مصابيح الظلام - ج ٦

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٦

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-6-X
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥١

ويؤيّدها موثّقة ابن بكير ـ كالصحيح ـ عن الصادق عليه‌السلام : عن الشاذكونة يصيبها الاحتلام أيصلّى عليها؟ قال : «لا» (١).

ويمكن الجواب بأنّ هذه الأخبار معارضة بما مرّ ممّا هو أكثر صحاحا ، وأوضح دلالة ، ومشتهر بين الأصحاب.

ويمكن الجمع بحمل هذه الأخبار على إرادة موضع الجبهة ، وتلك على غيره ، والله يعلم ، لكنّ الأحوط مراعاتها للخروج عن الشبهة ، بل الأحوط اعتبار الطهارة مطلقا لذلك.

ثمّ اعلم! أنّه هل المنع عن الصلاة مع التعدّي مخصوص بكون النجاسة غير معفوّ عنها أم لا؟ الشهيدان في «الذكرى» و «المسالك» ، وصاحب «المدارك» على الأوّل (٢) ، محتجّين بعدم المنع عن العفو ، وبأنّه لا يزيد على ما هو على المصلّي.

والعلّامة في «القواعد» ـ على ما نقل ابنه عنه ـ على الثاني ، بل ادّعى الإجماع عليه ، حيث قال : الإجماع منّا واقع على اشتراط خلوّ المكان من نجاسة متعدّية ، وإن كانت معفوّا عنها في الثوب والبدن (٣) ، انتهى ، وهو الأحوط ، بل الأقوى أيضا للإجماع المنقول.

__________________

الشيعة : ٣ / ٥٢٧ الحديث ٤٣٦٦ مع اختلاف يسير.

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٦٩ الحديث ١٥٣٦ ، الاستبصار : ١ / ٣٩٣ الحديث ١٥٠١ ، وسائل الشيعة : ٣ / ٤٥٥ الحديث ٤١٥٨.

(٢) ذكرى الشيعة : ٣ / ٨٠ ، مسالك الأفهام : ١ / ١٧٤ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٢٢٦ و ٢٢٧.

(٣) إيضاح الفوائد ١ / ٩٠.

٢١
٢٢

١١٤ ـ مفتاح

[استحباب الصلاة في المساجد]

يستحب للرجل أن يصلّي المكتوبة في المسجد ، إلّا العيدين بغير مكّة ، كما مرّ ، استحبابا مؤكّدا ، بالإجماع والنصوص المستفيضة (١).

ويتأكّد في المسجدين ، فإنّ الركعة فيهما تعدل ألفا في غيرهما ، كما في الصحيح ، وفيه : «من صلّى في المسجد الحرام صلاة مكتوبة قبل الله تعالى منه كلّ صلاة صلّاها منذ يوم وجبت عليه الصلاة ، وكلّ صلاة يصلّيها إلى أن يموت» (٢).

وكذا مسجد الكوفة ، فإنّ الفريضة فيه تعدل حجّة والنافلة عمرة (٣).

وورد : «إنّ الصلاة في بيت المقدس تعدل ألف صلاة ، وفي المسجد الجامع تعدل مائة ، وفي مسجد القبيلة خمسا وعشرين ، وفي مسجد السوق اثنتا عشرة ، وفي المنزل واحدة» (٤).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ١٩٣ و ١٩٤ الباب ١ و ٢ من أبواب أحكام المساجد.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٧٠ الحديث ٦٥١٦ و ٦٥١٧.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٦١ الحديث ٦٤٩٥ ، ٢٨٩ الحديث ٦٥٧٢.

(٤) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٨٩ الحديث ٦٥٧٣ نقل بالمعنى.

٢٣

وأمّا النوافل ؛ فإن أمن على نفسه الرياء ورجا اقتداء الناس به ورغبتهم في الخير فكذلك ، وإلّا في المنزل أفضل ، لأنّها أقرب إلى الإخلاص ، وأبعد عن الوسواس ، وعليه يحمل الخبر (١).

وأمّا المرأة فصلاتها في بيتها أفضل منها في صفّتها ، وفي صفّتها أفضل منها في صحن دارها ، وفي صحن دارها أفضل منها في سطح بيتها ، كذا في الخبر (٢).

وفي رواية : «خير مساجد نسائكم البيوت» (٣).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٩٦ الحديث ٦٥٨٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٤٤ الحديث ١٠٨٨ ، جامع احاديث الشيعة : ٤ / ٤٥٤ الحديث ١٤٣٦.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٣٧ الحديث ٦٤٣٢.

٢٤

قوله : (يستحب للرجل).

استحباب صلاة المكتوبة للرجال في المساجد من بديهيّات الدين.

والأخبار الواردة في فضل الصلاة فيها وذمّ هجرانها من غير علّة أكثر من أن تحصى.

منها : رواية علي بن الحكم عن رجل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «من مشى إلى المسجد لم يضع رجلا على رطب ولا يابس إلّا سبّحت له الأرض إلى الأرض السابعة» (١).

وروي : «أنّ في التوراة مكتوبا : إنّ بيوتي في الأرض المساجد فطوبى لعبد تطهّر في بيته ثمّ زارني في بيتي ، ألا أنّ على المزور كرامة الزائر ، ألا بشّر المشّائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة» (٢).

ورواه طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي عليهم‌السلام قال : «لا صلاة لمن لم يشهد الصلوات المكتوبات من جيران المسجد إذا كان فارغا صحيحا» (٣).

قوله : (إلّا العيدين). إلى آخره.

فإنّها يستحب الإصحار بها إلّا في مكّة ، فإنّها تفعل فيها ، ومضى تحقيقه في بحث صلاة العيدين (٤).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٥٢ الحديث ٧٠٢ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٥٥ الحديث ٧٠٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٠٠ الحديث ٦٣٢٦ مع اختلاف يسير.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٥٤ الحديث ٧٢١ ، وسائل الشيعة : ١ / ٣٨١ الحديث ١٠٠٧ و ١٠٠٨ مع اختلاف.

(٣) تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٦١ الحديث ٧٣٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٩٤ الحديث ٦٣١٢.

(٤) راجع! الصفحة : ٣٩٧ و ٣٩٨ (المجلّد الثاني) من هذا الكتاب.

٢٥

قوله : (ويتأكّد في المسجدين). إلى آخره.

روى الشيخ في «التهذيب» في باب المزار في الصحيح عن معاوية بن عمّار ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلّم : الصلاة في مسجدي كألف في غيره إلّا المسجد الحرام فإنّ الصلاة في المسجد الحرام تعدل ألف صلاة في مسجدي» (١).

والصحيح الذي ذكره المصنّف في المتن (٢).

قوله : (وكذا مسجد الكوفة). إلى آخره.

وعن نجم بن حطيم عن الباقر عليه‌السلام «لو يعلم الناس ما في مسجد الكوفة لأعدّوا له الزاد والرواحل من مكان بعيد ، إنّ صلاة فريضة فيه تعدل حجّة ، وصلاة نافلة تعدل عمرة» (٣).

وعن الأصبغ بن نباتة ، عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : «النافلة في هذا المسجد تعدل عمرة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والفريضة تعدل حجّة مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد صلّى فيه ألف نبي وألف وصي» (٤).

قوله : (وورد). إلى آخره.

رواها الصدوق في «الفقيه» عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (٥) ، وأمّا فضل الصلاة في سائر المساجد ، مثل مسجد السهلة ، وصعصعة ، وزيد ، وغيرهم ، فسيجي‌ء إن شاء الله تعالى في كتاب المزار.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٦ / ١٤ الحديث ٣٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٨٠ الحديث ٦٥٤٨.

(٢) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٤٧ الحديث ٦٨٠ ، وسائل الشيعة ، ٥ / ٢٧٠ الحديث ٦٥١٦.

(٣) تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٢ الحديث ٦٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٥٦ الحديث ٦٤٨٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ٦ / ٣٢ الحديث ٦١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٥٧ الحديث ٦٤٨١.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٥٢ الحديث ٧٠٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٨٩ الحديث ٦٥٧٣.

٢٦

قوله : (وأمّا النوافل). إلى آخره.

فقال العلّامة في «المنتهى» : ذهب علماؤنا إلى أنّ إيقاعها في المنزل أفضل لأنّ إيقاعها في حال الاستتار يكون أبلغ في الإخلاص ، كما في قوله تعالى (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (١).

وروى زيد بن ثابت قال : جاء رجال يصلّون بصلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج مغضبا ، فأمرهم أن يصلّوا النوافل في بيوتهم.

وروى زيد بن ثابت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلّا المكتوبة» (٢).

ولأنّ المقتضي للاستحباب فعل الفريضة في المسجد وهو الجماعة مفقود في النوافل ، فلا يكون فعلها فيه مستحبا خصوصا نافلة الليل (٣).

قال في «المدارك» : ورجّح جدّي قدس‌سره في بعض فوائده رجحان فعلها في المسجد أيضا كالفريضة ، وهو حسن ، خصوصا إذا أمن على نفسه الرياء ورجا اقتداء الناس به ، ورغبتهم في الخير (٤) ، ويدلّ عليه روايات كثيرة.

منها ما رواه الشيخ في الصحيح ، عن معاوية بن وهب ، عن الصادق عليه‌السلام : «إنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلّي الليل في المسجد» (٥).

وفي الصحيح عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه قال : قلت لأبي

__________________

(١) البقرة (٢) : ٢٧١.

(٢) مسند أحمد بن حنبل : ٦ / ٢٣٩ الحديث ٢١١١٤ ، صحيح البخاري : ١ / ٢٤٠ الحديث ٧٣١ ، صحيح مسلم : ١ / ٤٥٢ الحديث ٧٨١.

(٣) منتهى المطلب : ٤ / ٣١٠.

(٤) روض الجنان : ٢٣٤.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٣٤ الحديث ١٣٧٧ ، وسائل الشيعة : ٤ / ٢٦٩ الحديث ٥١٣١.

٢٧

عبد الله عليه‌السلام : إنّي لأكره الصلاة في مساجدهم ، فقال : «لا تكره فما من مسجد بني إلّا على أثر نبي قتل فأصاب تلك [البقعة] رشّة من دمه ، فأحبّ الله تعالى أن يذكر فيها ، فأدّ فيها الفريضة والنوافل واقض فيها ما فاتك» (١) (٢).

والجواب عن الأوّل : بأنّ صلاة الليل كانت واجبة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا حجّة فيها.

مع أنّ الفعل لا يعارض القول ، إذ لعلّه من جهة اقتداء الصحابة ، ونشر هذه الفضيلة بينهم.

مع أنّ الفعل من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو لا يتفاوت في الإخلاص ، سواء وقع مستترا وبين الناس.

وعن الثاني برفع منع الحظر ، كما توهّمه السائل ، فالأقوى ما قاله العلّامة : من عدم أفضليّتها في المسجد ، ولا يضرّ ضعف مستنده لا فلانجبارها بعمل الأصحاب.

وقوله : (خصوصا) (٣). إلى آخره ، في أنّ الكلام في رجحان فعل النافلة من حيث هو هو في المسجد ، مع قطع النظر عن الدواعي الخارجية ، مثل اقتداء الناس وترويج النافلة بين المكلّفين.

وربّما كان في البيوت موانع عنه ، أو دواعي على أولويّة فعلها في غيرها ، وأنّه ربّما كان لخصوص المسجد مدخلية.

مثل ما ورد في الأخبار من استحباب الصلاة نافلة كانت أو فريضة في

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٧٠ الحديث ١٤ ، تهذيب الأحكام : ٣ / ٢٥٨ الحديث ٧٢٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٢٥ الحديث ٦٣٩٦ مع اختلاف يسير.

(٢) مدارك الأحكام : ٤ / ٤٠٧.

(٣) منتهى المطلب : ٤ / ٣١٠.

٢٨

المسجدين ومسجد الكوفة ، وغيرها من الأمكنة الشريفة (١).

مع أنّه ربّما ورد خصوص نافلة في خصوص مسجد ، مثل صلاة الحاجة في مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢) وغير ذلك ، مثل الصلاة في مسجد الكوفة ومسجد صعصعة وغيرها (٣) ، كما ستعرف.

قوله : (وأمّا المرأة فصلاتها). إلى آخره.

وفي رواية اخرى عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في الدار» (٤).

ولا يعارضها تقرير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعل النساء في حضورهنّ المسجد والصلاة معه جماعة ، لأنّ التقرير لا يفيد الأفضلية.

مع أنّ التقرير لا يعارض القول ، إذ لعلّه لمصلحة وهي إدراك فضيلة جماعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي هي أفضل الفضائل ، مع حفظهنّ عن الأجانب.

__________________

(١) لاحظ! وسائل الشيعة : ٥ / ٢٥١ الباب ٤٤ و ٢٨٩ الباب ٦٤ من أبواب أحكام المساجد.

(٢) بحار الأنوار : ٨٨ / ٣٧٥ الحديث ٣٢.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٢٥١ الباب ٤٤ ، ٢٦٥ الباب ٤٨ و ٤٩ من أبواب أحكام المساجد ، ٨ / ١٣٤ الحديث ١٠٢٤١ ، لاحظ! بحار الأنوار : ٩٧ / ٤٤٦ الحديث ٢٣ و ٢٤.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٩ الحديث ١١٧٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٢٣٦ الحديث ٦٤٣١.

٢٩
٣٠

١١٥ ـ مفتاح

[استحباب اتّخاذ السترة للمصلّي]

يستحب للمصلّي اتّخاذ السترة ـ بالضمّ ـ ممّن يمرّ بين يديه ، بالإجماع والنصوص المستفيضة (١). ويتحقّق بالقرب من الحائط والسارية ونحو ذلك ، وبشي‌ء مرفوع من الأرض كالعنزة والرحل والقلنسوة والكومة من تراب ، وبخط يخطّه بين يديه ، كما في النصوص (٢).

وينبغي الدنوّ منها للخبر (٣) ، وقدّر بمربض الشاة (٤) ، للصحيح (٥) وغيره (٦).

وفي الحسن : «لا يقطع صلاة المسلم شي‌ء ولكن ادرأ ما استطعت» (٧) ، وحمل على استحباب الدفع بعد الاستتار (٨).

__________________

(١) انظر! وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٦ الباب ١٢ من أبواب مكان المصلّي.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٦ الباب ١٢ من أبواب مكان المصلّي.

(٣) مسند أحمد بن حنبل : ٤ / ٥٦٥ الحديث ١٥٦٥٩ ، سنن أبي داود : ١ / ١٨٥ الحديث ٦٩٥.

(٤) لاحظ! ذكرى الشيعة : ٣ / ١٠٣.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٧ الحديث ٦١٤٤.

(٦) مستدرك الوسائل : ٣ / ٣٣٦ الحديث ٣٧٢٤.

(٧) وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٤ الحديث ٦١٣٤.

(٨) لاحظ! ذكرى الشيعة : ٣ / ١٠٦ و ١٠٧.

٣١

ويكره المرور بين يدي المصلّي ، لما فيه من شغل قلبه وتعريضه للدفع ، وللخبر (١).

__________________

(١) سنن أبي داود : ١ / ١٨٦ الحديث ٧٠١ ، صحيح مسلم : ١ / ٣٠٤ الحديث ٢٦١.

٣٢

قوله : (يستحب للمصلّي). إلى آخره.

أقول : لا شبهة في وقوع الإجماع عليه ، بل نقله في «المنتهى» عن عامة أهل العلم (١).

ويدلّ على ذلك أيضا النصوص المستفيضة :

منها : صحيحة ابن وهب عن الصادق عليه‌السلام قال : «كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يجعل العنزة بين يديه إذا صلّى» (٢).

ومنها : رواية أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : «كان طول رحل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ذراعا وكان إذا صلّى وضعه بين يديه ويستتر به ممن يمرّ بين يديه» (٣).

ومنها : رواية غياث عن الصادق عليه‌السلام : «أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وضع قلنسوة وصلّى إليها» (٤).

ومنها : صحيحة [محمد بن] إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه‌السلام : في الرجل يصلّي ، قال : «يكون بين يديه كومة من تراب أو يخطّ بين يديه بخطّ» (٥). إلى غير

__________________

(١) منتهى المطلب : ٤ / ٣٣١.

(٢) الكافي : ٣ / ٢٩٦ الحديث ١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٢ الحديث ١٣١٦ ، الاستبصار : ١ / ٤٠٦ الحديث ١٥٤٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٦ الحديث ٦١٣٩.

(٣) الكافي : ٣ / ٢٩٦ الحديث ٢ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٢ الحديث ١٣١٧ ، الاستبصار : ١ / ٤٠٦ الحديث ١٥٤٩ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٦ الحديث ٦١٤٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٣ الحديث ١٣٢٠ ، الاستبصار : ١ / ٤٠٦ الحديث ١٥٥٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٧ الحديث ٦١٤٣.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٧٨ الحديث ١٥٧٤ ، الاستبصار : ١ / ٤٠٧ الحديث ١٥٥٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٧ الحديث ٦١٤١.

٣٣

ذلك من الأخبار الدالّة على استحبابه أيّ نحو يكون.

واعلم! أنّ هذه الأخبار تدلّ على تحقّقه بالعنزة وغيرها ممّا هو مختصّ بالاتخاذ.

وأمّا تحقّقه بالحائط والسارية فمستنده من الأخبار بالخصوص غير معلوم ، وأمّا الفتاوى فواضحة ، والإجماع متحقّق فيه أيضا.

ولعلّ الفقهاء فهموا من الأخبار التمثيل بالعنزة وغيرها ، كما يشهد عليه صحيحة أبي بصير عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا يقطع الصلاة شي‌ء ، [لا] كلب ولا حمار ولا امرأة لكن استتروا بشي‌ء ، فإن كان بين يديك قدر ذراع رافع من الأرض فقد استترت» (١) وغيرها ممّا سيذكره المصنّف.

ولا يخفى أنّ أكثر الأخبار مطلقة من دون ذكر المرور ، فلعلّه يحمل على المقيّد ، كما في رواية أبي بصير ، وصريح كلام الكليني ، ولا يضرّ ضعف السند في بعضها ، للمسامحة في أدلّة السنن.

واعلم! أنّه لا شبهة في كون مكّة ـ شرّفها الله تعالى ـ مثل غيرها في استحباب السترة للعمومات والإطلاقات ، إذا لم يكن مانع من الخارج ، كالازدحام وغيره ، للتضيّق على الناس ، لكن ربّما لا يمنع ذلك ، مثل الخط بين يديه.

قال في «التذكرة» : لا بأس أن يصلّى في مكّة بغير سترة ، لأنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى هناك ، وليس بينه وبين الطواف سترة ، لأنّ الناس يزدحمون هناك فلو منع المصلّي أن يجتاز بين يديه لضاق على الناس (٢).

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢٩٧ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٣ الحديث ١٣١٩ ، الاستبصار : ١ / ٤٠٦ الحديث ١٥٥١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٤ الحديث ٦١٣٦.

(٢) تذكرة الفقهاء : ٢ / ٤٢٠.

٣٤

وهو حسن لصحيحة معاوية بن عمّار أنّه قال للصادق عليه‌السلام : أقوم اصلّي بمكّة والمرأة بين يدي جالسة أو مارّة ، فقال : «لا بأس إنّما سمّيت بكّة لأنّه تبكّ فيها الرجال والنساء» (١) يعني يزدحمون فيها.

ولو كانت السترة مغصوبة ، فالصلاة صحيحة البتّة ، والمصلّي معاقب بهذا الغصب بلا شبهة.

وهل تحقّق استحباب السترة به أم لا؟ الأظهر الثاني ، لأنّ الحرام كيف يتقرّب به؟

وأمّا السترة بالمتنجّس فالظاهر تحقّق الاستحباب به للعموم ، وإن كان الأولى اختيار الطاهر ، بخلاف السترة بعين النجس ، لما يظهر من بعض الأخبار من منع الاستقبال به في الصلاة.

قوله : (وينبغي الدنوّ).

والظاهر أنّه اتّفاقي ، لأنّ كلّ ما دلّ على اتّخاذ السترة ظاهر في ذلك وللخبر ، وهو ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا صلّى أحدكم إلى السترة فليدن منها ، لا يقطع الشيطان عليه صلاته» (٢).

قوله : (وقدّر). إلى آخره.

المقدّر هو ابن الجنيد (٣) ، لصحيحة عبد الله بن سنان ، عن الصادق عليه‌السلام قال :

__________________

(١) المحاسن : ٢ / ٦٦ الحديث ١١٨٧ ، الكافي : ٤ / ٥٢٦ الحديث ٧ ، تهذيب الأحكام : ٥ / ٤٥١ الحديث ١٥٧٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٣ الحديث ٦١٣٣.

(٢) سنن أبي داود : ١ / ١٨٥ الحديث ٦٩٥ ، سنن النسائي : ٢ / ٦٢ ، بحار الأنوار : ٨٠ / ٣٠١.

(٣) نقل عنه في ذكرى الشيعة : ٣ / ١٠٣.

٣٥

«أقلّ ما يكون بينك وبين القبلة مربض عنز ، وأكثر ما يكون مربض فرس» (١) ولما روي عن سهل الساعدي قال : كان بين مصلّى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين الجدار مربض شاة (٢).

ويستحب دفع المارّة من غير أذيّة ، كما صرّح به بعض الفقهاء (٣) للحسن (٤) الذي ذكره المصنّف.

وروى ابن أبي يعفور (٥) ، والحلبي عن الصادق عليه‌السلام مثله (٦).

وروى الكليني عن محمّد بن مسلم قال : دخل أبو حنيفة على أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له : رأيت ابنك موسى عليه‌السلام يصلّي والناس يمرّون بين يديه [فلا ينهاهم وفيه ما فيه] ، فقال [أبو عبد الله عليه‌السلام] : «ادعوا لي [موسى ، فدعي]» فقال له : «[يا بنيّ! إنّ أبا حنيفة يذكر أنّك كنت تصلّي والناس يمرّون بين يديك فلم تنههم]»! «فقال (٧) نعم يا أبة! إنّ الذي كنت اصلّي له كان أقرب إليّ منهم ، يقول الله عزوجل : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (٨)» [قال :] فضمّه [أبو عبد الله عليه‌السلام] إلى نفسه ثمّ

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ٢٥٣ الحديث ١١٤٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٧ الحديث ٦١٤٤ مع اختلاف يسير.

(٢) صحيح مسلم : ١ / ٣٠٥ الحديث ٢٦٢.

(٣) ذكرى الشيعة : ٣ / ١٠٦.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٦٥ الحديث ١٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٣ الحديث ١٣٢٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٤ الحديث ٦١٣٤.

(٥) الكافي : ٣ / ٢٩٧ الحديث ٣ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٢ الحديث ١٣١٨ ، الاستبصار : ١ / ٤٠٦ الحديث ١٥٥٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٤ الحديث ٦١٣٥.

(٦) الكافي : ٣ / ٣٦٥ الحديث ١٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٣ الحديث ١٣٢٢ ، الاستبصار : ١ / ٤٠٦ الحديث ١٥٥٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٤ الحديث ٦١٣٤.

(٧) في وسائل الشيعة : يا أبت.

(٨) سورة ق (٥٠) : ١٦.

٣٦

قال : «بأبي أنت وأمّي يا مودّع الأسرار» (١).

فما في رواية أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فإن أبى فليقاتله فإنّما هو شيطان» (٢).

فعلى تقدير كونه حجّة محمول على تأكّد استحباب الدفع لما عرفت ، مضافا إلى الإجماع على عدم تحريم عدم الدفع ، مع أنّ تأكّد الاستحباب أيضا محلّ تأمّل ، لرواية ابن مسلم وغيرها.

وممّا ذكر ظهر أنّ الدفع لا بدّ أن يكون بغير شائبة أذيّة للمارّ ، لأنّ الأذيّة حرام بلا شبهة ، فكيف يرتكب للمستحب الذي استحبابه لا يخلو عن تأمّل لما عرفت؟ والأمر بالدفع ، لعلّه اتّقاء وخوفا على الشيعة من أن لا يرتكبوا فيعرفوا بالتشيّع ، فتأمّل جدّا.

والظاهر من الحسن (٣) وغيره ، أنّ استحباب الدفع أعمّ من أن يكون له سترة أم لا ـ كما لا يخفى ـ فالحمل على أنّه بعد الاستتار (٤) ليس بشي‌ء ، فتأمّل جدّا.

قوله : (وحمل). إلى آخره.

لا يخفى أنّ هذا الحمل لا يكون من جهة قوله عليه‌السلام : «ما استطعت» (٥) لأنّ معناه ادفع بالدفعات ، والاستتار يتحقّق بدفعة واحدة ، وهو ليس بشي‌ء ، لأنّ

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٢٩٧ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٥ الحديث ٦١٣٧.

(٢) سنن أبي داود : ١ / ١٨٥ الحديث ٦٩٧ ، صحيح مسلم : ١ / ٣٠٣ الحديث ٢٥٨ ذكرى الشيعة : ٣ / ١٠٦.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٦٥ الحديث ١٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٣٢٣ الحديث ١٣٢٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٤ الحديث ٦١٣٤.

(٤) لاحظ! ذكرى الشيعة : ٣ / ١٠٦ و ١٠٧ ، الحدائق الناضرة : ٧ / ٢٤٥.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ١٣٤ الحديث ٦١٣٤.

٣٧

الظاهر من الخبر الدفع قبل الاستتار ، بل الدفع بالاستتار ، كما فهمه المصنّف في «الوافي» (١) ، لكن يتّجه ذلك بعد القرب من السترة.

قوله : (ويكره). إلى آخره.

ظاهر الأصحاب ذلك ، والعلّة التي ذكرها وجيهة.

وأمّا الخبر فهو ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنّه لو يعلم المارّ بين يدي المصلّي ما ذا عليه ، لكان أن يقف أربعين ، خيرا له من أن يمرّ بين يديه» (٢). وشكّ الراوي بين اليوم أو الشهر أو السنة ، حرّمه بعض العامّة لذلك.

فيشكل الاعتماد على مثل هذا الخبر ، سيّما بملاحظة الأخبار الواردة في الأمر بترك العمل بما وافق العامّة من أخبار الأئمّة عليهم‌السلام ، فكيف إذا كان الخبر من العامّة موافقا لهم؟ وعلى تقدير العمل ، محمول على شدّة الكراهة ، لما عرفت.

__________________

(١) الوافي : ٧ / ٤٨٣.

(٢) سنن أبي داود : ١ / ١٨٦ الحديث ٧٠١ ، صحيح مسلم : ١ / ٣٠٤ الحديث ٢٦١.

٣٨

١١٦ ـ مفتاح

[ما يكره فيه الصلاة]

يكره لكلّ من الرجل والمرأة أن يصلّي إلى جانب الآخر ، أو تتقدّم المرأة ، إلّا مع الحائل أو بعد عشرة أذرع ، وحرّمه الشيخان وجماعة (١) ، والمستفاد من التوفيق بين الأخبار (٢) الكراهة ، على حسب تفاوت مراتبها في الشدّة والضعف ، بحسب مراتب البعد بينهما ، فأشدّها عدم الفصل ، ثمّ الشبر ، ثمّ الذراع ، وموضع الرحل ، إلى أكثر من عشرة أذرع ، أو تقدّم الرجل فتنتفي الكراهة رأسا.

ويكره أن يصلّي بين المقابر ، إلّا مع بعد عشرة أذرع من كلّ جانب ، كما في الموثّق (٣) ، سيّما إذا اتّخذ القبر قبلة ، كما في آخر (٤) ، إلّا عند قبر الإمام

__________________

(١) المقنعة : ١٥٢ ، المبسوط : ١ / ٨٦ ، النهاية للشيخ الطوسي : ١٠٠ ، الكافي في الفقه : ١٢٠ ، الوسيلة إلى نيل الفضيلة : ٨٩.

(٢) انظر! وسائل الشيعة : ٥ / ١٢٣ الباب ٥ ، ١٢٧ الباب ٦ من أبواب مكان المصلّي.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ١٥٩ الحديث ٦٢١٦.

(٤) وسائل الشيعة : ٥ / ١٥٩ الحديث ٦٢١٤.

٣٩

المعصوم عليه‌السلام فإنّه مستحب ، كما يستفاد من الأخبار (١) ، وأن يستدبر لقبره عليه‌السلام ، بل التقدّم على ضريحه المقدّس مطلقا ، كما في الصحيح (٢) ، بل لا يبعد تحريمه ، لظاهر النهي فيه.

وأن يصلّي المكتوبة في جوف الكعبة أو على سطحها ، وقيل بتحريم الأوّل (٣).

والصلاة في البيداء وذات الصلاصل وضجنان ، وهي مواضع في طريق مكّة. وفي وادي الشقرة وهي بادية من المدينة ، وفي جوادّ الطرق. وقيل بالتحريم (٤).

وفي معاطن الإبل ومرابض الخيل والبغال ، وقيل بتحريم الأخيرين (٥) ، وتزول الكراهة أو تخفّ بنضحها بالماء.

وفي الحمّام إلّا إذا كان المحلّ نظيفا. وقيل : مطلقا (٦).

وفي بيت فيه خمر ، وحرّمه الصدوق (٧) ، أو فيه مجوسي أو كلب أو تمثال أو إناء يبال فيه ، وفيما اتّخذ مبالا ، أو معدّا للغائط ، أو نزّ حائط قبلته من بالوعة ، وفي الطين ، والماء الجاري ، ومجرى المياه ، وقرى النمل ، وأرض السبخة

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ١٦٠ الباب ٢٦ من أبواب مكان المصلّي.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ١٦٠ الحديث ٦٢٢٠ و ٦٢٢١.

(٣) الخلاف : ١ / ٤٣٩ المسألة ١٨٦ ، المهذّب : ١ / ٧٦.

(٤) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٥٦ ذيل الحديث ٧٢٧ ، المقنعة : ١٥١.

(٥) الكافي في الفقه : ١٤١ ، انظر! مدارك الأحكام : ٣ / ٢٣٧.

(٦) شرائع : الإسلام : ١ / ٧٢.

(٧) المقنع : ٨١ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ٤٣ ذيل الحديث ١٦٧ ، ١٥٩ ذيل الحديث ٧٤٤.

٤٠