مصابيح الظلام - ج ٦

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٦

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-6-X
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥١

السنجاب ، فما تقولون في ذلك نقول في هذا ، إذ الاحتمال لا شكّ فيه ، فإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال ، ولو سلّم عدم البطلان ، فلا شكّ في عدم مقاومته لما هو خال عنه هذا العيب العظيم.

وأمّا الصدوق ؛ لعلّه خالف الإجماع ، ولذا لم يعتن أحد بكلامه ، أو يكون مراده ما خالف ظاهره.

على أنّا نقول : ما تضمن ما لم يقل به إلّا شاذّ يوشك أن يكون مخالفا للإجماع ، لا يقاوم ما هو مسلّم عند الكلّ (١).

قوله : (وفي التكة). إلى آخره.

قد مرّ الكلام فيه مشروحا (٢).

قوله : (وكذلك غير الملابس). إلى آخره.

مرّ الكلام فيه أيضا مشروحا (٣).

__________________

(١) في (ز ٣) زيادة : فتأمّل جدّا.

(٢) راجع! الصفحة : ٢٨٥ من هذا الكتاب.

(٣) راجع! الصفحة : ٢٨٧ و ٢٨٨ من هذا الكتاب.

٣٠١
٣٠٢

١٢٥ ـ مفتاح

[عدم جواز الصلاة في الحرير]

لا يجوز الصلاة في الحرير المحض للرجال من غير ضرورة ، وفاقا للصدوق والمفيد وجماعة (١) ، للصحيح (٢) وغيره (٣) ، وجوّزها المتأخّرون فيما لا يتمّ فيه منفردا ، وفي المكفوف به (٤) ، للخبر (٥) وفي سنده ضعف.

أمّا المحشوّ بالقزّ فيجوز فيه ، للصحيح (٦) وغيره (٧) ، والتأويل بقزّ المعز كما فعله الصدوق (٨) بعيد ، وكذا الممتزج ما لم يكن الخليط مستهلكا فيه ، بالإجماع ، ولمفهوم الصحيحين : «لا يجوز الصلاة في حرير محض» (٩) وكذا حال الضرورة.

__________________

(١) المقنع : ٨٠ ، المقنعة : ١٥٠ ، المبسوط : ١ / ٨٢ ، السرائر : ١ / ٢٦٣ ، المعتبر : ٢ / ٨٧ ، كشف اللثام : ٣ / ٢١٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٨ الحديث ٥٤١٢.

(٣) لاحظ! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٧ الباب ١١ من أبواب لباس المصلي.

(٤) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٧٣ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٤١ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٥٠ ، روض الجنان : ٢٠٧.

(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٦ الحديث ٥٤٤٠.

(٦) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٤ الحديث ٥٦٦٩.

(٧) وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٤ الباب ٤٧ من أبواب لباس المصلي.

(٨) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧١ ذيل الحديث ٨٠٧.

(٩) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٨ الحديث ٥٤١٢ ، ٣٧٧ الحديث ٥٤٤٢.

٣٠٣

وأمّا للنساء فقولان : من إطلاق المنع (١) ، وتبادر انصرافه إلى الرجال (٢) ، ويؤيّد الثاني العمومات ، وأصالة عدم تكليف نزعهنّ إيّاه حال الصلاة والخبر (٣).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧١ ذيل الحديث ٨٠٧ ، لاحظ! مدارك الأحكام : ٣ / ١٧٦ و ١٧٧.

(٢) انظر! مدارك الأحكام : ٣ / ١٧٦ و ١٧٧.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٩ الحديث ٥٤٥٠.

٣٠٤

قوله : (لا يجوز الصلاة). إلى آخره.

أجمع جميع علماء الإسلام على ذلك ، وعلى عدم جواز اللبس مطلقا ، بل هو من ضروريّات الدين ، والمتواترات عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة عليهم‌السلام.

ويدلّ على عدم جواز الصلاة فيه ، صحيحة محمّد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه‌السلام [أسأله] هل يصلّى في قلنسوة حرير محض ، فكتب : «لا تحلّ الصلاة في حرير محض» (١).

وصحيحة إسماعيل بن سعد عن الرضا عليه‌السلام : عن الثوب الأبريسم هل يصلّي فيه الرجال؟ قال : «لا» (٢) إلى غير ذلك من الأخبار.

فما في صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن عليه‌السلام : عن الصلاة في ثوب ديباج ، فقال : «ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس» (٣) محمول على ديباج لم يكن حريرا محضا.

إذا عرفت هذا ، فاعلم! أنّ العامة لا يحكمون بفساد الصلاة فيه ، على ما يظهر منهم (٤).

وأمّا الخاصة ، فيحكمون بفساد الصلاة فيه أيضا ، ونقل إجماعهم على ذلك الفاضلان وغيرهما (٥) ، من غير فرق بين أن يكون ساترا للعورة أم لا.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٩٩ الحديث ١٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٧ الحديث ٨١٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٥ الحديث ١٤٦٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٨ الحديث ٥٤١٢ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٣ / ٤٠٠ الحديث ١٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٧ الحديث ٨١٣ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٥ الحديث ١٤٦٣ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٧ الحديث ٥٤١١ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٨ الحديث ٨١٥ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٦ الحديث ١٤٦٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٠ الحديث ٥٤٢٠.

(٤) المجموع للنووي : ٣ / ١٨٠.

(٥) المعتبر : ٢ / ٨٧ ، منتهى المطلب : ٤ / ٢٢٠ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٧٠ المسألة ١٢٤ ، الخلاف : ١ / ٥٠٤

٣٠٥

فاستدلّ على ذلك بأنّ النهي عن الصلاة فيه نهي في العبادة ، وهو يقتضي فسادها على ما حقّق في الاصول.

واستدلّ أيضا على تقدير كونه ساترا للعورة ، بعدم جواز اجتماع الأمر والنهي في الشي‌ء الواحد ، وهذا على تقدير كون مقدّمة الواجب واجبا شرعا ، أو الأمر بستر العورة في الصلاة ، فتدبّر!

هذا كلّه ؛ في حال الاختيار ، وأمّا الضرورة مثل الحرّ أو البرد أو غيرهما ، فلا حرمة ولا فساد إجماعا ، ونقل الإجماع جماعة (١) ، وكذا حال الحرب ، وإن لم يكن ضرورة ، ونقل الإجماع عليه في «المعتبر» و «الذكرى» (٢).

ويدلّ عليه مضافا إلى الإجماع المنقول الأخبار ، مثل موثّقة ابن بكير ، ـ الذي ممّن أجمعت العصابة (٣) ـ عن بعض أصحابنا عن الصادق عليه‌السلام عن لباس الحرير والديباج قال عليه‌السلام : «أمّا في الحرب فلا بأس». نقله في «الكافي» في كتاب الزيّ (٤) ، ومثله رواية إسماعيل بن الفضل عنه (٥).

وروي أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رخّص لعبد الرحمن بن عوف لدفع القمل لأنّه كان قملا (٦) ، وقيل : للزبير أيضا لذلك (٧). وهل يتعدّى في كلّ قمل أم يختصّ بهما؟ قوّى في

__________________

المسألة ٢٤٥ ، مدارك الأحكام : ٣ / ١٧٢.

(١) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٧١ ، منتهى المطلب : ٤ / ٢٢٢ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٦.

(٢) المعتبر : ٢ / ٨٨ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٥.

(٣) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.

(٤) الكافي : ٦ / ٤٥٣ الحديث ١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٢ الحديث ٥٤٢٤ مع اختلاف يسير.

(٥) الكافي : ٦ / ٤٥٣ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧١ الحديث ٥٤٢٣.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٦٤ الحديث ٧٧٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٢ الحديث ٥٤٢٦.

(٧) مسند أحمد بن حنبل : ٣ / ٥٧٢ الحديث ١١٨٢١ ، صحيح مسلم : ٣ / ١٣٠٩ الحديث ٢٤.

٣٠٦

«المعتبر» عدم التعدّي (١) ، ووافقه غيره (٢). واستحسنه في «الذخيرة» (٣).

لكن إن علّل الترخيص بكونه قملا ، فالظاهر العموم والتعدية ، والشأن في ملاحظة نصّه على الرخصة.

قوله : (وجوّزها). إلى آخره.

المشهور عند المتأخّرين الجواز ، ومنهم الفاضلان والشهيدان (٤) ، موافقا لجماعة من القدماء ، مثل الشيخ ، وابن إدريس ، وأبي الصلاح (٥) ، والمنقول عن المفيد وابن الجنيد عدم الاستثناء عن الحرام (٦) ، فظاهرهما القول بالتحريم ، وقوّاه في «المختلف» (٧).

وبالغ في «الفقيه» ، فقال : لا تجوز الصلاة في تكّة رأسها من أبريسم (٨) ، وقوّاه في «المدارك» و «الذخيرة» (٩) ، كالمصنّف.

احتجّ الأوّل بما رواه الشيخ عن الحلبي ـ في باب زيادات «التهذيب» ـ عن الصادق عليه‌السلام : «كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه ، مثل تكّة

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٨٩.

(٢) لاحظ! الحدائق الناضرة : ٧ / ٩٢.

(٣) ذخيرة المعاد : ٢٢٧.

(٤) المعتبر : ٢ / ٨٩ ، تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٧٣ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٤١ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٥٠ ، روض الجنان : ٢٠٧.

(٥) المبسوط : ١ / ٨٣ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٩٨ ، السرائر : ١ / ٢٦٩ ، الكافي في الفقه : ١٤٠.

(٦) المقنعة : ١٥٠ ، نقل عن ابن الجنيد في مختلف الشيعة ٢٦ / ٨١ و ٨٢.

(٧) مختلف الشيعة : ٢ / ٨١ و ٨٢.

(٨) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧٢ ذيل الحديث ٨١٠.

(٩) مدارك الأحكام : ٣ / ١٧٩ ، ذخيرة المعاد : ٢٢٧ و ٢٢٨.

٣٠٧

الأبريسم والقلنسوة والخف والزنار [يكون] في السراويل» (١).

ويؤيّده رواية يوسف بن إبراهيم الآتية (٢).

حجّة القول الثاني : عموم ما دلّ على المنع عن الحرير (٣) ، وخصوص صحيحة محمّد بن عبد الجبّار السابقة (٤).

وما رواه الشيخ في الصحيح عن محمّد بن عبد الجبّار قال : كتبت إلى أبي محمّد عليه‌السلام أسأله : هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه أو تكّة حرير أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب عليه‌السلام : «لا تحلّ الصلاة في الحرير المحض وإن كان الوبر ذكيّا حلّت الصلاة فيه» (٥).

واجيب عن الصحيحة السابقة ، بأنّ هذا الخبر عام ، وخبر الحلبي خاص ، والخاص مقدّم ، والمكاتبة ضعيفة (٦).

وردّ بأنّ الجواب مبني على السؤال عن الصلاة في قلنسوة حرير ، فتكون كالنص ، والخاص يقدّم لضعف دلالة العام ، والمكاتبة إذا شهد بصحّتها الثّقة في قوّة المشافهة ، مع أنّ خبر الحلبي ضعيف (٧).

وفيه أنّ كالنصّ ليس مثل النص البتّة ، لجواز أن يرى المعصوم عليه‌السلام المصلحة في عدم الجواب عمّا سئل ، كما ينقله الشيخ مكرّرا في «التهذيب» و «الاستبصار» (٨)

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٧ الحديث ١٤٧٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٦ الحديث ٥٤٤٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٨ الحديث ٨١٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٥ الحديث ٥٤٣٦.

(٣) راجع! وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٧ الباب ١١ من أبواب لباس المصلّي.

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٨ الحديث ٥٤١٢.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٧ الحديث ٨١٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٧ الحديث ٥٤٤٢.

(٦) مدارك الأحكام : ٣ / ١٧٩.

(٧) ذخيرة المعاد : ٢٢٨.

(٨) تهذيب الأحكام : ٩ / ٢٧١ الحديث ٩٨٣ ، ٢٧٨ الحديث ١٠٠٨ ، ٢٧٩ الحديث ١٠١٠ ، الاستبصار :

٣٠٨

وغيره (١) أيضا ، والمكاتبة أيضا ليست مثل المشافهة ، وإن كانت في قوّتها ، ولذا لا يحكم القاضي بالخطّ مطلقا ، فتأمّل! (٢).

وأمّا رواية الحلبي ؛ وطن كان في طريقها أحمد بن هلال الضعيف ، إلّا أنّه رواها عن ابن أبي عمير ، وأصحابنا يصحّحون مثل هذا الحديث ، على ما ذكر السيّد الداماد في «الرواشح» (٣).

لكن الظاهر أنّ الأصحاب يعتمدون على مثل هذا الحديث ، لما ذكر في الرجال ، وذكرنا فيه أيضا (٤) فلاحظ!

مع أنّ العلّامة والشيخ وغيرهما ممّن يعدّل الرواة ، واعتمادنا على توثيقهم وجرحهم ، هم الذين رجّحوا رواية الحلبي ، وقدّموها على صحيحة محمّد بن عبد الجبّار (٥) ، بل منهم من لا يعمل بخبر الواحد ، مثل ابن إدريس (٦) وغيره.

مع أنّها مؤيّدة برواية يوسف بن إبراهيم وغيرها (٧) ممّا ستعرف ، مع مقبوليّته عند الأصحاب.

وصحيحة محمّد بن عبد الجبّار بظاهرها تخالف الكلّ وتعارضه ، وكذا

__________________

٤ / ١٧٤ الحديث ٦٥٧.

(١) الكافي : ٧ / ٨٦ و ٨٧ الحديث ٣ و ٧ ، ٩٤ و ٩٥ الحديث ٣.

(٢) في (د ٢) : فتأمّل جدّا.

(٣) الرواشح السماوية : ٤٠.

(٤) تعليقات على منهج المقال : ٢٧٥.

(٥) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٧٣ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٩٨ ، المبسوط : ١ / ٨٤ ، المعتبر : ٢ / ٨٩ ، روض الجنان : ٢٠٧ ، السرائر : ١ / ٢٦٩.

(٦) السرائر : ١ / ٥١.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧١ الحديث ٨٠٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٨ الحديث ٨١٧ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٦ الحديث ١٤٦٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٤ و ٣٧٥ الحديث ٥٤٣٥ و ٥٤٣٦.

٣٠٩

تعارض الصحيح الوارد في المحشو بالقز وغيره.

ورواية الحلبي تلائمه ، مع أنّ صحيحة محمّد بن عبد الجبّار الثانية (١) ، تضمّنت بظاهرها جواز الصلاة في وبر ما لا يؤكل لحمه ، وقد عرفت حاله.

فربما يرجّح ذلك ورودها تقيّة ، كما هو الشأن في المكاتبات ، من أنّهم كانوا يتّقون فيها ، خوفا من وقوعها في يد الأعداء. وهذا أيضا من مرجّحات المشافهة على المكاتبة.

وأهل السنّة بأجمعهم كانوا لا يجوّزون الصلاة في الحرير ، كما عرفت ، فهذا أيضا من مرجّحات رواية الحلبي على الصحيحة.

مع أنّ الظاهر أنّ الحرير اسم للثوب من الأبريسم على ما ذكر في اللغة (٢) فلاحظ ، وأمّا العرف وإن استعمل في الأعمّ ، لكن الاستعمال أعمّ من الحقيقة ، وعدم صحّة السلب ، ولعلّه مثل عدم صحّته في الأمر ، فانّه يتبادر الوجوب منه. مع أنّ المطلق عندهم ينصرف إلى الكامل.

وكيف كان ؛ لم يثبت مخالفة العرف للّغة ، في كون الحرير اسما للثوب بالمتّخذ من الأبريسم ، لا الأعمّ من الثوب الأبريسم ، فيحصل بملاحظة وهن آخر في دلالة الصحيحة ، فإنّه عليه‌السلام أجاب السائل عن الصلاة في قلنسوة الحرير ، بأنّ الصلاة لا تحلّ في الثوب من الأبريسم المحض.

فلعلّه أجاب كذلك من جهة المكاتبة وحزازتها التي لا تخلو عنها غالبا ، دفاعا عنهم وعن السائل.

وعرفت أنّ أهل السنّة بأجمعهم لا يجوّزون الصلاة في حرير محض ، وإن

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٧ الحديث ٥٤٤٢.

(٢) لسان العرب : ٤ / ١٨٤ و ١٨٥ ، مجمع البحرين : ٣ / ٢٦٥.

٣١٠

كانوا لا يحكمون بالبطلان.

وكيف كان ؛ لا تأمّل في وهن الدلالة ، وهو المراد لا منعها رأسا ، على أنّ القائلين بالجواز استدلّوا بأصالة عدم المانع (١) ومنهم الشيخ (٢).

مع أنّهم استدلّوا بصحيحة محمّد بن عبد الجبّار في المقامات ، بحيث لم يخف عليهم ، في مقام كونها حجّة دون تأمّل ، بل القطع حاصل بعدم خفائها في المقام. فليس استدلالهم بالأصل ، إلّا ما ذكرنا من كون الحرير عندهم هو الثوب ، أو اللباس المنصرف إلى الثوب.

بل في «المختلف» لما نقل عن ابن البرّاج تحريم الصلاة في الثوب الذي زيقه حرير أو ديباج ، بأنّ الوجه عدم التحريم ، واحتجّ عليه بالأصل ، وبأنّه ليس ممّا يتمّ الصلاة وحده.

ثمّ نقل حجّة ابن البرّاج ، وهو عموم النهي عن الصلاة في الحرير.

فأجاب بمنع العموم ، وأنّ الحرام هو الصلاة في اللباس الحرير المحض (٣).

والظاهر أنّ مراده المنصرف إلى الثوب ، مع أنّ اللباس المطلق ينصرف إليه ، فلاحظ كلمات غيره أيضا.

لكن مطابقة الجواب السؤال ، وكثرة الاستعمال في العرف ، في كلّ ما ينسج الأبريسم ظاهر في العموم ، على أن كون رواية الحلبي ضعيفة ، إنّما هو باصطلاح المتأخّرين ، ككون رواية محمّد بن عبد الجبّار صحيحة (٤).

وتقديم هذا الصحيح على ذلك الضعيف ، ليس إلّا من جهة اصطلاحهم

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٩٠ ، مختلف الشيعة : ٢ / ٨٧ ، كشف اللثام : ٣ / ٢١٨.

(٢) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٣) مختلف الشيعة : ٢ / ٨٧ و ٨٨.

(٤) مدارك الأحكام : ٣ / ١٧٨ و ١٧٩.

٣١١

وقاعدتهم ، من كون العدالة شرطا في قبول الرواية وحجّيتها.

ومعلوم أنّ المؤسسين للاصطلاح المذكور ، والمصرّحين بالقاعدة المذكورة ، اتّفقوا هنا على تقدّم رواية الحلبي على صحيحة محمّد بن عبد الجبار ، على حسب ما مرّ ، ووافقوا القدماء الذين رواية الحلبي هذه صحيحة عندهم وباصطلاحهم.

وليس هذا الاتّفاق والوفاق إلّا لما عرفت منهم ، من تقديمهم الرواية المنجبرة على الصحيحة ، كما هو المعروف من فتاواهم ، وحقّقته في «الفوائد» (١) (٢).

وأمّا الكراهة فلوقوع الشبهة بملاحظة الأقوال والأدلّة ، بل لا شكّ في كون المنع أحوط.

قوله : (وفي المكفوف به). إلى آخره.

بأن يجعل في رءوس الأكمام ، والذيل ، وحول الزيق ، وألحق به اللبنة وهي الجيب.

وربّما ظهر من كلام البعض الإطلاق ، وإبقاء هذا اللفظ على ظاهر معناه (٣).

والدليل على ذلك ما رواه العامة عن عمر : أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن الحرير إلّا في موضع إصبعين أو ثلاث أو أربع (٤).

وما روي أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان له جبة كسروانية ، لها لبنة ديباج ، وفرجاها مكفوفان بالديباج (٥).

__________________

(١) الفوائد الحائريّة : ٤٨٧ و ٤٨٨ الفائدة ٣١.

(٢) في (ز ٣) : وحقّقناه في «الفوائد» والاحتياط واضح.

(٣) النهاية : ٩٦ ، الوسيلة : ٨٧ ، شرائع الإسلام : ١ / ٦٩.

(٤) صحيح مسلم : ٣ / ١٣٠٧ الحديث ١٥ ، سنن الترمذي : ٤ / ١٨٩ الحديث ١٧٢١.

(٥) صحيح مسلم : ٣ / ١٣٠٥ الحديث ١٠.

٣١٢

وما رواه الشيخ ـ في الصحيح ـ عن صفوان بن يحيى ، عن يوسف بن إبراهيم ، ورواه الصدوق في «الفقيه» أيضا عنه عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزرّه وعلمه حريرا ، وإنّما يكره الحرير المبهم للرجال» (١).

وصفوان ممّن لا يروي إلّا عن الثّقة ، وممّن أجمعت العصابة (٢) ، مضافا إلى صحّتها وحقيقتها عند الصدوق.

مع أنّ يوسف هذا يلقب بالطاطري ، وهو يوسف بن محمّد بن إبراهيم.

وفي «العدّة» ادّعى الإجماع (٣) على العمل بما رواه الطاطريّون (٤) فتأمّل!

مع انجبارها بالشهرة بين الأصحاب شهرة عظيمة ، إذ قيل : ربّما ظهر من عبارة ابن البرّاج المنع (٥) ، وإن نسب المصنّف القول بالجواز إلى المتأخّرين ، مع أنّ الشيخ والصدوق قائلان صريحا (٦).

وأمّا الدلالة فلتجويز المعصوم عليه‌السلام ذلك مطلقا ، من دون استثناء حالة الصلاة ، مع أنّها المهمّ وأهمّ الأحوال ، على أنّ المعصوم عليه‌السلام نفى جميع أفراد البأس ، لكونه نكرة في سياق النفي ، وحرمة الصلاة وبطلانها من أعظم أنواع البأس وأهمّها.

واستدلّ أيضا على ذلك برواية جرّاح المدائني عن الصادق عليه‌السلام : أنّه كان

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧١ الحديث ٨٠٨ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٨ الحديث ٨١٧ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٦ الحديث ١٤٦٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٥ الحديث ٥٤٣٦

(٢) رجال الكشّي : ٢ / ٨٣٠ الرقم ١٠٥٠.

(٣) في (ز ٣) : إجماع الشيعة.

(٤) عدّة الاصول : ١ / ١٥٠ و ١٥١.

(٥) مدارك الأحكام : ٣ / ١٨١ ، لاحظ! المهذّب : ١ / ٧٥.

(٦) النهاية للشيخ الطوسي : ٩٦ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧١ و ١٧٢.

٣١٣

يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج (١).

والكراهة وإن لم تكن حقيقة في المعنى الاصطلاحي ، إلّا أنّه ظاهر فيه ، لأنّ معناه لغة وعرفا ، هو القدر المشترك بين الكراهة الاصطلاحيّة والحرمة ، والمرجوحيّة في الجملة.

والحرام لا يعبّر بمثل ذلك ، بل يعبّر بما دلّ على المنع ، عن الارتكاب منعا لازما واجبا شرعا.

والعام لا يدلّ على الخاص ، بل على القدر المشترك ، وهو ظاهر في المرجوحيّة التي لم يحرم فعلها ، ولم يمنع عنه ، لأصالة البراءة عن الزائد عن المرجوحية ، فيكون الحكم الكراهة الظاهرة ، وبحسب القاعدة الشرعية. ومرّ في الحاشية السابقة ما له دخل في المقام.

على أنّا نقول : غاية ما ثبت من الإجماع والأخبار حرمة الصلاة في الثوب من الحرير ، أو اللباس منه ، أو الحرير المحض ، والأوّلان لا دخل لهما في المقام.

وأمّا الحرير المحض ؛ فالمتبادر منه أن يكون هو حريرا محضا ، لا أن يكون فيه حرير ، بل عرفت أنّ الحرير لغة هو الثوب المتّخذ من الأبريسم (٢).

والمتبادر منه عرفا أيضا ذلك ، كما عليه غير واحد من الفقهاء ، على حسب ما عرفت (٣).

أو يكون مثل القلنسوة ، الحرير ممّا هو من الأبريسم المحض ، لا ما يكون فيه شي‌ء من الحرير ، مثل زرّه أو علمه ، سيّما إذا صرّح بكونه محضا.

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٤٠٣ الحديث ٢٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٤ الحديث ١٥١٠ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٠ الحديث ٥٤١٩.

(٢) لسان العرب : ٤ / ١٨٥ ، مجمع البحرين : ٣ / ٢٦٥.

(٣) راجع! الصفحة : ٣١٠ ـ ٣١٢ من هذا الكتاب.

٣١٤

ويدلّ على ذلك ما رواه في «الكافي» ـ في الصحيح ـ عن صفوان ، عن عيص بن القاسم ، عن أبي داود يوسف بن إبراهيم قال : دخلت على الصادق عليه‌السلام وعليّ قباء خزّ ـ إلى أن قال ـ : عليّ ثوب أكره لبسه ، قال : «وما هو»؟ قلت : طيلساني هذا ، قال : «وما بال الطيلسان»؟ قلت : هو خزّ ، قال : «وما بال الخزّ»؟ قلت : سداه أبريسم ، قال : «وما بال الأبريسم؟ لا يكره أن يكون سدا الثوب أبريسم ولا زرّه ولا علمه ، وإنّما يكره المصمت من الأبريسم للرجال ولا يكره للنساء» (١).

بل رواية يوسف السابقة أيضا تدلّ على ذلك ، إذ قوله عليه‌السلام : «وإنّما يكره الحرير المبهم» (٢) في مقام التعليل ، لنفي البأس عن ما ذكره ، والمراد من المبهم الخالص الذي لا يشوبه غيره.

ويدلّ عليه أيضا ما رواه في «الكافي» بسنده في غاية الاعتبار عن إسماعيل بن الفضل عن الصادق عليه‌السلام : في الثوب يكون فيه الحرير ، فقال : «إن كان فيه خلط فلا بأس» (٣) ، إذ الحرير ليس نفس الأبريسم ، كما عرفت ، وظاهر أنّه المنسوج منه [فإنّه عليه‌السلام أجاب بأنّ الحرير الذي ذكرت أنّه في الثوب إن كان خلط ومزج في ذلك الثوب فلا بأس به] (٤).

وممّا يؤيّد ما سيجي‌ء في المحشو بالقز ، وممّا يؤيد أيضا أنّ أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام [بل بعض منهم عليهم‌السلام أيضا كالحسن عليه‌السلام] (٥) كانوا في ذلك الزمان يلبسون الأثواب الغالية والقميص والطيلسان (٦) وأمثالهما ممّا هو في غاية العلو والغلو عن القيمة ،

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤٥١ الحديث ٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٣ الحديث ٥٣٩٦ ، ٣٧٩ الحديث ٥٤٤٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٥ الحديث ٥٤٣٦.

(٣) الكافي : ٦ / ٤٥٥ الحديث ١٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٤ الحديث ٥٤٣٤.

(٤) ما بين المعقوفتين أثبتناه من (ز ٣).

(٥) ما بين المعقوفتين أثبتناه من (ز ٣).

(٦) وسائل الشيعة : ٥ / ٧ الحديث ٥٧٤٥ ، ١٥ الباب ٧ ، ١٣٣ الباب ١٨ من أبواب أحكام الملابس.

٣١٥

والظاهر عدم خلوها عمّا ذكر فتأمّل جدّا!

وعلى ما ذكر لا مانع في الأزرار والعلم والحواشي والكفاف ونحوها ، من كونها حريرا ، والاحتياط أمر آخر ، ومراتبه متفاوتة.

وكيف كان ؛ لا مانع أصلا من خياطة الثوب وغيره بالإبريسم ، على ما هو المتعارف ، لعدم ما يوهم إلى المنع ، ولا ما يجعله مشكوكا فيه بالمرّة ، مع القطع بالعادة في أزمنة الأئمّة عليهم‌السلام ، في كون خياطة الأثواب العالية ، سيّما التي في غاية العلو بالإبريسم ، ولا وجه (١) للاحتياط فيه أصلا ، والله يعلم.

وأمّا ما زاد عن أربع أصابع مضمومة فالظاهر الحرمة ، لوقوع اتّفاقهم عليها.

وكذلك إذا لم يكن زرا أو مكفوفا ، كما هو المستفاد من كلامهم ، والتقييد بالمضمومة ، لأنّه المتبادر من المنع.

هذا ؛ مع أنّ القطعة من الحرير داخلة فيه عرفا ، كدخول بعض الميتة فيها ، وبعض الكلب فيه ، في مقام الأمر بالتنزّه ، وأمثال ما ذكر.

قوله : (وأمّا المحشو). إلى آخره.

قال الفاضلان بتحريمه (٢) ، بل كلامهما مشعر بكونه مجمعا عليه عندنا ، حيث أطلقا القول ، ونسبا المخالفة إلى العامة.

لكن نسب إلى «الذكرى» الميل إلى الجواز (٣) ، لما روي في الصحيح عن الحسين بن سعيد قال : قرأت في كتاب محمّد بن إبراهيم إلى الرضا عليه‌السلام يسأله عن

__________________

(١) في (د ٢) : حاجة.

(٢) المعتبر : ٢ / ٩١ ، منتهى المطلب : ٤ / ٢٢٥ و ٢٢٦.

(٣) نسب إليه في مدارك الأحكام : ٣ / ١٧٥ ، لاحظ! ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٥.

٣١٦

الصلاة في ثوب حشوه قز ، فكتب إليه وقرأته : «لا بأس بالصلاة فيه» (١).

ونقل الشيخ بعد نقله عن الصدوق : أنّ المراد قزّ الماعز (٢).

والمحقّق ضعّف سنده ، لأنّ الراوي وجده في كتاب لم يسمعه من محدّث (٣).

وأجاب في «الذكرى» : بأنّ قول الصدوق خلاف الحقيقة والظاهر ، وأنّ إخبار الراوي بصورة الجزم في المكاتبة المجزوم بها في قوّة المشافهة ، فلو عمل بها لم يكن بعيدا (٤).

أقول : ظهور إشعار الإجماع من الفاضلين ، وتوجيه الصدوق إيّاه ، ورضاء الشيخ به على ما هو الظاهر ، وكون العامة قائلين بصحّة الصلاة في الحرير وكون المكاتبات كثيرا ما لا تخلو عن شي‌ء ، من جهة التقيّة والخوف ، وغلو قيمة القزّ غالبا ، وخلوّ المحشوّ به عن الزينة والمنفعة كذلك ربّما يعضد التوجيه ، ويمنع عن الجرأة بالفتوى بظاهرها ، وإن وافقها ما ذكر في «الفقيه» أنّه كتب إبراهيم بن مهزيار إلى أبي محمّد عليه‌السلام في الرجل يجعل في جبّته بدل القطن قزّا ، هل يصلّي فيه؟ فكتب : «نعم لا بأس به» (٥) أورده بصيغة الجزم فيه.

ورواه الكليني أيضا (٦) ، مع أنّ الأصل في الاستعمال الحقيقة ، مع عدم مانعيّة الغلوّ للقيمة ، والخلوّ عن المنفعة ، إذ المراد من القزّ ربّما كان الردي‌ء الفاسد منه [بحيث لا ينتفع به] (٧) ، إلّا أمثال هذه الانتفاعات ، إذ كثيرا ما يبقى هذا الردي ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٤ الحديث ١٥٠٩ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٤ الحديث ٥٦٦٩.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٤ ذيل الحديث ١٥٠٩ ، لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧١ ذيل الحديث ٨٠٧.

(٣) المعتبر : ٢ / ٩١.

(٤) ذكرى الشيعة : ٣ / ٤٥.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٧١ الحديث ٨٠٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٤ الحديث ٥٦٧٢.

(٦) الكافي : ٣ / ٤٠١ الحديث ١٥ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٤٤٤ الحديث ٥٦٧١.

(٧) ما بين المعقوفتين أثبتناه من (ز ٣).

٣١٧

بعد أخذ القدر الجيّد منه الصالح ، لجعله أبريسم ينتفع به منافع الأبريسم المعروفة.

وإنّ الردي‌ء الباقي لا يصلح لذلك ، سوى جعله حشوا وأمثاله ، مع ما فيه من أشدّية الثخونة الموجبة لأشدّية الدفق ونحوه ، فتأمّل جدّا!

قوله : (وكذا الممتزج).

لا نزاع في حلّية اللبس والصلاة فيه ، سواء كان الخليط أقلّ أو أكثر ، قال في «المعتبر» : ولو كان عشرا ما لم يكن مستهلكا ، بحيث يصدق على الثوب أنّه أبريسم وأنّه حرير ، وهو مذهب علمائنا أجمع (١).

ويدلّ عليه مضافا إلى الأصل ، وتقييد ما دلّ على التحريم بالمحض كما عرفت ، ما رواه ابن أبي نصر في الصحيح قال : سأل الحسين بن قياما أبا الحسن عليه‌السلام عن الثوب الملحم من القز والقطن والقزّ أكثر من النصف ، أيصلّى فيه؟ قال : «لا بأس ، قد كان لأبي الحسن عليه‌السلام منه جبّات» (٢).

وصحيحة صفوان السابقة عن يوسف بن إبراهيم (٣) ، وصحيحة عيص عن يوسف بن إبراهيم السابقة (٤).

وقويّة زرارة قال : سمعت أبا جعفر عليه‌السلام ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء ، إلّا ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ أو كتان أو قطن ، وإنّما يكره الحرير المحض للرجال والنساء (٥) ، وسيجي‌ء الكلام في توجيهها.

__________________

(١) المعتبر : ٢ / ٩٠ مع اختلاف يسير.

(٢) الكافي : ٦ / ٤٥٥ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٣ الحديث ٥٤٣١.

(٣) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٥ الحديث ٥٤٣٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٣ الحديث ٥٣٩٦.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٧ الحديث ١٥٢٤ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٦ الحديث ١٤٦٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٤ الحديث ٥٤٣٥.

٣١٨

وبالجملة ؛ العبرة بصدق الحرير المحض ، فلا ينتفع إذا جعله في خصوص الحاشية شي‌ء من الخليط ، بعد أن يكون الأصل حريرا محضا.

وكذا لا ينفع إذا كان الخليط ممّا لا يؤكل لحمه ، كما عرفت ، أو الذهب ، كما ستعرف ، بل الفضّة أيضا ، إذا صدق عليه الحرير المحض ، أو الحرير المطلق ، وكذا إن كان الخليط شيئا لا يخرجه عن الصدق المذكور.

قوله : (وكذا حال الضرورة).

لا تأمّل في ذلك ، لأنّ الضرورات تبيح المحظورات.

قوله : (وأمّا للنساء فقولان).

المشهور الجواز ، للاستصحاب ، ولتبادر الرجال في صحيحتي محمّد بن عبد الجبّار السابقتين (١) ، من جهة السؤال عن قلنسوة الحرير وقلنسوة الديباج ، واختصاص صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري بخصوص الرجال (٢) وقد مرّت (٣).

بل فيها إشعار بالاختصاص بالرجل ، إذ لو كان شاملا للمرأة أيضا ، لكانت أولى بالسؤال عن حالها ، لحلّية لبسها عليها في غير الصلاة جزما.

ومثل صحيحة إسماعيل المذكورة ، رواية أبي الحارث عن الرضا عليه‌السلام (٤) ، ولم يرد في المنع عن الصلاة غير ما ذكر ، وغير مفهوم رواية الحلبي السابقة (٥) ، وفيها ما

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٨ الحديث ٥٤١٢ ، ٣٧٧ الحديث ٥٤٤٢.

(٢) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٧ الحديث ٥٤١١.

(٣) راجع! الصفحة : ٣٠٥ من هذا الكتاب.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٨ الحديث ٨١٤ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٦ الحديث ١٤٦٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٩ الحديث ٥٤١٧.

(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٦ الحديث ٥٤٤٠.

٣١٩

يشير إلى كون المراد الرجال لقوله عليه‌السلام : «ويصلّي فيه» فتأمّل ، مع ذكر القلنسوة.

وموثّقة ابن بكير عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «النساء يلبسن الحرير والديباج إلّا في الإحرام» (١).

وابن بكير ممّن أجمعت العصابة (٢) ، ومع ذلك منجبرة بالشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعا.

ورواية إسماعيل بن الفضل ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا يصلح للرجل أن يلبس الحرير إلّا في حال الحرب» (٣).

وصحيحة صفوان بن يحيى ، عن يوسف بن إبراهيم السابقة لقوله عليه‌السلام : «وإنّما يكره الحرير المبهم للرجال» (٤) ، المفهوم الحصر الذي ربّما كان أقوى من المنطوق ، ومثلها صحيحة العيص عن أبي داود يوسف السابقة (٥).

وحجّة الصدوق قويّة زرارة السابقة (٦) ، والإطلاق في صحيحة محمّد بن عبد الجبّار (٧).

وفي الثاني ما عرفت ، وعرفت أنّ صحيحة إسماعيل وغيرها ، أيضا يشعران بالاختصاص.

وفي الاولى أنّ في طريقها موسى بن بكر الواقفي غير الموثّق ، مع معارضتها

__________________

(١) الكافي : ٦ / ٤٥٤ الحديث ٨ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٩ الحديث ٥٤٥٠.

(٢) رجال الكشّي : ٢ / ٦٧٣ الرقم ٧٠٥.

(٣) الكافي : ٦ / ٤٥٣ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧١ الحديث ٥٤٢٣ مع اختلاف يسير.

(٤) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٥ الحديث ٥٤٣٦.

(٥) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٣ الحديث ٥٣٩٦.

(٦) وسائل الشيعة : ٤ / ٣٧٤ الحديث ٥٤٣٥.

(٧) الكافي : ٣ / ٣٩٩ الحديث ١٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٧ الحديث ٨١٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٨٥ الحديث ١٤٦٢ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٣٦٨ الحديث ٥٤١٢.

٣٢٠