مصابيح الظلام - ج ٦

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٦

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-6-X
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥١

معاقب في فعله ، لرفعه الخطأ عنه ، وهو غير المدّعى على ما لا يخفى ، ألا ترى أنّ من ترك الصلاة ، أو أجزاءها أو شرائطها نسيانا ، معلوم أنّ نسيانه لا عقاب ولا مؤاخذة فيه ، لا أنّ صلاته صحيحة ، وهذا واضح.

والشيخ في «الاستبصار» لمّا ذكر الأخبار الدالّة على الإعادة مطلقا ، والصحيحة المذكورة على عدم الإعادة كذلك ، جمع بينهما بحمل الأولى على كون الذكر في الوقت ، والثانية على كونه في خارجه (١).

واستدلّ لهذا التفصيل برواية علي بن مهزيار قال : كتب إليه سليمان بن رشيد يخبره أنّه بال في ظلمة الليل وأنّه أصحاب كفّه برد نقطة من البول لم يشكّ أنّه أصابه ولم يره ، وأنّه مسحه بخرقة ثمّ نسي أن يغسله وتمسّح بدهن فمسح به كفّيه ووجهه ورأسه ثمّ توضّأ وضوء الصلاة فصلّى ، فأجابه بجواب قرأته بخطّه :

«أمّا ما توهّمت ممّا أصاب يدك فليس بشي‌ء إلّا ما تحقّق ، فإن تحقّقت ذلك كنت حقيقا أن تعيد الصلوات التي كنت صلّيتهن بذلك الوضوء بعينه ما كان منهنّ في وقتها ، وما فات وقتها فلا إعادة عليك لها ، من قبل أنّ الرجل إذا كان ثوبه نجسا لم يعد الصلاة إلّا ما كان في وقت وإذا كان جنبا أو صلّى على غير وضوء فعليه إعادة الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته ، لأنّ الثوب خلاف الجسد ، فاعمل على ذلك إن شاء الله» (٢).

وأنا أقول : إنّه ضعيف جدّا ، إذ من المسلّمات أنّ الجمع فرع التقاوم ، وقد عرفت أنّه لا تقاوم بينهما قطعا ، فكيف يجمع بينهما؟

__________________

(١) الاستبصار : ١ / ١٨٤ ذيل الحديث ٦٤٢.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٤٢٦ الحديث ١٣٥٥ ، الاستبصار : ١ / ١٨٤ الحديث ٦٤٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٩ الحديث ٤٢٢٨ مع اختلاف يسير.

١٨١

مع أنّ الأخبار الدالّة على الإعادة مطلقا لا يصلح حملها على كونه متذكّرا في الوقت ، إذ من جملتها حسنة ابن مسلم حيث قال عليه‌السلام : «وإن كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيّعت غسله وصلّيت فيه صلوات كثيرة فأعد ما صلّيت فيه» (١).

وهذه كما ترى ظاهرة غاية الظهور في كون التذكرة في خارج الوقت.

وكذا صحيحة علي بن جعفر السابقة المرويّة في «قرب الإسناد» (٢) ، وما عدا هذين الخبرين ، وإن كان مطلقا ، إلّا أنّه لا يمكن تقييده برواية علي بن مهزيار ، لعدم التقاوم.

هذا ؛ مع أنّ الاستدلال بهذه الرواية ليس بشي‌ء ، لكونها ضعيفة سندا لجهالة الكاتب.

لكن يمكن ان يقال : أن مثل هذه المكاتبة لا ضعف فيها ، لأنّ علي بن مهزيار الراوي ، لا تأمّل في وثاقته.

والثّقة لا يروي هكذا عن غير المعصوم عليه‌السلام ، لكن لا يخفى أنّها مضطربة متنا.

وما كان حاله كذلك كيف يمكن التمسّك به ، وإخراج الأخبار الصحاح والمعتبرة عن ظاهرها؟ هذا ؛ مضافا إلى أنّ في الرواية تدافع ظاهر.

ويمكن دفعه بأن يكون الجار في قوله عليه‌السلام : «بذلك الوضوء» سببيّة ، والمجرور متعلّقا بقوله عليه‌السلام : «تعيد الصلاة» أو بقوله عليه‌السلام : «حقيقا». فيكون المعنى : إذا تحقّقت ذلك يجب عليك إعادة الصلاة جميعا في الوقت وفي خارجه معا بسبب

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٤ الحديث ٧٣٦ ، الاستبصار : ١ / ١٧٥ الحديث ٦٠٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣١ الحديث ٤٠٧٦ مع اختلاف يسير.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٧ الحديث ٤٢٢٣.

١٨٢

ذلك الوضوء بعينه ، يعني من دون مدخلية نجاسة ثوبك الذي تنجّس بالتمسّح بالدهن ، وكذا من دون مدخليّة نجاسة البدن ، لعدم الفرق بين حكم الثوب والبدن ، فمن هذا في أكثر المقام لا يذكرون إلّا الثوب ، وإن كان لذكر البدن غاية خصوصيّة أيضا ، والفرض أنّ إشكال الراوي ليس إلّا من جهة الثوب النجس والوضوء أعني الحدث والخبث.

وأجابه بأنّ عليك إعادة جميع ما كان في الوقت وفي خارجه من جهة الحدث لا الخبث ، فلا إعادة عليك من جهة أنّ ثوبك نجس ، لأنّه لا تعاد الصلاة من قبله ، إلّا ما كان في الوقت.

وأمّا في خارجه فلا ، فعلى هذا يكون قوله عليه‌السلام : «وما فات وقتها» عطفا على سابقه ، لا استئناف كلام ، ويكون قوله عليه‌السلام : «فلا إعادة» متفرّعا على ما تقدّم.

والظاهر من الرواية كون التفطّن بالمفسدة بعد خروج وقت الصلاة ، فوجوب الإعادة عليه من جهة الوضوء.

ويحتمل أيضا أن يكون المراد من قوله عليه‌السلام : «بذلك الوضوء» ، يعني بهذا النحو من الوضوء بعينه ، أي ما كان من الصلوات بهذا النحو من الوضوء يجب إعادته ، لا بغير هذا النحو ، كما إذا كان جنبا فاغتسل ، أو أنّه غسل أعضاءه اتّفاقا من جهة غسل آخر أو غيره ، فالوضوء الذي يتوضّأ بعده صحيح ، لا تعاد الصلاة من جهته.

وأمّا الثوب فليس حاله كذلك ، إذ هو مع عدم التغيير أيضا لا يجب عليه الإعادة إلّا ما كان في الوقت لا في خارجه أيضا.

ويحتمل أيضا أن يكون المراد أنّ الإعادة من جهة ذلك الوضوء بعينه ، يعني

١٨٣

الصلوات التي صلّيت من هذا الوضوء يجب إعادتها ، إذ الظاهر أنّ الراوي بعد التفطّن غيّر ثوبه ، وطهّر مواضع الطهارة ، لكن إشكاله من جهة الصلوات الفائتة فأجاب عنه الإمام عليه‌السلام بما أجاب.

ويحتمل أيضا على بعد ، كون قوله عليه‌السلام : «من قبل» ظرفا محذوف الإضافة ، أي : من قبل أن يتحقّق ويتيقّن ، فالمعنى : أنّ ما توهّمت ليس بشي‌ء إلّا أن يتحقّق ويتيقّن ، فلا يجب عليك الإعادة قبله أصلا ، وبعده يجب عليك إعادة ما كان بذلك الوضوء الذي يتحقّق بأنّ موضعه نجس ، لا الوضوء الذي يتوهّم كون موضعه نجسا.

فعلى هذا يكون قوله عليه‌السلام : «بعينه» لدفع توهّم هذا الوضوء ، ويكون قوله عليه‌السلام : «أنّ الرجل». إلى آخره تعليلا للحكم المتقدّم ، وابتداء كلام في الفرق بين الثوب والجسد.

وأنت خبير بأنّ في الرواية حزازة ، ولا يمكن علاجها إلّا بارتكاب إحدى الاحتمالات المذكورة ، فالتمسّك بها وإخراج الأخبار الصحاح والمعتبرة عن ظاهرها مع ما عرفت فيها من عدم تقاومها لها ، فيه ما فيه ، مع أنّ هذه الرواية لا قائل بها سوى الشيخ وبعض المتأخّرين (١) ، فتكون مرجوحة شاذّة.

وبالجملة ؛ مذهب المشهور أقوى فتوى وعملا.

تنبيه :

اعلم! أنّ حكم الناسي المتفطّن في أثناء الصلاة حكم الناسي المتفطّن بعدها ، لعدم تأتّي الباقي منه ، وفساد الماضي ، لعدم موافقته للمطلوب على حسب ما عرفت ، وعموم ما دلّ على وجوب الصلاة في الثوب الطاهر.

__________________

(١) الاستبصار : ١ / ١٨٤ ، روض الجنان : ١٦٨ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٤٨.

١٨٤

ولصحيحة علي بن جعفر ، عن الكاظم عليه‌السلام : في رجل ذكر ـ وهو في صلاته ـ أنّه لم يستنج من الخلاء ، قال : «ينصرف ويستنجي ويعيد الصلاة» (١) ، ولا قائل بالفصل ، فتأمّل!

وموثّقة سماعة عن الصادق عليه‌السلام وقد تقدّمت (٢) ، للعلّة المنصوصة ، ولعدم القائل بالفصل ، لو ظنّ النجاسة في الثوب أو البدن فصلّى ناسيا.

فقال ابن إدريس : إنّه لا تبطل صلاته ، لأنّ الأصل براءة الذمّة ، ولم يثبت خلافه إلّا بالعلم ، ولا علم ، فيبقى الأصل سالما (٣).

وقيام الظنّ هنا موضع العلم ، فيه ما فيه.

والأصل طهارة الأشياء ، حتّى يحصل العلم بالنجاسة ، ولا ينقض اليقين إلّا بيقين مثله.

ومقتضى جميع ما ذكر عدم التكليف بالغسل بمجرّد المظنّة ، وإن لم يتحقّق النسيان ، فمع تحقّقه بطريق أولى.

وقيل : إنّه يبطل ، وهو خيرة أبي الصلاح (٤) ، محتجّا بوجوب العمل بالظنّ كالعلم (٥) ، فإنّ جزئيات الأحكام الشرعية أكثرها ظنّية ، وهو استقراء ظنّي ، فلا يعتبر في المقام ، لما عرفت من اشتراط حصول العلم ، وتوقّف فيه بعض ، وهو ليس بمحلّه.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٥٠ الحديث ١٤٥ ، الاستبصار : ١ / ٥٥ الحديث ١٦١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣١٨ الحديث ٨٣٨.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٨٠ الحديث ٤٢٣٢.

(٣) السرائر : ١ / ٢٦٨ مع اختلاف يسير.

(٤) الكافي في الفقه : ١٤٠.

(٥) لاحظ! إيضاح الفوائد : ١ / ٢٣.

١٨٥

قوله : (وإن لم يكن علمها فلا يعيد مطلقا). إلى آخره.

الجاهل بالنجاسة إمّا أن يعلمها بعد خروج وقت الصلاة ، فقد عرفت حاله وأنّه ليس عليه إعادتها بالإجماع والأدلّة.

وإن علم بها قبل خروج الوقت وقبل الفراغ من الصلاة ، فقد عرفت حكمه أيضا مفصّلا.

وإن علم بها بعد الفراغ من الصلاة وقبل خروج الوقت ، وضاق الوقت عن إعادتها بأن لم يدرك ركعة منها في الوقت ، فحكمه حكم العالم بها بعد خروج الوقت ، لما ظهر عليك من التأمّل في الأقوال والأدلّة.

وإن علم بها قبل خروج الوقت وإمكان إعادتها ، فالمشهور عدم وجوب إعادتها ، وقيل بوجوب الإعادة ، وهو المنقول عن الشيخ في «المبسوط» و «النهاية» في باب المياه (١) ، والعلّامة في «القواعد» (٢).

ويدلّ على المشهور مضافا إلى الاصول السابقة الثابتة ، الأخبار الصحاح ، والمعتبرة الكثيرة ، مثل صحيحة عبد الرحمن (٣) ، وصحيحة إسماعيل الجعفي (٤) وصحيحة ابن مسلم (٥) المتقدّمات.

وصحيحة ابن مسكان ، عن أبي بصير الثقة ـ على أيّ تقدير ـ عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل يصلّي وفي ثوبه جنابة أو دم حتّى فرغ من صلاته ثمّ علم ، قال «قد مضت صلاته ولا شي‌ء عليه» (٦) إلى غير ذلك من الصحاح والمعتبرة.

__________________

(١) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ١٦٨ ، لاحظ! المبسوط : ١ / ١٣ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٨.

(٢) قواعد الأحكام : ٨.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٥٩ الحديث ١٤٨٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٥ الحديث ٤٢١٨.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٥ الحديث ٧٣٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٠ الحديث ٤٠٧٢.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٢ الحديث ٧٣٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٤ الحديث ٤٠٥٥.

(٦) الكافي : ٣ / ٤٠٥ الحديث ٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٠ الحديث ١٤٨٩ ، الاستبصار : ١ / ١٨١ الحديث

١٨٦

واستدلّ بأنّه صلّى صلاة مأمورا بها ، فتكون مجزية ، وإيجابها ثانيا لا دليل عليه.

وفيه ؛ أنّ كونها مأمورا بها أوّل الكلام ، واعتقاد كونها مأمورا بها لا يكفي لحصول الامتثال ، لعدم كونه بيّنا ، ولا مبيّنا ، ولا مسلّما ، مع أنّ الأخير يوجب الجدل.

نعم ؛ لو ظهر مطابقة ذلك للواقع ، لو (١) كان هناك دليل على كفايته للامتثال صحّ.

والقدر الثابت أنّ الجاهل بموضوع الحكم غير مؤاخذ ، لا أنّ ما فعله مطابق للمطلوب ، مع أنّ العبادة التوقيفيّة يتوقّف الامتثال فيها على البراءة اليقينيّة إذا اشتغلت الذمّة بها يقينا.

وحصول اليقين موقوف على الإعادة ، لحصول الشبهة واختلاف الأخبار وإن كان الراجح عدم الإعادة ، لكونها أكثر بمراتب ، وأشهر كذلك ، وأوضح دلالة ، إلّا أن يقال : لفظ الصلاة اسم لمجرّد الأركان ، لا الأركان الصحيحة ، والمجرّد متحقّق ، ولم يثبت اشتراط الطهارة عن الخبث بالنسبة إلى الجاهل بالموضوع لأنّ الخطاب غير متوجّه إلى الجاهل.

ولم يوجد غير الخطاب ، وليس هذا عالما بعنوان الإجمال ، جاهلا بعنوان التفصيل ، كما مرّ في الجاهل بنفس الحكم ، ولا يوجد دليل آخر على الاشتراط.

وفيه ، أنّ هذا موقوف على ثبوت كون اللفظ اسما لمجرّد الخالي عن قيد الصحّة ، أمّا على القول بأنّه اسم للصحيحة ، أو التوقّف بينهما فلا ، بل القاعدة

__________________

٦٣٤ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٤ الحديث ٤٢١٥.

(١) في (د ١) : أو.

١٨٧

تقتضي الإعادة ، وكذا غير القاعدة من الاصول السابقة.

مع أنّ الجهل بالنجاسة إذا كان في مجموع أجزاء الصلاة وتمامها وقاطبتها غير مضرّ ، والجاهل كذلك معذورا ، ففي جزء منها ، أو بعض أجزائها بطريق أولى ، وقد عرفت أنّ العالم في الأثناء يعيد البتّة.

فكذا العالم بعدها بطريق أولى ، لأنّ الجهل بالنجاسة إذا كان مضرّا بالنسبة إلى جزء الصلاة ، فبالنسبة إلى الكلّ ومجموع الأجزاء بطريق أولى ، وهذا واضح ، ولذا استدلّ الشيخ في «النهاية» و «المبسوط» على وجوب الإعادة على العالم بعد الفراغ ، بوجوب الإعادة على العالم في الأثناء (١) كما مرّ.

لكنّ الأقوى عدم الإعادة على العالم بعد الفراغ ، للأدلّة المذكورة ، فالقياس بطريق أولى ليس بمكانه.

وممّا ذكر ظهر التأمّل فيما اختاره غير واحد من المحقّقين من كون حكم الجهل بالنجاسة في بعض أجزاء الصلاة متفرّعا على حكم الجهل بها في كلّ الصلاة ومجموع أجزائها.

فإذا لم تجب الإعادة في الثاني وتكون الصلاة صحيحة ، والنجاسة المجهولة غير مضرّة ، فعدم الخطاب في الأوّل بطريق أولى.

وكذا كون ذلك البعض صحيحا ، والنجاسة المجهولة غير مضرّة ، لكن على هذا لا يحكم بوجوب الإعادة في الأوّل على تقدير اختيار وجوبها في الثاني.

ومن يحكم بهذا أيضا لو كان ، فنظره إلى أنّ الجهل بها لو كان عذرا وغير مضرّ ، فمن حيث كونه جهلا لا تقصير فيه ، وهذا مشترك بين الحكمين. أو لأنّ (٢)

__________________

(١) نقل عنه في منتهى المطلب : ٣ / ٣١١ ، لاحظ! مدارك الأحكام : ٢ / ٣٥٠.

(٢) في (د ٢) : ولأن.

١٨٨

الأصل عدم اشتراط الطهارة ، إلّا في صورة ثبت من الدليل فيها ، ولم يثبت في صورة الجهل بها مطلقا.

وفيه ما عرفته من الثبوت في المقام ، وفي مسألة العالم بها في أثناء الصلاة.

واستدلّ الشيخ في «المبسوط» و «النهاية» على ما اختاره من وجوب الإعادة في الوقت ، بأنّه إذا علم بالنجاسة في الأثناء ، يجب عليه الإعادة ، وكذا بعدها في الوقت ، وفي «النهاية» بالاحتياط أيضا ، وبرواية وهب بن عبد ربّه عن الصادق عليه‌السلام : في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه فيصلّي فيه ثمّ يعلم بعد قال : «يعيد (١) إذا لم يكن علم» (٢).

ورواية أبي بصير عنه عليه‌السلام : عن رجل صلّى وفي ثوبه بول أو جنابة ، فقال : «علم بها أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم» (٣).

والجواب عن الأوّل مرّ مفصّلا ، وعن الاحتياط يعني الواجبي ، وهو توقّف حصول البراءة اليقينيّة عليه ، أنّ الدليل الاجتهادي يحصل منه البراءة اليقينيّة ، وقد عرفته.

وعن الروايتين فبأنّهما مع ضعفهما لا يعارضان الأخبار الكثيرة الصحيحة المعتبرة والمشتهرة المعاضدة.

مع أنّ ظاهرهما وجوب الإعادة في خارج الوقت أيضا ، وهو مع أنّه مخالف للإجماع والأخبار ، لا يرضى به الشيخ أيضا.

__________________

(١) في تهذيب الأحكام والاستبصار : لا يعيد ، وما هنا موافق لما في وسائل الشيعة :

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٠ الحديث ١٤٩١ ، الاستبصار : ١ / ١٨١ الحديث ٦٣٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٦ الحديث ٤٢٢١.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٢ الحديث ٧٩٢ ، الاستبصار : ١ / ١٨٢ الحديث ٦٣٩ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٦ الحديث ٤٢٢٢ مع اختلاف يسير.

١٨٩

وفي «الذكرى» ـ بعد نقل صحيحة ابن مسلم المتقدّمة المتضمّنة لقوله عليه‌السلام : «وإن أنت نظرت في ثوبك» (١). إلى آخره ـ ولو قيل : لا إعادة على من اجتهد قبل الصلاة أمكن لهذا الخبر ، ولقول الصادق عليه‌السلام : في المني تغسله الجارية ثمّ يوجد : «أعد صلاتك ، أمّا لو كنت غسلت أنت لم يكن عليك شي‌ء» (٢) ، إن لم يكن إحداث قول ثالث (٣) ، انتهى.

وقال في «الدروس» ـ بعد نقل القول بالإعادة في الوقت ـ : وحملناه في «الذكرى» على من لم يستبرء بدنه وثوبه عن المظنّة للرواية (٤) ، انتهى.

والظاهر أنّ هذا القول ليس قولا محدثا ، بل الظاهر من المفيد أيضا القول به ، حيث قال : من صلّى في الثوب وظنّ أنّه طاهر ، ثمّ عرف بعد ذلك أنّه كان نجسا ففرّط في صلاته من غير تأمّل له أعاد الصلاة (٥).

والشيخ استدلّ له برواية منصور الصيقل عن الصادق عليه‌السلام : عن رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل وصلّى فلمّا أصبح نظر فإذا في ثوبه جنابة ، فقال : «الحمد لله الذي لم يدع شيئا إلّا وقد جعل له حدّا ، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئا فلا إعادة عليه ، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الإعادة» (٦).

قيل : الظاهر من الشيخ موافقته مع المفيد من جهة استدلاله له (٧) ، وفيه

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٤ الحديث ٤٠٥٥.

(٢) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٨ الحديث ٤٠٦٧ مع اختلاف يسير.

(٣) ذكرى الشيعة : ١٤١.

(٤) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٢٧.

(٥) المقنعة : ١٤٩.

(٦) الكافي : ٣ / ٤٠٦ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٠٢ الحديث ٧٩١ ، الاستبصار : ١ / ١٨٢ الحديث ٦٤٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٨ الحديث ٤٢٢٦ مع اختلاف يسير.

(٧) قاله البحراني في الحدائق الناضرة : ٥ / ٤١٥.

١٩٠

تأمّل ، بل قال بعض المحقّقين : إنّ مذهب الشيخ لا يظهر من كتابيه (١).

نعم ؛ روى في «الفقيه» مرسلا في المني أنّه : «إن كان الرجل حين قام نظر وطلب ولم يجد شيئا فلا شي‌ء عليه ، وإن كان لم ينظر ولم يطلب فعليه أن يغسله ويعيد صلاته» (٢) ، فربّما يظهر منه موافقته مع المفيد.

فظهر عدم كونه قولا محدثا ، فيمكن المصير إليه ، لكنّ الأخبار الكثيرة غاية الكثرة الموصوفة بالصفات المذكورة ، تمنع منه لإطلاقها ، مع تأمّل فيه ، لعدم تبادر صورة حصول الظنّ بالنجاسة ، وعدم الاجتهاد.

نعم ؛ يدلّ عليه موثّقة عمّار : «كلّ شي‌ء نظيف حتّى تعلم أنّه قذر» (٣).

وما ورد من قولهم عليهم‌السلام : «لا تنقض اليقين إلّا باليقين» (٤) ، ولو كان مراده من المظنّة التهمة ، يمكن شمول إطلاقها ، فتأمّل!

ولا يمكن تقييدها لفقدان شرط من التقاوم وأمثاله.

وبالجملة ؛ الأقوى المذهب المشهور ، والاحتياط مع الشهيد وموافقيه ، بل الأحوط مع الشيخ للتفصّي عن الخلاف.

__________________

(١) لم نعثر عليه.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٢ الحديث ١٦٧ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٧٨ الحديث ٤٢٢٧ مع اختلاف يسير.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٨٤ الحديث ٨٣٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٦٧ الحديث ٤١٩٥.

(٤) تهذيب الأحكام : ١ / ٨ الحديث ١١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٢٤٥ الحديث ٦٣١ نقل بالمضمون.

١٩١
١٩٢

١٢١ ـ مفتاح

[النجاسة المعفو عنها في الصلاة]

النجاسة المعفو عنها في الصلاة : منها دم القروح والجروح التي لا ترقى ، سواء قلّ أو كثر ، في إزالته مشقّة أم لا ، للمعتبرة (١) ، وقيل : مع المشقّة خاصّة (٢) ، وهو شاذ ، ويستحب غسل الثوب منه في كلّ يوم مرّة ، للخبر (٣).

ومنها ؛ ما دون الدرهم من الدم ، للإجماع والصحاح (٤) ويستثنى منه في المشهور دم الحيض ، للخبر (٥) ، وألحق به الشيخ دم الاستحاضة والنفاس (٦) ، والراوندي دم نجس العين (٧) ، والنصوص وإن اختصّت بالثوب إلّا أنّهم أجروها إلى البدن (٨).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٣ الباب ٢٢ من أبواب النجاسات.

(٢) شرائع الإسلام : ١ / ٥٣ ، تذكرة الفقهاء : ١ / ٧٣ المسألة ٢٣.

(٣) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٣ الحديث ٤٠٨٢.

(٤) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٩ الباب ٢٠ من أبواب النجاسات.

(٥) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٢ الحديث ٤٠٧٩.

(٦) النهاية للشيخ الطوسي : ٥١ ، المبسوط : ١ / ٣٥.

(٧) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٧٦.

(٨) نقل عنه في منتهى المطلب : ٣ / ٢٥٥ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣١٦ و ٣١٧.

١٩٣

ولو كان متفرّقا ، ففي اعتبار الدرهم في كلّ واحد ، أو المجموع ، أو التفصيل بالتفاحش ، ثلاثة أقوال (١).

ومنها ؛ نجاسة ما لا يتمّ الصلاة فيه منفردا ، أيّة نجاسة كانت بلا خلاف ، للنصوص المستفيضة (٢) ، واعتبر العلّامة كونها في محالّها (٣) ، وحصره الراوندي في خمسة : القلنسوة ، والتكّة ، والخفّ ، والجورب ، والنعل (٤) ، وخصّه الحلّي بالملابس (٥).

وفيه ؛ أنّه لا دليل على وجوب إزالة النجاسة عن غير الملابس والبدن للصلاة.

وأمّا وجوب إبدال قطنة المستحاضة لكلّ صلاة ـ كما هو المشهور ـ فلم نجد عليه دليلا ، بل الروايات في مقام البيان خالية عنه ، فإن كان إجماعا ؛ وإلّا فللتوقّف فيه مجال.

ومنها ؛ نجاسة ثوب المربّية للصبي إذا غسلته كلّ يوم مرّة ، وليس لها غيره على المشهور ، للخبر (٦). وفيه ضعف ، فالأولى الإزالة مع الإمكان إلّا مع المشقّة الشديدة دفعا للحرج ، ولا عفو في غير المذكورات.

__________________

(١) لاحظ! مدارك الأحكام : ٢ / ٣١٨.

(٢) لاحظ! وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٥ الباب ٣١ من أبواب النجاسات.

(٣) تحرير الأحكام : ١ / ٢٤ ، منتهى المطلب : ٣ / ٢٦٠.

(٤) نقل عنه في مختلف الشيعة : ١ / ٤٨٤.

(٥) السرائر : ١ / ١٨٤.

(٦) وسائل الشيعة : ٣ / ٣٩٩ الحديث ٣٩٧١.

١٩٤

قوله : (للمعتبرة).

هي صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : في الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلّي؟ قال : «يصلّي وإن كانت الدماء تسيل» (١).

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم والقيح فيصيب ثوبي ، فقال : «دعه ولا يضرّك أن لا تغسله» (٢).

وصحيحة ليث المرادي قال : قلت له عليه‌السلام : الرجل تكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوّة دما وقيحا ، فقال : «يصلّي في ثيابه ولا يغسلها ولا شي‌ء عليه» (٣).

وصحيحة أبي بصير ـ على الأصحّ ـ قال : دخلت على أبي جعفر عليه‌السلام وهو يصلّي ، فقال لي قائدي : إنّ في ثوبه دما ، فلمّا انصرف قلت له : إنّ قائدي أخبرني أنّ في ثوبك دما ، فقال : «إنّ بي دماميل وليست أغسل ثوبي حتّى تبرأ» (٤).

ورواية سماعة بن مهران ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسل حتّى يبرأ وينقطع الدم» (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٦ الحديث ٧٤٤ ، الاستبصار : ١ / ١٧٧ الحديث ٦١٥ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٤ الحديث ٤٠٨٤ مع اختلاف يسير.

(٢) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٩ الحديث ٧٥١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٥ الحديث ٤٠٨٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٨ الحديث ٧٥٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٤ الحديث ٤٠٨٥ مع اختلاف يسير.

(٤) الكافي : ٣ / ٥٨ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٨ الحديث ٧٤٧ ، الاستبصار : ١ / ١٧٧ الحديث ٦١٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٣ الحديث ٤٠٨١ مع اختلاف يسير.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٩ الحديث ٧٥٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٥ الحديث ٤٠٨٧ مع اختلاف يسير.

١٩٥

وموثّقة عمّار عنه عليه‌السلام : عن الدمل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة ، قال «يمسحه ويمسح يده بالحائط [أو بالأرض] ولا يقطع الصلاة» (١).

وما رواه ابن إدريس في «مستطرفات السرائر» نقلا عن كتاب البزنطي عن عبد الله بن عجلان ، عن الباقر عليه‌السلام : عن الرجل [يخرج] به القرح لا يزال يدمي كيف يصنع؟ قال : «يصلّي وإن كانت الدماء تسيل» (٢). إلى غير ذلك من الأخبار.

ولا يخفى أنّ هذا كونه معفوّا عنه في الثوب والبدن اتّفاقي ، ولا نعرف فيه خلافا بين الأصحاب ، لكن في تعيين الحدّ منه خلاف بينهم.

منهم من ذهب إلى العفو عنه إلى أن يبرأ مطلقا ، أعم من أن يكون في إزالته مشقّة أم لا ، وأن يكون له فترة تسع بقدر الصلاة أم لا ، وهذا هو اختيار الشهيد الثاني ، والشيخ علي ، وجماعة من المتأخّرين (٣) ، بل كلّ من استثنى هذا الدم ، أو حكم بالعفو عنه مطلقا من غير قيد ، فالظاهر أنّه المشهور بين الأصحاب.

ومنهم الصدوق رحمه‌الله أيضا حيث قال : وإن كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه ، فلا بأس بأن لا يغسله ، حتّى يبرأ أو ينقطع الدم (٤) ، انتهى.

ولعلّ قوله : بالجرح ، على سبيل التمثيل ، لا أن يكون مراده التخصيص بالجرح ، كما قاله صاحب «المدارك» و «الذخيرة» (٥).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٣٤٩ الحديث ١٠٢٨ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٥ الحديث ٤٠٨٨.

(٢) مستطرفات السرائر : ٣٠ الحديث ٢٣ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٤ الحديث ٤٠٨٤ مع اختلاف يسير.

(٣) مسالك الأفهام : ١ / ١٢٤ ، روض الجنان : ١٦٥ ، جامع المقاصد : ١ / ١٧١ ، مدارك الأحكام : ٢ / ٣٠٨ ، مجمع الفائدة والبرهان : ١ / ٣٢٨.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٣ ذيل الحديث ١٦٧.

(٥) مدارك الأحكام : ٢ / ٣٠٩ ، ذخيرة المعاد : ١٥٧.

١٩٦

ومنهم من اعتبر الدم دائما ، وهو المنقول عن العلّامة في بعض كتبه (١) ، والشهيد فيما عدا «الذكرى» (٢) ، وعن ظاهر الشيخ في «الخلاف» (٣).

ومنهم من اعتبر السيلان في جميع الوقت لو تعاقب الجريان على وجه لا يتّسع فتراتها لأداء الفريضة ، وهو خيرة المحقّق في «المعتبر» ، والشهيد في «الذكرى» (٤).

ومنهم من اعتبر بحصول المشقّة في الإزالة ، وهو المنقول عن ظاهر ابن زهرة (٥) ، والمحقّق في «الشرائع» ، والعلّامة في «القواعد» و «النهاية» (٦).

ومنهم من جمع بينه وبين عدم وقوف جريانها ، وهو المنقول عن ابن إدريس ، والعلّامة في «المنتهى» و «التحرير» (٧).

واستشكل في «النهاية» في وجوب إزالة البعض إذا لم يشقّ ، وجعل فيها وفي «المنتهى» إبدال الثوب واجبا مع الإمكان ، مستدلّا بانتفاء المشقّة ، فينتفي الترخيص لانتفاء المعلول عند انتفاء علّته (٨).

وهو مخالف للإجماع الذي نقله الشيخ في «الخلاف» (٩) ، ولاطلاقات

__________________

(١) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ١٥٧ ، لاحظ! منتهى المطلب : ٣ / ٢٤٥ و ٢٤٧.

(٢) البيان : ٩٥ ، اللمعة الدمشقيّة : ١٦ ، الدروس الشرعية : ١ / ١٢٦.

(٣) الخلاف : ١ / ٢٥٢ المسألة ٢٢٥.

(٤) المعتبر : ١ / ٤٢٩ ، ذكرى الشيعة : ١ / ١٣٧.

(٥) نقل عنه في ذخيرة المعاد : ١٥٧ ، لاحظ! غنية النزوع : ٤١.

(٦) شرائع الإسلام : ١ / ٥٣ ، قواعد الأحكام : ١ / ٨ ، نهاية الإحكام : ١ / ٢٨٥.

(٧) نقل عنهم في ذخيرة المعاد : ١٥٧ ، لاحظ! السرائر : ١ / ١٧٧ ، منتهى المطلب : ٣ / ٢٤٧ ، تحرير الأحكام : ١ / ٢٤.

(٨) نهاية الإحكام : ١ / ٢٨٥ و ٢٨٦ ، منتهى المطلب : ٣ / ٢٤٨.

(٩) الخلاف : ١ / ٢٥٢ المسألة ٢٢٥.

١٩٧

الأخبار المذكورة ، بل قوله عليه‌السلام في صحيحة ليث : «يصلّي في ثيابه ولا يغسلها ولا شي‌ء عليه» (١) ربّما كان صريحا فيما قلنا.

وأورد عليه في «المعالم» بأنّه مع وجوب إزالة البعض إذا لم يشقّ ، ووجوب إبدال الثوب إذا أمكن ، لا يبقى لهذا الدم خصوصيّة ، فإنّ إيجاب إزالة البعض مع عدم المشقّة يقتضي وجوب التحفّظ من كثرة التعدّي أيضا مع الإمكان كما لا يخفى ، واغتفار ما دون ذلك ثابت في مطلق الدم ، بل في مطلق النجاسات.

وظاهر جماعة من الأصحاب أنّ الخصوصيّة هنا ثابتة عند الكلّ ، وإن اختلفوا في مقدارها (٢) ، انتهى ، وهو جيّد.

بل لا تأمّل في ثبوت الخصوصيّة بالإجماع لو لم نقل بالضرورة ، فالظاهر أنّ ما صدر منه هنا مجرّد غفلة ، وعن الشيخ في «النهاية» وغيرها الحكم بعدم وجوب إزالة دم القروح الدامية والجروح اللازمة قلّ أو كثر (٣).

والظاهر منه موافقته مع المشهور ، وقد اتّفق للعلّامة في «الإرشاد» التعبير هنا بعبارة الشيخ حيث قال : وعفي في الثوب والبدن عن دم القروح والجروح اللازمة (٤).

وحمل الشهيد الثاني في «روض الجنان» كلامه على أنّ المراد بالوصف باللازمة استمرار الخروج ، معلّلا بعدم إظهاره بإطلاق العفو في شي‌ء من كتبه مذهبا له ، بل في بعضه اشتراطه بحصول المشقّة ، وفي بعضه بسيلان الدم ، وفي بعضه

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٨ الحديث ٧٥٠ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٤ الحديث ٤٠٨٥.

(٢) معالم الدين في الفقه : ٢ / ٥٩٠.

(٣) النهاية للشيخ الطوسي : ٥١ ، المبسوط : ١ / ٣٥ ، الخلاف : ١ / ٢٥٢ المسألة ٢٢٥ و ٤٧٦ المسألة ٢٢٠.

(٤) إرشاد الأذهان : ١ / ٢٣٩.

١٩٨

جمع بينهما (١).

والمحقّق الشيخ علي فسّر كلامه بالتي لم تبرأ (٢) ، واعترضه في «روض الجنان» بأنّه ليس مذهبا للمصنّف حتّى يفسّر كلامه به (٣).

وفيه أنّ عدم إظهاره (٤) في غير الكتاب المذكور ، لا يوجب أن لا يكون هذا مذهبا له في هذا الكتاب أيضا.

بل الظاهر من الوصف باللازمة ، كون الجرح باقيا غير مندمل ، فيكون هو أيضا في الكتاب المذكور وافق المشهور ، فتأمّل جدّا.

وغير خفي أنّ الأخبار المذكورة تدلّ على المشهور لإطلاقها ، وليس لها أفراد شائعة حتّى تنصرف إليها.

مع أنّ ترك الاستفصال في مقام جواب السؤال مع قيام الاحتمال يفيد العموم ، فضلا عن الظهور ، فضلا عن الصراحة في بعضها ، مثل رواية سماعة (٥) ورواية أبي بصير (٦).

نعم ؛ ربّما يظهر من قوله فيها : «فلا تزال تدمي» (٧) أنّ الحكم بالعفو معلّق باستمرار الجريان.

لكن لا يخفى أنّ القيد في كلام السائل ، ومع ذلك لا نسلّم أنّ معنى قوله : «لا

__________________

(١) روض الجنان : ١٦٥.

(٢) جامع المقاصد : ١ / ١٧١.

(٣) روض الجنان : ١٦٥.

(٤) في (د ٢) زيادة : بإطلاق العفو.

(٥) تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٩ الحديث ٧٥٢ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٥ الحديث ٤٠٨٧.

(٦) الكافي : ٣ / ٥٨ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ١ / ٢٥٨ الحديث ٧٤٧ ، الاستبصار : ١ / ١٧٧ الحديث ٦١٦ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٣ الحديث ٤٠٨١.

(٧) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٤ الحديث ٤٠٨٤.

١٩٩

تزال تدمي» أنّ جريانها متّصل لا انقطاع فيه أصلا ، بل معناه تكرّر الخروج ، وإن كان دفعة بعد دفعة ، إذ هو الظاهر من صيغة المضارع ، لأنّها تفيد الاستمرار التجدّدي لغة وعرفا ، وربّما يشير إليه قوله عليه‌السلام : «وإن كانت الدماء تسيل» (١) فتأمّل!

هذا ؛ مضافا إلى أنّ المحقّق الشيخ علي نقل عن الشيخ أنّه نقل الإجماع على عدم وجوب عصب الجرح وتقليل الدم ، بل يصلّي كيف كان وإن سال إلى أن يبرء ، قال : وهذا بخلاف المستحاضة والسلس والمبطون ، إذ يجب عليهم الاحتياط في منع النجاسة وتقليلها بحسب الإمكان (٢) ، انتهى.

فظهر أنّ الأقوال الاخر ليست بشي‌ء ، وكلّ واحد منها تخصيص للأدلّة من غير دليل.

واعلم! أنّه لو أصاب هذا الدم مائع طاهر كالعرق وأمثاله ، فاستقرب في «المنتهى» عدم العفو اقتصارا على مورد النصّ أي الدم (٣) ، وفي «المدارك» الأظهر سريان العفو إليه لإطلاق النصّ (٤).

لا يقال : إنّ الإطلاق ينصرف إلى الفرد الغالب ، وشموله لما نحن فيه غير معلوم.

لأنّا نقول : كون هذا الدم مع أحد الامور الخارجة ، أمّا العرق في البلاد الحارّة في أغلب الأوقات والأحوال ، مثل الحركات الموجبة للعرق ، سيّما في الأسفار ، ومن الكدّ والتعب ، واللحاف والكرسي المعمولين في البلاد الباردة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٣ / ٤٣٤ الحديث ٤٠٨٤.

(٢) نقل عنه في رسائل المحقق الكركي : ٣ / ٢٣٢ ، لاحظ! الخلاف : ١ / ٢٥٢ المسألة ٢٢٥ و ٤٧٦ المسألة ٢٢٠.

(٣) منتهى المطلب : ٣ / ٢٥٦ مع اختلاف يسير.

(٤) مدارك الأحكام : ٢ / ٣١٠.

٢٠٠