عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية

الشيخ جلال الدين علي الصغير

عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية

المؤلف:

الشيخ جلال الدين علي الصغير


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأعراف للدراسات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

١
٢

٣
٤

فاتحة الكتاب

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى)

[النجم : ١ ـ ١٥]

٥
٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا وبينا أبي القاسم محمد ، وعلى الهداة الميامين من آله الطيبين الطاهرين.

يكاد يكون مفهوم العصمة من المفاهيم اللصيقة بالمجتمع الحضاري ولازمة له ، فتكاد لا تجد مجموعة حضارية إلاّ ووجدت لديها رمزاً معصوماً ، ولربما أكثر من ذلك ، فبعضها يتخذ من رئيس القبيلة معصوماً لا يردّ عليه ولا يخطّأ بشيء ، وبعضها يتخذ رئيس الكهنة أو الرهابنة كرموز معصومة ، وبعضها قد تجده يقدّم كتاباً معيناً بعنوانه الكتاب المعصوم متخذاً من نصوصه كمرجعية عليا لأنظمة المجتمع ، وفي المجتمعات الحضارية الدينية تجد العصمة مكوّناً أساسياً من المكوّن الحضاري لهذه المجتمعات ، فالنبي معصوم ، والوحي المنزل عليه معصوم ، وكتابه معصوم أيضاً وهكذا ، ولا يتوقف الحال عند المجتمعات القديمة ، بل تراه يمتد حتى في مؤسسات الدولة والمجتمع الحديثة ، فهناك الدستور الذي يقدّم كمرجعية لا تقبل الجدل ، فرغم أنه يقدّم بعنوانه نتاج فكر نسبي غير إنه سرعان ما يحصل على الاطلاق حالما يأخذ صورته الحاكمة ، ورغم أنهم قد يبدّلونه أو يعدّلونه ، إلاّ إنك تجدهم يتوخون في عملية التبديل والتعديل نفس الهدف الذي وضع له

٧

الدستور الأول .. ففي كل الحالات ثمة حاجة لشيء معصوم أو شبهه.

وقد تخطىء هذه المجموعة الحضارية أو تلك في إصابة مصداق العصمة وقد تصيب ، غير إن السلوك الاجتماعي الحضاري يبقى يتوخى جهة معصومة يتم الرجوع إليها لحسم المنازعات ، ويؤمل منها أن تصيب الواقع بعيداً عن المؤثرات التي قد تشطّ بمبتغيات العدالة الاجتماعية ، بصورة لو تأمّل الإنسان فيها لوجد أن الحاجات إلى العصمة تكاد تكون كالشعور الفطري لهذه المجتمعات.

وقد تداول أهل الكلام من الإسلاميين مفهوم العصمة بما لم يتناوله غيرهم ، رغم أنهم ليسوا سبّاقين إلى فكرته العامة ، إذ تجد آثاره في المجتمعات الدينية السابقة لهم جلية وواضحة ، ولكن اسقاطات الصراع السياسي الناشب من جراء مخلّفات السقيفة وما أودى بالنتيجة إلى نشوء المذاهب الطائفية على أعتابه ، ومن ثم تصارعها في ما بينها ، جعل مفهوم العصمة مثله مثل غيره من المفاهيم الإسلامية يعيش في أتون هذه الصراعات ، وبالتالي ليتمخض مقال المتكلمين الإسلاميين في العصمة عن جدل أوصلهم في الكثير من الأحيان إلى تناقضات جمّة ، وأطاح بقدسية المفهوم التي يجدها بعضهم كقدسية النص القرآني.

ومن خلال الاستقراء الواقعي لهذه المقالات تجد أن عقدتها الحقيقية في هذا المفهوم تكمن في ارتباطه اللصيق مع فكر مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، فهذه المذاهب التي أخرجتها السياسة لتكون المبرر الفكري والتعبوي للسلاطين الذين تعاقبوا على حكم هذه الأمة ، وجدت نفسها بشكل تلقائي في أتون الصراع ضد مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام والتي كانت تمثل قطب المعارضة السياسة الأخطر على كافة الهيئات التي حكمت بمقتضيات ومجريات السقيفة الذي أعقب وفاة الرسول الأعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فعلى الرغم من اختلاف المشارب الفكرية بين هؤلاء المتعاقبين على الحكم ، غير إن هذا القطب حظي من الجميع بكل أنواع التنكيل والاضطهاد السياسي والفكري

٨

بصورة لم تمارس ضد أي فريق آخر.

ولهذا لا غرور من ان تجد الفكر المناهض لهذه المدرسة الشريفة يجد نواته الأولى في التبريرات الأولى التي انطلقت لحكم السقيفة ، ولكن نشوءه الحقيقي تجده يأخذ بالتكامل إبان حكم بني العباس لا سيما في الفترة التي تزامنت مع حكم المنصور الدوانيقي وأعقبته إلى ايام المعتزّ العبّاسي حيث كانت هذه الفترة هي الأشد على مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ، في فترة كان الإنسان يتحمل كل أنماط الاتهامات إلا أن يتهم بالولاء إلى هذه المدرسة ، والقصص التاريخية الخاصة بهذه الفترة تشكل تراجيديا مأساوية بالغة الوصف ، وفي نفس الوقت ما كانت لتنسى أن تسجل للتاريخ واحدة من أقذر وأبشع صور العنف الطائفي والعنت الفكري.

وبطبيعة الحال فقد تكبّد مفهوم العصمة أسوة بغيره من المفاهيم الإسلامية الكثير من التشويهات بحيث أفقدته في غالبية الأحيان من مصداقيته الحقيقية ، بالشكل الذي جعلت بعض هؤلاء يرى جواز الكفر على المعصوم ، ويتمادى الآخر ليتصوّر إمكانية أن يوجد من هو أفضل من النبي المعصوم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زمانه! (١)

ولكن من يرجع إلى مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام سيجد أن هذا المفهوم كان قد أخذ رونقه الكامل ، بحيث لا تجد في طيّاته أي مجال للتناقض مع المفهوم القرآني للعصمة على عكس جميع الموارد المذهبية الأخرى ، كيف لا ، وما يخرج من مدرسة العصمة لا يكون إلا معصوماً؟.

ولسنا في هذا الكتاب في صدد البحث في هذه الخلافات ، فلقد بحثها المتكلمون من الإمامية منذ أن نشأت (٢) ولكننا في صدد محاولة تأصيل هذا

____________________

(١) انظر بعض التفاصيل في الفصل الأول من الكتاب.

(٢) يمكن ملاحظة الردود الأولى على هذه الخلافات في احتجاجات أصحاب الأئمة عليهم‌السلام ، وقد أخذت شكلها المتكامل في كتابات الشيخ المفيد والشريف =

٩

المفهوم وتقعيده ، خاصة بعد نشوء الكثير من الأسئلة التواقة لمعرفة الحقيقة ، وبعد أن غدت مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام قبلة لرواد الحقيقة في زمننا المعاصر ، على الرغم من كل محاولات التشويه والشغب الطائفي التي تمارسها مدارس معروفة بالنصب لمدرسة أهل العصمة والطهارة (صلوات الله عليهم أجمعين) ، وبالرغم من كل المشاكل السياسية التي تثار ضد معتنقي هذه المدرسة في انحاء كثيرة من البلدان الإسلامية.

وتأتي هذه المحاولة لترد أيضاً على محاولات العبث التشكيكي الذي مارسته أروقة الانحراف والتي حاول فتحها بعض من ابتليت هذه المدرسة بانتسابهم الاجتماعي إليها رغم أنهم لم يوفروا جهداً من أجل الكيد لها ، والنيل منها.

ولهذا فإن هذا الكتاب يأتي ليكمل ما كنّا قد بدأناه بتوفيق من الله تعالى في أبحاثنا السابقة : «الولاية التكوينية الحق الطبيعي للمعصوم عليهم‌السلام» و «من عنده علم الكتاب؟» و «الإمامة ذلك الثابت الإسلامي المقدس». وهو في بعض فصوله جزء من كتابنا : «الإمامة بحث في الضرورة والمهام».

* * *

وقد قدّمنا في الفصل الأول من الكتاب بحثين تمهيديين اختص الأول بتعريف لغوي واصطلاحي للعصمة ، مع إلماعة مختصرة عن أهم الأقوال التي تناولتها المذاهب حول العصمة ، فيما تناول الثاني دراسة طبيعة العلاقة بين الذات والرسالة في شخصية المعصوم عليهم‌السلام ، وفي هذا المبحث قدمنا الدلائل على زيف الفصل بين الجانبين إذ يرى المناهضون لمقولة العصمة الشاملة أن للمعصوم شخصيتين متمايزتين عن بعضهما يسميها بعضهم بالذاتية والرسولية ، وبهذا الفصل يأمل هؤلاء من خلال ابتداعهم إشادة دعائم

____________________

= المرتضى ومن لحق بهم من علماء الإمامية.

١٠

نظريتهم المتهافتة حول أخطاء المعصوم عليهم‌السلام ، وذنوبه ، وهو بحث له أهميته الجادة ليس في بحث العصمة فحسب ، بل يمتد لمباحث علم المعصوم عليهم‌السلام وشفاعته وشهادته ، وغير ذلك من الأمور التي تختص بدوره عليه‌السلام.

وفي الفصل الثاني تناول الحديث دراسة الأدلة التي يقدّمها النص القرآني لإثبات عصمة المعصوم عليه‌السلام ، وسنجد فيه أن مفهوم العصمة مفهوم قرآني بحت ، وأنّ ما ادعاه بعض أدعياء الفكر من أن الشيعة هي التي اخترعت هذه الفكرة ليس إلا جانباً من الباطل الذي يروّج ضد الإمامية ، مع ملاحقة الكثير من دقائق النص القرآني لمعرفة الآلية التي تتشكّل بموجبها العصمة وتأخذ طابعها في نفس الإنسان ، ومن شأن هذه الآلية في حال اكتشافها تشكل دقيق أن توضح لنا الكثير من مبهمات الموضوع ، وتتيح لنا تفنيد الكثير مما ما طلت به بعض المدارس الكلامية والتحريفية الجديدة من الشبهات حول مسألة العصمة الشاملة وتفاصيلها.

وقد انساب البحث تلقائياً إلى الحديث عن حدود العصمة وامتداداتها ، وانتقل منه إلى الحديث عن عصمة أهل البيت عليهم‌السلام حيث كانت لنا وقفة فيها الكثير من التفصيل لآيتي المباهلة والتطهير ، وبطبيعة الحال فقد أتبعنا هذا الحديث بحديث معمّق عن حديث الثقلين وتوقفنا عند دلالاته وما يترتب عليه.

أما الفصل الثالث فقد عقدناه لدراسة الشبهات التي أطلقت حول مفهوم العصمة ، وقد توقفنا عند عدد كبير من الشبهات التي طالت حياة الأنبياء والرسول والأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) ، وفي هذا الفصل قدّمنا نقدين لهذه الشبهات تكفّل الأول بتقديم نقد شمولي لكل ما يمكن أن يلحق بعصمة المعصوم دون النظر إلى هذه الشبهة أو تلك ، فيما تكفل النقد الثاني دراسة الشبهات بصورة مستقلة ، ولم نستوعب الحديث عن جميع هذه الشبهات خشية الاطالة ، ولكننا أخذنا عينات من هذه الشبهات وقدمناها

١١

كنموذج لبقيتها.

أما فيالفصل الرابع فقد حاولنا التعرف على التيارات المضادة للعصمة ، وكانت محطتنا الأولى عند الأفكار التي يروّج لها تيّار الاغتراب (١) حول مسألة العصمة ، ثم توقفنا عند ما سميناه بالتيار الأكاديمي ، ومنه انتقلنا إلى التيار الروائي ، ومن بعده كانت لنا وقفة عند ما يطرحه مؤرخو الفرق والمقالات حول رأي الشيعة الإمامية في العصمة ، وفي المحطة الأولى من هذا الفصل عرضنا لأفكار محمد حسين فضل الله كرائد معاصر لتيار الاغتراب عن مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام حول العصمة ، مع إلحاق بعض شبهات المدعو عبد الرسول اللاري المعروف بأحمد الكاتب مما لم يردده فضل الله بهذا البحث ، وهي الأفكار التي أثارت موجة شديدة من ردود الفعل الغاضبة والتي أودت بالنتيجة إلى حكم المرجعية الدينية المقدّسة بشأن إبعادهم عن الطائفة الشريفة.

وقد تطرقنا في البداية لتقديم لمحة تاريخية عن الطبيعة العلمية لحياة رائد هذا التيار ، ومن ثم قدمنا دراسة إجمالية لفكر هذا التيار حول مفهوم العصمة ، وسيلاحظ القارىء الكريم هنا حجم التناقض الذي تملك هذا التيار في عرضه المشوّه للفكرة. وفي النهاية استعرضنا بعض الشبهات التي أطلقها هذا التيار حول عصمة المعصومين عليهم‌السلام كان أوّلها في ما يتعلّق بقولهم حول إمكانية خطأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تبليغ الآيات ، والثاني في دعواهم حول إمكانية أن يؤثر الشيطان الرجيم (لعنه الله) على قلب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك في تفسيرهم المزعوم للآية القرآنية : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ

____________________

(١) نريد بتيار الاغتراب التيار الذي كان إمامي الهوية الاجتماعية أو يتستر بها ، ثم كشف مؤخراً عن أفكاره التي كشفت غربته الفكرية بعيداً عن بديهيات مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام ومعتقداتهم.

١٢

آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) (١) ، وثالثها في الشبهات التي طرحها التيار حول جبرية العصمة ، ومنها قمنا بالتعرض لشبهته حول قصة عبس وتولى ، ومن هذه القصة تتبعنا لعصمة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، ثم ألقينا الرحل عند قصة يوسف عليه‌السلام وما أثاره هذا التيار في شأن علاقة النبي مع امرأة العزيز والتي يعتقد هذا التيار أن النبي يوسف عليه‌السلام أراد أن ينال منها ما أرادت أن تنال منه! وهذا الانتقاء كان نماذج فكرية لأفكار هؤلاء من أجل تسليط الضوء على طبيعة أفكارهم ، وليس استعراضاً لكل ما أوردوه من شبهات طالت غالبية المعصومين عليهم‌السلام. (٢)

ومن بعد محمد حسين فضل الله حاولنا دراسة أهم ما عرض له المرتدّ أحمد الكاتب.

وفي شأن التيار الأكاديمي فقد كان جلّ تركيزنا عند ما طرحه الدكتور حسن حنفي والدكتور علي سامي النشار كنماذج تناولت مفهوم العصمة الإمامية.

أما في التيار الروائي فقد أخذنا البخاري وأحاديثه كنموذج ، وقد رأينا صحيحه يتحامل على العصمة في أحاديث كثيرة تناول بعضها الأنبياء ، وتناول بعضها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم تكن دراستنا شاملة لكل ما في كتاب البخاري المسمى بالصحيح ، بل اقتصرنا على بعض ما ورد في الجزء الرابع منه وما حفّ به في أواخر الجزء الثالث وأوائل الجزء الخامس.

وانتهينا في هذا الفصل عند التيار التاريخي وما طرحه مؤرخو الفرق والمقالات حول رأي الإمامية في العصمة ، وفيه تناولنا بشكل سريع أقوال

____________________

(١)الحج : ٥٢.

(٢) استعرضنا في الحلقة الأولى من كتابنا : لهذا كانت المواجهة ، ما ذكره هذا التيار في شأن العصمة من أفكار ومقولات ، وستأتي تتمة له في الحلقة الثانية منه إن شاء الله تعالى.

١٣

الأشعري والبغدادي ، وهدفنا من هذا القسم تبيان حقيقة الزيف الذي يكتنف عليه تأريخ الأشعري والبغدادي كنماذج لنصوص تعتبر حججاً أكاديمية بين يدي الباحثين المعاصرين! ممن أخذوا كتابة مؤرخي الفرق على علّاتها دون تمحيص ، وراحوا يبنون عليها نظراتهم التي يصفونها بالموضوعية والتجرد ، وهي إشكالية تعاني منها غالبية أو جلّ الكتابات المعاصرة عن الإمامية.

* * *

هذا وقد التزمت في عموم فصول الكتاب بأدب الحوار ، فلم أحاجج الآخر إلا بما يلزم نفسه به ، ولهذا فلقد جاءت مصادر الكتاب ومراجعه في عمومها الأغلب من كتب الآخرين ، فمن المعيب أن تحاجج الآخر بحججك التي لا يؤمن بها ولا يقرّ بإلزاميتها له ، وهو أمر فعله غالبية من حاور الشيعة ، فراح يحتجّ عليهم بكتب وأحاديث لا يقرّون بسلامتها ولا يمنحونها الاعتبار الذي من شأنه أن يلزمهم بشيء في مجال التاحجج والخصام ، فمن لا يرى في البخاري وسائر صحاح العامة مستنداً معتبراً ، كيف يمكن محاججته بما جاء فيه ، نعم هو ملزم لمن يؤمن به ويعتبره حجة عليه ، ولهذا فقد كان من واجبي أن أحاور الآخر بما يلزم نفسه به ، وفقاً لقاعدة : ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم.

* * *

وإني إذ أقدّم هذا الكتاب فإنّ لساني عاجز عن الثناء على الله سبحانه وتعالى على جميل ما وقفني إليه ، وإن بياني قاصر عن أن يشكر الألطاف التي شملتني بها بطلة كربلاء عقيلة الهاشميين الصدّيقة الحوراء زينب الكبرى (صلوات الله عليها) ، وكذا الشهيدة البريئة رقية بنت الإمام الحسين (صلوات الله على أبيها وعليها).

ولا يفوتني شكر السادة العلماء والمفكرين والقرّاء الكرام الذين أسهموا

١٤

في شدّ عزيمتي وشحذ همّتي من خلال كلماتهم التقييمية للأبحاث السابقة والتي لا أستحق أغلبها ، أو من خلال مخلاحظاتهم التقويمية التي وجدت فيها أعزّ العون ، وأخصّ بالشكر أخاً عزيزاً شاء أن يعمل على طريقة الجندي المجهول ، فقد كان جهده الجليل في تصحيح الكتاب وملاحظاته السديدة باعثاً رئيسياً في خروج هذا الكتاب بهذه الصورة.

وإني إذ أقدّم هذا البحث (١) بين يدي أهل الولاء وعشاق درب أهل البيت عليهم‌السلام أسأل الله العلي العظيم أن يوفقنا لما فيه مرتاضه ونيل كراماته ، وأن يعيننا على ما نلقى في درب خدمة عقيدة أهل البيت (صلوات الله عليهم اجمعين) من عنت وظلم وإرهاب ، وأن يصبّرنا على ضرائب التصدي لظلمة أهل البيت ، وأن يجعله ذخراً وشرفاً وكرامة لنا يوم نواجه الرسول الكريم والإمام أمير المؤمنين والزهراء البتول والأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) ، وأن يجعله براءة لنا يوم ينادي مناد يوم القيامة : (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ). (٢) وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين نعم المولى ونعم المعين.

المهجر : جوار المرقد المطهر لعقيلة الهاشميين الصديقة الحوراء زينب عليها‌السلام

جلال الدين علي الصغير

____________________

(١) الفصلان الأول والثاني سبق للمؤلف أن ألقاهما كدروس على بعض الطلبة الأعزاء في مركز البحوث والدراسات الإسلامية في جوار الصديقة الحوراء زينب عليها‌السلام في ريف الشام.

(٢) الصافات : ٢٤ ـ ٢٥.

١٥
١٦

الإهداء

إلى بطل العقيدة الخالد ..

وإلى أول سفير لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ..

وإلى المهاجر إلى الله وفي سبيل رسوله ..

إلى فريد هذه الأمة طائر الجنة ..

جعفر بن أبي طالب عليه‌السلام

أقدم هذا المجهود خدمة للدرب الذي استشهدت من أجله ، وإعلاء لدين وهبك الله بسبب المنافحة من أجله شرف التميّز على كل سكنة الجنان.

١٧
١٨

الفصل الأول

مباحث تمهيدية

١٩

٢٠