عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية

الشيخ جلال الدين علي الصغير

عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية

المؤلف:

الشيخ جلال الدين علي الصغير


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأعراف للدراسات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

أ ـ ذبحه ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب (وهو صحابي ضمن ضابطة القوم لا مراء في صحبته) وهما صغيران بين يدي أمهما في اليمن.

ب ـ اغارته على همدان في اليمن (وفيهم من الصحابة العدد الكبير) وسبي نساؤهم ، فكن أول مسلمات سبين في الإسلام ، وأقامهن في السوق للبيع.

ج ـ قتله أحياء من بني سعد.

د ـ ارعابه لعدد من الصحابة منهم جابر الأنصاري وأم سلمة زوج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبو أيوب الأنصاري في المدينة المنورة ، وكذا ارعابه لأهل المدينة كافة يوم دخلها (١) مطالباً إياهم بالبيعة لمعاوية ، واخذه البيعة بالاجبار منهم.

ه ـ قتله لعدد كبير من أهل المدينة ، وهدم دور كثيرة فيها.

و ـ ارعابه أهل مكة ، وتشريده لعدد من الصحابة منهم عبد الله بن قيس الأشعري وغيره. (٢)

هذا نموذج واحد وبموجب هذا الخبر فإننا إن قتلنا مسلمين ، وروعنا نساءهم ، وهتكنا حرم المسلمين ، وانتبهنا حرم الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإننا لا نخرج عن الهدى ولن نرد الضلال ، فالصحابة كالنجوم بأيهم اقتدينا اهتدينا ، كما يقول أبو هريرة!!

____________________

(١) من المعلوم ان القوم يروون عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن المدينة حرمه. صحيح بن حبان ١٩٧ : ١٥ رقم ٦٧٨٨.

(٢) انظر أسد الغابة في معرفة الصحابة ٢١٣ : ١ ـ ٢١٤ رقم ٤٠٦ ، والاستيعاب في معرفة الأصحاب ١٥٥ : ١ ـ ١٥٩ لابن عبد البر القرطبي النمري (ت ٤٦٣ هـ) ، مطبوع في هامش الاصابة.

٢٦١

ولا أخال أحداً ينسى أن من الصحابة من كان يبيع الخمر كسمرة بن جندب ، ومنهم من كان زانياً كالمغيرة بن شعبة ، ومنهم من سماه القرآن بالفاسق كالوليد بن عقبة ، ومنهم شارب الخمر كالوليد المتقدم وغيره الكثير ، ومنهم الآمر بالقتل كعمر في يوم السقيفة ، ومنهم من تبرأ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فعله كخالد بن الوليد ، ومنهم من كان طريد رسول الله من المدينة كمروان بن الحكم ، ومنهم شاهد الزور كأبي بردة الأشعري ، ومنهم من كان ذاكي الفتن كعمرو بن العاص ، ومنهم الناكث لبيعته لإمام زمانه والخارج عليه كطلحة والزبير وعائشة ومعاوية وجمع غفير من بين أمية ، أو لا أقل أن منهم من أمر بقتل خليفة زمانه عثمان ، ومنهم من اشترك بذلك ، ومنهم من خان الله والرسول كحاطب بن أبي بلتعة ، ومنهم من فر من الزحف ، زحف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم الغالبية العظمى منهم ، ومنهم من كان جباناً كحسان بن ثابت ، وكأبي بكر وعمر في غزاة خيبر ، وغالبية المسلمين في غزاة الأحزاب ، ومنهم مسلمة الفتح من الطلقاء ، ومنهم بناة مسجد ضرار ، ومنهم من خوّنوا رسول ربهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالوا : بأنه غلّ قطيفة يوم حنين ، ومنهم من آذى الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بندائه من وراء الحجرات ، ومنهم من لعنه الله لتخلفه عن جيش اسامة ، ومنهم غير ذلك ممن ارتكب الأعمال الشنيعة والجرائم الفظيعة ، فهل هذا الخبر هو دعوة للتأسي بهؤلاء. أم هو تبرير جرائمهم؟ بالله عليكم هل أنتم تفقهون ما تتكلمون به؟!

٦ ـ وهل خفي على هؤلاء الكثير من الآيات التي أقذفت في وصف بعض الصحابة؟ اتناسوا ما تحدّثت به سورتي التوبة والمنافقون؟ بل لم سميت سورة التوبة بالفاضحة ، وهي التي خصصت غالبية حديثها لمجاميع الصحابة؟ فها أنت تقرأ فيها قوله تعالى ( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥) ).

وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ

٢٦٢

اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨) إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْ‌ءٍ قَدِيرٌ (٣٩) ).

وقوله تعالى : (لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٤٢)).

وقوله : (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥) وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧) لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (٤٨) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (٤٩) إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (٥٠) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (٥١) قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (٥٢) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ (٥٣) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (٥٤) فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (٥٥) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧) وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ (٥٨) ).

وقوله تعالى : ( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ

٢٦٣

لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٦١) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢) أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ (٦٣) يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِءُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (٦٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ (٦٥) لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (٦٦) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٦٧) وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٦٨)).

وقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ (٧٤) وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ (٧٥) فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٧٦) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (٧٧) أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (٧٨) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٩) اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٨٠)).

وقوله تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (٩٣) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا

٢٦٤

رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لاَ تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللَّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤) سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (٩٦) ).

وقوله تعالى : (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (١٠١) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢)).

وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٠٧) لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨) أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩) لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠) ).

وغير ذلك من آيات السورة الكريمة ، وغيرها من السور الشريفة ، فهل إن هذه لا تشمل الصحابة الذن تحدّثوا عنهم؟ والحال إن تعريفهم للصحابة لا يبقي أحداً من هؤلاء خارج الدائرة كما سترى في ما يستقبلنا من حديث إن شاء الله تعالى.

* * *

والقسم الثاني من هؤلاء من رأى أن المقصود بهذا الحديث هو : ليس كل من لقيه وتابعه أو رآه رؤية واحدة دخل فيه ، إنما هم من لازمه غدواً

٢٦٥

وعشياً. (١)

وليس هؤلاء بأحسن حالاً من أولئك ، رغم إن هذه القسم ضعيف الحجة على هذا التخصيص ، ولكن نساير القوم حيثما ساروا ونرى أن الكثير ممن ذكرنا سابقاً يدخل فيه هذا الصنف من الصحابة ، فلقد كذّب بعضهم بعضاً كما في حادثة تكذيب الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها‌السلام من قبل أبي بكر وعمر في قصة فدك ، وردّوا شهادات بعضهم كما في رد شهادة الأمير عليه‌السلام وأم أيمن في نفس القصة كما مرّ معنا ، وروّعوا أسباط وأبناء الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في قصة التهديد بحرق بيت فاطمة (روحي فداها) ، (٢) وضرب بعضهم بعضاً كما في حادثة ضرب الزبير والمقداد بن الأسود من قبل عمر ومحمد بن مسلمة الأنصاري وخالد بن الوليد وسلامة بن وقش على باب فاطمة (صلوات الله عليها) ، وأفكوا على بضهم كما في قصة الافك ، وتظاهروا على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في قصة مظاهرة عائشة وحفصة زوجتاه ، وتقاتلوا حتى وجأ بعضهم وجءاً شديداً كما في قصة عمر وسعد بن عبادة ، وتسابوا وتشاتموا في ما بينهم كما في قصص السقيفة ، وغدروا ومثّلوا ومن ثم قتلوا بعضهم كما في قصة خالد بن الوليد مع الصحابي مالك بن نويرة ، ونزوا على ذات عدة بعد قتل زوجها المسلم والتمثيل به وبجماعته كما في قصة خالد مع النوار زوجة مالك ، وشككوا بتأمير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واعترضوا

____________________

(١) انظر الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ٦٢ : ٣ ، وفيض القدير ٢٩٧ : ٦.

(٢) ذكرت ما تسالم على نقله القوم ، وقد تعرضت لحادثة قتل الصديقة الطاهرة عليها‌السلام وما جرى عليها (بأبي وأمي) من ضرب وإحراق للدار وعصرها بالباب ومن ثم ادخال المسمار في جسدها الشريف وإسقاطها للمحسّن الشهيد في كتابنا : فاطمة الزهراء عليها‌السلام فريدة الدهر ، وهو قيد الانجاز نأمل ان نوفق لاتمامه ببركتها (صلوات الله عليها) ، وتعرضنا لهذه الفاجعة أيضاً مستدلين بكتبهم ورواياتهم في كتابنا : فاطمة الزهراء عليها‌السلام حوار حول عصمتها ومظلوميتها ، وهو مما لم يطبع بعد.

٢٦٦

عليه كما في قصة تأمير اسامة ، واعتدوا بالضرب متسببين بموت بعضهم كما في قصة عثمان مع عبد الله بن مسعود في قصة غصب مصحفه والذي فتق بعد الضرب ومات منه ، وتبرأوا من بعضهم كما في براءة ابن مسعود من عثمان بن عفان إثر ضربه ، وطلبه من عمار أن يدفنه سراً ولا يشرك عثمان في دفنه ، وهو الأمر الذي أودى بعثمان إلى ضرب عمار ضرباً مبرحاً ، وقتلوا بعضهم كما في قصة قتل عقبة بن عامر الجهني لعمار بن ياسر ، وشردوا ببعضهم في البلاد كما في قصة أبي ذر الغفاري مع معاوية وعثمان ، ثم تعريبه بعد الهجرة من قبل عثمان وترحيله إلى الربذة وحيداً ، وأججوا الفتنة وحرشوا على المجتمع الإسلامي متسبيين بقتل عشرات الألوف من المسلمين كما في قصص عائشة وطلحة والزبير في التحريش على عثمان ، وكما في قصة معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأولئك معهم في تأجيج الفتنة على الإمام علي عليه‌السلام في صفين والجمل ، وغير ذلك الكثير مما لا يتمكن هذا الكتاب الاحاطة بسرده.

فأين الحق في ذلك كله؟ وأين الهدى الذي يجب أن نتبعه؟ فالكل كانوا صحابة يلازمون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدعوى القوم غداة وعشياً!

وأسوأ ما في الأمر أن يقال إن هذه الأعمال وهذه التصرفات تحكي طبيعة الهدى الرباني ، وتصوّرها بانها تركة الرسول الهادي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أمته من بعده! وهذه الأعمال وسواها تحكي في واقع الحال التضاد مع الهدي الرباني ، والتناقض مع التعاليم الرسولية!.

* * *

وهكذا نلحظ أن ما حاول القوم أن يضعوه حجر عثرة أمام وعي المفاهيم المتعلقة بحديث الثقلين ، لم يعدم القدرة على مجاراة الحديث فحسب ، وإنما كان بمثابة فضيحة تضاف إلى سجل التلاعب بسنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً ، وهذه الفضيحة لم تقف عند أعتاب التطاول لتحريف

٢٦٧

المفاهيم والقفز عليها فحسب ، وإنما امتدت لتحريف نفس الحديث الرسولي ، مرة بالزيادة عليه ، وأخرى بحذف بعض فقراته وحقائقه ، وإبدالها بأخرى تناسب النزعات الطائفية التي تكتنف جوانحهم وتشتمل عليها بواطنهم!! فإنا لله وإنا إليه راجعون.

* * *

وهكذا نخلص إلى أن عصمة أهل البيت عليهم‌السلام ليست مفردة شيعية لا علاقة بها بالنص القرآني والرسولي فحسب ، بل هي من أوضح الحقائق التاريخية فضلاً عن التعاليم القرآنية والنبوية! وما يبقى علينا التأكيد عليه هو إن هذه العصمة تمتد لتشمل الأئمة الاثني عشر بمعية الصديقة الطاهرة علاوة على الرسول الكريم (صلوات الله عليهم أجمعين) ، وهذا هو مفاد حديث الثقلين ، إذ انه حينما جمع بين القرآن وأهل البيت في الهدى ، أكد أيضاً استمرارية هذا الهدى حتى الورود عليه على حوض ، أو بكلمة أخرى : استمرارية هذا الهدى حتى يوم القيامة ، وهذا كما قلنا من قبل : لن يحقق مصداقيته سوى فكر الإمامية الناص على استمرار الإمامة من بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أئمة اثني عشر يمتدون مع الزمان حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، أولهم الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) وآخرهم المهدي من آل محمد (روحي وأرواح العالمين لمقدمه الفداء) ، وهو أمر لا يختص القول به الشيعة فحسب ، وإنما تشاركهم فيه صحاح أهل السنة وكبار أئمتها ، فالقوم قد رووا في جوامعهم ومسانيدهم قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الأئمة من قريش. (١)

____________________

(١) رواه الحاكم النيسابوري في المستدرك ٧٦ : ٤ ، والضياء في الأحاديث المختارة ٤٠٣ : ٤ ، ١٤٣ : ٦ ، والبيهقي في السنن ١٢١ : ٣ ، ١٤١ : ٨ و ١٤٣ و ١٤٤ ، وفي شعب الإيمان : ٢٦٣ ، والنسائي في السنن ٤٦٧ : ٣ ، وابن أبي شيبة في المصنف ٤٠٢ : ٦ ـ ٤٠٣ ، ٤٥٢ : ٧ ، والخلال في السنة ٩٤ : ١ و ١١٧ و ١٢٦ ، والطبراني في المعجم الصغير ٢٦٠ : ١ ، وفي الأوسط ٢٦ : ٢ ، ١٢٩ : ٣ و ١٨٣ ، ٤٢١ : ٤ ، =

٢٦٨

____________________

= وفي الكبير ٢٥٢ : ١ ، وأبو داود الطيالسي في المسند ١٢٥ و ٢٨٤ ، وأبو يعلى الموصلي ٣٢١ : ٦ ، ٩٤ : ٧ ، وابن أبي عاصم في السنة ٥٣١ : ٢ ، وابن شيرويه الديلمي في الفردوس ١٢١ : ١ ، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٥٣٠ : ٦ ، ٣٢ : ٧ ، ١٥٢ : ١٢ ، ٧٨ : ١٣ و ١١٤ و ١١٦ و ١١٩ ، وفي تهذيب التهذيب ٧ : ٣٤٧ ، وفي تلخيص الحبير ٤٢ : ٤ ، وفي الإصابة ٢٧٥ : ١ رقم ١٣٨٦ و ٢٩٤ : ١ وقم ١٥٠٤ ، وقد خصص له مؤلفاً كاملاً أسماه كما في كشف الظنون : لذة العيش بجمع طريق حديث الأئمة من قريش ، والسيوطي في الجامع الصغير والمناوي في شرحه الفيض القدير ٤٩٨ : ١ ، ١٨٩ : ٣ ـ ١٩٠ ، والمنذري في الترغيب والترهيب ١١٩ : ٣ ، وأبو نعيم في الحلية ١٧١ : ٣ ، ٨ : ٥ ، ٢٤٢ : ٧ ، ١٢٣ : ٨ ، وابن الجوزي في جامع العلوم والحكم : ٢٦٣ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ٤ : ١١٢ ، والمزي في تهذيب الكمال ٢٥٥ : ٤ ، ١٨٣ : ٢١ ، والنووي في تهذيب الأسماء : ٦٧ ، والدارقطني في العلل ١٩٨ : ٣ ، والعجلوني في كشف الخفاء ١ : ٣١٨ ، ٦٩ : ٢ ، وابن كثير الدمشقي في تحفة الطالب بمعرفة أحاديث مختصر ابن الحاجب ٢٦٤ : ١ ، وابن الملقن الأنصاري في خلاصة البدر المنير ٢٩١ : ٢ ، والآمدي في الإحكام ٧٧ : ٢ ، وابن حزم في الإحكام ٤٢٩ : ٧ ، والغزالي في المستصفى : ١٥٦ ، والرازي في المحصول في علم أصول الفقة ٥٨٥ : ٢ ـ ٥٨٦ ، ٥٢٩ : ٤ ، والسبكي في الابهاج ١١٢ : ٢ ـ ١١٣ ، وابن قدامة في روضة الناظر : ١٤٦ ، والسلمي في القواعد الصغرى : ١٢١ و ١٤٣ ، وابن همام الدين في التقرير والتحبير ٢٣٩ : ١ و ٢٤٠ و ٢٤٩ ، ٣٦٣ : ٢ ، والسمعاني في قواطع الأدلة في الأصول ، وابن الطيب البصري في المعتمد في أصول الفقه ١٥٩ : ١ ، والسيوطي في الدر المنثور ٣٩٩ : ٦ ، وفي جمع الجوامع : ١٠٢٦٤ ح ، وفي الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة : ٥٦ ، وفي تاريخ الخلفاء : ٨ ، وابن حماد المروزي في الفتن : ١٢١ ، والمقرىء الداني في السنن الواردة في الفتن ٤٨١ : ٢ و ٤٩٤ و ٤٩٥ ، والقلقشندي في مآثر الانافة في معالم الخلافة : ٣٨ ، وابن خلدون في المقدمة : ١٩٤ و ١٩٨ ، وابن كثير في البداية ٣٨ : ٩ ، والسبكي في طبقات الشافعية الكبرى : ١٩٢ و ١٩٦ و ٣٢٧ ، والرافعي القزويني في التدوين في أخبار قزوين ٤٢٢ : ٢ ، واليعقوبي في تاريخه ١٠٢ : ٢ و ٢١١ ، والمقري التلمساني في نفح الطيب ٥ :

٢٦٩

وحيث يلاحظ على الحديث عموميته في قريش وخصوصيته فيهم دون غيرهم من الناس ، فإنه لا يمكن أن يصيب معدن الهدى بشكل كامل لطبيعة التعميمات ، ولهذا لا بد من أن يخصص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمومية قريش هذه ، ليحصرها في اثني عشر إماماً ، ومع قرنه ببقية الروايات التي تتحدث عن خصوصية أهل البيت ، يكون من الواضح جداً أن هذا التخصيص متعلق بهم دون غيرهم لا سيما وأننا نلمس إجماع جميع الفرق الإسلامية على تسمية آخر هؤلاء بالمهدي ، وكونه من أهل البيت من ولد الإمام الحسين عليه‌السلام خاصة ، قد روى القوم رغم سياسة التعتيم الصارمة التي اتبعوها ضد أهل البيت عليهم‌السلام هذا التخصيص مرة بعنوان الأمراء فلقد روى البخاري عن جابر ابن سمرة قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : يكون اثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها فقال أبي : إنه قال : كلهم من قريش. (١)

____________________

= ٢٨٢ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٢٠٥ : ٢٠ ، ٢٨٦ : ٣٠ ، ٣٢٢ : ٥٤ و ٣٤٨ ، ١١ : ٦١ ـ ١٤ ، وابن ضويان في منار السبيل ١٢٢ : ١ ، والشربيني في مغني المحتاج ١٣٠ : ٤ ، وفي الاقناع ٥٥٠ : ٢ ، والبهوتي في كشف القناع عن متن الاقناع ١٥٩ : ٦ ، وابن زكريا الأنصاري في فتح الوهاب بشرح منهج الطلاب ٢ : ٩٨ ، والشوكاني في السيل الجرار ٥٠٣ : ٤ و ٥٠٦ ، والفيروز آبادي في التبصرة : ٣٦٤ ، والعراقي في المغني عن حمل الأسفار ١١٤ : ١ ، ١٠٢ : ٤.

(١) البخاري ١٢٧ : ٦ (ذيل باب الاستخلاف) وفي التاريخ الكبير ١٨٥ : ٣ ، وانظر الخبر بلفظه أو بما يشبهه في سنن الترمذي ٢٤٠ : ٣ ح ٢٣٢٣ ، وأبي عوانة في مسنده ٣٧٠ : ٤ ـ ٣٧٢ ، وأحمد في مسنده ٨٧ : ٥ و ٩٠ و ٩٢ و ٩٤ ـ ٩٥ و ٩٧ و ٩٩ و ١٠١ و ١٠٧ ـ ١٠٨ ، والطبراني في المعجم الكبير ١٩٧ : ٢ و ٢٠٦ و ٢١٤ و ٢١٥ و ٢١٨ و ٢٢٣ و ٢٢٦ و ٢٤٠ و ٢٤٨ و ٢٥٣ ـ ٢٥٥ ، وفي المعجم الأوسط ٦٣ : ١ ، وابن أبي الجعد البغدادي في مسنده : ٣٩٠ ، والخلال في السنة ٤٣١ : ٢ ، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٢١١ : ١٣ ، وفي تعجيل المنفعة : ٣٥٨ ، والبيهقي في أعلام النبوة ٥٦٩ : ٦ ، والمزي في تهذيب الكمال ٢٧٢ : ٣٣ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ٤٤٣ : ١٤ ، وابن كثير المدمشقي في البداية والنهاية ١٥٣ : ١ ، =

٢٧٠

ومرة بعنوان الخلفاء فروى مسلم بلفظ أصح من لفظ البخاري (١) عن جابر بن سمرة نفسه قال : دخلت مع أبي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسمعته يقول : إن هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر أميراً خليفة ، قال : ثم تكلم بكلام خفي عليّ ، قال : فقلت لأبي : ما قال؟ قال : كلهم من قريش. (٢)

وبلفظ آخر قال : لا يزال الإسلام عزيزاً (٣) إلى اثني عشر خليفة ، ثم قال كلمة لم أفهمها فقلت لأبي : ما قال؟ فقال : كلهم من قريش. (٤)

____________________

= ٢٤٦ : ٦ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٣٠٣ : ٣٢.

(١) لعل اختلاف لفظ الحديث ناجم عن عدم ارتياح البخاري للفظ «خليفة» لوضوح دلالته أكثر من دلالة الأمير التي استخدمها هو ، وإلا فالخبر الذي يرويه مسلم أشهر وأكثر تسالماً بين أهل الحديث ، والله أعلم.

(٢) مسلم بشرح النووي ٢٠١ : ١٢«كتاب الإمارة».

(٣) في لفظ آخر : لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً.

(٤) المصدر نفسه ٢٠٢ : ١٢. هذا وقد روى الخبر بلفظه ومعناه عن جابر وغيره ، في هذا الموضوع وغيره وفي بعضها في حجة الوداع كثيرون ، منهم : أبو داود في السنن ١٠٦ : ٤ ، وأحمد في المسند ٨٦ : ٥ ـ ٨٩ و ٩٢ و ١٠٦ ـ ١٠٧ ، وفي المسائل ١ : ٧٤ ، وابن حبان في الصحيح ٤٣ : ١٥ ـ ٤٤ ، وفي الثقات ٢٤٢ : ٧ ، والبخاري في التاريخ الكبير ٤١٠ : ٨ ، والحاكم النيسابوري في المستدرك ٦١٧ : ٣ ـ ٦١٨ ، وابن أبي شيبة في المصنف ٣٦٣ : ٦ ، وأبو عوانة في المسند ٣٦٩ : ٤ ـ ٣٧٣ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٩٠ : ٥ ، وأبو يعلى الموصلي في المسند ٤٥٦ : ١٣ ، وابن شيرويه في الفردوس ١٠٢ : ٥ ، وابن أبي الجعد في المسند : ٣٩٠ ، وابن أبي عاصم في السنة ٢ ؛ ٥٥٨ و ٥٦٣ ، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٢١٢ : ١٣ و ٢١٥ ، والطبراني في المعجم الأوسط ٢٨٦ : ٦ ، وفي الكبير ٥٤ : ١ و ٩٠ ، ٢ : ١٩٦ و ١٩٩ و ٢٠٧ و ٢٠٨ و ٢١٤ و ٢٥٣ ، ٢٠٥ : ٥ ، ١٢٠ : ٢٢ ، والحسيني في الآحاد والمثاني ٧٣ : ١ و ٩٦ ، ١٢٨ : ٣ ، وابن القيم في الحاشية ٢٤٣ : ١١ ، والسيوطي في الديباج ٤٤٠ : ٤ ، وفي تاريخ الخلفاء : ١٠ و ١٢ و ٦١ ، وأبو الطيب العظيم آبادي في عون المعبود شرح سنن أبي داود ٢٤٥ : ١١ و ٣٤٣ ، والمباركفوري في تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي ٣٩١ : ٦ و ٣٩٦ ، والذهبي =

٢٧١

ورغم محاولات القوم الرامية لتحوير مفهوم هذه الأحاديث ، وتخصيصها بما لا ينطبق عليه التخصيص من الأشخاص الذين فرضهم الواقع التاريخي والسياسي ، إلا ان الإنسان لا يعدم الدلالة الواضحة بشأن طبيعة الخلافة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فالرسول بأبي وأمي لم يك قائداً سياساً أو عسكرياً فحسب ، حتى نخصص المراد بخلافته من يأتي بعده في هذا المقام ، وإن كان ذلك أحد صور الخلافة ، (١) ولكن هذه الخلافة يفترض أن تمتد لجميع ما كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحتله من مقام اللهم إلاّ النبوة فلا ريب أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان خاتم الأنبياء ، ومن هنا نستطيع أن نعي بشكل أفضل مراد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قوله لأمير المؤمنين عليه‌السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه لا نبي بعدي. (٢)

____________________

= في سير أعلام النبلاء ٤١١ : ١٠ ، وابن الرزاز في تاريخ واسط : ٩٨ ، وابن حيان في طبقات المحدثين ٨٩ : ٢ ، وابن الجوزي في صفوة الصفوة ٢٣٦ : ١ ، وفي المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ٥٤ : ٤ ، وابن كثير في البداية والنهاية ١٥٣ : ١ ، ١٩٤ : ٦ و ١٩٨ و ٢٨١ ، وابن تيمية في منهاج السنة النبوية ٣٨٣ : ٣ ـ ٣٨٤ ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ٢٩٠ : ١ و ٤٠٨ ، وأبو نعميم الأصبهاني في الحلية ٣٣٣ : ٤ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٩١ : ٥ ، ٢٨٨ : ٢١ ، ٣٠ : ٢٢٩ ، ١٨٢ : ٣٩ ـ ١٨٣ و ٤٧٦ ، ١٨٩ : ٤٥ ، ٤٠٨ : ٦٥ ، وابن خلدون في المقدمة : ٣٢٥.

(١) وبالتالي فهو ضابط موضوعي لمن يجب أن يخلفه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في محله السياسي والعسكري.

(٢) الحديث من أشهر المرويات وقد أطبقت كتب القوم بما فيهم النواصب منهم على روايته بأجمعهم ، ولم يشذ في ذلك من الرواة أحد ، غير إن بعض متكلميهم الذين لم يجدوا ما يخرجهم من المخمصة الفكرية التي يولجهم الحديث بها فقد تابعوا رأي سيف الدين الآمدي الذي ذكرعنه انه لم يصحح الخبر على ما نقل عنه ابن حجر الهيتمي في الصواعق ص ٤٩ ، وهو على أي حال مقدوح في دينه كما يشير إلى ذلك ابن خلكان إذ يقول نسب : إلى فساد العقيدة وانحلال الطوية والتعطيل .. =

٢٧٢

____________________

= إلى أن قال إن علماء وقته كتبوا عنه ما يستباح به دمه. وفيات الأعيان ٢٩٣ : ٣ ، ومثله قال القاضي شهبة في طبقات الشافعية ٧٩ : ٢ ، ورمي بالانحلال ، وأخرج من مصر ، وكان أصحابه في شك من صلاته إلى أن علموا بعدم صلاته ، كما ينقل الذهبي في سير اعلام النبلاء ٣٦٥ : ٢٢ ـ ٣٦٦.

وإني أجد نفسي في غنىً عن ذكر مصادر هذا الحديث ، وإن كان لا بد فسيكفيك في هذا الصدد أن البخاري ذكره في صحيحه ٢٠٨ : ٤ ، ١٢٩ : ٥ ، وفي تاريخه ١١٥ : ١ ، ٣٠١ : ٧ ، ومسلماً في صحيحه ١٧٤ : ١٥ ، وابن حبان في الصحيح ١٥ : ١٥ و ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، وفي الثقات ١٤٢ : ١ و ٩٣ : ٢ ، والحاكم النيسابوري في المستدرك ١٠٩ : ٣ و ١٣٣ ، والضياء في الأحاديث المختارة ١٥١ : ٣ و ٢٠٧ ، والترمذي في السنن ٣٠٢ : ٥ ح ٣٨٠٨ و ٣٠٤ ح ٣٨١٣ ـ ٣٨١٤ ، والنسائي في مواضع كثيرة من السنن ٤٤ : ٥ ، ١٠٧ ـ ١٠٨ و ١١٣ و ١١٩ ـ ١٢٥ و ١٤٤ و ٢٤٠ ، وفي الفضائل : ١٣ ـ ١٤ ، وفي الخصائص في مواضع عدة منها : ٤٤ ـ ٤٧ ، وابن ماجة في السنن ٤٢ : ١ و ٤٥ ، وأحمد في المسند في مواضع كثيرة جداً منها ١ : ١٧٠ و ١٧٣ ـ ١٧٥ و ١٧٧ و ١٧٩ و ١٨٢ و ١٨٤ ـ ١٨٥ و ٣٣٠ ، ٣٢ : ٣ و ٣٣٨ ، ٦ : ٣٦٩ و ٤٣٨ ، وفي الفضائل مثله في كثرة المواضع منها ٥٦٦ : ٢ ـ ٥٦٩ و ٥٩٢ و ٥٩٨ و ٦١٠ ـ ٦١١ و ٦٣٣ و ٦٣٨ و ٤٤٢ ـ ٦٤٣ و ٦٦٣ و ٦٦٦ و ٦٧٠ و ٦٧٥ و ٦٨٤ ، والحميدي في المسند ٣٨ : ١ ، وأبا يعلى في المسند ٢٨٥ : ١ ، ٥٧ : ٢ و ٦٦ و ٧٣ و ٨٦ و ٩٩ و ١٣٢ ، وفي المعجم : ٧٠ و ١٦٧ و ٢١٤ ، وابن شيرويه في الفردوس ٣١٥ : ٥ و ٣٢٧ ، وابن أبي الجعد في المسند : ٣٠١ ، وابن راهويه في المسند ٣٧ : ١ ، والبزار في المسند ٦٠ : ٣ و ٢٧٦ و ٢٧٩ و ٢٨٣ ـ ٢٨٤ و ٣٢٤ و ٣٦٩ ، ٣٣ : ٤ و ٣٨ ، والشاشي في المسند ١٢٧ : ١ و ١٤٧ و ١٦١ و ١٦٥ ـ ١٦٦ و ١٨٦ و ١٨٨ و ١٩٥ ، والطيالسي في المسند : ٢٨ ـ ٢٩ ، والبيهقي في السنن ٩ : ٤٠ ، وفي الاعتقاد : ٣٥٦ ، وابن أبي شيبة في المصنف ٣٦٦ : ٦ ، ٤٢٤ : ٧ ، وعبد الرزاق في المصنف ٤٠٦ : ٥ ، وابن أبي عاصم في السنة ٥٦٥ : ٢ ـ ٥٦٦ و ٦٠٠ ـ ٦٠٣ و ٦٠٩ ـ ٦١٠ و ٦٢٤ ، والخلال في السنة ٣٤٧ : ٢ و ٤٠٧ ، والهيثمي في مجمع الزوائد ١٠٩ : ٩ ـ ١١١ ، في موارد الظمآن ٥٤٣ : ١ ، والنووي في تهذيب الأسماء : ٣١٧ ، ومعمر بن راشد في الجامع ٢٢٦ : ١١ ، والسيوطي في =

٢٧٣

____________________

= الديباج ٣٨٧ : ٥ ، وفي الجامع الصغير والمناوي في شرحه فيض القدير ٣٥٨ : ٤ ، والمباركفوري في تحفة الأحوذي ١٥٧ : ١٠ و ١٦١ ، وابن عبد البر في التمهيد لما في الموطأ ١٣٢ : ٢٢ ، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٧٤ : ٧ ، ٦٥ : ٩ ، وابن سعد في الطبقات ٢٣ : ٣ ـ ٢٤ ، والحسيني في الآحاد والمثاني ١٧٢ : ٥ ، وأبا نعيم الأصبهاني في الحلية ٣٤٥ : ٤ ، ١٩٤ : ٧ ، ٣٠٧ : ٨ ، والعجلي في معرفة الثقات ١٨٣ : ٢ و ٤٥٧ ، والنووي في تهذيب الأسماء : ٣١٧ ، والطبراني في المعجم الصغير ٨٤ : ٢ و ١٣٧ ، وفي الأوسط في مواضع كثيرة منها ١٢٦ : ٢ ، ٣ : ١٣٩ ، ٢٦٩ : ٤ ، ٢٨٧ : ٥ ، ٧٧ : ٦ و ٨٣ ، ٣١١ : ٧ ، ٤٠ : ٨ ، وفي الكبير ١ : ١٤٦ و ١٤٨ ، ٢٤٧ : ٢ ، ١٧ : ٤ و ١٨٤ ، ٢٠٣ : ٥ و ٢٢١ ، ٧٤ : ١١ ـ ٧٥ ، ١٢ : ١٨ و ٩٨ ، ٢٩١ : ١٩ ، ١٤٦ : ٢٤ ـ ١٤٧ ، والمحالي في الأمالي : ٢٠٩ و ٢٥١ ، والذهبي في تلخيص المستدرك ١٠٩ : ٣ و ١٣٤ وصححه ، وفي التذكرة ١٠ : ١ و ٢١٧ ، ٥٣٢ : ٢ ، وفي سير أعلام النبلاء ١٤٢ : ١ ، ٣٦٢ : ٧ ، ٢١٤ : ١٢ ، ١٦٣ : ٣٤١ ، ٢١٠ : ١٤ ، والخطيب البغدادي في مواضع كثيرة جداً في تاريخ بغداد منها ٣٢٥ : ١ ، ٣٨٩ : ٣ و ٤٠٦ ، ٧٠ : ٤ و ٢٠٤ و ٣٨٢ ، ٤٥٢ : ٧ ، ٥٢ : ٨ ، ٣٦٤ : ٩ ، ٤٣ : ١٠ ، ٣٨٤ : ١١ و ٤٣١ ، ٣٢٣ : ١٢ ، وابن الجوزي في صفوة الصفوة ١ : ٣١٢ ، والمزي في مواضع كثيرة جداً من تهذيب الكمال منها ما في ٣٣٢ : ٧ ، ٨ : ٤٤٢ ، ٣٤٥ : ١٦ ، ٤٨٣ : ٢٠ ، ٤٢١ : ٢٥ ، ٤٨٢ : ٣٢ ، وابن حجر العسقلاني في لسان الميزان ٢٣ : ٢ و ٣٢٤ و ٤١٣ ، ٢١٩ : ٤ ، ٣٧٧ : ٥ ، وفي تهذيب التهذيب ١٦٠ : ٥ ، ٨٤ : ٦ ، ٢٩٦ : ٧ ، والمحب الطبري في الرياض ١٩٨ : ١ ، ١٨٢ : ٢ و ١٩١ ـ ١٩٢ ، وابن قتيبة الدينوري في تأويل مختلف الحديث : ٦ ، والطبري في التاريخ ١٨٣ : ٢ ، وابن هشام في السيرة النبوية ١٢١ : ٤ ، وابن طلحة في مطالب السؤول : ٨٢ و ٨٦ و ٨٨ و ١٠٢ ، والشبلنجي في نور الأبصار : ١٣٦ ، وابن طولون في الشذرات : ٥٢ ، والخطيب التبريزي في المشكاة ح ٦٠٧٨ ـ ٦٠٨٨ ، والملا علي القاري في المرقاة ٤٥٤ : ١٠ ـ ٤٥٧ ح ٦٠٧٨ ـ ٦٠٨٨ و ص ٥٠٩.

أقول : من عجائب القوم أن ابن حجر الهيتمي بعد أن يقرر صحة الحديث عند أئمة الحديث ، ويعتبر ان المعوّل ليس إلا عليهم في ذلك ، يعتبر الحديث من الآحاد ،

٢٧٤

رغم كل ما تعسف به القوم وتمحّلوا في تبرير وتفسير هذا الخبر ، ومن جملتها ما ذكره القرطبي في تفسيره بعد تصحيحه الخبر : لا خلاف أن النبي لم يرد بمنزلة هارون من موسى الخلافة بعده ، ولا خلاف أن هارون مات قبل موسى عليهما‌السلام وما كان خليفته بعده ، وإنما كان الخليفة يوشع بن نون ، فلو أراد بقوله : إنما أنت بمنزلة هارون من موسى الخلافة لقال : أنت مني بمنزلة يوشع من موسى! فلما لم يقل هذا دلّ على إنه لم يرد هذا. (١)

وقوله هذا إن حكم به على شيء ، فقد حكم به على نفسه ، فهارون إنما استخلف لكونه نبيّاً ، فإن قال : إنما استخلف على أهله ليس إلا ، قلنا : فإن مقام نبوته قد انتفى بالمرة ، وإلاّ فحين لا يخرجه إلى مهمة رسالية ضخمة كالتي خرج بها ، ويبقيه لمهمة خارجة عن الرسالة بزعمهم ، فأي وجود لنبوته بعدئذ؟! بل إن كلامه هذا ينقض نفس القرآن الذي يتحدّث فيه عن طبيعة استخلافه حيث يقول على لسان موسى عليه‌السلام : (وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ

____________________

= وأعجب منه تهمته للشيعة وكيله لهم الشتائم الذين بزعمه : يزعمون التواتر في ما يوافق مذهبهم الفاسد ، وإن اجمع أهل الحديث والأثر على إنه كذب موضوع مختلق ، ويزعمون في ما يخالف مذهبهم أنه آحاد!! وإن اتفق أولئك على صحته وتواتر رواته!! تحكماً وعناداً وزيغاً عن الحق فقاتلهم الله ما أجهلهم وأحمقهم. الصواعق المحرقة في الرد على أهل البدع والزندقة : ٤٩ ـ ٥١.

أتراه نسي المثل العربي : رمتني بدائها وانسلت! فمن يتهم من؟! أنحن من قال عن حديث المنزلة والولاية (انظر ص ٤٩ من الكتاب المذكور) والثقلين من الآحاد وقد ملأت كتبكم وسودت الكثير من صحائفكم أم نحن؟! قاتل الله الطائفية والجهل ما أورد دعاته في متاهات الجهل والضلال.

علماً أن استقصاء كل من ذكر الخبر واستيفاء طرقه العديدة قد يستوجب عدة صفحات أخرى لذكر تخريجات الخبر فقط ، وما انتخبته لم يك غير نموذج لما ذكر ، وقد تركت وراءه الشيء الكثير لمن ذكرت ولغيرهم.

(١) الجامع لأحكام القرآن ١٨٤ : ١ لأبي عبد الله القرطبي (ت ٦٧١ هـ) ؛ دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٩٨٨ ط ١.

٢٧٥

هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) (١) فحديثه عن سبيل المفسدين إنما يكون للأمور العامة ، وحديثه عن القوم يشير إلى عمومية القوم المتبقين إذ لم يأخذ معه إلى الطور إلا النخبة منهم ، وحديثه عن الإصلاح إنما هو حديث عن المهمة الربانية الموكلة إليه.

ولا تعنينا هذه الترهات ، فالقرآن خير هاد لنا في تشخيص دور هارون عليه‌السلام ، فهو خليفته في قومه في الآية السابقة ، وهو وزيره وأخوه في موضع آخر (٢) ، وهو ناصره في موضع ثالث ، (٣) وهو المرسل بآياته في موضع رابع ، (٤) فضلاً عن نبوته ، وبما أنه أخرج النبوة عن الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام بسبب ختمها ، فإن كافة متعلقات هارون من موسى تبقى لعلي عليه‌السلام من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لو لوحظت مواصفات هارون هذه وطبقت على الأمير فسيجد القارىء أن شواهدها أكثر من أن تحصى ، بل تملأ الكتب الروائية ، ونظرة بسيطة على كتب المناقب كافية في هذا الغرض.

ووصل حقد بعضهم إلى درجة الطعن بنفس أمير المؤمنين عليه‌السلام ، وذلك من خلال تحريف الحديث ، فهذا حريز بن عثمان وهو أحد أعلام الرواية الموثوقين عند القوم ، من رجال البخاري والنسائي ومسلم وابن ماجة وأبي داود ، والذي يعتبره احمد بن حنبل بقوله : ثقة ثقة ، دون ان يردعهم عنه كثرة سبابه ولعنه لأمير المؤمنين (٥) رغم أنهم يرون النفاق صفة ملازمة

____________________

(١) الأعراف : ١٤٢.

(٢) الفرقان : ٣٥.

(٣) الشعراء : ١٣.

(٤) المؤمنون : ٤٥.

(٥) تراجع ترجمته في كتب القوم ، وأكتفي بما نقله الخطيب البغدادي في تاريخه عنه فقد نقل أنه كان ثبتاً! شديد التحامل على علي! ، ونقل عن العجلي قوله : شامي ثقة! وكان يحمل على علي ، وعن يحيى بن المغيرة نقل أن حريزاً : كان يشتم علياً على المنابر ، وعن عمران بن أبان سماعه لحريز وهو يقول عن الإمام بأبي وأمي : =

٢٧٦

لبغض الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام كما تقدم ، ورغم أنهم يرون أن الساب لعلي عليه‌السلام ساب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والساب لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساب لله ، ولكن مع ذلك تراه يتحدّث عن هذا الخبر فيقول : هذا الذي يرويه الناس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لعلي : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، حق ، ولكن أخطأ السامع! قلت (والكلام لاسماعيل بن عياش) : فما هو؟ فقال : أنت مني بمنزلة قارون من موسى!! (١)

ورووا من أجل معارضة الخبر أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى!

وقد كفانا علماء القوم ورجال الدراية منهم مؤونة تكذيبه وتفنيده وتوهينه كما نلحظ ذلك في تكذيب ابن عدي له في الكامل ، (٢) والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ، (٣) وتكذيب الذهبي لراوييه قزعة بن سويد وعمار

____________________

= لا أحبه قتل آبائي ، قتل آبائي! وعن يزيد بن هارون قول حريز له : لنا أمير ولكم أمير ، يعني لنا معاوية ولكم علي! ، وقوله : لا أحب من قتل لي جدين!! تاريخ بغداد ٢٦٦ : ٨ ـ ٢٦٨.

ونقل ابن حجر العسقلاني عن يحيى بن صالح جوابه لسؤال : لم لم تكتب عن حريز؟ فقال : كيف أكتب عن رجل صليت معه الفجر سبع سنين ، فكان لا يخرج من المسجد حتى يلعن علياً سبعين مرة ، ونقل عن ابن حبان قوله : كان يلعن علياً بالغداة سبعين مرة ، وبالعشي سبعين مرة فقيل له في ذلك فقال : هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي ، وكان داعية إلى مذهب (النصب). تهذيب التهذيب ٢١٠ : ٢ رقم ٤٣٦.

(١) انظر تاريخ بغداد ٢٦٨ : ٨ ، وتهذيب الكمال ٥٧٧ : ٥ ، وتهذيب التهذيب ٢ : ٢٠٩ ، والتطريف في التصحيف للسيوطي : ٤٤ رقم ٥٣.

(٢) الكامل في ضعفاء الرجال ٣٨٤ : ٥ لابن عدي الجرجاني (ت ٣٦٥ هـ) ، دار الفكر بيروت ١٩٨٨ ط ٣.

(٣) تاريخ بغداد ٣٨٤ : ١١.

٢٧٧

ابن مرهون في ميزان الاعتدال. (١)

على إن من أدرك الوحدة الموضوعية في هذه الأحاديث ولم يقطّعها ولا يأخذها مجزأة عن غيرها ، لكونها خرجت من معين واحد ، لا يشك لحظة بحجم الاجحاف والافتراء والتمحّل الذي تملّك فكر القوم وكتبهم ضد أهل البيت عليهم‌السلام! فضلاً عن التاريخ الذي بنوه على هذا الاجحاف والافتراء!! ولأدرك حجم الظلم والحيف الذي تكبّده أهل بيت الرحمة (بأبي وأمي)! ولوجد نفسه تردد مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله وهو يبكي إذ يماشي علياً قرب بقيع الغرقد (صلوات الله عليه) حين سأله عن سبب بكائه بأبي وأمي فقال : أبكي لضغائن ستظهر لك من بعدي! (٢) والله بالغ أمره ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، آمنا هو حسبنا ونعم الحسيب.

____________________

(١) ميزان الاعتدال في نقد الرجال ١٧١ : ٣ رقم ٦٠٠٩ ، وقال : قلت : هذا كذب ، و ٣٩٠ : ٣ رقم ٦٨٩٤.

(٢) تقدم تخريج الخبر.

٢٧٨

الفصل الثالث

شبهات حول العصمة

٢٧٩

٢٨٠