عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية

الشيخ جلال الدين علي الصغير

عصمة المعصوم عليه السلام وفق المعطيات القرآنية

المؤلف:

الشيخ جلال الدين علي الصغير


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الأعراف للدراسات
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٩٦

ان الأمر يتشابه إلى حد بعيد ، ولكن بفارق واحد هو ان النص القرآني لا يمكن التلاعب به ، ولا يصلح للتغيير ، أما إمكانية فهمه وتطبيقه بأوجه متعددة فإن القرآن هو من تحدّث عنه فقال : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) ولهذا تجه قد شخّص بصورة فورية ان هذا التشابه الذي يكون في العادة هو مورد التلاعب والاختلاف لا يمكن حسمه إلاّ من خلال مرجعيتين ثابتة ومتحركة ، أولاهما : النص الإلهي وهي المرجعية الثابتة ، وثانيتهما : جهة الراسخين في العلم ، وهي الجهة المتحركة التي تنسق المواقف الحياتية وحركيتها المتكررة مع متطلبات النص الإلهي وثباته الراسخ ولهذا أكملت الآية القول : (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبَابِ) (١) ، ولو تأملت الأمر من وجهة نظر الحديث الشريف لوجدته قد عمد إلى تشخيص نفس ما شخّصته الآية الكريمة ، ولكن مع إضفاء قدر من التوضيح على جهة الراسخين في العلم إذ سميت هذه المرة بأهل البيت. فتأمّل!

٣ ـ ولو حصرنا الأمر بما نحن في صدد بحثه وهو علاقة الحديث الشريف يعصمة أهل البيت عليهم‌السلام لوجدنا أن الحديث يزخر بالمترتبات الطبيعية التي تفضي حتماً إلى عصمتهم عليهم‌السلام الأكيدة والمطلقة ، ومن ذلك أذكر ما يلي :

أ ـ طبيعة ما يتركه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأمته إن قلنا بأنه من الدين فقد قلنا بعصمة المتروك ، لعدم معقولية أن يترك الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شيء يقول فيه لأمته انه من دينهم ويكون هذا الشيء قابلاً للخطأ ، ولما كان القرآن جهة صامتة وهي معصومة قطعاً فإن الثقل الآخر المتروك لا بد وأن يكون معصوماً هو الآخر عن الخطأ والذنب لوضوح أن وصية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا تتخلف عن ذلك.

____________________

(١) آل عمران : ٧.

٢٢١

وإن قلنا بأن ما يتركه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس من الدين ـ وهو أمر لم يقل به من له أدنى نظر ـ فقد خالفنا القرآن في ما أمرنا به : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (١).

ب ـ قرن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثقلين معاً وتأكيده على عدم افتراقهما عن بعضهما ذو دلالة خاصة على عصمة الثقلين معاً ، فالقرآن وهو الكتاب الكريم الذي وصف بأنه (لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٢) حينما يكون معصوماً ، فمما لا ريب فيه ان قرينه سيكون معصوماً هو الآخر.

ج ـ تأكيده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن التمسك بالثقلين لن يؤدي إلى ضلال أبداً مؤشر حتمي على عصمة الثقلين معاً ، وذلك بديهي لبديهية أن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه ، فإذا ما كان أهل البيت عليهم‌السلام من غير أهل العصمة فكيف يمكن لهم أن يدلّوا عليها؟!

٤ ـ يلاحظ أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد تحدّث عن عدم افتراق الثقلين عن بعضهما إلى أن يردا عليه الحوض ، وهذه الجملة مع تأكيدها على عصمتها ، فإنها تشير إلى حتمية استمرار وجود الهادي من أهل البيت حتى يوم القيامة ، ومن المعلوم ان مدرسة الإمامية من خلال مقولتها الراسخة بعدم ديمومة الأرض بغير حجة وقول أئمتها عليهم‌السلام : لو لا الحجة لساخت الأرض (٣) وأمثال ذلك ، هي الوحيدة القادرة على تأمين المتطلبات الموضوعية التي اشترطها الحديث الشريف فلا تغفل!.

ومن الملاحظ أن هذه المعطيات تلتقي التقاءً طبيعياً لا مرية فيه مع

____________________

(١) الحشر : ٧.

(٢) فصلت : ٤٢.

(٣) انظر في شأن ذلك الكافي ١ : ١٧٨ ـ ١٨٠ أحاديث ب ٦٣ ـ ٦٤.

٢٢٢

الكثير من الأحاديث الشريفة كالحديث الشريف الذي يرويه غير واحد من الصحابة : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ؛ من ركبها نجا ، ومن تركها غرق وهوى. (١)

____________________

(١) الحديث روي بألفاظ متعددة وقد اشترك جمع كبير من المحدثين على إثباته في كتبهم أذكر منهم : أحمد في فضائل الصحابة ٨٧٥ : ٢ ، والحاكم النيسابوري في المستدرك ٣٤٣ : ٢ وصححه على شرط مسلم ، ١٥٣ : ٣ ، وابن أبي شيبة في المصنف ٣٧٢ : ٦ ح ٣٢١١٥ ، والبزار في المسند ٣٤٣ : ٣ ، وابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد ١٦٨ : ٩ ، والطبراني في المعجم الصغير ٢٤٠ : ١ ، وفي الأوسط ١٠ : ٤ ، ٣٥٥ : ٥ ، ٨٥ : ٦ ، وفي الكبير ٤٥ : ٣ ـ ٤٦ ، ٣٤ : ١٢ ، وابن سلامة القضاعي في مسند الشهاب ٢٧٣ : ٢ ـ ٢٧٤ ، والمناوي في فيض القدير ٢ : ٥١٩ ، ٥١٧ : ٥ ، وفي كنوز الحقائق : ١١٩ ، والدارقطني في العلل ٢٣٦ : ٦ ، والفاكهي في أخبار مكة ١٣٤ : ٣ ، والمزي في تهذيب الكمال ٤١١ : ٢٨ ، وأبا بكر البغدادي في تكملة الإكمال ١٤١ : ٣ ، والسيوطي في الجامع الضغير ٢ : ١٣٢ ، وفي الدر المنثور ٧٢ : ١ ، ٣٤٤ : ٣ ، وفي إحياء الميت : ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، وفي تاريخ الخلفاء ٢٧٠ : ١ ، وفي مفتاح الجنة : ٧٦ ، وابن كثير في التفسير ٤ : ١١٥ ، والنبهاني في الفتح الكبير ١٣٣ : ٢ ، والخطيب التبريزي في المشكاة ٤ : ٣٧٨ ح ٦١٨٣ ، والملا علي القاري في مرقاة المفاتيح ٥٥٢ : ١٠ ح ٦١٨٣ وقال : هذا حديث صحيح لا مجال للرد فيه ، وابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة : ١٨٦ ، وأبا نعيم في الحلية ٣٠٦ : ٤ ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٧ : ٣٣٦ ، ٩١ : ١٢ ، والسمعاني في قواطع الأدلة في الأصول ٢٢ : ٢ ، وابن طاهر المقدسي في البدء والتاريخ ٢٢ : ٣ ، والشوكاني في فتح القدير ٩٠ : ١ ، والآلوسي في روح المعاني ٣٢ : ٢٥ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٩٤ : ١٢ ـ ٩٥ ، ٩٨ ، وفي منتخب الكنز ٤١٤ : ١ ، ١١٣ : ٢ ، ٩٢ : ٥ ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى : ٢٠ ، والسمهودي في جواهر العقدين : ٢٦٠ ، وابن المغازلي الشافعي في المناقب : ١٣٢ ـ ١٣٤ ح ١٧٣ ـ ١٧٧ ، وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : ٢٥ ، الصبان الشافعي في اسعاف الراغبين : ١٠٩ ، والكنجي الشافعي في كفاية الطالب : ٢٣٤ ، والشبنجلي في نور الأبصار : ١٩٨ ، وابن حيان في الأمثال في الحديث النبوي : ٣٨٥ ، وابن الأثير الجزري في النهاية في غريب الحديث ٢ : =

٢٢٣

ويلحظ في الحديث مزايا تتشابه مع مزايا حديث الثقلين من حيث انسجام أهل البيت والكامل والتام مع الهدى ، وحتمية عدم ورودهم إلى الضلال ، وهذا ليس لسبب إلاّ لطبيعة مواصفاتهم الذاتية التي استجلبت دواعي اللطف الإلهي. (١)

ومثل هذا الحديث ، الحديث الذي يرويه ابن عباس عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف. (٢)

وروى ابن حنبل في فضائل الصحابة عن الإمام علي عليه‌السلام قوله : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : النجوم امان لأهل السماء إذا ذهبت النجوم ذهب أهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض. (٣)

____________________

= ٢٩٨ ، وابن منظور في لسان العرب ٢٠ : ٣ ، ومحمد بن سليمان الكوفي في المناقب ٢٩٦ : ١ ، ١٤٦ : ٢ ـ ١٤٨ ، وابن دحلان في الفتح المبين في فضائل الخلفاء ٢٨٢ : ٢ ، والقندوزي الحنفي في ينابيع المودة ٩٣ : ١ ـ ٩٤ ، ٢ : ٨٠ و ١٠١ و ١١٨ و ٢٦٩ و ٣٢٧ و ٤٧٢.

(١) مرّ حديثنا في آلية العصمة أن اللطف الإلهي لا يتنزل عبثياً ، وأن هذه المواصفات لا توجد جبرياً ، وإنما هي صورة تلفيقية ما بين كمالات الإنسان الذاتية وجزاء الله سبحانه وتعالى للمحسنين.

(٢) المستدرك ١٤٩ : ٣ وقال : هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.

(٣) فضائل الصحابة ٦٧١ : ٢ ح ١١٤٥.

أقول : روى الخبر بلفظه أو بمختصره أو ما يشبهه عدد غير قليل من أئمة محدثي القوم أذكر منهم : الحاكم النيسابوري في المستدرك ٤٤٨ : ٢ ، ٤٥٧ : ٣ ، والطبراني في المعجم الكبير ٢٢ : ٧ رقم ٦٢٦٠ ، والروياني في المسند ٧٥٣ : ٢ ح ١٥٢ ، والديلمي في الفردوس ٣١١ : ٤ ح ٦٩١٣ ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ١٧٧ : ٢ ، ٦١ : ٣ ، والعجلوني في كشف الخفاء ٤٣٥ : ٢ ، والمتقي الهندي في كنز العمال ٩٦ : ١٢ و ١٠١ ـ ١٠٢ ، وفي منتخب الكنز ٩٣ : ٥ ، =

٢٢٤

وهو في بعض دلالاته يؤدي نفس مؤدى الحديث السابق ، ومثل الحديث أحاديث كثيرة تجري بنفس المجرى ، تركنا ذكرها مخافة الاطناب والتطويل.

وغني عن البيان التذكير بما أثبتناه في مبحث آية التطهير أن المراد بأهل البيت هم خصوص المعصومين منهم ، وليس غيرهم كما يحاول بعض العوام فهم الحديث ، فجهة أهل البيت كما أشار إليها الحديث الشريف وكما رأيناها في آية التطهير تتسم بمواصفات وتختصّ بخصوصيات يقصر عن استيفائها كل من عداهم هاشميون كانوا أم غير هاشميين.

* * *

جهود فاشلة

هذا وقد حاول العامة أن ينقضوا ما يترتب على الحديث من معطيات محرجة على الصعيد المذهبي والسياسي ، فحاولوا أن يأتوا بمعارض للحديث ، بعد أن فشلوا في إثبات ضعف الحديث ، أو التأثير على بعض جملة للحد من المفاهيم المنبثقة من أنحائه ، كقول ابن تيمية وأمثاله من النواصب ان جملة : «لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» زائدة ، وما إلى ذلك

____________________

= والسيوطي في إحياء الميت : ٢٤٧ و ٢٥٥ ، وفي الجامع الصغير ١٦١ : ٢ ، والمناوي في فيض القدير ٢٩٧ : ٦ ، وابن حجر الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ : ١٦٤ ، وابن حجر الهيتمي المكي في الصواعق المحرقة : ١٨٧ ، والمحب الطبري في ذخائر العقبى : ١٧ ، والقندوي الحنفي في ينابيع المودة ٧١ : ١ ـ ٧٢ ، ٢ : ١٠٤ و ١١٤ و ٤٤٢ ـ ٤٤٣ و ٤٧٣ ، ١٤٢ : ٣ ، وابن عساكر في تاريخ دمشق ٤٠ : ٢٠ ، ومحمد بن سليمان الكوفي في المناقب ١٣٣ : ٢ و ١٤٢ ـ ١٤٤ و ١٧٤ ، وأحمد بن خالد الناصري في الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى ٧٨ : ٣ ، والصبان في اسعاف الراغبين : ١٢٨ ، والسمهودي في جواهر العقدين : ٢٥٩.

٢٢٥

من أمور يصدّها بسهولة تواتر الخبر وانتشار الامر بصحة صدوره عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقد ساروا في ذلك باتجاهين رئيسين هما :

الأول : تحريف الحديث وإخراجه من موضوعه الرئيس إلى مواضيع لا تمت بصلة له على الاطلاق ، كما في الخبر الذي يروونه : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي : كتاب الله وسنتي! أو : إني تارك فيكم كتاب الله وأنتم مسؤولون عني! وهكذا بالنسبة لحديث السفينة ، فقد روى مالك أن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : السنة كسفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تركها هلك! (١) وسنتحدّث عن ذلك ببعض التفصيل.

الثاني : وضع بدائل لأهل البيت يحتلون فيها مواقعهم التي يفترضها الحديث ، كما وضعهم للخبر ـ الفضيحة : أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم!

ومن أمثال هذه المعارضات يوجد الشيء الكثير التي حشوا بها كتبهم ، ولكن سأكتفي بأكثرها رواجاً في أذهانهم ، وهي مسألة مرجعية السنة كبديل عن أهل البيت عليهم‌السلام وكذا مسألة عدالة الصحابة بعنوانهما مرجعتين معصومتين في حقيقة حال ما اعتمده القوم ، وقد وضعتا كبديل لمرجعية أهل البيت عليهم‌السلام وعصمتهم ، آملاً ومن المستزيد مراجعة الكتب المتخصصة في هذا المجال. (٢)

أ ـ كتاب الله وسنتي

روى الحاكم والبيهقي بإسنادهما إلى صالح بن موسى الطلحي ، عن

____________________

(١) فيض القدير ٤٠ : ٦

(٢) ككتاب عبقات الأنوار للمقدس اللكهنوي ، ودلائل الصدق للمقدس الشيخ محمد حسن المظفر ، والغدير للمقدّس الشيخ الأميني (رضوان الله تعالى عليهم).

٢٢٦

عبد العزيز بن رفيع ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني قدخلفت فيكم ما لن تضلوا بعدهما ما أخذتم بهما أو عملتم بهما : كتاب الله وسنتي ، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. (١)

وروى الحاكم البيهقي (٢) بإسنادهما إلى ابن أبي أويس قال : حدثنا أبي ، عن ثور بن زيد الديلي ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب الناس في حجة الوداع فقال : يا أيها الناس اني قد تركت فيكم ما إن عصمتم به فلن تضلوا أبداً : كتاب الله وسنة نبيه. (٣)

وروى يحيى بن يحيى الليثي راوي كتاب الموطأ عن مالك بن أنس أنه حدّثه أنه بلغه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة نبيه. (٤)

وقد روى أبو داود السجستاني في سننه ؛ والنسائي في سننه الكبرى باسنادهما إلى حاتم بن اسماعيل ، عن الصادقين عليهما‌السلام ، (٥) عن جابر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إن اعتصمتم به : كتاب الله وانتم مسؤولون عني. (٦)

____________________

(١) المستدرك على الصحيحين ٩٣ : ١ ، وسنن البيهقي الكبرى ١١٤ : ١٠ رقم ٢٠١٢٤.

(٢) يروي البيهقي روايته هذه بالاخبار عن الحاكم ، فهي رواية واحدة.

(٣) المستدرك ٩٣ : ١ ، والسنن الكبرى ١١٤ : ١٠ رقم ٢٠١٢٣.

(٤) الموطأ : ٦٠٢ رقم ١٦٦٢ مالك بن أنس (ت ١٧٩ هـ) دار الفكر ـ بيروت ١٩٨٩ ط ١.

(٥) جرت عادة القوم كلما أرادوا تدبير أمر بليل! ضد مقام آل محمد عليهم‌السلام نسبوه إليهم ، فأحاديث المناقب لأعدائهم ، وما يضاد عقيدتهم ومنزلتهم (صلوات الله عليهم) تجدها في العادة منسوبة إليهم في كتب القوم!!

(٦) سنن أبي داود١٨٥ : ٢ رقم ١٩٠٥ لأبي داود السجستاني (ت٢٧٥) دار الفكر ـ بيروت ، والسنن الكبرى ٤٢١ : ٢ رقم ٤٠٠١ أحمد بن شعيب النسائي (ت ٣٠٣ هـ) دارالكتب العلمية ـ بيروت ١٩٩١ ط ١.

٢٢٧

هذه أهم المعارضات التي أبرزها القوم لحديث الثقلين ، والكلام فيها يقع ضمن محورين هما :

المحور الأول : ومدار هذا المحور حول القيمة السندية التي تتمتع بها هذه الأخبار ، وما يلحظ في بادىء الأمر أن القوم برواتهم الكبار لم يرووا هذه الأخبار بمجموعها ، وإنما انفرد الحاكم والبيهقي بالخبرين الأولين والثالث انفرد به مالك دون غيره ، أما الرابع فلقد أورده أبو داود والنسائي ، ولو كان القوم يجدون في الخبر أدنى مجال للتصحيح فكيف غفل عنه مثل مسلم والبخاري وابن ماجة والدارمي وغيرهم ، ولهم في هذا الأمر رغبة لا يعادلها شيء!

وهذه الأخبار مقدوحة في أسانيدها بوضوح ، فأما خبر الحاكم والبيهقي الأول ، فعلّته الأولى بصالح بن موسى الطلحي من أحفاد طلحة بن عبيد الله التيمي ، وهو من المذمومين جداً في تراجم الرجال لدى القوم ، ومتهم لديهم بالوضع ، (١) أما علّته الثانية فبمجهولية أبي صالح أو ذمّه ، فإن

____________________

(١) ورد الرجل في كتب الرجال فقد عنه أحمد على ما يرويه ابنه عنه : ما أدري ، كأنه لم يرضه. الجامع في العلل ومعرفة الرجال ٢٣٣ : ١ رقم ١٥٧٢.

وقال الجوزجاني مرة : ضعيف الحديث ، وأخرى : يضعّف حديثه. أحوال الرجال : ٧٣ رقم ٩١ و ٨٩ رقم ١٢٧.

وذكره النسائي في كتابه وقال : متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين : ٥٧ رقم ٢٩٨.

وأروده الدارقطني في الضعفاء والمتروكين. انظر كتابه : ١٠٧ رقم ٢٩١.

ونقل ابن عدي عن يحيى بن معين قوله : لا يكتب حديثه.

وعن البخاري قوله : منكر الحديث.

وعن السعدي قوله : ضعيف الحديث.

ثم قال : عامة ما يرويه لا يتابعه أحد عليه ، وهو عندي لا يتعمد الكذب ولكن يشبه عليه ويخطىء ، وأكبر مايلحقه في أحاديثه ما يرويه في جده طلحة من الفضائل في =

٢٢٨

كان المقصود به باذام مولى أم هانىء بنت أبي طالب الكلبي ، فهو مقدوح في حديثه ، (١) أما إذا ما وصل الأمر إلى أبي هريرة فعندئذ يتوقف

____________________

= ما لا يتابعه أحد عليه!. الكامل في ضعفاء الرجال : ٦٨ : ٤ ـ ٧٠ رقم ٩١٨.

ونقل ابن أبي حاتم عن يحيى بن معين قوله : ليس بشيء.

وعن أبيه : ضعيف الحديث ، منكر الحديث جداً ، كثير المناكير عن الثقات ، قلت : يكتب حديثه ، قال : ليس يعجبني حديثه. الجرح والتعديل ٤١٥ : ٤.

وقال أبو نعيم في كتابه عن الضعفاء : يروي المناكير ، متروك. الضعفاء : ٩٣ رقم ٩٩.

وقال العقيلي : لا يتابع على حديثه. الضعفاء ٢٠٣ : ٢ رقم ٧٠٣.

وقال ابن حبان في المجروحين : يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات حتى يشهد المستمع لها انها معمولة أو مقلوبة لا يجوز الاحتجاج بها. المجروحين ١ : ٣٩٦ رقم ٤٩١.

ونقل ابن حجر عن الترمذي قوله : تكلم فيه بعض أهل العلم. تهذيب التهذيب ٤ : ٣٥٥ رقم ٧٠٠.

وقال الذهبي : ضعفوه. المغني في الضعفاء ٥٠٣ : ١ رقم ٢٨٤٥.

وفي ميزان الاعتدال قال : كوفي ضعيف. ميزان الاعتدال ٣٠٢ : ٢ رقم ٣٨٣١.

والعجيب ـ ومن الذهبي ليس بعجيب ما دام أن الأمر فيه كيد لآل محمد عليهم‌السلام ـ ان الذهبي رغم تضعيفه له وكلام القوم فيه فإنه أورد هذا الحديث في تلخيص المستدرك ٩٣ : ٣.

(١) ضعفه النسائي ، والجوزجاني ، والبخاري وترك حديثه ابن مهدي وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه تفسير ، وما أقل ما له من المسند ، وفي ذلك التفسير ما لم يتابعه عليه أهل التفسير ، ولم أعلم أحد من المتقدمين رضيه.

انظر : الجامع في العلل ومعرفة الرجال ٣٤ : ٢ رقم ٢٧٣ ، أحوال الرجال : ٦٣ رقم ٦٤ ، وميزان الاعتدال ٥٣٨ : ٤ رقم ١٠٣٠٢ ، وتهذيب التهذيب ٣٦٥ : ١ رقم ٧٧٠.

أما إن كان غيره فيوجد اسمان يرويان عن أبي هريرة ، واحد مضعف ، والآخر مجهول!.

٢٢٩

القلم لكثرة كذبه وافتضاح أمره. (١)

أما خبر الحاكم والبيهقي الثاني فهو مقدوح بشدة أيضاً ، ولا أقل لموضع ابن أبي أويس منه. (٢)

أما خبر مالك بن انس فأول ما يلحظ عليه الارسال الذي فيه ، وقد قال السيوطي في شرحه : وصله ابن عبد البر من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جدّه. (٣)

____________________

(١) يراجع في شأنه الكتب المختصة بأبي هريرة لا سيما كتاب شيخ المضيرة لأبي رية ، وأبو هريرة للمقدّس السيد عبد الحسين شرف الدين.

(٢) هذا هو إسماعيل بن أبي أويس قال عنه يحيى بن معين : ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث.

وقال النسائي : ضعيف. الضعفاء والمتروكين : ١٧ رقم ٤٢.

وأورده العقيلي في الضعفاء ونقل عن يحيى بن معين قوله : يسوى فلساً ، وقوله : وأبو اويس وابنه ضعيفان. الضعفاء ٨٧ : ١ رقم ١٠٠.

وقال ابن عدي : روى عن خاله مالك أحاديث غير انه لا يتابعه احد عليها. الكامل في ضعفاء الرجال ٣٢٣ : ١ رقم ١٥١.

ونقل أبو الوليد الباجي عن يحيى بن معين قوله : ضعيف العقل ، ليس بذاك ، ليس بشيء ، مخلط يكذب ليس بشيء.

وعن أبي حاتم قوله : مغفل. التعديل والتجريح ٣٧٠ : ١ رقم ٧١ لأبي الوليد الباجي (ت ٤٧٤ هـ) دار اللواء للتوزيع ـ الرياض ١٩٨٦ ط ١.

ونقل أبو الوفا الحلبي عن ابن الملقن قوله : أقرّ على نفسه بالوضع. الكشف الحثيث ٦٨ : ١ رقم ١٣٦ لأبي الوفا الحلبي الطرابلسي ؛ عالم الكتب ـ مكتبة النهضة العربية ـ بيروت ١٩٨٧ ط ١.

ونقل ابن الجوزي عن النضر بن سلمة المروزي قوله : كذاب. الضعفاء والمتروكين ١١٧ : ١ رقم ٣٩٥ لابن الجوزي ؛ دار الكتب العلمية ـ بيروت ١٤٠٦ ط ١.

ونقل الذهبي عن الدارقطني قوله : لا أختاره في الصحيح. من تكلم فيه : ٤٤ رقم ٣٣.

وقال ابن حجر : أخطأ في أحاديث من حفظه. تقريب التهذيب : ١٠٨ رقم ٤٦٠.

(٣) تنوير الحوالك شرح موطأ مالك ٢٠٨ : ١ رقم ١٥٩٤ للحافظ السيوطي ؛ المكتبة =

٢٣٠

وقد وجدناه في التمهيد مثل ما ذكر ، (١) ويكفينا في وهنه أن فيه مثل كثير بن عبد الله المقدوح به جداً ، (٢) وبذا يغدو كلام ابن عبد البر في التمهيد عن هذا الخبر إذ يقول : وهذا أيضاً محفوظ معروف مشهور عن النبي عند أهل العلم شهرة يكاد يستغنى بها عن الاسناد ، (٣) مجرد هراء لا قيمة له ،

____________________

= التجارية الكبرى ـ القاهرة ١٩٦٩.

(١) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ٣٢٨ : ٢٤ ابن عبد البر النمري (ت ٤٩٣ هـ) وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية ـ المغرب ١٣٨٧.

(٢) كثير بن عبد الله حسب وصف ابن عبد البر نفسه بأنّه مجمع على ضعفه لا يحتج بمثله. التمهيد ٢٣٧ : ٣.

وقال النسائي : متروك الحديث. الضعفاء والمتروكين : ٨١ رقم ٥٠٤.

ونقل ابن عدي عن ابن معين : حديثه ليس بشيء ولا يكتب ، ليس بشيء ، مدني ضعيف ، ثم قال : عامة ما يرويه لا يتابع عليه. الكامل في ضعفاء الرجال ٥٧ : ٦ رقم ١٥٩٩.

وقال العقيلي : كان كثير الخصومة ، ولم يكن أحداً من أصحابنا يأخذ عنه ، ونقل عن ابن عمران القاضي قوله له : يا كثير أنت رجل بطال مخاصم في ما لا نعرضه تدعي ما ليس لك .. فلا تقربني إلاّ أن تراني قد تفرغت لأهل البطالة ، ثم نقل كلاماً له يقرّ على نفسه بالبطالة. الضعفاء ٤ : ٤ رقم ١٥٥٥.

وقال ابن حبّان البستي في المجروحين : منكر الحديث جداً ، يروي عن أبيه ، عن جده نسخة موضوعة لا يحلّ ذكرها في الكتب ولا الرواية عنه. المجروحين ٢ : ٢٢١ رقم ٨٩٣.

وقال أبو نعيم بعد أن ادرجه في الضعفاء : ضعفه علي ويحيى. الضعفاء : ١٣٣ رقم ١٩٧. أقول : أراد بعلي ابن المديني.

وقال الذهبي في المغني : متروك ، ونقل عن أبي داود وصفه بالكذاب.

وعن الشافعي : من أركان الكذب.

وعن أبي حاتم : ليس بالمتين. المغني في الضعفاء ٢ : ٥٣١ رقم ٥٠٨٤.

وقال ابن حجر في التقريب : ضعيف. تقريب التهذيب : ٤٦ رقم ٥٦١٧.

(٣) التمهيد ٢٤ : ٣٣١ رقم ١٢.

٢٣١

كيف؟ وقد عزف عنه الغالبية العظمى من أهل العلم المعتمدين لدى أهل العامة كالبخاري ومسلم والنسائي وأحمد وابن ماجة والدارمي والطيالسي والطبراني والبزار وأبي يعلى وابن راهويه وابن شيرويه الديلمي وأبي داود وغيرهم الكثير ، وبعض هؤلاء من يحتاج إلى أدنى من ذلك بكثير كي يحرفه عن أهل بيت النبوة!!.

أما خبر أبي داود السجستاني والنسائي ففيه حاتم بن إسماعيل وفي روايته نظر. (١)

وخبر النسائي هذا رواه الحاكم النيسابوري بطريق آخر (٢) عن ابن أبي أويس وقد تقدم ذكره ، عن أبيه وقد تقدم ذكره مع ابنه ، عن ثور بن زيد الديلي ، عن عكرمة وقد تقدم ذكره ، عن ابن عباس.

ورواه ابن الجاورد النيسابوري (٣) والبيهقي (٤) باسناد ينتهي إلى حاتم بن إسماعيل ، وأمره كما ترى.

وكيفما يكن فإن جميع ما رووا في هذا الشأن مخالف لما رووه أنفسهم ، ناهيك عن غيرهم ، وهم جمع غفير يتجاوز عددهم حد التواتر ،

____________________

(١) لعدة أمور أهمها : أولاً : نقل الذهبي عن نفس النسائي قوله : ليس بالقوي. ميزان الاعتدال ٤٢٨ : ١ رقم ١٥٩٥.

ثانياً : ما نقله أبو حاتم عن أحمد قوله : زعموا أن حاتماً كان رجلاً فيه. غفلة. الجرح والتعديل ٢٥٨ : ٣.

ثالثاً : ما قاله علي بن المديني عن هذا الحديث : حديث يحيى بن سعيد بإرساله أثبت. التعديل والتجريح ٥٢٤ : ٢ ح ٢٨٤. الحديث ابن سعيد لا يوجد فيه هذا الخبر.

(٢) المستدرك ٩٣ : ١.

(٣) المنتقى : ١٢٥ رقم ٤٦٩ ابن الجارود النيسابوري ؛ مؤسسة الكتاب الثقافية ـ بيروت ١٩٨٨ ط ١.

(٤) سنن البيهقي الكبرى ٨ : ٥.

٢٣٢

وبأسانيد أصح ، من أن المتروك هم الكتاب والعترة ، وليس شيئاً آخر.

المحور الثاني : في القيمة المعنوية والموضوعية لما ذكروا ، وبغض النظر عن حقيقة أن هذه المعارضة مخالفة بوضوح لنص تم التسالم على تواتره وصحته ، (١) أقول : بعد غض النظر عن ذلك فهنا نلاحظ عدة أمور منها :

أ ـ لا خلاف في ان موضوع السنة من حيث المبدأ واجب الاتباع والتجليل لعقيدتنا الراسخة بأن ما قاله الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو قول الله سبحانه وتعالى ، وما فعله وما أمضاه هو عين التبليغ الإلهي باعتبار قوله تعالى : (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) ، ولكن هذا هو عنوان الكبرى من المسألة ، ومايهمنا هو وجوب تثبيت العنوان الصغروي من الموضوع ، وهو أي سنة هذه التي يجب اتباعها؟ فمن المعلوم أن المسلمين لم يختلفوا بشيء بقدر اختلافهم في تحديد المراد بهذه السنة وتحديد الطرق التي تؤمن لهم الوصول إلى هذه السنة ، وهم إن اختلفوا إلى فرق وجماعات فلأسباب من أهمها اختلافهم في السنة ، وقد انجر خلافهم هذا إلى حيرتهم في طبيعة المقصود بالسنة ومنابعها ، وضاعف نسبة الحيرة هذه أن عدد المرويات الرسولية لا تفي بأن تكون بحجم دين أخرج لكافة الناس في كل الأمكنة ولكل الأزمنة ،

____________________

(١) من حيث المبدأ فإننا لا نعتقد بوجود تعارض بين الخبرين إن كانت السنة تعني وجود جهة أمينة عليها وتكون هي موضع الحسم في حال اختلاف الناس حول الصادق منها ، وحول المصداق ، وهي بذا لن تكون متعارضة مع خبر الثقلين ، إذ ان هذه الجهة ستكون هي أهل البيت عليهم‌السلام ، ولكن القوم أنفسهم يعتقدون بوجود هذه المعارضة ، فهذا الآمدي ـ وهو من أئمة القوم ـ يقول بتمحل عجيب : لا نسلم أن المراد بالثقلين الكتاب والعترة! بل الكتاب والسنة على ما روي أنه قال : كتاب الله وسنتي! انظر : الاحكام ٣٠٨ : ١ لعلي بن محمد الآمدي (ت ٦٣١ هـ) دار الكتاب العربي ـ بيروت ١٤٠٤ ط ١.

أقول : لربك في خلقه شؤون!!

٢٣٣

وداهمهم منع الخلفاء المتعاقبين بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تدوين السنة إلى زمن عمر بن عبد العزيز ، ما عدا فترة خلافة الأمير (صلوات الله عليه) مما أحال الكثير منها إلى دائرة النسيان ، وفتح الكثير من بوابات الكذب على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يكن العامل السياسي بطبيعته هنا مغيّباً ، بل كان له الحضور الفاعل ، فعمل على تحديد طبيعة المروي وحجمه ، مما اضطر القوم إلى اعتماد اسلوبين لم يكن أحدهما أخطر على السنة من الآخر ، وهما :

الأول : توسعة حدود السنة لتشمل كل مرويات الصحابة ، وتدخل عمل الصحابي في إطارها ، مما أضاف إلى السنّة حدوداً جديدة تماهت معها الحدود الأصلية لها.

والثاني : إدخال طرق استنباط بشرية لتحديد التشريع ، وهو من مترتبات الأسلوب الأول ، وهكذا حظي أهل الإسلام بسنة جديدة لا علاقة لها في غالب الاحيان بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ومن الواضح إن مفاد الخبر يثير حقيقة أن الأمة لن تضل ، ولكن واقع الحال ينبؤنا بشيء مختلف تماماً.

ب ـ إن السنة الحقيقية في محتواها الحقيقي هي صورة شارحة للكتاب ، أو قل هي نموذج تطبيقي للكتاب ، وبالنتيجة فالتفريق بينها وبين الكتاب لا ينطوي على ضابطة موضوعية للتفريق ، بينما نحن بحاجة إلى ضابط جديد نوعي في هويته التكوينية ، وهو في مؤاده يفترض أن يؤدي نفس مؤدى الضابط القرآني الجديد الذي رأينا الوحي يحدده بعد تحديده للمنذر : (إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) (١) ، فالحاجة إلى جهة هدايةبعد وجود المنذر إنما هي تشخيص رباني ، وهذا التشخيص ليس من الاعتباط بمكان بحيث يمكن لأمة هذا المنذر أن تتخلى عنه ، ولو كانت السنة في الحدود التي

____________________

(١) الرعد : ٧.

٢٣٤

يفقهها أصحاب الخبر هي المطلوبة بعد الكتاب ، كان من الأولى بالقرآن أن لا يقرن مع المنذر جهة أخرى. فتأمل!!

ج ـ من الواضح ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يتمكن من بث كل ما لديه من أفكار وتشريعات لعامة المسلمين ، ومن الواضح أيضاً أن المسلمين كانوا في أغلب الأحوال بعيدين علمياً وعملياً عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، مرة بسبب انشغال الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحروب وسائر مشكلات العمل التبليغي الذي ينوء بحمله (بأبي وأمي) ، وأخرى بسبب ضعف إداركاتهم العقلية والعلمية ، وثالثة بسبب انشغالهم بتصاريف الحياة ومشاغلها (١) ، ورابعة بسبب عدم وجودهم ، فغالبيتهم إنما جاؤوا بعيد فتح مكة ، أي في السنتين الأخيرتين من حياة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخامسة بسبب بعد الكثيرين منهم مكانياً عنه (صلوات الله عليه وآله) ، وعليه فإن التشريع من وجهة النظر العملية سيكون منحصراً بعدد هو الأقل من بين جموع المسلمين ، وبكلمة أخرى إنما قامت الحجة على بقية المسلمين من خلال نزر قليل من المسلمين ، فإنْ أمرنا باتباع السنة ، فالمطلوب اتباع هؤلاء لا سواهم ، فهم التركة التي خلفها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أيديهم من بعده ، وعندئذ فإن مقتضيات مرويات القوم تؤكد ضرورة أن يلي أمر القوم أمثال أبي هريرة الدوسي لكثرة ما رووا له ، فبعد ان كذّبه عمر واتهمه بالرواية ومنعه منها ، راح يتحدّث عن علمه حتى انه كان يعيّر سائر المسلمين بأنه كان متفرغاً لأمر الحديث وهم لاهون عنه ، فتسمعه (٢) يقول :

____________________

(١) يقول ابن حزم في مبحث حجية خبر الواحد : إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بالمدينة وأصحابه رضي‌الله‌عنهم مشاغيل في المعاش وتعذر القوت عليهم لجهد العيش بالحجاز ، وانه عليه‌السلام كان يفتي بالفتيا ويحكم بحضرة من حضره من أصحابه فقط ، وإن الحجة إنما قامت على سائر من لم يحضره بنقل من حضره ، وهم واحد واثنان.

الإحكام ١٠٨ : ١ لابن حزم الظاهري الأندلسي (ت ٤٥٦ هـ) دار الحديث ـ القاهرة ١٤٠٤ ط ١.

(٢) هنا تسمع من أبي هريرة قصة لا ترويها حتى العجائز ، ولكن القوم رووها وعوّلوا =

٢٣٥

يقولون : إن أبا هريرة يكثر الحديث والله الموعد ، ويقولون : ما للمهاجرين والأنصار لا يحدّثون مثل أحاديثه ، وإن اخوتي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق ، وإن اخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل اموالهم ، وكنت امرأً مسكيناً ألزم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على ملء بطني ، فأحضر حين يغيبون ، وأعي حين ينسون ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوماً : لن يبسط أحد منكم ثوبه حتى أقضي مقالتي هذه ، ثم يجمعه إلى صدره فينسى من مقالتي شيئاً أبداً ، فبسطت نمرة ليس عليّ ثوب غيرها حتى قضى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقالته ، ثم جمعتها إلى صدري ، فوالذي بعثه بالحق ما نسيت من مقالته تلك إلى يومي هذا!!. (١)

بل عليهم أن يولوا أمرهم عائشة التي رووا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله بحقها : خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء! (٢)

بل إن من أبعد ما ينبغي أن يبعدوا الأمر عنه سيكون عمر الذي طالما فوجىء بأمر من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يعلمه فيجادل فيه ثم يتبين له العكس وفق مرويات القوم من السنة ، كما حصل في قصصه مع أبي واقد الليثي وأبي

____________________

= عليها في التمجيد بأبي هريرة في صحاحهم كالبخاري ومسلم وغيره ، وهو هنا كما هو منطوق الخبر يعمد إلى تصوير فهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للعلم وكأنه مادة ما إن يبسط أحدهم لها ثوبه حتى يستطيع أن يحمل العلم ولا ينساه ، ولعمري إن كان هذا الثوب ـ الاجانة! موجوداً لم اختص بأبي هريرة ولم يختص بغيره من الصحابة ، وفيهم من هو أكثر ملازمة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أبي هريرة! وفيهم من هو أقدم منه في الإسلام ، وإن كان الامر بهذه الطريقة من الافتراء على سنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإني لا أدري لِمَ لمْ يعطوا هذا العلم لبعض الشخصيات التي بوؤها مقام العلماء وليست من العلم بمكان!! وعلى أي حال فإن صدق ـ وهو ليس بذاك ـ فلم منعه عمر من الرواية واتهمه!! ولمَ كان الناس يكذّبون أبا هريرة؟!

(١)كتاب البخاري المسمّى بالصحيح ٧٤ : ٣ ، محمد بن إسماعيل البخاري ؛ دار الكتب العلمية ـ بيروت ، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول.

(٢) التعريفات : ٨٣ للشريف الجرجاني (ت ٨١٦ هـ) دار الكتاب العربي ـ بيروت ١٤٠٥ ط ١.

٢٣٦

موسى الأشعري وأبي عن كعب وعمرو بن أمية وأمثالهم فيقول : ألهاني الصفق بالأسواق!. (١)

د ـ لو كان الأمر متعلقاً بالسنة النبوية بهذه الشاكلة ، فإنه ولا شك سيكون وبالاً على القوم دون سواهم ، فهم أبطال قصة منع تدوين السنة ، وهم أبطال قصة : حسبنا كتاب الله!! وهما بلا أدنى ريب وشك من العوامل المهمة جداً في تحجيم دور السنة النبوية الشريفة في حياة المجتمع الإسلامي وقبر الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تذهب خضرته بعد!! وهما بلا أدنى ريب وشك من العوامل الأساسية في تحديد حجم هذه السنة ، ومن ثم بث عوامل التفرقة والاختلاف بسبب عملية التحديد هذه!! وهما بلا أي مرية من العوامل الأساسية التي أباحت للحكام والسلاطين الذي تعاقبوا على حكم المجتمع الإسلامي الفضاء على حجم كبير منها ، بسبب تعارضه مع مصالحهم وصراعاتهم!! وإبدالها بما يرتضي مقومات هذه المصالح!!

فالمعروف أن أبا بكر كان قد منع تدوين السنة وأحرقها وسار من بعده على نهجه عمر بن الخطاب وعثمان ، ثم تعاقب بنو أمية على ذلك ، ورووا لتمرير هذه السياسة جملة من الأحاديث عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تنهى عن تدوين الحديث ، فلقد روى أحمد عن أبي هريرة ، والهيثمي عن أبي سعيد ، واللفظ لأحمد قال : كنا قعوداً نكتب ما نسمع من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فخرج علينا فقال : ما هذا تكتبون؟ فقلنا : ما نسمع منك ، فقال : أكتاب مع كتاب الله؟ فقلنا : ما نسمع ، فقال : اكتبوا كتاب الله ، امحضوا كتاب الله ، أكتاب غير كتاب الله؟ امحضوا كتاب الله أو أخلصوه ، قال : فجمعنا ما كتبنا في صعيد واحد ثم

____________________

(١) انظر قصته مع عمرو في مجمع الزوائد ٣٢٤ : ٤ ، ومع أبي واقد الليثي في نيل الأوطار ٣٦٦ : ٣ ، ومع أبي بن كعب في مصنف عبد الرزاق ٤٦٦ : ٤ ، ومع أبي موسى في شرح الزرقاني ٤٦٦ : ٤.

٢٣٧

أحرقناه (١) بالنار. (٢)

وتحدّث جمع كبير منهم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لا تكتبوا عني إلاّ القرآن ، فمن كتب عني غير القرآن فليمحه!. (٣)

وهذه السياسة سرعان ما تحولت إلى فعل بيد الحكام فهذه عائشة تحدّث عن أبيها : جمع أبي الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكان خمسمائة حديث ، فبات ليلته يتقلّب كثيراً! فلما أصبح قال : أي بنية : هلمي الأحاديث التي عندك فجئته بها ، فدعا بنار وأحرقها. (٤)

أما عمر فلم يكتف بذلك فحسب بل عمد إلى منع وتحجيم الرواية عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! كيف لا؟ وهو رائد مذهب : حسبنا كتاب الله! وقد ذكر انه خطب فقال : أيها الناس بلغني انه قد ظهرت في أيديكم كتب فأحبّها إلى الله أعدلها وأقومها ، فلا يبقين أحد عنده كتاب إلاّ أتاني به ، فأرى رأيي به ، فظن الناس الذين كتبوا عن رسول الله انه يريد أن ينظر بها ، فأتوه بكتبهم ، فجمعها وأحرقها (٥) وقال : أمنية كأمنية أهل الكتاب ، ثم كتب إلى الأمصار :

____________________

(١) يفترض ان عمل الرجل محرم عند العامة ، ففي الأحاديث من الآيات الكريمة وألفاظ الجلالة الشيء الكثير ، فهل غاب عنه وعن فقيهة القوم ابنته ذلك؟ سلوهم فلعلهم لا يعلمون بأن عليهم اصدار فتوىً جديدة ، ففي جعبتهم ما يمكنهم من ذلك!!

(٢) مسند أحمد ١٢ : ٣ ، مجمع الزوائد ١٥٠ : ١ ـ ١٥١. ولعل تصحيفاً قد وقع في المسند فلقد وجدنا الحديث في مسند أبي سعيد الخدري منه.

(٣) مسند أحمد ١٢ : ٣ ، ومجمع الزوائد ١٥١ : ١ ، وسنن الدارمي ١٣٠ : ١.

أقول : للقوم في هذا الشأن أحاديث كثيرة ينقض بعضها بعضاً ، يمكن ملاحظة بعضها في كتاب المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي : ٤٠٤ ـ ٤٠٩ وانظر نقيضها في نفس الكتاب : ٤١١ فما بعد.

(٤) تذكره الحفاظ ٥ : ١ ، والرياض النضرة ١٤٤ : ٢.

(٥) ألا ترى ان السنة لا تبيح له التصرف بأموال وممتلكات غيره؟!!

٢٣٨

من كان عنده من السنّة شيء فليتلفه. (١)

وبعد الحرق بعث إلى ابن مسعود وأبي مسعود الأنصاري وأبي الدرداء فقال : ما هذا الحديث الذي تكثرون عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم فحبسهم بالمدينة حتى استشهد. (٢)

وكان يطلب من الصحابة حال سفرهم أن لا يحدّثوا أحداً بحديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإذا حدّثوا فليقلّوا ، فحينما سيّر بعضهم إلى العراق وكان منهم قرظة بن كعب قال لهم وفق ما يرويه الذهبي : إنكم تأتون أهل قرية لهم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدّوهم بالأحاديث ، فتشغلوهم! جردوا لقرآن وأقلّوا الرواية عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنا شريككم ، فلما قدم قرظة بن كعب قالوا : حدّثنا ، فقال : نهانا عمر!. (٣)

ولعمري من منع رسول الله (بأبي وأمي) من الكتابة بعد أن طلب منهم ذلك ، والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما يزل بعد حياً! وفي وقت كانت الحاجة فيه في أعلى ذروتها لأن يأخذوا من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كل ما أمكنهم في متبقى عمره الشريف ، وأي حاجة أمسّ من أن يأخذوا ما يكتب لهم رسولهم وهو في أواخر لحظات حياته المقدّسة؟! أقول : من منع مثل الرسول ولم يكن قد تسيّد بعد ، كيف يمكن له أن يفعل لو تسيّد وحمل الدرة بين يديه يضرب فلا يردّ عليه ، وينهى فلا يجرؤ أحد على صده ومنعه؟! (٤)

____________________

(١) تدوين السنة : ٥٠ لإبراهيم فوزي ؛ دار رياض الريس للكتب والنشر ـ لندن ١٩٩٥ ط ٢.

(٢) مجمع الزوائد ١٤٩ : ١.

(٣) تذكرة الحفاظ ٧ : ١.

(٤) علل القوم نهي عمر ومن سبقه عن الكتابة رغم التصريح الواضح من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للصحابة بأن يكتبوا بأنهما كانا حريصين على حفظ القرآن وكي لا تنشغل الناس بالحديث وتنسى القرآن وأمثال ذلك من الأعذار! وكأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان غافلاً عن القرآن حينما قيل له : إنا نسمع منك أشياء أفنكتبها؟ فقال : اكتبوا ولا حرج!! =

٢٣٩

لو كان خبرهم صحيحاً فإين سيضعون قول عمر يوم رزية الخميس : حسبنا كتاب الله ، ناهياً أن يفسحوا المجال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يكتب الكتاب الذي وعدهم إن تمسكوا به لن يضلوا من بعده أبداً؟! (١)

وأين سيضعون قول أبي بكر الذي قاله حال جمع الناس بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مباشرة على ما يحكيه ابن أبي مليكة : إنكم تتحدثون عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافاً ، فلا تحدّثوا عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئاً فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب الله فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه؟! (٢)

وهكذا غدت السنة هي المفرقة للناس ، وهي المشتتة لجمعهم! فإن قالوا بصحة خبر : (الكتاب والسنة) هذا ، فلقد أضرّوا ـ بإقرارهم ـ بدينهم كثيراً ، وأساؤوا لتركة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم!!

وهكذا لا نجد من الناحية السندية والناحية المعنوية في هذا الخبر ما يتقوون به على معارضة حديث الثقلين ، ولعل معرفتهم بذلك هو الذي دفع بأغلب رواتهم ومحدّثيهم للاغماض عنه!.

____________________

= المعجم الكبير للطبراني ٢٧٦ : ٤ رقم ٤٤١٠ ، ومجمع الزوائد للهيثمي ١٥١ : ١ ، وناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين : ٤٧٠ رقم ٦٢٦.

بل إن الوحي الإلهي الذي بدأ نزوله بحديثه عن القراءة إنما تكون لمكتوب! وانتهى بقول النبي في أواخر لحظات حياته : آتوني بدواة وكتف أكتب! لكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً ، قد نسي ما برر به عمر وصاحبه المنع من الكتابة!

لعمري أي فكر في عقول هؤلاء القوم؟! وأي احترام للسنة في أذهانهم؟!

(١) تقدم تخريج الخبر من صحاح القوم كالبخاري ومسلم وأحمد والنسائي وغيرهم كثير.

(٢) تذكرة الحفاظ ٢ : ١ ـ ٣.

٢٤٠