عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية

الشيخ جلال الدين علي الصغير

عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية

المؤلف:

الشيخ جلال الدين علي الصغير


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأعراف للدراسات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

ويلاحظ على كلامه أولاً : انه استخدم كلمة : لا يصج ، بدلاً من ضعيف ، فالرجل من خلال تتمة كلامه إنما يضعف السند بدليل وجود عبد الله ابن عبد القدوس وعطية العوفي ، وبين ضعف السند وبين كلمة لا يصح بعد المشرقين ، فكلمة لا يصح ترتبط بالحديث مباشرة ، بينما الضعف يرتبط بالسند ، اللهم إلا أن يكون بين الروايين بون في الطبقات عند ئذ يقال ان السند لا يصح.

وثانياً : انه حذوا حذوا البخاري في نقله عن أحمد تضعيفه لعطية العوفي وقد علمت زيف الأمر وتناقضه بما مرّ في الحديث عن البخاري ، ولربما يزيد ابن الجوزي على البخاري في كونه يدين بدين أحمد بن حنبل ويعتبر مسنده أحد دواوين الإسلام مثله مثل الموطأ والصحيحن وسنن أبي داود والترمذي ، بل جعل أحد ضوابط الموضوعات لديه هو عدم تخريجها في هذه الكتب كما نصّ على ذلك في كتابه الموضوعات ، (١) والأمر كما ترى في وهنه وضعته ، فأحمد ومسلم والترمذي كل روى بطرقه وبصور متعددة الخبر ، فعلام وضعه في الموضوعات اذن؟.

واللافت للنظر أن سبطه في كتابه تذكرة الخواص قد أوهن نقد جده لهذا الحديث فقال بعد ذكره للخبر منقولاً من فضائل الصحابة بطريق لأحمد إلى زيد بن أرقم : فإن قيل : فقد قال جدك في كتاب (الواهية) أنبأنا عبد الوهات الأنماطي ، عن محمد بن المظفر ، عن محمد التعيقي ، عن يوسف بن الدخيل ، عن جعفر العقيلي ، عن أحمد الحلواني ، عن عبد الله بن داهر حدثنا عبد الله بن عبد القدوس ، عن الأعمش ، عن عطية ، عن أبي سعيد ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمعناه ثم قال جدك : ضعيف ، وابن عبد القدوس رافضي ، وابن داهر ليس بشيء. قلت : الحديث الذي رويناه أخرجه أحمد في الفضائل وليس في اسناده أحد ممن ضعّفه جدّي ، وقد أخرجه أبو داود

____________________

(١) الموضوعات ٩٩ : ١.

٢٠١

في سننه ؛ (١) والترمذي وعامة المحدثين. (٢)

ولنعم ما قال السمهودي في التعليق على نقض ابن الجوزي : ومن العجيب ذكر ابن الجوزي له في العلل المتناهية فإيّاك أن تغترّ به ، وكأنه لم يستحضره حينئذ إلاّ من تلك الطرق الواهية ، ولم يذكر ولم يذكر بقية طرقه. (٣)

٣ ـ أحمد بن عبد الحليم الحراني المعروف بابن تيمية

رغم انه يعترف بصحة حديث الثقلين غير ان ابن تيمية وكما هي عادته لم يفوّت الفرصة في ابراز نصبه وعداواته لأهل البيت عليهم‌السلام فقد قال في منهاج سنته طاعناً في بعض مقاطع الحديث الشريف بعد أن رواه على لفظ مسلم : وهذا مما انفرد به مسلم ، ولم يروه البخاري ، وقد رواه الترمذي وزاد فيه : وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض. وقد طعن غير واحد من الحفاظ في هذه الزيادة وقالوا : إنها ليست من الحديث .. ثم قال مشككاً بحديث مسلم : والحديث الذي في صحيح مسلم إذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد

____________________

(١) ما موجود في الطبعة الحديثة من السنن بعضه ، وقد قطع الباقي المتعلق بأهل البيت عليهم‌السلام منه وأبدلوه بكلمة : وأنتم مسؤولون عني! بدلاً من عترتي أهل بيتي. (سنن أبي داود ١٨٥ : ٢ رقم ١٩٠٥).

وقد أشار الكنجي الشافعي صاحب كتاب كفاية الطالب إلى أن أبا داود السجستاني هو أحد رواة الحديث. (كفاية الطالب : ٥٣).

ولكن الأمر كما ترى ، وهو ليس بمستغرب على الطبعات الحديثة منه والتي أصبحت مرتعاً لتلاعب أهل الأهواء ممن يسمون بالأمناء على السنة النبوية!! أو ممن يدّعون الأمانة في التحقيق العلمي!!

(٢) تذكرة الخواص : ٢٩٠.

(٣) جواهر العقدين في فضل الشرفين شرف العلم الجلي والنسب النبوي : ٢٣٢ لنور الدين علي بن عبد الله السمهودي (ت ٩١١ هـ) دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٩٩٥ ط ١.

٢٠٢

قاله. (١)

وقال في موضع آخر ليشكك بكلمة عترتي أيضاً : واما قوله : وعترتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فهذا رواه الترمذي ، وقد سئل عنه أحمد ، وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا : انه لا يصح. (٢)

ومناقشة لا تحتاج إلى كثير جهد ، فكذبه وتدليسه من أوضح الواضحات لأهل الفن ، ويتضح ذلك من خلال ما يلي من أمور :

١ ـ قوله بأن ذلك مما انفرد به مسلم غير صحيح ، وجملة : «وإنهما لن يفترقا» ليست من زيادات الترمذي فحسب ، وإنما رواها مع مسلم بهذه الزيادة جمع من كبار أصحاب المسانيد كالحاكم النيسابوري والبيهقي وابن حجر العسقلاني وابن الجعد وعبد بن حميد وأحمد بن حنبل والطبراني في معاجمة الثلاثة وأبي يعلى الموصلي وابن كثير الدمشقي وابن أبي عاصم وابن شيرويه الديلمي وغيرهم ، والاحتجاج بأن البخاري لم يروه فمعلوم لحال البخاري مع أهل البيت عليهم‌السلام وقد قال الحاكم في المستدرك بعد ذكره لخبر الثقلين والغدير وقد وردت فيه الجملة بروايته عن زيد بن أرقم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله قال : شاهده حديث سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أيضاً صحيح على شرطهما. (٣) وقد وافقه الذهبي في تلخيص المستدرك على ذلك ، وبه يتبيّن ان ابن تيمية كان الأحرى به أن يقول قولاً معاكساً لأن مسلماً لم يزد في الحديث بل بتر منه!.

ولو لم يك كذلك فالمتسالم عليه بين أهل السنة انهم لا يعتمدون إجماع أصحاب الصحاح والجوامع ، وإلا لما بقي للحديث المروي بطرقهم أثر يذكر ، ونفس ابن تيمية يروي أحاديث كثيرة ويعمل بها من دون أن تذكر

____________________

(١) منهاج السنة النبوية ٧ : ٣١٨ ؛ ابن تيمية الحراني ؛ مكتبة قرطبة.

(٢) منهاج السنة النبوية ٣٩٤ : ٧ ـ ٣٩٥.

(٣) المستدرك على الصحيحن ٣ : ١٠٩.

٢٠٣

في البخاري أو غيره من الصحاح الستة!! فلم نسي هذا الأمر حين تعلّق الموضوع بأهل البيت عليهم‌السلام؟ أتراها تلك الشنشنة التي نعرفها من أخزم!! من يدري؟!

٢ ـ أما قوله بأن غير واحد من الحفاظ قد ضعّف الحديث أو زيادته ، فيا ليته ذكر واحداً من أهل الحفظ هذا! ، فهذه جوامع القوم الحديثية الرجالية لم تذكر ذلك مطلقاً ، بل تكذبه بصراحة ، وقد مرّ بك كلام الحاكم المعترض على عدم ادراج البخاري للخبر بتفاصيله الغديرية الدامغة وأعني : من كنت مولاه فهذا وليه! واعترض على مسلم لبتره الزيادة فأين صدق ابن تيمية على هذا الصعيد؟!

٣ ـ وليس من مجانفة الحق أن نسأل ابن تيمية عن قصده من قوله : وإذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد قاله ، فهل يشك في صحة ما جاء في صحيح مسلم؟ وهو كتابه الإمام ، فإن فعل فإنه ـ والله ـ يفتح عليه خرقاً لا يسد ، وباباً لا يغلق!! أم أن قصده التدليس والخداع لايهام العامة وإلقاء ضلال التشكيك في قلوبها ، ولك بعد ذلك أن تقيس أمانة العلم عند هذا الرجل الذي يسمونه بناصر السنّة.

٤ ـ وتراه في النص الثاني لم يكتف بالتشكيك بالعبارة التي تحدثنا عنها فحسب ، بل امتدت وقاحته إلى أن يحذف كلمة : وعترتي من الحديث حتى يخلو الحديث مما يعكر له مزاجه الطائفي ، وقد شملها وعبارة «لن يفترقا» بمحاولة الايحاء بأن راويها هو الترمذي فقط ، وهذا غير صحيح بالمرة ، فهي والعبارة التي سلفت رواها : أحمد وابن الجعد وأبو يعلى وابن أبي شيبة والبيهقي والطبراني في معاجمة الثلاثة وابن حجر العسقلاني علاوة على الحاكم النيسابوري ناهيك عن غيرهم من المتأخرين.

٥ ـ وقد أبهم قوله : وسئل عنه أحمد ، للإيحاء مرة ثانية بأن أحمد يضعفها ، بالرغم من أن مجرد السؤال عنها لا يدل على تجريح بها ، كما

٢٠٤

ولا يدل على توثيقها ، ولكن إن أراد بقوله التجريح بها ، فقد مر الكلام عن توثيق أحمد لها ، وقد رواها بكل متعلقاتها التي اشتكى منها ابن تيمية!

٦ ـ وكعادته فقد ضعّف الرواية وعلّق التضعيف بذمة مجهول بقوله : وضعّفه غير واحد من أهل العلم! ولعمري لو جاء بواحد من هؤلاء الذين وسمهم بسمة أهل العلم ، إذ يعرف من له أدنى خبرة في فن الرواية والدراية ان كلامه محض افتراء ما أنزل الله به من علم!

ولم يكتف بذلك فقام بتدليس التضعيف وهو من متعلقات السند ، وتحويله إلى عدم التصحيح وهو من متعلقات المتن بقوله : لا يصح! ولو كان كل هذا الذي وراه القوم في متونهم الحديثية والروائية ، والذي استوعب العديد من طبقاتهم الرجالية ابتداء من مرحلة الصحابة فما دون لا يصح ، فأي شيء يصحّ عند ابن تيمية وقومه اذن؟! أترى بعد ذلك يصحّ شيء؟!

وليس يصح في الأذهان شيء

إذا احتاج النهار إلى دليل!

وهكذا نجد أن ابن تيمية مثل سابقيه لم يستطع أن ينال من الحديث بشيء اللهمّ إلا ما دبجوه من أكاذيب وافتراءات على أهل العلم! فانكفأ بعضهم ليناقش دلالة الحديث ، وهو ما سنستوعب بعض الكلام عنه في بحث فقه دلالة الحديث إن شاء الله تعالى.

* * *

فقه الدلالة في حديث الثقلين

يبرز حديث الثقلين بعنوانه أحد أبرز النصوص ذات الدلالة الحاسمة في موضوعه ، ولا تتوقف هذه الدلالة على القيمة المناقبية التي تكتنف هذا الحديث فحسب ، بل يمكننا تلمسها في طبيعة التركة التي خلفها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وماهيتها ، وكذا في طبيعة الدلالات المستقبلية لهذه التركة ، وهي في تصوري

٢٠٥

ما ينبغي أن يبحث لفهم فقه هذا الحديث ودلالاته ، بعد أن أشبع العلماء الأعلام (رحم الله الماضين منهم ومد في عمر عمر الباقين) البحث عن هذا الحديث بقيمته المناقبية والسندية.

ولهذا فإن مهمة فهم هذه الدلالة يجب أن تستوقفنا عند عدّة محطات أساسية للبحث ، منها :

الأولى : في السبب الذي بموجبه عمد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لترك تركة معينة ، ومدى ارتباط ذلك بدوره الرسالي.

الثانية : ما هي طبيعة هذه التركة؟.

الثالثة : ما هي دلالات هذه التركة بالنسبة للمتروك لهم ، سواء على مستوى الحاضر ، أو في المدى المستقبلي لهم؟.

وللوهلة الأولى علينا أن نذعن إلى حقيقة أن الجدال الفكري والصخب الطائفي الذي جال حول هذا الحديث وظاف حول دلالاته ، إنما ينبؤنا بخطورة هذا الحديث ، فما كان لهذا الجدال أن يحتدم ، ولا لذلك الصخب أن يفتعل ، لو أن المعنيين به لم يحسوا بقيمته الموضوعية وخطورة دلالاته وما يترتب عليها في ساحة الصراع السياسي الذي كان أهم العوامل التي أفرزت صورة الصراع المذهبي والطائفي القائم ضد أهل البيت عليهم‌السلام ومدرستهم.

كما اننا نلحظ للوهلة الثانية ان غالبية الصخب إنما دار حول دلالات الحديث وليس على قيمته السندية ، وذلك لتسالمهم على تواتر الحديث ، وما قام به أشد النواصب كانب الجوزي وابن تيمية من محاولة اسقاط الأحاديث وتكذيبها واتهامها بالوضع ، إنما يعبّر عن منهجية لدى هؤلاء لا تعبّر عن العلم بقدر ما تعبّر عن جهلهم أو تعصبهم الأعمى ضد أهل البيت عليهم‌السلام ، وهم بهذا إنما ينعون أنفسهم في ميدان طالبي الحقيقة!.

ولمعرفة فقه الدلاة في هذا الحدبث يتوجب ملاحقة بعض الأمور التي

٢٠٦

تثير الانتباه حال مطالعة الخبر ، ومن هذه الأمور أذكر ما يلي :

١ ـ إن حديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنه يوشك أن يدعى وربط ذلك بتركه الثقلين بين صفوف الأمة ، لا بد أن يثير الانتباه في شأن مصدر هذا الترك وأسبابه ، فمن الذي طلب منه أن يترك تركته هذه؟ وما هي الأسباب التي تكمن وراء هذا الترك؟ فإن كان المصدر هو الوحي ـ ولا مصدر في البين سواه لوضوح دلالة آية النجم ـ فسيكون ذلك فاتحة لتساؤل عريض ومُلحّ في شأن حديث العامة عن عدم وجود وصية للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، وانه قد مات ولو يوص لأحد؟!!

في الوقت الذي نجد فيه منطق الوصية هنا حاكماً خاصة مع ضماننا بأن الوحي قد تدخل في تحديد أطر هذه الوصية ، فما كان للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يترك شيئاً لأمته دون تدخل من الوحي وتوجيه منه ، كيف لا؟ وقد علمتنا سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه كان لا يتصرف بأمر دون الوحي ، وخاصة أنه أدخل القرآن في تركته هذه! ، ولا يمكن حتى لمن يعتقد ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يأخذ كل شيء من الوحي أن يدّعي عزل الوحي عن ذلك ، وقد دخل القرآن في الأمر!.

وحينما يكون الأمر بهذه الشاكلة فلا بد من العثور على الشاهد القرآني على ذلك ، لا سيما وان القرآن يتحدّث عن نفسه بوصفه قد حوى تبيان كل شيء ، ومن يلاحظ الترابط بين القرآن وبين العترة أو أهل البيت في هذا الحديث ، فإنه يجد أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتحدّث عن عدم كفاية القرآن بعنوانه كتاباً صامتاً لا يتكلم ليضع النقاط التي تغفل التطبيقات البشرية ـ بعمد ومن دونه ـ وضعها على حروفها وفق المراد الإلهي ، وقد رأينا ان القرآن قد فعل نفس الأمر مرة بتأكيد ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لن يتم عملية الهداية الربانية فهو منذر ، باعتبار أن الانذار لن تلتزم الأمة بمفادة بمجرد اصداره ، فما هو بالذي يستخدم منطق المعجزة في تحويل أناس الجاهلية الجهلاء إلى الأناس الذين جاء القرآن لصنعهم ، وما الناس بتلك القابليات التي تؤهلهم للنوء بالأعباء

٢٠٧

الكاملة للتربية القرآنية! وإنما يحتاج إلى مدة زمنية أطول من عمر إنسان واحد قد يخترمه الموت في أي لحظة ، مما أوجب وجود الهداة من بعده (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (١) ، وأخرى في أواخر أيّام نزوله وتحديداً في نفس فترة صدور حديث الثقلين بتصريحه بأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن لم يبلغ شيئاً معيناً فكأنه لم يبلغ كل الرسالة وفقاً لقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (٢).

فأنت تلاحظ هنا أن القرآن الكريم قد عمد وهو في أواخر أيام نزوله إلى التأكيد على وجود أمر في البلاغ الإلهي إن يبلّغ فكأن القرآن كله لم يبلّغ ، وبكلمة أخرى : نجد أن ما لم ينجز من التبليغ كان معادلاً للقرآن في عملية البلاغ الإلهية أو متمماً له بحيث انه إن لم يتنجز فكأن الرسالة لم تحقق أهدافها الأولى في تحقيق التبليغ الإلهي ، وهو في ذلك يضعنا في نفس المقام الذي وضعنا الحديث فيه ، ولكن مع ايضاح صورة ذلك الشيء ، فالآية لم تشخص من هو رفيق القرآن الذي يتم به التبليغ ، ولكن الحديث أماط اللثام عن هذه الجهة ، وعليه فإن الآية الكريمة التي تحدّثت عن يأس الكافرين وإتمام الدين وإكمال النعمة : ( الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ ) (٣) لابد وأن تأتي لتجيب عن استجابة الرسول اصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للطلب الرباني بشأن التبليغ ، فهي كما ترى تنسخ الأمر الذي تحدثت عنه الآية الأولى بشأن عدم تمامية التبليغ ، بينما في هذه الآية تتحدث عن تمام الدين وكمال النعمة ويأس الكافرين ، وليس ذلك إلاّ بناء على حدوث حدث قد تم في الفترة التي

____________________

(١) الرعد : ٧.

(٢) المائدة : ٦٧.

(٣) المائدة : ٣.

٢٠٨

فصلت ما بين الآيتين ، وليس لنا في هذا المجال إلاّ ما جرى في حجة الوداع ، مما يعطي لحديث الثقلين دوراً حاسماً في هذا الصعيد ، وذلك لأن الحديث تحدث عن ملء الذي كشفت عنه الآية الأولى بشأن التبليغ ، ولا يمكن أن يكون القرآن هو صورة هذا الفراغ ، كيف؟ والآية قد نزلت في أواخر ما نزل من الآيات القرآنية ، والحديث تحدّث عن نفس خيارات الآية الثانية ، فلقد تحدّثت الآية عن تمام الدين ويأس الكافرين ، وتحدث الحديث عن عدم الضلال من بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. فانتبه!!

وعليه : فالمطلوب هو جهة أخرى غير جهة القرآن هي التي كان الافصاح عنها في ذلك الوقت مقلقاً للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا يمكن تصوّر قلق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخشيته من الناس بأنه ناجم من خوفه على سلامته الشخصية! فالرسول أجلّو أسمى وأشجع من أن تنزل به إلى هذا المستوى الهابط ، (١)

____________________

(١) لايملك المرء نفسه من أن ينظر بنظر الاشمئزاز والاستهجان لما روته عائشة كما جاء في عدد من جوامع الحديث عند أهل السنة قولها : ان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سهر ذات ليلة وهي إلى جنبه قالت : فقلت : ما شأنك يا رسول الله؟ قال : ليت رجلاً صالحاً من أصحابي يحرسني الليلة! قالت : فبينا أنا على ذلك إذ سمعت صوت السلاح فقال : من هذا؟ فقال : أنا سعد بن مالك ، فقال : ما جاء بك؟ قال : جئتك لأحرسك يا رسول الله ، قالت : فسمعت غطيط رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نومه. مسند أحمد ٤٠ : ٦.

وهكذا الأمر مع حديثها المكرر الأكثر تداولاً بين أصحاب الجوامع الحديثية : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحرس حتى نزلت هذه الآية : (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فأخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه من القبة فقال لهم : يا أيها الناس انصرفوا فقد عصمني الله!. سنن الترمذي ٣١٧ : ٤ ح٥٠٣٧.

وهذا الأمر هو الذي حدا بعامة مفسري العامة إلى أن يهرعوا وراء التفسير العائشي ليصوّروا الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصورة الرجل الخائف المذعور من القتل والموت بيد الأعداء ، دون أن يفكّروا بالنتائج الإيمانية والفكرية الوخيمة المترتبة على هذا القول ، ومن دون أن يسمحوا لعقولهم بالقليل من التفكير خارج نطاق هيمنة عائشة =

٢٠٩

لا سيما وأن نزول الآية كان في وقت كانت الأمور قد استوسقت له ودانت قوى الشرك وأهل الكتاب له ، ما بين مجندل بسيف الإسلام ، وما بين خانع ذليل يدفع الجزية عن يد وهو صاغر ، وما بين مجلو عن الديار ، مجفو من المكان.

ومن يعرف سمو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأخلاقية الرسل عليهم‌السلام لا يشك لحظة في أن خشيتهم وخوفهم إنما يكمن في تكذيبهم من قبل الناس ، كما حكى الله سبحانه وتعالى عن موسى عليه‌السلام بقوله : (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) (١) وقوله : (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ) (٢) وما من شيء يخافه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويخشاه بأكثر من أن يعتبر الناس ان أمره مكذوب على الله سبحانه وتعالى أو انه لا

____________________

= عليهم! ومن دون أن يكبدوا انفسهم أي عناء لمعرفة السبب الذي يجعل مثل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خائفاً من القتل والموت وهو الذي يمتلك المقام المحمود في الآخرة ، ومن له خصيصة الشفاعة العظمى ، ومن له خلقت الجنة ، ومن يرددون أنه ـ بأبي وأمي ـ كان يقول : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، والآخرة سجن الكافر وجنة المؤمن!!

ألرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يمكن أن يقال إنه كان يخاف من الموت فيبيت سهراناً قلقاً من الغيلة حتى يأتيه الحراس فيغظ في نومه؟! وهو الذي كان يعبر عنه بطل الإسلام الأعظم الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام : كنا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله!!

أخفي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طبيعة المعركة التي يخوضها ضد القوى العظمى في زمانه ، ولم تخف هذه على عائشة وأضرابها؟!

وأين كان رسول الله كل فترة قتاله مع قريش ومع اليهود حتى بدت خشيته من القتل في أواخر أيامه؟!

بل أين كان الله منه بحيث لم ينزل آية العصمة من الناس إلاّ في أواخر أيامه؟!

العجيب بهؤلاء القوم انهم على استعداد للنيل من دين رسولهم بل من حكمة ربهم!

شريطة أن لا تمس عائشة وأضرابها!

اللهمَّ سبحانك إن هذا رسول لا نعرفه!!

(١) الشعراء : ١٢.

(٢) القصص : ٣٤.

٢١٠

يتم وفق مبادئة الرسالية المعلنة ، ومن يعرف تاريخه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يعرف كم من مرة ومرة أعاد إليه بعض الأصحاب تذكر هذه المرارة ، حينما تراهم يجبهونه بقولهم له : منك هذا ، أم من الله؟! متناسين في ذلك قول الله لهم انه لن ينطق عن الهوى وإنه لن يتقوّل على بعض الأقاويل ، فما بالك بعظيماتها؟! وتراه (بأبي وأمي) يعيد عليهم الكرة بعد الأخرى وهو يقسم لهم أن الأمر من الله!!

ولك أن تتأمل من بعدئذ في مخاوفه (بأبي وأمي) وهو يطالب بأن يبلّغ الناس بأن تركته تتلخص في القرآن وفي أهل بيته خاصة! ومتى؟ حين غدا الموت قريباً منه ونعيت إليه نفسه! فما أبسط التهمة إليه بأنه إنما كان يبغي من كل ذلك لنفسه ولأسرته حكماً وسلطاناً ، لينجر الأمر من بعد ذلك إلى التشكيك بالوحي والنبوة وما بعدهما ، فيضيع كل ما جاهد به وما كابد من أجله ، وما تأذى من أجله بالأذى الجسيم أذىً وصفه (بأبي وأمي) : ما أؤذي نبي مثل ما أوذيت! وهي التهمة التي سارع الزمن الخؤون كي يسمعها (بأبي وأمي) وهو على فراش الموت ينازع النفس ليقول لهم وهو حريص على ان يتم أمر التبليغ ويصونهم من أن يردوا حياض الضلال : هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً!

وأي شيء يمكن أن يغري أصحاباً مثل إغراء عدم الضلال أبداً الذي عرضه عليهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟! وهم الأصحاب الذين وصفوهم بأنهم كانوا التجسيد الكامل لقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (١) وقوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَه

____________________

(١) آل عمران : ١١٠.

٢١١

فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (١)

فسارع عمر ليقول للقوم وهو يسفّه نبيّه : إن النبي قد غلب عليه الوجع (٢) وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله! مما حدا بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أن يطردهم من بيته بقوله : قوموا عني.

وهو الأمر الذي جعل ابن عباس يبكي حتى تبلّ دمعه الحصى كلما تذكر هذه الوقيعة وهو يقول : الرزية كل الرزية ما فات من الكتاب الذي أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكتب : أن لا تضلوا بعده أبداً! (٣)

____________________

(١) الفتح : ٢٩.

(٢) في بعض المصادر : إن النبي ليهجر ، والهجر : هو هذيان المريض من دون وعيه! انظر من هذه المصادر : صحيح مسلم ٩٣ : ١١ ، تاريخ الطبري ٢٢٨ : ٢ ـ ٢٢٩ ، والإحكام في أصول الأحكام للآمدي ٤٢٥ : ٧ ، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٦٤ ـ ٦٥ ، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي : ٢١ ، وابن تيمية في منهاج السنة ٣٠٠ : ٦ ، وابن الأثير في جامع الأصول ١١ : ٧٠ ، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ٣٢٢ : ٣ ح٥٩٦٦ ، وشارحه القاري في مرقاة المفاتيح ٣١٤ : ١٠.

(٣) انظر : صحيح البخاري ٣٧ : ١ ، و ١٣٨ : ٥ ، وصحيح مسلم ٨٩ : ١١ و ٩٣ ـ ٩٥ ، وشرح النووي عليه ٨٩ : ١١ ـ ٩٥ ، وفي سنن النسائي ٣٦٠ : ٤ ح ٧٥١٦ ، ومسند أحمد ٣٢٤ : ١ و ٣٣٦ ، والبيهقي في سننه ٢٠٧ : ٩ ، وفي دلائل النبوة ١٨١ : ٧ و ١٨٣ ، وعبد الرزاق في مصنفه ٤٣٨ : ٥ ح ٩٧٥٧ ، وابن حبان في صحيحه ١٤ : ٥٦٣ ح ٦٥٩٧ ، وأبا عوانة في المسند ٤٧٦ : ٣ ح٥٧٥٧ ، وأبا نعيم في حلية الأولياء ٢٥ : ٥ ، وابن حجر في فتح الباري ٢٠٩ : ١ ، ١٣٣ : ٨ ـ ١٣٥ ، ١٠ : ١٢٦ ، والزيلعي في نصب الراية ٤٥٥ : ٣ ، وابن سعد الزهري في الطبقات ٢ : ٢٤٤ ، وابن حزم في الإحكام ٤٢٥ : ٧ ، وعبد الرحمن السيوطي في الديباج ٤ : ٢٣٧ ، والطبري في التاريخ ٢٢٨ : ٢ ـ ٢٢٩ ، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ٣٢٢ : ٣ ح ٥٩٦٦ ، والملا القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة =

٢١٢

ومن هنا فإننا نستطيع أن نفهم بصورة أفضل لم قدم بين يدي خطبتيه في حجة الوداع في عرفات وفي مفترق الحجيج في غدير خم التأكيد تلو التأكيد حول قيامة بالتبليغ حينما كان يناديهم : ألا هل بلغت؟ ثم أعقب ذلك كله بالمديث عن أنه يوشك أن يدعى فيجيب ، وفي هذه اللحظة حيث يفترض أن تزدحم العقول بالأفكار الكثيرة المتسائلة عن المصير في مرحلة ما بعد الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذ يفترض أن تجيش القلوب بالعواطف المكتنزة بالأحاسيس المتوجسة مما يمكن للمستقبل أن يحمله من طارىء في غياب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبالقلق بما يحبل به الدهر لمجموعة قاتلت كل القوى الكبرى في منطقتها وأوترت قلوبها بالهزائم الشنيعة ، فما كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنسبة لصحابته ـ أو هكذا ينبغي أن يكون ـ بالمرء الذييسهل فراقه ، ويهون الخطب في رحيله عنهم ، ولأنه رسول هداية ، ولأنه الحجة الإلهية الكاملة لم يك ليتركهم حيارى لتنتهبهم هواجس القلق وأحاسيس الفراغ القيادي والرسالي ، كيف؟ وهو الذي وصفته رسالة السماء بأنه رحمة للعالمين ، وأي رحمة يحتاجها الإنسان؟ بقدر أن يقال له وهو في مفترق طرق حاسم بين الضلال والهدى : هو ذا طريق الهدى؟!

ولهذا جاءت كلماته المنسابة من ذلك القلب الرحيم الرؤوف لتحسم جدل النفوس ولتنهي تزاحم الأفكار والآراء ، ولتضع أمامهم الحل الذي ارتضاه لهم ربهم ، فبدر لهم في عرفات ليقول لهم ما رواه جابر بن عبد الله وأبو ذر الغفاري وأبو سعيد الخدري وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد : يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي

____________________

= المصابيح ٣٠٩ : ١٠ ـ ٣١٤ ح ٥٩٦٦ ، والشهرستاني في الملل والنحل ٢٢ : ١ ، وابن كثير الدمشقي في البداية والنهاية ٢٥١ : ٥ ، وابن تيمية في منهاج السنة النبوية ٥٧٢ : ٨ ، والشريف الجرجاني في شرح المواقف ٣٧٦ : ٦ ، وابن الأثير في جامع الأصول ٦٩ : ١١ ـ ٧١ ح ٨٥٣٣.

٢١٣

أهل بيتي. (١)

ولكن وقد آن فراق الحاج ، واستعدت القوافل لتودع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولعلها تراه لآخر مرة ، جمعهم في غدير خم فقال لهم وفق ما رواه الترمذي بطريقه إلى أبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ؛ أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما. (٢)

وبعد أن قدّم لهم هذا الإغراء العظيم الذي لا يمكن لأحد مهما بلغ في ضعة إيمانة أن يتهاون فيه : «لن تضلوا بعدي»! وأي شيء أهم لديهم من أن يضمنوا الهدى ويبتعدوا عن الضلال؟ حان الوقت ليضع لهم الحروف على النقاط ، فبعد كل إغراء لا بد من حسم في إبداء المطلوب منه ، فالإغراء كالجزاء بالنسبة إلى الشرط ، ولهذا قال البراء بن عازب : نزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة ، وكسح لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تحت شجرتين ، فصلّى الظهر وأخذ بيد علي رضي الله تعالى عنه فقال : ألستم تعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا : بلى ، قال : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا : بلى ، قال : فأخذ بيد علي فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ، قال : فلقه عمر بعد ذلك فقال له : هنيئاً يابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة! (٣).

____________________

(١) سنن الترمذي ٣٢٨ : ٥ ح ٣٨٧٤ ، وحسّنه.

(٢) سنن الترميذي ٣٢٩ : ٥ ح ٣٨٧٦ ، وحسّنه.

(٣) مسند أحمد بن حنبل ٢٨١ : ٤.

أقول : روى حديث الغدير : «من كنت مولاه» بتفصيل أو من دونه وبلفظه أو بما يشبهه كلاً من : النسائي في السنن الكبرى ٤٥ : ٥ و ١٠٨ و ١١٣ و ١٣٠ و ١٣٢ و ١٣٤ و ١٣٦ ، وفي فضائل الصحابة ١٤ : ١ ، وفي الخصائص : ٤٧ ح١٠ و ٧٤ ح٢٣ و ١٥ ـ ١٦٣ ح ٧٩ ـ ٨٨ ح ٩٣ ـ ٩٦ و ١٨٠ ـ ١٨٢ ح ٩٨ ـ ٩٩ =

٢١٤

____________________

و ٢٨٨ ح ١٥٦ ، وابن ماجة في السنن ٤٥ : ١ ، والترمذي في السنن ٦٣٣ : ٥ ، وأحمد في المسند ٨٤ : ١ و ١١٨ـ ١١٩ و ١٥٢ و ٣٣٠ ، ٣٦٨ : ٤ و ٣٧٠ و ٣٧٢ و ٣٧٤ : ٥ و ٣٦٦ و ٣٧٠ و ٤١٩ ، وفي الفضائل ٥٦٩ : ٢ و ٥٧٢ و ٥٨٤ ـ ٥٨٦ و ٥٩٢ و ٥٩٦ ـ ٥٩٨ و ٦١٣ و ٦٤٣ و ٦٨٢ و ٦٨٥ و ٦٨٩ و ٧٠٥ ، والحاكم في المستدرك ١٠٩ : ٣ وصححه على شرط الشيخيخن ووافقه الذهبي في التلخيص على ذلك ، و ١١٠ : ٣ وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في التلخيص على ذلك ، ١١٦ : ٣ ، و ١٣٤ : ٣ وصححه ووافقه الذهبي على ذلك في التلخيص ، وفي معرفة علوم الحديث : ٢٥٢ ، وابن حبان في صحيحه ٣٧٤ : ١٥ و ٣٧٦ ، وابن أبي شيبة في المصنف ٣٣٥ : ٦ و ٣٣٦ و ٣٧٢ و ٣٧٤ ، وأبي سعيد الشاشي في المسند ١٢٧ : ١ و ١٦٦ ، والضياء الحنبلي المقدسي في الأحاديث المختارة ١٠٦ : ٢ و ١٧٤ ، وابن أبي عاصم في السنة ٥٦٦ : ٢ و ٦٠٣ ـ ٦٠٤ ، ٦٠٦ ـ ٦٠٧ و ٦١٠ و ٦٤٤ ، وأبي يعلى في المسند ٤٢٩ : ١ ، ٣٠٧ : ١١ ، والبزار في المسند ٢ : ١٣٣ ، ٣٥ : ٣ ، والسنة للخلال ٣٦٤ : ٢ و ٣٤٨ و ٣٥٠ ، والطبراني في المعجم الكبير ١٧٩ : ٣ و ١٨٠ ، ١٦ : ٤ و ١٧٣ ، ١٦٥ : ٥ ـ ١٦٦ و ١٧٠ ـ ١٧١ و ١٧٥ و ١٩١ ـ ١٩٥ ، ٢٠٢ : ٥ و ٢٠٤ و ٢١٢ ، ٩٨ : ١٢ ، ٢٩١ : ١٩ ، وفي المعجم الأوسط ١١٢ : ١ ، ٢٤ : ٢ و ٢٧٥ ، ٢١٨ : ٦ ، وفي المعجم الصغير ١١٩ : ١ و ١٢٩ ، والمباركفوري في تحفة الأحوذي ١٣٧ : ٣ ، ١٤٧ : ١٠ ـ ١٤٨ و ١٥٤ ، وابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٧٤ : ٧ ، وقال : كثير الطرق جداً ، وكثير من أسانيده صحاح وحسان ، وفي مواضع عديدة من الاصابة ٣٠٥ : ١ رقم ١٥٦٧ ، ٥٦٧ رقم ٢٩٠٦ ، ٢٥٧ : ٢ رقم ٤٤٢٢ و ٣٨٢ رقم و ٤٠٨ رقم ٥١٥٤ و ٤٢١ رقم ٥٠٩ رقم ٥٦٨٨ ، ٥٤٢ : ٣ رقم ٨٦٤٤ ، ٨٠ : ٤ رقم ٥٧٨ و ١٥٩ رقم ٩٢٦ ، وفي لسان الميزان ٣٨٧ : ١ ، ٣١٢ : ٢ ، وفي تهذيب التهذيب ٢٩٦ : ٧ ، وفي تعجيل المنفعة : ٤٦٤ ، وابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد ١٧ : ٧ ، و ١٠٣ : ٩ ـ ١٠٨ و ١٢٠ و ١٦٤ ، وفي موارد الظمآن ٥٤٣ : ١ ، وفي كشف الأستار ٢٢٣ : ٢ رقم ٢٦١٧ ، وابن حجر الهيتمي المكي في الصواعق : ٢٨ و ٤٢ و ٤٤ ـ ٤٥ و ٦٢ وفي مواضع عديدة منه ، والبخاري في التاريخ الكبير ٣٧٥ : ١ ، ١٩٣ : ٤ ، ٦ : ٢٤٠ ، والسيوطي في الجامع الصغير ٢١٧ : ٦ ح ٩٠٠٠ ، وفي الدر المنثور ٣ : =

٢١٥

____________________

= ١٩ ، و ١٠٥ : ٣ ، وفي شرح سنن ابن ماجة ١٢ : ١ ، وفي تاريخ الخلفاء : ١٦٩ ، والمناوي في فيض القدير ٥٢ : ١ ، ٣٥٨ : ٤ ، ٢١٧ : ٦ ـ ٢١٨ ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ١٤٠ : ٣ ـ ١٤١ ، والحسيني في البيان والتعريف ١٣٧ : ٢ و ٢٣٠ ، والبيهقي في الاعتقاد ٣٥٤ : ١ ـ ٣٥٦ و ٣٧٣ ، والمحب الطبري في الرياض النضرة ٣٨٨ : ١ ، ٨٣ : ٢ و ١٩٣ و ٢٢٢ ، وفي ذخائر العقبى : ٦٧ ـ ٦٨ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٣٦١ : ٢ ، والدارقطني في العلل ٢٢٤ : ٣ ، ٩١ : ٤ ، والذهبي في سير أعلام النبلاء ٤١٥ : ٥ ، ٣٣٥ : ٨ ، ٣٤١ : ١٣ ، ١٦٨ : ١٧ ـ ١٦٩ ، ٣٢٨ : ١٩ ، وفي ميزان الاعتدال ٢٩٤ : ٣ رقم ٦٤٨١ وقال : روي بإسناد أصلح من هذا ، وفي تذكرة الحفاظ ١٠ : ١ ، ١٠٤٣ : ٣ وقال : له طرق جيدة ، وأبي المحاسن الدمشقي في ذيل تذكرة : ٢٣١ ، والمحالي في الأمالي : ٨٥ ، وأبي المحاسن الحنفي في معتصر المختصر ٢٤٤ : ١ و ٣٠٧ ، ٣٠١ : ٢ ، وابن قتيبة الدينوري في تأويل مختلف الحديث : ٣٧ و ٦٤ ، وابن المغازلي الشافعي في المناقب : ١٦ ـ ٢٧ ح ٢٣ ـ ٣٩ و ١١٤ ح ١٥٥ ، وابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول : ٧٨ ـ ٧٩ ، وابن طولون في الأئمة الاثنا عشر : ٥٤ ، وابن الأثير الجزري في جامع الأصول ٦٤٩ : ٨ ح ٦٤٨٨ ، وفي النهاية في غريب الحديث : ٥ : ٢٧٧ ـ ٢٢٨ ، وعز الدين بن الأثير في أسد الغابة ٦٠٥ : ٣ ، وأبي بكر الشيباني في الآحاد والمثاني ٣٢٥ : ٤ ـ ٣٢٦ ، وابن قانع في معجم الصحابة ١٩٩ : ١ ، وابن الجوزي في صفوة الصفوة ٣١٣ : ١ ، والدولابي في الذرية الطاهرة : ١٦٦ ح ٢٢٨ ، وابن عبد البر في الاستيعاب ٣٦ : ٣ ، وابن سعد في الطبقات الكبرى ٣١٩ : ٥ ، والنووي في تهذيب الأسماء : ٣١٨ ، والعقيلي في الضعفاء ٢٧١ : ٣ ، وابن عدي في الكامل ٨٠ : ٣ ، ٢٥٦ : ٣ ، ١٢ : ٤ ، ٣٣ : ٥ ، وأبي الحجاج المزي في تهذيب الكمال ٤٤١ : ٣ ، ٨٧ : ٦ ، ١٩٩ : ٩ ، ٩٠ : ١١ و ٩٩ وغيره كثير ، والحسيني في الاكمال : ٦٦٤ ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٣٧٧ : ٧ ، ٨ : ٢٨٩ ، ٣٤٣ : ١٢ ، ٢٣٦ : ١٤ ، وفي تالي تلخيص المتشابه ١٣٠ : ١ ، وأبي موسى المديني في نزهة الحفاظ ١٠٢ : ١ ، والخطيب الخوارزمي في المناقب : ١٣٤ ح ١٥٠ و ١٥٦ ح ١٨٤ و ١٨٢ ح ٢٢١ و ١٩٩ و ٢٥٠ ح ٢٤٠ ، ومحمد بن سليمان الكوفي في مواضع كثيرة جداً وبأسانيد مختلفة من المناقب منها ١١٩ : ١ =

٢١٦

____________________

= و ١٣٧ و ١٧١ و ٣٦٢ ، ٣٦٥ : ٢ ـ ٣٦٨ و ٣٧٠ ـ ٣٧٤ و ٣٧٦ ـ ٣٨٣ و ٣٨٧ و ٣٨٩ و ٣٩١ و ٣٩٣ و ٣٩٧ و ٣٩٩ ـ ٤٠٩ و ٤٢٣ ـ ٤٣٠ و ٤٣٢ ـ ٤٤٠ و ٤٤٢ ـ ٤٥٥ و ٤٥٩ ، والمتقي الهندي في مواضع كثيرة من كنز العمال منها ١٨٧ : ١ ، ٦٠٣ : ١١ و ٦٠٨ ـ ٦١٠ ، ١٠٥ : ١٣ و ١٣١ و ١٣٤ و ١٣٦ و ١٣٧ و ١٥٥ و ١٥٧ و ١٥٨ و ١٦٣ و ١٦٩ و ١٧٠ ، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة في مواضع كثيرة وبأسانيد أكثر منها ١ : ٩٨ و ٩٩ و ١٠١ و ١٠٢ و ١٠٤ ـ ١٠٩ و ١١٢ و ١١٧ و ١١٩ و ١٢٠ و ١٢٤ و ١٢٦ و ١٧٢ و ٣٠٩ و ٣٤٧ ، ٨٢ : ٢ و ١٠٣ و ١٢٠ و ١٥٨ و ٢٤٩ و ٢٨٣ ـ ٢٨٤ و ٣٥٩ و ٣٦٩ ـ ٣٧٠ ، ١٤٢ : ٣ و ٣٦٩ ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة : ٣٥ ـ ٣٨ ، ومحمد بن محمد الجزري في تهذيب أسنى المطالب : ٢١ ح٢ ، ٣١ ـ ٣٣ ح٣ ـ ٥ ، والنحاس في معاني القرآن ٣٢٥ : ٢ ، ٤١٠ : ٦ ـ ٤١١ ، والنيسابوري في غرائب القرآن ١٩٤ : ٦ ـ ١٩٥ ، والرازي في التفسير ٥٣ : ١٢ ، والشوكاني في فتح القدير ٦٠ : ٢ ، والقرطبي في تفسيره ٢٦٦ : ١ ـ ٢٦٧ وصححه وقال : رواه ثقة عن ثقة ، والشوكاني في فتح القدير ٢٦٣ : ٤ ، وأبي السعود في التفسير ٢٩ : ٩ ، وابن كثير الدمشقي في تفسيره ١٥ : ٢ ، وأبي نعيم في حلية الأولياء ٢٣ : ٤ ، ٥ : ٢٧ و ٣٦٤ ، وفي البداية والنهاية في مواضع عديدة وبطرق مختلفة منها ٢٠٩ : ٥ ـ ٢١٤ ، و ٣٣٥ : ٧ و ٣٣٩ و ٣٤١ و ٣٤٧ ـ ٣٥١ ، والآلوسي في روح المعاني ٦ : ٦١ و ١٩٣ ـ ١٩٥ ، ١٧٨ : ٢٧ ، ٥٥ : ٢٩ ، والشهرستاني في الملل والنحل ١ : ١٦٣ ، والآمدي في غاية المرام في علم الكلام ٣٧٥ : ١ و ٣٧٨ ، والغزالي في فضائح الباطنية : ١٣٦ ـ ١٣٧ ، وأبي سعيد النيسابوري في الغنية في أصول الدين : ١٨٢ ، والمطلي الشافعي في التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع : ٢٥ و ٣٢ ، والتفتازاني في شرح المقاصد ٢٧٣ : ٥ وقال : هذا حديث متفق على صحته أورده علي يوم الشورى ولم ينكره أحد ، والباقلاني في تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل : ٤٥١ و ٤٥٦ و ٥١٤ و ٥١٥ و ٥٤٥ ، والقاضي عبد الجبار في المغني ٢٠ : القسم الأول ص ١٥١ ، وفي شرح الأصول الخمسة : ٧٦٦ ، وابن تيمية في منهاج السنة النبوية ٥٠١ : ١ ، ٣٣ : ٥ و ٥١ ، ٣٣ : ٧ و ٤٤ و ٥٢ و ٥٥ و ٣١٣ و ٣١٩ و ٣٢٠ و ٣٢٤ و ٣٦٠ ، وفي بيان تلبيس الجهمية ٣٦٨ : ١ ، وفي مجموعة كتبه ورسائله وفتاواه في العقيدة ٤١٤ : ٤ و ٤١٧ و ٤١٨ ، وابن قيم الجوزية في زاد المعاد ٥ : =

٢١٧

وبطبيعة الحال فإن هذا الحدث ما كان ليفوت فرصة النفوس التي لا تستطيع بطبيعتها أن تخفي عواطفها ، (١) فيما كمنت تداعيات ذلك لتتحول

____________________

= ٦٠٦ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق في مواضع عديدة وطرق كثيرة منها ٦٩ : ١٣ ـ ٧١ ، ١٣٨ : ١٨ ، ١٠٨ : ٢٥ ، ٤١٤ : ٣٨ ، ١٠٠ : ٤٢ و ١٠٢ و ١١٤ و ١١٦ ـ ١١٧ و ١١٩ ـ ١٢٠ و ١٨٧ ـ ١٨٨ و ١٩١ و ١٩٤ و ٢٠٥ ـ ٢٢٠ و ٢٢٣ ـ ٢٣٨ ، ٣٢٤ : ٤٥ ، ٣٢٤ : ٦٥ ، واليعقوبي في التاريخ ١١٢ : ٢ ، والسخاوي في التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة ١٩١ : ٢ ، ابن خالد الناصري في الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ٢١٢ : ١ ، وابن خلدون في المقدمة : ١٩٧ ، وابن أبي جرادة في بغية الطلب في تاريخ حلب ٢٣٢٣ : ٥ ـ ٢٣٢٤ ، ٢٩٣٤ : ٦ ، ٣٩٦٥ : ٩ ، وخليفة ابن خياط في التاريخ : ٤٤٣ ، والمالقي الأندلسي في التحفة والبيان في مقتل عثمان : ٢٣٤ ، والأصفهاني في الأغاني ٣٠٢ : ٩ ، والرزاز الواسطي في تاريخ واسط : ٥٤ ، وابن منظور في لسان العرب ٤٠٨ : ١٥ ـ ٤١١ ، وأبي عبيد الأندلسي في معجم ما استعجم ٣٦٨ : ١ ، ومحمد بن جعفر الكتاني في الرسالة المستطرفة : ١١٢ ، والقلقشندي في صبح الأعشى ٤٤٥ : ٢ ، ٣٠٢ : ٩ ، ١٠ : ١٨٠ ، ٢٣٢ : ١٣ و ٢٣٧ و ٢٤٤ ، والسمهودي في جواهر العقدين ٢٣٥ و ٢٣٧ و ٢٤٦ ـ ٢٤٨ و ٢٥٢ ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ٥٦ ـ ٦٤ ، والبغوي في المصابيح ١٧٢ : ٤ ح٤٧٦٧ ، والخطيب التبريزي في مشكاة المصابيح ٣٥٦ : ٣ ح ٦٠٩١ ، والملا علي القاري في مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ٤٦٣ : ١٠ ـ ٦٤٤ ح ٦٠٩١ وقال : هذا صحيح لا مرية فيه ، بل بعض الحفاظ عدّة متواتراً ، إذ في رواية لأحمد أنه سمعه من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثلاثون صحابياً ، والمزي فيت حفة الأشراف ١٩٥ : ٣ ح ٣٦٦٧ ، وابن دحلان في الفتح المبين في فضائل الخلفاء الراشدين ١٦١ : ٢ ، والقاضي ابن العربي في العواصم من القواصم : ٢٠٠.

أقول : هذا ما عنّ لنا على عدم حرص منا على استقصاءي كل ما أورده أهل الحديث والدراية والأخبار.

(١) روى المنار في فيض القدير عن الثعلبي بإسناده إلى ابن عيينة الذي كان يتحدث عن حديث الغدير وما تحدّث به الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : لما قال ذلك طار في الآفاق فبلغ الحارث بن النعمان فأتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا محمد! أمرتنا عن الله =

٢١٨

إلى ضغائن (١) في صدور قوم آخرين ، وهو الأمر الذي أبكى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم كان الأمير عليه‌السلام يماشيه فبكى (بأبي وأمي) فسأله عن سبب بكائه فقال له : ضغائن في صدور رجال لن يبدوها لك إلاّ من بعدي. (٢)

٢ ـ وتشير الدلالات التي تبرز لنا من خلال طيّات حديث الثقلين إلى أن الحديث الشريف أكثر من أن يحصر نفسه في دائرة الحب المجرد والعاطفة العامة لما ترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعناه بالثقلين ، فمع تأكيده بأن الضلال لن يقارب الأمة طالما تمسكت بهما ، يغدو حديث الكثير من مفسري العامة لهذا الحديث والمبتني على أساس الحب والعاطفة المجردين محض وهم ، إن لم نقل بأنه محاولة لتغريغه من محتواه الحقيقي ، فالهدى لا يدرك كما أن الضلال لا يبعد لمجرد الحب ، كيف؟ وقد رأيت القرآن الكريم يتحدّث عن حب أقوام ومودتهم وليس في محبتهم إلاّ الردى والضلال (لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ

____________________

= بالشهادتين فقبلنا ، وبالصلاة وبالزكاة والصيام والحج فقبلنا ، ثم لم ترض حتى رفعت بضبعي ابن عمك تفضّله علينا! فهذا شيء منك أم من الله؟! فقال : والذي لا إله إلاّ هو إنه من الله. فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير ٢١٨ : ٦ لمحمد بن عبد الرؤوف المناوي ؛ المكتبة التجارية الكبرى ـ القاهرة ١٣٥٦ ـ ط ١. وانظر الخبر في تفسير القرطبي ٢٧٨ : ١٨ ـ ٢٧٩ ، وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي : ٣٧ ، وجواهر العقدين للسمهودي : ٢٤٧.

(١) جمع الضغينة ، وهي الحقد والغل.

(٢) مسند أبي يعلى الموصلي ٤٢٦ : ١ ، ومسند البزار ٢٩٣ : ٢ ، والمعجم الكبير لأبي القاسم الطبراني ٧٣ : ١١ ، وكنز العمال للمتقي الهندي ٤٠ : ٥ ، و ٤٠٨ : ٦ ، ١٥ : ١٤٦ ، وفي منتخب الكنز ٥٣ : ٥ ، وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي ٤٥ : ٦ ، وتاريخ بغداد للخطيب أبي بكر البغدادي ٣٩٨ : ١٢ ، وتاريخ دمشق لابن عساكر ٣٢٢ : ٤٢ ـ ٣٢٤ ، ومجمع الزوائد لابن حجر الهيثمي ٩ : ١١٨ ، وكفاية الطالب للكنجي الشافعي : ٢٧٣ ، والمناقب للخوارزمي : ٦٢ ح ٣١ ، ٦٥ ح ٣٥.

٢١٩

أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) (١).

وهذا الأمر هو حالة طبيعية ، فمتعلق الهدى والضلال هو الفكر ، والعاطفة دورها دور المغذّي والشاحذ لهذا الفكر ، فإن آمن فكر الإنسان بقضية كان للحب دوره في تأجيج حالة الالتزام بهذه القضية ، أما أن يكون الحب والعاطفة هو مقياس الضلال ، فأمر لا يمكن لساذج أن يتحدث عنه ، فما بالك بالرسول الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟! ولهذا فإن الحديث يرمي إلى القول بحتمية وجود جهتين يتحاكم لهما في شأن الهدى والضلال ، جهة تمثل القاعدة الثابتة والأساس التي لا يمكن الحياد عنها وهي القرآن والذي سمي بالثقل الأعظم ، وأخرى التي يقاس بها الالتزام بتلك القاعدة وهم أهل البيت وقد سمّاهم الحديث بالثقل الأصغر.

ولتقريب ذلك أقول : يمثل الدستور ـ كمصطلح معاصر ـ في الدول قاعدة ثابتة للمتشرعين يدورون حوله ، وكلما كانت الفقرات الدستورية قابلة للتأويل المتعدد أو ناقصة عن محاكاة كل القضايا ، كلما أمكن الخروج بتشريعات وتشريعات مضادة لها ، وما يسمى اليوم في عرف القانون بالثغرات القانونية ما هو إلاّ صورة من صور هذه النقيصة أو شكل من أشكال التعددية في فهم المواد الدستورية ، ولهذا تظل الدول أسيرة لحالة التعديل المستمرة لفقرات الدستور ، والتي تمثل في عرف الكثيرين خضوع الدستور ـ في غالب الأحيان ـ إلى نفوذ القوى المتسلطة في البلد ، كما وتسبب مسألة التعددية في فهم المواد الدستورية مفتاحاً للتلاعب بالقوانين والاحتيال عليها أو تطويعها لمصالح الأطراف المتصارعة ، وباعتبار ان الدستور يمثل نصاً جامداً غير ناطق ، فإن الدول افترضت وجود جهات يتم من خلالها حسم الأمور التي تغدو مورد تجاذب بين المتصارعين باسم هذا الدستور ، ولو أخذنا هذا المثال وحاولنا فهم الصورة الدستورية لمجتمع ما بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لوجدنا

____________________

(١) المجادلة : ٢٢.

٢٢٠