مصابيح الظلام - ج ٦

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٦

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-6-X
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥١

في مقام المسامحة.

وعلى كراهة خصوص السبخة حسنة الحلبي : «كره الصلاة في السبخة ، إلّا أن يكون مكانا ليّنا تقع عليه الجبهة مستوية» (١).

وفي رواية سماعة : «لا بأس بالصلاة فيها» (٢) ، وهي مقيّدة باستواء موضع السجود ، كما دلّت عليه الحسنة.

وصرّح به شيخ الطائفة (٣) ، فيظهر عدم الكراهة عند استوائه ، مع أن في موثّقة سماعة عدم البأس أصلا.

ومنه يظهر أنّ الثلج وغيره من العشرة المذكورة في رواية عبد الله بن الفضل (٤) أيضا كذلك ، مضافا إلى ظهور الكراهة في غيرهما أيضا ، فالاستدلال بالرواية وأمثالها على الحرمة فاسد.

فما في كلام المفيد : وأنّه لا يجوز في السبخة وغيره (٥) ، لا دليل عليه ، ولعلّه أيضا مراده الكراهة.

وفي رواية الصرمي في الثلج : «إن لم يمكنك أن لا تسجد عليه فسوّه واسجد عليه» (٦).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٨٨ الحديث ٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٥٧ الحديث ٧٢٩ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٥٠ الحديث ٦١٨٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢١ الحديث ٨٧٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٩٥ الحديث ١٥٠٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٥٢ الحديث ٦١٩٠ نقل بالمعنى.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢١ ذيل الحديث ٨٧٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٩٦ ذيل الحديث ١٥٠٨ ، المبسوط : ١ / ٨٥.

(٤) وسائل الشيعة : ٥ / ١٤٢ الحديث ٦١٦٠ و ٦١٦١.

(٥) المقنعة : ١٥١.

(٦) الكافي : ٣ / ٣٩٠ الحديث ١٤ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٩ الحديث ٧٩٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣١٠ الحديث ١٢٥٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٦٤ الحديث ٦٢٣١ مع اختلاف يسير.

٨١

قوله : (وأن يتوجّه إلى حديد). إلى آخره.

المستند فيها موثّقة عمّار الساباطي عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا يصلّي الرجل وفي قبلته نار أو حديد» ، قلت : أله أن يصلّي وبين يديه مجمرة شبه؟ قال : «نعم ، فإن كان فيها نار فلا يصلّي حتّى ينحّيها عن قبلته» ، وعن الرجل يصلّي وبين يديه قنديل معلّق فيه نار إلّا أنّه بحياله ، قال : «إذا ارتفع كان أشر لا يصلّي بحياله» (١).

وفي صحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام بعد ما سأله عن الصلاة إلى السراج «لا يصلح له أن يستقبل النار» (٢).

وعن أبي الصلاح عدم جواز التوجّه إلى النار اتّكالا على الروايتين (٣).

وفيه نظر لظهور الموثّقة في الكراهة ، للسياق الدالّ على اتّحاد حكم الصلاة إلى الحديد والنار ، وهي في الأوّل مكروهة وفاقا منه ، ولاتّفاق المسلمين في الأعصار والأمصار على عدم احتراز منه أصلا.

مع أنّه يوجب الحرج والعسر ، لعدم الانفكاك غالبا ، كما لا يخفى ، ولذا قلّما وجدنا مفتيا بالكراهة من العلماء ، فكذا الثانية.

وبه يظهر الجواب عن الثانية ، إذ عدم الصلاحيّة وإن كان أعم من الكراهة بل ظاهره الفساد ، إلّا أنّ المراد منه الكراهة بقرينة الموثّقة.

والصحة في الثانية لا تقاوم الاعتبار في الاولى مع الموافقة لمقتضى الأصل والإطلاقات ، والاشتهار بين الأصحاب ، وأنّه يظهر من تضاعيف الأخبار ، عدم

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٩٠ الحديث ١٥ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٥ الحديث ٨٨٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٦٦ الحديث ٦٢٣٦.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٩١ الحديث ١٦ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٢ الحديث ٧٦٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٥ الحديث ٨٨٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٩٦ الحديث ١٥١١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٦٦ الحديث ٦٢٣٥.

(٣) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ١٠٩.

٨٢

فساد الصلاة من أمثال هذه الامور ، مضافا إلى فعل المسلمين في الأعصار والأمصار ، حيث إنّا نراهم لا يتجنبون عن الصلاة إليها ، لا سيّما في المشاهد المشرّفة على ساكنيها ألف سلام وتحيّة.

مع أنّه روي عن الصادق عليه‌السلام صريحا أنّه «لا بأس بأن يصلّي الرجل والنار والسراج والصورة بين يديه ، لأنّ الذي يصلّي له أقرب إليه من الذي بين يديه» (١).

وضعف السند منجبر بالشهرة العظيمة ، وأنّه رواه في «الفقيه» مفتيا بها (٢) ، مع أنّه قال في صدره ما قال.

ورواه في «الكافي» (٣) أيضا معتمدا عليها ، مع أنّه قال في أوّله ما قال ، مع أنّ الاعتبار كاشف عن كونه حقّا وصدقا ، وكذا مطابقة مضمونها لمضمون غيرها من المعتبرة ، منها ما مرّ في بحث السترة وغيره.

ولا ريب أنّ الاحتياط الترك ، لا سيّما لمن لم يكن من أولاد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لرواية «الاحتجاج» عن الأسدي قال : فيما ورد على يد أبي جعفر محمّد بن عثمان العمري في جواب مسائله إلى صاحب الزمان عليه‌السلام : «أمّا ما سألت عنه من [أمر] المصلّي والنار والصورة والسراج بين يديه هل يجوز صلاته فإنّ الناس قد اختلفوا في ذلك [قبلك] ، فإنّه جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأصنام والنيران» (٤) ، ولم يفت بهذا التفصيل أحد.

قوله : (أو تماثيل).

لصحيحة ابن مسلم قال : قلت للباقر عليه‌السلام : اصلّي والتماثيل قدّامي وأنا أنظر

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٢ الحديث ٧٦٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٦٧ الحديث ٦٢٣٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٢ ذيل الحديث ٧٦٤.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٩١ ذيل الحديث ١٦.

(٤) الاحتجاج : ٢ / ٤٨٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٦٨ الحديث ٦٢٣٩.

٨٣

إليها؟ فقال : «لا ، اطرح عليها ثوبا ولا بأس بها إذا كانت عن يمينك وشمالك أو خلفك أو تحت رجلك أو فوق رأسك ، وإن كانت في القبلة فألق عليها ثوبا وصلّ» (١).

وصحيحة الحلبي قال : قال الصادق عليه‌السلام : «ربّما قمت اصلّي وبين يدي الوسادة فيها تماثيل طير فجعلت عليها ثوبا» (٢) ، وبظاهر هما أخذ أبو الصلاح (٣).

وحمل النهي على الكراهة متعيّن لرواية عمرو بن جميع عنه عليه‌السلام : «إنّه كره الصلاة في المساجد المصوّرة» (٤) الحديث ، وهي بإطلاقها شاملة لما إذا وقعت الصلاة في تلك المساجد إلى الصور ، ولفظ «الكراهة» ظاهر في عدم الحرمة كما تقدّم.

وقصور السند منجبر بالشهرة العظيمة ، معتضدة بالأصل والإطلاقات.

وعن «المبسوط» عموم المنع ، ولو كانت عن يمينه أو شماله (٥) ، ولم نقف على مأخذه ، مع مخالفته لصحيحة ابن مسلم المتقدّمة (٦).

والمتبادر من الصورة صورة الحيوان ، لا الشجر وشبهه ، كما لا يخفى ، ولما سيجي‌ء في مبحث اللباس.

ولمرسلة ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام : في التمثال يكون في البساط فتقع عينك عليه وأنت تصلّي ، فقال : «إن كان بعين واحدة فلا بأس وإن كان له عينان

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٦ الحديث ٨٩١ ، ٣٧٠ الحديث ١٥٤١ ، الاستبصار : ١ / ٣٩٤ الحديث ١٥٠٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٧٠ الحديث ٦٢٤٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٦ الحديث ٨٩٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٧٠ الحديث ٦٢٤٤.

(٣) الكافي في الفقه : ١٤١.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٦٩ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٥٩ الحديث ٧٢٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢١٥ الحديث ٦٣٦٥.

(٥) المبسوط : ١ / ٨٦.

(٦) وسائل الشيعة : ٥ / ١٧٠ الحديث ٦٢٤٣.

٨٤

فلا» (١) إلى غير ذلك.

ومنها ما ورد في الدراهم السود (٢) فتأمّل ، بل في «محاسن البرقي» في الصحيح عن زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : «لا بأس بتماثيل الشجر» (٣).

وفي الصحيح عن ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام عن تماثيل الشجر والشمس والقمر ، فقال : «لا بأس ما لم يكن شيئا من الحيوان» (٤).

وإطلاق هذه الصحاح يشمل الثياب أيضا ، فلا يكره الصلاة في الثوب الذي فيه تماثيل كما سنذكر ، وإن كان الأولى الاجتناب عن مطلق الصور في المقام ، وفي ثوب المصلّي أيضا.

قوله : (أو مصحف مفتوح).

لرواية عمّار عن الصادق عليه‌السلام : في الرجل يصلّي وبين يديه مصحف مفتوح [في قبلته] ، قال : «لا» ، قلت : فإن كان في غلاف؟ قال : «نعم» (٥) ، والنهي للكراهة ، لضعف السند ، مع اشتهار الكراهة.

وعن الشيخ في «المبسوط» : إلحاق الشي‌ء المكتوب به (٦) ، لأنّه يشغله عن الصلاة ، وبه علّل في «النهاية» (٧).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٩٢ الحديث ٢٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٧١ الحديث ٦٢٤٨.

(٢) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ٤٣٦ الباب ٤٥ من أبواب لباس المصلّي.

(٣) المحاسن : ٢ / ٤٥٨ الحديث ٢٥٨٢ ، وسائل الشيعة : ١٧ / ٢٩٦ الحديث ٢٢٥٧٠.

(٤) المحاسن : ٢ / ٤٥٨ الحديث ٢٥٨١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٠٧ الحديث ٦٦٢٤.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٩٠ الحديث ١٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٥ الحديث ٧٧٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٥ الحديث ٨٨٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٦٣ الحديث ٦٢٢٧.

(٦) المبسوط : ١ / ٨٧.

(٧) النهاية للشيخ الطوسي : ١٠١.

٨٥

ولا بأس به للمسامحة ، مضافا إلى ما رواه الحميري في كتاب «قرب الإسناد» عن عبد الله بن الحسن العلوي ، عن جدّه ، عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام : عن الرجل هل [يصلح] له أن ينظر في نقش خاتمه وهو في الصلاة كأنّه يريد قراءته ، أو في مصحف ، أو كتاب في القبلة؟ قال : «ذلك نقص في الصلاة وليس يقطعها» (١).

قوله : (وألحق الحلبي). إلى آخره.

لا بأس بمتابعته للمسامحة في أدلّة الكراهة ، مضافا إلى ما في كتاب «قرب الإسناد» ، بسنده عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يكون في صلاته هل يصلح له أن تكون امرأة مقبلة بوجهها عليه [في القبلة] قاعدة أو قائمة؟ قال : «يدرؤها عنه ، فإن لم يفعل لم يقطع ذلك صلاته» (٢).

هذا مع احتمال مرور المارّ ، أو وقوف المواجهة الذي استحب اتّخاذ السترة له فيها ، إذا كان الباب مفتوحا ، وإن لم نقف على مأخذه ، وعن «المعتبر» : وهو أحد الأعيان فلا بأس باتّباع فتواه (٣).

__________________

(١) قرب الإسناد : ١٩٠ الحديث ٧١٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٦٣ الحديث ٦٢٢٨.

(٢) قرب الإسناد : ٢٠٤ الحديث ٧٨٩ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٨٩ الحديث ٦٢٩٨.

(٣) المعتبر : ٢ / ١١٦ ، لاحظ! الكافي في الفقه : ١٤١.

٨٦

١١٧ ـ مفتاح

[عدم جواز الصلاة على الدابّة]

لا يجوز أن يصلّي الفريضة على الدابّة ، ولا ماشيا ، سواء في الحضر والسفر ، إلّا لضرورة ، بالإجماع والصحاح المستفيضة (١) ، والمستفاد منها إجزاء الإيماء عن الركوع والسجود عند الضرورة وسقوط الاستقبال إلّا بتكبيرة الإحرام ، والمتأخّرون أوجبوا الاستقبال مهما أمكن (٢) ، لقوله عزوجل (فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ) (٣) وهو قريب.

وتجوز الفريضة في السفينة اختيارا ، وفاقا للأكثر (٤) ، فيستقبل ثمّ يصلّي كيف دارت ، للصحاح المستفيضة (٥).

__________________

(١) انظر! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٥ الباب ١٤ من أبواب القبلة.

(٢) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٨٩ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٦٣ ، الحدائق الناضرة : ٦ / ٤١١.

(٣) البقرة (٢) : ١٤٤ و ١٥٠.

(٤) المقنع : ١٢٣ و ١٢٤ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ١١٥ ، تذكرة الفقهاء : ٣ / ٣٤.

(٥) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٠ الباب ١٣ من أبواب القبلة.

٨٧

وقيل : لا يجوز إلّا مع الاضطرار (١) ، للحسن (٢) وغيره (٣) ، وحمل على الكراهة جمعا (٤).

أمّا النافلة ؛ فيجوز فيها ، وعلى الراحلة وماشيا مع الاختيار بلا خلاف في السفر. أمّا الحضر ؛ فقيل بالمنع اختيارا (٥) ، ويدفعه الصحاح (٦) ، والأولى الإتيان بالركوع والسجود مع الإمكان ، وإن جاز الإيماء ، للصحيح (٧) ، والاستقرار مع الاختيار أفضل ، كما في الصحيح : «فإنّ صلاتك على الأرض أحبّ إليّ» (٨).

__________________

(١) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٤٧ ، الكافي في الفقه : ١٤٧ ، السرائر : ١ / ٣٣٦ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ١٩١.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٣ الحديث ٥٢٨٠.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢١ الحديث ٥٢٧٤.

(٤) مدارك الأحكام : ٣ / ١٤٦.

(٥) لاحظ! مختلف الشيعة : ٢ / ٧٣.

(٦) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٨ الباب ١٥ من أبواب القبلة.

(٧) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٣٢ الحديث ٥٣٠٩.

(٨) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٣١ الحديث ٥٣٠٦.

٨٨

قوله : (لا يجوز أن يصلّي). إلى آخره.

عدم جواز الفريضة (١) على الراحلة حال المشي سفرا أو حضرا إجماعي ، بل نسبه في «المعتبر» إلى العلماء كافّة (٢).

ويدلّ عليه مضافا إلى الإجماع وعموم ما دلّ على وجوب القيام ـ وهو شامل للمقام ـ روايات كثيرة.

منها حسنة عبد الرحمن عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا يصلّي على الدابّة الفريضة إلّا مريض يستقبل به القبلة» (٣) ، الحديث.

وموثّقة عبد الله بن سنان قال : «لا تصلّ شيئا من المفروض راكبا» ، قال النضر في حديثه : «إلّا أن يكون مريضا» (٤) واختلاف النسخ في السند غير مضرّ ، لكون الأوّل هو المعتمد.

ومنها رواية عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام : أيصلّي الرجل شيئا من المفروض راكبا؟ قال «لا ، إلّا من ضرورة» (٥).

إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنّ إطلاق الأخبار ، وكلام الأصحاب (٦) ، يقتضي عدم الفرق في عدم الجواز بين الواجب بالذات أو بالعرض ، مثل النذر.

بل وقع التصريح من بعضهم بدخول النذر مثل الشيخ في «المبسوط» ،

__________________

(١) في (ك) : الصلاة.

(٢) المعتبر : ٢ / ٧٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٠٨ الحديث ٩٥٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٥ الحديث ٥٢٨٤.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣١ الحديث ٥٩٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٦ الحديث ٥٢٩٠.

(٥) تهذيب الأحكام : ٣ / ٣٠٨ الحديث ٩٥٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٦ الحديث ٥٢٨٧.

(٦) في (د ٢) و (ك) : الأخيار.

٨٩

والشهيد في «الذكرى» (١) ، مع التعليل بأنّها بالنذر اعطيت حكم الواجب ، فظهر من التعليل دخول غيره أيضا.

لكنّ الإطلاق في الأخبار منصرف إلى الفرد المتبادر الغالب الشائع ، وهي المكتوبة بالذات.

وما رواه الشيخ عن علي بن جعفر ، عن أخيه موسى عليه‌السلام قال : سألته عن رجل جعل لله عليه أن يصلّي كذا وكذا ، هل يجوز أن يصلّي ذلك على دابّته وهو مسافر؟ قال : «نعم» (٢) ، سيّما بملاحظة دلالة الأصل ، وعموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالنذر والإتيان بالمنذور على وجهه كما هو هو ، وخصوصا إذا لم يتمكّن منها إلّا راكبا أو ماشيا ، وخصوصا إذا وقع النذر على تلك الكيفيّة ، أي في حال الركوب والمشي لصحّة هذا النذر ، لكون متعلّقه راجحا فيشمله عموم ما دلّ على وجوب الوفاء بالنذر ، مثل نذر النافلة في الحمّام.

والمناقشة في الحديث بعدم التصريح بتوثيق محمّد بن أحمد العلوي (٣) ؛ فاسدة ، لكونه مرويّا بطريقين : طريق رواه الشيخ إلى علي بن جعفر وهو صحيح (٤) ، وطريق آخر فيه محمّد بن أحمد العلوي (٥).

مع أنّه أيضا معتبر ، لتصحيح العلّامة في «المنتهى» و «المختلف» وغيرهما (٦)

__________________

(١) المبسوط : ١ / ٨٠ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ١٨٨.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣١ الحديث ٥٩٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٦ الحديث ٥٢٨٩ مع اختلاف يسير.

(٣) مدارك الأحكام : ٣ / ١٣٩ ، ذخيرة المعاد : ٢١٧.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣١ الحديث ٥٩٦.

(٥) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٦) في (ز ٣) زيادة : بل وغيره.

٩٠

رواياته (١) ، وهو ممّن يروي عنه محمّد بن أحمد بن يحيى ، ولم يستثن رواياته القمّيون.

بل ربّما يظهر من ترجمة العمركي أنّه من شيوخ أصحابنا ، ويروي عنه الأجلّة (٢) ، سيّما مع مطابقته للأصل ، وعدم ظهور كونه شاذا ، لما عرفت من موافقته للفتاوى في النذر ، وانصراف الفريضة إلى الفرض بالأصل.

وممّا ذكر ظهر عدم ضرر القاعدة المسلّمة ، وهي استدعاء شغل الذمّة اليقيني البراءة اليقينية في النذر على حسب ما مرّ ، سيّما بانضمام عدم القائل بالفصل ، فتأمّل!

ثمّ اعلم! أنّ المشهور بين المتأخّرين ـ على ما قيل ـ إطلاق الدابّة والراحلة ومثلهما ، بحيث يشمل المأمونة عن الحركة والاضطراب ، وما يتمكّن من الركوع والسجود عليها وغيرهما ، استنادا إلى عموم ما دلّ على المنع وما دلّ على وجوب الاستقرار في القيام ، والمعروف المعهود منه ما هو مع القرار في الأرض.

وفيه ما فيه ، لأنّ المتبادر من المانع ما لا يتمكّن معه من الصلاة المستجمعة لشرائطها ، ولا يؤمن من ذلك.

وأمّا وجوب القيام ، فمن قوله عليه‌السلام : «لا صلاة لمن لم يقم صلبه فيها» (٣) ، وما يؤدّي مؤدّاها ، ولا شكّ في أنّه أقام صلبه.

وأمّا القرار فهو منعه عن أن يمشي فيها ، ولا شكّ في أنّه ما مشى أصلا فعمومات ما دلّ على الشروط تشمل المقام فيصحّ لذلك ، سيّما مع ملاحظة صحّة الصلاة في السفينة على حسب ما سيجي‌ء ، وكذا الرف المعلّق.

__________________

(١) منتهى المطلب : ١ / ٥٢ ، مختلف الشيعة : ١ / ١٨٢ ، خلاصة الرجال للحلّي : ٢٧٦ ، لاحظ! جواهر الكلام ٧ / ٤٢١.

(٢) رجال النجاشي : ٣٠٣ الرقم ٨٢٨.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٥ / ٤٨٨ الباب ٢ من أبواب القيام.

٩١

بل صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام [قال : سألته عن] الرجل هل يصلح له أن يصلّي على الرف المعلّق بين نخلتين؟ قال : «إن كان مستويا يقدر على الصلاة عليه فلا بأس» (١) وأمثال هذه.

ومن هذا اختار في «التذكرة» وغيره عدم الشمول وجواز الصلاة على المأمونة منهما (٢) ، وهو أقوى لما ذكر ، مضافا إلى الاصول والعمومات.

وممّا ذكر ظهر حال الصلاة في الرف المعلّق ، وهو الارجوحة التي تعلّق بين نخلتين عاليتين في الطرف العالي منهما ، ليقعد عليها ناظر البستان ، ليلاحظه ويحفظه عن السارق والمفسد.

وأمّا الجواز مع الضرورة فاتّفاقي ، ويدلّ عليه ـ مضافا إلى ذلك ـ الروايات المتقدّمة ، وصحيحة جميل بن درّاج قال : سمعت الصادق عليه‌السلام يقول : «صلّى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الفريضة في المحمل [في] يوم وحل مطر» (٣) ، وبهذا المضمون ورد روايات كثيرة ، وظاهرها الجواز مع العسر.

لكن في صحيحة الحميري قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : روى ـ جعلني الله فداك ـ مواليك عن آبائك عليهم‌السلام أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى الفريضة على راحلة في يوم مطير ويصيبنا المطر ونحن في محاملنا والأرض مبتلّة والمطر يؤذي ، فهل يجوز لنا يا سيّدي أن نصلّي في هذا الحال في محاملنا ، أو على دوابّنا الفريضة إن شاء الله؟ فوقّع عليه‌السلام : «يجوز ذلك مع الضرورة الشديدة» (٤).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧٣ الحديث ١٥٥٣ ، قرب الإسناد : ١٨٤ الحديث ٦٨٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٧٨ الحديث ٦٢٦٧.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٣ / ١٦ المسألة ١٤٢ ، نهاية الإحكام : ١ / ٤٠٤.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣٢ الحديث ٦٠٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٧ الحديث ٥٢٩٢.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣١ الحديث ٦٠٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٦ الحديث ٥٢٨٨.

٩٢

ويمكن حملها على الاستحباب لما ذكر ، أو حمل الاولى على الضرورة الشديدة.

ورواية محمّد بن عذافر قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل يكون في وقت فريضة لا تمكّنه الأرض من القيام عليها. إلى أن قال ـ : أيجوز له أن يصلّي الفريضة في المحمل؟ قال : «نعم ، هو بمنزلة السفينة إن أمكنه قائما وإلّا قاعدا ، وكلّ ما كان من ذلك فالله أولى بالعذر ، يقول الله عزوجل (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) (١)» (٢).

والظاهر أنّ قوله : «هو بمنزلة الصلاة في السفينة» بالنسبة إلى ما ذكره بعده من قوله عليه‌السلام : «إن أمكنه». إلى آخره ، بملاحظة السابق واللاحق.

مع أنّ السند ضعيف ، والظاهر كفاية الضرورة بملاحظة مجموع الأخبار ، وقيد الشديدة لعلّه استظهار في تحقّق الضرورة يرتكب عادة لذلك ، والأحوط مراعاته.

وكيف كان ؛ لا بدّ من الضرورة ، ولا يشترط الشدّة ، ولا يكفي العسر ، لأنّ ما دلّ عليها أقوى دلالة ، ومفتى به ، وموافق للقاعدة ، والعمومات الدالّة على وجوب القيام والركوع والسجود والاستقبال.

تنبيه (٣) :

قال العلّامة في «التحرير» : لو صلّى على الراحلة اضطرارا ، فاحتاج إلى النزول نزل وتيمّم على الأرض ، ولو كان ينتقل على الأرض واحتاج إلى الركوب

__________________

(١) القيامة (٧٥) : ١٤

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٣٢ الحديث ٦٠٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٥ الحديث ٥٢٨٥.

(٣) في (ز ٣) : فرع.

٩٣

ركب وأتم الصلاة ما لم يحتج إلى فعل كثير (١) ، وهو جيّد ، لأنّ مقتضى ما دلّ على وجوب القيام والاستقلال والاستقبال والركوع والسجود ، وجوب الإتيان بالكلّ ، وعدم ترك شي‌ء منها مهما أمكن ، فتأمّل جدّا.

قوله : (والمستفاد). إلى آخره.

قد عرفت أنّ مقتضى الأدلّة وجوب الإتيان بجميع الواجبات مهما أمكن ، إلّا أن يثبت السقوط من دليل مقاوم غالب. وورد في الصحاح إجزاء الإيماء ، مثل صحيحة يعقوب بن شعيب أنّه سأل الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يصلّي على راحلته ، قال : «يومي إيماء وليجعل السجود أخفض من الركوع» (٢).

وصحيحته الاخرى عنه عليه‌السلام : عن الصلاة في السفر وأنا أمشي ، قال : «أوم إيماء واجعل السجود أخفض من الركوع» (٣).

وصحيحة صفوان وابن أبي عمير ، عن أصحابهم عنه عليه‌السلام في الصلاة في المحمل ، فقال : «صلّ متربعا وممدود الرجلين وكيف أمكنك» (٤).

ورواية إبراهيم بن ميمون عنه عليه‌السلام قال : «إن صلّيت وأنت تمشي كبّرت ثمّ مشيت فقرأت ، فإذا أردت أن تركع [أومأت بالركوع ثمّ] أومأت بالسجود وليس في السفر تطوّع» (٥) لكنّ المطلق ينصرف إلى الغالب ، والغالب عدم التمكّن من الركوع والسجود حال الركوب في المحمل.

__________________

(١) تحرير الأحكام : ١ / ٢٩.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٤٠ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٣٢ الحديث ٥٣٠٩ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٩ الحديث ٥٨٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٣٥ الحديث ٥٣٢١.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٨ الحديث ٥٨٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٣٠ الحديث ٥٣٠٣.

(٥) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٩ الحديث ٥٨٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٣٤ الحديث ٥٣٢٠.

٩٤

مع أنّه ربّما كان المراد في هذه الصحاح النافلة ، لأنّ الغالب والمتعارف في الصلاة راكبا وفي المحمل هو النافلة.

وأمّا الفريضة ففي غاية الندرة ، ولا يكون إلّا مع الاضطرار ، وهو من الأفراد النادرة.

وبالجملة ؛ الذهن ينصرف إلى المتعارف ، والمتعارف حال غير المضطرّين (١).

بل لا شكّ في أنّه الأغلب بالنسبة إلى المضطرّ ، والظنّ يلحق بالأغلب ، سلّمنا ، لكن لا نسلّم الظهور في الفريضة أيضا بحيث يقاوم الأدلّة المذكورة ويغلب عليها.

وممّا ذكر ظهر ما في كلام المصنّف ، من أنّ المستفاد من الصحاح .. إلى آخره ، مضافا إلى مخالفته لفتوى جميع الفقهاء ، إلّا أن يقال : إنّ ما ذكره ليس لميل منه إليه ، ولا لتردّد منه في المسألة ، بل مجرّد الذكر وإن كان خلاف الحقّ وفيه ما فيه.

وظهر ممّا ذكرنا حال ما تضمّن الصلاة ماشيا أيضا ، وورد في صحيحة معاوية بن عمّار عن الصادق عليه‌السلام : أن يصلّي نافلة الليل ماشيا يتوجّه إلى القبلة ويكبّر ثمّ يمشي ويقرأ ، فإذا أراد أن يركع حوّل وجّهه إلى القبلة وركع وسجد ثمّ مشى (٢).

فإذا كانت النافلة هكذا ، فالفريضة بطريق أولى لكنّ الظاهر عدم الوجوب في النافلة وكفاية الإيماء ، لما ظهر من أخبار اخر كفايته.

ويمكن حمل هذه على الأفضلية ، أو حالة الاختيار ، والأخبار الاخر على

__________________

(١) في (د ٢) : الاضطرار ، بدلا من : غير المضطرّين.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٢٩ الحديث ٥٨٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٣٤ الحديث ٥٣١٩ نقل بالمضمون.

٩٥

الاضطرار.

ولعلّ الثاني أحوط ، هذا حال النافلة ، وأمّا الفريضة فلا شك في أنّ جواز الإيماء والاكتفاء به عن الركوع والسجود مبني على حالة الاضطرار ، وعدم التمكّن منهما.

قوله : (وسقوط الاستقبال).

لم نجد ما يدلّ على سقوط الاستقبال في الفريضة ، إلّا بتكبيرة الإحرام ، فإنّ ما دلّ على ذلك مخصوص بالنافلة سوى صحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام إنّه قال «الذي يخاف اللصوص والسبع يصلّي صلاة المواقفة إيماء على دابّته». ثمّ قال : «ويجعل السجود أخفض من الركوع ، ولا يدور إلى القبلة ، ولكن أينما دارت دابّته ، غير أنّه يستقبل القبلة بأوّل تكبيرة حين يتوجّه» (١).

وغير خفي أنّه لم يظهر منها أنّ مع عدم التمكّن من الاستقبال أيضا لا يجب عليه ، سيّما بملاحظة سقوط الركوع والسجود والاكتفاء بالإيماء ، فإنّ خائف اللصّ والسبع تكون صلاته صلاة المواقفة ، كيف يتيسّر له أن يدور إلى القبلة كلّما انحرفت دابّته عنها ، وتوجّهت إلى ما يخالفها؟

نعم ؛ ربّما يتيسّر له في أوّل الصلاة ، فيستقبل حينئذ ويبقى متوجّها إليها ما أمكنه ذلك ، فإذا توجّهت دابّته إلى جهة اخرى فكيف يتيسّر له أن يستقبل إلى القبلة حينئذ.

وظاهر أيضا أنّه لا تتوجّه دابّته إلى جهة إلّا إذا احتاج إليها ، كما هو المتعارف ، سيّما في أمثال المقام.

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٩٥ الحديث ١٣٤٨ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٧٣ الحديث ٣٨٣ ، وسائل الشيعة : ٨ / ٤٤١ الحديث ١١١١٣.

٩٦

وعلى فرض ظهور منها ، لا نسلّم مقاومتها للأدلّة السابقة بحيث يغلب عليها ، سيّما بملاحظة أنّ شغل الذمّة اليقيني يستدعي البراءة اليقينيّة.

مع أنّ القاعدة وجوب الإتيان بالاستقبال مهما أمكن ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أمرتكم بشي‌ء فأتوا منه ما استطعتم» (١) وقول علي عليه‌السلام : «الميسور لا يسقط بالمعسور» (٢) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه» (٣) ، مضافا إلى الاستصحاب والعمومات.

تنبيه :

على ما اخترناه إذا توجّه إلى غير القبلة في أثناء الصلاة من دون حاجة إليه ، فلا شكّ في بطلانها.

واذا احتاج إليه ، فهل يجب تحرّي الأقرب إلى القبلة؟ فالأقرب مع التمكّن منه ، لأنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ، وما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه ، لأنّه نوع عناية بشأن مطلوب الآمر وخلافه نوع عدم عناية به عرفا ، بما يمدحون الأوّل ويلومون الثاني (٤) فتأمّل ، أو لا يجب أصلا؟ كما قيل (٥) ، لأنّ الواجب تعذّر ، وباقي الجهات متساوية بالنسبة إليه ، ولا يخفى أنّ الأوّل أحوط وأولى بالمراعاة في العمل.

وهل يجوز الصلاة في تلك الحال في السعة ، أم لا بدّ من الضيق؟ مقتضى القواعد الثاني ، للعمومات الدالّة على الاستقبال والاستقرار والقيام والركوع

__________________

(١) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٦ مع اختلاف يسير.

(٢) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ مع اختلاف يسير.

(٣) عوالي اللآلي : ٤ / ٥٨ الحديث ٢٠٧.

(٤) في (د ٢) : ويذمّون الثاني ، وفي (د ١) : ويلومون الآخر ، وفي (ز ٣) : ويذمّون الآخر.

(٥) ذخيرة المعاد : ٢١٩ و ٢٢٠.

٩٧

والسجود ووجوب امتثالها ، إلّا فيما لم يمكن ، فلا يتحقّق الامتثال لاحتمال رفع المانع في آخر الوقت.

قوله : (ويجوز الفريضة). إلى آخره.

هذا مذهب أكثر الأصحاب ، منهم الصدوق ، والعلّامة ، وابن حمزة (١) ، وبعض على عدم الجواز ، وهو المنقول عن أبي الصلاح ، وابن إدريس ، والشهيد في «الذكرى» (٢) ، والاعتماد على الأوّل.

لنا : بعد الأصل والعمومات صحيحة جميل بن درّاج ، قال : قلت للصادق عليه‌السلام : تكون السفينة قريبة من الجدد فأخرج وأصلّي؟ قال : «صلّ فيها ، أما ترضى بصلاة نوح عليه‌السلام» (٣).

وفي معناه أخبار كثيرة ومعتبرة ، وصحيحة مفضّل بن صالح عن الصادق عليه‌السلام عن الصلاة في الفرات وما هو أضعف منه من الأنهار في السفينة ، فقال : «إن صلّيت فحسن ، وإن خرجت فحسن» (٤).

وفي «الفقيه» : سأل يونس بن يعقوب أبا عبد الله عليه‌السلام عن الصلاة في الفرات (٥) الحديث.

واحتجّ المانعون بحسنة حمّاد بن عيسى ب ـ إبراهيم بن هاشم ـ قال : سمعت

__________________

(١) المقنع : ١٢٣ ، نهاية الإحكام : ١ / ٤٠٤ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٨٦.

(٢) نقل عنهم في ذخيرة المعاد : ٢١٧ ، لاحظ! الكافي في الفقه : ١٤٧ ، السرائر : ١ / ٣٣٦ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ١٨٩ و ١٩١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٩١ الحديث ١٣٢٣ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٩٥ الحديث ٨٩٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٠ الحديث ٥٢٦٩.

(٤) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٩٨ الحديث ٩٠٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٢ الحديث ٥٢٧٧.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٩٢ الحديث ١٣٢٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢١ الحديث ٥٢٧١.

٩٨

الصادق عليه‌السلام يسأل عن الصلاة في السفينة فيقول : «إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجدد فاخرجوا ، وإن لم تقدروا فصلّوا قياما» (١) ، الحديث.

وبما رواه الشيخ في الضعيف عن علي بن إبراهيم بن هاشم قال : سألته عن الصلاة في السفينة [قال :] «يصلّي فيها وهو جالس إذا لم يمكنه القيام ، [في السفينة] ولا يصلّي في السفينة وهو يقدر على الشطّ» (٢) ، الحديث ، وبأنّ القرار ركن في القيام ، وحركة السفينة تمنع عن ذلك ، وبأنّ الصلاة فيها مستلزمة للحركات الكثيرة الخارجة.

والجواب عن الأوّل ؛ بأنّه حسن والحسن لا يقاوم الصحاح الكثيرة المعمول بها بين الأصحاب ، فضلا أن يغلب عليها.

مع أنّ مقتضى الجمع حمل هذه على الاستحباب ، مع أنّ الأصل يقتضي ما ذكر.

وعن الثاني ؛ بأنّ الضعيف لا يصلح أن يتّخذ دليلا ، فكيف يغلب على الأدلّة؟ هذا ؛ مضافا إلى ما ذكر في الأوّل.

وعن الثالث ؛ بمنع ركنيّة القيام ، لأنّه ليس إلّا إقامة الصلب مع باقي الأعضاء ، مع أنّ المفروض قراره ، وعدم قرار السفينة أيّ مدخليّة لها في القيام؟ وهذا لا سترة فيه.

وعن الرابع ؛ بكون الحركات عرضيّة بالنسبة إلى المصلّي ، وبمنع الضرر عن تلك الحركات ، لعدم دليل عليه ، اللهمّ إلّا أن يريد الحركة التي هي فعل كثير في

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٤١ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ١٧٠ الحديث ٣٧٤ ، الاستبصار : ١ / ٤٥٤ الحديث ١٧٦١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٣ الحديث ٥٢٨٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ٣ / ١٧٠ الحديث ٣٧٥ ، الاستبصار : ١ / ٤٥٥ الحديث ١٧٦٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢١ الحديث ٥٢٧٤ مع اختلاف يسير.

٩٩

الصلاة ، ماحية لصورتها ، أو مبطلة إجماعا.

وفيه منع استلزامها مثل هذه الحركة ، ولو فرض صورة تستلزم الحركات فهو غير محلّ النزاع ، لأنّ الصلاة في السفينة من حيث كونها فيها ، مع عدم تحقّق مفسدة من الخارج.

فإن قلت : لا يؤمن من عروض المفسدة ، وهي الحركات المانعة من الاستقرار والركوع والسجود ، بل مطلق الحركة.

قلت : مطلق الحركة لا مانع منها ، وأمّا المانعة عن الواجب أو الماحية ، فالأصل عدمها ، وهو حجّة شرعيّة ، والبناء عليها ومثلها يوجب الكراهة ، كالصلاة في مجاري المياه وأمثالها.

قوله : (أمّا النافلة). إلى آخره.

نقل في «المعتبر» و «المنتهى» و «الذكرى» الاتّفاق على جوازها في الراحلة ، وماشيا في السفر سواء كان السفر طويلا أو قصيرا (١) ، والظاهر أنّ فعلها في السفينة أيضا كذلك ، وأمّا في الحضر فالمشهور الجواز.

وعن ابن أبي عقيل عدم الجواز (٢) ، والظاهر أنّ مراده حال الاختيار ، ويدلّ على الجواز في الكلّ الأخبار الكثيرة ، منها مطلقة ، ومنها صريحة في النافلة ، ومنها صريحة في الفريضة ذكرنا بعضها (٣) ، فإذا جاز في الفريضة ففي النافلة بطريق أولى.

وممّا يدلّ على جواز النافلة كذلك صحيحة الحلبي عن الصادق عليه‌السلام : عن صلاة النافلة على البعير والدابّة ، فقال : «نعم ؛ حيث كان متوجّها ، وكذلك فعل

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٧٥ ، منتهى المطلب : ٤ / ١٨٥ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ١٩٢ و ١٩٣.

(٢) نقل عنه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ٧٣.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٢٨ الباب ١٥ من أبواب القبلة.

١٠٠