مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٠

فأعطي طلب غير الذي سأل وصغرت النعمة في عينه فلا يشبع من شيء وإذا كثرت النعم كان المسلم من ذلك على خطر للحقوق التي تجب عليه وما يخاف من الفتنة فيها أخبرني عنك لو أني قلت لك قولا أكنت تثق به مني فقلت له جعلت فداك إذا لم أثق بقولك فبمن أثق وأنت حجة الله على خلقه قال فكن بالله أوثق ـ فإنك على موعد من الله أليس الله عز وجل يقول : « وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ » وقال : « لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ » وقال :

______________________________________________________

وقوله : « إن صاحب النعمة » ، إشارة إلى عدم الاهتمام في الدعاء على العدو وقوله إن صاحب النعمة إشارة إلى وجه سابع من وجوه تأخيره الإجابة وإن تعجيلها يصير سببا لزيادة الحرص على الدنيا وصغر النعمة عنده وهما من أسوإ مأثم الأخلاق.

وقوله عليه‌السلام : « إذا كثرت النعم » إشارة إلى وجه ثامن لأن كثرة المال والجاه تصير سببا لوجوب حقوق كثيرة من الله ومن الخلق وهو على خطر عظيم في ترك تلك الحقوق والتقصير ، فيمكن أن يفتتن بحسب الدنيا ويصير مقصرا في أداء الحقوق فيصير قرين قارون.

« وما يخاف » على بناء المجهول أظهر وضمير فيها راجع إلى الحقوق ، وقيل : الواو في قوله : وما يخاف للتقسيم أي هو مردد بين أمرين إما أن لا يؤدي الحقوق فيعاقب بذلك ، أو يؤديها فيبتلى بالعجب ولا يخلو من بعد.

« فإنك على أعلى موعد من الله » أي أنت وأمثالك من الشيعة ، ولذا قال سبحانه « إِذا دَعانِ » فإن المخالفين لم يعرفوا الله فلا يدعون الله ، وقد مر في كتاب التوحيد : إنما عرف الله من عرفه بالله فمن لم يعرفه به فليس يعرفه إنما يعرف غيره ، وقد ورد أيضا في الخبر إنما تدعون من لا تعرفون.

« لا تَقْنَطُوا » في الزمر : « يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ

٨١

« وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً » فكن بالله عز وجل أوثق منك بغيره ولا تجعلوا في أنفسكم إلا خيرا فإنه مغفور لكم.

٢ ـ عنه ، عن أحمد ، عن علي بن الحكم ، عن منصور الصيقل قال قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام ربما دعا الرجل بالدعاء فاستجيب له ثم أخر ذلك إلى حين

______________________________________________________

رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً » (١) وقد روى علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال : أنزل الله هذه الآية في شيعة ولد فاطمة خاصة ، فإذا لم يستجب لهم في الدنيا ينبغي أن لا يقنطوا من رحمة الله في الآخرة لأنه وعدهم غفران الذنوب في الآخرة ، فإذا لم يقض حوائجهم في الدنيا ينبغي أن لا ييأسوا ولا يقنطوا ويرجوا العوض في العقبى ، وقال في سورة البقرة : ( الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ ) (٢).

فإذا عرفت حقارة الدنيا وقد وعدك الله المغفرة والفضل اللذين هما أعظم منها فلا تبال بعدم حصول مقصودك في الدنيا ، واعلم أن عدم قضاء حاجتك في الدنيا لعلمه بأنه ليس صلاحك في قضائها فلا تقنط من رحمة الله ولا تظن به إلا خيرا ولا تشك في أن الله سبحانه ينجز وعده وإن لم يظهر لك في الدنيا أثره.

وفي هذا الخبر فوائد كثيرة وحقائق غزيرة لمن نظر فيها بعين اليقين.

الحديث الثاني : مجهول.

وفي القاموس : صقله جلاء فهو مصقول وصقيل ، والصيقل : شحاذة السيوف وجلاؤها « ربما دعا الرجل » فيه تقدير استفهام وثم للتعجب. وكان المراد بالاستجابة هنا تقديرها ، وذلك إشارة إلى حصولها وظهور أثرها ، وقيل ، إشارة إلى الإجابة المفهومة من الاستجابة ولا يظهر الفرق بينهما في اللغة.

قال الجوهري : الإجابة والاستجابة بمعنى ، يقال : استجاب الله دعاءه ، وقال الكرماني في شرح البخاري : في قوله : من يدعوني فاستجيب ، السين ليست للطلب بل

__________________

(١) الزمر : ٥٣.

(٢) البقرة : ٢٦٨.

٨٢

قال فقال نعم قلت ولم ذاك ليزداد من الدعاء قال نعم.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن إسحاق بن أبي هلال المدائني ، عن حديد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن العبد ليدعو فيقول الله عز وجل للملكين قد استجبت له ولكن احبسوه بحاجته فإني أحب أن أسمع صوته وإن العبد ليدعو فيقول الله تبارك وتعالى عجلوا له حاجته فإني أبغض صوته.

٤ ـ ابن أبي عمير ، عن سليمان صاحب السابري ، عن إسحاق بن عمار قال

______________________________________________________

بمعنى أجيب ليزداد بتقدير الاستفهام والازدياد لازم ، فقوله : من الدعاء في مقام التميز كقولهم : عز من قائل. وقد قال تعالى : ( لِيَزْدادُوا إِثْماً ) (١) وقيل : من للسببية ، أي ليزيد قدرهم ومنزلتهم بسبب الدعاء.

الحديث الثالث : كالسابق.

« فيقول الله عز وجل للملكين » أي الكاتبين للأعمال ، أو لملكين آخرين موكلين بذلك ، وقيل هما الملكان اللذان مضى ذكرهما في باب فضل اليقين ، حيث قال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام لسعيد بن قيس : إنه ليس من عبد إلا وله من الله عز وجل حافظ وواقية معه ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر ، فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كل شيء.

وضمير الجمع في احبسوا وعجلوا إشارة إلى أن في كل يوم وكل ليلة ملكان موكلان غير الموكلين في اليوم السابق والليلة السابقة من زمان الحبس والتعجيل ، والخطاب لكل ملك بلفظ المفرد نظير قوله تعالى : يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ » (١) مع أن الخطاب إلى كل رسول في زمانه بلفظ المفرد.

« احبسوه بحاجته » أي احبسوه في الدعاء بسبب حاجته أو تأخير إجابتها.

الحديث الرابع : كالسابق.

__________________

(١) آل عمران : ١٧٨.

٨٣

قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام قال يستجاب للرجل الدعاء ثم يؤخر قال نعم عشرين سنة.

٥ ـ ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان بين قول الله عز وجل : « قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما » وبين أخذ فرعون أربعين عاما.

٦ ـ ابن أبي عمير ، عن إبراهيم بن عبد الحميد ، عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن المؤمن ليدعو فيؤخر إجابته إلى يوم الجمعة.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن غير واحد من أصحابنا قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن العبد الولي لله يدعو الله عز وجل في الأمر ينوبه فيقول للملك الموكل به اقض لعبدي حاجته ولا تعجلها فإني أشتهي أن أسمع نداءه وصوته وإن العبد العدو لله ليدعو الله عز وجل في الأمر ينوبه فيقال للملك الموكل به اقض لعبدي حاجته وعجلها فإني أكره أن أسمع نداءه وصوته.

قال فيقول الناس ما أعطي هذا إلا لكرامته ولا منع هذا إلا لهوانه.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن هشام بن

______________________________________________________

ويستجاب بتقدير الاستفهام وعدم ذكر الزائد عن لعشرين لندرته.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

الحديث السادس : حسن موثق.

« إلى يوم الجمعة » ليخصه بفضل الدعاء يوم الجمعة ويضاعف له فيه.

الحديث السابع : مرسل كالحسن.

وقال الجوهري : نابه أمر وانتابه أي أصابه والنائبة المصيبة واحدة نوائب الدهر قوله : وعجلها أي قد يكون التعجيل لذلك ، فلا يعجب المرء بتعجيل ظهور أثر دعائه ولا يقنط من تأخيره وإلا فكثيرا ما يظهر أثر دعاء الأنبياء والأوصياء والأولياء من غير تأخير لظهور كرامتهم ولكونه معجزا لهم.

الحديث الثامن : صحيح وقد مر مضمونه.

٨٤

سالم ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا يزال المؤمن بخير ورجاء رحمة من الله عز وجل ما لم يستعجل فيقنط ويترك الدعاء قلت له كيف يستعجل قال يقول قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة.

٩ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن إسحاق بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن المؤمن ليدعو الله عز وجل في حاجته فيقول الله عز وجل أخروا إجابته شوقا إلى صوته ودعائه فإذا كان يوم القيامة

______________________________________________________

والحاصل أنه ينبغي أن لا يفتر عن الدعاء لبطء الإجابة فإنه إما أن يكون التأخير لعدم المصلحة في هذا الوقت فسيعطى ذلك في وقت متأخر في الدنيا أو سوف يعطى عوضه في الآخرة ، وعلى التقديرين فهو في خير لأنه مشغول بالدعاء الذي هو أعظم العبادات ويترتب عليه أجزل المثوبات ، ورجاء رحمة في الدنيا والآخرة وهذا أيضا من أشرف الحالات.

الحديث التاسع : مجهول بل حسن ، لأن الشيخ قال في سعدان له أصل.

و « شوقا » مفعول له لقوله فيقول وضمير « أنه » للشأن أو راجع إلى المؤمن ، ومن في قوله « مما » للسببية ، وفي قوله : من حسن ، للبيان ، وقيل : الشوق إنما يتعلق بشيء أدرك من وجه ولم يدرك من وجه آخر ، فإن غير المدرك أصلا ، والمدرك من جميع الوجوه لا يتصور الشوق إليه فإن من غاب عنه محبوبة وبقي عنده خياله يشتاق إليه وكذا لو رآه لم يتصور أن يشتاق إليه إلا أن يراه من وجه دون وجه ، كان يرى وجهه دون شعره ويراه في ظلمة ، فإنه حينئذ يشتاق إلى استكمال رؤيته بإشراق الضوء عليه ، ففي كل مشتاق جهتان جهة إدراك وجهة جهل فالشوق نقص وهو ممتنع عليه سبحانه. وأجيب بأن الشوق يستلزم المحبة وإذا نسب إليه سبحانه يراد به ذلك اللازم.

وأقول : المحبة أيضا فيه عز وجل مجاز وحاصله أنه سبحانه يعلم صلاح العبد في تأخير الإجابة وكثرة الدعاء فيؤخرها ليكثر دعاءه ويثيبه على ذلك ، فما

٨٥

قال الله عز وجل عبدي دعوتني فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا ودعوتني في كذا وكذا فأخرت إجابتك وثوابك كذا وكذا قال فيتمنى المؤمن أنه لم يستجب له دعوة في الدنيا مما يرى من حسن الثواب.

(باب)

(الصلاة على النبي محمد وأهل بيته عليهم‌السلام)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن

______________________________________________________

ذكره القائل قياس للغائب على الشاهد ، مع أن ما ذكره في الشاهد أيضا ممنوع.

قوله عليه‌السلام : « فيتمنى المؤمن » قيل : إن قلت عدم ظفر المتمني بما تمناه ألم ولا ألم في الجنة. قلت : لا نسلم أن ذلك ألم ولو سلم فقد وقع هذا الألم في يوم القيامة على أنه ألم لمن لم ينل ثواب ذلك ولعله بتمنيه ذلك ينال ثوابه أيضا.

باب الصلاة على محمد وأهل بيته

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

وآل النبي عند الإمامية عترته الطاهرة وأصحاب العصمة ولا وجه لتخصيص الشهيد الثاني (ره) ، أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام ، وللعامة فيه اختلاف كثير ، فقيل : آله أمته ، وقيل : عشيرته ، وقيل : من حرم عليه أخذ الزكاة من بني هاشم وبني عبد المطلب ، وقد بينا معنى الآل فيما سبق ، والسر في حجب الدعاء بدون الصلاة أمور :

الأول : أن العبد إذا ضم الصلاة مع دعائه وعرض بالمجموع على الله سبحانه والصلاة غير محجوبة فالدعاء أيضا غير محجوب لأن الله تعالى كريم يستحيي أن يقبل جزء المفروض (١) ويرد الجزء الآخر ، وقد قرر سبحانه هذا بين عباده أيضا فإن من اشترى أمتعة مختلفة بصفقة واحدة وكان بعضها معيبا يجب عليه إما أن يقبل الجميع أو يرد الجميع ، ولا يجوز أن يرد المعيب فقط وكان هذا أحد أسرار الجماعة

__________________

(١) هكذا في النسخ ، والظاهر « المعروض ».

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

في الصلاة والاجتماع في الدعاء.

الثاني : أن من كانت له حاجة إلى سلطان فمن آدابه المقررة في العقول والعادات أن يهدي تحفا إلى المقربين لديه والمكرمين عليه لكي يشفعوا له عنده بل لو لم يشفعوا أيضا وعلم السلطان ذلك يقضي حاجته ، وبعبارة أخرى من أحبه السلطان وأكرمه ورفع منزلته يجب أن يكرمه الناس ويثنوا عليه فإذا فعل استحق العطاء من السلطان ، وإذا لم يظهر ذلك منه استحق الحرمان.

الثالث : أن الصلاة عليه وآله يصير سببا لتكفير السيئات المانعة عن قبول الدعوات.

الرابع : أن حبهم وولاءهم والإقرار بفضلهم من أعظم أركان الإيمان فبالصلاة عليهم والتوسل به يكمل الإيمان ، ولا ريب أن كمال الإيمان يوجب مزيد القرب من الرحمن وتوفير الفضل والإحسان كما أن الثناء على الله سبحانه يقدم على الدعاء لذلك بالجنان واللسان.

الخامس : أن المقصود من إيجاد الثقلين وسائر الموجودات والقابل من فيوض الفائضة من بدو الإيجاد إلى ما لا يتناهى من الأزمنة والأوقات هو رسول الله وأهل بيته عليهم أفضل الصلوات ، فلهم الشفاعة الكبرى في هذه النشأة والنشأة الأخرى وبواسطتهم تفيض الرحمات على جميع الورى ، إذ لا بخل في المبدأ وإنما النقص من القابل وهم القابلون لجميع الفيوض القدسية والرحمات الإلهية فإذا أفيض عليهم فبتطفلهم يفيض على سائر الموجودات ، فإذا أراد الداعي استجلاب رحمة من الله سبحانه يصلي عليهم ولا يرد هذا الدعاء لأن المبدأ فياض والمحل قابل وببركتهم يفيض على الداعي بل على جميع الخلق ، كما إذا جاء أعرابي أو كردي غير مستأهل لشيء من الإكرام إلى باب سلطان نافذ حكمه الأنام ، فأمر له ببسط الموائد واختصه بأنواع العوائد نسبه العقلاء إلى قلة العقل وسخافة الرأي بخلاف

٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ما إذا أمر بذلك لأحد من مقربي حضرته وأمراء جنده أو لرسول أحد من سلاطين عصره فحضر هذا الأعرابي أو الكردي تلك المائدة فأكل منها يكون مستحسنا بل لو منع منها يكون مستقبحا بظاهر النظر.

السادس : أنهم صلوات الله عليهم وسائط بيننا وبين ربنا تقدس وتعالى في إيصال الحكم والأحكام منه إلينا لعدم ارتباطنا بساحة جبروته وبعدنا عن حريم ملكوته فلا بد أن يكون بيننا وبين ربنا سفراء وحجب ذوو جهات قدسية وحالات بشرية يكون لهم بالجهات الأول ارتباط بالجناب الأعلى يأخذون عنه ويكون لهم بالجهات الثانية مناسبة للخلق يلقون إليهم ما أخذوا من ربهم.

ولذا جعل الله سفراءه وأنبياءه وظاهرا من نوع البشر وباطنا مباينين عنهم في أطوارهم وأخلاقهم ونفوسهم وقابلياتهم فهم مقدسون روحانيون قائلون : « إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ » لئلا ينفر عنهم أمتهم وليقبلوا منهم ويأنسوا بهم. فكذلك في إفاضة سائر الفيوض والكمالات هم وسائط بين ربهم وبين سائر الموجودات فكل فيض وجود يبتدأ بهم صلوات الله عليهم ثم ينقسم على سائر الخلق ، فالصلوات عليهم استجلاب للرحمة من معدنها وللفيوض إلى مقسمها لتنقسم على سائر البرايا بحسب استعداداتها وقابلياتها.

وقد بسطنا الكلام في ذلك في كتاب عين الحياة والفرائد الطريفة.

وقال في النهاية : الصلاة أصلها في اللغة الدعاء فسميت العبادة المخصوصة ببعض أجزائها ، وقيل : إن أصلها في اللغة التعظيم ، وسميت العبادة المخصوصة صلاة لما فيها من تعظيم الرب تعالى ، فأما قولنا : اللهم صل على محمد فمعناه عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وإبقاء شريعته ، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره ومثوبته. وقيل : المعنى لما أمر الله سبحانه بالصلاة عليه ولم تبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه على الله تعالى وقلنا : اللهم صل أنت على محمد لأنك أعلم بما يليق

٨٨

أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا يزال الدعاء محجوبا حتى يصلى على محمد وآل محمد.

______________________________________________________

به ، انتهى.

والمشهور أن الصلاة من الله سبحانه الرحمة ومن الملائكة الاستغفار ومن العبد الدعاء ، وقال صاحب الوافي : معنى صلاة الله على نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إفاضة أنواع الكرامات ولطائف النعم عليه.

وأما صلاتنا عليه وصلاة الملائكة عليه فهو سؤال وابتهال في طلب تلك الكرامة ورغبة في إفاضتها عليه ، وأما استدعاؤه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الصلاة من أمته فلأمور :

منها : أن الدعاء مؤثر في استدرار فضل الله ونعمته ورحمته وما وعد الرسول من الحوض والشفاعة والوسيلة وغير ذلك من المقامات المحمودة غير محمودة على وجه لا يتصور الزيادة فيها والاستمداد من الأدعية استزادة لتلك الكرامات.

ومنها : ارتياحه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم به كما قال : إني أباهي بكم الأمم يوم القيامة.

ومنها : الشفقة على الأمة بتحريصهم على ما هو حسنة في حقهم وقربة لهم وأما مضاعفة الله صلواته على المصلي عليه بسبب صلاته عليه ، فلان الصلاة عليه ليست حسنة واحدة بل هي حسنات متعددة إذ هي تجديد الإيمان بالله أو لا ثم بالرسول ثانيا ثم التعظيم له ثالثا ثم العناية بطلب الكرامات له رابعا ثم تجديد الإيمان باليوم الآخر وأنواع كراماته خامسا ثم تذكر ذلك سادسا ، ثم تعظيم القرب سابعا ، ثم الابتهال والتضرع في الدعاء ثامنا ، والدعاء مخ العبادة ، ثم الاعتراف بأن الأمر كله لله ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن جل قدره فهو عبد له محتاج إلى فضله ورحمته وإلى مدد أمته ، وأنه ليس له من الأمر شيء تاسعا ، ثم جميع ذلك في شأن أهل بيته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن ضمهم معه عاشرا.

فهذه عشر حسنات سوى ما ورد به الشرع أن الحسنة الواحدة بعشر أمثالها والسيئة بمثلها.

٨٩

٢ ـ عنه ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من دعا ولم يذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رفرف الدعاء على رأسه فإذا ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله رفع الدعاء.

٣ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان ، عن أبي أسامة زيد الشحام ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن رجلا أتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله

______________________________________________________

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

« ولم يذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم » أي قولا ، وشموله للذكر القلبي بعيد ، وقال الجوهري : رفرف الطائر : إذا حرك جناحيه حول الشيء يريد أن يقع عليه انتهى.

وأستعير هنا لانفصال الدعاء عن الداعي وعدم وصوله إلى محل الاستجابة.

الحديث الثالث : صحيح.

« أجعل » بصيغة المتكلم وحده ، واللام للاختصاص أو الملكية ، وهذا الخبر مع قطع النظر عن الخبر الآتي يحتمل وجوها :

الأول : ما سيأتي في الخبر ، فإذا جعل ثلث صلواته له ، معناه أنه يجعل المقصود بالذات في ثلث دعواته الدعاء للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والصلاة عليه ، فكأنه جعل ثلث دعواته له ، فإنه جعل الدعاء له مقدما ثم أتبعه بالدعاء لنفسه فكأنه جعل ثلث صلاته له ، وكذا النصف والكل.

الثاني : أن يكون المعنى أجعل ثلث دعواتي الصلاة عليك أو نصفها أو كلها بمعنى أنه لا يدعو لنفسه وكلما أراد أن يدعو لحاجته يترك ذلك ويصلي بدله على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

الثالث : ما قيل : أن المراد بالاختصاص هنا الاتصال والمراد بالصلاة الثناء على نفسه بالدعاء واتصال نصف الدعاء بالرسول عبارة عن أن يصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويدعو بعده ثلاث دعوات لنفسه والنصف أن يدعو بعد الصلاة عليه دعائين لنفسه ، والكل أن يدعو بعد كل صلاة إلا دعاء واحدا لنفسه.

٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

والقرينة على إرادة هذا المعنى أنه قال في الثاني نصف صلواتي ولم يقل ثلثي صلواتي لأنه يحصل الكسر حينئذ أو الاختلاف بأن يدعو بعد صلاة دعاء واحدا وبعد أخرى دعائين.

ولا يخفى ما فيه من التكلف مع أنه يرجع إلى ما ذكرنا أولا ولا تكلف فيه.

ثم اعلم أنه روي في المصباح والمشكاة نقلا عن الترمذي بإسناده عن أبي بن كعب قال : قلت : يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي؟ فقال : ما شئت ، قلت : الربع؟ قال : ما شئت فإن زدت فهو خير لك. قلت : النصف؟ قال : ما شئت فإن زدت فهو خير لك ، قلت : فالثلثين ، قال : ما شئت فهو خير لك ، قلت : أجعل لك صلاتي كلها؟ قال : إذا يكفي همك ويكفر لك ذنبك.

وقال الطيبي في شرح المشكاة نقلا عن بعضهم : المعنى كم أجعل لك من دعائي الذي أدعو به لنفسي ولم يزل يفاوضه ليوقفه على حد من ذلك ولم ير النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحد له في ذلك حدا لئلا يلتبس الفضيلة بالفريضة أولا ، ثم لا يغلق عليه باب المزيد ثانيا ، فلم يزل يجعل الأمر فيه إليه مراعيا للترغيب والحث على المزيد حتى قال : إذن أجعل لك صلاتي كلها ، أي أصلي عليك بدل ما أدعو به لنفسي ، فقال : إذا يكفي همك أي ما يهمك من أمر دينك ودنياك ، وذلك لأن الصلاة عليه مشتمل على ذكر الله تعالى وتعظيم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاشتغال بأداء حقه عن مقاصد نفسه وإيثاره بالدعاء له على نفسه وما أعظمها من خلال جليلة الأخطار وأعمال كريمة الأعصار. وأدى هذا الحديث تابعا في المعنى لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حكاية عن ربه عز وجل : من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين.

ثم قال : وأقول ، قد تقرر أن العبد إذا صلى مرة على النبي صلى الله عز وجل عليه عشرا ، وأنه إذا صلى وفق للموافقة لله تعالى ، ودخل في زمرة الملائكة

٩١

فقال يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إني أجعل لك ثلث صلواتي لا بل أجعل لك نصف صلواتي لا بل أجعلها كلها لك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا تكفى مئونة الدنيا والآخرة.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف ، عن أبي أسامة ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام ما معنى أجعل صلواتي كلها لك فقال يقدمه بين يدي كل حاجة فلا يسأل الله عز وجل شيئا حتى

______________________________________________________

المقربين في قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ ) (١) فإنه يؤدي هذا دعاءه لنفسه ، انتهى.

وقال بعضهم : « كم أجعل لك من صلاتي » هي هنا الدعاء والورد ، يعني لي زمان أدعو فيه لنفسي فكم أصرف من ذلك الزمان في الدعاء لك. قوله : « أجعل لك صلاتي كلها » أي أصلي عليك بدل ما أدعو به لنفسي. وفيه : أن الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل من الدعاء لنفسه لأن فيه ذكر الله وتعظيم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن شغله ذكره عن مسألة أعطي أفضل ويدخل فيه كفاية ما يهمه في الدارين.

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إذا تكفى » إذن جواب وجزاء ، والمؤنة ما يحتاج إليه وفيه صعوبة أي إذا كان الأمر كما ذكرته يكفيك الله مؤنتك في الدنيا والآخرة ، فحذف الفاعل وأقيم المفعول الأول مقامه.

وفي النهاية : كفاه الأمر إذا قام مقامه فيه ، وقال الجوهري : المؤنة يهمز ولا يهمز وهي فعولة ، وقال الفراء : هي مفعلة من الأين وهو التعب والشدة ، ويقال : مفعلة من الأون وهو الخرج والعدل لأنه ثقل على الإنسان ومانت القوم أمانهم مانة إذا احتملت مؤنتهم ، وقال : كفاه مؤنته كفاية وكفاك الشيء يكفيك ، واكتفيت به واستكفيته الشيء فكفانيه.

الحديث الرابع : صحيح أيضا. وقد عرفت معناه في أول الوجوه التي ذكرناه في الخبر السابق. وكان غرضه عليه‌السلام الرد على العامة فيما فهموه من الرواية التي

__________________

(١) الأحزاب : ٥٦.

٩٢

يبدأ بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فيصلي عليه ثم يسأل الله حوائجه.

٥ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن

______________________________________________________

رووه كما عرفت ، « وحتى » للاستثناء ، وقوله : « فيصلي » منصوب وكذا يسأل. وقيل : الجمع في حوائجه كالجمع في يا أيها الرسل كما عرفت.

وأقول : يحتمل أن يكون مراده عليه‌السلام الابتداء بالصلاة في كل وقت يشرع في الدعاء وإن سأل بعده أكثر من حاجة واحدة وما ذكره أيضا حسن.

قوله : « يقدمه » الضمير راجع إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا إلى الصلاة فما قيل : إن تذكير الضمير هنا باعتبار المعنى وهو الدعاء وتأنيثه سابقا باعتبار اللفظ محل نظر. وكذا ما قيل : لعل المراد ـ بكل الصلاة ـ الصلاة الكاملة في الفضل والأجر وهي الواقعة قبل السؤال وبنصفها ما دونها بهذا القدر في الفضل وهي الواقعة في وسط السؤال ، وبثلثها ما انحط منها بهذه النسبة وهي الواقعة بعد الفراغ من السؤال ، وبالجملة ففيه إشارة إلى تفاوت مراتب الصلاة في الفضل والكمال والأجر ، وستأتي الإشارة إلى جهة تكلفه.

الحديث الخامس : ضعيف.

ورواه العامة أيضا بأسانيد.

قال في النهاية : فيه : لا تجعلوني كقدح الراكب ، أي لا تؤخروني في الذكر. لأن الراكب يعلق قدحه في آخر رحله عند فراغه من ترحاله ويجعله خلفه.

قال حسان : « كما نيط خلف الراكب القدح الفرد ».

وقال في باب الغين والميم : فيه « لا تجعلوني كغمر الراكب ، صلوا على أول الدعاء وأوسطه وآخره » الغمر ـ بضم الغين وفتح الميم ـ القدح الصغير ، أراد أن الراكب يحمل رحله وأزواده ويترك قعبه إلى آخر ترحاله ثم يعلقه على رحله كالعلاوة فليس عنده بمهم فنهاهم أن يجعلوا الصلاة عليه كالغمر الذي

٩٣

ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تجعلوني كقدح الراكب فإن الراكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء اجعلوني في أول الدعاء وفي

______________________________________________________

لا يقدم في المهام ويجعل تبعا. انتهى.

وقال في الفائق : أراد لا تؤخروني في الذكر لأن الراكب يؤخر القدح إلى أن يرفع كل شيء بسبب ما فيه من الماء. وربما يحتاج إليه فيستعمله ويشربه ثم يعلقه في آخر رحله عند فراغه من ترحاله ويجعله من خلفه.

وأقول : يظهر من هذا الخبر معنى آخر وهو أن وجه الشبه أن الراكب لا يذكر قدحه إلا إذا عطش وأراد أن يشرب فحينئذ يملأه ويشربه ، وأما في سائر الأوقات فهو عنه في غفلة. وقيل « في » في المواضع بمعنى « مع » والمعنى إذا كان لك حوائج فصل قبل كل دعاء ولا تكتف بالصلاة مرة قبل جميع الدعوات ، فوجه الشبه النسيان في أكثر الأوقات ، انتهى.

وأقول : ظاهر الخبر أنه ليس الغرض من التشبيه ما فهمه المخالفون بل المعنى لا تجعلوني كقدح الراكب لا يذكره إلا إذا عطش واضطر إليه ، فيلتفت إليه ويشرب منه ، وأما في سائر الأوقات فهو غافل عنه كما مر ، أو الغرض أن الراكب يملأ القدح أولا ويشربه كلما اضطر إليه فلا تجعلوا الصلاة كذلك بأن تصلوا أولا وتكفوا بذلك في سائر الدعوات ، فقوله : إذا شاء متعلق بيشربه فقط ، أو المعنى ينبغي أن لا يكون غرضكم من الصلاة التوسل بها إلى الإجابة فقط فتذكروها في أول الدعاء ثم تبالغوا في حاجتكم وتهتموا بها ، بل ينبغي أن يكون اهتمامكم بالصلاة أكثر فتكرروها في أول الدعاء ووسطه وآخره ، وتجعلوها مقصودكم الحقيقي كما أومأنا إليه في الخبر الأول.

فشبه عليه‌السلام الصلاة التي جعلها وسيلة الإجابة بالقدح وملئها فإنها وسيلة للشرب عند الحاجة والمقصود الحقيقي هو الشرب ، ويمكن تطبيقه على ما فهمه اللغويون بتكلف بأن يكون قوله : يملأ قدحه ، لبيان علة تأخير تعليق القدح فإنه

٩٤

آخره وفي وسطه.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه وحسين بن أبي العلاء ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال إذا ذكر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فأكثروا الصلاة عليه فإنه من صلى على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله صلاة واحدة صلى الله عليه ألف صلاة في ألف صف من

______________________________________________________

مملوء من الماء ويحتمل عنده احتياجه إليه فلذا يؤخر تعليقه ، ولما كان أصل المثل مشهورا لم يذكره عليه‌السلام.

فقوله : إن شاء متعلق بالشرب ، ويمكن تعلقه بيملأ أيضا ويكون الغرض ما ذكروه أيضا أي إنما يعلقه في آخر رحله لأنه ليس الاحتياج إليه مستمرا بل قد يحتاج أحيانا بأن يعطش فيأخذه ويملأه ويشرب منه ، فلا تجعلوا الصلاة هكذا. والفرق بين الوجوه وتطبيقها على الخبر لا يخفى على المتأمل.

الحديث السادس : ضعيف.

« فأكثروا الصلاة عليه » الإكثار محمول على الاستحباب إجماعا. وصلاته عليه في ألف من الملائكة تحتمل وجوها :

الأول : وهو الظاهر أن يثني ويصلي عليه بكلام يسمعه ألف صف من الملائكة ، فهم أيضا يصلون عليه بصلاته جل جلاله.

الثاني : أنه يأمرهم بالصلاة عليه والنسبة إليه تعالى لأنه آمر.

الثالث : أن المراد بصلاته عليه رحمته وتضعيف أجره بمشهد من الملائكة.

الرابع : ما قيل : إن « في » للسببية أو بمعنى مع.

فعلى الأول المقصود أن صلاته عليه هو توفيقه للعبد بأن يوكل ألف صف من الملائكة بأن يحفظوه من البلايا والمعاصي ووساوس الشياطين وعلى التقادير هو إشارة إلى قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ ) (١) الآية. والمراد

__________________

(١) الأحزاب : ٥٦.

٩٥

الملائكة ولم يبق شيء مما خلقه الله إلا صلى على العبد لصلاة الله عليه وصلاة

______________________________________________________

بالصلاة عليه ، الصلاة عليه وعلى آله لا الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقط. فإنه قد ورد في روايات الخاصة والعامة أن الصلاة عليه بدون الصلاة على الآل غير مقبول ، بل يظهر من أخبارنا أنه محرم وموجب للعقاب ، ولذا ورد في التشهد في طرق العامة والخاصة الصلاة عليه مقرونة بالصلاة على الآل. وفي آخر هذا الخبر أيضا إيماء إليه.

وروي في المصابيح والمشكاة عن البخاري ومسلم وغيرهما بإسنادهم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟ فقلت : بلى فأهدها لي ، فقال : سألنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقلنا : يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت فإن الله قد علمنا كيف نسلم عليك؟ فقال : قولوا : « اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ».

ثم قالا : متفق عليه ، إلا أن مسلما لم يذكر « على إبراهيم » في الموضعين ، وقد ورد في الأخبار الصحيحة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : من صلى على ولم يصل على آلي لم يجد ريح الجنة وإن ريحها لتوجد من مسيرة خمسمائة عام. وروي أيضا في الصحيح عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال في حديث طويل : إذا صلى على ولم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينها وبين السماء سبعون حجابا يقول الله عز وجل : لا لبيك ولا سعديك ، ويا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلا أن يلحق بنبيي عترته فلا يزال محجوبا حتى يلحق بي أهل بيتي.

وحملها على ما إذا تركها استخفافا بشأنهم أو لعدم اعتقادهم إمامتهم وفضلهم تكلف مستغنى عنه ، وقد روت العامة أيضا في صحاحهم وغيرها بطرق عديدة أن الصحابة سألوا عن كيفية الصلاة عليه فأجاب بما نقلناه آنفا ، ولم أر في خبر منها

٩٦

ملائكته فمن لم يرغب في هذا فهو جاهل مغرور قد برئ الله منه ورسوله وأهل بيته.

______________________________________________________

لم يذكر فيه الآل ، بل ذكر بعضهم أنه لم (١) أجاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سؤال الصلاة عليه بذكر الآل أيضا ـ للإشعار بأن الصلاة عليه لا يتم بدون الصلاة على آله ، بل لبيان غاية اختصاصهم صلوات الله عليهم به حتى كأنهم نفسه ـ اكتفى الله بالصلاة عليه عن الصلاة عليهم ، ومع هذا يتركون الصلاة على الآل كفرا وعنادا.

قال الزمخشري في الكشاف بعد ذكر الأقوال في الصلاة عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فإن قلت : فما تقول في الصلاة على غيره؟ قلت : القياس يقتضي جواز الصلاة على كل مؤمن لقوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ ) (٢) وقوله : ( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ) (٣) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اللهم صل على آل أبي أوفى (٤) » ولكن للعلماء تفصيلا في ذلك ، وهو أنها إن كانت على سبيل التبع كقولك : صلى الله على النبي وآله فلا كلام فيها ، وأما إذا أفرد غيره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه ، فإن ذلك صار شعارا لذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولأنه يؤدي إلى الاتهام بالرفض (٥) انتهى.

ولا يخفى ما فيه من العصبية والعناد كما هو دأبهم في جميع المواد.

قوله : « فهو جاهل » أي بصلاح نفسه وبما يجب عليه ويوجب نجاته من العقاب ، « مغرور » قد غره شياطين الجن وشياطين الإنس من المخالفين الخارجين عن الدين.

__________________

(١) هكذا في النسخ والظاهر « لما أجاب ».

(٢) الأحزاب : ٤٣.

(٣) براءة : ١٠٣.

(٤) سنن أبي داود ج ـ ١ ـ ص ٣٦٨.

(٥) تفسير الكشّاف ج ٢ ص ٥٤٩.

٩٧

٧ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صلى علي صلى الله عليه وملائكته ومن شاء فليقل ومن شاء فليكثر.

٨ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الصلاة علي وعلى أهل بيتي تذهب بالنفاق.

٩ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن حسان ، عن أبي عمران الأزدي ، عن عبد الله بن الحكم ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من قال يا رب صل على محمد وآل محمد مائة مرة قضيت له مائة حاجة ثلاثون للدنيا والباقي للآخرة.

______________________________________________________

الحديث السابع : كالسابق.

« فليقل » بتشديد اللام المفتوحة بصيغة الأمر أي إذا عرف ذلك فالأمر مفوض إليه في الإقلال والإكثار ، فإن النفع والضر يصلان إليه أو فمن شاء قلة صلاة الله وملائكته عليه فليقل الصلاة على ، ومن شاء كثرة صلاتهما فليكثر.

الحديث الثامن : حسن كالصحيح.

وإذهاب النفاق مشروط بالإقرار بفضلهم والاعتراف بإمامتهم ، فتخلف ذلك في المخالفين لعدم تحقق الشرط ، فإن قبول جميع العبادات مشروط بالولاية ، أو لوجود المانع وهو إنكار إمامتهم بل هم لا يفهمون معنى الصلاة عليهم ، فإنه متضمن للإقرار بإمامتهم كما ستعرف ، فهم لا يصلون حقيقة.

الحديث التاسع : ضعيف.

وظاهره أن قضاء الحاجات مترتب على القول المذكور وإن لم يطلبها وأن مائة مرة بيان لعدد تكرار هذا القول ، وقيل : هو جزء للدعاء كما ورد سبحان الله مداد كلماته ، ولا إله إلا الله عدد الليالي والدهور ، وهو بعيد.

٩٨

١٠ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم وعبد الرحمن بن أبي نجران جميعا ، عن صفوان الجمال ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كل دعاء يدعى الله عز وجل به محجوب عن السماء حتى يصلى على محمد وآل محمد.

١١ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي قال حدثني من سمع أبا عبد الله عليه‌السلام يقول جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أجعل نصف صلواتي لك قال نعم ثم قال أجعل صلواتي كلها لك قال نعم فلما مضى قال ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله كفي هم الدنيا والآخرة.

١٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن مرازم قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن رجلا أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا رسول الله إني جعلت ثلث صلواتي لك فقال له خيرا فقال يا رسول الله إني جعلت نصف صلواتي لك فقال له ذاك أفضل فقال إني جعلت كل صلواتي لك فقال إذا يكفيك الله عز وجل ما أهمك من أمر دنياك وآخرتك فقال له رجل أصلحك الله كيف يجعل صلاته له فقال أبو عبد الله عليه‌السلام لا يسأل الله عز وجل شيئا إلا بدأ بالصلاة على محمد وآله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

١٣ ـ ابن أبي عمير ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته

______________________________________________________

الحديث العاشر : صحيح ، وقد مر مضمونه في الخبر الأول.

الحديث الحادي عشر : مرسل ، وقد مر مضمونه في الثالث.

الحديث الثاني عشر : حسن كالصحيح ، ومضمونه قريب مما مر.

وقوله : جعلت يحتمل الإنشاء والخبرية ، ويؤيد الأول الخبران السابقان ، وما نقلته من طرق العامة إذ الظاهر اتحاد الواقعة ، والضمير المجرور في له للصادق عليه‌السلام.

الحديث الثالث عشر : كالسابق.

والمراد برفع الأصوات إما الاجتماع والاتفاق في الصلاة ، فإن بذلك ترتفع

٩٩

يقول قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ارفعوا أصواتكم بالصلاة علي فإنها تذهب بالنفاق.

١٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن يعقوب بن عبد الله ، عن إسحاق بن فروخ مولى آل طلحة قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام يا إسحاق بن فروخ من صلى على محمد وآل محمد عشرا صلى الله عليه وملائكته مائة مرة ومن صلى على محمد وآل محمد مائة مرة صلى الله عليه وملائكته ألفا أما تسمع قول الله

______________________________________________________

الأصوات ، أو رفع صوت كل منهم ، لإظهار الجد والاهتمام ، والضمير في قوله : فإنها إما راجع إلى الصلاة أو إلى رفع الأصوات فالتأنيث باعتبار المضاف إليه.

الحديث الرابع عشر : مجهول.

ومولى آل طلحة لعله كان ممن أعتقوه ، وروي عن الشهيد الثاني (ره) أن المولى إذا أطلق في كتب الرجال فالمراد به غير العربي الصريح ، ومتى وجد منسوبا فبحسب النسبة انتهى. ويحتمل هنا الصديق والتابع والمصاحب ، والظاهر أن المراد بطلحة هنا الملعون المعروف « صلى الله عليه » لقوله تعالى : ( مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها ) (١) وروى العامة بإسنادهم عن أبي طلحة قال : دخلت على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلم أره أشد استبشارا منه يومئذ ولا أطيب نفسا ، قلت : يا رسول الله ما رأيتك قط أطيب نفسا ولا أشد استبشارا منك اليوم؟ فقال : وما يمنعني وقد خرج آنفا جبرئيل من عندي ، قال : قال الله تعالى : من صلى عليك صلاة صليت بها عليه عشر صلوات ، ومحوت عنه عشر سيئات ، وكتبت له عشر حسنات.

وهذا أقل مراتبه كما قال تعالى : « وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ » فلا ينافي ما مر من الألف ، لأن المراد فيه الصلاة الكاملة ، أو هذا بحسب الاستحقاق ، وما مر هو التفضل والأول أظهر ، فالتفاوت بحسب مراتب الصلوات والمصلين ، والاستشهاد بالآية لإثبات أصل صلاة الله وملائكته للمؤمنين رفعا لاستبعاد القاصرين ، لا لبيان العدد

__________________

(١) الأنعام : ١٦٠.

١٠٠