محمّد باقر الوحيد البهبهاني
المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-6-X
ISBN الدورة:
الصفحات: ٥٥١
قوله : (وألحق بهما). إلى آخره.
في «الذخيرة» : لم اقف في ذلك على نصّ ، وأسنده في «الذكرى» إلى جماعة من الأصحاب (١) ، لأنّ فيه استقذار تكرهه النفس فتغطيه بالتراب (٢) ، انتهى.
روى في «الكافي» ـ في الصحيح ـ عن أبان ، عن محمّد بن مسلم قال : كان أبو جعفر عليهالسلام إذا وجد قمّلة في المسجد دفنها في الحصى (٣).
قوله : (وأن يجعل طريقا).
لما روي عنهم عليهمالسلام : «لا تجعلوا المساجد طرقا حتّى تصلّوا فيها ركعتين» (٤).
وأمّا رطانة الأعاجم ؛ فلما روي في «الكافي» و «التهذيب» بسندهما إلى الصادق عليهالسلام : «أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم نهى عن رطانة الأعاجم» (٥) ، وما ذكره المصنّف في تفسيره هو الصواب ، لا التكلّم بغير لسان العرب ، كما توهّم متوهّم كالشهيد في «الذكرى» (٦) ، والعلّامة في «المنتهى» (٧).
وأمّا الوضوء فيها من البول والغائط ، فلصحيحة رفاعة ، عن الصادق عليهالسلام : عن الوضوء في المسجد فكرهه من الغائط والبول (٨) ، ومرّ تمام الكلام.
__________________
(١) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٢٧.
(٢) ذخيرة المعاد : ٢٥٠.
(٣) الكافي : ٣ / ٣٦٧ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٥ الحديث ٩٣٢٥.
(٤) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٢ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٩٣ الحديث ٦٥٨٠.
(٥) الكافي : ٣ / ٣٦٩ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٢ الحديث ٧٣٩ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢١٦ و ٢١٧ الحديث ٦٣٧٠ و ٦٣٧١.
(٦) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٢٧.
(٧) منتهى المطلب : ٦ / ٣٢٧.
(٨) الكافي : ٣ / ٣٦٩ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٩٢ الحديث ١٢٩٨.
قوله : (ويحرم). إلى آخره.
ظاهر كلام الجماعة تحريم إدخالها فيه مطلقا ، وأنّه غير مختص بصورة تعديتها إليه وتلويثها إيّاه (١) ، ومنهم ابن إدريس مدّعيا الإجماع عليه (٢) ، ولعلّه لقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «جنّبوا مساجدكم النجاسة» (٣).
وفيه أنّ تجويز الشارع مرور الحائض في المساجد يدلّ على جواز غير المتعدّي ، وكذلك الجنب مطلقا.
وكذلك عدم تحريم عقد صلاة الجمعة ، وما ماثلها من الواجبات العينيّة في المسجد ، بل تجويزه شرعا قطعا ، بل ورجحانه ، مع أنّ من الناس من يكون فيهم القروح والجروح الدامية ، وأمثال ذلك ، وأنّ الظاهر أنّهم كانوا يصلّون في المساجد ، والشارع عليهالسلام كان يدري ولم يمنعهم ، وكذا الحال في أمثال ذلك.
ومرّ الكلام في ذلك مبسوطا في بحث إزالة النجاسات عن الثوب والبدن (٤).
قوله : (وإزالتها فيه).
علّله في «المعتبر» بما يقتضي اختصاص التحريم بما إذا استلزم الإزالة تنجيسه ، فعلى القول بمنع إدخالها مطلقا يحرم الإزالة مطلقا (٥).
واستقرب المحقّق الشيخ علي عموم المنع ، وإن كانت الإزالة فيما لا ينفعل كالجاري والكثير ، لما فيه من الامتهان المنافي لتعظيم شعائر الله ، ولقوله عليهالسلام :
__________________
(١) المعتبر : ٢ / ٤٥١ ، قواعد الأحكام : ١ / ٢٩ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ١٢٨.
(٢) السرائر : ١ / ١٦٣.
(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٢٩ الحديث ٦٤١٠.
(٤) راجع! الصفحة : ٥٨ و ٥٩ (المجلّد الخامس) من هذا الكتاب.
(٥) المعتبر : ٢ / ٤٥١.
«جنّبوا مساجدكم النجاسة» (١) ، وفيه ما فيه.
ثمّ اعلم! أنّ من المستحبات : أن لا يدخل المسجد إلّا طاهرا ، لمرسلة العلاء بن الفضيل ، عمن رواه ، عن الباقر عليهالسلام (٢) ، وغيرها من الأخبار (٣) ، وترك جميع ما ليس بعبادة.
ومن الممنوعات : خذف الحصاة (٤) في المسجد ، لما روي عن جعفر عليهالسلام عن آبائه عليهمالسلام : «أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد ، فقال : ما زالت تلعن حتّى وقعت» ، ثمّ قال : «الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط ، ثمّ تلا عليهالسلام (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) (٥) ، قال : هو الخذف» (٦).
ومن الممنوعات ؛ الخروج من المسجد بعد ما سمع النداء في المسجد ، إذ روي عن الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم : «أنّ من فعل ذلك من غير علّة فهو منافق ، إلّا أن يريد الرجوع إليه» (٧).
__________________
(١) جامع المقاصد : ٢ / ١٥٤.
(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٣ الحديث ٧٤٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٤٥ الحديث ٦٤٥٣.
(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٤٤ الباب ٣٩ من أبواب أحكام المساجد.
(٤) خذف الحصى : المشهور في تفسيره أن تضع الحصاة على بطن إبهام يدك اليمنى وتدفعها بظفر السبابة. (مجمع البحرين : ٥ / ٤٢).
(٥) العنكبوت (٢٩) : ٢٩.
(٦) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٢ الحديث ٧٤١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٤٣ الحديث ٦٤٤٨.
(٧) أمالي الصدوق : ٤٠٥ الحديث ١٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٢ الحديث ٧٤٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٤٢ الحديث ٦٤٤٥.
القول في لباس المصلّي
قال الله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (١).
١١٩ ـ مفتاح
[وجوب ستر العورة في الصلاة]
يجب ستر العورة في الصلاة إجماعا ، والآية نزلت فيه باتّفاق المفسّرين ، وهو شرط في صحّتها مع الإمكان ، فتبطل مع الإخلال به عمدا ، فإن لم يصب ولو حشيشا ، أومأ وهو قائم ، إن لم يره أحد ، وإلّا فجالسا ، جمعا بين الصحاح (٢).
وقيل بالتخيير مطلقا (٣) ، وقيل : بل قائما مطلقا (٤) ، وقيل : بل جالسا
__________________
(١) الأعراف (٧) : ٣١.
(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٨ الباب ٥٠ ، ٤٥٠ الباب ٥١ من أبواب لباس المصلّي.
(٣) المعتبر : ٢ / ١٠٥.
(٤) السرائر : ١ / ٢٦٠.
مطلقا (١) ، والأوّل أشهر وعليه الأكثر (٢) ، وله المرسل (٣) صريحا.
وقيل : في الجماعة يومي الإمام خاصّة ، وأمّا من خلفه فيركعون ويسجدون (٤) ، للموثّق (٥) ، وينبغي كونهم جلوسا يتقدّمهم الإمام بركبتيه ، كما في الصحيح (٦).
ويجب على المرأة الحرّة البالغة ستر ما يستره المقنعة والدرع الشامل غالبا ، كما في الصحيحين (٧) ، وعليه الأكثر (٨). وقيل : هي كالرجل (٩) ، للموثّق (١٠) وهو شاذّ.
وأمّا الأمة والصغيرة ؛ فتصلّيان بغير قناع ، كما في الصحاح (١١).
__________________
(١) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٤٩.
(٢) المبسوط : ١ / ٨٧ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٥٥ المسألة ١١٤ ، مدارك الأحكام : ٣ / ١٩٤.
(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٩ الحديث ٥٦٨٤.
(٤) النهاية للشيخ الطوسي : ١٣٠ ، المعتبر : ٢ / ١٠٧ ، الدروس الشرعية : ١ / ١٤٩.
(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥١ الحديث ٥٦٩٠.
(٦) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥٠ الحديث ٥٦٨٩.
(٧) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٠٥ الحديث ٥٥٣٩ ، ٤٠٧ الحديث ٥٥٤٥.
(٨) النهاية للشيخ الطوسي : ٩٨ ، المبسوط : ١ / ٨٧ ، مدارك الأحكام : ٣ / ١٨٨.
(٩) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ / ٩٦.
(١٠) وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٠ الحديث ٥٥٥٨.
(١١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٤٠٩ الباب ٢٩ من أبواب لباس المصلّي.
قوله : (يجب ستر العورة). إلى آخره.
أقول : أجمع علماء الإسلام على وجوب ستر العورة لأجل الصلاة ، وعندنا أنّه شرط في صحّتها ، نقله جماعة من الأصحاب ، منهم الفاضلان والشهيد (١).
ويدلّ عليه الأخبار الكثيرة ، منها صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهالسلام : في رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال : «إن أصاب حشيشا يستر عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم» (٢).
وغير خفيّ أنّ ترك المعصوم عليهالسلام الركوع والسجود من صلاة العاري مع أنّهما من الأركان ، بل من أعظم الأركان صريح في اشتراطه في الصحّة ، كما لا يخفى.
وقوله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٣) فسّر بأنّ المراد من الزينة ، ما يستر العورة في الصلاة والطواف ، وهما المراد من المسجد (٤).
هذا ؛ مضافا إلى أنّ العبادة توقيفيّة ، وأنّها اسم للصحيحة ، وشغل الذمّة اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة ، ولا يحصل إلّا به ، كما لا يخفى.
ولا يخفى أنّ شرطيّة الستر هل هو على الإطلاق ، أو مع الذكر؟ المشهور ومنهم الفاضلان على الثاني (٥).
وهو الظاهر من كلام الشيخ في «المبسوط» حيث قال : فإن انكشفت
__________________
(١) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٤٤ المسألة ١٠٦ ، المعتبر : ٢ / ٩٩ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٥
(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٥ الحديث ١٥١٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٨ الحديث ٥٦٨٢.
(٣) الاعراف (٧) : ٣١.
(٤) ذكرى الشيعة : ٣ / ٥.
(٥) المعتبر : ٢ / ١٠٢ ، منتهى المطلب : ٤ / ٢٨٣.
عورتاه في الصلاة وجب سترهما عليه ، ولا تبطل صلاته ، سواء كان ما انكشف عنه قليلا أو كثيرا ، بعضه أو كلّه (١) ، انتهى.
وقال الشهيد في «الدروس» : لا تبطل الصلاة بانكشاف العورة في الأثناء من غير فعل المصلّي. نعم ؛ يجب المبادرة إلى الستر ، ولو صلّى عاريا ناسيا فالأصحّ الإعادة في الوقت وخارجه (٢).
وقال في «الذكرى» : ولو قيل بأنّ المصلّي عاريا مع التمكّن من الساتر يعيد مطلقا والمصلّي مستورا ويعرض له الكشف في الأثناء بغير قصد لا يعيد مطلقا كان قويّا. نعم ؛ يجب عليه عند التذكّر الستر قطعا (٣) ، انتهى.
والظاهر منه الفرق بين النسيان ابتداء وبين الكشف له في الاثناء.
وعن ابن الجنيد : لو صلّى وعورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد الصلاة في الوقت فقط (٤).
والأقوى ما ذهب إليه المشهور ، لصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليهالسلام : في الرجل يصلّي وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه الإعادة؟ قال : «لا إعادة عليه ، وقد تمّت صلاته» (٥) ولأنّ القدر الثابت من أدلّة اشتراط الستر هو كونه شرطا حال كونه عالما (٦) ومتذكّرا ، ولم يثبت أزيد منه ، فيبقى الزائد على مقتضى الأصل.
__________________
(١) المبسوط : ١ / ٨٧.
(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٤٨.
(٣) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٦.
(٤) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٩٩.
(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢١٦ الحديث ٨٥١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٠٤ الحديث ٥٥٣٦ مع اختلاف يسير.
(٦) في (ز ٣) : عمدا.
هذا على القول بكون الصلاة اسما للأعم ، وجريان الأصل في ماهيّة العبادة أو شرطها.
وأمّا على القول الآخر ، فلأنّ قول الراوي : يصلّي وفرجه خارج ، أعمّ من الابتداء ، أو التكشّف في الأثناء ، والمعصوم عليهالسلام لم يستفصل في الجواب.
ولا قائل بالفصل بين هذه الصورة وغيرها ، مضافا إلى حصول الظن ، بعدم الفرق من ملاحظة قوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان» (١). وأمثاله مع ملاحظة هذه الصحيحة والفتاوى ، إذ يظهر أنّ منشأ الصحّة هو أنّه ناشئ عن غير تقصير (٢) ، لا أنّ خصوص خروج الفرج منشأ أو داخل فيه ، وظنّ المجتهد يوجب حصول البراءة اليقينيّة.
فظهر ما في استدلال العلّامة لابن الجنيد بأنّ الستر شرط إجماعا ، وقد انتفى فينتفي المشروط ، واستدلّ له لعدم الإعادة في خارج الوقت بأنّ القضاء فرض مستأنف (٣).
وفي «الذكرى» : لقائل أن يقول : إذا كان الستر شرطا على الإطلاق فهو كالطهارة التي لا تفرق الحال بين الوقت وخارجه (٤) ، انتهى.
ويمكن المناقشة ، بأنّ الأخبار الدالّة على وجوب القضاء مطلق ينصرف إلى الشائع الغالب ، وشمولها لما نحن فيه ـ لما عرفته ـ محلّ إشكال ، لكن بعد أيضا يحتاج إلى التأمّل ، والاحتياط واضح.
إذا عرفت هذا فاعلم! أنّ الذي يثبت من الإجماع والأخبار وجوب ستره
__________________
(١) الخصال : ٤١٧ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٦٩ الحديث ٢٠٧٦٩.
(٢) في (د ١) و (ز ٣) : ناشي غير مقصّر.
(٣) مختلف الشيعة : ٢ / ١٠٠.
(٤) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٦.
في الصلاة هو العورة ، فما يسمّى عورة حقيقة يجب سترها في الصلاة ، فما هو عورة في اصطلاح الشرع يكون هو المعتبر ، فإن ثبت فهو المطلوب ، وإلّا المرجع إلى العرف واللغة ، كما هو القاعدة.
فنقول : العورة في الرجل هو القبل ، أي القضيب والانثيان والدبر على الأشهر الأظهر ، بل ابن إدريس ادّعى الإجماع عليه (١).
وعن أبي الصلاح : أنّها من السرّة إلى الركبة (٢) ، وعن ابن البرّاج : أنّها من السرّة إلى نصف الساق (٣) ، ولا مستند لهما ظاهرا غير كون العورة لغة كلّ ما يستحي منه وعندهما أنّ ما ذكراه ممّا يستحى منه.
وورد أيضا في خبر ضعيف : أنّ الباقر عليهالسلام دخل الحمّام واتّزر بإزار وغطّى ركبتيه وسرّته ، ثمّ أمر صاحب الحمّام فطلى ما كان خارج الإزار ، ثمّ قال : «اخرج عنّي فطلى هو ما تحته» ، ثمّ قال : «هكذا فافعل» (٤).
هذا ، وما رواه بعض العامّة : أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم رآه قد كشف عن فخذه ، فقال : «غطّ فخذك ، ولا تنظر إلى فخذ أحد حيّ ولا ميّت» (٥).
وعن أبي أيّوب عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قال : أسفل السرّة وفوق الركبتين من العورة (٦).
هذا ؛ والمحقّق في «المعتبر» قال : وليست الركبة من العورة بإجماع علمائنا (٧) ،
__________________
(١) السرائر : ١ / ٢٦٠.
(٢) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٣ / ١٩١ لاحظ! الكافي في الفقه : ١٣٩.
(٣) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٩٦ ، المهذّب : ١ / ٨٣.
(٤) الكافي : ٦ / ٥٠١ الحديث ٢٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٦٧ الحديث ١٥٠٣ مع اختلاف يسير.
(٥) كنز العمّال : ٨ / ١٨ الحديث ٢١٦٧٢ و ٢١٦٧٤ مع اختلاف يسير.
(٦) سنن الدار قطني : ١ / ٢٣٧ الحديث ٨٧٩ مع اختلاف يسير.
(٧) المعتبر : ٢ / ١٠٠.
بل في الأخبار أيضا دلالة عليه ، منها رواية محمّد بن حكيم ، عن الصادق عليهالسلام أنّه قال : «الفخذ ليست من العورة» (١) ، ورواه الصدوق مرسلا عنه عليهالسلام (٢).
ومنها رواية أبي يحيى الواسطي ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن الماضي عليهالسلام أنّه قال : «العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستور بالأليتين فإذا ستر القضيب والبيضتين قد سترت العورة» (٣).
بل في رواية محمّد بن حكيم أنّه رأى الصادق عليهالسلام متجرّدا وعلى عورته ثوب ، فقال : «إنّ الفخذ ليست من العورة» (٤).
بل ورد : أنّ الباقر عليهالسلام كان يطلي عانته وما يليها ثمّ يلفّ إزاره على طرف إحليله ويدعو غيره فيطلي سائر بدنه (٥). إلى غير ذلك من الأخبار المنجبرة ضعفها بعمل الأصحاب ، فلا يضرّ السند لذلك.
والمعارض محمول على الاستحباب ، لكون مستند المشهور أرجح من جهة الشهرة بين الأصحاب ووضوح الدلالة ، وكونها أقوى بحيث لا يقبل التوجيه أصلا ، وموافقا للأصول مع كثرة العدد في أخبار الخاصّة ، وكون المعارض شاذّا موافقا للمشهور بين العامّة (٦) ، مخالفا للأصول مع ضعف الدلالة ، إلى غير ذلك.
واعلم! أيضا أنّ الستر يجوز بكلّ ما يستر العورة من ثوب وحشيش وورق
__________________
(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٤ الحديث ١١٥٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤ الحديث ١٤٠٠.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٧ الحديث ٢٥٣ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٥ الحديث ١٤٠٣.
(٣) الكافي : ٦ / ٥٠١ الحديث ٢٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٤ الحديث ١١٥١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤ الحديث ١٤٠١.
(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٤ الحديث ١١٥٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤ الحديث ١٤٠٠.
(٥) الكافي : ٦ / ٤٩٧ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٥٣ الحديث ١٤٥٧ مع اختلاف يسير.
(٦) بداية المجتهد : ١ / ١١٧.
وطين على تأمّل فيه ، على ما سيجيء ، لكن في تقديم كلّ منها ، أو التخيير بينها أقوال ثلاثة :
أحدها : الستر بالثوب ، فإن فقد فالتخيير بينها ، والظاهر أنّه مذهب المشهور ، منهم الشيخ وابن إدريس ، والفاضلان ، والشهيد في «البيان» (١) ، واحتجّ لتقديم الثوب برواية علي بن جعفر السابقة في صدر المسألة (٢) ، وبعدم تبادر غيره من إطلاق الستر ، وللتخيير بحصول مقصود الستر المأمور به.
وثانيها : الستر بالثوب ، فإن فقد فالتخيير بين الحشيش والورق ، فإن فقدا فالطين ، وهو خيرة الشهيد في «الدروس» (٣) ، واستدلّ له أمّا لتقديمهما على الطين فبعدم انصراف اللفظ إليه ، وأمّا للتخيير فبرواية علي بن جعفر.
وثالثها : التخيير بين الثوب وغيره ، وهو ظاهر العلّامة في «الإرشاد» (٤) واستدلّ له برواية علي بن جعفر ، وبحصول الستر المأمور به (٥) ، لأنّ المفهوم من قوله عليهالسلام : «وإن لم يصب شيئا» (٦). إلى آخره أنّه إن أصاب شيئا أيّ شيء يكون يستر به العورة لا يصلّي إيماء ، وسؤال الراوي لا يصير منشأ للتخصيص ، كما هو ظاهر ومسلّم.
وظهر من هذا المفهوم أنّه إن أصاب الطين الذي يستر به العورة ، يتعيّن الستر به ، وظاهر أنّ ذكر الحشيش من باب المثال ، ولذا لم يقل : «وإن لم يصب
__________________
(١) المبسوط : ١ / ٨٧ ، السرائر : ١ / ٢٦٠ ، شرائع الإسلام : ١ / ٧٠ ، نهاية الإحكام : ١ / ٣٦٧ ، البيان : ١٢٥.
(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٨ الحديث ٥٦٨٢.
(٣) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٤٨.
(٤) إرشاد الأذهان : ١ / ٢٤٧.
(٥) لاحظ! روض الجنان : ٢١٥.
(٦) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٨ الحديث ٥٦٨٢.
حشيشا يستر به عورته أومأ».
وقريب من هذه الصحيحة صحيحة زرارة أنّه قال للباقر عليهالسلام : رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلّي فيه ، فقال : «يصلّي إيماء» (١) فتأمّل فيهما ، لأنّ الضمير في قوله عليهالسلام : «إن أصاب» وقوله عليهالسلام : «وإن لم يصب» (٢) يرجع إلى الرجل المذكور ، وهو فاقد الثياب.
وكذا قوله عليهالسلام : «يصلّي إيماء» يرجع إلى من لم يجد شيئا يصلّي فيه ، ولا تأمّل في شيء من ذلك ، والكلّ مسلّم.
ولا دلالة فيهما على التخيير بين الثوب وغيره عند وجودهما.
نعم ؛ يشير إليه أيضا التعليق بوصف الستر.
بل يظهر ذلك من الاستقراء أيضا ، على أنّ العمومات الدالّة على وجوب الركوع والسجود يقتضي ذلك.
بل في الأخبار : أنّ الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود (٣) ، وأنّ أوّل صلاة أحدكم الركوع (٤) وغير ذلك من أمثاله. لكن دلالة الكلّ على التخيير ضعيفة.
نعم ؛ يدلّ على وجوب تقدّم الستر بأيّ ساتر يكون حتّى الطين ، على الصلاة بالإيماء.
__________________
(١) الكافي : ٣ / ٣٩٦ الحديث ١٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٤ الحديث ١٥١٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٩ الحديث ٥٦٨٧.
(٢) مرّت الإشارة إليه آنفا.
(٣) الكافي : ٣ / ٢٧٣ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٠ الحديث ٥٤٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٠ الحديث ٨٠٤٩.
(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٧ الحديث ٣٦٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١١ الحديث ٨٠٥٤.
ومقتضى البراءة اليقينية تقديم الثياب على مثل الحشيش.
ومقتضى صحيحة علي بن جعفر وغيرها ، التخيير بين مثل الحشيش والطين ، كما عرفت ، فظهر أنّ المشهور أقوى ، بل ما في «الإرشاد» (١) أيضا لا يخلو عن قوّة ، لكن بعد كلام سيظهر لك ، فلاحظ.
وينبغي التنبيه لأمور :
الأوّل : اختلف الأصحاب في أنّه هل يشترط في الساتر أن يستر الحجم ، بعد اتّفاقهم على اشتراط ستر اللون؟ الفاضلان على عدمه (٢) ، للأصل والعمومات ، وصدق الستر المأمور به.
وقيل : بالاشتراط (٣) ، وهو الأقرب.
لنا بعد توقيفيّة العبادة ـ وأنّها اسم للصحيحة لا للأعمّ وأنّ المتبادر من الستر ، ستر الحجم أيضا ، وربّما صحّ سلب الستر مع رؤيته وانكشافه ـ مرسلة أحمد بن حماد عن الصادق عليهالسلام قال : «لا تصلّ فيما شف أوصف» (٤).
وفي «الذكرى» : أنّه وجده هكذا بخطّ الشيخ : أنّ المعروف أو وصف ـ بواوين ـ ومعنى شف : لاحت منه البشرة ، ووصف : حكى الحجم (٥).
وهذه وإن كانت ضعيفة إلّا أنّها منجبرة بما ذكر ، مع أنّه إذا ظهر الحجم لعلّه لا يقال في العرف : ستر عورته ، بل يقال : ستر لونه ، على سبيل القيد ، فظهر الجواب عن قول الفاضلين.
__________________
(١) إرشاد الأذهان : ١ / ٢٤٧.
(٢) المعتبر : ٢ / ٩٥ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٤٦.
(٣) جامع المقاصد ٢ / ٩٥ ، لاحظ! مفتاح الكرامة : ٦ / ١٦.
(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢١٤ الحديث ٨٣٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٨٨ الحديث ٥٤٧٧.
(٥) ذكرى الشيعة : ٣ / ٥٠.
واعلم! أنّ المراد من ستر الحجم ، أن لا يحكي الساتر إيّاه من ورائه ، والمراد من عدم ستره أن يحكيه الساتر ، بحيث يرى نفس الحجم وشبحه ، كما هو مقتضى الأدلّة ، فيتحقّق الستر بالطين وأمثاله أيضا ، بل ربّما كان الساتر الثوب الثخين غاية الثخن.
ومع ذلك ، مع جهة ضيقه غاية الضيق ، أو إلصاقه بنفس الذكر والخصيتين يرى جثّتهما المستورة بذلك الثوب.
ولا شكّ في صدق ستر الحجم حينئذ ، على أنّ جسد المرأة وجثّتها يظهر مع ثيابها وتحت إزارها ، مع أنّ ستر جسدها واجب في الصلاة ، وعن غير المحرم مطلقا فلو كان هذا عدم ستر الحجم لزم تكليف ما لا يطاق في الأمر بسترها جسدها ، والمحال في امتثالها إلّا في صورة دخولها في مثل حجرة ساترة ، ومعلوم أنّ ستر الحجرة غير معتبر جزما.
وممّا ذكرنا ظهر فساد الاستدلال على عدم وجوب ستر الحجم بما ورد في بعض الأخبار أنّ النورة سترة للخصيتين والذكر (١) ، كما فعله بعضهم ، وكذا حكمه بالإجزاء بستر اللون عند ما كان الساتر هو الطين للتعذّر.
الثاني : إذا لم يجد المصلّي إلّا الطين ، ففي «الدروس» في الإيماء هنا نظر (٢) وعرفت وجهه.
وفي «الذخيرة» : في وجوب الركوع والسجود نظر ، لأنّ الظاهر من الأدلّة تعيّن الإيماء عند تعذّر الثياب ، وما يجري مجراه كالحشيش (٣) ، انتهى.
__________________
(١) الكافي : ٦ / ٤٩٧ الحديث ٧ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٥ الحديث ٢٥٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٥٣ الحديث ١٤٥٧.
(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٤٨.
(٣) ذخيرة المعاد : ٢٣٦.
وفيه ما عرفت ، مع أنّ الحكم بالإيماء عند تعذّر الثياب يوجب عدم العبرة بغيرها ، وإن كان حشيشا ، بل وخوصا ، بل وقطعة أديم وأمثالهما ، ما لم يسمّ معه ثوبا.
وقوله : وما يجرى مجراه ، إن أراد يجري مجراه في الظهور من الدليل ، كون تعيّن الإيماء عند تعذّره ، فقد عرفت أنّ صحيحة علي بن جعفر وغيرها شاملتان للطين أيضا.
وإن أراد غير ذلك ؛ ففساد ما ذكره واضح ، فتدبّر.
وأيضا الإطلاق فيما دلّ على أنّ العاري عن الثوب يؤمي ولا يركع ولا يسجد ينصرف إلى الغالب ، فربّما لا يتأتّى الستر بالطين ، لأنّه حال الرطوبة يخرب بالحركة للركوع والسجود.
وربّما كان المراد إرادة الصلاة حين الستر لا بعده بمدّة مديدة ، ومع (١) ذلك إذا أطلى ثقبة الإحليل ، فربّما يضرّ لدخول شيء فيه.
بل ربّما كان الأمر في الدبر أيضا كذلك ، مع أنّ ما ذكرت مطلق ، وصحيحة علي بن جعفر مع ما ذكرنا مقيّد ، وحمل المطلق على المقيّد متعارف ، ولذا لا تأمّل في صحّة الستر بمثل الأديم ممّا لا يعدّ ثوبا ، إذ لا يتبادر من لفظه.
على أنّ الذي وجدناه من المطلق ، إنّما هو روايتان غير صحيحتين ، إحداهما عن ابن مسكان ، عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليهالسلام : في الرجل يخرج عريانا فيدركه الصلاة ، قال : «يصلّي عريانا» (٢) الحديث ، وبمضمونها موثّقة إسحاق بن عمّار عن الصادق عليهالسلام (٣).
__________________
(١) في (ز ٣) : ومعنى.
(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٥ الحديث ١٥١٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٩ الحديث ٥٦٨٤.
(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٥ الحديث ١٥١٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥١ الحديث ٥٦٩٠.
وظاهر أنّهما مقيّدان بعدم التمكن ممّا يستر العورة من الأديم والخوص ، بل والحشيش أيضا حينما حضرت الصلاة.
فلعلّ الطين أيضا كذلك ، لما عرفت من عدم ساتريّة الرطب ، وأنّه يخرب البتّة بالحركة ، سيّما مع ما عرفت من أنّ الطين ربّما يضرّ ، فتأمّل! وكيف كان ؛ لا يرفع اليد عن الاحتياط.
ويمكن أن يقال بعدم تبادر الطين في الصحيحة وغيرها ، وأنّ النكرة في سياق النفي يفيد العموم لغة ، فتأمّل جدّا.
الثالث : إذا لم يجد إلّا وحلا أو ماء كدرا بحيث لو نزله يستر العورة به ، هل يجب النزول والاستتار أم لا؟ جماعة منهم الشهيد في «الدروس» على الوجوب (١).
وجماعة منهم المحقّق في «المعتبر» ، وصاحب «المدارك» ، و «الذخيرة» على عدمه (٢) ، محتجّين بأنّ فيه ضررا ومشقّة ، وبأنّ الأدلّة الدالّة على وجوب الستر للصلاة واشتراطها به ، غير شاملة لمحلّ النزاع.
هذا ؛ مضافا إلى عدم تبادرهما من إطلاق الستر.
ولا يخفى أنّ القول بالوجوب أحوط (٣) ، لشغل الذمّة المستدعي للبراءة اليقينيّة ، وأنّ العبادة اسم للصحيحة ، وللتمكّن من الستر وإن كان من الأفراد النادرة ، لكن مرّ في وجوب الستر بالطين أنّه لا يخلو عن إشكال ، وظهر وجهه فالإشكال هنا أقوى.
ثمّ أنّ الستر بالنزول في الماء أو الوحل ، لا يكاد يتيسّر معه السجود
__________________
(١) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٤٨ و ١٤٩.
(٢) المعتبر : ٢ / ١٠٦ ، مدارك الأحكام : ٣ / ١٩٣ ، ذخيرة المعاد : ٢٣٦.
(٣) في (ز ٣) زيادة : بشرط عدم التضرّر والمشقّة والتمكّن من واجبات السجود وغيرها من أجزاء الصلاة.
مستجمعا لشرائط صحّته ، مثل كونه على ما يصلح السجود عليه مع الاستقرار ، وعدم ارتفاع المسجد عن المقام أزيد من قدر لبنة ، وكذا عدم انخفاضه عنه كذلك ، إلى غير ذلك. مع أنّه ورد «أنّ للماء أهلا» (١) فتأمّل!.
وعلى القول بالوجوب ، هل الوحل مقدّم أو بالعكس؟
والشهيد على الأوّل مستدلّا بأنّه داخل في مسمّى الساتر وأشبه بالثوب (٢) ، وهو كذلك ، إلّا أنّ عدم تأتّي واجبات السجود فيه أزيد ، فتأمّل!
الرابع : إذا لم يجد إلّا ولوج حفيرة ، فهل يجب الستر به والصلاة قائما بالركوع والسجود؟
قيل : نعم ، لمرسلة أيّوب بن نوح ، عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليهالسلام قال : «العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها فيسجد فيها ويركع» (٣) ولحصول الستر (٤).
وقيل : لا (٥) ، وهذا هو الأظهر ، لضعف الرواية ، ولمنع حصول الستر ، لعدم تبادره من إطلاق الستر ، والستر في الجملة يحصل من البيت والدار أيضا بلا شبهة ، فتأمّل!
الخامس : إذا لم يجد الساتر إلّا في أثناء الصلاة وكان الوقت متّسعا ولو بقدر ركعة ، وتوقّف ستره على فعل المنافي ، كفعل الكثير ونحوه فالأقوى (٦) قطع الصلاة
__________________
(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦١ الحديث ٢٢٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٤١ الحديث ١٤٢٣.
(٢) روض الجنان : ٢١٦.
(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٥ الحديث ١٥١٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٨ الحديث ٥٦٨٣.
(٤) المعتبر : ٢ / ١٠٥ و ١٠٦.
(٥) ذخيرة المعاد : ٢٣٦.
(٦) في (ز ٣) : فالأقرب.
والإتيان بها مستجمعة لشرائط صحّتها ، لعدم صدق الامتثال بالصلاة عاريا حينئذ ، لأنّ الضرورة تتقدّر بقدرها ، ولشمول العمومات مع التمكّن من الساتر.
واحتمل بعض عدمه ، للنهي عن إبطال الأعمال (١) ولا يخفى ضعفه ، لأنّ شمول النهي لمحلّ النزاع محلّ نظر ، وعلى تقدير الشمول نقول : إنّه مخصّص بالأدلّة الدالّة على وجوب الستر لأجل الصلاة المقتضية لبطلانها مع عدم الستر ، فتأمّل جدّا!
وأمّا لو كان الوقت ضيّقا والحال هذه ، فلا شكّ في وجوب الاستمرار وإتمام الصلاة عاريا ، ولو لم يتوقّف على المنافي وجب الستر مع الضيق ، والاستئناف مع السعة ، لعدم تحقّق الامتثال مع التمكّن من الستر في وقت الصلاة.
السادس : شراء الساتر واجب بأيّ قيمة كان ، ولو زاد عن ثمن المثل ، بشرط عدم التضرّر على الأصح ، ولو وهبه أحد وجب القبول ، لصدق التمكّن عن الساتر حينئذ ، خلافا للعلّامة في «التذكرة» ، مستدلّا بأنّه فيه المنّة (٢) ، وفيه ما فيه ، ولو أعير وجب أيضا القبول.
السابع : إذا كان له ثوب وفيه خرق ، فإن لم يكن في مقابل العورة فلا إشكال أصلا ، وإلّا فإن كان يحصل الستر بجميع الثوب بيده أو بغيره بحيث يتحقّق الستر بالثوب ، ويصدق عرفا أنّه ستر به ، ويتحقّق واجبات السجود وغيرها شرعا صحّ صلاته بلا إشكال على ما صرّح به جماعة (٣) ، وإلّا فيصلّي عاريا إن لم يكن له ساتر آخر.
__________________
(١) ذخيرة المعاد : ٢٣٦ ، مدارك الأحكام : ٣ / ١٩٧.
(٢) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٥٧.
(٣) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٥٤ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ١٧ ، الحدائق الناضرة : ٧ / ٤٦.
وكذا لو كانت العورة مستورة بوضع يده عليها ، أو بوضع يد غير المصلّي عليها على الأصحّ ، لعدم تيسّر الواجبات من السجود وغيره ، وعسر البقاء على حالة الستر في الجميع ، مع عدم تبادر من الستر الوارد في الأخبار ، وحصول الظنّ بعدم دخوله فيها ، بل القطع لحكمهم بالصلاة عاريا مع عدم الثوب والحشيش وغيرهما ممّا يستر به العورة ، إذ لا شكّ في تحقّق الكفّ له عادة وغالبا ، مع أنّه ربّما كان معه زوجته أو جاريته ، وتركوا الاستفصال حين الحكم ، فتأمّل جدّا.
الثامن : إذا لم يجد إلّا ساترا إحدى العورتين ، فلا شكّ في وجوب الستر والظاهر أنّ الأولى أن يستر القبل ، لرواية أبي يحيى السابقة (١) ، وإن كان خنثى.
التاسع : إذا لم يجد إلّا ثوب حرير فهو كالمعدوم يصلّي عاريا ، للنهي عنه في الصلاة المقتضي بفسادها ، وإذا وجد النجس والحرير واضطرّ إلى لبس أحدهما فالأولى اختيار النجس ، لعدم تحريم لبسه في غير الصلاة ، وورد النصّ في الصلاة فيه مع الحاجة ، كما سيجيء.
العاشر : ظاهر الأصحاب مراعاة الستر من الجوانب الأربع ومن الفوق وعدم المراعاة من التحت ، ويتفرّع على هذا أنّه لو صلّى على سطح ويرى عورته من تحته كونه مجزيا مع أنّه أيضا لا يخلو عن إشكال ما ، بتتبّع تضاعيف الأخبار الواردة في الستر ، ومنافاته للحياء والآداب المستفاد منها.
وكيف كان ؛ لا شكّ في أنّ الاحتراز عنه أحوط.
الحادي عشر : هل يعتبر الستر في صلاة الجنازة؟ الأظهر لا ، لعدم تبادرها من لفظ الصلاة ، ولرواية يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليهالسلام : عن الجنازة يصلّى عليها على غير وضوء؟ فقال : «نعم ، إنّما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل ، كما
__________________
(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤ الحديث ١٤٠١.