كشف الرّموز - ج ٢

الشيخ حسن بن أبي طالب اليوسفي [ الفاضل الآبي ]

كشف الرّموز - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن بن أبي طالب اليوسفي [ الفاضل الآبي ]


المحقق: الشيخ علي پناه الاشتهاردي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٤١
الجزء ١ الجزء ٢

والذمي يتوكل على الذمي للمسلم وللذمي ، ولا يتوكل على مسلم ، والوكيل أمين لا يضمن إلا مع تعد أو تفريط.

(الخامس) في الأحكام وهي مسائل :

(الأولى) لو أمره بالبيع حالا فباع مؤجلا ولو بزيادة لم يصح ووقف على الإجازة.

وكذا لو أمره بالبيع مؤجلا بثمن فباع بأقل عاجلا ، ولو باع بمثله أو أكثر صح إلا أن يتعلق بالأجل غرض ، ولو أمره بالبيع في موضع فباع في غيره بذلك الثمن صح ، ولا كذا لو أمره ببيعه من إنسان من غيره (بغيره خ ل) فإنه يقف على الإجازة ، ولو باع بأزيد.

(الثانية) إذا اختلفا في الوكالة ، فالقول قول المنكر مع يمينه.

ولو اختلفا في العزل أو في التفريط فالقول قول الوكيل.

وكذا لو اختلفا في التلف.

ولو اختلفا في الرد فقولان : (أحدهما) القول قول الموكل مع يمينه ،

______________________________________________________

قلت : في الأمثال المولدة ، ثبت العرش ثم أنقش.

« قال دام ظله » : ولو اختلفا في الرد فقولان

قال في المبسوط : إن كانت الوكالة بغير جعل ، فالقول قول الوكيل لأنه كالوديعة ، لأنه قبض المال لمنفعة الغير ، وإن كانت بجعل ففيه قولان ، والأقوى أن القول قول المنكر (الموكل خ) لأنه قبض المال لمنفعة نفسه ، والمتأخر يجعل القول قول الموكل على الإطلاق ، والتفصيل حسن ، بناء على الأصل (ما خ) ذكره الشيخ وقد ذكرنا ذلك (الأصل خ) فيما تقدم.

٤١

(والثاني) القول قول الوكيل ما لم يكن بجعل وهو أشبه.

(الثالثة) إذا زوجه (وكيل خ) مدعيا وكالته فأنكر الموكل فالقول قول المنكر مع يمينه ، وعلى الوكيل مهرها.

وروي نصف مهرها (المهر خ) لأنه ضيع حقها ، وعلى الزوج أن يطلقها سرا إن كان وكل.

______________________________________________________

ولو توكل لرجل في عقد على امرأة ، فأنكر الموكل ، فالقول قوله مع يمينه وعليه المهر.

« قال دام ظله » : وروي نصف المهر ، لأنه ضيع حقها (١).

هذه رواها في التهذيب عن رجاله (٢) مرفوعا إلى داود بن الحصين ، عن عمر بن حنظلة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سألته عن رجل قال لآخر : اخطب لي فلانة ، فما فعلت من شئ مما قالت : من صداق أو ضمنت من شئ أو شرطت ، فذلك لي رضا وهو لازم لي ، ولم يشهد على ذلك ، فذهب فخطب له وبذل عنه الصداق وغير ذلك مما طالبوه وسألوه ، فلما رجع إليه أنكر ذلك كله؟ قال : يغرم لها نصف الصداق عنه وذلك أنه هو الذي ضيع حقها (الغرض من الحديث) وأفتى عليها في المبسوط.

وقال في النهاية : بوجوب المهر كاملا (كملا خ) واختاره المتأخر ، وهو أشبه ، لأن المهر يستقر بالعقد ، ولا ينصفه إلا الطلاق قبل الدخول ، عملا بالنص ، والرواية من الآحاد ، فلا يخص بها الأصل المسلم.

__________________

(١) في بعض النسخ هكذا : ولو توكل الرجل في عقد على امرأة ، فأنكر الموكل ، فالقول قوله مع يمنه ، وعليه المهر ، وروي نصف المهر ... الخ.

(٢) رجاله كما في التهذيب هكذا : محمد بن علي بن محبوب ، عن محمد بن الحسين ، عن دينار (ذبيان خ) بن حكيم ، عن داود بن الحصين.

(٣) الوسائل باب ٤ حديث ١ من كتاب الوكالة ، وللحديث ذيل فلاحظ.

٤٢

كتاب

الوقوف والصدقات والهبات

٤٣

كتاب الوقوف والصدقات والهبات

أما الوقف :

فهو تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة.

ولفظه الصريح « وقفت » وما عداه يفتقر إلى القرينة الدالة على التأبيد.

ويعتبر فيه القبض.

ولو كان على مصلحة كالقناطر أو موضع عبادة كالمساجد قبضه الناظر فيهما (فيها خ).

ولو كان على طفل قبضه الولي ـ كالأب والجد للأب أو الوصي ـ.

ولو وقف عليه الأب أو الجد صح ، لأنه مقبوض بيده.

والنظر إما في الشروط أو اللواحق.

والشروط أربعة أقسام :

(الأول) في الوقف :

ويشترط فيه التنجيز ، والدوام ، والإقباض ، وإخراجه عن نفسه.

فلو كان إلى أمد كان حبسا.

٤٤

ولو جعله لمن ينقرض غالبا صح ، ويرجع بعد موت الموقوف عليه إلى ورثة الواقف طلقا.

وقيل : ينتقل إلى ورثة الموقوف عليه ، والأول مروي.

______________________________________________________

« قال دام ظله » وقيل ينتقل الى ورثة الموقوف عليه والاول مروي.

القائل بهذا المفيد وسلاروالمتأخر تمسكا بأنه وقف تام خرج عن ملك الواقف فلا يعود اليه.

وذهب الشيخ في النهاية والخلاف وصاحب الواسطة الى أنه ينتقل الى الواقف او الى ورثته مع عدمه تمسكا بأن الأصل بقاء الملك على مالكه الا الدليل ولا دليل على الانتقال إلى ورثة الموقوف عليه.

وتردد في المبسوط حاكيا أن القولين للأصحاب ، وإن رواياتهم شاهدة برجوعه إلى الواقف حيا وورثته ميتا.

ولنا في المسألة تردد ، منشأه هل هذا وقف صحيح أو إعمار؟

ولم أظفر بعد بالروايات ، إلا بما رواه الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن جعفر بن حنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل وقف غلة له على قرابته من أبيه وقرابته من أمه وأوصى لرجل ولعقبه ليس بينه وبينه قرابة ، بثلاثمائة درهم في كل سنة ، ويقسم الباقي على قرابته من أبيه وقرابته من أمه؟ فقال جائز للذي أوصى له بذلك.

قلت : أرأيت إن لم يخرج من غلة الأرض التي وقفها إلا خمسمائة درهم؟ فقال : أليس في وصيته أن يعطي الذي أوصي له من الغلة (من تلك الغلة يه) ثلاثمائة درهم ، ويقسم الباقي على قرابته من أبيه وقرابته لأمه؟ قلت : نعم ، قال : ليس لقرابته أن يأخذوا من الغلة شيئا حتى يوفوا الموصى له ثلاثمائة درهم ، ثم لهم ما يبقى

__________________

(١) لا يخفى أن الرواية المنقولة في النسخ كانت مغلوطة ومختلفة جدا ، ولذا نقلناها من الوسائل.

٤٥

ولو شرط عوده عند الحاجة فقولان ، أشبههما : البطلان.

(الثاني) في الموقوف

ويشترط أن يكون عينا مملوكة ينتفع بها مع بقائها انتفاعا محللا ، ويصح إقباضها ، مشاعة كانت أو مقسومة.

(الثالث) في الواقف عليه :

ويشترط فيه البلوغ وكمال العقل وجواز التصرف.

______________________________________________________

بعد ذلك.

قلت : أرأيت إن مات الذي أوصي له؟ قال : إن مات كانت الثلاثمائة درهم لورثته يتوارثونها بينهم فأما إذا انقطع ورثته فلم يبق منهم أحد كانت الثلاثمائة درهم لقرابة الميت يرد ما يخرج من الوقف ، ثم يقسم بينهم يتوارثون ذلك ما بقوا ، وبقيت الغلة.

قلت : فللورثة من قرابة الميت أن يبيعوا الأرض إن احتاجوا ولم يكفهم ما يخرج من الغلة؟ قال : نعم إذا رضوا كلهم ، وكان البيع خيرا لهم باعوا.

« قال دام ظله » : ولو شرط عوده عند الحاجة ، فقولان ، أشبههما البطلان.

أقول : ذهب الثلاثة (٢) وسلار وأتباعهم إلى أن الشرط صحيح ، وله الرجوع ، إلا أن الشيخ في النهاية أخرجه من الوقف ، فقال : إذا مات الواقف ، والحال ما ذكرناه فيكون ميراثا ، ولم يمض الوقف.

وذهب المتأخر إلى بطلان الوقف ، وهو أشبه (لنا) أن المقتضي للوقف التأبيد ، وهو شرط في صحته ، فمتى انتفى الوقف ، وللشيخ قول في المبسوط ، ومسائل الخلاف في كتاب البيوع ، بأن الشرط في الوقف يبطل لأنه عقد لازم من الطرفين

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ٨ من كتاب الوقوف والصدقات.

(٢) هم علم الهدى والشيخ المفيد الشيخ الطوسي قدس‌سرهم.

٤٦

وفي وقف من بلغ عشرا تردد ، والمروي : جواز صدقته ، والأولى : المنع.

ويجوز أن يجعل الواقف النظر لنفسه على الأشبه ، وإذا أطلق فالنظر لأرباب الوقف.

(الرابع) في الموقوف عليه :

ويشترط وجوده وتعيينه ، وأن يكون ممن يملك ، وأن لا يكون الوقف عليه محرما.

______________________________________________________

فتعميم هذا القول ما اخترناه.

« قال دام ظله » : وفي وقف من بلغ عشرا تردد ، والمروي جواز صدقته .. الخ.

أقول : التردد من المصنف ، والرواية إشارة إلى ما رواه زرعة ، عن سماعة ، قال : سألته عن طلاق الغلام ، ولم يحتلم وصدقته؟ فقال : إذا طلق للسنة ووضع الصدقة في موضعها وحقها ، فلا بأس ، وهو جائز.

فقال الشيخ في الاستبصار : وقد حد ذلك بعشر سنين ، وأفتى عليه في النهاية.

والمتأخر ذاهب إلى المنع ، وهو المختار.

(لنا) إن الحجر عن التصرف ثابت ، فلا يرتفع إلا بمؤثر ، وهو البلوغ خمسة (بخمسة خ) عشر سنة ، أو الإنبات ، أو الاحتلام ، فمع عدمه لا يصح التصرف.

« قال دام ظله » : ويجوز أن يجعل الواقف النظر لنفسه ، على الأشبه.

هذا مقتضى النظر ومذهب الشيخ لأنه حق له ، فله أن يضعه حيث شاء ، فأما مع الإطلاق فمبني (فيبنى خ) على انتقال الملك فمن قال : ينتقل إلى الله ، فالنظر إلى الحاكم ، ومن قال : ينتقل إلى الموقوف عليهم ، وهو المذهب ، فالنظر إليه.

__________________

(١) الوسائل باب ٣٢ حديث ٧ ج ١٥ ص ٣٢٥.

٤٧

فلو وقف على من سيوجد لم يصح.

ولو وقف على موجود وبعده على من يوجد صح.

والوقف على البر يصرف إلى الفقراء ووجه القرب.

ولا يصح وقف المسلم على البيع والكنائس.

ولو وقف المسلم على الحربي ولو كان رحما ، ويقف على الذمي ولو كان أجنبيا.

ولو وقف المسلم على الفقراء انصرف إلى فقراء المسلمين.

ولو كان كافرا انصرف إلى فقراء نحلته.

والمسلمون من صلى إلى القبلة.

والمؤمنون : الاثنا عشرية وهم الإمامية. وقيل : مجتنبو الكبائر خاصة.

______________________________________________________

« قال دام ظله » : ولو وقف على ذلك الكافر ، صح ، وفيه وجه آخر.

تقديره ولو وقف الكافر على البيع والكنائس صح الوقف.

فأما الوجه الآخر ، سألت المصنف عن ذلك ، فأجاب بأنه يمكن أن يقال : أن نية القرية شرط في الوقف ، ولا يمكن ذلك في الكافر ، فلا يصح منه الوقف.

ولقائل أن يمنع المقدمتين ، والوجه الصحة ، إذ كل قوم يدان بدينهم ومعترفون بمعبود يتوجهون إليه.

« قال دام ظله » : والمؤمنون : الاثنا عشرية ، وهم الإمامية ، وقيل ، مجتنبو الكبائرخاصة.

أقول : اختلف أهل الكلام في المؤمن ، فأكثر المعتزلة أنهم مجتنبو الكبائر إذ

__________________

(١) في بعض النسخ : ولقائل أن يقول : بمنع المقدمتين.

٤٨

والشيعة : الإمامية والجارودية.

والزيدية : من قال بإمامة زيد.

والفطحية : من قال بالأفطح.

والإسماعيلية : من قال بإسماعيل بن جعفر عليه‌السلام.

والناووسية : من وقف على جعفر بن محمد عليهما‌السلام.

والوقفية : من وقف على موسى بن جعفر عليهما‌السلام.

والكيسانية : من قال بإمامة محمد بن الحنفية.

ولو وصفهم بنسبة إلى عالم كان لمن دان بمقالته كالحنفية.

ولو نسبهم إلى أب كان لمن انتسب إليه بالأبناء دون البنات على الخلاف ، كالعلوية والهاشمية ، ويتساوى فيه الذكور والإناث.

______________________________________________________

الفاسق عندهم لا يكون مؤمنا ، وهو اختيار المفيد والشيخ في النهاية.

وعند المرتضى والشيخ في الكتب الكلامية أن المؤمن هو الاثنا عشري سواء كان مجتنبا للكبائر أو لم يكن ، وأكثر أصحاب الحديث على الأول ، وتحقيق هذا البحث بالكتب الكلامية أليق.

« قال دام ظله » : والشيعة الإمامية ، والجارودية .. إلى آخره.

أقول الشيعة فرق كثيرة ، وكلهم انقرضوا إلا الإمامية ، أي الاثنا عشرية ، وقوم برز من غيرها كالإسماعيلية ، ومعظمهم الاثنا عشرية وهز القائلون بإمامة علي عليه‌السلام وأحد عشر إماما عليهم‌السلام من ذرية فاطمة عليها‌السلام ، آخرهم (محمد بن الحسن) المنتظر عليه‌السلام.

والزيدية ، وهم فرق شتى ، ومعظمهم أربعة : الجارودية ، (وهم خ) ينسبون إلى أبي الجارود ، وهم قائلون بإمامة علي عليه‌السلام بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بلا فصل والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم‌السلام وبعده ينتقلون إلى زيد بن علي.

٤٩

وقومه أهل لغته ، وعشيرته الأدنون في نسبة.

______________________________________________________

والبترية ينسبون إلى كثير النوا وكان أبتر اليد فسموا به (البترية خ) وهم القائلون بإمامة الثلاثة ، وعلي والحسن والحسين ، وعلي ابنه عليهم‌السلام ، وزيد بن علي.

والصالحية ، وينسبون إلى الحسن بن صالح وهم قطعوا بإمامة الشيخين ، وتوقفوا في فسق عثمان بالنظر إلى ظاهر أفعاله وإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أخبر بدخوله الجنة بزعمهم.

والسليمانية ، وهم ينسبون إلى سليمان بن حريز ، وهم قائلون بإمامة الشيخين وقطعوا على فسق عثمان ، ثم انتقلوا إلى علي والحسن والحسين وعلي عليهم السلام وزيد بن علي ، ولا يعد من الشيعة إلا الجارودية.

« قال دام ظله » : وقومه ، أهل لغته وعشيرته ، الأدنون في نسبه.

أما عشيرته فمسلم ، وأما أهل لغته فيشكل لغة وعرفا وبذلك وردت رواية (٢) وهو مذهب الشيخين وسلار وقد يستدل عليه بقوله تعالى : (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه).

والأنسب أن يختص بالأهل والعشيرة من الرجال دون النساء ، لقوله تعالى : لا يسخر قوم من قوم ولا نساء من نساء وقال زهير :

وما أدري وسوف إخال أدري

أقوم آل حصن أم نساء

__________________

(١) بضم الباء الموحدة وقيل بكسرها ثم سكون التاء المثناة من فوق فرق من الزيدية (تنقيح المقال مقباس الهداية ج ٣ ص ٨٥).

(٢) لم نعثر عليها إلى الآن.

(٣) إبراهيم ـ ٤.

(٤) الحجرات ـ ٢ والآية الشريفة هكذا : (لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن).

(٥) هذا البيت مذكور في نسختين من النسخ الست التي عندنا.

٥٠

ويرجع في الجيران إلى العرف ، وقيل : هو من يلي داره إلى أربعين ذراعا. وقيل : إلى أربعين دارا. وهو مطروح.

ولو وقف على مصلحة فبطلت قيل : يصرف إلى البر.

وإذا شرط إدخال من يوجد مع الموجود صح.

وإذا أطلق الوقف وأقبض لم يصح إدخال غيرهم معهم ، أولادا كانوا أو أجانب.

وهل له ذلك مع أصاغر ولده؟ فيه خلاف ، المروي : الجواز ، وأما النقل عنهم فغير جائز.

______________________________________________________

« قال دام ظله » : ويرجع في الجيران إلى العرف ، وقيل : هو من يلي داره إلى أربعين ذراعا ، وقيل : إلى أربعين دارا.

هذا قول مستنده رواية (عائشة خ) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنه سأل عن حد الجوار ، فقال : إلى أربعين دارا (١).

والتحديد بالذراع للشيخين وسلار والمتأخر ، ويريدون به أربعين ذراعا من كل جانب.

والقول الأول اختيار شيخنا ، وهو أشبه ، لأن التحديد بالذراع والدور لم يحده أهل اللغة ، والرواية بذلك من الآحاد ، قليلة الورود ، لا يحكم بها ، ومتى كان التحديد خاليا عن الشرع واللغة يلزم المصير إلى العرف.

« قال دام ظله » : ولو وقف على مصلحة فبطلت ، قيل : يصرف إلى البر.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٩٩ (حد الجوار ... الخ) من أبواب العشرة من كتاب الحج ، وأما الحديث المنقول عن عائشة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فلم نعثر عليه إلى الآن والذي عثرنا هو رواية ابن قدامة في المغني ج ٦ ص ٦٨٦ طبع دار الفكر بيروت ولفظه هكذا : روى أبو هريرة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : الجار أربعون دارا هكذا وهكذا وهكذا.

٥١

وأما اللواحق فمسائل :

(الأولى) إذا وقف في سبيل الله انصرف إلى القرب كالحج والجهاد والعمرة وبناء المساجد.

(الثانية) إذا وقف على مواليه دخل الأعلون والأدنون.

(الثالثة) إذا وقف على أولاه (١) اشترك أولاد البنين والبنات ، الذكور والإناث بالسوية.

(الرابعة) إذا وقف على الفقراء انصرف إلى فقراء البلد ومن يحضره ، وكذا كل قبيل متعدد كالهاشمية والعلوية والتميمية ، ولا يجب تتبع من لم يحضره.

(الخامسة) لا يجوز إخراج الوقف عن شرطه ، ولا بيعه إلا أن يقع فيه

______________________________________________________

القول للشيخين والمتأخر ، ولشيخنا فيه تردد ضعيف ، طلبا للدليل.

ويمكن أن يستدل على ذلك بأن الوقف على المصلحة مثل بناء القناطير (القناطر خ) وإصلاح الشوارع والمساجد وقف في التحقيق على المسلمين (و خ) المنتفعين به ، فزوال تلك المصلحة لا يخرجه عن الوقفية الأصلية ، فلهذا يصرف في وجوه البر.

« قال دام ظله » : لا يجوز إخراج الوقف عن شرطه ، ولا بيعه ، إلا أن يقع فيه خلف يؤدي إلى فساده (فساد خ) على تردد.

أقول : مقتضى الوقف تحبيس الأصل ، وهو أن يبقي الرقبة على حالها وينتفع بحاصلها.

وإذا تقرر هذا ، فهل يجوز تغيير الوقف أو بيعه لمصلحة؟ قال الثلاثة وسلار : نعم

__________________

(١) في بعض النسخ « أولاد أولاده » بدل « أولاده ».

٥٢

خلف يؤدي إلى فساد ، على تردد.

(السادسة) إطلاق الوقف يقتضي التسوية ، فإن فضل لزم.

(السابعة) إذا وقف على الفقراء وكان منهم جاز أن يشركهم.

ومن اللواحق : مسائل السكنى والعمرى.

وهي تفتقر إلى الإيجاب والقبول والقبض.

______________________________________________________

لو كان ذلك أنفع للموقوف عليهم وأصلح.

ولعل الاستناد ما رواه ابن بابويه عن ثقات ، والشيخ في التهذيب مرفوعا (١) إلى الحسين بن سعيد ، عن علي بن مهزيار ، قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام ، أن فلانا ابتاع ضيعة فأوقفها وجعل لك في (من خ) الوقف الخمس ، ويسأل عن رأيك في بيع حصتك من الأرض أو تقويمها على نفسه بما اشتراها أو يدعها موقفة (٢) فكتب عليه‌السلام إلي : أعلم فلانا إني آمره ببيع (٣) حقي من الضيعة ، وإيصال ثمن ذلك إلي وأن ذلك رأيي إن شاء الله أو تقويمها على نفسه إن كان ذلك أوفق له ، وكتبت إليه : إن الرجل كتب (ذكر خ) إن بين من وقف عليهم هذه الضيعة اختلافا شديدا وأنه ليس يأمن أن يتفاقم ذلك بينهم بعده ، فإن كان ترى أن يبيع هذا الوقف ويدفع إلى كل إنسان منهم ما وقف له من ذلك أمرته ، فكتب (٥) بخطه إلي : وأعلمه أن رأيي له إن كان قد علم الاختلاف ما بين أصحاب الوقف أن بيع الوقف أمثل ، فإنه ربما جاء في الاختلاف تلف الأموال والنفوس (٦).

__________________

(١) يعني متصلا سنده إلى الحسين ، وليس المراد منه الرفع المصطلح.

(٢) في الاستبصار : موقوفة.

(٣) أن يبيع خ ئل.

(٤) أو يقومها ئل.

(٥) في الوسائل : وكتب إليه بخطه عليه‌السلام.

(٦) الوسائل باب ٦ حديث ٥ و ٦ من كتاب الوقوف والصدقات.

٥٣

وفائدتهما التسليط على استيفاء المنفعة تبرعا مع بقاء الملك للمالك. وتلزم لو عين المدة وإن مات المالك.

وكذا لو قال له : عمرك ، لم تبطل بموت المالك ، وتبطل بموت الساكن.

ولو قال : حياة المالك ، لم تبطل بموت الساكن وانتقل ما كان له إلى ورثته.

وإن أطلق ولم يعين مدة ولا عمرا تخير المالك في إخراجه مطلقا.

ولو مات المالك ـ والحال هذه ـ كان المسكن ميراثا لورثته وبطلت السكنى.

______________________________________________________

وهذه الرواية مشتملة على الكتابة ، فهي في قوة المرسلة ، فلا تصلح (يصح خ) الاستدلال بها.

وحملت على أن الوقف كان محبوسا عليهم ، دون غيرهم.

وقال في التهذيب : أنها (إنما خ) وردت رخصة ، بشرط أن يؤدي الوقف إلى ضرر واختلاف ، وهرج ومرج وخراب ، والتأويل الأول أشبه.

وتمسك المتأخر بمقتضى الأصل ، وذهب إلى المنع من ذلك على كل حال ، مستدلا بأن الإجماع حاصل إن تغيير الوقف عن وجهه غير جائز.

وفي دعوى الإجماع نظر وفي القطع بفتوى الثلاثة (١) تردد ، منشأه الالتفات إلى قولهم من غير دليل ، وإلى الأصل المسلم ، وكان شيخنا يذهب إلى أن البيع ـ لو كان خوف الخراب ـ جائز ، وإن كان (لكون خ) البيع أنفع لهم غير جائز ، وهذا وجه حسن قريب.

__________________

(١) وهم علم الهدى والشيخ المفيد والشيخ الطوسي قدس الله أسرارهم.

٥٤

ويسكن الساكن معه من جرت العادة به كالولد والزوجة والخادم ، وليس له أن يسكن غيره إلا بإذن المالك.

ولو باع المالك الأصل لم تبطل السكنى إن وقتت بأمد أو عمر.

ويجوز حبس الفرس والبعير في سبيل الله ، والغلام والجارية في خدمة بيوت العبادة ، وتلزم ذلك ما دامت العين باقية.

وأما الصدقة :

فهي التطوع بتمليك العين بغير عوض ، ولا حكم لها ما لم تقبض. بإذن المالك ، وتلزم بعد القبض وإن لم يعوض عنها.

ومفروضها محرم على (بني هاشم) إلا صدقة أمثالهم أو مع الضرورة ، ولا بأس بالمندوبة.

والصدقة سرا أفضل منها جهرا إلا أن يتهم.

وأما الهبة :

فهي تمليك العين تبرعا مجردا عن القربة.

ولا بد فيها من الإيجاب والقبول والقبض ، ويشترط إذن الواهب في القبض ، ولو وهب الأب أو الجد للولد الصغير لزم ، لأنه مقبوض بيد الولي.

وهبة المشاع جائزة كالمقسوم.

ولا يرجع في الهبة لأحد من الأبوين بعد القبض ، وفي غيرهما من

______________________________________________________

« قال دام ظله » : ولا يرجع في الهبة لأحد من الوالدين (الأبوين خ) بعد القبض ، وفي غيرهما من ذوي الأرحام ، على الخلاف.

٥٥

ذوي الأرحام على الخلاف.

ولو وهب أحد الزوجين الآخر ففي الرجوع تردد ، أشبهه : الكراهية.

ويرجع في هبة الأجنبي ما دامت العين باقية ما لم يعوض عنها.

وفي الرجوع مع التصرف قولان ، أشبههما : الجواز.

______________________________________________________

أقول : الصواب يقال : لأحد الأبوين والأولاد ، لأن الإجماع حاصل على أنه لا يرجع في الهبة للوالدين والأولاد ، وسألت المصنف عن الإخلال بذكر الأولاد ، فقال : كان زيغا (رفعا خ) للقلم.

ونحقق مسائل الهبة في هذا التقسيم ، فنقول : حكم الهبة على ثلاثة أضرب ، ضرب لا يجوز الرجوع فيها إجماعا ، وضرب يجوز إجماعا ، وضرب مختلف فيه.

فالأول : هبة الوالدين والأولاد مع القبض ولغيرهما مع العوض أو هلاك العين.

والثاني : هبة الأجنبي مع بقاء العين وعدم التصرف والعوض.

والثالث : هبة لذي رحم غير الوالدين والأولاد مع القبض ، وللأجنبي مع التصرف وبقاء العين فإن فيها خلافا.

أما الذي للرحم فذهب الشيخان في النهاية والاستبصار في باب الهبة المقبوضة والمقنعة إلى إنه لا يجوز الرجوع فيها.

وقال في الخلاف : بالجواز ، وتردد المتأخر فيه ، فقوى في موضع ، المنع ، وفي موضع ، الجواز.

والمنع أشبه وهو المختار وعليه شيخنا.

(لنا) النظر ، والنص ، والأثر.

أما النظر فهو أن الموهوب صار ملكا للموهوب منه (١) بعقد (بعد خ) الهبة ، لأنه يقتضي التمليك ، فلا (ولا خ) يعود إلى ملك الواهب إلا بعقد جديد أو ما في حكم

__________________

(١) هكذا في النسخ كلها ، والصواب للموهوب له.

٥٦

______________________________________________________

العقد من بيع أو هبة أو إرث وغير ذلك.

(أما) أنه صار ملكا له فلوجهين (أحدهما) جواز التصرف من بيع أو هبة أو إجارة وما أشبه ذلك من توابع الملك.

(وأما) أنه لا يعود إلى ملك الواهب إلا بعقد جديد أو ما في حكمه فلأن ذلك معلوم من عادة الشرع.

وأما النص ، فقوله تعالى : (أوفوا بالعقود) (١).

وأما الأثر فما رواه في التهذيب والاستبصار ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة بن أيوب ، عن أبان ، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله وعبد الله بن سنان (سليمان يب) قالا : سألنا أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء أم لا؟ فقال : تجوز الهبة لذوي القربى والذي يثاب من هبته ويرجع في غير ذلك إن شاء (٢).

وما رواه في الكتابين عن الحسين بن سعيد ، عن العلاء ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه‌السلام ، قال : الهبة والنحل (النحلة خ) يرجع فيها صاحبها إن شاء حيزت أو لم تحز ، إلا لذي رحم ، فإنه لا يرجع فيها (٣) وغير ذلك من الروايات.

(فإن قيل) : هذه الروايات معارضة بروايات كثيرة ناطقة بجواز الرجوع (قلنا) : هي لا تصلح معارضة (إما) لمخالفتها الأصل والكتاب (وإما) لضعف سندها (٥).

وأما للأجنبي مع التصرف فذهب الشيخان وأتباعهما وابن البراج وصاحب

__________________

(١) المائدة ـ ١.

(٢) الوسائل باب ٦ حديث ١ من كتاب الهبات ، إلا أنه ليس فيه (عن أبان) لكنه موجود في التهذيبين.

(٣) الوسائل باب ٦ حديث ٢ من كتاب الهبات.

(٤) راجع الوسائل باب ٤ وبعض أحاديث باب ٥ من كتاب الهبات.

(٥) فكأن الشارح رحمه‌الله غفل عن ذكر الوجه الثاني ، أو لعله سقط من قلم النساخ.

٥٧

______________________________________________________

الرائع وصاحب الواسطة (١) والمتأخر إلى أنه لا يجوز الرجوع ، واختار شيخنا الجواز ، والأول أشبه ، وبه أفتي.

(لنا) الإجماع والنظر ، والنص ، والأثر ، أما الإجماع فتقريره من وجهين (أحدهما) إن فقهاء الأصحاب المتقدمين بين مفت بالمنع من الرجوع وبين ساكت عنه ، والساكت لا فتوى له ، فكل قائل ، يفتي بالمنع (وثانيها) إن هؤلاء فضلاء الأصحاب يفتون بذلك ، ومن خالف معروف باسمه ونسبه ، فيكون الحق في خلافه.

وأما النظر ، والنص فبمثل ما مضى في مسألة ذي الرحم ، ويزيد على ذلك أن القول بجواز الرجوع يستلزم الضرر المنفي والإضرار المنهي لقوله عليه‌السلام : لا ضرر ولا ضرار (٢) ومستلزم المنفي والمنهي منفي ومنهي.

أما بيان الأول ، هو أن الموهوب لو كان ـ مثلا عرصة ، فبني فيها الموهوب منه (٣) دارا قويا (قوية ظ) وأنفق عليها مالا عظيما ، في زمان طويل ، أو كان ثوبا خاما (٤) فقصره وخاطه قباء ، أو كان حيوانا صغيرا فرباه مع الانفاق عليه ، أو ضيعة خربة فأعمرها ، وأخرج ماءها من قناتها ـ فلا ريب إن من القول بجواز الرجوع ، يلزم ضرر وإضرار ، وفساد ونزاع بين الواهب والموهوب منه ، وكل ذلك غير جائز.

وأما الثاني فظاهر مسلم لا ينكره إلا معاند.

__________________

(١) هما القطب الراوندي وعماد الدين الطوسي رحمهما‌الله.

(٢) راجع الوسائل باب ١٣ من كتاب إحياء الموات.

(٣) هكذا في النسخ ، والصواب الموهوب له.

(٤) في الحديث ، مثل المؤمن كخامة الزرع تكفيها الرياح كذا وكذا ، وكذا المؤمن تكفيه تكفيه الأوجاع والمراض الخامة بتخفيف الميم الفضة الطرية من الثياب وألفها منقلبة عن واو (مجمع البحرين).

٥٨

______________________________________________________

وأما الأثر فعدة روايات (منها) ما رواه الشيخ في الكتابين ، مرفوعا إلى إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : أنت بالخيار ، ما دامت في يدك فإذا خرجت إلى صاحبها فليس لك أن ترجع ، الحديث وفي معناه غير ذلك.

(فإن قيل) : هذه منافية لما ذكرتم من الروايتين في مسألة ذي الرحم (قلنا) : هما محمولتان على عدم التصرف ، ووجود القبض ، وهذه على وجود التصرف ، توفيقا بين الروايات ، وحذرا للإلغاء فلا منافاة.

وكذا باقي الروايات الواردة في معارضة هذه إما مؤولة أو مستضعفة ، وباحثت شيخنا رحمه الله (٢) في هذه المسألة في الدرس ، واستقصيت في المنع والتسليم ، فما ظفرت بشئ يوجب لي الرجوع إلى قوله ، ولولا وصيته رحمه‌الله إياي أن لا أقلده في الفتاوى لما (فما خ) أقدمت على مخالفته ، فليس لأحد مع الحق خلاف.

(فإن قال) قائل : قد ادعيتم الإجماع على كثير من مسائل الهبة ، والمرتضى مخالف في ذلك كله ، ويذهب إلى جواز الرجوع في الكل ، سوى ما يقصد به وجه الله تعالى (قلنا) : هو قول شاذ له (تنازله خ) في الانتصار ، يباحث المخالفين ، ويدعي عليه إجماع الإمامية ، ويستوي (يسوى خ) بين ذوي الأرحام والدا أو ولدا أو غيرهما ، وبين الأجانب ، فلا اعتبار بقوله هنا.

وأما الزوجان فيجوز الرجوع في هبتها على كراهية ، قاله الشيخ في النهاية وأتباعه ، وعليه المتأخر.

__________________

(١) الوسائل باب ١٠ حديث ٤ من كتاب الهبات ، وتمامه : وقال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من رجع في هبته فهو كالمراجع في قيئه ، وراجع سائر أحاديث الباب وباب ٨ و ٩ وبعض أحاديث باب ٧ و ٨ من كتاب الهبات.

(٢) هذه الجملة وقوله : لولا وصيته رحمه‌الله تدلان على كون شيخه قدس‌سره حين تأليف هذا الموضع قد فارق الدنيا ولكنه مناف لما يأتي منه ـ في شرح كلماته الآتية من قوله قده : قال دام ظله والله العالم.

٥٩

________________________________________________________

ولشيخنا فيه تردد ، منشأه هل يعدان في الرحم أم لا؟ والأشبه : لا.

وفي رواية ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في حديث) قال : إنه لا يرجع الرجل فيما يهبه لزوجته ، ولا المرأة فيما تهبه (تهب خ) لزوجها ، الحديث (١).

__________________

(١) الوسائل باب ٧ حديث ١ من كتاب الهبات ، وتمامه : حيز أو لا يحز ، لأن الله تعالى يقول : ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ، وقال : فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ، وهذا يدخل في الصداق والهبة ، والآية الأولى في سورة البقرة ـ ٢٢٩ هكذا : (ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا) والآية الثانية في سورة النساء ـ ٤.

٦٠