مصابيح الظلام - ج ٦

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٦

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-6-X
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥١

قوله : (وألحق بهما). إلى آخره.

في «الذخيرة» : لم اقف في ذلك على نصّ ، وأسنده في «الذكرى» إلى جماعة من الأصحاب (١) ، لأنّ فيه استقذار تكرهه النفس فتغطيه بالتراب (٢) ، انتهى.

روى في «الكافي» ـ في الصحيح ـ عن أبان ، عن محمّد بن مسلم قال : كان أبو جعفر عليه‌السلام إذا وجد قمّلة في المسجد دفنها في الحصى (٣).

قوله : (وأن يجعل طريقا).

لما روي عنهم عليهم‌السلام : «لا تجعلوا المساجد طرقا حتّى تصلّوا فيها ركعتين» (٤).

وأمّا رطانة الأعاجم ؛ فلما روي في «الكافي» و «التهذيب» بسندهما إلى الصادق عليه‌السلام : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن رطانة الأعاجم» (٥) ، وما ذكره المصنّف في تفسيره هو الصواب ، لا التكلّم بغير لسان العرب ، كما توهّم متوهّم كالشهيد في «الذكرى» (٦) ، والعلّامة في «المنتهى» (٧).

وأمّا الوضوء فيها من البول والغائط ، فلصحيحة رفاعة ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الوضوء في المسجد فكرهه من الغائط والبول (٨) ، ومرّ تمام الكلام.

__________________

(١) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٢٧.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٥٠.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٦٧ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٧ / ٢٧٥ الحديث ٩٣٢٥.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٢ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٩٣ الحديث ٦٥٨٠.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٦٩ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٢ الحديث ٧٣٩ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢١٦ و ٢١٧ الحديث ٦٣٧٠ و ٦٣٧١.

(٦) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٢٧.

(٧) منتهى المطلب : ٦ / ٣٢٧.

(٨) الكافي : ٣ / ٣٦٩ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ١ / ٤٩٢ الحديث ١٢٩٨.

١٢١

قوله : (ويحرم). إلى آخره.

ظاهر كلام الجماعة تحريم إدخالها فيه مطلقا ، وأنّه غير مختص بصورة تعديتها إليه وتلويثها إيّاه (١) ، ومنهم ابن إدريس مدّعيا الإجماع عليه (٢) ، ولعلّه لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «جنّبوا مساجدكم النجاسة» (٣).

وفيه أنّ تجويز الشارع مرور الحائض في المساجد يدلّ على جواز غير المتعدّي ، وكذلك الجنب مطلقا.

وكذلك عدم تحريم عقد صلاة الجمعة ، وما ماثلها من الواجبات العينيّة في المسجد ، بل تجويزه شرعا قطعا ، بل ورجحانه ، مع أنّ من الناس من يكون فيهم القروح والجروح الدامية ، وأمثال ذلك ، وأنّ الظاهر أنّهم كانوا يصلّون في المساجد ، والشارع عليه‌السلام كان يدري ولم يمنعهم ، وكذا الحال في أمثال ذلك.

ومرّ الكلام في ذلك مبسوطا في بحث إزالة النجاسات عن الثوب والبدن (٤).

قوله : (وإزالتها فيه).

علّله في «المعتبر» بما يقتضي اختصاص التحريم بما إذا استلزم الإزالة تنجيسه ، فعلى القول بمنع إدخالها مطلقا يحرم الإزالة مطلقا (٥).

واستقرب المحقّق الشيخ علي عموم المنع ، وإن كانت الإزالة فيما لا ينفعل كالجاري والكثير ، لما فيه من الامتهان المنافي لتعظيم شعائر الله ، ولقوله عليه‌السلام :

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٤٥١ ، قواعد الأحكام : ١ / ٢٩ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ١٢٨.

(٢) السرائر : ١ / ١٦٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٢٩ الحديث ٦٤١٠.

(٤) راجع! الصفحة : ٥٨ و ٥٩ (المجلّد الخامس) من هذا الكتاب.

(٥) المعتبر : ٢ / ٤٥١.

١٢٢

«جنّبوا مساجدكم النجاسة» (١) ، وفيه ما فيه.

ثمّ اعلم! أنّ من المستحبات : أن لا يدخل المسجد إلّا طاهرا ، لمرسلة العلاء بن الفضيل ، عمن رواه ، عن الباقر عليه‌السلام (٢) ، وغيرها من الأخبار (٣) ، وترك جميع ما ليس بعبادة.

ومن الممنوعات : خذف الحصاة (٤) في المسجد ، لما روي عن جعفر عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام : «أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبصر رجلا يخذف بحصاة في المسجد ، فقال : ما زالت تلعن حتّى وقعت» ، ثمّ قال : «الخذف في النادي من أخلاق قوم لوط ، ثمّ تلا عليه‌السلام (وَتَأْتُونَ فِي نادِيكُمُ الْمُنْكَرَ) (٥) ، قال : هو الخذف» (٦).

ومن الممنوعات ؛ الخروج من المسجد بعد ما سمع النداء في المسجد ، إذ روي عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّ من فعل ذلك من غير علّة فهو منافق ، إلّا أن يريد الرجوع إليه» (٧).

__________________

(١) جامع المقاصد : ٢ / ١٥٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٣ الحديث ٧٤٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٤٥ الحديث ٦٤٥٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٤٤ الباب ٣٩ من أبواب أحكام المساجد.

(٤) خذف الحصى : المشهور في تفسيره أن تضع الحصاة على بطن إبهام يدك اليمنى وتدفعها بظفر السبابة. (مجمع البحرين : ٥ / ٤٢).

(٥) العنكبوت (٢٩) : ٢٩.

(٦) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٢ الحديث ٧٤١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٤٣ الحديث ٦٤٤٨.

(٧) أمالي الصدوق : ٤٠٥ الحديث ١٧ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦٢ الحديث ٧٤٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٤٢ الحديث ٦٤٤٥.

١٢٣
١٢٤

القول في لباس المصلّي

قال الله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (١).

١١٩ ـ مفتاح

[وجوب ستر العورة في الصلاة]

يجب ستر العورة في الصلاة إجماعا ، والآية نزلت فيه باتّفاق المفسّرين ، وهو شرط في صحّتها مع الإمكان ، فتبطل مع الإخلال به عمدا ، فإن لم يصب ولو حشيشا ، أومأ وهو قائم ، إن لم يره أحد ، وإلّا فجالسا ، جمعا بين الصحاح (٢).

وقيل بالتخيير مطلقا (٣) ، وقيل : بل قائما مطلقا (٤) ، وقيل : بل جالسا

__________________

(١) الأعراف (٧) : ٣١.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٨ الباب ٥٠ ، ٤٥٠ الباب ٥١ من أبواب لباس المصلّي.

(٣) المعتبر : ٢ / ١٠٥.

(٤) السرائر : ١ / ٢٦٠.

١٢٥

مطلقا (١) ، والأوّل أشهر وعليه الأكثر (٢) ، وله المرسل (٣) صريحا.

وقيل : في الجماعة يومي الإمام خاصّة ، وأمّا من خلفه فيركعون ويسجدون (٤) ، للموثّق (٥) ، وينبغي كونهم جلوسا يتقدّمهم الإمام بركبتيه ، كما في الصحيح (٦).

ويجب على المرأة الحرّة البالغة ستر ما يستره المقنعة والدرع الشامل غالبا ، كما في الصحيحين (٧) ، وعليه الأكثر (٨). وقيل : هي كالرجل (٩) ، للموثّق (١٠) وهو شاذّ.

وأمّا الأمة والصغيرة ؛ فتصلّيان بغير قناع ، كما في الصحاح (١١).

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٤٩.

(٢) المبسوط : ١ / ٨٧ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٥٥ المسألة ١١٤ ، مدارك الأحكام : ٣ / ١٩٤.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٩ الحديث ٥٦٨٤.

(٤) النهاية للشيخ الطوسي : ١٣٠ ، المعتبر : ٢ / ١٠٧ ، الدروس الشرعية : ١ / ١٤٩.

(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥١ الحديث ٥٦٩٠.

(٦) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥٠ الحديث ٥٦٨٩.

(٧) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٠٥ الحديث ٥٥٣٩ ، ٤٠٧ الحديث ٥٥٤٥.

(٨) النهاية للشيخ الطوسي : ٩٨ ، المبسوط : ١ / ٨٧ ، مدارك الأحكام : ٣ / ١٨٨.

(٩) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ / ٩٦.

(١٠) وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٠ الحديث ٥٥٥٨.

(١١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٤٠٩ الباب ٢٩ من أبواب لباس المصلّي.

١٢٦

قوله : (يجب ستر العورة). إلى آخره.

أقول : أجمع علماء الإسلام على وجوب ستر العورة لأجل الصلاة ، وعندنا أنّه شرط في صحّتها ، نقله جماعة من الأصحاب ، منهم الفاضلان والشهيد (١).

ويدلّ عليه الأخبار الكثيرة ، منها صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : في رجل قطع عليه أو غرق متاعه فبقي عريانا وحضرت الصلاة كيف يصلّي؟ قال : «إن أصاب حشيشا يستر عورته أتمّ صلاته بالركوع والسجود ، وإن لم يصب شيئا يستر به عورته أومأ وهو قائم» (٢).

وغير خفيّ أنّ ترك المعصوم عليه‌السلام الركوع والسجود من صلاة العاري مع أنّهما من الأركان ، بل من أعظم الأركان صريح في اشتراطه في الصحّة ، كما لا يخفى.

وقوله تعالى (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) (٣) فسّر بأنّ المراد من الزينة ، ما يستر العورة في الصلاة والطواف ، وهما المراد من المسجد (٤).

هذا ؛ مضافا إلى أنّ العبادة توقيفيّة ، وأنّها اسم للصحيحة ، وشغل الذمّة اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة ، ولا يحصل إلّا به ، كما لا يخفى.

ولا يخفى أنّ شرطيّة الستر هل هو على الإطلاق ، أو مع الذكر؟ المشهور ومنهم الفاضلان على الثاني (٥).

وهو الظاهر من كلام الشيخ في «المبسوط» حيث قال : فإن انكشفت

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٤٤ المسألة ١٠٦ ، المعتبر : ٢ / ٩٩ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٥

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٥ الحديث ١٥١٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٨ الحديث ٥٦٨٢.

(٣) الاعراف (٧) : ٣١.

(٤) ذكرى الشيعة : ٣ / ٥.

(٥) المعتبر : ٢ / ١٠٢ ، منتهى المطلب : ٤ / ٢٨٣.

١٢٧

عورتاه في الصلاة وجب سترهما عليه ، ولا تبطل صلاته ، سواء كان ما انكشف عنه قليلا أو كثيرا ، بعضه أو كلّه (١) ، انتهى.

وقال الشهيد في «الدروس» : لا تبطل الصلاة بانكشاف العورة في الأثناء من غير فعل المصلّي. نعم ؛ يجب المبادرة إلى الستر ، ولو صلّى عاريا ناسيا فالأصحّ الإعادة في الوقت وخارجه (٢).

وقال في «الذكرى» : ولو قيل بأنّ المصلّي عاريا مع التمكّن من الساتر يعيد مطلقا والمصلّي مستورا ويعرض له الكشف في الأثناء بغير قصد لا يعيد مطلقا كان قويّا. نعم ؛ يجب عليه عند التذكّر الستر قطعا (٣) ، انتهى.

والظاهر منه الفرق بين النسيان ابتداء وبين الكشف له في الاثناء.

وعن ابن الجنيد : لو صلّى وعورتاه مكشوفتان غير عامد أعاد الصلاة في الوقت فقط (٤).

والأقوى ما ذهب إليه المشهور ، لصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : في الرجل يصلّي وفرجه خارج لا يعلم به هل عليه الإعادة؟ قال : «لا إعادة عليه ، وقد تمّت صلاته» (٥) ولأنّ القدر الثابت من أدلّة اشتراط الستر هو كونه شرطا حال كونه عالما (٦) ومتذكّرا ، ولم يثبت أزيد منه ، فيبقى الزائد على مقتضى الأصل.

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٨٧.

(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٤٨.

(٣) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٦.

(٤) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٩٩.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢١٦ الحديث ٨٥١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٠٤ الحديث ٥٥٣٦ مع اختلاف يسير.

(٦) في (ز ٣) : عمدا.

١٢٨

هذا على القول بكون الصلاة اسما للأعم ، وجريان الأصل في ماهيّة العبادة أو شرطها.

وأمّا على القول الآخر ، فلأنّ قول الراوي : يصلّي وفرجه خارج ، أعمّ من الابتداء ، أو التكشّف في الأثناء ، والمعصوم عليه‌السلام لم يستفصل في الجواب.

ولا قائل بالفصل بين هذه الصورة وغيرها ، مضافا إلى حصول الظن ، بعدم الفرق من ملاحظة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان» (١). وأمثاله مع ملاحظة هذه الصحيحة والفتاوى ، إذ يظهر أنّ منشأ الصحّة هو أنّه ناشئ عن غير تقصير (٢) ، لا أنّ خصوص خروج الفرج منشأ أو داخل فيه ، وظنّ المجتهد يوجب حصول البراءة اليقينيّة.

فظهر ما في استدلال العلّامة لابن الجنيد بأنّ الستر شرط إجماعا ، وقد انتفى فينتفي المشروط ، واستدلّ له لعدم الإعادة في خارج الوقت بأنّ القضاء فرض مستأنف (٣).

وفي «الذكرى» : لقائل أن يقول : إذا كان الستر شرطا على الإطلاق فهو كالطهارة التي لا تفرق الحال بين الوقت وخارجه (٤) ، انتهى.

ويمكن المناقشة ، بأنّ الأخبار الدالّة على وجوب القضاء مطلق ينصرف إلى الشائع الغالب ، وشمولها لما نحن فيه ـ لما عرفته ـ محلّ إشكال ، لكن بعد أيضا يحتاج إلى التأمّل ، والاحتياط واضح.

إذا عرفت هذا فاعلم! أنّ الذي يثبت من الإجماع والأخبار وجوب ستره

__________________

(١) الخصال : ٤١٧ الحديث ٩ ، وسائل الشيعة : ١٥ / ٣٦٩ الحديث ٢٠٧٦٩.

(٢) في (د ١) و (ز ٣) : ناشي غير مقصّر.

(٣) مختلف الشيعة : ٢ / ١٠٠.

(٤) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٦.

١٢٩

في الصلاة هو العورة ، فما يسمّى عورة حقيقة يجب سترها في الصلاة ، فما هو عورة في اصطلاح الشرع يكون هو المعتبر ، فإن ثبت فهو المطلوب ، وإلّا المرجع إلى العرف واللغة ، كما هو القاعدة.

فنقول : العورة في الرجل هو القبل ، أي القضيب والانثيان والدبر على الأشهر الأظهر ، بل ابن إدريس ادّعى الإجماع عليه (١).

وعن أبي الصلاح : أنّها من السرّة إلى الركبة (٢) ، وعن ابن البرّاج : أنّها من السرّة إلى نصف الساق (٣) ، ولا مستند لهما ظاهرا غير كون العورة لغة كلّ ما يستحي منه وعندهما أنّ ما ذكراه ممّا يستحى منه.

وورد أيضا في خبر ضعيف : أنّ الباقر عليه‌السلام دخل الحمّام واتّزر بإزار وغطّى ركبتيه وسرّته ، ثمّ أمر صاحب الحمّام فطلى ما كان خارج الإزار ، ثمّ قال : «اخرج عنّي فطلى هو ما تحته» ، ثمّ قال : «هكذا فافعل» (٤).

هذا ، وما رواه بعض العامّة : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رآه قد كشف عن فخذه ، فقال : «غطّ فخذك ، ولا تنظر إلى فخذ أحد حيّ ولا ميّت» (٥).

وعن أبي أيّوب عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : أسفل السرّة وفوق الركبتين من العورة (٦).

هذا ؛ والمحقّق في «المعتبر» قال : وليست الركبة من العورة بإجماع علمائنا (٧) ،

__________________

(١) السرائر : ١ / ٢٦٠.

(٢) نقل عنه في مدارك الأحكام : ٣ / ١٩١ لاحظ! الكافي في الفقه : ١٣٩.

(٣) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٩٦ ، المهذّب : ١ / ٨٣.

(٤) الكافي : ٦ / ٥٠١ الحديث ٢٢ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٦٧ الحديث ١٥٠٣ مع اختلاف يسير.

(٥) كنز العمّال : ٨ / ١٨ الحديث ٢١٦٧٢ و ٢١٦٧٤ مع اختلاف يسير.

(٦) سنن الدار قطني : ١ / ٢٣٧ الحديث ٨٧٩ مع اختلاف يسير.

(٧) المعتبر : ٢ / ١٠٠.

١٣٠

بل في الأخبار أيضا دلالة عليه ، منها رواية محمّد بن حكيم ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «الفخذ ليست من العورة» (١) ، ورواه الصدوق مرسلا عنه عليه‌السلام (٢).

ومنها رواية أبي يحيى الواسطي ، عن بعض أصحابه ، عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام أنّه قال : «العورة عورتان : القبل والدبر ، والدبر مستور بالأليتين فإذا ستر القضيب والبيضتين قد سترت العورة» (٣).

بل في رواية محمّد بن حكيم أنّه رأى الصادق عليه‌السلام متجرّدا وعلى عورته ثوب ، فقال : «إنّ الفخذ ليست من العورة» (٤).

بل ورد : أنّ الباقر عليه‌السلام كان يطلي عانته وما يليها ثمّ يلفّ إزاره على طرف إحليله ويدعو غيره فيطلي سائر بدنه (٥). إلى غير ذلك من الأخبار المنجبرة ضعفها بعمل الأصحاب ، فلا يضرّ السند لذلك.

والمعارض محمول على الاستحباب ، لكون مستند المشهور أرجح من جهة الشهرة بين الأصحاب ووضوح الدلالة ، وكونها أقوى بحيث لا يقبل التوجيه أصلا ، وموافقا للأصول مع كثرة العدد في أخبار الخاصّة ، وكون المعارض شاذّا موافقا للمشهور بين العامّة (٦) ، مخالفا للأصول مع ضعف الدلالة ، إلى غير ذلك.

واعلم! أيضا أنّ الستر يجوز بكلّ ما يستر العورة من ثوب وحشيش وورق

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٤ الحديث ١١٥٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤ الحديث ١٤٠٠.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٧ الحديث ٢٥٣ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٥ الحديث ١٤٠٣.

(٣) الكافي : ٦ / ٥٠١ الحديث ٢٦ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٤ الحديث ١١٥١ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤ الحديث ١٤٠١.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٧٤ الحديث ١١٥٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤ الحديث ١٤٠٠.

(٥) الكافي : ٦ / ٤٩٧ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٥٣ الحديث ١٤٥٧ مع اختلاف يسير.

(٦) بداية المجتهد : ١ / ١١٧.

١٣١

وطين على تأمّل فيه ، على ما سيجي‌ء ، لكن في تقديم كلّ منها ، أو التخيير بينها أقوال ثلاثة :

أحدها : الستر بالثوب ، فإن فقد فالتخيير بينها ، والظاهر أنّه مذهب المشهور ، منهم الشيخ وابن إدريس ، والفاضلان ، والشهيد في «البيان» (١) ، واحتجّ لتقديم الثوب برواية علي بن جعفر السابقة في صدر المسألة (٢) ، وبعدم تبادر غيره من إطلاق الستر ، وللتخيير بحصول مقصود الستر المأمور به.

وثانيها : الستر بالثوب ، فإن فقد فالتخيير بين الحشيش والورق ، فإن فقدا فالطين ، وهو خيرة الشهيد في «الدروس» (٣) ، واستدلّ له أمّا لتقديمهما على الطين فبعدم انصراف اللفظ إليه ، وأمّا للتخيير فبرواية علي بن جعفر.

وثالثها : التخيير بين الثوب وغيره ، وهو ظاهر العلّامة في «الإرشاد» (٤) واستدلّ له برواية علي بن جعفر ، وبحصول الستر المأمور به (٥) ، لأنّ المفهوم من قوله عليه‌السلام : «وإن لم يصب شيئا» (٦). إلى آخره أنّه إن أصاب شيئا أيّ شي‌ء يكون يستر به العورة لا يصلّي إيماء ، وسؤال الراوي لا يصير منشأ للتخصيص ، كما هو ظاهر ومسلّم.

وظهر من هذا المفهوم أنّه إن أصاب الطين الذي يستر به العورة ، يتعيّن الستر به ، وظاهر أنّ ذكر الحشيش من باب المثال ، ولذا لم يقل : «وإن لم يصب

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٨٧ ، السرائر : ١ / ٢٦٠ ، شرائع الإسلام : ١ / ٧٠ ، نهاية الإحكام : ١ / ٣٦٧ ، البيان : ١٢٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٨ الحديث ٥٦٨٢.

(٣) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٤٨.

(٤) إرشاد الأذهان : ١ / ٢٤٧.

(٥) لاحظ! روض الجنان : ٢١٥.

(٦) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٨ الحديث ٥٦٨٢.

١٣٢

حشيشا يستر به عورته أومأ».

وقريب من هذه الصحيحة صحيحة زرارة أنّه قال للباقر عليه‌السلام : رجل خرج من سفينة عريانا أو سلب ثيابه ولم يجد شيئا يصلّي فيه ، فقال : «يصلّي إيماء» (١) فتأمّل فيهما ، لأنّ الضمير في قوله عليه‌السلام : «إن أصاب» وقوله عليه‌السلام : «وإن لم يصب» (٢) يرجع إلى الرجل المذكور ، وهو فاقد الثياب.

وكذا قوله عليه‌السلام : «يصلّي إيماء» يرجع إلى من لم يجد شيئا يصلّي فيه ، ولا تأمّل في شي‌ء من ذلك ، والكلّ مسلّم.

ولا دلالة فيهما على التخيير بين الثوب وغيره عند وجودهما.

نعم ؛ يشير إليه أيضا التعليق بوصف الستر.

بل يظهر ذلك من الاستقراء أيضا ، على أنّ العمومات الدالّة على وجوب الركوع والسجود يقتضي ذلك.

بل في الأخبار : أنّ الصلاة ثلاثة أثلاث : ثلث طهور ، وثلث ركوع ، وثلث سجود (٣) ، وأنّ أوّل صلاة أحدكم الركوع (٤) وغير ذلك من أمثاله. لكن دلالة الكلّ على التخيير ضعيفة.

نعم ؛ يدلّ على وجوب تقدّم الستر بأيّ ساتر يكون حتّى الطين ، على الصلاة بالإيماء.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٩٦ الحديث ١٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٤ الحديث ١٥١٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٩ الحديث ٥٦٨٧.

(٢) مرّت الإشارة إليه آنفا.

(٣) الكافي : ٣ / ٢٧٣ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ١٤٠ الحديث ٥٤٤ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١٠ الحديث ٨٠٤٩.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٩٧ الحديث ٣٦٢ ، وسائل الشيعة : ٦ / ٣١١ الحديث ٨٠٥٤.

١٣٣

ومقتضى البراءة اليقينية تقديم الثياب على مثل الحشيش.

ومقتضى صحيحة علي بن جعفر وغيرها ، التخيير بين مثل الحشيش والطين ، كما عرفت ، فظهر أنّ المشهور أقوى ، بل ما في «الإرشاد» (١) أيضا لا يخلو عن قوّة ، لكن بعد كلام سيظهر لك ، فلاحظ.

وينبغي التنبيه لأمور :

الأوّل : اختلف الأصحاب في أنّه هل يشترط في الساتر أن يستر الحجم ، بعد اتّفاقهم على اشتراط ستر اللون؟ الفاضلان على عدمه (٢) ، للأصل والعمومات ، وصدق الستر المأمور به.

وقيل : بالاشتراط (٣) ، وهو الأقرب.

لنا بعد توقيفيّة العبادة ـ وأنّها اسم للصحيحة لا للأعمّ وأنّ المتبادر من الستر ، ستر الحجم أيضا ، وربّما صحّ سلب الستر مع رؤيته وانكشافه ـ مرسلة أحمد بن حماد عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا تصلّ فيما شف أوصف» (٤).

وفي «الذكرى» : أنّه وجده هكذا بخطّ الشيخ : أنّ المعروف أو وصف ـ بواوين ـ ومعنى شف : لاحت منه البشرة ، ووصف : حكى الحجم (٥).

وهذه وإن كانت ضعيفة إلّا أنّها منجبرة بما ذكر ، مع أنّه إذا ظهر الحجم لعلّه لا يقال في العرف : ستر عورته ، بل يقال : ستر لونه ، على سبيل القيد ، فظهر الجواب عن قول الفاضلين.

__________________

(١) إرشاد الأذهان : ١ / ٢٤٧.

(٢) المعتبر : ٢ / ٩٥ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٤٦.

(٣) جامع المقاصد ٢ / ٩٥ ، لاحظ! مفتاح الكرامة : ٦ / ١٦.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢١٤ الحديث ٨٣٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٨٨ الحديث ٥٤٧٧.

(٥) ذكرى الشيعة : ٣ / ٥٠.

١٣٤

واعلم! أنّ المراد من ستر الحجم ، أن لا يحكي الساتر إيّاه من ورائه ، والمراد من عدم ستره أن يحكيه الساتر ، بحيث يرى نفس الحجم وشبحه ، كما هو مقتضى الأدلّة ، فيتحقّق الستر بالطين وأمثاله أيضا ، بل ربّما كان الساتر الثوب الثخين غاية الثخن.

ومع ذلك ، مع جهة ضيقه غاية الضيق ، أو إلصاقه بنفس الذكر والخصيتين يرى جثّتهما المستورة بذلك الثوب.

ولا شكّ في صدق ستر الحجم حينئذ ، على أنّ جسد المرأة وجثّتها يظهر مع ثيابها وتحت إزارها ، مع أنّ ستر جسدها واجب في الصلاة ، وعن غير المحرم مطلقا فلو كان هذا عدم ستر الحجم لزم تكليف ما لا يطاق في الأمر بسترها جسدها ، والمحال في امتثالها إلّا في صورة دخولها في مثل حجرة ساترة ، ومعلوم أنّ ستر الحجرة غير معتبر جزما.

وممّا ذكرنا ظهر فساد الاستدلال على عدم وجوب ستر الحجم بما ورد في بعض الأخبار أنّ النورة سترة للخصيتين والذكر (١) ، كما فعله بعضهم ، وكذا حكمه بالإجزاء بستر اللون عند ما كان الساتر هو الطين للتعذّر.

الثاني : إذا لم يجد المصلّي إلّا الطين ، ففي «الدروس» في الإيماء هنا نظر (٢) وعرفت وجهه.

وفي «الذخيرة» : في وجوب الركوع والسجود نظر ، لأنّ الظاهر من الأدلّة تعيّن الإيماء عند تعذّر الثياب ، وما يجري مجراه كالحشيش (٣) ، انتهى.

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤٩٧ الحديث ٧ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦٥ الحديث ٢٥٠ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٥٣ الحديث ١٤٥٧.

(٢) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٤٨.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢٣٦.

١٣٥

وفيه ما عرفت ، مع أنّ الحكم بالإيماء عند تعذّر الثياب يوجب عدم العبرة بغيرها ، وإن كان حشيشا ، بل وخوصا ، بل وقطعة أديم وأمثالهما ، ما لم يسمّ معه ثوبا.

وقوله : وما يجرى مجراه ، إن أراد يجري مجراه في الظهور من الدليل ، كون تعيّن الإيماء عند تعذّره ، فقد عرفت أنّ صحيحة علي بن جعفر وغيرها شاملتان للطين أيضا.

وإن أراد غير ذلك ؛ ففساد ما ذكره واضح ، فتدبّر.

وأيضا الإطلاق فيما دلّ على أنّ العاري عن الثوب يؤمي ولا يركع ولا يسجد ينصرف إلى الغالب ، فربّما لا يتأتّى الستر بالطين ، لأنّه حال الرطوبة يخرب بالحركة للركوع والسجود.

وربّما كان المراد إرادة الصلاة حين الستر لا بعده بمدّة مديدة ، ومع (١) ذلك إذا أطلى ثقبة الإحليل ، فربّما يضرّ لدخول شي‌ء فيه.

بل ربّما كان الأمر في الدبر أيضا كذلك ، مع أنّ ما ذكرت مطلق ، وصحيحة علي بن جعفر مع ما ذكرنا مقيّد ، وحمل المطلق على المقيّد متعارف ، ولذا لا تأمّل في صحّة الستر بمثل الأديم ممّا لا يعدّ ثوبا ، إذ لا يتبادر من لفظه.

على أنّ الذي وجدناه من المطلق ، إنّما هو روايتان غير صحيحتين ، إحداهما عن ابن مسكان ، عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يخرج عريانا فيدركه الصلاة ، قال : «يصلّي عريانا» (٢) الحديث ، وبمضمونها موثّقة إسحاق بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام (٣).

__________________

(١) في (ز ٣) : ومعنى.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٥ الحديث ١٥١٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٩ الحديث ٥٦٨٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٥ الحديث ١٥١٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥١ الحديث ٥٦٩٠.

١٣٦

وظاهر أنّهما مقيّدان بعدم التمكن ممّا يستر العورة من الأديم والخوص ، بل والحشيش أيضا حينما حضرت الصلاة.

فلعلّ الطين أيضا كذلك ، لما عرفت من عدم ساتريّة الرطب ، وأنّه يخرب البتّة بالحركة ، سيّما مع ما عرفت من أنّ الطين ربّما يضرّ ، فتأمّل! وكيف كان ؛ لا يرفع اليد عن الاحتياط.

ويمكن أن يقال بعدم تبادر الطين في الصحيحة وغيرها ، وأنّ النكرة في سياق النفي يفيد العموم لغة ، فتأمّل جدّا.

الثالث : إذا لم يجد إلّا وحلا أو ماء كدرا بحيث لو نزله يستر العورة به ، هل يجب النزول والاستتار أم لا؟ جماعة منهم الشهيد في «الدروس» على الوجوب (١).

وجماعة منهم المحقّق في «المعتبر» ، وصاحب «المدارك» ، و «الذخيرة» على عدمه (٢) ، محتجّين بأنّ فيه ضررا ومشقّة ، وبأنّ الأدلّة الدالّة على وجوب الستر للصلاة واشتراطها به ، غير شاملة لمحلّ النزاع.

هذا ؛ مضافا إلى عدم تبادرهما من إطلاق الستر.

ولا يخفى أنّ القول بالوجوب أحوط (٣) ، لشغل الذمّة المستدعي للبراءة اليقينيّة ، وأنّ العبادة اسم للصحيحة ، وللتمكّن من الستر وإن كان من الأفراد النادرة ، لكن مرّ في وجوب الستر بالطين أنّه لا يخلو عن إشكال ، وظهر وجهه فالإشكال هنا أقوى.

ثمّ أنّ الستر بالنزول في الماء أو الوحل ، لا يكاد يتيسّر معه السجود

__________________

(١) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٤٨ و ١٤٩.

(٢) المعتبر : ٢ / ١٠٦ ، مدارك الأحكام : ٣ / ١٩٣ ، ذخيرة المعاد : ٢٣٦.

(٣) في (ز ٣) زيادة : بشرط عدم التضرّر والمشقّة والتمكّن من واجبات السجود وغيرها من أجزاء الصلاة.

١٣٧

مستجمعا لشرائط صحّته ، مثل كونه على ما يصلح السجود عليه مع الاستقرار ، وعدم ارتفاع المسجد عن المقام أزيد من قدر لبنة ، وكذا عدم انخفاضه عنه كذلك ، إلى غير ذلك. مع أنّه ورد «أنّ للماء أهلا» (١) فتأمّل!.

وعلى القول بالوجوب ، هل الوحل مقدّم أو بالعكس؟

والشهيد على الأوّل مستدلّا بأنّه داخل في مسمّى الساتر وأشبه بالثوب (٢) ، وهو كذلك ، إلّا أنّ عدم تأتّي واجبات السجود فيه أزيد ، فتأمّل!

الرابع : إذا لم يجد إلّا ولوج حفيرة ، فهل يجب الستر به والصلاة قائما بالركوع والسجود؟

قيل : نعم ، لمرسلة أيّوب بن نوح ، عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها فيسجد فيها ويركع» (٣) ولحصول الستر (٤).

وقيل : لا (٥) ، وهذا هو الأظهر ، لضعف الرواية ، ولمنع حصول الستر ، لعدم تبادره من إطلاق الستر ، والستر في الجملة يحصل من البيت والدار أيضا بلا شبهة ، فتأمّل!

الخامس : إذا لم يجد الساتر إلّا في أثناء الصلاة وكان الوقت متّسعا ولو بقدر ركعة ، وتوقّف ستره على فعل المنافي ، كفعل الكثير ونحوه فالأقوى (٦) قطع الصلاة

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٦١ الحديث ٢٢٦ ، وسائل الشيعة : ٢ / ٤١ الحديث ١٤٢٣.

(٢) روض الجنان : ٢١٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٥ الحديث ١٥١٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٨ الحديث ٥٦٨٣.

(٤) المعتبر : ٢ / ١٠٥ و ١٠٦.

(٥) ذخيرة المعاد : ٢٣٦.

(٦) في (ز ٣) : فالأقرب.

١٣٨

والإتيان بها مستجمعة لشرائط صحّتها ، لعدم صدق الامتثال بالصلاة عاريا حينئذ ، لأنّ الضرورة تتقدّر بقدرها ، ولشمول العمومات مع التمكّن من الساتر.

واحتمل بعض عدمه ، للنهي عن إبطال الأعمال (١) ولا يخفى ضعفه ، لأنّ شمول النهي لمحلّ النزاع محلّ نظر ، وعلى تقدير الشمول نقول : إنّه مخصّص بالأدلّة الدالّة على وجوب الستر لأجل الصلاة المقتضية لبطلانها مع عدم الستر ، فتأمّل جدّا!

وأمّا لو كان الوقت ضيّقا والحال هذه ، فلا شكّ في وجوب الاستمرار وإتمام الصلاة عاريا ، ولو لم يتوقّف على المنافي وجب الستر مع الضيق ، والاستئناف مع السعة ، لعدم تحقّق الامتثال مع التمكّن من الستر في وقت الصلاة.

السادس : شراء الساتر واجب بأيّ قيمة كان ، ولو زاد عن ثمن المثل ، بشرط عدم التضرّر على الأصح ، ولو وهبه أحد وجب القبول ، لصدق التمكّن عن الساتر حينئذ ، خلافا للعلّامة في «التذكرة» ، مستدلّا بأنّه فيه المنّة (٢) ، وفيه ما فيه ، ولو أعير وجب أيضا القبول.

السابع : إذا كان له ثوب وفيه خرق ، فإن لم يكن في مقابل العورة فلا إشكال أصلا ، وإلّا فإن كان يحصل الستر بجميع الثوب بيده أو بغيره بحيث يتحقّق الستر بالثوب ، ويصدق عرفا أنّه ستر به ، ويتحقّق واجبات السجود وغيرها شرعا صحّ صلاته بلا إشكال على ما صرّح به جماعة (٣) ، وإلّا فيصلّي عاريا إن لم يكن له ساتر آخر.

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٢٣٦ ، مدارك الأحكام : ٣ / ١٩٧.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٥٧.

(٣) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٥٤ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ١٧ ، الحدائق الناضرة : ٧ / ٤٦.

١٣٩

وكذا لو كانت العورة مستورة بوضع يده عليها ، أو بوضع يد غير المصلّي عليها على الأصحّ ، لعدم تيسّر الواجبات من السجود وغيره ، وعسر البقاء على حالة الستر في الجميع ، مع عدم تبادر من الستر الوارد في الأخبار ، وحصول الظنّ بعدم دخوله فيها ، بل القطع لحكمهم بالصلاة عاريا مع عدم الثوب والحشيش وغيرهما ممّا يستر به العورة ، إذ لا شكّ في تحقّق الكفّ له عادة وغالبا ، مع أنّه ربّما كان معه زوجته أو جاريته ، وتركوا الاستفصال حين الحكم ، فتأمّل جدّا.

الثامن : إذا لم يجد إلّا ساترا إحدى العورتين ، فلا شكّ في وجوب الستر والظاهر أنّ الأولى أن يستر القبل ، لرواية أبي يحيى السابقة (١) ، وإن كان خنثى.

التاسع : إذا لم يجد إلّا ثوب حرير فهو كالمعدوم يصلّي عاريا ، للنهي عنه في الصلاة المقتضي بفسادها ، وإذا وجد النجس والحرير واضطرّ إلى لبس أحدهما فالأولى اختيار النجس ، لعدم تحريم لبسه في غير الصلاة ، وورد النصّ في الصلاة فيه مع الحاجة ، كما سيجي‌ء.

العاشر : ظاهر الأصحاب مراعاة الستر من الجوانب الأربع ومن الفوق وعدم المراعاة من التحت ، ويتفرّع على هذا أنّه لو صلّى على سطح ويرى عورته من تحته كونه مجزيا مع أنّه أيضا لا يخلو عن إشكال ما ، بتتبّع تضاعيف الأخبار الواردة في الستر ، ومنافاته للحياء والآداب المستفاد منها.

وكيف كان ؛ لا شكّ في أنّ الاحتراز عنه أحوط.

الحادي عشر : هل يعتبر الستر في صلاة الجنازة؟ الأظهر لا ، لعدم تبادرها من لفظ الصلاة ، ولرواية يونس بن يعقوب ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الجنازة يصلّى عليها على غير وضوء؟ فقال : «نعم ، إنّما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل ، كما

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٢ / ٣٤ الحديث ١٤٠١.

١٤٠