كشف الرّموز - ج ٢

الشيخ حسن بن أبي طالب اليوسفي [ الفاضل الآبي ]

كشف الرّموز - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن بن أبي طالب اليوسفي [ الفاضل الآبي ]


المحقق: الشيخ علي پناه الاشتهاردي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٤١
الجزء ١ الجزء ٢

كتاب السبق والرماية

٦١

كتاب السبق والرماية

ومستندهما قوله عليه‌السلام : لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر (١).

ويدخل تحت النصل السهام والحراب والسيوف ، وتحت الخف الإبل والفيل ، وتحت الحافر الخيل والبغال والحمير ، ولا يصح في غيرها.

ويفتقر انعقادهما إلى إيجاب وقبول ..

وفي لزومهما تردد ، أشبهه : اللزوم.

ويصح أن يكون السبق عينا أو دينا.

ولو بذل السبق غير المتسابقين جاز.

______________________________________________________

قال دام ظله : وفي لزومهما تردد ، أشبهه اللزوم.

أقول : اختلف قول الشيخ في هذه المسألة ، فذهب في الخلاف إلى أنها لا تلزم لأنها من العقود الجائزة كالجعالة ، وفي المبسوط يذهب إلى اللزوم ، وكذا الجمهور اختلفوا.

والأشبه اللزوم ، لقوله تعالى : أوفوا بالعقود وهو عقد ، فيجب الوفاء به.

__________________

(١) الوسائل باب ٣ حديث ١ و ٢ و ٤ مع تقديم وتأخير في الثلاثة ج ١٣ ص ٣٤٨.

٦٢

وكذا لو بذل له أحدهما ، أو بذل من بيت المال.

ولا يشترط المحلل عندنا.

ويجوز جعل السبق للسابق منهما ، وللمحلل إن سبق ، ويفتقر المسابقة إلى تقدير المسافة والخطر وتعيين ما يسابق عليه. وتساوى ما به السباق في احتمال السبق.

وفي اشتراط التساوي في الموقف تردد :

ويتحقق السبق بتقديم الهادي (١).

وتفتقر المراماة إلى شروط تقدير الرشق وعدد الإصابة وصفتها وقدر المسافة والغرض والسبق.

وفي اشتراط المبادرة والمحاطة تردد ، ولا يشترط تعيين السهم ولا القوس.

______________________________________________________

« قال دام ظله » : وفي اشتراط التساوي في الموقف تردد.

ذهب قوم من الجمهور إلى الاشتراط ، واختاره الشيخ في بعض أقواله ، والأشبه أنه لا يشترط ، لأن الأصل عدم الاشتراط ، ولأنه مبني على التراضي.

« قال دام ظله » : ويتحقق السبق بتقديم (بتقدم خ) الهادي.

الهادي هو العنق ، وعند الأكثرين يتحقق السبق بالهادي والكتد معا ، وهو ما بين أصل العنق إلى الظهر.

وإنما يثبت هذا إذا كان ما يسبق عليه متساوي الخلقة ، فأما مع الاختلاف فيتحقق السبق للقصير بالهادي أو بعضه ، وللطويل إذا سبق بقدر الزائد مع زيادة يصدق معها السبق.

« قال دام ظله » : وفي اشتراط المبادرة والمحاطة تردد.

__________________

(١) العنق الكتد.

٦٣

ويجوز المناضلة على الإصابة وعلى التباعد ، ولو فضل أحدهما الآخر وقال (فقال خ) : اطرح الفضل بكذا لم يصح لأنه مناف للغرض من النضال.

______________________________________________________

أقول : المبادرة أن يبادر أحدهما إلى الإصابة مع تساويهما في عدد الرمي ، والمحاطة أن يبادر أحدهما إلى عدد الإصابة مع التساوي في الرشق ، بكسر الراء ، وهو عبارة عن عدد الرمي بعد إسقاط ما تساويا في الإصابة.

وهل يجب اشتراطهما؟ قال الشافعي : يجب ، والأشبه أنه لا يجب ، لأن العقد يتضمن المبادرة ولأن الاشتراط منفي بالأصل ، ولا دليل على ثبوته.

٦٤

كتاب الوصايا

٦٥

كتاب الوصايا

وهي تستدعي فصولا :

(الأول) :

الوصية تمليك عين أو منفعة ، أو تسليط على تصرف بعد الوفاة.

ويفتقر إلى الإيجاب والقبول وتكفي الإشارة الدالة على القصد ، ولا تكفي الكتابة ، ما لم تضم القرينة الدالة على الإرادة ، ولا يجب العمل بما يوجد بخط الميت.

وقيل : إن عمل الورثة ببعضها لزمهم العمل بجميعها ، وهو ضعيف.

______________________________________________________

« قال دام ظله » : وقيل : إن عمل الورثة ببعضها لزمهم العمل بجميعها ، وهو ضعيف.

والقائل بهذا هو الشيخ في النهاية ، ولعل المستند ما رواه في التهذيب مرفوعا (١) إلى إبراهيم بن محمد الهمداني ، قال : كتبت إليه ، رجل كتب كتابا (بخطه ولم يقل لورثته : هذه وصيتي ولم يقل إني قد أوصيت إلا أنه كتب كتابا خ قيه) فيه ما أراد

__________________

(١) ليس المراد الرفع المصطلح في علم الدراية ، فإن سندها كما في التهذيب هكذا : محمد بن أحمد بن يحيى ، عن عمر بن علي ، عن إبراهيم بن محمد الهمداني.

٦٦

ولا تصح الوصية في معصية كمساعدة الظالم.

وكذا وصية المسلم للبيعة والكنيسة.

(الثاني) في الموصي :

ويعتبر فيه كمال العقل والحرية.

وفي وصية من بلغ عشرا في البر تردد ، والمروي : والجواز.

______________________________________________________

أن يوصي به ، هل يجب على ورثته القيام بما في الكتاب بخطه ولم يأمرهم بذلك؟ فكتب عليه‌السلام إن كان له ولد ، ينفذون كل شئ يجدونه في كتاب أبيهم في وجه البر وغيره (١).

وهذه مشتملة على الكتابة ، والمكتوب إليه مجهول (٢) ومضمونها غير دال صريحا على نفس الفتوى ، فهي ضعيفة ساقطة ، والرجوع لازم إلى المتيقن ، وهو كتاب الله تعالى وسنة نبيه محمد المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله.

« قال دام ظله » : وفي وصيته من بلغ عشرا في البر تردد ، والمروي الجواز.

أقول : اختلفت الروايات في حد البلوغ ، وجواز وصيته ، ففي رواية عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : إذا بلغ الصبي خمسة أشبار ، أكلت ذبيحته ، وإذا بلغ عشر سنين جازت وصيته (٣).

وفي أخرى ، عن أبي بصير وأبي أيوب ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في الغلام ابن عشر سنين يوصي ، قال : إذا أصاب موضع الوصية جازت (٤).

وفي أخرى ، عن أبان بن عثمان ، عن منصور بن حازم ، عن أبي عبد الله عليه

__________________

(١) الوسائل باب ٤٨ حديث ٢ من كتاب الوصايا.

(٢) قد ذكر في الوسائل إنه أبو الحسن عليه‌السلام.

(٣) الوسائل باب ٤٤ حديث ٥ من كتاب الوصايا.

(٤) الوسائل باب ٤٤ حديث ٦ من كتاب الوصايا.

٦٧

________________________________________________________

السلام ، قال : سألته عن وصية الغلام هل تجوز؟ قال : إذا كان ابن عشر سنين جازت وصيته (١).

وفي معناها ، ما روي عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، إذا بلغ الغلام عشر سنين ، فأوصى بثلث ماله في حق جازت وصيته ، الحديث (٢) وفي هذا المعنى أكثر من هذه (٣).

فأما ما رواه أحمد بن عمر الحلبي ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، (في حديث) قال : إذا أتت عليه ثلاث عشر سنة ، كتبت له الحسنات ، وكتبت عليه السيئات وجاز أمره أن يكون سفيها أو ضعيفا ، فقال : وما السفيه؟ فقال : الذي يشتري الدرهم بأضعافه ، قال ، وما الضعيف؟ قال : لإبله (٤).

وما رواه الحسن بن الياس ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا بلغ أشده ثلاث عشر سنة ودخل في الأربع عشرة ، وجب عليه ما يجب (وجب خ) على المحتلمين احتلم أو لم يحتلم ، وكتبت عليه السيئات ، وكتبت له الحسنات وجاز له كل شئ إلا أن يكون سفيها أو ضعيفا (٥) وغير ذلك مما يدل على ثلاث عشرة أو أربع عشرة.

__________________

(١) الوسائل باب ٤٤ حديث ٧ من كتاب الوصايا.

(٢) الوسائل باب ٤٤ حديث ٢ من كتاب الوصايا ، وتمامه : إذا كان ابن سبع سنين فأوصى في ماله باليسير في حق جازت وصيته.

(٣) لاحظ باقي أحاديث باب ٤٤ من كتاب الوصايا.

(٤) الوسائل باب ٤٤ ذيل حديث ٨ من كتاب الوصايا ، وصدره : قال سأله أبي وأنا حاضر عن قوله الله عزوجل : حتى إذا بلغ أشده؟ قال : الاحتلام ، قال : فقال : يحتلم في ست عشر وسبع عشر سنة ونحوها؟ فقال : لا إذا أتت ... الخ.

(٥) الوسائل باب ٤٤ حديث ١١ من كتاب الوصايا.

٦٨

_______________________________________________________

فلا تنافي بينها وبين ما ذكرناه في بلوغ العشرة (العشر خ) لأنها مخصوصة بالوصية ، فيجوز أن يحكم الشارع بصحة الوصية ممن بلغ عشرا وإن لم يبلغ حد البلوغ المعتبر.

(فإن قيل) : الروايات الواردة بثلاث عشرة أو أربع عشرة تنافي القول بأن حد البلوغ خمسة عشر سنة (سنين خ) والرواية المخصوصة بذلك.

(قلنا) : تحمل رواية ثلاث عشرة أو أربع عشرة وما دونه إلى عشر على ما إذا كان الغلام قد احتلم أو أنبت شعر العانة فيها توفيقا بين الروايات.

ولأن الاحتلام في تلك السنين قد يقع كثيرا ، ورواية خمس عشر سنة مخصوصة ممن لم يحتلم أو لم ينبت شعر العانة.

فأما ما رواه العبدي ، عن الحسن بن راشد عن العسكري عليه‌السلام ، قال : إذا بلغ الغلام ثمان سنين فجائز أمره في ماله ، وقد وجب عليه الفرائض والحدود ، وإذا تم للجارية سبع سنين فكذلك (١).

فهي متروكة بإجماع الطائفة ، لضعف سندها.

وإذا تقرر هذا ، فلنرجع إلى ما نحن بصدده ، فأقول : ذهب الشيخ ، والمفيد ، وسلار ، وأبو الصلاح ، وأتباعهم إلى أن وصية من بلغ عشرا جائزة في المعروف ، من وجوه البر ، وقال الشيخ : تصح هبته أيضا ، ومنعه الآخرون وهو أشبه.

وأقدم المتأخر على منع الروايات كلها وفتوى الأصحاب ، وذهب إلى أن جميع تصرفات الغلام غير جائزة لكونه محجورا عليه إلى أن يبلغ (بلغ خ) خمس عشر سنة ، أو احتلم ، أو أنبت شعر العانة.

ومنشأ تردد شيخنا من النظر إلى الروايات ومن الأصل الذي ذكره

__________________

(١) الوسائل باب ٣٨ حديث ١٣ من أبواب حد السرقة إلا أن فيه : وعن سليمان بن جعفر المروزي ، عن الرجل عليه‌السلام قال : إذا تم ... الخ.

٦٩

ولو جرح نفسه بما فيه هلاكها ثم أوصى لم يقبل.

ولو أوصى ثم جرح قبلت ، وللوصي الرجوع في الوصية متى شاء.

(الثالث) في الموصى له :

ويشترط وجوده ، فلا يصح لمعدوم ، ولا لمن ظن بقاؤه وقت الوصية فبان ميتا.

وتصح الوصية للوارث كما تصح للأجنبي ، وللحمل بشرط وقوعه حيا.

وللذمي ولو كان أجنبيا وفيه أقوال.

______________________________________________________

المتأخر (١).

والحق عندي اتباع الأصحاب ، والعمل بالروايات في الوصية خاصة ، لكثرتها ، والتزام الأصل في غير الوصية.

« قال دام ظله » : وللذمي ولو كان أجنبيا ، وفيه أقوال.

ذهب الشيخان في النهاية والمقنعة وسلار إلى أنها تجوز لذوي الرحم الكفار ، لا الأجنبي ، فالذمي يدخل تحت لفظ الكفار ضمنا (تضمنا خ).

وقال في الخلاف : يجوز لأهل الذمة خاصة لا الحربي.

وقال أبو الصلاح : لا تصح لكافر أجنبي لا في الواجب ولا في المسنون ، نعم يجوز لو كانت الوصية مكافاة على مكرمة.

وقال المتأخر : يجوز لجميع الكفار على العموم عملا بعموم الآية (٢).

__________________

(١) في بعض النسخ هكذا : ومنشأ تردد شيخنا بين النظر في الروايات وبين الأصل ... الخ

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين). البقرة ـ ١٨٠.

٧٠

ولا تصح للحربي ، ولا لمملوك غير الموصي ولو كان مدبرا أو أم ولد ، نعم لو أوصى لمكاتب قد تحرر بعضه مضت الوصية في قدر نصيبه من الحرية.

وتصح لعبد الموصي ومدبره ومكاتبه وأم ولده.

______________________________________________________

والمختار عند شيخنا ، أنه يجوز للذمي رحما وأجنبيا ، ولا يجوز للحربي ، ولو كان (كانت خ) رحما ، وهو انسب.

(لنا) النظر ، والأثر ، أما النظر ، فنقول : الوصية تصرف في المال ، فيجوز للمالك ، كيف شاء لقولهم : الناس مسلطون على أموالهم (١) ترك العمل بذلك في الحربي ، لقوله تعالى : (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) (٢) أي الذين كفروا.

وبوجه آخر معونة الكفار حرام غير جائزة (جائز خ) على اختلاف أصنافهم ، والوصية لهم معونة ، فلا تجوز.

(إن قيل) : هذا الدليل يتناول الذمي والحربي (قلنا) : دليل العقل يخصص بالأخبار.

وهي ما رواه في التهذيب مرفوعا (٣) إلى محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما السلام ، في رجل أوصى بماله في سبيل الله ، قال : اعط (اعطه خ) لمن أوصي له ولو (وإن خ) كان يهوديا أو نصرانيا ، إن الله تعالى يقول : فمن بدله بعد ما سمعه الآية. (٤)

__________________

(١) عوالي اللئالي ج ١ ص ٤٥٧ مطبعة سيد الشهداء بقم رقم ١٩٨.

(٢) هود ـ ١١٣.

(٣) يعني متصلا سنده إليه ، ولا يراد الرفع المطلح.

(٤) الوسائل باب ٣٥ حديث ٥ من كتاب الوصايا ، وفيه : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام وفي باب ٣٢ حديث ١ منه ، وفيه : سألت أبا جعفر عليه‌السلام ، وفيه أيضا بالسند الرابع كما هنا ، وتمام الآية الشريفة : فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم ، البقرة ـ ١٨١ والظاهر أن ذكر هذه الروايات تتمم لما ذكره قده (والأثر ... الخ).

٧١

ويعتبر ما يوصي به لمملوكه بعد خروجه من الثلث ، فإن كان بقدر قيمته أعتق ، وكان الموصى به للورثة ، وإن زاد أعطى العبد الزائد ، ولو نقص عن قيمته يسعى في الباقي.

وقيل : إن كانت قيمته ضعف الوصية بطلت ، وفي المستند ضعف.

______________________________________________________

وما رواه علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن الريان بن شبيب (في حديث) قال : سألت الرضا عليه‌السلام ، فقلت : إن أختي أوصت بوصية لقوم نصارى ، فأردت أن أصرف ذلك إلى قوم من أصحابنا مسلمين؟ فقال : امض الوصية على ما أوصت به ، قال الله تعالى : فإنما إثمه على الذين يبدلونه (١).

وفي هذا المعنى روايات أخر (٢) فمن شاءها فليطلبها في كتب الأحاديث.

وبهذه الروايات يخصص عموم آية الوصية للذمي (التي خ) (الذي ظ) تمسك به المتأخر.

« قال دام ظله » : ويعتبرمايوصي به لمملوكه بعد خروجه من الثلث ، فإن كان بقدر قيمته أعتق ، وكان الموصى به للورثة ، فإن زاد أعطى العبد الزائد ولو نقص عن قيمته يسعى في الباقي ، وقيل : إن كان قيمته ضعف الوصية بطلت ، وفي المستند ضعف.

أقول : إذا أوصى للمملوك (لمملوكه خ) بمقدار ثلث المال أو أقل فلا خلاف بيننا إنه ينتقل إلى نفسه فيقوم ويعتق مع التساوي ويعطى الزائد ، إذا كانت الوصية أزيد.

وإنما الخلاف لو كانت قيمته أفضل من الوصية ، فقال الشيخ في الخلاف وابن

__________________

(١) الوسائل باب ٣٥ حديث ١ من كتاب الوصايا ، وصدره قال : أوصت ماردة لقوم نصارى فراشين بوصية ، فقال أصحابنا : أقسم هذا في فقراء المؤمنين من أصحابك فسألت الرضا عليه‌السلام.

(٢) راجع الوسائل باب ٣٢ و ٣٥ من كتاب الوصايا.

٧٢

ولو أعتقه عند موته وليس له غيره دين ، فإن كانت قيمته بقدر الدين مرتين صح العتق ، وإلا بطل ، وفيه وجه آخر ضعيف.

______________________________________________________

بابويه في رسالته ، وسلار وأبو الصلاح والمتأخر ، وشيخنا : يعتق بقدر الوصية ، ويستسعى العبد في الباقي.

وقال في النهاية والمفيد في المقنعة : إن كانت الزيادة بمقدار السدس لربع أو الربع أو الثلث أعتق بذلك المقدار ، ويستسعى في الباقي ، وإن كانت القيمة على الضعف من ثلثه ، بطلت الوصية.

والمستند ما رواه الحسن بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام ، في رجل أوصى لمملوكه (لمملوك له خ) بماله قال : فقال : يقوم المملوك بقيمة عادلة ، ثم ينظر ما ثلث الميت؟ فإن كان الثلث أقل من قيمة العبد بقدر ربع القيمة ، استسعى العبد في ربع القيمة ، وإن كان الثلث أكثر من قيمة العبد ، أعتق العبد ، ودفع إليه ما فضل من الثلث بعد القيمة (القسمة خ) (١).

وفي التمسك بهذه الرواية ضعف ، فإن الحسن بن صالح ، زيدي المذهب ، فلا يعمل بما ينفرد به ، مع أنها لا تدل على إبطال الوصية صريحا ، لما ادعاه الشيخ.

« قال دام ظله » : ولو أعتقه عند موته وليس غيره وعليه دين ، فإن كانت قيمته بقدر الدين مرتين صح العتق ، وإلا بطل ، وفيه وآخر ضعيف.

أقول : ولنفرض لهذه المسألة مثالا وهو عبد قيمته مائة دينار والدين الذي على المولى خمسون دينارا ، فالعتق صحيح ، فيسعى العبد للديان بخمسين ، وللورثة بثلاثة وثلاثين وثلث دينار ، وينعتق بقدر الباقي ، وهو ثلث المال بعد الدين ، وإن كانت قيمته أقل من ذلك ، بطلت الوصية.

ومستند هذه المسألة ما رواه جميل عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، في

__________________

(١) الوسائل باب ٧٩ حديث ٢ وباب ١ حديث ١١ من كتاب الوصايا.

٧٣

______________________________________________________

رجل أعتق مملوكه عند موته ، وعليه دين ، قال : إن كانت قيمته مثل الذي عليه ومثله جاز عتقه ، وإلا لم يجز (١).

وفي هذا المعنى رواية عن عبد الرحمان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، فالرواية واردة فيمن أعتق عبده عند موته (٢).

وهو يقتضي أن يكون منجزا ، فشيخنا تبع لفظ الرواية ، والشيخ ذكره في النهاية في كتاب الوصية بلفظ (من أوصى بعتق عبده) ولسنا نعرف به شاهدا فنطالبه به.

فأما في باب العتق فقد ذكره بلفظ العتق ، كما هو لفظ الرواية.

فنحن إن عملنا بالرواية اقتصرنا على ألفاظها ، وإن عدلنا إلى الوصية ، فنعمل بالأصل ، وهو تقديم الدين على الوصية ، ويسعى العبد للديان ، ثم يعتق بقدر الثلث ، وإن زادت قيمته على الثلث بعد السعي للديان ، فيسعى للورثة بقدر ذلك السواء بلغت قيمته ضعفي الدين أو لم تبلغ.

وتوهم المتأخر أن الرواية وردت بلفظ الوصية ، فقال : الأصل أن الدين يقدم على الوصية كما ذكرنا ، ثم قال : وإن عمل عامل بالرواية يلزمه أن يستسعى العبد سواء كانت قيمته ضعفي الدين أو أقل من ذلك ، وهذا قول ضعيف ، لا يقوله محصل.

وفيه تناقض ظاهر ، فكأنه يقول : مين يعمل بالرواية يلزمه أن يعدل عن الرواية إلى الأصل الذي يذكره.

فقوله (٣) : (وفيه وجه آخر ضعيف) إشارة إلى قول المتأخر ، بناء للمسألة على

__________________

(١) الوسائل باب ٣٩ حديث ٦ من كتاب الوصايا بالسند الرابع.

(٢) الوسائل باب ٣٩ حديث ٢ من كتاب الوصايا ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : إذا ترك الذي عليه ، ومثله أعتق المملوك واستسعى.

(٣) يعني قول المصنف رحمه‌الله.

٧٤

ولو أوصى لأم ولده صح ، وهل تعتق من الوصية أو من نصيب الولد؟ فيه قولان ، فإن أعتقت من نصيب الولد كان لها الوصية.

______________________________________________________

العتق ، كما هو لفظ الرواية ، واختاره في الشرائع (١) ، فبني المسألة على الوصية ، كما هو نقل الشيخ.

وعلى التقديرين الإشكال ظاهر ، أما على تقدير الوصية فظاهر ، وأما على تقدير العتق ، فلأن العتق إذا وقع منجزا لا يكون للديان عليه سبيل ، خصوصا على مذهب من يقول : العطايا المنجزة من الأصل.

« قال دام ظله » : ولو أوصى لأم ولده صح ، وهل تعتق من الوصية أو من نصيب الولد؟ فيه قولان.

أقول : ذهب الشيخ في النهاية إلى أنها تعتق من نصيب الولد وتعطى من الثلث قدر الوصية.

وقال المتأخر : تعتق من الوصية ، لأنها مقدمة على الإرث ، ويعطى الزائد على القيمة لو حصل ، ولو نقص يضاف إليه من نصيب الولد وتنعتق.

وما وقفت بما ذكره الشيخ على حديث مروي ، نعم قد ذكر في التهذيب عن أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن جميل بن صالح ، عن أبي عبيدة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كانت له أم ولد له منها غلام ، فلما حضرته الوفاة أوصى لها بألفي درهم أو أكثر ، للورثة أن يسترقوها؟ قال : فقال : لا بل تعتق من ثلث الميت ، وتعطى ما أوصى لها به ، قال : وفي كتاب العباس تعتق من نصيب ابنها ، وتعطى من ثلثه ما أوصى لها به.

وكتاب العباس لا يصح التمسك بما وجد فيه.

__________________

(١) في بعض النسخ بعد قوله : في الشرائع هكذا : وأما المتأخر فبني المسألة على الوصية كما هو نقل الشيخ.

(٢) الوسائل باب ٨٢ حديث ٤ من كتاب الوصايا.

٧٥

وفي رواية أخرى تعتق من الثلث ولها الوصية.

وإطلاق الوصية يقتضي التسوية ما لم ينص على التفضيل.

وفي الوصية لأخواله وأعمامه رواية بالتفضيل كالميراث ، والأشبه : التسوية.

وإذا أوصى لقرابته فهم المعروفون بنسبة.

______________________________________________________

ولنا في المسألة تردد منشأه النظر إلى تقديم الوصية على الدين.

وقوله : (وفي رواية أخرى تعتق من الثلث ولها الوصية) إشارة إلى ما ذكرناه من رواية أبي عبيدة ، وإلى ما رواه أحمد بن محمد بن أبي نصر (البزنطي ئل) قال : نسخت من كتاب بخط الرضا أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أنها تعتق في الثلث ولها الوصية (١).

وهذه ضعيفة ، والأولى متروكة وقد ذكرها (هما خ) ابن بابويه في كتاب من لا يحضره الفقيه.

« قال دام ظله » وفي الوصية لأخواله وأعمامه رواية بالتفصيل ، كالميراث ، والأشبه التسوية.

هذه الرواية رواها الشيخ في التهذيب ، وابن بابويه في من لا يحضره الفقيه ، عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، في رجل أوصى بثلث ماله في أعمامه وأخواله ، فقال : لأعمامه الثلثان ولأخواله الثلث (٢).

وعليها فتوى الشيخ في النهاية ، وقال المتأخر : هذا الخبر من الآحاد ، والتفضيل منفي بالأصل ، وحمله على الميراث قياس ، وهو أشبه.

« قال دام ظله » : وإذا أوصى لقرابته ، فهم المعروفون بنسبه ، وقيل : لمن يتقرب

__________________

(١) الوسائل باب ٨٢ حديث ١ من كتاب الوصايا ، منقول بالمعنى فلاحظ.

(٢) الوسائل باب ٦٢ حديث ١ من كتاب الوصايا.

٧٦

وقيل : لمن يتقرب إليه بآخر أب وأم في الإسلام.

ولو أوصى لأهل بيته دخل الآباء والأولاد.

والقول في العشيرة والجيران والسبيل والبر والفقراء كما مر في الوقف.

وإذ مات الموصى له قبل الموصي انتقل ما كان للموصى له إلى ورثته ، ما لم يرجع الموصي على الأشهر.

______________________________________________________

إليه بآخر أب وأم في الإسلام.

القول (الأول خ) اختيار الشيخ في الخلاف والمبسوط والمتأخر ، والقول الثاني اختيار الشيخين في النهاية والمقنعة.

وقال في المبسوط : لا أعرف لهذا القول أي الثاني من شاهد (شاهدا خ ل) من نص أو دليل مستخرج.

والأول أشبه ، لأن اللفظ إذا أطلق ولا يكون له في اللغة ، والشرع موضع يحمل على عرف العادة.

ويعني بقولهم : (آخر أب وأم في الإسلام) الوالدان اللذان ينسب إليهما رهط الميت في الإسلام فإن لكل جماعة أبا تعرف به فإن عرفت بأب لهم قبل الإسلام لم يعتد به ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : قطع الإسلام أرحام الجاهلية (١).

« قال دام ظله » : وإذا مات الموصى له قبل الموصي ، انتقل ما كان للموصى له إلى ورثته ما لم يرجع الموصي على الأشهر.

أقول : هذا الذي ذكره ، عليه انعقد العمل ، ويؤيده النظر والأصل ، وهو أن الموصى به صار بالوصية حقا للموصى له لو لم يرجع الموصي ، فعلى هذا التقدير إذا

__________________

(١) لم نعثر عليه في الكتب المعتمدة إلى الآن.

٧٧

ولو لم يخلف وارثا رجعت إلى ورثة الموصي.

وإذا قال : أعطوا فلانا كذا دفع إليه يصنع به ما شاء.

ويستحب الوصية لذوي القرابة ، وارثا كان أو غيره.

(الرابع) في الأوصياء :

ويعتبر فيهم التكليف والإسلام.

______________________________________________________

مات الموصي له ينتقل حقه إلى ورثته.

ويدل عليه ما رواه الشيخ مرفوعا (١) إلى محمد بن قيس ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أوصى لآخر والموصى له غائب فتوفي الموصى له الذي الوصي له قبل الموصي ، قال : الوصية لوارث الذي أوصى له ، قال : ومن أوصى لأحد شيئا شاهدا كان أو غائبا فتوفي الموصى له قبل الموصي ، فالوصية لوارث الذي أوصى له ، إلا أن يرجع في وصيته قبل موته (٢).

وما رواه محمد بن عمر الباهلي (الساباطي يه يب صائل) قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل أوصي إلي وأمرني أن أعطي عما له في كل سنة شيئا ، فمات العم؟ فكتب : أعط ورثته (٣).

فأما ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل أوصى لرجل بوصيته إن حدث به حدث ، فمات الموصى له قبل الموصي؟ قال : ليس بشئ (٤).

وما رواه أبو بصير وفضالة ، عن العلاء ، عن محمد جميعا ، عن أبي عبد الله عليه

__________________

(١) يعني متصلا سنده إلى محمد بن قيس ، وليس المراد الرافع المصطلح عند أهل الحديث.

(٢) الوسائل باب ٣٠ حديث ١ من كتاب الوصايا.

(٣) الوسائل باب ٣٠ حديث ٣ من كتاب الوصايا.

(٤) الوسائل باب ٣٠ حديث ٥ من كتاب الوصايا.

٧٨

وفي اعتبار العدالة تردد ، أشبهه : أنها لا تعتبر.

أما لو أوصى إلى عدل ففسق بطلت الوصية ، ولا يوصي إلى المملوك إلا بإذن مولاه.

وتصح إلى الصبي منضما إلى كامل لا منفردا ، ويتصرف الكامل حتى يبلغ الصبي ، ثم يشتركان.

______________________________________________________

السلام ، قال : سأل عن رجل أوصى لرجل ، فمات الموصى له قبل الموصي؟ قال : ليس بشئ (شئ خ ل) (١).

فحملها (فحملهماخ ل) الشيخ على تغييرالموصي الوصية قبل (بعدخ ل) بعد موت الموصى له ، كما تضمنه رواية محمد بن قيس ، وهذا التأويل حسن ، لئلا يلزم الإطراح.

« قال دام ظله » : وفي اعتبار العدالة تردد.

أقول : ذهب الشيخان في النهاية والمبسوط ، والمقنعة وأتباعهما إلى اعتبار العدالة وقال المتأخر مستحب ذلك ، لأنه يجوز أن يودع الفاسق والخائن.

وقال سلار : إن لم يوجد العاقل والعادل يصح أن يوصي إلى السفيه والفاسق.

وقول المتأخر قريب من الصواب ، والعقل معتبر قطعا.

ومنشأ تردد شيخنا ، من النظر إلى القولين ، وعلى القولين تبطل الوصية بتجدد فسق الموصي ، لأنه ربما أوصى إليه لعدالته.

__________________

(١) الوسائل ٣٠ حديث ٤ من كتاب الوصايا.

(٢) في التهذيب بعد نقل الخبرين الأخيرين هكذا : فالمعنى في هذين الخبرين هو أنه إنما لا يكون ذلك شيئا إذا غير الموصي الوصية بعد موت الموصى له ، فأما مع إقراره الوصية على ما كانت فإنها تكون لورثته حسب ما تضمنه الروايات المقدمة ، وقد فصل ذلك في رواية محمد بن قيس أبي جعفر عليه السلام التي ذكرناها أولا (انتهى)

٧٩

وليس له نقض ما أنفذه الكامل بعد (قبل خ) بلوغه.

ولا تصح وصية المسلم إلى الكافر ، وتصح من مثله.

وتصح الوصية إلى المرأة.

ولو أوصى إلى اثنين وأطلق ، أو شرط الاجتماع ، فليس لأحدهما الانفراد.

ولو تشاحا لم يمض إلا ما لا بد منه كمؤونة اليتيم.

وللحاكم جبرهما على الاجتماع ، فإن تعذر جاز الاستبدال بهما.

ولو التمسا القسمة لم يجز ، ولو عجز أحدهما ضم إليه آخر.

أما لو شرط لهم الانفراد تصرف كل واحد منهما وإن انفرد ، ويجوز أن يقتسما.

وللموصي تغيير الأوصياء ، وللموصى إليه رد الوصية ، وتصح إن بلغ الرد.

ولو مات الموصي قبل بلوغه لزمت الوصية.

وإذا ظهر من الوصي خيانة استبدل به.

والوصي أمين لا يضمن إلا مع تعد أو تفريط.

ويجوز أن يستوفي دينه مما في يده.

وأن يقوم مال اليتيم على نفسه ، وأن يقترضه إذا كان مليا.

ويختص ولاية الوصي بما عين له الموصي ، عموما كان أو خصوصا.

ويأخذ الوصي أجره المثل ، وقيل : قدر الكفاية ، هذا مع الحاجة.

______________________________________________________

قال دام ظله : ويأخذ الوصي أجرة المثل ، وقيل : قدر الكفاية ، هذا مع الحاجة.

٨٠