) ، انتهى. لا يخفى فساده لما عرفت ، من أنّ لفظ «الميتة» اسم لما خرج عنه الروح ، من غير تذكية شرعيّة ، من دون مدخليّة علم ومعرفة أصلا.

وأمّا الصحاح المذكورة (٥) ؛ فلا تدلّ إلّا على جواز الصلاة فيما اشترى من سوق المسلمين ، ولا نزاع فيه ، لأنّ الأصل صحّة تصرّفاتهم في أمثال ما ذكر ، وإنّ ما يؤخذ من المسلم من سوق المسلمين يحكم بتذكيته شرعا.

ويدلّ على ذلك كون المدار في الأعصار والأمصار على ذلك ، وأمثال ذلك

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٧٠ من هذا الكتاب.

(٢) الرسائل الاصوليّة (رسالة الاستصحاب) : ٤٣٧ ـ ٤٤٣.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٧٠ و ٢٧١ من هذا الكتاب.

(٤) ذخيرة المعاد : ٢٣٢.

(٥) راجع! الصفحة : ٢٧٢ من هذا الكتاب.

٢٧٣

ممّا لا يحصى كثرة.

مع أنّ هذا الإطلاق ، ينصرف إلى المعهود بلا تأمّل ، وهو سوق المسلمين كما لا يخفى.

وفي الصحيح عن عبد الله بن المغيرة ، عن إسحاق بن عمّار ، عن الكاظم عليه‌السلام أنّه قال : «لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام» ، قلت : فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال : «إذا كان الغالب عليها المسلمون فلا بأس» (١).

وهي مع غاية اعتبار سندها ـ بل لا يبعد كونه صحيحا ، لأنّ الراجح كون إسحاق هذا ، هو ابن عمّار بن حيّان الثّقة الجليل الكوفي ، لا ابن عمّار بن موسى الساباطي الفطحي ـ منجبرة بالجوابر المذكورة ، والشهرة بين الأصحاب ، كما ستعرف.

ويدلّ على عدم جواز الصلاة في المشكوك ، إلّا فيما ثبت شرعا ، كونه في حكم المذكّى شرعا ، فيكون دليلا آخر للقائلين بكون المشكوك في حكم الميتة ، لأنّ منهم من قال : بأنّ ما يؤخذ من المسلم ، أو سوق المسلمين ، أو سوق غلب عليه المسلمون محكوم بتذكيته شرعا ، سواء أخبر ذو اليد بالتذكية أم لا ، سواء ممّن يستحلّ الميتة بالدبغ ، أو ذباحة أهل الكتاب أم لا ، ونسب ذلك إلى «المعتبر» (٢).

ونسبه الشهيد الثاني إلى المشهور (٣) ، والصحاح المذكورة كلّها دليل لهم.

ويدلّ على ذلك أيضا حسنة جعفر بن محمّد بن يونس ، أنّ أباه كتب إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن الفرو والخف ألبسه واصلّي فيه ولا أعلم أنّه ذكيّ ، فكتب :

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٨ الحديث ١٥٣٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥٦ الحديث ٥٧٠٨.

(٢) المعتبر : ٢ / ٧٨.

(٣) روض الجنان : ٢١٣.

٢٧٤

«لا بأس به» (١).

والتقريب أنّ المطلق ينصرف إلى الأفراد الشائعة ، والشائع الغالب أنّهم كانوا يشترون الفرو والخف من أسواق المسلمين ، أو المسلم ، ويظهر ذلك من الأخبار أيضا.

ولذلك لم يكن بين الأخبار تعارض ، مع أنّ اللازم رفع التعارض لو كان ، لأن المطلق يحمل على المقيّد ، سيّما إذا لم تكن صحيحة ، والمقيّد صحيحة أو كالصحيحة.

ومثل الحسنة قويّة سماعة عن الصادق عليه‌السلام : عن تقليد السيف في الصلاة فيه الفراء والكيمخت ، فقال : «لا بأس ما لم تعلم أنّه ميتة» (٢) ، ومثلها موثّقة سماعة ، ورواية علي بن أبي حمزة السابقتان (٣).

ويدلّ عليه أيضا رواية الحسن بن الجهم قال : قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : اعترض السوق فاشتري الخفّ لا أدري ذكيّة أم لا؟ قال : «صلّ فيه» ، قلت : فالنعل؟ قال : «مثل ذلك» ، قلت : إنّي أضيق من هذا؟ قال : «أترغب عمّا كان أبو الحسن عليه‌السلام يفعله؟!» (٤).

ورواية إسماعيل بن عيسى ، عن أبي الحسن عليه‌السلام : عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من أسواق الجبل ، أيسأل عن ذكاته إذا كان البائع مسلما غير

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٧ الحديث ٧٨٩ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥٦ الحديث ٥٧٠٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٢ الحديث ٨١١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٥ الحديث ٨٠٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٣ الحديث ٤٢٧١.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩١ الحديث ٤٢٦٣ ، ٤٩٣ الحديث ٤٢٧١.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٠٤ الحديث ٣١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٣٤ الحديث ٩٢١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٣ الحديث ٤٢٦٨.

٢٧٥

عارف؟ قال عليه‌السلام : «عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك ، وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه» (١).

والسند في هذه الأخبار منجبر بالشهرة ، وغيرها من الصحاح وغيرها.

ومضت رواية إسماعيل بن الفضل التي هي كالصحيح (٢) ، وفيها ما يدلّ على ذلك.

وعن «الذكرى» و «البيان» : القبول إن أخبر ذو اليد بالتذكية لأنّه الأغلب ، ولكونه زائدا عليه ، فيقبل قوله فيه ، كما يقبل في تطهير النجس (٣).

ويدلّ عليه ما رواه في «الكافي» بسنده عن محمّد بن الحسين الأشعري قال : كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال : «إذا كان مضمونا فلا بأس» (٤).

وعن «المنتهى» و «التذكرة» : المنع من تناول ما يوجد في يد مستحلّ الميتة بالدباغ ، وإن أخبر بالتذكية ، لأصالة العدم (٥).

وعن الشيخ في «النهاية» : عدم تجويز شرائها ممّن يستحلّ ذلك أو كان متّهما فيه (٦).

والظاهر أنّ مستندهما ـ مضافا إلى أصل العدم ـ رواية أبي بصير ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الصلاة في الفراء ، فقال : «كان علي بن الحسين عليه‌السلام رجلا صردا

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧١ الحديث ١٥٤٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٢ الحديث ٤٢٦٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٢٧ الحديث ٥٦١٣.

(٣) ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٩ ، البيان : ١٢٠.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٩٨ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٩٣ الحديث ٤٢٦٩.

(٥) منتهى المطلب : ٤ / ٢٠٦ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٦٤.

(٦) النهاية للشيخ الطوسي : ٩٧.

٢٧٦

فلا يدفئه فراء الحجاز ، لأنّ دباغها بالقرظ ، فكان يبعث إلى العراق فيؤتى ممّا قبلكم بالفرو فيلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه وألقى القميص الذي تحته الذي يليه ، وكان يسأل عن ذلك فقال : «إنّ أهل العراق يستحلّون لباس جلود الميتة ويزعمون أنّ دباغه ذكاته» (١).

وما رواه عبد الرحمن بن الحجّاج أنّه قال للصادق عليه‌السلام : إنّي أدخل سوق المسلمين أعني هذا الخلق الذين يدّعون الإسلام فأشتري منهم الفراء للتجارة ، فأقول لصاحبها : أليس هي ذكية؟ فيقول : بلى ، فهل يصلح لي أن أبيعها على أنّها ذكية؟ فقال : «لا ولكن لا بأس أن تبيعها وتقول : قد شرط الذي اشتريتها منه أنّها ذكية» ، قلت : وما أفسد ذلك؟ قال : «استحلال أهل العراق الميتة زعموا أنّ دباغ جلد الميتة ذكاته ، ثمّ لم يرضوا أن يكذبوا في ذلك إلّا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» (٢).

والروايتان مع غاية ضعفهما وعدم انجبارهما ، ليس فيهما ما يدلّ على كونه ميتة واقعا ، أو في حكم الميتة ، من عدم جواز الشراء ، وعدم التناول ، بل في غاية الظهور في خلاف ذلك ، لصراحتهما في جواز الشراء والتناول ، والبيع واللبس والانتفاع.

غاية ما في الاولى : عدم الصلاة فيها وفيما يليها ، وفي الثانية : من عدم البيع بشرط التذكية ، بل صريح في جواز البيع ، بأنّ صاحبها شرط التذكية.

مع أنّ فعل المعصوم عليه‌السلام لا يدلّ على المنع والحرمة ، فلا يعارض الصحاح السابقة ، فربّما كان بناء على الاستحباب ، كما يظهر ممّا رواه في «الكافي» في الحسن

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٩٧ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٣ الحديث ٧٩٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٦٢ الحديث ٥٧٣٠ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٩٨ الحديث ٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٤ الحديث ٧٩٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٥٠٣ الحديث ٤٢٩٣ مع اختلاف يسير.

٢٧٧

 ـ كالصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام قال : «تكره الصلاة في الفراء إلّا ما صنع في أرض الحجاز أو ما علمت منه ذكاته» (١).

وورد أيضا في بعض الأخبار المنع عن الصلاة في الجلود الدارش ، معللا بأنّ دباغها بخرء الكلاب (٢).

والظاهر أنّه أيضا محمول على الاستحباب ، لعدم قائل بالوجوب ، ولمعارضته للإطلاقات السابقة ، ولمناسبة العلّة ذلك.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٩٨ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٦٢ الحديث ٥٧٢٩.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٠٣ الحديث ٢٥ ، علل الشرائع : ٣٤٤ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧٣ الحديث ١٥٥٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٥١٦ الحديث ٤٣٣٤.

٢٧٨

١٢٤ ـ مفتاح

[عدم جواز الصلاة في ما لا يؤكل]

المشهور عدم جواز الصلاة في شي‌ء ممّا لا يؤكل لحمه ، سواء دبغ أو لم يدبغ ، وسواء كان ممّا تحلّه الحياة أم لا ، لأخبار (١) لا تخلو من ضعف في سند أو قصور في دلالة ، إلّا وبر الخزّ (٢) الخالص فيجوز بلا خلاف ، للقويّة المستفيضة (٣) ، وكذلك جلده ، للصحيح : «إذا حلّ وبره حلّ جلده» (٤).

والحق به السنجاب ، للصحاح (٥) ، لكن فيها ما يدلّ على جوازها في الفنك والسمور والثعلب (٦) أيضا ، مع أنّهم اتّفقوا على المنع في الأوّلين ومنهم

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٥ الباب ٢ من أبواب لباس المصلّي.

(٢) اختلف في حقيقة الخزّ ، فقيل : هو دابّة ذات أربع ، إذا فارقت الماء ماتت ، وهو المستفاد من بعض الروايات [وسائل الشيعة : ٤ / ٣٥٩ الحديث ٥٣٩٠]. ويستفاد من بعضها المعتبرة أنّه كلب الماء [وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٢ الحديث ٥٣٩٥ ، ٢٤ / ١٩١ الحديث ٣٠٣١٨]. وقال في «المعتبر» : حدّثني جماعة من التجّار أنّه القندس ولم أتحقّقه [المعتبر : ٢ / ٨٤]. وقال في «الذكرى» : لعلّه ما يسمّى في زماننا بمصر وبر السمك وهو مشهور هناك [ذكرى الشيعة : ٣ / ٣٦]. «منه رحمه‌الله».

(٣) انظر! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٥٩ الباب ٨ من أبواب لباس المصلّي.

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٦ الحديث ٥٤٠٨.

(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٤٩ الحديث ٥٣٥٦ ، ٣٥٠ الحديث ٥٣٦٠ ، ٣٥٢ الحديث ٥٣٦٥ و ٥٣٦٦.

(٦) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٥٢ الحديث ٥٣٦٥.

٢٧٩

من كره الثالث (١).

وفي الصحيح : في جلود الثعالب؟ قال : «ما احب أن اصلّي فيها» (٢).

وفي التكّة والقلنسوة المعمولتين من وبر غير المأكول روايتان (٣) أصحّهما الجواز ، وكذلك غير الملابس منه كالشعرات الملقاة على الثوب.

وظاهر الموثّق (٤) أنّ النهي مختصّ باللباس وما يلاقيه اللباس ويتلطّخ به ، دون ما يستصحبه المصلّي من دون لبس.

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٩٩ ، لاحظ! مفتاح الكرامة : ٥ / ٤٧١.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٥٥ الحديث ٥٣٧٥.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٧ الحديث ٥٤٤١ و ٥٤٤٢.

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٥٣ الحديث ٥٣٦٧ و ٥٣٦٨.

٢٨٠