مصابيح الظلام - ج ٦

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٦

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-6-X
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥١

للأخبار التي هي حجّة ، من جهة الاشتهار وغاية اعتبار السند ، وتعدّدها وكثرتها وموافقتها للأصل والعمومات.

فتعيّن حملها على الكراهة ، لو كانت ظاهرة في الحرمة ، مع أنّها ظاهرة في الكراهة على أيّ تقدير ، كما عرفت مرارا ، والاحتياط واضح بحمد الله سبحانه.

هذا حال الصلاة ، وأمّا نفس اللبس ؛ فمن ضروريات الدين حلّيته لها.

فروع :

الأوّل : هل يحرم على الخنثى لبس الحرير؟ قيل : نعم ، للاحتياط (١) ، وقيل : لا ، لاختصاص التحريم بالرجال ، والشكّ في كونه رجلا (٢) ، ولعلّه أقرب.

الثاني : لو لم يجد إلّا الحرير صلّى عاريا ، لكون وجود المنهي عنه كعدمه ، ولو وجد النجس والحرير ، واضطرّ إلى لبس أحدهما اختار النجس ، لما عرفت من حلّيته حينئذ ، ومع عدم الاضطرار يصلّي عاريا على الأقرب ، كما مرّ في محلّه.

الثالث : قيل ؛ يحرم على الولي تمكين الصبيان من لبسه ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حرام على ذكور أمّتي» (٣) وقول جابر : كنّا ننزعه عن الصبيان ونتركه على الجواري (٤) (٥).

وقيل : لا ، لأنّ الصبي ليس مكلّفا ، ولا دليل على تكليف الولي ، وفعل جابر على تقدير الصحّة ، لعلّه كان مبنيا على التمرين أو الاستحباب ، وهو مختار

__________________

(١) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٧١ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٦.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٢٨.

(٣) المغني لابن قدامة : ١ / ٣٤٤ الفصل ٨٢١.

(٤) سنن أبي داود : ٤ / ٥٠ الحديث ٤٠٥٩.

(٥) لاحظ! المعتبر : ٢ / ٩١.

٣٢١

المحقّق (١) ، ومن تأخّر عنه (٢) على ما في «الذخيرة» (٣).

الرابع : يجوز الركوب عليه والافتراش له ، عند العلّامة وغيره (٤) ، وتردّد فيه في «المعتبر» (٥) ، وحكى في «المختلف» عن بعض المتأخّرين (٦) القول بالمنع (٧).

ولعلّ الأوّل أقرب للأصل ، وعدم ظهور مانع مخرج عنه ، والقدر الثابت اللبس على حسب ما مرّ.

ولصحيحة علي بن جعفر ، عن أخيه عليه‌السلام أنّه سأله عن فراش حرير ومثله من الديباج ومصلّى حرير يصلح للرجل النوم عليه والتكأة عليه والصلاة؟ قال : «يفرشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه» (٨).

وفي حكم الافتراش التوسّد عليه ، والالتحاف به على الظاهر.

وأمّا التدثّر ؛ فعند الشهيد الثاني أنّه كالافتراش ، ولا يعدّ لبسا (٩) ، وقيل : بتحريمه ، لصدق اللبس عليه (١٠) ، وفيه تأمّل.

الخامس : لم يتعرّضوا لحكم استصحاب الحرير حال الصلاة ، ولعلّ الأحوط

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٩١.

(٢) منتهى المطلب : ٤ / ٢٢٨ ، جامع المقاصد : ٢ / ٨٧ ، مدارك الأحكام : ٣ / ١٧٧.

(٣) لاحظ! ذخيرة المعاد : ٢٢٨.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٧٣ ، نهاية الإحكام : ١ / ٣٧٦ ، مجمع الفائدة والبرهان : ٢ / ٨٥.

(٥) المعتبر : ٢ / ٨٩ و ٩٠.

(٦) الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٣٦٧.

(٧) مختلف الشيعة : ٢ / ٨٢.

(٨) الكافي : ٦ / ٤٧٧ الحديث ٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧٣ الحديث ١٥٥٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٨ الحديث ٥٤٤٥ مع اختلاف يسير.

(٩) روض الجنان : ٢٠٨.

(١٠) مدارك الأحكام : ٣ / ١٨٠.

٣٢٢

المنع ، لما مرّ في مسألة الصلاة فيما لا يؤكل لحمه (١) ، وما سيجي‌ء في الذهب ، والأظهر عدم المنع ، لما مرّ في المكفوف بالحرير (٢).

وأمّا استصحاب الأبريسم فيها ، والظاهر كون حكمه حكم خياطة غير الحرير بالإبريسم وعرفته ، بل لعلّه الأظهر فتدبّر.

السادس : لم يتعرّض المصنّف لحكم الذهب ، مع كونه نظير الحرير في الحرمة لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هذان حرامان على ذكور أمّتي» (٣). مشيرا إليه وإلى الحرير ، مع كونه ضروري الدين.

وأمّا الصلاة فيه ؛ ففي «الفقه الرضوي» : «ولا تصلّ في جلد الميتة على كلّ حال ولا في خاتم ذهب» (٤).

وحكم في «التذكرة» و «التحرير» و «الدروس» و «البيان» بالمنع عن الصلاة في الذهب أيضا للرجال (٥) ، بل منعا من المموّه به ، والافتراش أيضا ، بل حكما ببطلان الصلاة في الخاتم منه وفي المموّه ، معلّلا بالنهي عن الكون فيه ، ويقول الصادق عليه‌السلام : «جعل الله الذهب حلية أهل الجنّة فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه» (٦).

ومرادهما أنّ الصلاة في المكان المغصوب باطلة عند الشيعة ، لعدم جواز اجتماع الأمر والنهي في الكون الذي هو جزء الصلاة ، وهو عبارة عن الحركة

__________________

(١) راجع! الصفحة : ٢٨٧ ـ ٢٨٩ من هذا الكتاب.

(٢) راجع! الصفحة : ٣١٢ ـ ٣١٦ من هذا الكتاب.

(٣) عوالي اللآلي : ١ / ٢٩٦ الحديث ٢٠٤ ، مستدرك الوسائل : ٣ / ٢١٨ الحديث ٣٤١١.

(٤) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٥٧ ، مستدرك الوسائل : ٣ / ٢١٨ الحديث ٣٤١٢.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٧٦ ، تحرير الأحكام : ١ / ٣٠ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٥٠ ، البيان : ١٢١.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٧ الحديث ٨٩٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٤ الحديث ٥٥٦٩ نقل بالمضمون.

٣٢٣

والسكون والاجتماع والافتراق ، فكذلك الحال في الكون في الذهب في الصلاة ، ولا بدّ من التأمّل في كون المنهي عنه في الذهب ، هو الكون المذكور ، أي التصرف فيه ، كما منع من التصرّف في ملك الغير.

وأمّا ما نقل عن الصادق عليه‌السلام ؛ ففي موثّقة عمّار عنه عليه‌السلام أنّه : «لا يتختّم الرجل بالحديد فإنّه لباس أهل النار ، ولا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه لأنّه من لباس أهل الجنّة» (١) الحديث ، رواه في «الفقيه» (٢).

فمع كون الموثّق حجّة ـ كما حقّق ـ متأيّد بما ذكر ، لضمانه صحّة ما أورده فيه ، وكونه حجّة بينه وبين ربّه ، متأيّد بما مرّ في الحرير ، مع كون نظيره في المنع النبوي (٣) ، وبما مرّ في الحرير (٤) ، وفي المقام من كون النهي عن اللبس ، مقتضيا لفساد الصلاة ، فتأمّل!

فإنّ المصلّي يتقرّب إلى الله تعالى ، فكيف يكون متبعّدا عنه تعالى حين ما هو متقرّب إليه؟ ولذا ورد المنع عن الصلاة في أمور وأحوال بسبب المنع عن لبسها مطلقا ، واستصحابها كذلك.

ومن هذا كان الفقهاء أو الرواة ربّما كانوا يفهمون المنع عن الصلاة من المنع عن اللبس ، فلاحظ كلامهم بعد ملاحظة الأخبار.

وكيف كان ؛ الظاهر أنّه مؤيّد على أيّ تقدير ، ومتأيّد أيضا برواية موسى بن أكيل النميري عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ الحديد حلية أهل النار ، والذهب حلية أهل

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧٢ الحديث ١٥٤٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٣ الحديث ٥٥٦٨ ، ٤١٨ الحديث ٥٥٨٥ مع اختلاف يسير.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٤ الحديث ٧٧٣ مع اختلاف.

(٣) عوالي اللآلي : ١ / ٢٩٦ الحديث ٢٠٤ ، مستدرك الوسائل : ٣ / ٢١٨ الحديث ٣٤١١.

(٤) راجع! الصفحة : ٣٠٦ من هذا الكتاب.

٣٢٤

الجنّة ، وجعل الله عزوجل الذهب في الدنيا زينة النساء فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه ، وجعل الحديد في الدنيا زينة الجن والشياطين فحرّم على الرجل المسلم أن يلبسه في الصلاة إلّا أن يكون قبال عدوّ فلا بأس به».

قال : قلت : فالرجل في السفر يكون معه السكين في خفّه ولا يستغني عنه أو في سراويله مشدودا والمفتاح يخشى إن وضعه ضاع أو يكون وسطه المنطقة من حديد.

قال : «لا بأس بالسكين والمنطقة للمسافر في وقت ضرورة ، وكذلك المفتاح إذا خاف الضيعة والنسيان ، ولا بأس بالسيف وكلّ آلة السلاح ، وفي غير ذلك لا تجوز الصلاة في شي‌ء من الحديد فإنّه نجس ممسوخ» (١).

هكذا روى في «التهذيب» ، ورواه في «الكافي» على تفاوت في ألفاظه (٢) ، ففيه اعتبار من هذه الجهة ، وكون الحديد ممّا يكره الصلاة فيه ـ كما سيجي‌ء ـ لا يقتضي أن يكون الذهب أيضا كذلك ، على ما هو المشهور المعروف من الفقهاء ، لما عرفت مكرّرا أنّ خروج بعض الحديث عن ظاهره عندهم لا يقتضي خروج الكلّ ، وإلّا لم يبق حديث يحتجّ به إلّا ما شذّ وندر ، وفيه ما فيه.

وممّا ذكر ظهر أيضا أنّ الكليني والصدوق ، كانا قائلين بالمنع على الظاهر ، بل قال في كتابه «العلل» : باب العلّة التي من أجلها لا يجوز للرجل أن يتختّم بخاتم حديد ولا يصلّي فيه ، ولا يجوز له أن يلبس الذهب ، ولا يصلّي فيه ، وروى الموثّقة المذكورة ، ورواية أبي الجارود عن الباقر عليه‌السلام المتضمّنة للنهي عن التختّم بخاتم الذهب (٣).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٧ الحديث ٨٩٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٤ الحديث ٥٥٦٩ ، ٤١٩ الحديث ٥٥٨٦ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٠٠ الحديث ١٣.

(٣) علل الشرائع : ٣٤٨ الحديث ١ و ٣.

٣٢٥

وعن ابن الجنيد أنّه قال : لا يختار للرجل خاصّة الصلاة في الحرير والذهب (١).

وفي «الدروس» قال : وقول أبي الصلاح بكراهيّة المذهّب (٢) ضعيف (٣) ، انتهى.

بل ربّما ظهر من هذه الكلمات كون المنع هو المشهور ، بل الظاهر أنّه كذلك.

واستدلّ على بطلان الصلاة في الذهب الذي يكون ساترا للعورة والمذهّب منه ، بعدم جواز اجتماع الأمر والنهي في شي‌ء واحد.

وهذا يتمّ إذا كان الساتر مأمورا به ، واجبا لغيره بوجوب شرعي ، أو يكون مقدّمة الواجب واجبا شرعيا ، لا أن يكون وجوبه شرطيّا وتوسليّا.

وما ورد في موثّقة عمّار ، ورواية النميري ، و «الفقه الرضوي» (٤) ، المنع عن الصلاة في الذهب ، وقد مرّ الكلّ (٥).

وفي «الخصال» بسنده عن الجعفي ، عن الباقر عليه‌السلام قال : «يجوز للمرأة أن تتختّم بالذهب وتصلّي فيه ، وحرّم ذلك على الرجال إلّا في الجهاد» (٦).

وهل يصدق ذلك على ما إذا استصحب الذهب ولم يكن ملبوسا ، لما ظهر من رواية النميري ، وما مرّ في الصلاة فيما لا يؤكل لحمه أم لا ، لظهور اللفظ في الملبوس؟

احتاط المحتاطون عن الأوّل أيضا ، وإن كان مسكوكا بسكّة المعاملة ، مع أنّه

__________________

(١) نقل عنه في مختلف الشيعة : ٢ / ٨٢.

(٢) الكافي في الفقه : ١٤٠.

(٣) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٥٠.

(٤) وسائل الشيعة : ٣ / ٤١٣ الحديث ٥٥٦٨ و ٤١٩ الحديث ٥٥٨٦ ، الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ١٥٧.

(٥) راجع! الصفحة : ٢٢٣ ـ ٢٢٥ من هذا الكتاب.

(٦) الخصال : ٢ / ٥٨٨ الحديث ١٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٨٠ الحديث ٥٤٥٣.

٣٢٦

ورد جواز جعل النفقة في طريق الحجّ في هميان يشدّ على الحقوين ، من دون استفصال وفرق بين أن تكون دراهم أو دنانير ، مع كون الدنانير أغلب ، فتأمّل!

وفي «الكافي» بسنده عن الباقر عليه‌السلام : «أنّه استرخت أسنانه فشدّها بالذهب» (١).

وفي «مكارم الأخلاق» أورد روايتين عن الصادق عليه‌السلام في جواز هذا الشدّ بالذهب (٢) ، بل احتاطوا عن الصلاة مع القرآن المعشر بالذهب (٣) ، أو المكتوب به ، أو المزيّن به.

وكذا غيره من الكتب والقراطيس ، والأجسام المنقوشة بماء الذهب ، وأمثال ذلك ، والاحتياط حسن ما لم تقع ضرورة ، أو تلف وتضييع ، أو اطّلاع الناس عليه ، إذ ربّما كان مأمورا بستره.

مع أنّ جواز الاستصحاب من بديهيّات الدين ظاهر من الأخبار ، وهو مستصحب حتّى يثبت خلافه في الصلاة فيه ، ولم يثبت.

مع أنّه لو كان ممنوعا لشاع وذاع ، بحيث لا يبقى لأحد تأمّل ، لعموم البلوى وشدّة الحاجة ووفور الداعي ، سيّما في الأسفار ، وخصوصا بالنسبة إلى صناعة مثل الصراف ، أو المبتلين بأخذه وضبطه ، مثل التجّار وغيرهم.

بل روي في «الكافي» بسنده عن داود بن سرحان عن الصادق عليه‌السلام قال : «ليس بتحلية المصاحف والسيوف بالذهب والفضّة بأس» (٤).

وعن عبد الله بن سنان عنه عليه‌السلام : «ليس بتحلية السيف بالذهب والفضّة

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤٨٢ الحديث ٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٦ الحديث ٥٥٧٦ نقل بالمعنى.

(٢) مكارم الأخلاق : ٩٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٦ و ٤١٧ الحديث ٥٥٧٧ و ٥٥٧٨.

(٣) لم ترد في (ز ٣) من قوله : بالذهب. إلى قوله : والأجسام المنقوشة.

(٤) الكافي : ٦ / ٤٧٥ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٠٥ الحديث ٦٠٥٠.

٣٢٧

بأس» (١).

ثمّ اعلم! أنّ المنع عن الذهب يشمل المذهّب أيضا ، كما أفتى به الفقهاء (٢) ، لأنّه ذهب خلط أو لصق بغيره.

واعلم أيضا! أنّ الفروع التي ذكرت في الحرير جارية في الذهب أيضا ، وورد في غير واحد من الأخبار أنّ الأئمّة عليهم‌السلام كانوا يزينون الصبيان بالذهب (٣) ، فهذا يؤيّد الحرير أيضا.

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤٧٥ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٠٤ الحديث ٦٠٤٨ مع اختلاف يسير.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٧١ ، البيان : ١٢١.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٥ / ١٠٣ الباب ٦٣ من أبواب أحكام الملابس.

٣٢٨

١٢٦ ـ مفتاح

[مكروهات لباس المصلّي]

تكره الصلاة في الثوب الذي فيه تماثيل (١) ، والخاتم الذي فيه صور (٢) ، ولو كانت مستورة خفّت الكراهة ، ولو غيّرت انتفت ، والقول بالتحريم (٣) ضعيف ، كالتخصيص بصورة الحيوان (٤) ، وفي الحديد (٥) ، سواء الخاتم وغيره إلّا إذا كان مستورا أو حال ضرورة ، وحرّمه الشيخ (٦).

وفي ثوب من لا يتوقّى النجاسة (٧) ، أو من يستحلّ الميتة بالدبغ (٨) ، والثوب الذي يلاصق وبر الأرانب والثعالب (٩) ، والسود إلّا في الخف والعمامة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٣٦ الباب ٤٥ من أبواب لباس المصلّي.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٣ الباب ٤٦ من أبواب لباس المصلّي.

(٣) المقنع : ٨٢ ، المبسوط : ١ / ٨٤ و ٨٦ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٩٩.

(٤) السرائر : ١ / ٢٦٣.

(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٧ الباب ٣٢ من أبواب لباس المصلّي.

(٦) النهاية للشيخ الطوسي : ٩٨ و ٩٩.

(٧) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٧ الباب ٤٩ من أبواب لباس المصلّي.

(٨) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٦٢ الباب ٦١ من أبواب لباس المصلّي.

(٩) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٥٥ الباب ٧ من أبواب لباس المصلّي.

٣٢٩

والكساء (١) والمشبّع اللون (٢) ، والرقيق الغير الحاكي (٣).

وفي السراويل وحده (٤) إلّا أن يجعل على عاتقه شيئا ولو حبلا ، ومع الخضاب وإن كانت خرقته نظيفة (٥) ، واللثام للرجل (٦) ، وتخفّ حالة الركوب ، وقيل بتحريمه (٧).

والنقاب للمرأة (٨) ، وخلوّ جيدهن عن القلائد (٩). وفي الخلاخل المصوّتة لهن (١٠) ، وظاهر القاضي التحريم فيها (١١) ، والمستفاد من الصحيح (١٢) عدم اختصاصها بالصلاة ، بل مطلق كراهتها ، واشتمال الصمّاء وهو : أن يدخل الثوب من تحت جناحه فيجعله على منكب واحد (١٣) ، والقميص الذي ليس عليه رداء للإمام (١٤) ، والعمامة التي لا حنك لها (١٥) ، والظاهر من أكثر الروايات عدم

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٨٢ الباب ١٩ من أبواب لباس المصلّي.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٦٠ الباب ٥٩ من أبواب لباس المصلّي.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٨٧ الباب ٢١ من أبواب لباس المصلّي.

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٨٩ الباب ٢٢ من أبواب لباس المصلّي.

(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٢٩ الباب ٣٩ من أبواب لباس المصلّي.

(٦) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٢٢ الباب ٣٥ من أبواب لباس المصلّي.

(٧) المقنعة : ١٥٢.

(٨) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٢٢ الباب ٣٥ من أبواب لباس المصلّي.

(٩) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥٩ الباب ٥٨ من أبواب لباس المصلّي.

(١٠) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٦٣ الباب ٦٢ من أبواب لباس المصلّي.

(١١) المهذّب : ١ / ٧٤ و ٧٥.

(١٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٦٣ الحديث ٥٧٣٢.

(١٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٩٩ الباب ٢٥ من أبواب لباس المصلّي.

(١٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٥٢ الباب ٥٣ من أبواب لباس المصلّي.

(١٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٠١ الباب ٢٦ من أبواب لباس المصلّي.

٣٣٠

اختصاصها بالصلاة ، بل التحنّك سنّة مطلقا إلّا أنّه قد ترك اليوم بحيث صار من لباس الشهرة المنهي عنه (١) ، وفي القباء المشدود ، وظاهر المفيد تحريمه (٢) ، وفيما يستر ظهر القدم ولا يستر شيئا من الساق كالشمشك ، وأكثر القدماء على تحريمه (٣) ، والنعل السندي ، وحرّمه بعضهم (٤). والكل منصوص إلّا الثلاثة الأخيرة ، فلا نصّ فيها.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٥ / ٢٤ الباب ١٢ من أبواب أحكام الملابس.

(٢) المقنعة : ١٥٢.

(٣) المقنعة : ١٥٣ ، المهذّب : ١ / ٧٥ ، المراسم : ٦٥.

(٤) المقنعة : ١٥٣ ، المهذّب : ١ / ٧٥ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٩٨.

٣٣١
٣٣٢

قوله : (تكره). إلى آخره.

لا خلاف بين الأصحاب في رجحان هذا الاجتناب ، لصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه‌السلام عن الثوب المعلم؟ فكره ما فيه التماثيل (١).

وصحيحته عن أبي الحسن عليه‌السلام عن الصلاة في الديباج ، فقال : «ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس» (٢).

وصحيحة ابن سنان عن الصادق عليه‌السلام : أنّه كره أن يصلّي وعليه ثوب فيه تماثيل (٣) ، وإلى غير ذلك ، وسنذكر بعضها في صورة تغيير الصورة وسترها.

وموثّقة عمّار أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الثوب يكون في علمه مثال الطير أو غير ذلك أيصلّي فيه؟ قال : «لا» ، وعن الرجل يلبس الخاتم فيه نقش مثال الطير أو غير ذلك ، قال : «لا تجوز الصلاة فيه» (٤). إلى غير ذلك ، والمشهور كراهة ذلك.

وعن «المبسوط» عدم جواز الصلاة في ثوب فيه تمثال وصورة ، وكذا عن «النهاية» (٥) ، وعن موضع آخر منه : ولا يصلّي في ثوب فيه تماثيل ، ولا في خاتم كذلك (٦). وعن ابن البرّاج حرمة الصلاة في الخاتم الذي فيه صورة (٧).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٢ الحديث ٨١٠ ، عيون أخبار الرضا عليه‌السلام : ٢ / ٢١ الحديث ٤٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٣٧ الحديث ٥٦٤٥.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٨ الحديث ٨١٥ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٦ الحديث ١٤٦٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٠ الحديث ٥٤٢٠.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٠١ الحديث ١٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٣٧ الحديث ٥٦٤٣.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٥ الحديث ٧٧٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧٢ الحديث ١٥٤٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٠ الحديث ٥٦٥٦.

(٥) المبسوط : ١ / ٨٣ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٩٩.

(٦) المبسوط : ١ / ٨٤.

(٧) المهذّب : ١ / ٧٥.

٣٣٣

حجّة المشهور إطلاق الصلاة حتّى يتقيّد ، وأصالة البراءة حتّى يثبت الخلاف ، ولم يثبت من الصحيحين أزيد من الكراهة ، بل ظاهرها الكراهة ، لما عرفت من ظهور لفظ الكراهة فيها. وإن قلنا بعدم ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيها ، فلا يعارضها الموثّقة ، سيّما مع اعتضادها بغير الصحيح من الأخبار.

منها ؛ ما ورد في الدراهم السود التي فيها التماثيل من لفظ «لا اشتهي» (١) ، وغير ذلك.

بل في الصحيح : «لا بأس بأن يصلّي الرجل وفي ثوبه دراهم سود وفيها تماثيل» (٢).

وفي صحيح آخر عن حمّاد بن عثمان عنه عليه‌السلام : «لا بأس بأن يصلي وهي معه إذا كانت مواراة» (٣).

بل في صحيح آخر : «لا بأس أن يصلّي الرجل وفي كمّه طير ، إن خاف الذهاب عليه» (٤). والمطلقات كثيرة والعمومات ، والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا.

وما مرّ في مبحث المكان من عدم الحرمة بالنسبة إلى المواجهة إلى الحيوان والصورة وأمثالها.

مع أنّ الموثّقة تضمّنت المنع عن التختم بالحديد ، وعن الصلاة ومعه خاتم

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٦ الحديث ٧٧٩ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٣٧ الحديث ٥٦٤٤.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٣ الحديث ١٥٠٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٣٩ الحديث ٥٦٥٠ نقل بالمضمون.

(٣) الكافي ٣ / ٤٠٢ الحديث ٢٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٤ الحديث ١٥٠٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٣٩ الحديث ٥٦٤٩ نقل بالمعنى.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٠٤ الحديث ٣٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٤ الحديث ٧٧٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٦١ الحديث ٥٧٢٥ نقل بالمضمون.

٣٣٤

حديد (١).

ولا تأمّل في كون هذين المعنيين على سبيل الكراهة ، فيتقوّى في النظر (٢) كون ما ذكر أيضا من هذا القبيل ، ولعلّ المتبادر من التماثيل تمثال حيوان ، كما هو صريح الموثّقة ، لا تمثال الشجر ، إذ تكرار لفظ «الطير» يؤذن بكون المراد من قوله عليه‌السلام : «وغير ذلك» (٣) ما ماثل الطير ، مع أنّ التمثال والصورة مترادفان. والمتبادر من مطلق الصورة صورة الحيوان ، كما مرّ في مبحث المكان.

وصرّح ابن إدريس بأنّ الصلاة إنّما تكره في الثوب إذا كان عليه تمثال الحيوان وصورته ، وأمّا صورة غير الحيوان فلا بأس (٤).

ويدلّ على ذلك قوله تعالى (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ) (٥). فعن أهل البيت عليهم‌السلام أنّها كصورة الأشجار (٦).

قال في «الوافي» : التمثال الصورة ، وقد يخصّ ما فيه روح. لأنّ المحرّم تصويره ، والمكروه استعماله دون غيره ، كما ورد في الأخبار الاخر ، وكان سليمان عليه‌السلام يعمل له تماثيل الأشجار وغيرها ممّا لا روح فيه (٧) ، ثمّ نقل ذلك عن الصادق عليه‌السلام (٨).

وظاهر ما ذكر عدم المنع أصلا ، في استعمال تماثيل مثل الاشجار في حال من

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٨ الحديث ٥٥٨٥.

(٢) في (ز ٣) : فيقوى في الظن.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٠ الحديث ٥٦٥٦.

(٤) السرائر : ١ / ٢٦٣.

(٥) سبأ (٣٤) : ١٣.

(٦) مجمع البيان : ٥ / ١٩٢ (الجزء ٢٢) ، لاحظ! وسائل الشيعة : ٥ / ٣٠٥ الحديث ٦٦١٣.

(٧) الوافي : ٧ / ٣٩٠ ذيل الحديث ٦١٦٣ مع اختلاف يسير.

(٨) الكافي : ٦ / ٥٢٧ الحديث ٧ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٠٤ الحديث ٦٦١١.

٣٣٥

الأحوال ، وأهمّ الأحوال حال الصلاة ، وشرع السابق مستصحب حتّى يثبت خلافه ، ولم يثبت ، ولذا كثيرا احتجّ الأئمّة عليهم‌السلام بشرع السابق (١) ، وروي في صحاح العامّة الإذن في صفة الشجر ، وما لا نفس له (٢).

ويشير إليه ما ورد في الصحيح عن ابن أبي عمير عن الصادق عليه‌السلام قال : سألته عن التماثيل والبساط لها عينان وأنت تصلّي ، فقال : «إن كان لها عين واحدة فلا بأس ، وإن كان لها عينان فلا» (٣).

وفي الصحيح أيضا أنّ الباقر عليه‌السلام قال : «لا بأس أن تكون التماثيل في الثوب إذا غيّرت الصورة منه» (٤).

وورد في الصحيح أيضا عنه عليه‌السلام : «لا بأس بالتماثيل في البيوت إذا غيّرت رءوسها وترك ما سوى ذلك» (٥).

وورد عنهم عليه‌السلام : إنّ الله تعالى يعذّب المصوّر يوم القيامة بالنفخ في الصورة وهو لا يقدر عليه ، مثل ما في «الفقيه» من الحديث الطويل إذ فيه :

ونهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن التصاوير ، وعلّل بأنّه تعالى يعذّب بأن ينفخ فيه وليس بنافخ (٦). وغيرها من الأخبار ، مثل رواية الحسين بن منذر ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «ثلاثة معذّبون. إلى أن قال ـ ورجل صوّر تماثيل يكلّف أن

__________________

(١) في (ك) و (ط) زيادة : ويتمسّكون به.

(٢) لاحظ! المغني لابن قدامة : ٧ / ٢١٥ و ٢١٦.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٩٢ الحديث ٢٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٣ الحديث ١٥٠٦ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٣٨ الحديث ٥٦٤٨ مع اختلاف يسير.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٣ الحديث ١٥٠٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٠ الحديث ٥٦٥٤.

(٥) الكافي : ٦ / ٥٢٧ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٠٨ الحديث ٦٦٢٧ مع اختلاف يسير.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٣ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ١٧ / ٢٩٧ الحديث ٢٢٥٧٤ نقل بالمعنى.

٣٣٦

ينفخ فيها وليس بنافخ» (١).

وفي «الكافي» بسنده عن رجل عنه عليه‌السلام قال : «من مثّل مثالا كلّف يوم القيامة أن ينفخ فيه الروح» (٢).

بل في «المحاسن» للبرقي ـ في الصحيح ـ عن زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام : «لا بأس بتماثيل الشجر» (٣).

وفي الصحيح أيضا عنه عليه‌السلام : «لا بأس ما لم يكن تمثال الحيوان» (٤).

مع أنّ المتبادر من لفظ «الصورة» مطلقا ، صورة ذي الروح لا الشجر ، لأنّ المطلق ينصرف إلى الفرد الكامل ، بل من لفظ «التمثال» أيضا فضلا عن التماثيل.

[و] يشهد عليه صحيحة ابن بزيع الأخيرة (٥) ، إذ الديباج هو الثوب المتّخذ من الحرير وهو منقوش ، أو علمه ديباج ، كما يظهر من الصحيحة الأولى (٦) ، إذ المعلم لا غبار فيه بالضرورة من الدين ، فكيف يسأل عنه الفقيه الجليل؟ وإطلاق كلّ منهما مقيّد بالآخر ، والمراد بها ديباج فيه قطن أو كتان ونحوها ، أو لبسه حال الحرب ، والأحوط الاجتناب عن الكلّ ، ومنه صورة الدود.

وممّا ذكر ظهر حجّة من القول بالحرمة والجواب عنها ، وحجّة من عمّم المنع ، وجعله شاملا لغير ذي الروح والجواب عنه ، لأنّه يتمسّك بإطلاق لفظ

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٥٢٨ الحديث ١٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٠٥ الحديث ٦٦١٢.

(٢) الكافي : ٦ / ٥٢٧ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٠٤ الحديث ٦٦٠٩ مع اختلاف يسير.

(٣) المحاسن : ٢ / ٤٥٨ الحديث ٢٥٨٢ ، وسائل الشيعة : ١٧ / ٢٩٦ الحديث ٢٢٥٧٠.

(٤) المحاسن : ٢ / ٤٥٨ الحديث ٢٥٨١ ، وسائل الشيعة : ١٧ / ٢٩٦ الحديث ٢٢٥٧١ مع اختلاف يسير.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٨ الحديث ٨١٥ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٦ الحديث ١٤٦٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٠ الحديث ٥٤٢٠.

(٦) راجع! الصفحة : ٣٣٣ من هذا الكتاب.

٣٣٧

«التمثال» والصورة الواردة في كثير من الأخبار.

قوله : (ولو كانت مستورة). إلى آخره.

أقول : في الصحيح عن حمّاد بن عثمان ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه سأل عن الدراهم السود التي فيها التماثيل أيصلّي الرجل وهي معه؟ قال : «لا بأس إذا كانت مواراة» (١).

وفي «المدارك» استدلّ بها على التخفيف (٢) ، وظاهرها نفي الكراهة ، واستدلّ على زوالها بتغيّر الصورة ، بصحيحة ابن مسلم عن الباقر عليه‌السلام : «لا بأس أن تكون التماثيل [في الثوب] إذا غيّرت الصورة منه» (٣).

وفي صحيحة عنه عليه‌السلام أنّه قال : «لا بأس أن تصلّي على كلّ التماثيل إذا جعلتها تحتك» (٤).

لكن في رواية سعد بن إسماعيل عن أبيه عن الرضا عليه‌السلام أنّه قال : «لا تجلس [عليه] ولا تصلّ عليه» (٥) أي على المصلّى والبساط يكون عليه تماثيل ، وهي ضعيفة ، وحملها الشيخ على الكراهة (٦) ، ولا بأس به مسامحة في أدلّتها.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٠٢ الحديث ٢٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٤ الحديث ١٥٠٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٣٩ الحديث ٥٦٤٩ مع اختلاف يسير.

(٢) مدارك الأحكام : ٣ / ٢١٣.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٣ الحديث ١٥٠٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٠ الحديث ٥٦٥٤.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٣ الحديث ١٥٠٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٣٩ الحديث ٥٦٥١.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧٠ الحديث ١٥٤٠ ، الاستبصار : ١ / ٣٩٤ الحديث ١٥٠٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٠ الحديث ٥٦٥٥.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧٠ ذيل الحديث ١٥٤٠.

٣٣٨

قوله : (وفي الحديد). إلى آخره.

المشهور كراهة استصحاب الحديد ، وظاهر الشيخ في «النهاية» ، وابن البراج ، عدم جواز الصلاة فيه ومعه ، إلّا إذا كان مستورا (١) ، وظاهر الكليني والصدوق أيضا كذلك ، والأصل فيه رواية السكوني عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا يصلّي الرجل وفي يده خاتم حديد» (٢).

وفي «الكافي» بعد هذه الرواية قال : وروي : «إذا كان المفتاح في غلاف فلا بأس» (٣) ، وروي أيضا بسنده الضعيف عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا يصلّي الرجل وفي تكّته مفتاح حديد» (٤).

ومضى موثّقة عمّار (٥) ، ورواية النميري (٦) في حكم الذهب ، فعلى القول بكون الموثّق حجّة ، يصير المنع أقوى ، سيّما مع اعتضاده بما مرّ في حكم الذهب ، وما ذكر من الروايات ، إلّا أنّ في التعليل بالنجاسة على ما ورد في بعضها يشهد على الكراهة (٧) ، لما مرّ في بحث النجاسات.

وفي «الفقيه» مرسلا عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «ما طهّر الله يدا فيها حلقة حديد» (٨).

__________________

(١) النهاية للشيخ الطوسي : ٩٨ ، المهذّب : ١ / ٧٥.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٠٤ الحديث ٣٥ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٣ الحديث ٧٧١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٧ الحديث ٥٥٨١.

(٣) الكافي : ٣ / ٤٠٤ الحديث ٣٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٨ الحديث ٥٥٨٣.

(٤) الكافي : ٣ / ٤٠٤ الحديث ٣٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٨ الحديث ٥٥٨٢.

(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٣ الحديث ٥٥٦٨.

(٦) وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٩ الحديث ٥٥٨٦.

(٧) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٧ الحديث ٨٩٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤١٩ الحديث ٥٥٨٦.

(٨) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٤ الحديث ٧٧٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٢٠ الحديث ٥٥٨٩.

٣٣٩

بل في الموثّقة أيضا المنع عن الصلاة في خاتم فيه مثال الطير ، وكذا في الثوب الذي فيه علمه ذلك (١) ، على نحو المنع عن الحديد وسياقه.

بل في موثّقة اخرى أيضا أنّ من قصّ أظفاره وشعره ، أو حلق قفاه ، وصلّى من غير أن يمسح بالماء ، عليه أن يمسح به ، ويعيد الصلاة ، لأنّ الحديد نجس ، وقال : «إنّ الحديد لباس أهل النار» (٢).

ويؤيّده أيضا ما قال في «التهذيب» : وقد قدّمنا عن عمّار الساباطي إنّ الحديد إذا كان في غلاف فلا بأس بالصلاة فيه (٣) ، انتهى.

لكن لم أعثر عليها ، فلا بدّ من الفحص. هذا ؛ ويعضد الكراهة الشهرة العظيمة ، مضافا إلى ما ذكر والاصول.

ثمّ اعلم! أنّه ربّما قيل بكراهة الصلاة في خاتم فصّه حديد صيني.

ولعلّه لما ورد عن الصاحب عليه‌السلام في توقيعاته إلى الحميري أنّ الفصّ الخماهن فيه كراهيّة أن يصلّي فيه ، وفيه إطلاق ، والعمل على الكراهية (٤) ، انتهى ، هكذا في «الاحتجاج» (٥).

قوله : (إلّا إذا كان مستورا أو حال ضرورة).

أمّا الأوّل ؛ فقد مرّ ما نقلنا عن «الكافي» والشيخ أيضا (٦) ، وأمّا الثاني ؛ فقد

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧٢ الحديث ١٥٤٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٠ الحديث ٥٦٥٦.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٥ الحديث ١٣٥٣ ، الاستبصار : ١ / ٩٦ الحديث ٣١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٨٨ الحديث ٧٥٨.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٢٧ ذيل الحديث ٨٩٤.

(٤) الغيبة للطوسي : ٣٧٩ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٢٠ الحديث ٥٥٩١ نقل بالمضمون.

(٥) الاحتجاج : ٢ / ٤٨٣.

(٦) الكافي : ٣ / ٤٠٤ الحديث ٣٥ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٩٨ و ٩٩ ، المبسوط : ١ / ٨٤.

٣٤٠