عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية

الشيخ جلال الدين علي الصغير

عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية

المؤلف:

الشيخ جلال الدين علي الصغير


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأعراف للدراسات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

بكر عن تأدية سورة براءة (التوبة) في السنة الثامنة للهجرة (على مهاجرها وآله أفضل التحية والسلام) وهي بحكم المتواترة في كتب القوم فضلاً عن كتب الخاصة ، ولفظه كما رواه أحمد بن حنبل في المسند عن أبي بكر أنه قال : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعثه (١) ببراءة لأهل مكة لا يحجّ بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ، ولا يدخل الجنة إلاّ نفس مسلمة ، من كان بينه وبين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدّة فأجله إلى مدّته والله بريء من المشركين ورسوله. قال : فسار بها ثلاثاً ، ثم قال لعلي (رضي الله تعالى عنه) الحقه فردّ عليَّ أبا بكر وبلغها أنت. قال : ففعل. قال : فلما قدم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر (٢) بكى قال :

____________________

= ٥٤٦ ، والايجي في المواقف ٣٥٦ : ٨.

(١) في المستدرك : عن عبد الله بن عمر أن عمر كان قد بعثه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معه.

(٢) روى العامة بطريق محرز عن أبيه أبي هريرة الدوسي انه لم يرجع وانه قال للأمير حينما قدم عليه : أمير أم مأمور ، فقال له الأمير (صلوات الله عليه) : بل مأمور! وان الأمير كان يبلّغ بين يدي أبي بكر الذي كان اميراً للحاج والأمير مبلّغاً للآيات ، وأن أبا هريرة كان هو الآخر مأموراً بالنداء من قبل أبي بكر ونادى بها حتى صحل صوته (أي بحّ)! .. إلى آخر ما اعتدنا سماعه من أمثال داعية القوم وراويتهم أبي هريرة. انظر : تفسير ابن كثير ٣٤٦ : ٢.

ولا أنوي مناقشة الرواية بشكل مفصل ، ولكن لا بد من اشارة اجمالية لبعض ما فيها من وهن الذي يتجلى لنا من خلال النقاط التالية :

١ ـ ان أبا هريرة متهم بوضع الحديث ، لا سيما تلك المتعلقة بالأمور المرتبطة بأمير المؤمنين عليه‌السلام ، إذ كان معروفاً بعدواته لأمير المؤمنين عليه‌السلام ، فعلى الرغم من روايته لخمسة آلاف وثلاثمائة حديث عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وفقاً لابن حجر ـ إلاّ انها خلت من حديث واحد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام بطريقه إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. وللتفضيل يرجع إلى كتاب شيخ المضيرة أبي هريرة.

٢ ـ إن نزول براءة كان بعد اسلام أبي هريرة بنحو سنة واحدة ، وكان في الصحابة من هو أشد منه صوتاً إن انتخب لصوته ، وأقدم منه صحبة إن انتخب لصحبته ، وأكثر منه شجاعة إن انتخب لشجاعته ، وأشد منه التصاقاً برسول الله إن ادعيت علاقته اللصيقة به(صلوات الله عليه وآله) والتي يروون عنها الأعاجيب ، فما بال=

١٢١

____________________

=هؤلاء الصحابة نساهم أمير الحاج وفضّله عليهم؟!

٣ ـ إن الرواية متعارضة بوضوح مع الكثير من الروايات التي تؤكد أن أبابكر رجع بعد أن جاءه إبلاغ الرسول ، وبعضها يصرّح بأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد طلب منه أن يرجع.

٤ ـ إن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين طلب من أبي بكر أن يكون المبلّغ بها أمير المؤمنين عليه‌السلام فكيف عمل أبو بكر على أن يكون المبلّغ بها غير أمير المؤمنين عليه‌السلام؟!

٥ ـ إذا كانت دعوى القوم في رد تميّز أمير المؤمنين عليه‌السلام في هذه الآية مبنية على أساس أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أُبلغ بأنه لا ينبغي أن يبعث رجلاً غريباً عنه ، لأن العرب ستستهجن ذلك ، وعليه أن يبعث رجلاً منه أي من طرفه العائلي ، بل بدعواهم أن ابن العم يكنى بالنفس كي يكون آكد في الاطمئنان بان أماناتهم وعهودهم مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لن تمسّ بسوء! فكيف خالف أبوبكر هذه الدعوى وأرسل من لا صلة له بالمطلق لا بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا بعشيرته ولا بقضيته ، بل هو إلى شذاذ الآفاق الذين اجتذبتهم رائحة الطعام إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرب منه إلى أي صفة أخرى؟!

وكذا رووا بطريق عكرمة عن ابن عباس قوله : ان علياً كان إذا أعيى من ندائه قام أبو بكر فنادى بها.

ويرد عليه ببعض ما ورد أعلاه ، من حيث تعارض الرواية مع الروايات التي تتحدث عن رجوع أبي بكر إلى المدينة بعد أن سار بها ثلاثاً ، ومن حيث كون عكرمة من وضّاع الحديث المشهورين كما سيأتي في حديثنا عن آية التطهير ، ومن حيث مخالفة أبي بكر لطلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن لا يبلّغ عنه إلا هو أو علي ، ومن حيث سقوط أصل مدّعاهم بأن طلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله كان لأسباب عشائرية ونظراً لطبيعة العرف القبائلي.

هذا وقد استغرب ابن كثير من سياق الخبرين فقال : وهذا السياق فيه غرابة من جهة ان أمير الحج كان سنة عمرة الجعرانة إنما هو عتاب بن أسيد فأما أبوبكر إنما كان أميراً ستة تسع. انظر تفسير القرآن العظيم ٣٤٦ : ٢.

هذا ، والحق أن العجب لا ينقضي من عقول القوم كيف رضوا لأنفسهم أن لا يلتفت رسولهم حين بعث صاحبهم أولاً لأبسط أولاً لأبسط الالتزامات الاجتماعية والعرفية ، في

١٢٢

يا رسول الله حدث فيَّ شيء؟! قال : ما حدث فيك إلاّ خير ، ولكن أمرت أن لا يبلغه إلاّ أنا أو رجل منّي. (١)

أو قوله : علي منّي وأنا من علي ، وما شابهه لفظاً ومعنيً. (٢)

____________________

= وقت اعطوا لأنفسهم الامتياز بالوعي فنبّهوا إلى علّة طلب الوحي من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يبلّغ عنه إلا هو أو رجل منه؟! ولربك في خلقه شؤون!!

(١) مسند أحمد ٣ : ١.

(٢) انظر : البخاري في صحيحه ٢٠٧ : ٤ ، وأحمد في مسنده ١٦٤ : ٤ ـ ١٦٥ ، و ٥ : ٣٥٦ ، وفي فضائل الصحابة ٥٩٤ : ٢ و ٥٩٩ و ٦٢٠ و ٦٤٩ ، والحاكم في المستدرك ١٢٠ : ٣ وقال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرّجاه ، والحافظ الذهبي في التخليص ١٢٠ : ٣ وقال : صحيح ، وفي ميزان الاعتدال ١٣٨ : ٢ ، وفي سير أعلام النبلاء ١٩٩ : ٨ ، والذهبي في تذكرة الحفاظ ٤٥٥ : ٢ ، والنسائي في السنن بطرق عديدة ٤٥ : ٥ ح ٨١٤٦ ، و ١١٣ : ٥ ح ٨٤٠٩ ، و ١٢٦ : ٥ ـ ١٢٩ ح ٨٤٥٢ ـ ٨٤٦٣ و ١٣٢ : ٥ ـ ١٣٣ ح ٨٤٧٤ ـ ٨٤٧٥ ، وفي الخصائص : ١٤٣ ح ٧٤ ، والترمذي في سننه ٣٠٠ : ٥ ح ٣٨٠٣ وقال : حديث حسن غريب صحيح ، والمباركفوري في التحفة ١٤٥ : ١٠ ـ ١٤٧ و ١٥٢ ، وابن ماجة في سننه ٤٤ : ١ ح ١١٩ ، وابن الأثير في جامع الأصول ٦٥٢ : ٨ ح ٦٤٩٢ ، وابن أبي شيبة في مصنّفه ٥٩ : ١٢ و ٦٧ ، وابن حبان في الصحيح ٣٧٣ : ٩ ح ٦٩٢٩ ، وابن ابي عاصم في السنة ٥٦٤ : ٢ و ٥٦٦ و ٥٩٨ و ١٤٠ : ١٤ ، والطبراني في المعجم الكبير ١٩ : ٤ ـ ٢٠ ، و ١٢٩ : ١٨ ، والبيهقي في السنن ٦ : ٨ ، وأبا نعيم في حلية الأولياء ٢٩٤ : ٦ ، وابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد ١١٤ : ٦ و ١١٩ و ١٢٨ ، ١٢٨ : ٩ ، وفي موارد الظمآن : ٢٢٠٣ ح ، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٥ : ٣٠٤ ، والألباني في السلسلة الصحيحة ١٧٨ : ٣ ، والطحاوي في مشكل الآثار ٤ : ١٧٣ ، وابن شيرويه الديلمي في الفردوس ٦١ : ٣ ـ ٦٢ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٦٠٣ : ١١ ح ٣٢٩٢٣ ـ ٣٢٩١٥ ، وفي ٦٠٨ : ١١ ح ٣٢٩١٥ ، وفي ١٣ : ١٤٢ح ٣٦٤٤٤ ، وأبا يعلى الموصلي في مسنده ٢٩٣ : ١ ، وابن كثير في البداية والنهاية ٢٣٢ : ٥ ، و ٣٩٤ : ٧ ، والمناوي في فيض القدير ٣٥٧ : ٤ ، وأبا بكر الشيباني في الآحاد والمثاني ١٨٣ : ٣ ، و ٢٧٨ : ٤ ، والنووي في الأذكار : ٢٤٦ ، وفي تهذيب الأسماء واللغات : ٣١٨ ، وابن عدي في الكامل ١٤٦ : ٢ ، ونقض =

١٢٣

وهكذا الكثير من أقواله (صلوات الله عليه وآله) مما استفاض وجوده في كتب العامة فضلاً عن الخاصة مما لا يسعنا المجال لاستقصاء الحديث عنه في هذا البحث ومحله في الكتب المتخصصة. (١)

أقول : لو أخذنا هذه الأحاديث وطابقناها مع محتوى الآية الشريفة ، سيتبدّى لنا المراد الحقيقي بهذه النفس ، فالأمر الإلهي المبتدىء بكلمة : (فَقُلْ) والذي جاء عقب التحاجج في مسألة ربّانية (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) ، وما يفضي إليه حديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في متعلّقات الأداء والتبليغ وتبيانه أنه مأمور بذلك من قبل الوحي ، وما أشرنا إليه من إطلاق النبوّة والنسوة على نفس الواحدة ، وتطابق بنوة الحسن والحسين عليه‌السلام ونسوية الزهراء الطاهرة عليها‌السلام لكل من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام عليه‌السلام ، وما بيّناه بكون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يخرج عن انه متمحّض في رسالته ، كلها قرائن واضحة في أن المراد هنا في النفس هو المقام الربّاني والذي نسمّيه بالامتداد وهو لا ينحصر بالرحم كما حاولت كتب القوم توجيه الأمر. (٢)

____________________

= كلام ابن عدي في تضعيف أحد طرقة أبو الحجاج المزي في تهذيب الكمال ٥ : ٣٥٠ ، والعجلوني في كشف الخفاء : ٢٣٦ ، ومحمد بن سليمان الكوفي في المناقب ٤٥٨ : ١ ، ٤٧٣ ، والزبيدي في اتحاف السادة المتقين ٥٦٦ : ٦ ، وابن تيمية في أحاديث القصاص : ٤ ، والقرطبي في التفسير ٦٠ : ١٣ ، و ٢١٥ : ١٥ ، وابن قانع في معجم الصحابة ١٩٨ : ١ ، وابن طلحة في مطالب السؤول : ٨٣ ، وأبا نعيم في تاريخ أصبهان ٢٥٣ : ١ ، وابن عساكر في التاريخ بطرق متعددة وبأسانيد متعددة أيضاً ٦٣ : ٤٢ و ١٨٩ و ١٩٧ ـ ١٩٨ و ٣٤٥ ـ ٣٤٦ ، والخطيب في تاريخ بغداد ١٤٠ : ٤ ، والسيوطي في الدر المنثور ٧٥ : ٦ ، وأبا الفرج الأصبهاني في الأغاني ١٨٧ : ١٥.

(١)ككتاب الغدير للعلامة الأميني وفضائل الخمسة من الصحاح الستة للفيروزآبادي وإحقاق الحق للشهيد التستري وعبقات الأنوار للسيد حامد اللكهنوي وغيرها كثير.

(٢) من عجائب تبريرات القوم انهم يكيلون في هذه الآية بمكالين ، فإن تعلّق الكلام بالنفس الربانية قالوا بأنها نفس رحمية فابن العم يسمّى نفس ابن عمّه كما نقل ابن =

١٢٤

ولو قرنا بهذه القرائن اصرار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عدم ادخال أحد مع هؤلاء الأربعة مع صغر سن ثلاثة منهم قياساً لوجود غيرهم من الأقارب والأصحاب ، وهو أمر سنراه يتكرر في آية التطهير ، مع وجود من له خاصية قريبة منه كزوجاته وجعفر بن أبي طالب وعمّاته وغيرهم ، لرأينا أن القضية بكل تفاصيلها متعلّقة بشرط ربّاني مرتبط بصورة مباشرة مع المؤهلات الذاتية المتعلّقة بهؤلاء الأربعة دون سواهم ، وهو ما نلمحه واضحاً في حديث الآية الكريمة عن صيغة الملاعنة : (فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) فلو لا الصدق الذي يتملّك هؤلاء لما كان الأمر الإلهي بهذه الصيغة ، فأي حكيم يطلب من فاقد الشرط التحاجج ضد الآخرين بما يفقده؟! ولما بادر هؤلاء مبادرة المختار ، فأي عاقل يقبل بملاعنة ستؤول نتائجها عليه في كل الحالات؟!

وهو أمر يمكننا ملاحظته مرة أخرى في طبيعة التقابل بين المتلاعنين التي طرحها القرآن الكريم ، فوضعه الأبناء مقابل الأبناء والنساء مقابل النساء ، يظهر قابلية هؤلاء في أجواء التحدّي الجدية التي وسمت الحدث ، على القيام بشأن المباهلة وتحقيق أغراضها التامة ، في حال طلب الطرف الآخر أن يخرج الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دائرة الملاعنة ، (١) فيقابل الحسنان عليهما‌السلام

____________________

= الجوزي عن الشعبي «زاد المسير ٣٣٩ : ١» ، أو أنها القرابة كما ذهب إلى ذلك القاضي عبد الجبّار الهمداني من المعتزلة نقلاً عن أبي هاشم. انظر المغني ٢٠ : القسم الأول ص ١٤٢ ، والآلوسي من غيرهم في روح المعاني ١٨٩ : ٣.

أما إن تعلّق الأمر باستدلالنا بالآية على بنوة الحسن والحسين عليهما‌السلام للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منعوا القول بالنفس الرحمية ، وهربوا منها إلى القول بأن البنوة تعني بنوة الدين والملّة!! مستدلّين بقول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا

بنوهنّ أبناء الرجال الأباعد

ولربك في إبراز جهل الطائفية شؤون!!

(١) حاول محمد حسين فضل الله أن يثير الشك أمام هذه الحقيقة مشيراً إلى امكانية : =

١٢٥

بمفردها أبناء النصارى ، وتقابل الصديقة الزهراء عليها‌السلام بمفردها نساء القوم.

ويتضافر مع حقيقة هذه المؤهلات ما نلمسه في أحاديث القوم وتأبّيهم من الملاعنة لما رأوه في الطبيعة التي أحاطت بأجواء هذه الملاعنة ، فإن قول الأسقف لهم : إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من جباله لأزاله ، فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة. (١) ومن بعده قبولهم السريع باعطاء الجزية عن يد وهم صاغرون ، بعد كل ذلك العزّ الذي كانوا يرفلون به ، في وقت لم يبد لهم من المخاطر في عرف ذلك

____________________

= أن تكون المسألة واردة على أساس أن يقدّم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو واثق بأن الحق معه وأن النتيجة الحاسمة الايجابية ستكون له ـ ابنيه وابنته وابن عمه ، ليكونوا طرفاً في الابتهال وفريقاً في النتائج الحاسمة الأخيرة ، بعيداً عمّا إذا كانوا مشاركين في التحدي. من وحي القرآن ٦٧ : ٦ الطبعة الحديثة.

أقول : قد فاتته أمور ، منها : إن ثقة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن الحق معه هي ثابتة رسالية ، وكان يمكن له حتى يضفي على التحدّي طابع الإثارة الكامل أن يخرج وحيداً ، أو أن يخرج أكثر من هؤلاء الأربعة ، فلم اقتصر على هؤلاء تحديداً؟ فإن قال بأنه أخرج ولد البنت وبنته وزوجها ، قلنا : بأن المباهلة كانت في السنة عاشرة على ما يقرره ابن الأثير في الكامل ١٩ : ٢ ، وزينب وأم كلثوم عليهما‌السلام بنتا أمير المؤمنين عليه‌السلام من الزهراء البتول عليها‌السلام كانتا مولودتين آنذاك ، فلم لم يخرجهما معهما؟! كما إن أم كلثوم ربيبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رواية القوم ـ وفي نظر فضل الله هي ابنته من خديجة. (انظر الندوة ٤٨١ : ٥) ـ كانت موجودة آنذاك فلم لم يخرجها وزوجها المزعوم معهم؟!

أقول : لا أدري ما السبب الذي جعلني كلام فضل الله هذا أردد فيه ما كان نفس فضل الله يحب ترديده كثيراً :

المستشار هو الذي شرب الطلا

فعلام يا هذا الوزير تعربد؟

(١) تفسير الكشّاف ٤٣٤ : ١ ، وتفسير الرازي ٨٩ : ٨ ، وروح المعاني ١٨٩ : ٣ ، وأحكام القرآن للجصاص ١٤ : ٢.

١٢٦

اليوم ما يجعلهم يتنازلون بهذه السرعة ، ومن ثم ليلزموا أنفسهم بما ألزموها به من جزية فادحة.

* * *

ومن بعد ذلك فقد أوقعت هذه الآية الكثير من علماء القوم في تخبّطات عجيبة نتيجة لإحساسهم العميق بدلالتها القاطعة على ما تقول الإمامية ، (١) فبدلاً من رضوخهم للحق الذي جاءت به ، فإنها جعلتهم يتقحّمون في ما لا يتقحّم ، ويتكبدون ما لا غنىً لهم بمكابدته ، فحدا ببعضهم إلى القول بأن الآية الكريمة لم تعن بالنفس أميرالمؤمنين عليه‌السلام وإنما عنت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ذهب إلى ذلك أمثال الآلوسي الذي حاول أن يهرب من وجود أميرالمؤمنين في القصة فادّعى متمادياً أن الأمير يدخل في الأبناء (٢) ، وتمحّل آخر فاستبعد أن يراد بالنفس علياً كما فعل محمد عبده! (٣) ، وكذب ثالث فروى على لسان الإمام الباقر عليه‌السلام (٤) بأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخرج مع بني علي أبا بكر وولده ، وعمر وولده ، وعثمان وولده كما نقله ابن عساكر بسنده عن الدارقطني ، عن أحمد بن قاج ، عن ابن جرير

____________________

(١) يقول الزمخشري في تفسيره عن الآية بأن فيها : دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء. تفسير الكشاف ٤٣٤ : ١.

(٢) روح المعاني ١٨٩ : ٣.

أقول : قد فاته أن العربي لا يدعو نفسه ، وإنما يدعو غيره ، ولا وجود لقرينة تنفي ظهور السياق.

(٣) تفسير المنار ٣٢٢ : ٣.

أقول : هذه مما انفرد به الرجل ، وعمل القوم على خلافه ، وقد مرّ بك كلام الرازي بأن القوم متفقون على صحة الرواية.

(٤) نلفت الانتباه إلى أن الكثير من الأحاديث الموضوعة في مدح أبي بكر وعمر وعثمان جعلت على لسان أحد المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) كي تكون أبلغ في الفرية!!

١٢٧

الطبري ، عن سعيد بن عنبسة ، عن الهيثم بن عدي. (١) وهو بهذا أخرج

____________________

(١) تاريخ دمشق ١٧٧ : ٣٩.

أقول : ما رواه عن الدارقطني (ت ٣٨٥ هـ) مفتضح جداً لأسباب منها :

١ ـ ما نقله عن ابن جرير لم يدرجه في تفسيره ، وكيف يمكن لابن جرير أن تفوته الرواية وهي تتناغم مع معتقداته وأقرب إلى فؤاده.

٢ ـ إن الدارقطني نفسه ضعّف راويته (الهيثم بن عدي) في كتابه عن الضعفاء والمتروكين. انظر : الضعفاء والمتروكين : ١٧٣ رقم ٥٦٥ تحقيق صبحي البدري السامرائي ؛ مؤسسة الرسالة ١٩٨٤ ط ١.

وقال عنه البخاري في التاريخ : سكتوا عنه. التاريخ الكبير ٢١٧ : ٨ ، ونقل الذهبي عنه في ميزان الاعتدال قوله : ليس بثقة كان يكذب. ونقل عن يحيى مثل قول البخاري ، وعن أبي داود : كذاب ، ونقل عن النسائي وغيره قولهم : متروك الحديث. ميزان الاعتدال ٣٢٤ : ٤.

وقال الجوزجاني : ساقط ، قد كشف قناعه. أحوال الرجال : ٢٠٠ رقم : ٣٦٨ ؛ لإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (ت ٢٥٩ه) تحقيق صبحي البدري السامرائي ؛ مؤسسة الرسالة ـ بيروت ١٩٨٥ ط ١.

وانظر ترجمته في الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي ١٠٤ : ٧ ، ولسان الميزان لابن حجر العسقلاني ٢٠٩ : ٦ ـ ٢١٠ ، وطبقات المدلّسين له أيضاً ٥٧ ، والضعفاء لأبي نعيم : ١٥٩ ، والضعفاء للعقيلي ٣٥٢ : ٤ ، والمجروحين لابن حبان ٩٢ : ٣ ، والمغني في الضعفاء للذهبي ٧١٧ : ٢.

٣ ـ أما سعيد بن عنبسة الرازي فقد نقل ابن أبي حاتم عن ابن معين قوله : لا أعرفه ، وعن أبيه أبي حاتم : كان لا يصدق ، وعن ابن الجنيد : كذاب. الجرح والتعديل ٥٢ : ٤.

أما الذهبي في ميزان الاعتدال فقد نقل عن يحيى انه قال عنه : كذاب ، وقال أبو حاتم : لا يصدّق. ميزان الاعتدال ١٥٤ : ٢ رقم : ٣٢٤٨. وأورده في المغني في الضعفاء : ٢٦٤ وقال : كذبه ابن معين وغيره.

وأورده ابن الجوزي في الضعفاء والمتروكين : ٣٢٤.

٤ ـ ولعل هذه الأسباب هي التي دعت القوم إلى أن لا يأخذوا بها ، وتواترهم في نقل خلافها وتسالمهم عليه ، وقال الآلوسي بعد ذكره الرواية : وهذا خلاف ما رواه =

١٢٨

فاطمة عليها‌السلام عن القصة! ورأى بعضهم وجود أميرالمؤمنين عليه‌السلام في هذه القصة كثيراً فقام بحذفه منها كما الشعبي قاضي بني أمية على ما حكاه عنه الطبري. (١)

هذه عمدة إشكالات القوم ومحاولاتهم لتحريف أصل القصة وحرفها عن مسارها ، ولست في صدد الرد على مهارتراتهم في هذا المجال ، فأنت خبير بأنها اعتراضات ومحاولات لا ترقى إلى نيل شيء من دعوانا حول مصداقية الامتداد الرسالي بعد الرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتمثّل بأهل البيت عليهم‌السلام.

يبقى علينا أن نشير إلى أن عظمة دلائل هذه الآية لم يجد فيها البعض شيئاً يذكر بل وجد أن قيمتها تكمن في أن الآية تدعوا إلى الحوار فقال محمد حسين فضل الله : ولعل قيمة هذه القصة (أي المباهلة) أنها تجسد لنا الأسلوب الإسلامي في الحوار ، حين يريد الاحتجاج لفكره من جهة ، ومواجهة الأفكار المضادة من جهة أخرى ، وتعرّفنا مبلغ التسامح الذي يريد لأتباعه أن يمارسوه مع الآخرين. (٢)

ولا أعرف من أي كلام الرجل أجدر أن نتعجب ، أمن اغفاله لدور الآية في الحديث عن عمق مناقبية أهل البيت عليهم‌السلام؟! وفيها ما أبهر حتى أعداءهم والمناصبين لهم كما قد رأيت ، أم من حديثه عن الحوار؟!

____________________

= الجمهور. روح المعاني ١٩٠ : ٣.

(١) تفسير الطبري ٢١١ : ٣.

أقول : وضع الشعبي وولاؤه لبني أمية وسعيه للنيل من مقام أهل البيت عليهم‌السلام أبين من نار على سارية ، وقد علل المغيرة الراوي عن الشعبي عدم ذكر أمير المؤمنين عليه‌السلام بالقول : أما الشعبي فلم يذكره ، فلا أدري لسوء رأي بني أمية في علي!! تفسير الطبري ٢١١ : ٣.

(٢) من وحي القرآن ٦٤ : ٦.

١٢٩

والملاعنة تظهر نمطاً آخر غير الحوار بعد أن رفض النصارى هذا الحوار ، أم من حديثه عن التسامح؟! والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن اشترك معه في المباهلة كادوا أن يقلبوا عاليهم سافلهم ، حتى إذا ما رأى النصارى ذلك راحوا يذعنون لواقع الجزية وما ينطوي من إذلال وصَغار بعد كل عنفوانهم وتبجحهم. الذي أظهروه قبل شروع المباهلة كما تفيد تقاطيع القصة!! إنها ليست الأولى ولا الأخيرة من أعاجيب هذا الرجل!!

* * *

اية التطهير ودلالاتها الحاسمة

ولا يتوقف الأمر عند آية المباهلة بل إننا نلحظ أن دلالة آية التطهير : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١) هي الأخرى تشير إلى نفس المواصفات التي ذكرناها ، فهي تحدد العصمة في نفس الوقت الذي تحدد فيه حقيقة الامتداد الرسالي بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

فلقد تواترت رواية القوم بطرق متعددة أن الآية نزلت بحقّ الخمسة من أهل الكساء (صلوات الله عليهم أجمعين) ، ورواياتهم في هذا المجال كثيرة جداً ، وسأكتفي بذكر بعضها كأمثلة لا تعني الحصر ، فلقد روى الحاكم في المستدرك عن جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال : لما نظر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الرحمة هابطة قال : ادعوا لي ادعوا لي ، فقالت صفية (عمته) : من يا رسول الله؟ قال : أهل بيتي علياً وفاطمة والحسن والحسين ، فجيء بهم فألقى عليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كساءه ثم رفع يديه ثم قال : اللهمّ هؤلاء آلي فصل على محمد وعلى آل محمد ، وأنزل الله عزّوجلّ : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال الحاكم : هذا حديث صحيح

____________________

(١) الأحزاب : ٣٣ ُ.

١٣٠

الاسناد ولم يخرجاه. (١)

وروى مسلم في صحيحه عن عائشة قولها : خرج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غداة وعليه مرط مرحل (مرجل. ظ) (٢) من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ، ثم جاء الحسين فدخل معه ، ثم جاءت فاطمة فأدخلها ، ثم جاء علي فأدخله ثم قال : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً). (٣)

وروى الطبري ، عن أبي سعيد الخدري قوله : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نزلت هذه الآية فيَّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٤).

وروى أحمد بن حنبل عن أنس بن مالك قوله : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يمر ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر فيقول : الصلاة يا أهل البيت ، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً. (٥)

وأخرج الترمذي عن عمر بن أبي سلمة ربيب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : نزلت هذه الآية على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) في بيت أم سلمة ، فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء وعليّ خلف ظهره فجلّله بكساء ثم قال : اللهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. قالت أم سلمة : وأنا معهم يا رسول الله؟ قال : أنت على مكانك وأنت إلى خير. (٦)

____________________

(١) المستدرك ١٤٨ : ٣.

(٢) أي موشّى.

(٣) كتاب مسلم المسمى بالصحيح ١٩٤ : ٥ ـ ١٩٥.

(٤) تفسير الطبري ٥ : ٢١.

(٥) مسند أحمد ٢٥٩ : ٣.

(٦) سنن الترمذي ٣٢٨ : ٥ ح ٣٨٧٥.

أقول : رويت رواية اختصاص الآية بالخمسة من أصحاب الكساء بشكل متواتر في =

١٣١

____________________

= كتب القوم حتى النواصب منهم ، وفي منازل متعددة ، وبألفاظ عديدة وبطرق كثيرة ، وما سأذكره من هذه الكتب إنما هو للتمثيل وليس الحصر فلقد ذكر هذا الاختصاص من المفسرين كلاً من : الطبري في تفسيره ٥ : ٢١ ـ ٧ ، وابن الجوزي في زاد المسير ١٩٨ : ٦ ، والنيسابوري في الغرائب ١٠ : ٢١ ، والسيوطي في الدر المنثور ١٩٨ : ٥ ـ ١٩٩ ، وفي الاتقان ١٩٩ : ٢ ـ ٢٠٠ ، وأبي حيان الأندلسي في البحر المحيط ٢٣١ : ٧ ، والزمخشري في الكشاف ٤٣٤ : ١ ، والخازن في تفسيره ٤٦٧ : ٣ ، والجصاص في أحكام القرآن ٣٦٠ : ٣ ، والمراغي في تفسيره ٧ : ٨ ، وابن العربي في أحكام القرآن ٥٧١ : ٣ ـ ٥٧٢ ، والواحدي في أسباب النزول : ٣٦٧ ، والبيضاوي في التفسير ٣٨٢ : ٣ ، وابن كثير في التفسير ٤٩٢ : ٣ ـ ٤٩٤ ، والماوردي في النكت والعيون ٤٠١ : ٤ ، والقرطبي في التفسير ١٨٢ : ١٤ ، والبغوي في معالم التنزيل ٤٥٦ : ٣ ، والنحاس في معاني القرآن ٣٤٨ : ٥ ، ومحمد بن جزي الكلبي في التسهيل لعلوم التنزيل ١٣٧ : ٣ ـ ١٣٨ ، والجاوي في التفسير المنبير ١٨٣ : ٢ ، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل ١٠ : ٢ ـ ٩٢ ح ٦٣٧ إلى ٧٧٤ ، والرازي في التفسير ٨٩ : ٨ ، وأبي السعود في إرشاد العقل السليم ٣٢٠ : ٤ ـ ٣٢١ ، وابن عساكر الغساني في التكميل والإتمام : ٣٢٠ ، والشوكاني في فتح القدير ٢٧٨ : ٤ ـ ٢٧٩ ، والآلوسي في روح المعاني ١٤ : ٢٢ ـ ١٥.

ومن المحدّثين والرواة علاوة على من ذكرنا كلاً من : أحمد في المسند ٣٣١ : ١ ، و ١٠٧ : ٤ و ٢٩٢ : ٦ و ٣٠٤ ، وفي فضائل الصحابة ٥٨٧ : ٢ و ٦٣٢ و ٦٧٢ و ٦٨٤ و ٧٦١ و ٧٨٦ ، والحاكم النيسابوري في المستدرك ٤١٦ : ٢ في موضعين وقال في الموضع الأول : هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه ، وقال في الثاني : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، والذهبي في تلخيص المستدرك ٤١٦ : ٢ ن والنووي في المجموع في شرح المهذب ٤٦٧ : ٣ ، والبيهقي في السنن ١٥٢ : ٢ ، و ٦٣ : ٧ ، وفي الدلائل ١٣٣ : ١ و ١٧٠ ، والترمذي في السنن ٣٠ : ٥ ـ ٣١ ح ٣٢٥٨ ـ ٣٢٥٩ وقال عن الأخير : حديث حسن غريب من هذا الوجه إنما نعرفه من حديث حماد بن سلمة وفي ٣٦١ : ٥ ح ٣٩٦٣ وقال : حديث حسن صحيح ، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب ، والمباركفوري في التحفة ٤٩ : ٩ ، =

١٣٢

____________________

= والزرقاني في شرح الموطأ ٣٤٩ : ١ ، وابن حبان في صحيحه ٤٣٢ : ١٥ ، وابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد ١٦٧ : ٩ ، وفي موارد الظمآن ٥٥٥ : ١ ، والهيتمي في الصواعق المحرقة : ١٤٣ وقال فيها : أكثر المفسّرين على إنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين لتذكير ضمير عنكم وما بعده ، واسحاق بن راهويه في المسند ٦٧٨ : ٣ ، والنسائي في الخصائص : ٤٦ ، وابن أبي شيبة في المصنّف ١٢٧ : ١٢ ، وأبي يعلي الموصلي في مسنده ٥٩ : ٧ ، وعبد بن حميد في مسنده ١٧٣ : ١ ح ٤٧٥ ، و ٣٦٧ : ١ ح ١٢٢٣ ، والمتقي الهندي في الكنز ٦٤٦ : ١٣ ح ٣٧٦٣٢ ، وفي المنتخب منه ٩٦ : ٥ ، وابن المغازلي في المناقب : ٣٠١ ـ ٣٠٦ ح ٣٤٥ إلى ٣٥١ ، والطحاوي في مشكل الآثار ٢٢٧ : ١ ـ ٢٣١ ح ٧٧٠ ـ ٧٧٢ ، وح ٧٧٤ ـ ٧٨٥ ، والطبراني في المعجم الصغير ٢٣١ : ١ ، وفي المعجم الأوسط ١٦٦ : ٣ ، و ١٣٤ : ٤ ، و ١١٢ : ٨ ، وفي المعجم الكبير ٥٢ : ٣ ـ ٥٣ ، و ٥٥ ـ ٥٦ ، و ١١ : ٩ ، و ٩٨ : ١٢ ، ٦٦ : ٢٢ و ٢٠٠ و ٤٠٢ ، و ٢٤٩ : ٢٣ و ٢٨٦ و ٣٢٧ ـ ٣٣٣ و ٣٣٧ ، والقاضي عياض في الشفا ٤٨ : ٢ ، ومحمد بن سليمان في المناقب في مواضع كثيرة منها ١٥٧ : ١ ، و ١٢٥ : ٢ و ١٣٢ و ١٥٩ و ١٦١ ـ ١٦٢ ، والزبيدي في اتحاف السادة المتقين ١٠٨ : ٥ ، والسيوطي في الجامع الكبير ٢ : ٦١٩ ، وفي المطالب العالية ٣٦٠ : ٣ ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة : ٢١١ ، والدولابي في الذرية الطاهرة : ١٤٧ ـ ١٤٨ ح ١٩٢ ـ ١٩٣ ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى : ٢١ ـ ٢٤ ، وفي الرياض ١٨٨ : ٢ ، والشبلنجي في نور الأبصار : ١٩٤ ـ ١٩٦ بطرق عديدة ، والصبان في اسعاف الراغبين ١٠٥ ـ ١٠٧ ، والكنجي في كفاية الطالب : ٥٤ ، ٣٧١ ـ ٣٧٧ ، والخوارزمي في المناقب : ٦٠ ـ ٦٢ ح ٢٨ ـ ٣١ والبغوي في المصابيح ٢٧٨ : ٢ ، والتبريزي في المشكاة ٢٥٤ : ٣ ، والملا علي القاري في المرقاة ٥٠٨ : ١٠ ح ٦١٣٦ ، وابن طلحة في المطالب : ٥٠ ، وابن الصباغ المالكي في الفصول : ٢٤ ، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة ٤١ : ٢ ح ٣١ وفي مواضع كثيرة وبطرق متعددة ، وأبي المحاسن الحنفي في معتصر المختصر ٢٦٦ : ٢ ـ ٢٦٧ ، والحسيني في البيان والتعريف ١٥٠ : ١١ ـ ١٥١ ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول في أحاديث الرسول ٢٥٩ : ١ ، والشبراوي في الاتحاف : ١٨ ، والسمهودي في جواهر العقدين : ١٩٣ ـ ٢٠٥. =

١٣٣

وتتجلي لنا في هذه الآية جملة من الحقائق ، وقبل أن نعمل على تأطيرها سنحاول أن نعرض لأهم المشاكل التي عرضت لتفسير هذه الآية ،

____________________

= وذكره من تكلّميهم وفقائهم وأصولييهم : ابن تيمية في منهاج السنة ١٣ : ٥ ، وكذا وفي مجموعة كتبه ورسائله وفتاواه ٤٦١ : ٢٢ ، والبيهقي في الاعتقاد ١ : ٣٧٧ ، وابن قدامة في المغني ٥٥٣ : ٦ ، وفي الشرح الكبير ٢٣٠ : ٦ ، والمارديني في الجوهر التقي ٦٦ : ١ ، والشوكاني في ارشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول ١٥٢ : ١ ، وفي نيل الأوطار ٣٢٧ : ٣ ، والسمعاني في قواطع الأدلة ٢٢ : ٢ ، والآمدي في الاحكام ٣٠٥ : ١ ، والسبكي في الابهاج في شرح المنهاج ٣٦٦ : ٢ ، وحكيمي في معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول ١١٩٨ : ٣ ، والقاسمي في إيثار الحق على الخلق ٤١٦ : ١ ، والقاضي عبد الجبار المعتزلي في المغني : ٢٠ : القسم الأول ص ١٩٣ ، وسعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد ٥ : ٣٠٢.

ومن المؤرخين وأصحاب التراجم والسير كلاً من : ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٢٦٣ : ٩ ، والبخاري في التاريخ ٧٠ : ٢ ، والخطيب البغدادي في التاريخ ٢٧٨ : ١٠ ، وأبي نعيم في تاريخ أصبهان ١٠٨ : ١ ، وابن الأثير في أسد الغابة في مواضع عديدة وبطرق عدّة منها ما في ٤٩٠ : ٢ رقم ١١٦٥ ، و ٤٩٨ : ٢ رقم ١١٧٣ وقال فيه : قال أبو أحمد العسكري : يقال : إن الأوزاعي لم يرو في الفضائل غير هذا ، والله أعلم. قال : وكذلك الزهري لم يرو فيها إلاّ حديثاً واحداً كانا يخافان بني أمية. ٦٠٧ : ٣ رثم ٣٧٨٣ ، و ٢٢٢ : ٦ ـ ٢٢٣ رقم ٥٧١٧ ، وابن حجر في الاصابة ٥٠٩ : ٢ رقم ٥٦٨٨ ، وابن كثير في البداية والنهاية ٨ : ٣٩ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٣٣ : ٩ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ١٠ : ٣٤٧ ، وابن عبد البر في الاستيعاب ٣٧ : ٣ ، وابن دحلان في السيرة ٢٩٨ : ٢ ، وفي فتح المبين ١٦٦ : ٢ ـ ١٦٧ و ٢٦٨ ، وابن عبد ربه في العقد الفريد ٤ : ٣١١.

ومن غيرهم الشجري في الأمالي ١٥١ : ١ ، وابن عربي في الفتوحات المكية : ٣ : ٢٣٢رقم ٢٠٣.

والحق يقال : إن ما رووه في هذا المجال يفوق امكانية الاستقصاء لذا نكتفي بهذا القدر والله المستعان.

١٣٤

باعتبار أن الآية هي واحدة من أكثر الآيات إثارة للجدل بين المسلمين ، نظراً لما يترتب عليها من مواقف حاسمة في شأن الجدل الدائر حول جملة مهمة من الأحداث والمواقف التي صبغت دائرة الصراع السياسي والمذهبي بين المذاهب افسلامية ومساجلاتها بصبغتها ، وسنستعرض ذلك من خلال النقاط التالية :

١ ـ أول ما يستوقفنا في هذا المقطع من مقاطع هذه الآية الشريفة اختلاف النسق السياقي بينها وبين ما سبقها من نصوص الآية وكذا ما سبقها من آيات ، وما سيلحق بها من آيات ، فما قبلها كان حديثه مختصّاً بزوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذا ما سيحلق بها ، وقد استغل هذا السياق في إثارة ضباب كثيف حول مبتغيات هذا الاختلاف الذي نراه في سياقها ، فقد ذهب البعض إلى تخصيص الآية بزوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليحافظ على وحدة السياق ، وذهب آخرون إلى القول بأن موضع هذا النص من الاية قد تغيّر مع الزمن باعتبار أن النسق الترتيبي للقرآن مجمع على عدم وجود ضرورة تدعو للقول بأنه نفس النسق الترتيبي الذي كان على عصر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما بين هذين القولين تعددت المواقف وتباينت التفسيرات.

٢ ـ وثاني ما يستوقفنا في هذا المجال هو تحديد المراد بالإرادة الإلهية المعروضة في الآية بقوله سبحانه وتعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ) ، فهل هي من سنخ الارادة التشريعية التي تنظم العلاقة بين المشرِّع والمشرَّع له ، وتبيّن ما يريده منه دون اجبار من المشرِّع ، أو تأثير على ارادته ، ام هي نمط من أنماط الارادة التكوينية التي تبرز ما يريده المريد للمراد له ، دون تأثير من المراد له على إراده المريد ، وإذا ما كانت هذه الارادة من النمط التكويني ، فما هي ملازمات ذلك ومتعلقاته من حيث تداخل الارادة الإلهية في الاختيار التكليفي لعباده؟!

٣ ـ والأمر الثالث المثار هنا هو طبيعة المراد بالرجس واذهابه ، وهل له علاقة ما مع موضوع التطهير المطروح من بعده؟ وفي هذا الموضوع تتباين

١٣٥

المواقف بصورة حادة ، ما بين من يرى فيه الصورة الظاهرة من الرجس فراح يعدد له بعض صوره ، وبين من يرى فيه اللازم المتعلق لحصول عملية التطهير.

٤ ـ أما الأمر الرابع فيتعلق بالمراد من عملية التطهير ، من حيث حدود هذه العملية وطبيعتها ، وما إذا كانت ستتوقف عند الجانب المعنوي ، أم إنها ستمتد لتشمل الجانب التكويني المادي للمطهّرين ، وكذا من حيث طبيعة تعلّق التطهير بموضوع العصمة وحدودها ، فهل ستتوقف عند جانب الذنوب أم انها تمتد إلى جانب الخطأ أيضاً.

٥ ـ وبطبيعة الحال فإن ما تطرحه الآية من امتيازات باهرة ، لا بد من أي يثير جدلاً صاخباً حول المراد من المصطلح الوارد في كلمة : (أَهْلَ الْبَيْتِ) ، ولهذا فقد اختلفوا في تحديد المراد بالأهل ، كما اختلفوا في تحديد المراد بكلمة البيت.

هذا بالاضافة إلى جملة أخرى من المواضيع التي طالها الجدل ، ولكن ما ذكرناه هو ما يعنينا في هذا البحث ، لتداخله في تحديد طبيعة العصمة ، وتشخيص هوية المعصوم ، وتبيان امتداده الرسالي مع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومهمتنا هنا هي اننا سنحاول أن نخرج بصورة تكشف اللثام عمّا عمل الجدل المذهبي على اضفائه مع جملة من العمّيات حول طبيعة هذه الآية وما يراد منها ، وتحدد لنا مراد الله سبحانه وتعالى منها على وجه الدقّة ، والله هو المستعان في ذلك كله.

أولاً : إشكالية السياق

إشكالية السياق هي إحدى أهم الإشكالات التي اعترضت فهم الآية لدى من شكك بعصمة أهل البيت (صلوات الله عليهم أجمعين) ، فمن جهة كان الخطاب السابق واللاحق واضحاً في طبيعة توجهاته كما نراه في قوله

١٣٦

سبحانه وتعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً * وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً * يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً) (١) ووضوح الخطاب منطلقاً في كونه متوجهاً إلى نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد استخدم المخاطب نون التأنيث في التحدّث مع مخاطبه ، ولم يشذّ عن ذلك سوى المقطع الذي تكمن فيه آية التطهير ، فقد تحوّل الخطاب من التأنيث إلى التذكير ، وفي الوقت الذي كان الحديث في الآيات عاماً ، جاء الحديث في الآية مسبوقاً بكلمة : (إِنَّمَا) التي تفيد الحصر والتخصيص ، وفي الوقت الذي كان فيه الحديث في الآيات عن البيوت في صفة التنكير ، جاء الحديث هنا عن البيت وهو محلّىً باللام العهدية التي تفيد التخصيص والتعريف.

وقد حدث هذه المشكلة بالكثير من المفسّرين إلى اعتماد مواقف متضاربة ، فمنهم من رأى أن السياق واحد ، وأن الكلام متوجه إلى نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متحججاً في ذلك بظاهر القرآن ، ولكنه اعتمد تفسيرات وخرج باستنتاجات لا تستطيع في أحسن الأحوال تبرير ما يلحظ من اختلاف نبرة الخطاب واتجاهه من مفردات التأنيث إلى التذكير ، فيما رأى البعض الآخر اختلاف وحدة السياق ، وأن الآية وضعت في موضعها الحالي دون أن

____________________

(١) الأحزاب : ٢٨ ـ ٣٤.

١٣٧

تحكمها وحدة بينها وبين ما سبقها وما تلاها ، فيما سكت البعض الآخر عن المشكلة متفادياً الولوج في معتركاتها ، وإن أشار بعضهم إلى بعض ما يترتب على سياقها. (١)

وأعتقد أن إشكالية السياق ليست بالإشكالية الحقيقية التي بإمكانها أن تعطّل فهم الآية الشريفة عن المراد الذي نحن في صدده ، لأنها تفضي في الوجهتين معاً إلى نفس الاتجاه.

ففي حال قلنا : إن السياق في الآية واحد ، فإن وحدة السياق لا يمكن لها أن تحصر الخطاب بزوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتفسير ظاهر الخطاب إنما يتبع حالة القرائن المحيطة به ، فقول القائل في مجلس عام يخلو من العلماء : «أكرم العالم» ، ليس كقوله نفس القول في مجلس خاص فيه عالم من العلماء ، والآية كما ترى محفوظة بالعديد من القرائن التي تجعل القول بخصوصيتها بزوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرب من التمحّل ليس إلاّ! وأول ما نلمسه في هذا المجال هو وجود الاختلاف الذي يسم نبرة المخاطِب ، فتراه في الآيات المحيطة بآية التطهير يتحدّث بحديث ملؤه الطلب ، فهو يريد منهنّ أن يفعلن ويفعلن دون أن يمنحهنّ أية خصوصية خارجة عن نطاق الفعل ، بل تراه يتحدّث بتلميح واضح إلى التهديد والوعيد لو تخلّفوا عن هذا الطلب ، وبترغيب وتشويق لو نفّذوه ، وهذا الترغيب والتشويق ، وذلك التهديد والوعيد ليس خاصاً بهم ، بل هو شامل لجميع المكلفين مع الحفاظ على نسبة الضعف لكون المسؤولية على عاتقهم أكبر من غيرهم ، ولكن هذا

____________________

(١) قال أبو حيان الأندلسي وهو ينتقد رأي عكرمة وما نسب إلى مقاتل وابن السائب في قولهم اختصاص الآية بزوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس بجيد إذ لو كان كما قالوا لكان التركيب «عنكن» و «يطهركن». انظر : البحر المحيط ٢٣١ : ٧.

ومثله قال ابن جزي الكلبي إذ رأى ان القول باختصاص الآية بزوجات النبي : ضعيف لأن الخطاب بالتذكير ولو إراد ذلك لقال : عنكنّ. انظر التسهيل لعلوم التنزيل ١٣٧ : ٣.

١٣٨

التعميم يغيب في آية التطهير ، فيتغيّر الكلام من طلب الفعل المتضمن للتهديد والوعيد إلى التحدّث بحفاوة بالغة عن خصوصية من يسميهم بأهل البيت ، مع تغيير لغة الخطاب من التأنيث إلىالتذكير ، دون أن تجد في خطابه أدنى صورة من صور الطلب الذي حفّ بكل الآيات المحيطة ، بالشكل الذي يقطع علينا الطريق في ادعاء أن المخاطب في الآيات كان واحداً ، بل يجبرنا على تقبل حقيقة أن المخاطبين كانوا عبارة عن جهتين مختلفتين بشكل كلي في المواصفات والمؤهلات ، ويفيدنا وجود أداة الحصر : (إِنَّمَا) على تأكيد هذا المضمون ، فبعد أن كان الحديث عاماً مع تنكير البيوت انسجاماً مع هذا التعميم ، جاءت كلمة : (إِنَّمَا) مقرونة بتعريف البيت في هذه الآية كي تفيد التخصيص وتخرج الآية من التعميم الذي كان يسم فصولها الأخرى.

ويبرز تنوع الارادات في الآيات قرينة جديدة تعمل ضد تخصيص الآية بزوجات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى لو قلنا بوحدة السياق ، ففي كل الآيات كان الحديث مختصّاً بارادة نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيما كان الحديث في آية التطهير وحده خاصاً بارادة الله!

إن اختلاف المخاطب في استخدام الضمائر وتحويلها من جهة لأخرى من مألوفات القرآن ، ويسمّى في علم المعاني بالالتفات ، كما تجد في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١) ، فهنا تجده أبدل لغة الخطاب وضمائره عدة مرات ، دون أن يمنع بقاء السياق واحداً.

وإن انتقال المخاطِب من حديث عن جهة إلى حديث عن جهة أخرى ثم العودة إلى الحديث عن الجهة الأولى هو أيضاً من حقائق البلاغة القرآنية ،

____________________

(١) يونس : ٢٢.

١٣٩

ويسمى عند أهل البلاغة بالاستطراد ، ووظائف هذا الانتقال عادة ما تكون بغرض التنبيه ولفت الانتباه إلى الموضوع المنتقل إليه ، كما نجد ذلك في قوله سبحانه وتعالى في سورة يوسف : (فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ * يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ) (١) فلقد انتقل الخطاب من امرأة العزيز إلى يوسف عليه‌السلام بشكل معترض ومن بعده إلى امرأة العزيز ، ومثله كثير في القرآن ، وكما في قول السَمَوْأل الشاعر :

وإنا لقوم لا نرى القتل سبّة

إذا ما رأته عامر وسلول

يقرّب حب الموت آجالنا لنا

وتكرهه آجالهم فتطول

فأنت تراه ينتقل من الفخر بقومه إلى هجاء قوم آخرين ليعود من بعده إلى لغة المفاخرة ، وهكذا .. وإذا ما صحّ ذلك فإن وحدة السياق لا تمثّل في واقعها عبءاً ذا شأن أمام من يرى أن الآية لا تخصّ زوجات الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما انها لا تمثل مغنماً لمن يريد تعميمها خارج نطاق الخمسة أصحاب الكساء عليهم‌السلام ، لا سيّما إذا ما تمعّنا في المغزى من استخدام القرآن لهذا الاسلوب ، فمن الواضح أن القرآن كان في صدد توجيه نساء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تجاه متطلبات الهدابة الربانية ، وسط محفّزات عديدة ، منها ما كان محفّزاً في تحذيره كما في قوله تعالى : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) ، ومنها ما كان محفّزاً في ترغيبه كما في قوله تعالى : (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيماً) وقد سارت عملية التحفيز وسط خيارين طرحهما الطلب الإلهي لهذه النساء والتي يعبّر عنها قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً

____________________

(١) يوسف : ٢٨ ـ ٢٩.

١٤٠