مصابيح الظلام - ج ٦

محمّد باقر الوحيد البهبهاني

مصابيح الظلام - ج ٦

المؤلف:

محمّد باقر الوحيد البهبهاني


المحقق: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة العلامة المجدّد الوحيد البهبهاني
الطبعة: ١
ISBN: 964-94422-6-X
ISBN الدورة:
964-94422-0-0

الصفحات: ٥٥١

وصحيحة زرارة عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «تؤذّن وأنت على غير وضوء وفي ثوب واحد قائما أو قاعدا وأينما توجّهت ، ولكن إذا أقمت فعلى وضوء متهيئا للصلاة» (١).

ومعتبرة البزنطي عن أبي الحسن عليه‌السلام قال : «يؤذّن الرجل وهو جالس ، ويؤذّن وهو راكب ، ولا تقيم إلّا وأنت على الأرض» (٢).

ورواها في «الفقيه» عنه عليه‌السلام (٣) إلى غير ذلك ممّا مرّ وسيجي‌ء.

ويؤيّده مثل رواية أبي هارون المكفوف عن الصادق عليه‌السلام أنّ «الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلّم ولا توم بيدك» (٤).

ورواية سليمان بن صالح عنه عليه‌السلام أنّه قال : «لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش ولا راكب ولا مضطجع إلّا أن يكون مريضا وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة ، فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة» (٥). إلى غير ذلك.

فإنّ هذه الأخبار مع كثرتها ، لم يقع في شي‌ء منها إشارة إلى جواز الترك اختيارا.

فما في «الذخيرة» ، من أنّ غاية ما يستفاد من الأخبار رجحان الطهارة

__________________

١١١٩ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٢ الحديث ٦٩٢٧.

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٣ الحديث ٨٦٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠١ الحديث ٦٩٢٢.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٠٥ الحديث ١٦ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٦ الحديث ١٩٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٢ الحديث ٦٩٢٧ مع اختلاف يسير.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٣ الحديث ٨٦٧.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٠٥ الحديث ٢٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٤ الحديث ١٨٥ ، الاستبصار : ١ / ٣٠١ الحديث ١١١١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٦ الحديث ٦٩٠٤.

(٥) الكافي : ٣ / ٣٠٦ الحديث ٢١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٦ الحديث ١٩٧ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٤ الحديث ٦٩٣٣.

٥٢١

وتأكّدها في الإقامة (١) ، فيه ما فيه.

وكذا في قوله : أنّ استحباب القيام في الإقامة آكد (٢) ، للصحاح والمعتبرة التي ذكرناها مع غاية شدّة المنع الظاهر من كثرة المناهي المتوافقة المتظافرة.

وكذا في قوله : ويؤيّد كون ذلك على جهة الاستحباب ، ما رواه الشيخ عن السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه عليهم‌السلام ، عن علي عليه‌السلام : «أنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا دخل المسجد وبلال يقيم الصلاة جلس» (٣) (٤).

إذ لا شكّ في أنّ الإمام والمأمومين كلّهم جالسون عند إتيان مقيمهم بالإقامة ، ويقومون عند ما قال : «قد قامت الصلاة» ، كما سيجي‌ء.

وبالجملة ؛ الظاهر من الأخبار الكثيرة الوجوب للإقامة ، كما أفتى به الجماعة المذكورون.

فما في «شرح اللمعة» من أنّ الطهارة ليست شرطا فيهما عندنا (٥) ، لو كان مراده ما يخالف ما ذكر ، ففيه ما فيه.

وعن «الذكرى» : أنّه لو أقام ماشيا إلى الصلاة فلا بأس (٦).

ومستنده رواية يونس الشيباني عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : قلت له : اؤذّن وأنا راكب؟ فقال : «نعم» ، قلت : اقيم وأنا راكب؟ قال : «لا» قلت : اقيم وأنا ماش؟ فقال : «نعم ، ماش إلى الصلاة». ثمّ قال : «إذا أقمت الصلاة فأقم مترسّلا فإنّك في الصلاة» ، قال : فقلت : قد سألتك اقيم وأنا ماش؟ فقلت : نعم ، أفيجوز أن

__________________

(١) ذخيرة المعاد : ٢٥٥.

(٢) ذخيرة المعاد : ٢٥٥.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٨١ الحديث ١١١٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٣٨ الحديث ٧٠٢٦.

(٤) ذخيرة المعاد : ٢٥٥.

(٥) الروضة البهيّة : ١ / ٢٥٠.

(٦) ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٠٧.

٥٢٢

أمشي في الصلاة؟ فقال : «نعم ، إذا دخلت من باب المسجد فكبّرت مع إمام عادل ثمّ مشيت إلى الصلاة أجزأك ذلك» (١).

وفيه مع ضعفها ربّما كان المراد حالة الاضطرار ، بل هذا هو الظاهر ، فتدبّر!

قوله : (والاستقبال في الشهادتين آكد).

والظاهر من المرتضى والصدوق والكليني وجوبه فيهما (٢).

قال المرتضى : يجوز الأذان بغير وضوء من غير استقبال القبلة ، إلّا في الشهادتين ، والإقامة لا يجوز إلّا على وضوء واستقبال القبلة (٣) ، انتهى.

ومستندهم صحيحة ابن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : عن الرجل يؤذّن وهو يمشي أو على ظهر دابّته وعلى غير طهور؟ فقال : «نعم ، إذا كان التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس» (٤) ، ورواها الصدوق عنه عن الباقر عليه‌السلام بأدنى تفاوت (٥).

وحسنة الكليني بإبراهيم بن هاشم ، عن الحلبي ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال له : يؤذّن الرجل وهو على غير القبلة؟ قال : «إذا كان التشهّد مستقبل القبلة فلا بأس» (٦).

إذا عرفت هذا ، ظهر أنّ في عبارة المصنّف مسامحة ، لأنّ التأكيد لم يكن إلّا في الإقامة ، فمقتضى لفظ «آكد» أن يكون في شهادتي الإقامة ، وإلّا فالأذان لم يذكر ،

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٨٢ الحديث ١١٢٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٣ الحديث ٦٩٣٠ مع اختلاف يسير.

(٢) نقل عن المرتضى في مختلف الشيعة : ٢ / ١٢٤ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٥ الحديث ٨٧٨ ، الكافي : ٣ / ٣٠٥ الحديث ١٧.

(٣) رسائل الشريف المرتضى : ٣ / ٣٠ مع اختلاف.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٦ الحديث ١٩٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٣ الحديث ٦٩٢٨.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٥ الحديث ٨٧٨.

(٦) الكافي : ٣ / ٣٠٥ الحديث ١٧ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥٦ الحديث ٧٠٧٥.

٥٢٣

إلّا أنّه مستحبّ من دون ذكر تأكيد ، بل ظاهرها الخلو عن التأكيد.

وجعل مراده أنّ الشهادتين في الأذان استقبالهما آكد من استقبال الإقامة ، مع بعده غلط ، لعدم ظهور ذلك من دليل ولا قول ، لو لم نقل بظهور الخلاف. هذا ؛ مع عدم نسبة القول بالوجوب إلى أحد.

قوله : (والوقوف). إلى آخره.

في «المنتهى» : ويستحب الوقوف في فصولهما ، لا يظهر في اواخرها الإعراب ، وعليه فتوى علمائنا.

لنا ما رواها الجمهور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا أذّنت فترسّل وإذا أقمت فاحدر» (١) ـ إلى أن قال ـ : ومن طريق الخاصة حسنة زرارة عن الباقر عليه‌السلام أنّه قال : «الأذان جزم بإفصاح الألف والهاء ، والإقامة حدرا» (٢).

ومثله روى عن خالد بن نجيح ، عن الصادق عليه‌السلام (٣) (٤) ، انتهى.

أقول : روى الصدوق عن خالد بن نجيح ، عن الصادق عليه‌السلام : «الأذان والإقامة مجزومان» (٥) قال : وفي خبر آخر : «موقوفان» (٦).

وظاهر الأخبار والفتاوى الجزم من غير اشتراط السكوت ، سيّما في الإقامة التي هي حدر.

ويحتمل لزوم السكوت مع الجزم بمقدار قطع النفس ، كما اشترطه القرّاء.

__________________

(١) سنن الترمذي : ١ / ٣٧٣ الحديث ١٩٥ ، السنن الكبرى للبيهقي : ١ / ٤٢٨.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٨ الحديث ٢٠٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٨ الحديث ٦٩٤٦.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٤ الحديث ٨٧١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٨ الحديث ٦٩٤٧.

(٤) منتهى المطلب : ٤ / ٣٨٧ و ٣٨٨.

(٥) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٤ الحديث ٨٧٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٩ الحديث ٦٩٤٨.

(٦) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٤ الحديث ٨٧٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٩ الحديث ٦٩٤٩.

٥٢٤

وفي «شرح اللمعة» في شرح قوله عليه‌السلام : والحدر فيها ، قال : بتقصير الوقف على كلّ فصل ، لا تركه الكراهة إعرابهما حتّى لو ترك الوقف أصلا ، فالتسكين أولى من الإعراب ، فإنّه لغة عربيّة ، والإعراب مرغوب عنه شرعا ، ولو أعرب حينئذ ، ترك الأفضل ولم تبطل.

أمّا اللحن ؛ ففي بطلانهما به وجهان ، ويتّجه البطلان لو غيّر المعنى (١). إلى آخره ، فلاحظ وتأمّل!

قوله : (والتأنّي). إلى آخره.

في «المنتهى» : لا نعرف خلافا ، واستدلّ عليه بالرواية السابقة عن الجمهور ، ورواية الحسن بن السري ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «الأذان ترتيل ، والإقامة حدر» (٢) ، قال : الترتيل هو التأنّي ، والحدر الإسراع (٣) ، انتهى.

وقيل : الترتيل تبيين الحروف وحفظ الوقوف (٤).

وفي بعض النسخ : «ترسّل» مكان ترتيل» (٥) ، هو التأنّي وترك العجلة.

والظاهر أنّ المراد من الترتيل أيضا ذلك ، لجعله في مقابل الحدر.

ومرّ في حسنة زرارة أنّ الإقامة حدر (٦) ، وفي صحيحة معاوية بن وهب : «واحدر بإقامتك حدرا» (٧).

__________________

(١) الروضة البهية : ١ / ٢٤٧ و ٢٤٨.

(٢) الكافي : ٣ / ٣٠٦ الحديث ٢٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٢٩ الحديث ٧٠٠٢.

(٣) منتهى المطلب : ٤ / ٣٨٨.

(٤) الروضة البهية ١ / ٢٤٧.

(٥) لاحظ! منتهى المطلب : ٤ / ٣٨٩.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٨ الحديث ٢٠٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٨ الحديث ٦٩٤٦ ، ٤٢٩ الحديث ٧٠٠١.

(٧) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٥ الحديث ٨٧٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٢٨ الحديث ٧٠٠٠.

٥٢٥

أقول : قد عرفت أنّ معنى الحدر هو الإسراع ، فما في «المدارك» من أنّ المراد تقصير الوقوف لا تركه (١) ، موافقا لما ذكره جدّه ، مبني على ما عرفت ، من مراعاة ما ذكره القراء ، لكن قال جدّه : لو ترك الوقف أصلا فالتسكين أولى (٢). إلى آخره.

والظاهر من الإسراع لعلّه الترك أصلا ، إلّا أن يقال : ما ذكره القرّاء ، هو طريقة لغة في العرب ، فحدرهم يصير تقصير الوقف.

لكن لا بدّ من ثبوت في ذلك ، وكونه من لوازم لغة العرب ، والله يعلم.

قوله : (ورفع الصوت). إلى آخره.

المستند في ذلك صحيحة معاوية بن وهب أنّه سأل الصادق عليه‌السلام عن الأذان ، فقال : «اجهر وارفع صوتك ، فإذا أقمت فدون ذلك» (٣) ، الحديث.

ورواية ابن سنان عنه عليه‌السلام : «أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقول لبلال إذا دخل الوقت : اعل فوق الجدار وارفع صوتك بالأذان ، فإنّ الله عزوجل وكلّ بالأذان ريحا ترفعه إلى السماء ، وأنّ الملائكة إذا سمعوا الأذان قالوا : هذه أصوات أمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتوحيد الله عزوجل ، فيستغفرون لأمّة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى يفرغوا من تلك الصلاة» (٤).

وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «إذا أذّنت فلا تخفينّ صوتك ، فإنّ الله يأجرك مدّ صوتك فيه» (٥). إلى غير ذلك من الأخبار.

__________________

(١) مدارك الأحكام : ٣ / ٢٨٤.

(٢) الروضة البهيّة : ١ / ٢٤٧.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٥ الحديث ٨٧٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٩ الحديث ٦٩٥١.

(٤) الكافي : ٣ / ٣٠٧ الحديث ٣١ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٨ الحديث ٢٠٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤١١ الحديث ٦٩٥٧ مع اختلاف يسير.

(٥) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٨ الحديث ٢٠٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤١٠ الحديث ٦٩٥٥.

٥٢٦

حتّى أنّ هشام بن إبراهيم شكا إلى الرضا عليه‌السلام سقمه وأنّه لا يولد له [ولد] فأمره بأن يرفع صوته بالأذان في منزله ، قال : ففعلت فأذهب الله عنّي سقمي وكثر ولدي.

قال محمّد بن راشد : وكنت دائم العلّة ما أنفكّ منها في نفسي وجماعة خدمي [وعيالي] ، فلمّا سمعت ذلك من هشام عملت به ، فأذهب الله عنّي وعن عيالي العلل (١).

وظهر ممّا ذكرنا استحباب رفع الصوت في الإقامة أيضا ، لكن دون رفع الأذان (٢).

ويظهر من كلام العلّامة استحباب الرفع في الإقامة (٣) ، وعن المحقّق أنّه فيها آكد (٤) ، ومراده من الاستحباب آكد لا نفس الجهر ، فما في «المدارك» من أنّ الرفع في الإقامة غير مسنون (٥) محلّ نظر.

واستحباب الرفع مختصّ بالرجال والصبيان ، لأنّ المرأة صوتها عورة ، فلا يناسبها هذا الحكم ، مضافا إلى عدم عموم يشمل صوتها.

وفي «الدروس» : يشترط ذكوريّة المؤذّن إذا أذّن للأجانب ، ويجوز أذان المرأة للنساء ومحارم الرجال (٦) ، انتهى.

وربّما لا يخلو ما ذكره أخيرا من الإشكال ، لعدم عموم يشمل ، سيّما إذا

__________________

(١) الكافي : ٣ / ٣٠٨ الحديث ٣٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٩ الحديث ٩٠٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤١٢ الحديث ٦٩٦٠.

(٢) في (ز ٣) : ذلك ، بدلا من : رفع الأذان.

(٣) قواعد الأحكام : ١ / ٣٠ ، تحرير الأحكام : ١ / ٣٠.

(٤) شرائع الإسلام : ١ / ٧٦.

(٥) مدارك الأحكام : ٣ / ٢٨٩.

(٦) الدروس الشرعيّة : ١ / ١٦٣.

٥٢٧

أجهرت بحيث يسمع صوتها الأجانب.

قوله : (والإفصاح). إلى آخره.

المستند حسنة زرارة السابقة (١) ، وظاهرها كلّما فيه من ألف وهاء.

وعن ابن إدريس أنّ المراد هاء «إله» لا هاء «أشهد» ولا هاء «الله» ، لأنّهما مبنيان ، والأوّل ربّما أدغمه بعض الناس (٢) ، ولذا روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يؤذّن لكم من يدغم الهاء» (٣).

قوله : (ووضع الإصبعين). إلى آخره.

لصحيحة الحسن بن السري عن الصادق عليه‌السلام : «السنّة أنّ تضع إصبعيك في اذنيك في الأذان» (٤) وقيل : بأنّ ذلك في الأذان الإعلامي خاصّة.

قوله : (والصلاة).

لما ورد في أخبار متعددة من الأمر بالصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّما ذكر ، وكلّما ذكر عنده ذاكر (٥).

والمشهور استحباب الصلاة عند الذكر والسماع ـ مع كون ظاهر الأخبار الوجوب ـ لادّعاء الفاضلين الإجماع على عدم الوجوب (٦).

وتأمّل خالي العلّامة المجلسي رحمه‌الله في ذلك ، وذكر القائل بالوجوب (٧) ، ووافقه

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٢٩ الحديث ٧٠٠١.

(٢) السرائر : ١ / ٢١٤.

(٣) لاحظ! المغنى لابن قدامة : ١ / ٢٥٧ الفصل ٦٠٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٨٤ الحديث ١١٣٥ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤١٢ الحديث ٦٩٥٩.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٥١ الباب ٤٢ من أبواب الأذان والإقامة.

(٦) منتهى المطلب : ٥ / ١٨٦ ، المعتبر : ٢ / ٢٢٦.

(٧) بحار الأنوار : ٨٢ / ٢٧٨.

٥٢٨

شيخنا البهائي (١) ، وهو الأحوط ، وسيجي‌ء التحقيق في ذلك في بحث واجبات التشهّد ، وكلّما صلّى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا بدّ أن يصلّي على آله أيضا ، لما ورد من (٢) الأمر بذلك (٣) ، والنهي على خلافه.

قوله : (والفصل). إلى آخره.

في «المنتهى» : ويستحب الفصل بين الأذان والإقامة بركعتين ، أو سجدة ، أو جلسة ، أو خطوة إلّا المغرب ، فإنّه يفصل بينهما بخطوة ، أو سكتة ، أو تسبيحة ، وذهب إليه علماؤنا (٤) ، وفي «المعتبر» عليه علماؤنا (٥).

وفي «النهاية» حكم باستحباب الكلّ ، ثمّ قال : وأفضل ذلك السجدة إلّا في المغرب ، فإنّه يفصل بينهما بخطوة ، أو جلسة خفيفة (٦).

وعن ابن إدريس مثل ذلك في صورة الانفراد في الجماعة ، الفصل بشي‌ء من نوافله ، إلّا في المغرب فإنّه لا يجوز ذلك فيها (٧).

وفي «الذخيرة» : ولم أطّلع على نص في اعتبار الخطوة ، ولا على اعتبار السجدة ، وقال الشارح الفاضل : يمكن دخولها في حديث الجلوس ، فإنّها جلوس وزيادة (٨) ، وفيه ما فيه (٩) ، انتهى.

__________________

(١) الحبل المتين : ٢٠١.

(٢) في (ز ٣) : روى عنهم.

(٣) بحار الأنوار : ٨٢ / ٢٧٩.

(٤) منتهى المطلب : ٤ / ٣٨٩.

(٥) المعتبر : ٢ / ١٤٢.

(٦) النهاية للشيخ الطوسي : ٦٧.

(٧) السرائر : ١ / ٢١٤.

(٨) روض الجنان : ٢٤٥.

(٩) ذخيرة المعاد : ٢٥٦.

٥٢٩

أقول : استحباب الخطوة يظهر من «الفقه الرضوي» (١) ، مع أنّ خالي العلّامة قال : نقل فيه رواية (٢).

وأمّا السجدة فابن طاوس في كتاب «فلاح السائل» روى روايات متعددة ، بعضها أنّها يستحب بينهما مطلقا ، وبعضها مع ضميمة ودعاء ، مثل : «لك ربّ سجدت خاضعا خاشعا ذليلا» ، ومثل : «لا إله إلّا أنت ربّي سجدت خاضعا خاشعا» (٣).

وأمّا الفصل بالصلاة أو الجلوس ؛ فلصحيحة سليمان بن جعفر الجعفري قال : سمعته يقول : «افرق بين الأذان والإقامة بجلوس أو ركعتين» (٤) ، وغير ذلك من الأخبار ، ويظهر من بعضها الفصل بركعتين من النوافل الراتبة (٥).

وأمّا استثناء المغرب ؛ فمن الإجماعين والفتاوى ، ورواية سيف بن عميرة عن بعض أصحابه ، عن الصادق عليه‌السلام قال : «بين كلّ أذانين قعدة إلّا المغرب فإنّ بينهما نفسا» (٦).

وقال ابن طاوس رحمه‌الله : وقد روي روايات : أنّ الأفضل أن لا يجلس بين أذان المغرب وإقامتها (٧).

ويؤيّده ضيق وقت المغرب ، ومن هذا قال ابن إدريس : أو جلسة خفيفة موافقا للنهاية (٨) فتأمّل!

__________________

(١) الفقه المنسوب للإمام الرضا عليه‌السلام : ٩٨ ، مستدرك الوسائل : ٤ / ٣٠ الحديث ٤١٠٣.

(٢) بحار الأنوار : ٨١ / ١٣٨.

(٣) فلاح السائل : ١٥٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٠ الحديث ٦٩١٩ و ٦٩٢٠.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٦٤ الحديث ٢٢٧ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٧ الحديث ٦٩٠٧.

(٥) أمالي الطوسي : ٦٩٥ الحديث ١٤٨٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٠ الحديث ٦٩١٨.

(٦) تهذيب الأحكام : ٢ / ٦٤ الحديث ٢٢٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٩ الحديث ١١٥٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٨ الحديث ٦٩١٢.

(٧) فلاح السائل : ٢٢٨.

(٨) السرائر : ١ / ٢١٤ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٦٧.

٥٣٠

والشيخ لمّا روى عن إسحاق الجريري ، عن الصادق عليه‌السلام أنّه قال : «من جلس فيما بين أذان المغرب وإقامته كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله» (١). جمع بينهما وبين مرسلة سيف بأنّه إذا تضيق الوقت يكتفي في ذلك بنفس (٢).

لكن بملاحظة الإجماعين والفتاوى وشدّة الاهتمام بالمسارعة في فعل المغرب ، وضيق وقته ، يترجّح في النظر العمل برواية سيف خاصّة ، إلّا أن يقال بأنّ العمل برواية الجريري في مقام خاص ، وهو عدم استحباب المسارعة ، بل استحباب التأخير في الجمع بينه وبين العشاء ، فحينئذ لا ينافي الإجماعين والفتاوى ورواية سيف ، فتأمّل جدّا!

واعلم! أنّي لم اطلع على خبر يدلّ على الفصل بالسكوت ، إلّا رواية سيف السابقة ، بحمل النفس على السكوت ، ومع ذلك هي في المغرب خاصّة ، بدلا عن الجلوس.

واعلم! أنّ موثّقة عمّار عن الصادق عليه‌السلام : أنّ «الحمد لله» يكفي للفصل (٣) ، وكذا لتسبيح ما. وفي صحيحة ابن مسكان أنّه رأى الصادق عليه‌السلام لم يفصل بينهما (٤) أصلا.

قوله : (وإعادة الإقامة).

لو تكلّم في أثناء الأذان ، وإن كان عمدا ، لم يستحب الإعادة ، لعدم دليل عليها.

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٦٤ الحديث ٢٣١ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٩ الحديث ١١٥١ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٩ الحديث ٦٩١٥ مع اختلاف يسير.

(٢) الاستبصار : ١ / ٣١٠ ذيل الحديث ١١٥١.

(٣) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٥ الحديث ٨٧٧ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٩ الحديث ٦٩١٦ نقل بالمضمون.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٢٨٥ حديث ١١٣٨ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٩ الحديث ٦٩١٤ نقل بالمضمون.

٥٣١

وأمّا لو تكلّم في أثناء الإقامة ، وقلنا بكراهته ، كما سيجي‌ء ، فيستحب إعادتها على ما قاله جماعة من الأصحاب ، منهم العلّامة والشهيدان (١) ، لصحيحة ابن مسلم عن الصادق عليه‌السلام قال : «لا تتكلّم إذا أقمت الصلاة فإنّك إذا تكلّمت أعدت الإقامة» (٢).

وأمّا لو قلنا بحرمة الكلام فيه ؛ فيحتمل وجوب الإعادة ، كما هو ظاهر الصحيحة.

لكن ربّما يكون ظاهرها الإعادة ، إن وقع التكلّم بعدها ، كما ذكره المصنّف موافقا للمدارك.

والظاهر أنّه يكفي الفراغ عن قول : «قد قامت الصلاة» ، بالنسبة إلى ظاهر الرواية أيضا ، فإذا تكلّم حينئذ أعاد.

ويحتمل أن يكون المراد أعم من الأثناء وبعد الفراغ ، لكون الكلّ منهيّا عنه ، كما ستعرف.

والوقوع في الأثناء مطلق ، دخل في عدم تحقّق المطلوب على ما هو مطلوب ، مضافا إلى فهم الجماعة.

وما في «المدارك» (٣) أوفق بظاهر العبارة ، فتأمّل ، ويظهر من «نهاية» الشيخ وعبارة المحقّق التكلّم بعدها يوجب الإعادة (٤) ، فلاحظ!

__________________

(١) منتهى المطلب : ٤ / ٣٩٤ ، ذكرى الشيعة : ٣ / ٢١٠ ، روض الجنان : ٢٤٥.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٥ الحديث ١٩١ ، الاستبصار : ١ / ٣٠١ الحديث ١١١٢ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٤ الحديث ٦٨٩٥.

(٣) مدارك الأحكام : ٣ / ٢٩٦.

(٤) النهاية للشيخ الطوسي : ٦٦ ، المعتبر : ٢ / ١٢٩.

٥٣٢

١٣٥ ـ مفتاح

[ما يكره في الأذان والإقامة]

يكره الكلام في خلالهما ، ويتأكّد في الإقامة ، للصحيح (١) وغيره (٢) ، وقيل بتحريمه فيها (٣) ، وهو شاذّ.

نعم ؛ يحرم في الجماعة بعد قول المؤذّن : «قد قامت الصلاة» إلّا بما يتعلّق بالصلاة ، من تقديم إمام أو تسوية صفّ أو نحو ذلك ، وفاقا للشيخين والسيّد (٤) ، للصحاح المستفيضة (٥) الواردة بلفظ التحريم.

والأكثر على الكراهة (٦) ، للصحيح : عن الرجل أيتكلّم بعد ما يقيم الصلاة؟ قال : «نعم» (٧) ، وفي خبر آخر مثله (٨) ، وهو محمول على المنفرد أو ما

__________________

(١) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٤ الحديث ٦٨٩٦.

(٢) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٦ الحديث ٦٩٠٤.

(٣) المقنعة : ٩٨ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٦٦.

(٤) المبسوط : ١ / ٩٩ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٦٦ و ٦٧ ، نقل عن المفيد والسيّد في المعتبر : ٢ / ١٤٣.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٣ الحديث ٦٨٩٣ ، ٣٩٤ الحديث ٦٨٩٧ ، ٣٩٥ الحديث ٦٨٩٩.

(٦) السرائر : ١ / ٢١١ و ٢١٢ ، شرائع الإسلام : ١ / ٧٦ ، الدروس الشرعيّة : ١ / ١٦٣ ، البيان : ١٤١.

(٧) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٥ الحديث ٦٩٠١.

(٨) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٥ الحديث ٦٩٠١.

٥٣٣

يتعلّق بالصلاة ، جمعا.

ومن الكلام المكروه الترجيع لغير تقيّة أو إشعار ، سواء فسّر بزيادة تكرار التكبير والشهادتين في أوّل الأذان ، كما فعله الشيخ (١) ، أو بتكرار الفصل زيادة على الموظّف ، كما فعله الشهيد (٢) ، أو بتكرار الشهادتين جهرا بعد إخفاتهما ، كما فعله آخرون (٣).

وكذا التثويب ، سواء فسّر بقول : الصلاة خير من النوم ، أو بتكرير الشهادتين دفعتين ، أو بالإتيان بالحيّعلتين مثنى بين الأذان والإقامة (٤) ، وكذا غير ذلك من الكلام وإن كان حقّا بل كان من أحكام الإيمان ، لأنّ ذلك كلّه مخالف للسنة ، فإن اعتقده شرعا فهو حرام.

وأمّا تجويز الإسكافي والجعفي التثويب بالمعنى الأوّل بلا كراهة في أذان الفجر خاصّة (٥) ؛ فشاذّ ، وهو من بدع عمر (٦).

__________________

(١) الخلاف : ١ / ٢٨٨ المسألة ٣٢ ، المبسوط : ١ / ٩٥.

(٢) ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٠١.

(٣) البيان : ١٤١ ، بداية المجتهد : ١ / ١٠٨ ، مغني المحتاج : ١ / ١٣٦.

(٤) انظر! مدارك الأحكام : ٣ / ٢٩٠ و ٢٩١.

(٥) نقل عنهما في ذكرى الشيعة : ٣ / ٢٠١ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٢٩١.

(٦) الطرائف : ٢ / ٤٧٧.

٥٣٤

قوله : (يكره الكلام). إلى آخره.

هذا موافق لعبارة المحقّق (١) ، وفي «الإرشاد» : ويستحب ترك الكلام في خلالهما (٢) ، والفرق بينهما سهل ، والدليل أنّ في الكلام في خلال العبارة تفويتا للإقبال المطلوب فيها ، مضافا إلى منافاته للأدب فيها ، ولا خفاء في كراهتها ، كما يظهر من الأخبار والاعتبار.

فما في بعض الأخبار من عدم البأس في الأذان ، والمنع في الإقامة ، مثل صحيحة عمرو بن أبي نصر ، عن الصادق عليه‌السلام : أيتكلّم الرجل في الأذان؟ قال : «لا بأس» ، قلت : في الإقامة ، قال : «لا» (٣) ، لا ينافي ما ذكر لتفاوت مراتب الكراهة.

ولذا ورد في صحيحة جعفر بن بشير ، عن الحسن بن شهاب ، عن الصادق عليه‌السلام يقول : «لا بأس بأن يتكلّم الرجل وهو يقيم [الصلاة] وبعد ما يقيم إن شاء» (٤).

وجعفر بن بشير ممّن روى عن الثقات ، ويروي عن الحسن المذكور ، وصفوان ، عن جميل عنه عليه‌السلام ، وابن أبي عمير عن ابن اذينة عنه ، وصفوان وابن أبي عمير ممّن لا يرويان إلّا عن الثقة.

مع أنّ الشهرة جابرة بسندها وسند أمثالها ، لأنّ المشهور جواز التكلّم حال

__________________

(١) المختصر النافع : ٢٨.

(٢) إرشاد الأذهان : ١ / ٢٥١.

(٣) الكافي : ٣ / ٣٠٤ الحديث ١٠ ، تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٤ الحديث ١٨٢ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٠ الحديث ١١١٠ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٦ الحديث ٦٩٠٣.

(٤) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٥ الحديث ١٨٨ ، الاستبصار : ١ / ٣٠١ الحديث ١١١٥. وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٥ الحديث ٦٩٠٢.

٥٣٥

الإقامة على كراهة.

ومعتبرة الحلبي عنه عليه‌السلام : عن الرجل يتكلّم في أذانه أو في إقامته؟ قال : «لا بأس» (١).

وصحيحة حمّاد بن عثمان ، عن الصادق عليه‌السلام : عن الرجل يتكلّم بعد ما يقيم [الصلاة] قال : «نعم» (٢).

مع أنّه ورد في رواية أبي هارون المكفوف السابقة أنّ «الإقامة من الصلاة فإذا أقمت فلا تتكلّم ولا توم بيدك» (٣).

وفي رواية سليمان السابقة : «ليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة» (٤) وفي رواية يونس الشيباني السابقة : «فأقم مترسّلا فإنّك في الصلاة» (٥) ، وغير ذلك.

قوله : (وقيل بتحريمه). إلى آخره.

القائل المفيد والشيخ (٦) ، وعرفت وجه قولهما ، والجواب عنه ، والأحوط مراعاة قولهما ، ومع الكلام إعادة الإقامة ، لصحّة مستندهما ، واعتضاده بما مرّ في بحث الطهارة والاستقبال والقيام فيهما (٧).

__________________

(١) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٤ الحديث ١٨٦ ، الاستبصار : ١ / ٣٠١ الحديث ١١١٣ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٥ الحديث ٦٩٠٠.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٤ الحديث ١٨٧ ، الاستبصار : ١ / ٣٠١ الحديث ١١١٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٥ الحديث ٦٩٠١.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٦ الحديث ٦٩٠٤.

(٤) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٤ الحديث ٦٩٣٣.

(٥) وسائل الشيعة : ٥ / ٤٠٣ الحديث ٦٩٣٠.

(٦) المقنعة : ٩٨ ، النهاية للشيخ الطوسي : ٦٦.

(٧) راجع! الصفحة : ٥١٩ ـ ٥٢٣ من هذا الكتاب.

٥٣٦

قوله : (للصحاح). إلى آخره.

هي صحيحة زرارة ، عن الباقر عليه‌السلام قال : «إذا اقيمت الصلاة حرم الكلام على الإمام وأهل المسجد إلّا في تقديم إمام» (١).

وصحيحة ابن مسكان ، عن ابن أبي عمير ، عن الصادق عليه‌السلام : سأله عن الرجل يتكلّم في الإقامة؟ قال : «نعم ، فإذا قال المؤذّن : «قد قامت الصلاة ، فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلّا أن يكونوا قد اجتمعوا من شتّى وليس لهم إمام ، فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض : تقدّم يا فلان» (٢).

ولا يخفى أنّ صحّة هذا السند محلّ نظر ، لأنّ ابن مسكان لا يروي عن ابن أبي عمير ، بل بالعكس أنسب ، وابن أبي عمير لا يروي عن الصادق عليه‌السلام ، ولم يسأل عنه لأنّه يروي عن الرضا عليه‌السلام. نعم ، أدرك الكاظم عليه‌السلام.

وموثّقة سماعة عن الصادق عليه‌السلام : «إذا قام المؤذّن الصلاة فقد حرم الكلام إلّا أن يكون القوم ليس يعرف لهم إمام» (٣).

وصحيحة زرارة رواها الصدوق ، وظاهره القول بالحرمة ، ونسب ذلك إلى ابن الجنيد أيضا (٤).

والباقون حملوا الروايات المذكورة على الكراهة (٥) ، جمعا بينهما وبين

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٥ الحديث ٨٧٩ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٣ الحديث ٦٨٩٣.

(٢) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٥ الحديث ١٨٩ ، الاستبصار : ١ / ٣٠١ الحديث ١١١٦ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٥ الحديث ٦٨٩٩.

(٣) تهذيب الأحكام : ٢ / ٥٥ الحديث ١٩٠ ، الاستبصار : ١ / ٣٠٢ الحديث ١١١٧ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٤ الحديث ٦٨٩٧.

(٤) نسبه العلّامة في مختلف الشيعة : ٢ / ١٣٦.

(٥) المعتبر : ٢ / ١٤٣ ، مدارك الأحكام : ٣ / ٢٩٦.

٥٣٧

صحيحة حمّاد بن عثمان ، ورواية الحسن بن شهاب السابقتين.

ولا يخفى أنّ ظاهرهما صورة الانفراد ، وكون المقيم يتكلّم.

وهذه الأخبار واردة في الجماعة ، وصدور إقامتها ، فليس هاهنا تعارض بحسب الظاهر ، والبناء على عدم القول بالفصل بين الجماعة والفرادى ، فيه ما فيه ، لما عرفت من أنّ السيّد ، بل الصدوق أيضا قائلان بالفصل (١).

مع أنّ الشيخ صرّح بهذا الحكم على حدة في «النهاية» (٢).

ومنع بعض العلماء كون لفظ الحرام حقيقة في المصطلح عليه الآن (٣) ، وفيه نظر يظهر ممّا ذكرنا في «الفوائد» (٤) ، مع أنّ إطلاق لفظ الحرام بالمعنى اللغوي ظاهر في المصطلح عليه ، لانصراف المطلق إلى الفرد الكامل ، مثل لفظ الممنوع عنه.

نعم ؛ الظاهر من هذه الأخبار استثناء خصوص تقديم الإمام ، لا جميع ما استثنوه.

ويظهر من «المنتهى» أنّ استثناء الجميع لا خلاف فيه (٥) ، فيحصل وهن في ظاهر هذه الروايات ، مضافا إلى أنّ الظاهر بملاحظة مجموع الروايات ، أنّ المنع عن التكلّم من جهة احترام الصلاة ، وشدّة ارتباط الإقامة بها ، سيّما بعد قول : «قد قامت الصلاة».

فلا يناسبه استثناء قول تقدّم يا فلان ، سيّما مع تيسّر حصول التقديم بالإشارة والتقديم ، ولا سيّما استثناء جميع ما يتعلق بالصلاة كذلك ، وخصوصا

__________________

(١) نقل عن السيد في المعتبر : ٢ / ١٤٣ ، من لا يحضره الفقيه : ١ / ١٨٥ الحديث ٨٧٩.

(٢) النهاية للشيخ الطوسي : ٦٦.

(٣) لم نعثر عليه في مظانّه.

(٤) لاحظ! الفوائد الحائرية : ١٠٦ ـ ١٠٩.

(٥) منتهى المطلب : ٤ / ٣٩٤.

٥٣٨

الفرق بين المنفرد والجامع.

مع أنّ العلّامة في «المنتهى» لم يفرّق بينهما أصلا ، وجعل النزاع واحدا ، وكذا الدليل (١) فلاحظ! إذ بالتأمّل في جميع ما ذكر ، مع الشهرة بين الأصحاب ، يترجّح في النظر كون المنع على سبيل الكراهة ، وإن كانت شديدة غاية الشدّة تقرب أوّل درجة الحرمة ، فإنّ إطلاق الحرمة على ذلك غير عزيز.

مع أنّ ابن إدريس نقل عن كتاب محمّد بن علي بن محبوب ، عن جعفر بن بشير ، عن عبيد بن زرارة ، عن الصادق عليه‌السلام : أيتكلّم الرجل بعد ما تقام الصلاة؟ قال : «لا بأس» (٢).

ويؤيّده ترك الاستفصال في صحيحة حمّاد بن عثمان المذكورة (٣) ، وإن كان الظاهر من السؤال والراجح في النظر حال الانفراد خاصة ، إلّا أنّه ربّما كان سؤال الراوي عن الأعمّ ، وعبارته في سؤاله قابلة له.

ومن هذا قال المصنّف : وهو محمول على المنفرد ، أو ما يتعلّق بالصلاة جمعا ، وفيه أنّ الجمع الذي يثبت التكليف ، لا بدّ أن يكون مستند إلى حجّة شرعيّة ، لأنّ للرجل براءة الذمّة حتّى يثبت التكليف ، ومجرّد الاحتمال لا يثبت التكليف ، إذ كما جاز الجمع ـ كما ذكره ـ جاز أيضا ، كما ذكره المشهور ، فلا يثبت التكليف.

والأصل براءة الذمّة ، فيتعيّن المذهب المشهور ، إلّا أن يكون مراده كون جمعه أقرب وأظهر ، أمّا جمعه الأوّل ؛ فظاهر ، وأمّا الثاني ؛ فلأنّ المدار في الفقه أنّ المطلق يحمل على المقيّد ، وبناء المكالمات العرفيّة عليه ، ولذا قدّمه الاصوليّون ،

__________________

(١) منتهى المطلب : ٤ / ٣٩٣ و ٣٩٤.

(٢) مستطرفات السرائر : ٩٤ الحديث ٤ ، وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٦ الحديث ٦٩٠٥ مع اختلاف يسير.

(٣) وسائل الشيعة : ٥ / ٣٩٥ الحديث ٦٩٠١.

٥٣٩

وقالوا : العام والخاص المتنافيا الظاهر ، يقدّم الخاص ، والمطلق يحمل على المقيّد.

وفيه أنّ الأمر كذلك ، لو لم تكن قرينة ومرجّح على إرادة جمع آخر ، وبالتأمّل فيما ذكرنا ، ربّما يظهر كون جمع المشهور أظهر ، وعلى تقدير التساوي أيضا يتعيّن المشهور ، بل وعلى تقدير رجحان غير معتد به أيضا ، فتأمّل!

ثمّ اعلم! أنّ مقتضى الأدلّة والفتاوى ، عدم كراهة الكلام ما بين الأذان والإقامة ، لكن فيما رواه الصدوق من المكروهات عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كراهة الكلام بين أذان الصبح وإقامته حتّى تقضى الصلاة (١) ، وأفتى به في «[الألفية و] النفلية» (٢) ، بعد يحيى بن سعيد في «الجامع» (٣).

قوله : (ومن الكلام). إلى آخره.

هذا هو المشهور ، بل في «المنتهى» قال : الترجيع مكروه ذهب إليه علماؤنا ، لكن قال : هو تكرار الشهادتين مرّتين ، وقال الشيخ في «المبسوط» : الترجيع غير مسنون ، وهو تكرار التكبير والشهادتين في أوّل الأذان ، فإن أراد تنبيه غيره جاز تكرير الشهادتين (٤). وممّن كره الترجيع : الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي (٥) ، وقال الشافعي : يستحبّ (٦) ، وهو أن يذكر الشهادتين مرّتين مرّتين يخفض بذلك صوته ، ثمّ يعيدهما رافعا [بهما] صوته (٧) ، انتهى.

__________________

(١) الخصال : ٢ / ٥٢٠ الحديث ٩.

(٢) الألفية والنفلية : ١١٠.

(٣) الجامع للشرائع : ٧٢.

(٤) المبسوط : ١ / ٩٥.

(٥) لاحظ! المغني لابن قدامة : ١ / ٢٤٣ ، شرح فتح القدير ١ / ٢٤١ ، المجموع للنووي : ٣ / ٩١.

(٦) مغني المحتاج : ١ / ١٣٦.

(٧) منتهى المطلب : ٤ / ٣٧٧.

٥٤٠