تفسير المراغي - ج ٧

أحمد مصطفى المراغي

متحسرون يائسون من النجاة ، دابر القوم : آخرهم الذي يكون فى أدبارهم ، وقطع دابرهم أي هلكوا واستأصلوا بالعذاب ولم يبق منهم أحد.

المعنى الجملي

بعد أن بين سبحانه للمشركين أن علمه محيط بما فى الأرض والسماء ، وأن عنايته نعم كل ما درج على الأرض أوطار فى الهواء ، وأن أمم الحيوان مشابهة لأمم الإنسان ، وقد أوتيت من الإلهام والمعرفة ما تميز به بين ما ينفعها وما يضرها.

أمر نبيه أن يوجه إليهم هذا السؤال مذكّرا لهم بما أودع فى فطرتهم من توحيده عز اسمه ليعلموا أن ما تقلدوه من الشرك عارض شاغل يفسد أذهانهم وقت الرخاء ، وارتفاع اللأواء ، حتى إذا جدّ الجدّ ونزل بهم ما لا يطاق حمله من الشدائد دعوا الله مخلصين له الدين : لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين وضلّ عنهم ما كانوا يعبدون من الأصنام والأوثان. وما وضعوا رمزا له من ملك أو إنسان.

الإيضاح

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ ، أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ؟) أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين المكذبين العادلين بالله الأوثان والأصنام ، أخبرونى إن أتاكم عذاب الله كالذى نزل بمن قبلكم من الأمم الذين كذبوا بالرسل ، فقد هلك بعضهم بريح صرصر عاتية ، وبعض آخر بالصاعقة ، أو بمياه الطوفان المغرقة ، أو جاءتكم الساعة بأهوالها وخزيها ونكالها ، وبعثتم لموقف الحساب ـ أغير الله فى هذه الأحوال تدعون لكشف ما نزل بكم من البلاء ، أم إلى غيره من آلهتكم تفزعون لينجيكم مما نزل بكم من عظيم البلاء ، إن كنتم صادقين فى دعواكم ألوهية هؤلاء الشركاء الذين اتخذتموهم أولياء وزعمتم أنهم فيكم شفعاء؟ فأخبرونى أغير الله تدعون إذا أتاكم أحد هذين الأمرين؟

١٢١

ثم أجاب عن ذلك بقوله :

(بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) أي ما أنتم أيها المشركون بالله الآلهة والأنداد إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة ـ بمستجيرين بشىء غير الله من وثن أو صم إذا اشتد بكم الهول ، بل تدعونه وحده ، وبه تستغيثون ، وإليه تفزعون ، دون كل شىء غيره فيفرج عنكم ويزيل البلاء عند استغاثتكم به وتضرعكم إليه إن شاء ذلك ، لأنه وحده القادر على كل شىء ، والمالك لكل شىء دون ما تدعونه إلها من صنم أو وثن ، لأن الفزع إليه سبحانه عند الشدائد مما ركز فى فطرة البشر تنبعث إليه بذاتها كما تنبعث إلى الماء عند العطش ، فلا يذهب به ما يتلقّى بالتعليم الباطل من مسائل الدين ، فهم به يجنون على غريزة التوجه إلى خالقهم وخالق العالم كله بما يتخذونه من الأنداد والأولياء والشفعاء الذين يتوجهون إليهم كما يتوجهون إلى الله ويحبونهم كحب الله.

وما منشأ ذلك التقديس إلا اعتقاد القدرة على النفع والضر من غير طريق الأسباب المعروفة ، لكنهم عند الشدائد وتراكم الأهوال والكروب ينسونهم ويدعون الله وحده.

ولهذا الحب والتعظيم ثلاث درجات :

(١) أعرقها فى الجهل أن يعتقد المرء فى شىء من المخلوقات أنه إله ينفع ويضر بذاته فيتوجه إليه ويدعوه ويتضرع إليه.

(٢) المرتبة الوسطى أن يعتقد أن الإله قد حل فى بعض المخلوقات واتحد بها كما تحلّ الروح فى البدن وتدبّره. فيكونان شيئا واحدا.

(٣) أضعف درجاته أن يعتقد أن الله تعالى هو الخالق لكل شىء ، القادر على كل شىء ، المتصرف فى كل شىء ، ولكن له وسطاء بينه وبين عبادة يقرّبونهم إليه زلفى ويشفعون لهم عنده ، فهو لأجلهم يعطى ويمنع ويضر وينفع ، وهذه هى الدرجة التي

١٢٢

كان عليها مشركو قريش ، فقد حكى الله عنهم : «ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى» ـ هؤلاء شفعاؤنا عند الله».

والتوحيد الخالص هو الإيمان بأن الله يفعل ما يشاء ويختار ، وأن جميع الخلق مسخرون لإرادته وتدبيره ، خاضعون لسننه وتقديره ، لا يملك أحد منهم لنفسه ولا لغيره شيئا إلا فى دائرة الأسباب التي شرعها لعباده ، وأن الوساطة بينه وبين عباده محصورة فى تبليغ الرسول رسالته إليهم دون تصرفه فيهم وأن شفاعة الآخرة لله وحده يأذن بها إن شاء لمن شاء ممن ارتضى ، يرشد إلى ذلك قوله تعالى لخاتم رسله : «لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ» وقوله : «قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ» وقوله : «قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً. إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ».

وقد بين سبحانه أن تلك الوساطة الشّركيّة تنسى عند اشتداد الكروب والأهوال فقال : «فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ، فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ» وقال : «وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ».

ثم بين سبحانه أن من سننه أخذ عباده بالشدائد لعلهم يرعون عن غيهم ، ويثوبون إلى رشدهم فقال :

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا إِلى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْناهُمْ بِالْبَأْساءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ) أي ولقد أرسلنا رسلا إلى أمم من قبلك فدعوهم إلى توحيدنا وعبادتنا فلم يستجيبوا لهم فأخذناهم أخذ ابتلاء واختبار بالبأساء والضراء ليكون ذلك مفيدا لهم ، لأن سنتنا قد جرت بأنهم فى مثل هذه الحال يتضرعون ويجأرون بالدعاء إلى ربهم ، فالشدائد ترّبى النفوس وتهذب الأخلاق ، فترجع المغرورين عن غرورهم ، وتكفّ الفجار عن فجورهم

١٢٣

فأخلق بها أن ترجع أهل الأوهام عن دعاء أمثالهم من البشر بل من دونهم من الأصنام والأوثان.

ولكن كثيرا من الناس يصلون إلى حال من الشرك والفجور لا يغيّرها بأس ولا يحوّلها بؤس ، فلا تجدى معهم العبر والمواعظ ، ولا تؤثر فيهم صروف الدهر وغيره ، ومنهم أولئك الأمم الذين أرسل إليهم هؤلاء الأنبياء ، ومن ثم قال تعالى :

«فلو لا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ، ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون» أي فهلا تضرّعوا إلينا خاشعين تائبين حين جاءتهم مقدمات العذاب وبوادره ، وحذروا عواقبه وأواخره ، لنكشفه عنهم قبل أن يحيط بهم.

ولكن قلوبهم كانت كالحجارة أو أشد قسوة فلم تؤثر فيهم النذر ، وزيّن لهم الشيطان ما هم عليه من الشرك والفجور ، ووسوس إليهم بأن يثبتوا على ما كان عليه آباؤهم ، ولا ينقادوا إلى رجال منهم ضعاف الأحلام سفهاء العقول ، لا ميزة لهم عليهم بعقل راجح ، ولا فكر ثاقب.

ثم ذكر ما حل بهم من الوبال والنكال بعد أن ابتلاهم بالحسنات فقال :

(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) أي فلما أعرضوا عما أنذرهم به رسلهم وتركوا الاهتداء به وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم وأصرّوا على كفرهم وعنادهم وجمدوا على تقليد من قبلهم ـ بلوناهم بالحسنات ، وفتحنا عليهم أبواب الرزق ورخاء العيش وصحة الأجسام والأمن على الأنفس والأرواح ، فلم تربّهم تلك النعم ، ولا شكروا الله على ما أنعم ، بل أفادتهم النعمة بطرا وكبرا كما أفادتهم الشدائد عتوّا وقسوة.

والخلاصة ـ إنه تعالى سلط عليهم المكاره والشدائد ليعتبروا ويتعظوا ، فلما لم تجد معهم شيئا نقلهم إلى حال هى ضدّها ففتح عليهم أبواب الخيرات وسهل لهم سبل الرزق والرخاء فلم ينتفعوا أيضا ، وما مثل هذا إلا مثل الأب المشفق على ولده يخاشنه تارة ، ويلاينه أخرى طلبا لصلاحه واستقامة حاله وإرجاعا له عن غيه وطغيانه.

١٢٤

(حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) أي حتى إذا ظنوا أن الذي أوتوا إنما هو باستحقاقهم ولم يزدهم ذلك إلا بطر وغرورا ، أخذناهم بعذاب الاستئصال حال كونهم مبغوتين ، إذ فاجأهم على غرة من غير سبق أمارات ولا إمهال للاستعداد أو للهرب ، فإذا هم مبلسون أي يائسون من النجاة.

وفى الآية إيماء إلى أن البأساء والضراء وما يقابلهما من السراء والنعماء مما يتهذب به من وفقهم الله للهداية وألهمهم الرشاد ، والاختبار أكبر شاهد على صدق هذه القضية فالشدائد مصلحة للفساد ، مهذّبة للنفوس ، والمؤمن أجدر الناس بالاستفادة من الحوادث.

روى مسلم عن صهيب مرفوعا «عجبا لأمر المؤمن ، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضرّا ، صبر فكان خيرا له».

وروى أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إذا رأيت الله يعطى العبد من الدنيا على معاصيه ما يحبّ ، فإنما هو استدراج ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فلما نسوا ما ذكروا به» الآية.

وروى مالك عن الزهري أنه قال : (فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) أي رخاء الدنيا وسترها وقال الحسن البصري : من وسع الله عليه فلم يرأنه يمكر به فلا رأى له ، ومن قتّر عليه فلم يرأنه ينظر له فلا رأى له ، ثم قرأ : «فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ» الآية ثم قال : مكر بالقوم وربّ الكعبة. أعطوا حاجتهم ثم أخذوا.

(فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي فهلك أولئك القوم الذين ظلموا أنفسهم بتكذيب الرسل والإصرار على الشرك وأعماله واستؤصلوا فلم يبق منهم أحد.

(وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أي والثناء الكامل والشكر التام لله رب العالمين على إنعامه على رسله وأهل طاعته ، بإظهار حججهم على من خالفهم من أهل الكفر وتحقيق ما وعدهم به من إهلاك المشركين ، وإراحة الأرض من شركهم وظلمهم.

وهذه الجملة إرشاد من الله لعباده المؤمنين بتذكيرهم بما يجب عليهم من حمده على

١٢٥

نصر المرسلين المصلحين ، وقطع دابر الظالمين المفسدين ، وإيماء إلى وجوب ذكره فى عاقبة كل أمر وخاتمة كل عمل كما قال تعالى فى وصف عباده المتقين : «وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ».

والخلاصة ـ إن فى الضراء والسراء للمتقين عبرة ، ونعمة ظاهرة أو باطنة.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩))

تفسير المفردات

نصرف الآيات : أي نكررها على وجوه مختلفة ، ومنه تصريف الرياح ، ويصدفون : يعرضون عن ذلك. والمس : اللمس باليد ، ويطلق على ما يصيب المدرك مما يسوءه غالبا من ضر وشر وكبر ونصب وعذاب.

المعنى الجملي

هذا ضرب آخر من ضروب الدعوة إلى وجود الصانع القادر وتوحيده ، وإثبات الرسالة بوجه آخر غير ما تقدم من وجوه الاحتجاج.

الإيضاح

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ؟) أي قل أيها الرسول لهؤلاء المشركين المكذبين بك وبما جئت به

١٢٦

من التوحيد والهدى : أرأيتم ماذا يكون من أمركم مع آلهتكم الذين تدعونهم وترجون شفاعتهم ـ إن أصمكم الله تعالى فذهب بسمعكم ، وأعماكم فذهب بأبصاركم ، وختم على قلوبكم وطبع عليها ، فأصبحتم لا تسمعون قولا ، ولا تبصرون طريقا ، ولا تعقلون نفعا ولا ضرا ، ولا تدركون حقا ولا باطلا ـ من إله غير الله يأتيكم بما ذكر مما أخذه الله منكم؟ أي لا إله غيره يقدر على إتيانكم بما سلب ، ولو كان ما اتخذتم من دونه من الأنداد والأولياء آلهة لقدروا على ذلك؟ وإن كنتم تعلمون أنهم لا يقدرون فلما ذا تدعونهم ، وما الدعاء إلا عبادة ، والعبادة لا تكون إلا للإله القدير؟

(انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) أي انظر كيف نتابع عليهم الحجج ونضرب لهم الأمثال والعبر ونجعلها على وجوه شتى ليعتبروا ويتذكروا فينيبوا ويرجعوا ثم هم بعد ذلك يعرضون عنها ويتجنبون التأمل فيها ـ ويلقونها وراء ظهورهم.

ثم هددهم وتوعدهم على كفرهم بربهم فقال :

(قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) أي قل لهم أيها الرسول : أخبرونى عن شأنكم إن أتاكم عذاب الله الذي مضت سنة الله فى الأولين بإنزاله بأمثالكم من المكذبين المعاندين مباغتا ومفاجئا لكم فأخذكم على غرّة لم تتقدمه أمارات تشعركم بقرب نروله بكم ، أو أتاكم وأنتم تعاينونه وتنظرون إليه بحيث ترون مبادئه ومقدماته بأبصاركم ـ هل يهلك الله به إلا القوم الظالمين منكم الذين أصروا على الشرك والعناد والجحود ، إذ قد مضت سنته تعالى فى مثل هذا العذاب أن ينجى منه الرسل ومن اتبعهم من المؤمنين.

والخلاصة ـ إنه لا يهلك بهذا العذاب غيركم ، لظلمكم أنفسكم وجنايتكم عليها بما اخترتم لها من الشرك والفجور وعبادة من لا يستحق العبادة ، وترك عبادة من هو بها حقيق وجدير.

ثم بين وظيفة الرسل فقال :

(وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) أي وما نرسل المرسلين إلا ببشارة

١٢٧

أهل الطاعة بالفوز بالجنة جزاء وفاقا على طاعتهم ، وبإنذار من أضرّ على الشرك والإفساد فى الأرض ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حىّ عن بينة.

(فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي فمن صدق من أرسلناه إليه من رسلنا وعمل صالحا فلا خوف عليهم من عذاب الدنيا الذي ينزل بالمكذبين الجاحدين ، ولا من عذاب الآخرة الذي أعده للكافرين ولا هم يحزنون يوم لقاء الله على شىء فاتهم ، لأن الله يحفظهم من كل فزع وهول كما قال سبحانه : «لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ» وكذلك هم لا يحزنون فى الدنيا كحزن المشركين فى شدته وطول مدته ، فإذا عرض لهم الحزن بسبب صحيح كموت ولد أو قريب أو فقد مال أو قلة نصير يكون حزنهم مقرونا بالصبر وحسن الأسوة فلا يضرهم فى أنفسهم ولا فى أبدانهم ، ولا يغير شيئا من أخلاقهم وعاداتهم ، فالإيمان يعصمهم من عنت البأساء وبطر النعماء ، مسترشدين بنحو قوله تعالى «ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها ، إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ. لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ ، وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ».

(وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) أي والذين كذبوا بآياتنا التي أرسلنا بها الرسل يصيبهم العذاب فى الدنيا أحيانا عند الجحود والعناد ، وفى الآخرة على سبيل الدوام والاطراد ، جزاء كفرهم وإفسادهم ، وخروجهم عن أمر الله وطاعته ، وارتكابهم مناهيه ومحارمه.

(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى

١٢٨

رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١) وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣))

تفسير المفردات

الخزائن واحدها خزينة أو خزانة : وهى ما يخزن فيها الشيء الذي يراد حفظه ومنع التصرف فيه : «وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» والغيب : ما غيّب علمه عن الناس بعدم تمكينهم من أسباب العلم به ، وهو قسمان :

(١) غيب حقيقى : وهو ما غاب عن جميع الخلق حتى الملائكة وهو المعنىّ بقوله عز اسمه : «قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ».

(٢) غيب إضافى : وهو ما غاب علمه عن بعض المخلوقين دون بعض كالذى يعلمه الملائكة من أمر عالمهم وغيره ولا يعلمه البشر.

أما ما يعلمه بعض البشر بتمكينهم من أسبابه واستعمالهم لها ولا يعلمه غيرهم لجهلهم بتلك الأسباب أو عجزهم عن استعمالها فليس بداخل فى عموم الغيب الوارد فى كتاب الله.

وهذه الأسباب ضروب :

(١) ما هو علمى كالدلائل العقلية والعلمية ، فعلماء الرياضة يستخرجون من دقائق المجهولات ما يعجز عنه أكثر الناس ويضبطون ما يقع من الخسوف والكسوف بالدقائق والثواني قبل وقوعه بألوف الأعوام.

(٢) ما هو عملى كالبرق الأثيرى (التلغراف اللاسلكى) الذي يعلم به المرء ما يقع فى أقاصى البلاد من وراء البحار وبينه وبينها ألوف الأميال.

١٢٩

(٣) ما هو إدراكات نفسية خفية تصل إلى مرتبة العلم كالفراسة والإلهام ، وأكثر هذا النوع هواجس تلوح للنفس ولا يجزم بها الإنسان إلا بعد وقوعها. والأعمى والبصير : هنا الضال والمهتدى ، والإنذار : العظة والتخويف ، الطرد : الإبعاد ، والغداة والغدوة كالبكرة : ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ، والعشى : آخر النهار أو من المغرب إلى العشاء : وحسابهم : أي حساب إيمانهم وأعمالهم الباطلة. وفتنا : أي ابتلينا واختبرنا : ومن بيننا : أي من دوننا. منّ الله عليهم : أي أنعم عليهم بنعم كثيرة.

المعنى الجملي

كان الكلام فى الآيات السالفة فى بيان أركان الدين وأصول العقائد ، وهى : توحيد الله عز وجل ، ووظيفة الرسل عليهم السلام ، والجزاء على الأعمال يوم الحساب.

وهنا ذكر وظيفة الرسل العامة بتطبيقها على خاتم الرسل صلوات الله وسلامه عليه ، وأزال أوهام الناس فيها ، وأرشد إلى أمر الجزاء فى الآخرة وكون الأمر فيه لله تعالى وحده على وجه يزيد عقيدة التوحيد تقريرا وتأكيدا ، وبيانا وتفضيلا.

الإيضاح

(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) أي قل أيها الرسول الذي بعث كما بعث غيره من الرسل مبشرا من أجاب دعوته بحسن الثواب ، ومنذرا من لم يقبلها بسوء العقاب ، لهؤلاء المكذبين لك بغير علم يميزون به بين شئون الألوهية وحقيقة النبوة ، فيقترحون عليك من الآيات الكونية ما يعلمون أنه ليس فى مقدور البشر. فهم إما أن يقولوه تعجيزا ، وإما أن يظنوا أن الإنسان لا يكون رسولا إلا إذا خرج من حقيقة البشرية وصار قادرا على ما لا يقدر عليه البشر وعالما بكل ما يعجز عن علمه البشر : لا أقول لكم عندى خزائن الله ، أتصرف بما خزنه وحفظه فيها من أرزاق العباد وشئون المخلوقات. فكل هذا لله وحده يتصرف

١٣٠

فيه بما يشاء ، فيعطى لعباده من خزائنه بحسب ما أوتى كل منهم من الاستعداد فى دائرة ارتباط الأسباب بالمسببات ، ولا يقدر أحد أن يتجاوز ذلك إلى مالم يؤته ولم يصل إليه استعداده.

فالتصرف المطلق إنما هو لله القادر على كل شىء ، وليس من موضوع الرسالة أن يكون الرسول المبلّغ عنه أمر الدين قادرا على ما لا يقدر عليه البشر من التصرف فى المخلوقات بالأسباب فضلا عن التصرف بغير سبب مما طلبه المشركون منه وجعلوه شرطا للإيمان به كتفجير الينابيع والأنهار فى أرض مكة ، وإيجاد الجنات والبساتين فيها ، وإسقاط السماء عليهم كسفا ، والإتيان بالله والملائكة قبيلا.

فإن قال قائل : إن الله أثبت علم الغيب المتعلق بالرسالة للرسل عليهم السلام كقوله فى سورة الجن : «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ» فكيف أمره هنا أن يتنصل من ادعاء علم الغيب؟.

وجوابه ـ أن إظهار شىء خاص من عالم الغيب على يدى الرسل ـ لا يجعل ذلك داخلا فى علومهم الكسبية. فإن الوحى ضرب من العلم الضروري يجده النبي فى نفسه حينما يظهره الله عليه ، فإذا حبس عنه لم يكن له قدرة ولا وسيلة كسبية للوصول إليه ، يؤيد ذلك ما جاء فى فترات الوحى فى السيرة النبوية ، وقد يكون توجه قلب الرسول إلى الله تعالى فى بعض الحوادث مقدمة لنزول الوحى فى الحكم الذي طلب من ربه بيانه ـ يرشد إلى ذلك قوله تعالى : «قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها».

والخلاصة ـ إن الأنبياء لم يعطوا علم الغيب بحيث يكون إدراكه من علومهم المكتسبة ، كذلك لم يعطوا التصرف فى خزائن ملك الله ، فلم يمكّنهم مالم يمكّن البشر من أسبابه حتى يكون من كسبهم وعملهم ، ولا هو أعطاهم ذلك على سبيل الخصوصية.

ونفى الدعاء الرسول من الأمرين يتضمن التبرؤ من ادعاء الألوهية أو ادعاء شىء من صفات الإله القادر على كل شىء ، العليم بكل شىء ، ويتضمن جهل المشركين حقيقة

١٣١

الألوهية وحقيقة الرسالة ، فقد اقترحوا عليه من الأعمال ما لا يقدر عليه إلا من له التصرف فيما وراء الأسباب ، وطلبوا منه الإخبار بما يكون فى الزمان المستقبل ولا يعلمه إلا من كان علم الغيب صفة له كسائر الصفات. فقد سألوه عن وقت الساعة ، وعن وقت نزول العذاب بهم ، وعن وقت نصر الله تعالى له عليهم.

وإذا علمت أن الأنبياء لم يؤتوا ذلك فأحر بمن دونهم منزلة عند الله من القديسين والأولياء المقرّبين ألا يكون لهم ذلك ، فادعاؤه لهم جهل عظيم وإثم كبير ، ولا ينبغى التحدث به لا بين العامة ولا بين الخاصة. كما يجب محوه من الأذهان لدى الجاهلين بسنن الله فى الأكوان.

ثم أمره أن يبين وظيفة الرسول فقال :

(إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ) أي قل لهم : ما أتبع فيما أقول لكم وأدعوكم إليه إلا وحي الله الذي يوحيه إلىّ وتنزيله الذي ينزله علىّ ، فأمضى لوحيه وأعمل بأمره ، وقد أتيتكم بالحجج القاطعة على صحة ما أقول وليس ذلك بالمنكر فى عقولكم ، ولا بالمستحيل وجوده ، فما وجه إنكاركم لذلك؟.

ثم وبخهم على ضلالهم فأمررسوله أن يبين لهم أن الضال والمهتدى ليساسواء فقال :

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) أي قل لهؤلاء المشركين المكذبين : هل يستوى أعمى البصيرة الضالّ عن الصراط المستقيم الذي دعوتكم إليه ، فلم يميز بين التوحيد والشرك ، ولا بين صفات الله وصفات البشر ، وذو البصيرة المهتدى إليه ، المستقيم فى سيره عليه بالحجة والبرهان حتى صار ذلك فى مرآة قلبه أوضح مما ترى العينان ، وتسمع الأذنان.

والخلاصة ـ إنهما لا يستويان. كما أن أعمى العينين وبصيرهما لا يستويان.

(أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) فيما أذكر لكم من الحجج فتعلموا صحة ما أقول لكم وأدعوكم إليه ، وتميزوا بين ضلال الشرك وهداية الإسلام ، وتعقلوا ما فى القرآن من ضروب الهداية والعرفان بذلك الأسلوب الرائع الذي لم تعهدوه من قبل؟ فهل يكون ذلك فى مقدورى

١٣٢

وقد لبثت فيكم عمرا من قبل عاطلا من هذه المعرفة ، وتلك البلاغة الساحرة ، وذلك البيان الخلاب؟

وبعد أن أمره بتبليغ الناس حقيقة رسالته ، أمره بإنذار من يخشون الحساب والجزاء فقال :

(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي وأنذر بما يوحى إليك ـ المؤمنين بالله الذين يخافون أهوال الحشر وشدة الحساب وما يتبع ذلك من الجزاء على الأعمال عند القدوم على الله فى ذلك اليوم الذي لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة : «يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ» يوم لا ولى ينصر ، ولا شفيع يدفع العذاب إن أريد النجاة منه ، بل أمر ذلك متوقف على مرضاة الله.

فهؤلاء المؤمنون هم الذين يرجى أن يتّقوا الله اهتداء بهداك وخوفا من إنذارك ويتحرّوا ما يؤدى إلى مرضاته ، لا يصدهم عن ذلك اتكال على الأولياء ولا اعتماد على الشفعاء ، علما منهم أن الشفاعة لله جميعا : «ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ».

كما أنهم يستيقنون أن نجاتهم إنما تكون بإيمانهم وأعمالهم وتزكيتهم لأنفسهم لا بانتفاعهم بصلاح غيرهم أو شفاعة الشافعين لهم ، كما هو حال المشركين الذين جهلوا أن مدار السعادة فى الدنيا والآخرة مرتبط بتزكية النفس وطهارتها بالإيمان الصحيح والأخلاق الكريمة والأعمال الصالحة لا على أمر خارج عن النفس لا تأثير له فيها.

والآية بمعنى قوله تعالى : «إِنَّما تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ» وقوله : «إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ».

ثم نهى رسوله أن يطيع المترفين من كفار قريش فى شأن المؤمنين المستضعفين فقال :

(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) أي ولا تطرد أيها الرسول هؤلاء المؤمنين الموحّدين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى أي أول

١٣٣

النهار وآخره ، أو المراد عامة الأوقات إذ يقال هو يفعل كذا صباحا ومساء : إذا كان مداوما عليه.

والدعاء إما الصلاة ، وقد كان فى أول الإسلام صلاتان إحداهما فى الصباح والأخرى فى المساء ، وإما الأعم الشامل للدعاء الحقيقي والصلاة والقرآن المشتملين عليه.

وقوله : يريدون وجهه : أي يدعون ربهم فى هذين الوقتين مريدين بهذا الدعاء ابتغاء مرضاته تعالى : أي يتوجهون إليه وحده مخلصين له الدين ، فلا يشركون معه أحدا ولا يرجون من غيره على الدعاء ثوابا. وهو كقوله : «إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً».

روى أحمد وابن جرير والطبراني فى جماعة آخرين عن عبد الله بن مسعود قال : «مرّ الملأ من قريش على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده صهيب وعمّار وخبّاب ونحوهم من ضعفاء المسلمين ، فقالوا يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك؟ أهؤلاء منّ الله عليهم من بيننا؟ أنحن نكون تبعا لهؤلاء؟ اطردهم عنك : فلعلك إن طردتهم أن نتبعك ، فأنزل الله فيهم القرآن : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ ـ إلى قوله ـ أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ).

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة قال : مشى عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وقرظة بن عمرو والحارث بن عامر فى أشراف الكفار من بنى عبد مناف إلى أبى طالب فقالوا له : لو أن ابن أخيك طرد عنا هؤلاء الأعبد فإنهم عبيدنا وعسفاؤنا.(واحدهم عسيف ، وهو الأجير) كان أعظم له فى صدورنا وأطوع له عندنا وأدنى لاتباعنا إياه وتصديقه ، فذكر ذلك أبو طالب للنبى صلى الله عليه وسلم (فقال عمر بن الخطاب : لو فعلت يا رسول الله حتى تنظر ما يريدون بقولهم وما يصيرون إليه من أمرهم). فأنزل الله : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ ـ إلى قوله أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ).

قال وكانوا بلالا وعمار بن ياسر وسالما مولى أبي حذيفة. وصبيحا مولى أسيد ،

١٣٤

ومن الحلفاء ابن مسعود والمقداد بن عمرو وواقد بن عبد الله الحنظلي وعمرو بن عبد عمرو ذو الشمالين ومرثد بن أبي مرثد وأشباههم ؛ ونزلت فى أئمة الكفر من قريش والموالي والحلفاء : «وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا» الآية. فلما نزلت أقبل عمر بن الخطاب فاعتذر فأنزل الله : «وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا» الآية.

والعبرة من هذا أن أول أتباعه كانوا كأتباع من تقدمه من الرسل صلوات الله عليهم من الضعفاء والفقراء ، وأن أعداءه هم المترفون من الرؤساء والسادة كأعدائهم وأنهم كانوا يحتقرون السابقين إلى الإيمان ويذمونهم ويعدون أنفسهم معذورين بعدم رضاهم بمساواتهم ؛ بل قد اقترحوا على الرسل طردهم وإبعادهم كما فى هذه الآية وكما فى قوله فى سورة هود حاكيا قول الأشراف من قوم نوح عليه السلام : «وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ» وقوله لهم : «وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ».

(ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ) أي ما عليك شىء من أمر حساب هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى ، كما أنه ليس عليهم شىء من أمر حسابك على أعمالك ، حتى يكون هذا أو ذاك سببا فى طردك إياهم بإساءتهم فى عملهم أو فى محاسبتك على عملك ، فإن الطرد جزاء والجزاء إنما يكون على سيىء الأعمال ولا يثبت ذلك إلا بالحساب. والمؤمنون ليسوا بعبيد للرسل ولا أعمالهم الدينية لهم ، بل هى لله يريدون بها وجهه لا أوجه الرسل ، وحسابهم عليه تعالى لا عليهم ، والرسل هداة مرشدون ، لا أرباب مسيطرون : «فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ» وإذا لم يكن للرسل حق السيطرة على الناس ومحاسبتهم على أعمالهم الدينية ، فأجدر بالناس ألا يكون لهم هذا الحق على أنبيائهم.

(فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) أي لا تطرد هؤلاء الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى فتكون بطردك إياهم فى زمرة الظالمين معدودا من جنسهم ، لأن الطرد لا يكون حقا إلا على الإساءة فى الأعمال التي يعملونها لمن له حق حسابهم وجزائهم عليها ، ولست

١٣٥

أنت بصاحب هذا الحق حتى تجرى فيه على صراط العدل ، فإن عملهم هو عبادة الله وحده ، فحسابهم وجزاؤهم عليه كما قال نوح عليه السلام : «إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ».

والخلاصة ـ إن هذه الآية الكريمة أفادت :

(١) أن الرسول لا يملك التصرف فى الكون.

(٢) أنه لا يعلم الغيب.

(٣) أنه ليس بملك.

(٤) أنه لا يملك حساب المؤمنين ولا جزاءهم.

ثم بين أن مقال المشركين فى شأن المستضعفين ابتلاء من الله وفتنة فقال :

(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي ومثل ذلك الفتن أي الابتلاء والاختبار ، فتنا بعضهم ببعض : أي جعلنا بحسب سنتنا فى غرائز البشر وأخلاقهم ـ بعضهم فتنة لبعض تظهر به حقيقة حاله ، كما يظهر للصائغ حقيقة الذهب والفضة بفتنتهما بالنار.

(لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا؟) أي لتكون العاقبة أن يقول المفتونون من الأقوياء فى شأن الضعفاء من المؤمنين : أهؤلاء الصعاليك من العبيد والموالي والفقراء والمساكين خصهم الله بهذه النعمة العظيمة من جملتنا أو من مجموعنا؟.

والخلاصة ـ إن ذلك لن يكون ، لأنهم هم المفضّلون عند الله بما آتاهم من غنى وثروة وجاه وقوة ، فلو كان هذا الدين خيرا لمنحهم إياه دون هؤلاء الضعفاء كما أعطاهم من قبل الجاه والثروة ، وقد حكى الله عنهم مثل هذا بقوله : «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ».

ثم رد عليهم مقالتهم الدالة على العتوّ والاستكبار بقوله :

(أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) أي إن المستحقّ لمنّ الله وزيادة نعمه إنما هو من يقدّرها قدرها ، ويعرف حق المنعم بها فيشكره عليها ، لا من سبق الإنعام عليه فكفر وبطر وعتا واستكبر.

١٣٦

وبهذا مضت سنة الله فى عباده ، ولو لا هذا لكانت النعم خالدة لا تنزع ممن أوتيها وإن كفر بها ، وهل فتن أولئك الكبراء إلا بما حصل لهم من الغنى والقوة؟ فظنوا جهلا منهم بسنة الله فى أمثالهم أنه تعالى ما أعطاهم ذلك إلا تكريما لذواتهم ، وتفضيلا لهم على غيرهم.

وفى الآية إيماء إلى أن ما اغترّوا به من النعم لن يدوم ، ولا يبقى المؤمنون على الضعف الذي صبروا عليه ، بل لا بد أن تنعكس الحال فيسلب الأقوياء ما أعطوا من قوة ومال ، وتدول الدّولة لهؤلاء الضعفاء من المؤمنين فيكونوا هم الأئمة الوارثين «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ»

كذلك فيها إشارة إلى أن تركهم للإيمان لم يكن إلا جحودا ناشئا عن الكبر والعلوّ فى الأرض لا عن حجة ولا عن شبهة ، وإلى أن ضعفاء المؤمنين السابقين لم يفتنوا بغنى كبراء المشركين وقوتهم.

(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥))

تفسير المفردات

السلام والسلامة : البراءة والعافية من الآفات والعيوب ، والسلام : من أسمائه تعالى يدل على تنزيهه عن كل ما لا يليق به من نقص وعجز وفناء ، واستعمل السلام فى التحية بمعنى السلامة من كل ما يسوء ، وبمعنى تأمين المسلم عليه من كل أذى يناله

١٣٧

من المسلم فهو دليل المودة والصفاء ، وهو تحية أهل الجنة يحييهم بها ربهم جل وعلا وملائكته الكرام ، ويحيى بها بعضهم بعضا ، وكتب. أوجب ، والجهالة : السفه والخفة التي تقابل الحكمة والروية ، وتستبين : تتضح وتظهر ، يقال : استبنت الشيء وتبينته : أي عرفته بينا واضحا.

المعنى الجملي

بعد أن نهى سبحانه نبيه عن طرد المستضعفين من حضرته ، استمالة لكبراء المتكبرين من قومه ، وطمعا فى إقبالهم عليه وسماعهم لدعوته ، كما اقترحه بعض المشركين.

أمره بأن يلقى الذين يدخلون فى الإسلام آنا بعد آن عن بينة وبرهان ـ بالتحية والسلام ، والتبشير برحمة الله ومغفرته ، فقد كان السواد الأعظم من الناس كافرين إما كفر جحود وعناد ، وإما كفر جهل وتقليد للآباء والأجداد ، وكان يدخل فى الإسلام الأفراد بعد الأفراد ، وكان أكثر السابقين من المستضعفين والفقراء ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكون تارة معهم يعلمهم ويرشدهم ، وتارة يتوجه إلى أولئك الكافرين يدعوهم وينذرهم.

الإيضاح

(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي وإذا جاءك القوم الدين يصدّقون بكتابنا وحججنا ، ويقرون بذلك قولا وعملا ، سائلين عن ذنوبهم التي فرطت منهم ، هل لهم منها توبة ، فلا تؤيسهم منها ، وقل لهم : سلام عليكم أي أمنة الله لكم من ذنوبكم أن يعاقبكم عليها بعد توبتكم منها.

ثم ذكر العلة فى هذا فقال :

(كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي قل لهم : أوجب على ذاته المقدسة تفضلا منه وإحسانا ، الرحمة بخلقه ، فإن فيما سخّر للبشر من أسباب المعيشة المادية ، وفيما آتاهم من وسائل العلوم الكسبية ـ لآيات بينات على سعة الرحمة الربانية ، وتربية عباده بها فى حياتهم الجسدية والروحية.

١٣٨

ثم بين أصلا من أصول الدين في هذه الرحمة للمؤمنين فقال :

(أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي إن من عمل منكم عملا تسوء عاقبته ، للضرر الذي حرّمه الله لأجله ، حال كونه ملتبسا بجهالة دفعته إلى ذلك السوء ، كغضب شديد حمله على السب والضرب ، أو شهوة مغتلمة قادته إلى انتهاك العرض ، ثم تاب ورجع عن ذلك السوء بعد أن عمله شاعرا بقبحه ، نادما عليه ، خائفا من عاقبته ، وأصلح عمله بأن اتبع ذلك العمل السيّء بعمل يضاده ، ويذهب أثره من قلبه ، حتى يعود إلى النفس زكاؤها وطهارتها ، وتصير أهلا للقرب من ربها ـ فشأنه تعالى فى معاملته أنه واسع المغفرة والرحمة ، فيغفر له ما تاب عنه ، ويتغمده برحمته وإحسانه.

وقد بين سبحانه فى هذه الآية من أنواع الرحمة المكتوبة لعباده ما هم أحوج إلى معرفته بنص الوحى وهو حكم من يعمل السوء بجهالة من عباده المؤمنين ، وبقية أنواعها يمكن أن يستدل عليها بالنظر فى الأنفس والآفاق ، وأمر نبيه بتبليغها لمن يدخلون فى الدين ليهتدوا بها حتى لا يغتروا بمغفرة الله ورحمته فيحملهم الغرور على التفريط فى جنب الله والغفلة عن تزكية أنفسهم ، وحتى يبادروا إلى تطهيرها من إفساد الذنوب خوف أن تحيط بها خطيئتها : «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ».

ثم بين سبحانه أنه فصل الحقائق للمؤمنين ليبتعدوا عن سلوك سبيل المجرمين.

(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) أي ومثل ذلك التفصيل البديع الواضح نفصل لك أدلتنا فى بيان الحقائق التي يهتدى بها أهل النظر والفكر لما فيها من العلم والحكمة ، والموعظة والعبرة ، ولتتضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين ، إذ يعلم من هذا التفصيل أن ما خالفه هو سبيل المجرمين والأشياء تعرف بأضدادها كما قيل (وبضدها تتميز الأشياء).

١٣٩

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨))

تفسير المفردات

النهى : الزجر عن الشيء بالقول نحو اجتنب قول الزور ، والكف عنه بالفعل كما قال تعالى : «وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى» والدعاء : النداء لطلب إيصال الخير أو دفع الضر ، ولا يكون عبادة إلا إذا كان فيما وراء الأسباب العادية التي سخرها الله للعباد وينالونها بكسبهم واجتهادهم وتعاونهم عليها. والبينة : كل ما يتبين به الحق من الحجج العقلية أو الآيات الحسية ، ومن ذلك تسمية الشهادة بينة. والقصص : ذكر الخبر أو تتبع الأثر ، والفصل : القضاء والحكم.

المعنى الجملي

بعد أن ذكر سبحانه فيما سلف أنه يفصل الآيات ليظهر الحق وليستبين سبيل المجرمين ، ذكر هنا أنه نهى عن سلوك سبيلهم هو عبادة غير الله ، وأن هذه العبادة إنما هى بمخض الهوى والتقليد ، لا سبيل الحجة والبرهان ، فهى جمادات وأحجار ينحتونها بأيديهم ويركبونها ثم يعبدونها.

الإيضاح

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي قل أيها الرسول لهؤلاء الداعين لك إلى الإشراك : إنى نهيت أن أعبد الذين تدعونهم وتستغيثون بهم من دون الله أي غير الله من الملائكة والصالحين من عباده ، دع مادونهم من الأصنام والأوثان التي لا علم لها ولا عمل.

١٤٠