كشف الرّموز - ج ٢

الشيخ حسن بن أبي طالب اليوسفي [ الفاضل الآبي ]

كشف الرّموز - ج ٢

المؤلف:

الشيخ حسن بن أبي طالب اليوسفي [ الفاضل الآبي ]


المحقق: الشيخ علي پناه الاشتهاردي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٤١
الجزء ١ الجزء ٢

المدعي صح ، فإن حلف استحق ، وإن امتنع سقطت دعواه.

ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر قضي عليه بالنكول ، وهو المروي (١).

وقيل : يرد اليمين على المدعي ، فإن حلف ثبت حقه ، وإن نكل بطل.

ولو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت إليه.

ولا يستحلف المدعي مع بينة إلا في الدين على الميت يستحلف على بقائه في ذمته استظهارا.

وأما السكوت ، فإن كان لآفة توصل إلى معرفة إقراره أو إنكاره ، وإن افتقر إلى مترجم لم يقتصر على الواحد ، ولو كان عنادا حبسه حتى يجيب.

______________________________________________________

« قال دام ظله » : ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر ، قضي عليه بالنكول ، وهو المروي.

هذه رواها محمد بن مسلم عن ، الصادق عليه‌السلام من قضية الأخرس ، التي قضى بها أمير المؤمنين عليه‌السلام (إلى قوله عليه‌السلام : ثم غسله ، وأمر الأخرس أن يشربه ، فامتنع ، فألزمه الدين) (٢).

وأفتى عليها الشيخ في النهاية ، والمفيد وسلار وابن بابويه في المقنع ، وقال في المبسوط والخلاف ـ واختاره المتأخر ـ ترد على المدعي ، فإن حلف وإلا أسقطت دعواه والأول أظهر في العمل ، والثاني أحوط.

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٧ من أبواب كيفية الحكم خصوصا حديث ١ ، ج ١٨ ص ١٧٦.

(٢) راجع الوسائل باب ٣٣ حديث ١ من أبواب كيفية الحكم ، والحديث طويل فلاحظه.

٥٠١

المقصد الثالث في كيفية الاستحلاف :

ولا يستحلف أحد إلا بالله ولو كان كافرا لكن إن رأى الحاكم إحلاف الذمي بما يقتضيه دينه (١) أردع جاز.

ويستحب للحاكم تقديم العظة

ويجزيه أن يقول ; والله ماله قبلي كذا

ويجوز تغليظ اليمين بالقول والزمان والمكان

ولا تغليظ لما دون نصاب القطع

ويحلف الأخرس بالإشارة وقيل : يوضع يده على اسم الله تعالى في المصحف

وقيل : يكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد إعلامه فإن شربه كان حالفا وإن امتنع ألزم الحق

ولا يحلف الحاكم أحدا إلا في مجلس قضائه إلا معذورا كالمريض

______________________________________________________

« قال دام ظله » : ويحلف الأخرس بالإشارة ، إلى آخره.

أقول : الحلف بالإشارة للمصنف ، حملا على سائر أموره.

والقول بوضع يده على اسم الله في المصحف مع الإشارة ، قول الشيخ رحمه‌الله في النهاية ، وتبعه المتأخر ، تقوية للإشارة.

والقول بشرب غسالة اليمين (في خ) المكتوبة ، قول صاحب الوسيلة ، استنادا إلى رواية محمد بن مسلم المتقدمة (٢).

__________________

(١) إن رأى الحاكم إحلاف الذمي بل مطلق الكافر كما قيل بما يقتضيه دينه كونه أردع ، وأكثر منعا له عن الباطل إلى الحق من الحلف بالله عزوجل جاز (الرياض).

(٢) المتقدم ذكرها آنفا.

٥٠٢

أو امرأة غير برزة.

ولا يحلف المنكر إلا على القطع.

ويحلف على فعل غيره على نفي العلم كما لو ادعى على الوارث فأنكر ، أو ادعى على أن يكون وكيله قبض أو باع.

أما المدعي ولا شاهد له ، فلا يمين عليه إلا مع الرد أو مع نكول المنكر على قول ، ويحلف على الجزم.

ويكفي مع الإنكار الحلف على نفي الاستحقاق.

ولو ادعى المنكر الإبراء أو الأداء انقلب مدعيا والمدعي منكرا ، فيكفيه اليمين على بقاء الحق.

ولا يتوجه على الوارث ـ بالدعوى على مورثه ـ إلا مع دعوى علمه بموته أو إثباته وعلمه بالحق وأنه ترك في يده مالا.

ولا يسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البينة ، ولا يتوجه بها يمين على المنكر.

ولو ادعى الوارث لمورثه مالا سمعت دعواه سواء كان عليه دين يحيط بالتركة أو لم يكن.

______________________________________________________

« قال دام ظله » : ولا يتوجه (أي اليمين) على الوارث ، بالدعوى على مورثه ، إلا مع دعوى علمه بموته ، أو إثباته وعلمه بالحق ، وأنه ترك في يده مالا.

أقول : إذا كانت الدعوى على المورث ، فلا تتوجه اليمين بتلك الدعوى على الوارث ، إلا أن يدعي موت المورث (الموروث خ) والوارث ينكر (أو) أثبت الموت ، ولكن الوارث ينكر أن له عليه حقا (أو) يسلم لكن يمنع أن له تركة ، ففي هذه المواضع ، تتوجه عليه اليمين على نفي العلم بالموت ، أو ثبوت الحق ، أو عدم التركة.

٥٠٣

ويقضي بالشاهد واليمين في الأموال والديون.

ولا يقبل في غيره (١) مثل : الهلال والحدود والطلاق والقصاص.

ويشترط شهادة الشاهد أولا وتعديله ، ولو بدأ باليمين وقعت لاغية ، ويفتقر إلى إعادتها بعد الإقامة.

ولا يحلف مع عدم العلم ، ولا يثبت مال غيره.

مسألتان

(الأولى) لا يحكم الحاكم بأخبار حاكم آخر ، ولا بقيام البينة بثبوت الحكم عند غيره. نعم لو حكم بين الخصوم وأثبت الحكم وأشهد على نفسه فشهد شاهدان بحكمه عند آخر وجب على المشهود عنده إنفاذ ذلك الحكم.

(الثانية) القسمة تميز (تميز خ) الحقوق ، ولا يشترط حضور قاسم ، بل هو أحوط ، وإذا (فإذا خ) عدلت السهام كفت القرعة في تحقق القسمة ، وكل ما يتساوى أجزاؤه يجبر الممتنع على قسمته كالحنطة والشعير.

وكذا ما لا يتساوى أجزاؤه إذا لم يكن في القسمة ضرر كالأرض والخشب ، ومع الضرر لا يجبر الممتنع.

النظر الرابع : في الدعوى

وهو يستدعي فصولا :

(الأول) المدعي : هو الذي يترك لو ترك الخصومة.

__________________

(١) أي : غير ما ذكر (الرياض).

٥٠٤

وقيل : هو الذي يدعي خلاف الأصل أو أمرا خفيفا.

ويشترط التكليف ، وأن يدعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه ، وإيراد الدعوى بصيغة الجزم وكون المدعي به مملوكا.

ومن كانت دعواه عينا فله انتزاعها.

ولو كانت دينا والغريم مقر باذل أو مع جحوده وعليه حجة لم يستقل المدعي بالانتزاع دون الحاكم.

ولو فات أحد الشروط وحصل للغريم في يد المدعي مال كان له المقاصة ولو كان من غير جنس الحق.

وفي سماع الدعوى المجهولة تردد ، أشبهه : الجواز.

مسائل

(الأولى) من انفرد بالدعوى لما لا يد عليه قضى له به ، ومن هذا أن

______________________________________________________

« قال دام ظله » : ولو كانت دينا والغريم مقر ، باذل أو مع جحوده ، وعليه حجة لم يستقل المدعي بالانتزاع دون الحاكم.

معناه إذا كانت الدعوى دينا ، أقر المدعى عليه بثبوت الحق ، ولا يمنع من الرد ، أو يجحد (أنكر خ) المدعى عليه لكن للمدعي (عليه خ) بينة ، فليس له (للمدعي خ) أن ينتزعه قهرا من يد المدعى عليه ، بل عند الحاكم حسما للخصومة.

« قال دام ظله » : وفي سماع الدعوى المجهولة تردد.

هذا التردد منه منشأه أنها دعوى جازمة لا تسقط ، وقال الشيخ : لا تسمع ، وكأنه نظرا إلى تعذر الحكم مع ثبوتها ، والدعوى المجهولة مثل أن يدعي دينا غير معين ، أو عرضا (فرسا خ) غير موصوف أو غير ذلك. والأول أحوط.

« قال دام ظله » : مسائل ، إلى آخرها.

٥٠٥

يكون بين جماعة كيس فيدعيه أحدهم.

(الثانية) لو انكسرت سفينة في البحر فما أخرجه البحر فهو لأهله ، وما أخرج بالغوص فهو لمخرجه.

وفي الرواية (١) ضعف.

(الثالثة) روي في رجل دفع إلى رجل دراهم بضاعة فخلطها بماله ويتجر بها ، فقال : ذهبت ، وكان لغيره معه مال كثير فأخذوا أموالهم ،

______________________________________________________

أقول : مسألة الكيس رواها يونس بن عبد الرحمن ، عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٢).

وهي حسنة ، وعليها العمل.

ومثله (مسألة ظ) السفينة ، رواها علي بن يقطين ، عن أمية بن عمرو ، عن الشعيري ، قال : قال : سئل الصادق عليه‌السلام ، الرواية (٣).

ووجه ضعفها جهالة السائل ، وحملت على أن ما أخرجه البحر وصاحبه حاضر فهو له ، وما أخرجه وصاحبه غائب ، وأباحه فهو لمخرجه.

فعلى هذا لاشكال في الرواية ، وعليها فتوى الشيخ في النهاية ، وادعى المتأخر عليها الإجماع ، وهو أعرف به ولم نحققه.

ومسألة البضاعة رواها حريز ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٤) وهي مشكلة ، إلا أن يحمل على ما ذكره دام ظله.

ومسألة الأجير ، رواها محمد بن الحسين بن أبي الخطاب (وهو واقفي) عن زيد

__________________

(١) الوسائل باب ١١ حديث ٢ من كتاب اللقطة ، ج ١٧ ص ٣٦١.

(٢) راجع الوسائل باب ١٧ حديث ١ من أبواب كيفية الحكم ، بطريق الشيخ ره

(٣) راجع الوسائل باب ١١ حديث ٢ من كتاب اللقطة

(٤) لم نعثر عليه في الوسائل وأورده في التهذيب باب الزيادات من كتاب القضاء حديث ٦.

٥٠٦

قال : يرجع عليه بماله ويرجع هو على أولئك بما أخذ. ويمكن حمل ذلك على من خلط المال ولم يأذن له صاحبه وأذن الباقون.

(الرابعة) لو وضع المستأجر الأجرة على يد أمين فتلفت كان المستأجر ضامنا إلا أن يكون الأجير دعاه إلى ذلك فحقه حيث وضعه.

(الخامسة) يقضي على الغائب مع قيام البينة ، ويباع ماله ، ويقضي دينه ، ويكون الغائب على حجته ، ولا يدفع إليه المال إلا بكفلاء.

(الثاني) في الاختلاف في الدعوى ، وفيه مسائل :

(الأولى) لو كان في يد رجل وامرأة جارية فادعى أنها مملوكته وادعت المرأة حريتها وأنها بنتها ، فإن أقام أحدهما بينة قضي له وإلا تركت الجارية تذهب حيث شاءت.

(الثانية) لو تنازعا عينا في يدهما قضي لهما بالسوية ، ولكل منهما إحلاف صاحبه. ولو كانت في يد أحدهما قضي بها للمتشبث ، وللخارج إحلافه. ولو كانت في يد ثالث وصدق أحدهما قضي له ،

______________________________________________________

بن إسحاق ، عن هارون بن حمزة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام (١).

فإن صح النقل ، فموجب ضمان المستأجر أنه ما قبض الأجير الأجرة ولا وكيله ، بخلاف ما إذا دعاه الأجير إلى ذلك ، فإنه وضع حقه عند من أراده ، فتلف منه.

ومسألة الخص (٢) فيها ضعف (و خ) منشأه ، عن عمرو بن شمر ، وأفتى عليها الشيخ ، وادعى المتأخر عليها الإجماع ، وهو أعرف بما ادعاه.

__________________

(١) الوسائل باب ٦ حديث ١ من كتاب الإجارة.

(٢) الوسائل باب ١٤ حديث ٢ من كتاب الصلح ج ١٣ ص ١٧٣.

٥٠٧

وللآخر إحلافه. ولو صدقهما قضي لهما بالسوية ، ولكل منهما إحلاف الآخر. وإن كذبهما أقرت في يده.

(الثالثة) إذا تداعيا خصا (١) قضي لمن إليه معاقد القمط ، وهي رواية عمر وبن شمر عن جابر (٢) ، وفي عمرو ضعف. وعن منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن عليا عليه‌السلام قضى بذلك (٣) ، وهي قضية في واقعة.

(الرابعة) إذا ادعى أبو الميتة عارية بعض متاعها كلف البينة وكان كغيره من الأنساب.

وفيه رواية بالفرق ضعيفة.

(الخامسة) إذا تداعى الزوجان متاع البيت فله ما للرجال ، ولها

______________________________________________________

« قال دام ظله » : إذا ادعى أبو الميتة عارية بعض متاعها ، كلف البينة ، وكان كغيره من الأنساب ... الخ.

هذا مقتضى الأصل ، وعليها فتوى الشيخ في الحائرات (الحائريات خ) وتبعه المتأخر.

ورواية الفرق رواها محمد بن إسماعيل ، عن جعفر بن عيسى ، قال : كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام ، المسألة ، فكتب في الأب يجوز بلا بينة ، وفي الزوج والأم وغيرها لا يجوز (٤).

« قال دام ظله » : إذا تداعى الزوجان متاع البيت ، فله ما للرجال ولها ما للنساء ، وما يصلح لهما يقسم بينهما ، إلى آخره.

__________________

(١) هو الحائل بين الملكين من قصب أو خشب أو غيرهما (هامش لنسخة مخطوطة في المختصر).

(٢) الوسائل باب ١٤ حديث ٢ من كتاب الصلح ، ج ١٣ ص ١٧٣ وفيه « أن الخص للذي إليه القماط ».

(٣) الوسائل باب ١٤ حديث ١ من كتاب الصلح.

(٤) الوسائل باب ٣ حديث ١ من أبواب كيفية الحكم ، والحديث هنا منقول بالمعنى

٥٠٨

ما للنساء ، وما يصلح لهما يقسم بينهما.

وفي رواية : هو للمرأة وعلى الرجل البينة.

وفي المبسوط : إذا لم يكن بينة ويدهما عليه كان بينهما.

(الثالث) في تعارض البينات :

يقضى مع التعارض للخارج إذا شهدتا بالملك المطلق على الأشبه.

______________________________________________________

هذا مروي ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن الحسن بن مسكين ، عن رفاعة النخاس ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إذا طلق الرجل امرأته ، وفي بيتها متاع ، فلها ما يكون للنساء ، وما يكون للرجال والنساء قسم بينهما ، قال : وإذا طلق الرجل المرأة ، فادعت أن المتاع لها ، وادعى الرجل أن المتاع له ، كان له ما للرجال ولها ما يكون للنساء (١).

وعليها فتوى الشيخ في النهاية والخلاف ، واختاره المتأخر.

وفي رواية ابن أبي عمير ، عن حماد ، عن عبد الرحمن بن الحجاج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : المتاع للمرأة ، إلا أن يقيم الرجل البينة ، معللا بجريان العادة بنقل المتاع من بيت المرأة إلى الزوج (٢).

واختارها الشيخ في الاستبصار ، والأول أظهر ، اعتبارا للفتاوى وجريان العادة ، وما ذكره في المبسوط ـ قد عرفته من المتن ـ أشبه ، نظرا إلى الأصل ، ورواية ابن أبي عمير (٣) متروكة ، وقد وردت أخرى (٤) على عكسها ، والعمل على الأول.

« قال دام ظله » : الثالث في تعارض البينات ، إلى آخره.

أقول : ضابط هذا الفصل أن يقال : مع تحقق التعارض (إما) أن تكون العين

__________________

(١) الوسائل باب ٨ حديث ٤ من أبواب ميراث الأزواج ، وتمامه : وما يكون للرجال والنساء قسم بينهما.

(٢) راجع الوسائل باب ٨ حديث ١ من أبواب ميراث الأزواج ، والحديث طويل.

(٣) راجع الباب المذكور.

(٤) راجع الباب المذكور.

٥٠٩

______________________________________________________

في يد أحدهما (أو) في يدهما (أو) في يد ثالث ، فإن كان الأول ، وشهدتا بالملك المطلق يخص (قضى خ) بها الخارج (للخارج خ) ، لأن بينه صاحب اليد ، لا حكم لها ، ويؤيده قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله : البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه (على من أنكره خ) (١).

وقوله : (على الأشبه) تنبيه على قول الشيخ في الخلاف : إذا ادعيا ملكا مطلقا ، ويد أحدهما على العين كانت بينته أولى.

وأظنه زيغا وقع من القلم ، فكأنه أراد ، إذا كانت بينته بالسبب.

(واستدلاله) بخبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو ما رواه جابر ، أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في دابة أو بعير ، فأقام كل (واحد خ) منهما البينة أنها له أنتجها ، فقضى بها للذي في يده (٢) وقضاء علي عليه‌السلام (٣)  ـ وسنذكره ـ (يشهد) بما قلت.

وأيضا استدل بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه (٤).

وهو يقتضي خلاف مدعاه وهو موافق لما اختاره في الاستبصار.

فأما إن شهدتا بالسبب قضى للخارج لما قلناه ، ولما رواه محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن محمد بن حفص ، عن منصور ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل في يده شاة فجاء رجل فادعاها وأقام البينة العدول بالنتاج ، وجاء آخر بمثل تلك البينة مدعيا ، قال : حقها للمدعي ، ولا أقبل من الذي

__________________

(١) راجع الوسائل باب ٤ من أبواب كيفية الحكم.

(٢) راجع الخلاف ص ٢٤٨ الطبع الحجري مسألة ٢.

(٣) الوسائل باب ١٢ حديث ٢ من أبواب كيفية الحكم ، والحديث طويل ، فراجع.

(٤) راجع الوسائل باب ٣ من أبواب كيفية الحكم.

٥١٠

ولصاحب اليد لو انفردت بينته بالسبب كالنتاج وقديم الملك.

وكذا الابتياع.

ولو تساويا في السبب فروايتان ، أشبههما : القضاء للخارج.

______________________________________________________

في يده ، لأن الله عزوجل أمر أن تطلب البينة من المدعي (١).

واختار الشيخ في الاستبصار والخلاف ، القضاء لصاحب اليد.

فكأنه استناد إلى قضاء علي عليه‌السلام في دابة ادعى عليها رجلان وأقاما البينة بالإنتاج ، فقضى لصاحب اليد ، وقال : لو لم يكن في يده لجعلتها بينهما نصفين (٢).

وهذا قضية في واقعة ، فلا تتعدى ، والأول أشبه ، وعليه ينبغي أن يكون العمل.

فإن شهدت لصاحب اليد بالسبب ، وللآخر بالملك المطلق ، يقضى لصاحب اليد ، وهو اختيار الشيخ في كتبه ، واختيار شيخنا دام ظله.

(وقيل) : يقضى للخارج ، عملا بقوله عليه‌السلام : البينة على المدعي ، وعلى الجاحد (الخارج خ) اليمين (٣) والتفصيل قاطع للشركة.

والأول أقوى ، لأن بينته شهدت بالملك وزيادة ، فالمرجح حاصل ، وإن كان الثاني يقضي بها بينهما نصفين ، مع فرض التساوي في البينة.

وإن حصل مع إحداهما ترجيح ، قضى له ، وإن كان الثالث قضى بالأرجح في العدالة والكثرة ، وإلا فالقرعة مع اليمين ، وهو أشبه بما (مما خ) ذكره في المبسوط ، وقد عرفته في المتن.

__________________

(١) الوسائل باب ١٢ حديث ١٤ من أبواب كيفية الحكم ، والحديث هنا تلخيص من الشارح قده فلاحظه.

(٢) الوسائل باب ١٢ حديث ٢ من أبواب كيفية الحكم ، وقد تقدمت الإشارة إليه.

(٣) راجع الوسائل باب ٣ من أبواب كيفية الحكم.

٥١١

ولو كانت يداهما عليه قضي لكل منهما بما في يد الآخر ، فيكون بينهما نصفين.

ولو كان المدعى به في يد ثالث قضي بالأعدل فالأكثر ، فإن تساويا عدالة وكثرة أقرع بينهما ، فمن خرج اسمه أحلف وقضي له ، ولو امتنع أحلف الآخر ، ولو امتنعا قسم بينهما.

وفي المبسوط ، يقرع بينهما إن شهدتا بالملك المطلق ، ويقسم إن شهدتا بالملك المقيد ، والأول أشبه.

٥١٢

كتاب الشهادات

٥١٣

كتاب الشهادات

والنظر في أمور :

الأول في أوصاف (صفات خ) الشاهد :

وهي ستة (ست خ) :

(الأول) البلوغ ، فلا تقبل شهادة الصبي ما لم يصر مكلفا.

وقيل : تقبل إذا بلغ عشرا ، وهو شاذ.

______________________________________________________

« قال دام ظله » : وقيل : تقبل إذا بلغ عشرا ، وهو شاذ.

هذا في رواية ، رواها الكليني ـ في كتابه ـ (في حديث) : أنه إذا بلغ الغلام عشر سنين جاز أمره ، وجازت شهادته (١) وأفتى عليها في النهاية.

وذكر ابن بابويه أخرى ، عن طلحة بن زيد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن علي عليهم‌السلام ، قال : شهادة الصبيان جائزة بينهم ما لم يتفرقوا ، أو يرجعوا إلى أهليهم (أماكنهم خ) (٢).

فتحمل على ما إذا بلغوا عشر سنين ، للاتفاق على أنه فيما دون العشر لا يقبل ،

__________________

(١) الوسائل باب ٢٢ ذيل حديث ٣ من كتاب الشهادات.

(٢) الفقيه : ج ٣ ص ٤٤ ح ٣٢٩٤ من أبواب القضايا والأحكام ، طبع الغفاري ، وراجع الوسائل باب ٢٢ ح ٦ من كتاب الشهادات.

٥١٤

واختلفت عبارة الأصحاب في قبول شهادتهم في الجنايات ، ومحصلها القبول في الجراح مع بلوغ العشر ما لم يختلفوا ، ويؤخذ بأول قولهم ، وشرط الشيخ في الخلاف : أن لا يفترقوا.

______________________________________________________

وطلحة بن زيد عامي ، ذكر ذلك الشيخ والنجاشي.

« قال دام ظله » : واختلفت عبارة الأصحاب في قبول شهادتهم في الجنايات ، إلى آخره.

أسند الاختلاف إلى العبارة ، وهو حسن ، لأنهم ما اختلفوا في القبول.

قال المفيد : تقبل شهادتهم في الجراح والقصاص (١) إذا كانوا يعقلون ما يشهدون به ، ويعرفونه ، ويؤخذ بأول كلامهم ، ولا يؤخذ بآخره (٢).

وفي رواية جميل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، يقبل في القتل ، ويؤخذ بأول كلامهم لا بالثاني ، ومثله عن محمد بن حمران (٤).

وقال الشيخ في النهاية : تقبل في الشجاج والقصاص ، ويؤخذ بأول كلامهم وعليه المتأخر.

وفي الخلاف ، تقبل في الجراح ما لم يتفرقوا ، إذا اجتمعوا على مباح ، وبه قال أبو الصلاح الحلبي.

والقدر المجمع (المجتمع خ) عليه القبول في الجراح ، مع بلوغ العشر ، وأول الكلام ، فعليك به.

__________________

(١) في نسخة المقنعة المطبوعة في الشجاج والجراح.

(٢) الوسائل باب ٢٢ حديث ٦ من كتاب الشهادات.

(٣) الوسائل باب ٢٢ حديث ١ من كتاب الشهادات ، ولفظه هكذا : قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : تجوز شهادة الصبيان؟ قال : نعم في القتل ، يؤخذ بأول كلامه ، ولا يؤخذ بالثاني منه.

(٤) الوسائل باب ٢٢ حديث ٢ من كتاب الشهادات.

٥١٥

(الثاني) كمال العقل : فالمجنون لا تقبل شهادته ، ومن يناله الجنون أدوارا تقبل في حال الوثوق باستكمال فطنته.

(الثالث) الإيمان : فلا تقبل شهادة غير الإمامي (المؤمن خ).

وتقبل شهادة الذمي في الوصية خاصة مع عدم المسلم.

وفي اعتبار الغربة تردد.

وتقبل شهادة المؤمن على أهل الملل ، ولا تقبل شهادة أحدهم على مسلم (المسلم خ) ولا غيره.

وهل تقبل على أهل ملته؟ ففيه رواية بالجواز ضعيفة ، والأشبه : المنع.

______________________________________________________

« قال دام ظله » : وتقبل شهادة الذمي في الوصية خاصة ، مع عدم المسلم.

المراد بالمسلم ، الإمامي ، وحذف ذلك لدلالة ما قبل الكلام عليه.

« قال دام ظله » : وفي اعتبار الغربة ، تردد.

وجه التردد ، النظر إلى قول الشيخ ، قال في المبسوط ، تقبل شهادة الذمي في السفر مضطرا ، وهو اقتصار على قوله تعالى : (أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض) ، الآية (١) وهو أشبه.

وفي النهاية والخلاف : تقبل في حال الضرورة ، وهو قول المفيد وأبي الصلاح والمتأخر ، وهو أكثر في الفتوى.

« قال دام ظله » : وهل تقبل على أهل ملته (نحلته خ)؟ فيه رواية بالجواز ضعيفة ، والأشبه المنع.

هذه رواها ابن بابويه في من لا يحضره الفقيه ، عن عبيد الله بن علي الحلبي ،

__________________

(١) المائدة ـ ١٠٦.

٥١٦

(الرابع) العدالة : ولا ريب في زوالها بالكبائر.

وكذا في الصغائر مصرا ، أما الندرة من اللمم فلا. ولا يقدح اتخاذ الحمام للأنس ، وإنفاذ الكتب. أما الرهان عليها فقادح لأنه قمار.

واللعب بالشطرنج ترد به الشهادة.

وكذا الغناء وسماعه ، والعمل بآلات اللهو وسماعها ، والدف إلا في الأملاك والختان ، ولبس الحرير للرجل إلا في الحرب ، والتختم بالذهب ، والتحلي به للرجال.

ولا تقبل شهادة القاذف ، وتقبل لو تاب.

وحد توبته إكذاب (أن يكذب خ) نفسه.

وفيه قول آخر متكلف.

______________________________________________________

قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : هل تجوز شهادة أهل الذمة (ملة خ) على غير أهل ملتهم؟ قال : نعم ، إن لم يوجد من أهل ملتهم ، جاز شهادة غيرهم ، أنه لا يصلح ذهاب حق أحد. (١)

وعليها فتوى الشيخ في النهاية.

والمنع مذهبه في المبسوط ، وهو أشبه.

إذ العدالة شرط في القبول ، ولا فسق أعظم من الكفر ، وعليه المتأخر.

« قال دام ظله » : وحد توبته إكذاب نفسه ، وفيه قول آخر متكلف.

القول الأول للأصحاب إلا المتأخر ، ومستنده روايات (منها) ما رواه محمد بن أبي الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن القاذف بعد ما يقام عليه الحد ، ما توبته؟ قال : يكذب نفسه ، قلت : أرأيت إن

__________________

(١) الوسائل باب ٤٠ حديث ١ من كتاب الشهادات.

٥١٧

(الخامس) ارتفاع التهمة : فلا تقبل شهادة الجار نفعا ، كالشريك فيما هو شريك فيه ، والوصي فيما له فيه ولاية.

ولا شهادة ذي العداوة الدنيوية ، وهو الذي يسر بالمساءة ويساء بالمسرة.

والنسب لا يمنع القبول.

وفي قبول شهادة الولد على أبيه خلاف ، أظهره : المنع.

______________________________________________________

أكذب نفسه ، وتاب أتقبل شهادته؟ قال : نعم (١).

وما رواه ابن محبوب ، عن ابن سنان ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحدود إذا تاب أتقبل شهادته؟ فقال : إذا تاب ، وتوبته أن يرجع مما قال ويكذب نفسه ، عند الإمام وعند المسلمين ، فإذا فعل فإن على الإمام أن يقبل شهادته بعد ذلك (٢).

وأورد المتأخر عليه إشكالا ، تقريره أن القاذف مأمور بالتوبة ، فلا تجوز التوبة بإكذاب نفسه ، لأنه قد يكون صادقا ، فيكون كاذبا في هذا القول ، فيحتاج إلى توبة أخرى ، ويلزم أيضا أن يكون مأمورا بإكذاب نفسه (بالكذب خ) وذهب إلى أن توبته أن يقول : القذف حرام أو باطل ، أو يقول : أخطأت.

هذا هو القول المتكلف ، وخرجه المروزي أولا ، واستحسنه الشيخ في الخلاف ، واختاره المتأخر ، وهو أشبه ، ولولا الخبر المتلقى بالقبول ، لقلنا به (والله أعلم خ).

« قال دام ظله » : وفي قبول شهادة الولد على أبيه خلاف ، أظهره المنع.

ذهب الشيخان ، وابنا بابويه ، وسلار ، وأبو الصلاح إلى المنع ، وادعى المتأخر

__________________

(١) الوسائل باب ٣٦ حديث ١ من كتاب الشهادات ، وفيه محمد بن الفضيل بدل محمد بن أبي الفضيل.

(٢) الوسائل باب ٣٧ حديث ١ من كتاب الشهادات.

٥١٨

وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته.

______________________________________________________

عليه الإجماع.

وقال المرتضى : تقبل ، تمسكا بالأصل ، وبقوله تعالى : (ولو على أنفسكم أو الوالدين) (١).

وفي الاستدلال به ضعف ، لأن أداء الشهادة لا يستلزم القبول ، واستناد الأولين إلى الروايات وعليه العمل.

« قال دام ظله » : وكذا تقبل شهادة الزوج لزوجته ، وشرط بعض الأصحاب انضمام غيره من أهل الشهادة وكذا في الزوجة ، وربما صح فيها الاشتراط.

ذهب الشيخ وأتباعه إلى أن شهادة الزوج لزوجته ، والزوجة لزوجها لا تقبل ، إلا إذا انضمت إليها شهادة عدل آخر.

أقول : أما في الزوجة ، فقد روى الشيخ في التهذيب ومحمد بن يعقوب الكليني في الكافي ، عن ثقات ، مرفوعا إلى الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : تجوز شهادة الرجل لامرأته ، والمرأة لزوجها ، إذا كان معها غيرها (٣) وفي هذا المعنى أخرى ، عن زرعة ، عن سماعة (٤).

ويقويها أن في الزوجة ضعف قوة في المزاج ، يميل معه طبعها إلى موافقة الزوج.

وأما في الزوج فما وقفنا فيه على دليل ، فنطالب الشيخ بالبرهان ، وادعى المتأخر على المسألتين الإجماع ، وما ثبت ، فالوجه التفصيل ، وهو مذهب شيخنا دام ظله.

ويظهر فائدة الضميمة في الزوج عند من يقول بها ، فيما يجوز قبول شهادة الواحد

__________________

(١) النساء ـ ١٣٥ (٢) يعني متصلا سنده إلى الحلبي وليس المراد الرفع المصطلح في علم الحديث.

(٣) الوسائل باب ٢٥ حديث ١ من كتاب الشهادات.

(٤) الوسائل باب ٢٥ حديث ٣ من كتاب الشهادات ، ولفظه هكذا : قال (في حديث) : وسألته عن شهادة الرجل لامرأته؟ قال : نعم ، والمرأة لزوجها؟ قال : لا ، إلا أن يكون معها غيرها.

٥١٩

وشرط بعض الأصحاب انضمام غيره من أهل الشهادة.

وكذا في الزوجة ، وربما صح فيها الاشتراط.

والصحبة لا تمنع القبول كالضيف والأجير على الأشبه.

______________________________________________________

مع اليمين ، وفي الزوجة في الوصية ، إذا كانت لزوجها.

« قال دام ظله » : والصحبة ، لا تمنع القبول ، كالضيف والأجير ، على الأشبه.

أقول : شهادة الضيف لا نزاع في قبولها ، وإنما اختلف في شهادة الأجير لمن استأجره.

فذهب ابنا بابويه والشيخ وأتباعه إلى المنع من قبولها ، وهو في رواية أحمد بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن علي بن عقبة ، عن موسى بن أكيل النميري ، عن العلاء ، بن سيابة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : كان أمير المؤمنين عليه‌السلام لا يجيز (لا يجوز خ) شهادة الأجير (١).

وحملها الشيخ في الاستبصار على حال كونه أجيرا لمن هو أجير له (٢).

والوجه الطعن في الرواية ، فإن الحسن بن علي بن فضال ، فاسد العقيدة ، والذهاب إلى ما رواه أبو بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفا صائنا ، قال : وتكره شهادة الأجير لصاحبه ، ولا بأس بشهادته لغيره ، ولا بأس به له بعد مفارقته (٣).

(فإن قيل) : في طريقها سماعة (قلنا) ينجبر ضعفها بقوله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) (٤) وقوله تعالى : (وأشهدوا ذوي عدل منكم) (٥).

__________________

(١) الوسائل باب ٢٩ حديث ٢ من كتاب الشهادات.

(٢) في الاستبصار بعد نقل الخبر ما هذا لفظه. قال محمد بن الحسن : هذا الخبر وإن كان عاما في أن شهادة الأجير لا تقبل على سائر الأحوال ومطلقا ، فينبغي أن يخص ويقيد بحال كونه أجيرا لمن هو أجير له ، فأما لغيره أو له بعد مفارقته له فإنه لا بأس بها على كل حال ، انتهى (ج ٣ ص ٢١).

(٣) الوسائل باب ٢٩ حديث ٣ من كتاب الشهادات.

(٤) البقرة ـ ٢٨٢.

(٥) الطلاق. ـ ٢.

٥٢٠