مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٠

فليقل إذا أراد أن يقوم من مجلسه : سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.

______________________________________________________

من باب باع يتعدى إلى مفعولين ، وتدخل اللام على المفعول الأول فيقال : كلت له الطعام ، والاسم الكلية بالكسر ، والمكيال ما يكال به ، واكتلت منه وعليه إذا أخذت وتوليت الكيل بنفسك يقال : كال الدافع واكتال الآخذ ، انتهى.

والمعنى من أراد أن يأخذ الثواب من الله على الوجه الأكمل من غير نقص فليقرأ هذه الآية ، فهو كناية عن كثرة الثواب وعظمته وكأنه على التمثيل ، واحتمل الحقيقة كما يوزن بالميزان في القيامة.

وروي في مجمع البيان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه في مجلسه : « سُبْحانَ رَبِّكَ » إلى قوله : « رَبِّ الْعالَمِينَ ».

وفي قرب الإسناد للحميري عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقل في دبر كل صلاة سُبْحانَ رَبِّكَ « إلخ ».

وروى الصدوق في الفقيه عن أمير المؤمنين عليه‌السلام قال : من أراد أن يكتال بالمكيال الأوفى فليكن آخر قوله : « سُبْحانَ رَبِّكَ » إلى قوله « رَبِّ الْعالَمِينَ » فإن له من كل مسلم حسنة ، وروي أيضا مرسلا عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : كفارات المجالس أن تقول عند قيامك وذكر الآيات الثلاث : سبحان ربك ، قال الطبرسي (ره) : أي تنزيها لربك مالك العزة يعز من يشاء من الأنبياء والأولياء ، لا يملك أحد إعزاز أحد سواه ، فسبحانه عما يصفونه مما لا يليق به من الصفات ، وهو قولهم باتخاذ الأولاد والشريك « وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ » أي سلام وأمان لهم من أن ينصر عليهم أعداؤهم ، وقيل : هو خبر معناه أمر أي سلموا عليهم كلهم لا تفرقوا بينهم « وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ » أي احمدوا الله الذي هو مالك العالمين وخالقهم ، والمنعم عليهم ، وأخلصوا له الثناء والحمد ، ولا تشركوا به أحدا فإن النعم

١٢١

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال مكتوب في التوراة التي لم تغير أن موسى عليه‌السلام سأل ربه فقال يا رب أقريب أنت مني فأناجيك أم بعيد

______________________________________________________

كلها منه.

وسيأتي في الروضة عن أبي جعفر عليه‌السلام أنه قال لرجل من أهل الشام : إن الله تعالى كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا كان قبل عزه عز ، وذلك قوله : « سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ».

وروى الصدوق في التوحيد أنه جاء رجل من علماء أهل الشام إلى أبي جعفر عليه‌السلام فسأله عن أول ما خلق الله فإن بعض من سألته قال القدرة ، وقال بعضهم : العلم ، وقال بعضهم : الروح؟ فقال عليه‌السلام : ما قالوا شيئا أخبرك إن الله علا ذكره كان ولا شيء غيره ، وكان عزيزا ولا عز لأنه كان قبل عزه ، وذلك قوله سبحانه : « سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ » وكان خالقا ولا مخلوق ، الخبر.

الحديث الرابع : صحيح.

« في التوراة التي لم تغير » يدل على أن التوراة التي في أيدي أهل الكتاب مغيرة محرفة ، وإن كتب الله كما أنزلت عندهم عليهم‌السلام كالقرآن المجيد « أقريب أنت مني » كان الغرض السؤال من آداب الدعاء مع علمه بأنه أقرب إلينا من حبل الوريد بالعلم والقدرة والعلية أي أتحب أن أناجيك كما يناجي القريب أو أناديك كما ينادي البعيد؟ وبعبارة أخرى إذا نظرت إليك فأنت أقرب من كل قريب ، وإذا نظرت إلى نفسي أجدني في غاية البعد عنك ، فلا أدري في دعائي لك أنظر إلى حالي أو إلى حالك.

ويحتمل أن يكون السؤال للغير أو من قبلهم كسؤال الرؤية ، فإن أكثرهم كانوا مجسمة ولذا قالوا : « اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ ».

١٢٢

فأناديك فأوحى الله عز وجل إليه يا موسى أنا جليس من ذكرني فقال موسى فمن في سترك يوم لا ستر إلا سترك فقال الذين يذكرونني فأذكرهم ويتحابون في فأحبهم فأولئك الذين إذا أردت أن أصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم فدفعت عنهم بهم.

٥ ـ أبو علي الأشعري ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن صفوان بن يحيى ، عن حسين بن زيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما من قوم اجتمعوا في مجلس فلم يذكروا اسم الله عز وجل ولم يصلوا على نبيهم إلا كان ذلك المجلس حسرة ووبالا عليهم.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن ابن محبوب ، عن ابن رئاب ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لا بأس بذكر الله وأنت تبول فإن ذكر الله

______________________________________________________

وقوله : « أنا جليس من ذكرني » أي أنا كالجليس في العلم بنجواهم فلا حاجة إلى رفع الصوت ، أو ينبغي أن يلاحظوا في الذكر جهة قربي وهو أنسب بأدب الدعاء ، ويدل على أن الأنسب بالذكر الأسرار لا الإجهار ، إلا أن يكون الغرض التذكير لا الذكر فقط كالأذان والخطبة ونحوهما ، فيرفع صوته بقدر الحاجة.

« من في سترك » أي تحت عرشك يوم لا ستر غيره أو يستر الله عيوبه « فأذكرهم » أي بالرحمة والمغفرة أو في الملإ الأعلى بالثناء الجميل « يتحابون » أي يحبون أو يظهرون حب كل منهم لصاحبه « في » أي حبهم خالص لي أو في رضاي وطاعتي إذا أردت » فيه استعارة تمثيلية ، أي وجودهم سبب لعدم إرادة عذابهم فكأني أردت عذابهم فصرفته عنهم لذكرهم.

الحديث الخامس : مجهول.

وفي القاموس الوبال الشدة والثقل.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور ويدل على استحباب الذكر في حال الجنابة والخلاء وسائر الأحوال

١٢٣

عز وجل حسن على كل حال فلا تسأم من ذكر الله.

٧ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال أوحى الله عز وجل إلى موسى عليه‌السلام يا موسى عليه‌السلام لا تفرح بكثرة المال ولا تدع ذكري على كل حال فإن كثرة المال تنسي الذنوب وإن ترك ذكري يقسي القلوب.

٨ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال مكتوب في التوراة التي لم تغير أن موسى سأل ربه فقال إلهي إنه يأتي علي مجالس أعزك وأجلك أن أذكرك فيها فقال يا موسى إن ذكري حسن على كل حال.

٩ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن فضال ، عن بعض أصحابه عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال الله عز وجل لموسى أكثر ذكري بالليل والنهار وكن عند ذكري خاشعا وعند بلائي صابرا واطمئن عند

______________________________________________________

الخسيسة ، وربما يستدل به على جواز قراءة القرآن للجنب والحائض كما يأتي في محله إنشاء الله تعالى.

الحديث السابع : كالسابق.

« فإن كثرة المال تنسى الذنوب ، لأن الإنسان يطغى إذا استغنى ، وكثرة المال موجبة لحسبه والغفلة عن ذنوبه ، بل يسول له الشيطان أن وفور المال لقربه من ربه ، فلا يبالي بكثرة ذنوبه ، وترك الذكر على أي حال كان موجب لقساوة القلب وغلظته ، والقلب القاسي بعيد عن ربه.

الحديث الثامن : صحيح بل هو تتمة للحديث الرابع كما لا يخفى.

« أن أذكرك » هو بتقدير من والظرف متعلق بكل من أعزك وأجلك.

الحديث التاسع : مرسل.

« خاشعا » أي مع الذلل والمسكنة وحضور القلب ، قال الراغب : بخشوع

١٢٤

ذكري واعبدني ولا تشرك بي شيئا إلي المصير يا موسى اجعلني ذخرك وضع عندي كنزك من الباقيات الصالحات.

______________________________________________________

الضراعة وأكثر ما يستعمل فيما يوجد في الجوارح والضراعة أكثر ما يستعمل فيما يوجده في القلب ، ولذلك قيل في ما روي : إذا ضرع القلب خشعت الجوارح.

« واطمأن عند ذكري » إشارة إلى قوله تعالى : « أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » ومثله في الكتاب العزيز كثير ، قال الراغب : الطمأنينة والاطمئنان السكون بعد الانزعاج ، قال تعالى : ( وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ ) (١)( وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ) (٢) ( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي ) (٣) وهي أن لا تصير أمارة بالسوء ، وقال : « أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » تنبيها على أن بمعرفة الله والإكثار من عبادته يكتسب اطمئنان النفس المسؤول بقوله : « وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي » وقوله تعالى : ( وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ) (٤) وقال : ( وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها ) (٥).

وقال البيضاوي : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ ) (٦) أنا به واعتمادا عليه ورجاء منه ، أو بذكر رحمته بعد القلب من خشيته أو بذكر دلائله الدالة على وجوده ووحدانيته أو بكلامه يعني القرآن الذي هو أقوى المعجزات « أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ » تسكن إليه « ولا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً » في العبادة أو الأعم إلى المصير في الآخرة أو في الدارين « اجعلني ذخرك » أي ما تدخره ليوم فاقتك في الدنيا والآخرة ، قال في المصباح : ذخرته ذخرا من باب نفع والاسم الذخر بالضم إذا أعددته ليوم الحاجة إليه وادخرت على افتعلت مثله فهو مذخور وذخيرة أيضا.

« من الباقيات » إشارة إلى قوله تعالى : « الْمالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا

__________________

(١) أنفال : ١٠.

(٢) البقرة : ٢٦٠.

(٣) الفجر : ٢٧.

(٤) النحل : ١٠٦.

(٥) يونس : ٧.

(٦) الرعد : ٢٨.

١٢٥

١٠ ـ وبإسناده ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال الله عز وجل لموسى اجعل لسانك من وراء قلبك تسلم وأكثر ذكري بالليل والنهار ولا تتبع الخطيئة في معدنها فتندم فإن الخطيئة موعد أهل النار.

______________________________________________________

وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً » وقال البيضاوي : الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ أعمال الخيرات التي تبقى ثمرتها أبد الآباد ويندرج فيها ما فسرت من الصلوات الخمس وأعمال الحج وصيام شهر رمضان وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر والكلام الطيب.

الحديث العاشر : كالسابق.

« اجعل لسانك من وراء قلبك » أي تأمل أو لا فيما أردت أن تتكلم به في حسنه وعاقبته ثم تكلم فإنك إن فعلت ذلك سلمت عن الخطإ والندم ، أو لا تتكلم بشيء من التلاوة والذكر إلا مع تعقل القلب وتذكره أو لا تقل شيئا ليس في قلبك الإذعان به نفاقا أو قولا بغير علم.

وقوله : « ولا تتبع » إما بصيغة النهي الحاضر من باب علم أو من باب الافتعال أو الأفعال ، والموعد إما مصدر ميمي أو اسم مكان وإضافة الموعد أما إضافة إلى الفاعل أو المفعول كما قيل ، فالكلام يحتمل وجوها.

الأول : لا تجالس أهل الخطيئة الذين هم معدنها فتشرك معهم فتندم عليها ، فإن الخطيئة محل وعد أهل النار ، فإنهم إنما يعدون ويجتمعون للاشتراك في الخطايا من الملاهي وأكل لحوم المؤمنين بالغيبة وذكر الدنيا وما يلهى عن الله ، وقيل : المراد أن عمدة الخطيئة الوعد مع الأشرار وأهل النار.

الثاني : ما قيل : كان المراد بمعدن الخطيئة السفاهة والجهالة أو كل ما يتولد منه الخطايا والشرور كرذائل النفس وأهوائها ، وبالجملة نهي عن اتباع الخطيئة بالتحرز عن الأصول المتولدة هي منها.

الثالث : أن يكون الغرض النهي عن حضور مواضع هي مظنة ارتكاب الخطيئة

١٢٦

١١ ـ وبإسناده قال فيما ناجى الله به موسى عليه‌السلام قال يا موسى لا تنسني على كل حال فإن نسياني يميت القلب.

١٢ ـ عنه ، عن ابن فضال ، عن غالب بن عثمان ، عن بشير الدهان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال الله عز وجل يا ابن آدم اذكرني في ملإ أذكرك في ملإ خير من ملئك.

______________________________________________________

فإن الخطيئة موعد أهل النار في الآخرة أي عقابها ، والحاصل أن أهل النار إنما يدخلونها ويعدون من أهلها لخطاياهم ، فمن شرك معهم في الخطيئة يدخل مدخلهم والأول أظهر.

الحديث الحادي عشر : كالسابق.

وكان موت القلب بسلب اليقين ومرضه بالشك والنفاق ، كما قال سبحانه : ( فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً ) (١) وبذكر الله تحيي القلوب الميتة وتشتد فيها اليقين.

الحديث الثاني عشر : مجهول.

وفي القاموس الملأ كجبل الأشراف والعلية والجماعة والقوم ذوو الشارة ، والمراد بالملأ الأول الجماعة من الناس ، وبالملأ الثاني الملائكة ، ولعل المراد بذكر الله في الملإ الثناء عليه تعالى بحيث يسمعهم ويذكرهم لا الذكر فيما بينهم لتصح المطابقة بين القرينتين ، وهذه الرواية رواها العامة أيضا ففي صحيح مسلم إن ذكرني عبدي في ملإ ذكرته في ملإهم خير منهم ، وقال القرطبي : يعني بهم الملائكة عليهم‌السلام وفيه تفضيل الملائكة على بني آدم وهو أحد القولين ، انتهى.

وقال عياض : اضطرب العلماء أيهما أفضل الملائكة أو الأنبياء على جميعهم السلام ، واستدل الأولون بهذا الحديث وأجاب الآخرون تارة بأن المعنى ذكرته

__________________

(١) البقرة : ١٠.

١٢٧

١٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال الله عز وجل من ذكرني في ملإ من الناس ذكرته في ملإ من الملائكة.

(باب)

(ذكر الله عز وجل كثيراً)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال ما من شيء إلا وله حد ينتهي إليه إلا الذكر فليس له حد ينتهي إليه فرض الله عز وجل الفرائض فمن أداهن فهو

______________________________________________________

بذكر خير من ذكره ، وهو بعيد من اللفظ ، وأخرى بأن هذا الحديث خبر واحد ، ورد بلفظ العموم وخبر الواحد لا يفيد القطع ، وفي التمسك بالعام خلاف انتهى.

وأقول : كون مجموع الملأ أشرف من جماعة كلهم أو أكثرهم غير المعصومين لا ينافي كون بعض آحاد البشر أفضل من جميع الملائكة ، على أنه يحتمل أن يكون المراد بالملأ ملأ أرواح النبيين والمرسلين أو المشتمل عليها لكن الخبر الآتي يأبى عنه ظاهرا.

الحديث الثالث عشر : مرسل.

باب ذكر الله عز وجل كثيراً

الحديث الأول : ضعيف على المشهور.

« ما شيء » أي مما كلف الإنسان به « ينتهي » على صيغة المعلوم ، والضمير المستتر راجع إلى الشيء « وإلا الذكر » في الأول استثناء متصل من ضمير له ، وفي الثاني استثناء منقطع من قوله الفرائض وشهر رمضان والحج ، والمراد بالفرائض

١٢٨

حدهن وشهر رمضان فمن صامه فهو حده والحج فمن حج فهو حده إلا الذكر فإن الله عز وجل لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدا ينتهي إليه ثم

______________________________________________________

الصلوات الخمس « فهو حدهن » الضمير راجع إلى مصدر أداهن وهو مبتدأ ، وقائم مقام عائد الموصول بتقدير فتأديته إياهن ، وكذا قوله : فهو حده ، الضمير فيه راجع إلى مصدر صامه بتقدير فصومه إياه ، وكذا في الثالث عائد إلى مصدر حج بتقدير فحجه ، والحد خبر في الجميع.

« اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً » قال القرطبي في تفسير هذه الآية : هذا السياق يدل على وجوب الذكر الكثير لأنه لم يكتف به حتى أكده بالمصدر ولم يكتف بالمصدر حتى وصفه بالكثير ، وهذا السياق لا يكون في المندوب ، فظهر أن الذكر الكثير واجب ، ولم يقل أحد بوجوب اللساني دائما فيرجع إلى ذكر القلب ، وذكر الله تعالى دائما في القلب يرجع إما إلى الإيمان بوجوده ، وصفات كماله وهو بحسب إدامته في القلب ذكرا أو حكما في حال الغفلة ، لأنه لا ينفك عنه إلا بنقيضه وهو الكفر ، وإما أن يرجع إلى ذكر الله تعالى عند الأخذ في الفعل فإنه يجب أن لا يقدم أحد على فعل أو قول حتى يعرف حكم الله فيه ، ولا ينفك المكلف عن فعل أو قول دائما فيجب ذكر الله دائما.

وقال الطبرسي قدس‌سره : روى ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من عجز عن الليل أن يكابده وجبن عن العدو أن يجاهده ، وبخل بالمال أن ينفقه فليكثر ذكر الله عز وجل ، ثم اختلف في معنى الذكر الكثير فقيل : أن لا ينسأ أبدا عن مجاهد ، وقيل : أن يذكره سبحانه بصفاته العلى وأسمائه الحسنى ، وينزهه عما لا يليق به ، وقيل : هو أن يقول : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر على كل حال عن مقاتل ، وقد ورد عن أئمتنا عليهم‌السلام أنهم قالوا : من قالها ثلاثين مرة فقد ذكر الله ذكرا كثيرا ، وعن زرارة وحمران ابني أعين عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من سبح تسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام فقد ذكر الله ذكرا كثيرا.

١٢٩

تلا هذه الآية « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً » فقال لم يجعل الله عز وجل له حدا ينتهي إليه قال وكان أبي عليه‌السلام كثير الذكر لقد كنت أمشي معه وإنه ليذكر الله وآكل معه الطعام وإنه ليذكر الله ولقد كان يحدث القوم وما يشغله ذلك عن ذكر الله وكنت أرى لسانه لازقا بحنكه

______________________________________________________

وروى الواحدي بإسناده عن الضحاك عن ابن عباس قال : جاء جبرئيل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا محمد قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله عدد ما علم وزنة ما علم وملأ ما علم ، فإنه من قالها كتب الله له بها ست خصال : كتب من الذاكرين الله كثيرا ، وكان أفضل من ذكره بالليل والنهار ، وكن له غرسا في الجنة ، وتحاتت عنه خطاياه كما تحات ورق الشجرة اليابسة ، وينظر الله إليه ، ومن نظر إليه لم يعذبه.

« وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً » أي ونزهوه سبحانه عن جميع ما لا يليق به ، بالغداة والعشي ، والأصيل العشي ، وقيل : يعني به صلاة الصبح وصلاة العصر عن قتادة ، وقيل : صلاة الصبح وصلاة العشاء الآخرة.

وخصهما بالذكر لأن لهما مزية على غيرهما من أن ملائكة الليل والنهار يجتمعون فيهما ، وقال الكلبي : أما بكرة فصلاة الفجر ، وأما أصيلا فصلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة ، وسمي الصلاة تسبيحا لما فيها من التسبيح والتنزيه « ما يشغله ذلك من ذكر الله » أي الذكر القلبي ، كان يجد ذلك بنور الإمامة أو من شواهد أحواله ، أو عند تكلم الغير كان مشغولا بالذكر ، فإذا تم كلام السائل شرع في الجواب أو كان كلامه دائما مشتملا على الذكر.

وقوله : وكنت أرى أي في غير بعض تلك الأحوال « لازقا بحنكه » لأن اللام أكثر حروف تلك الكلمة الطيبة ، وفيها يلزم اللسان بالحنك ، وليس فيها شيء من الحروف الشفوية ، وهذا أحد وجوه نسبة هذا الذكر من بين سائر الأذكار إلى

١٣٠

يقول لا إله إلا الله وكان يجمعنا فيأمرنا بالذكر حتى تطلع الشمس ويأمر بالقراءة من كان يقرأ منا ومن كان لا يقرأ منا أمره بالذكر والبيت الذي يقرأ فيه القرآن ويذكر الله عز وجل فيه تكثر بركته وتحضره الملائكة وتهجره الشياطين ويضيء لأهل السماء كما يضيء الكوكب الدري لأهل الأرض والبيت الذي لا يقرأ فيه القرآن ولا يذكر الله فيه تقل بركته وتهجره الملائكة وتحضره الشياطين وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ألا أخبركم بخير أعمالكم لكم أرفعها في

______________________________________________________

ذاته المقدسة إذ يمكن المتكلم بها على وجه لا يطلع عليها غيره تعالى.

وفي القاموس : الحنك محركة باطن أعلى الفم من داخل ، والأسفل من طرف مقدم اللحيين ، وكان يجمعنا يدل على استحباب الاجتماع للذكر والدعاء والتلاوة ، والذكر هنا لا يشمل التلاوة ، ويدل على أنها أفضل من الذكر والدعاء ، وروى العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ، ونزلت عليهم السكينة ، وذكرهم الله فيمن عنده.

وقال بعضهم : المراد بالسكينة الوقار والطمأنينة وقال بعضهم : المراد بها الرحمة ، ورد بذكر الرحمة قبلها وقال في النهاية فيه : كما ترون الكوكب الدري في أفق السماء أي الشديد الإنارة كأنه نسب إلى الدر تشبيها بصفائه ، وقال الفراء : الكوكب الدري عند العرب هو العظيم المقدار ، وقيل : هو أحد الكوكب الخمسة السيارة ، انتهى.

وقد قرأ في الآية على وجوه كثيرة بالهمزة وبدونه ، قال البيضاوي : كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌ مضيء متلألئ كالزهرة في صفاته وزهرته منسوب إلى الدر أو فعيل كمريق من الدر فإنه يدفع الظلام بضوئه أو بعض ضوئه بعضا من لمعانه إلا أنه قلبت همزته ياءا ، ويدل عليه قراءة حمزة وأبي بكر على الأصل ، وقراءة أبي عمرو والكسائي دريء كشريب ، وقد قرأ به مقلوبا ، انتهى.

١٣١

درجاتكم وأزكاها عند مليككم وخير لكم من الدينار والدرهم وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم فقالوا بلى فقال ذكر الله عز وجل كثيرا ثم قال جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال من خير أهل المسجد فقال أكثرهم لله ذكرا وقال ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أعطي لسانا ذاكرا فقد أعطي خير الدنيا والآخرة وقال في قوله تعالى : « وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ » قال لا تستكثر

______________________________________________________

« وخير لكم من الدينار والدرهم » أي من إنفاقهما في سبيل الله أو من جمعهما موافقا لعقول أهل الدنيا لعظمها عندهم أو تنبيها لهم على خطائهم ، في ذلك حيث يختارونهما على المطالب العالية الباقية الأخروية ، وإن كان ذلك بينا عند كل عاقل ، ومثل ذلك شائع في عرف الناس.

« أكثرهم لله ذكرا » تقديم الظرف للحصر « ومن أعطي لسانا ذاكرا » أما مع ذكر القلب أو الأعم ولا ريب في أن الجمع بينهما أتم وأكمل ومع الاكتفاء بأحدهما فالقلب أفضل لأنه الأصل ، والقرب فيه أكمل وإن كان الخبر يوهم خلافه.

« خير الدنيا » لأن من شغله ذكر الله عن حاجته كفى الله مهماته وخير الآخرة ظاهر ، وقال في قوله تعالى : « وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ » قال : الضميران في قال أولا وثانيا إما راجعان إلى الرسول أو إلى الإمام أو الأول راجع إلى الإمام والثاني إلى الرسول ، فعلى الأولين قال ثانيا تكرار وتأكيدا للأول وعلى الأخير الظرف أعني في قوله متعلق بقوله قال ثانيا.

« وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ » قال البيضاوي : ولا تعط مستكثرا نهي عن الاستعزاز وهو أن يهب شيئا طامعا في عوض أكثر نهي تنزيه أو نهيا خاصا به لقوله عليه‌السلام المستعزز يثاب من هبته والموجب له ما فيه من الحرص والضنة أو لا تمنن على الله بعبادتك مستكثرا إياها ، أو على الناس بالتبليغ مستكثرا به الأجر منهم ، أو مستكثرا إياه وقرأ تستكثر بالسكون للوقف أو بالإبدال من تمن على أنه من

١٣٢

ما عملت من خير لله.

______________________________________________________

من بكذا وتستكثره بمعنى تجده كثيرا أو بالنصب على إضمار أن وقرأ بها ، وعلى هذا يجوز أن يكون الرفع بحذفها وإبطال عملها كما روي وأحضر الوغا بالرفع ، انتهى.

وقيل : كأنه إشارة إلى أن لا تمنن من منه بكذا وتستكثر بدل منه ، وأن ما صدر من الخير لله سواء كان عبادته أو الإحسان إلى عباده يجب أن لا تستكثر لأن استكثاره يوجب إخراج النفس عن حد التقصير وعجبها وإحباط أجرها.

وأقول : اتفق القراء على الرفع إلا الحسن فإنه قرأ بالجزم والأعمش فإنه قرأ بالنصب ، وقال الطبرسي (ره) : قال ابن جني الجزم في تستكثر يحتمل أمرين :

أحدهما : أن يكون بدلا من تمنن فكأنه قال : لا تستكثر ، والآخر أن يكون لا تستكثر فأسكن الراء لثقل الضمة مع كثرة الحركات ، وأما تستكثر بالنصب فبان مضمرة ، وذلك أن يكون بدلا من قوله : ولا تمنن في المعنى ، ألا ترى أن معناه لا يكن منك من فاستكثار ، فكأنه قال : لا يكن منك من أن تستكثر فتضمر أن لتكون مع الفعل المنصوب بها بدلا عن المن في المعنى الذي دل عليه الفعل ، انتهى.

وقيل : الخبر محمول على رواية الرفع ، وهو حال عن المستتر في لا تمنن ، والمن بمعنى النقص والإعياء ، أو بمعنى القطع ، والنهي متوجه إلى القيد وهو الاستكثار ولذا قال عليه‌السلام في التفسير : لا تستكثر ، فالمنهي عنه النقص والقطع الذين يكونان من جهة الاستكثار لا من جهة أخرى ، قال في القاموس : من عليه منا أنعم ، واصطنع عنده صنيعة ومنة ، والحبل قطعه والناقة حسرها ، والسير فلانا أضعفه وأعياه ، والشيء نقص والمنان من أسماء الله تعالى وهو المعطي ابتداء وأجر غير ممنون غير محسوب ، ولا مقطوع ، وأقول : يظهر مما ذكرنا وجوه أخر لتأويل الخبر فلا تغفل.

١٣٣

٢ ـ حميد بن زياد ، عن ابن سماعة ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال شيعتنا الذين إذا خلوا ذكروا الله كثيرا.

٣ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن داود بن سرحان ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من أكثر ذكر الله عز وجل أحبه الله ومن ذكر الله كثيرا كتبت له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق.

٤ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن بكر بن أبي بكر ، عن زرارة بن أعين ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال تسبيح فاطمة الزهراء عليها‌السلام من الذكر الكثير الذي قال الله عز وجل : « اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً ».

عنه ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي أسامة زيد الشحام ومنصور بن حازم وسعيد الأعرج ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

٥ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن داود الحمار ، عن

______________________________________________________

الحديث الثاني : موثق.

ويدل على مدح الذكر في الخلوة خلافا للمنافقين الذين يذكرون الله عند الناس ، ويتركون في الخلوات.

الحديث الثالث : صحيح.

وكان المراد بقوله : ذكر الله كثيرا إما ذكره أولا ، وإنما هو تفنن في العبارة ، أو المراد بأحدهما المداومة وبالآخر الإكثار ولو مرة ، وقيل : المراد بالأول التكرار والاستمرار من الثاني ، وبالثاني موافقة القلب مع اللسان كما سيأتي في الخبر الثاني من باب ذكر الله في السر.

الحديث الرابع : مجهول بسنده الأول ، صحيح بسنده الثاني.

الحديث الخامس : ضعيف على المشهور ، وداود الحمار ذكره الشيخ في

١٣٤

أبي عبد الله عليه‌السلام قال من أكثر ذكر الله عز وجل أظله الله في جنته.

(باب)

(أن الصاعقة لا تصيب ذاكراً)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال يموت المؤمن بكل ميتة إلا الصاعقة ـ لا تأخذه وهو يذكر الله عز وجل.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن

______________________________________________________

الفهرست بلا مدح وتوثيق.

« أظله الله في جنته » أي أسكنه في قصورها ومنازلها وتحت أشجارها وقبابها ، أو في ظل رحمة الله ، فيها كناية عن اختصاصه فيها برحماته الخاصة ، قال في النهاية في الحديث : سبعة يظلهم الله بظله وفي حديث آخر : سبعة في ظل العرش أي في ظل رحمته ، وقال الكرماني في شرح البخاري أضافه إليه للتشريف أي ظل عرشه أو ظل طوبى أو ظل الجنة ، وقال النووي : قيل : الظل عبارة عن الراحة والنعيم ، نحو هو في عيش ظليل ، والمراد وظل الكرامة لا ظل الشمس ، وقيل : أي كنه من المكاره ووهج الموقف.

باب أن الصاعقة لا تصيب ذاكراً

الحديث الأول : مجهول.

والميتة بالكسر حالة الموت ونوعه ، قال في المصباح : الميتة بالكسر الحال والهيئة ، ومات ميتة حسنة ، وقال : الصاعقة النازلة من الرعد ولا تصيب شيئا إلا دكته وأحرقته ، ويدل على أن الصاعقة في حال الذكر لا يصيب المؤمن.

الحديث الثاني : حسن كالصحيح.

من قرأ مائة آية أي في كل يوم وليلة ، أو في كل منهما ، ويدل على أن

١٣٥

بريد بن معاوية العجلي قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن الصواعق لا تصيب ذاكرا قال قلت وما الذاكر قال من قرأ مائة آية.

٣ ـ حميد بن زياد ، عن الحسن بن محمد بن سماعة ، عن وهيب بن حفص ، عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ميتة المؤمن قال يموت المؤمن بكل ميتة ـ يموت غرقا ويموت بالهدم ويبتلى بالسبع ويموت بالصاعقة ولا تصيب ذاكر الله عز وجل.

(باب)

(الاشتغال بذكر الله عز وجل)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله عز وجل يقول من شغل بذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي من سألني.

______________________________________________________

الذكر الذي لا تصيبه الصاعقة أعم من أن يكون تحقيقا أو تقديرا ، والحاصل أنه إذا كان معدودا عند الله من الذاكرين لا من الغافلين لا تصيبه الصاعقة ، أو يقال من قرأ في كل يوم مائة آية بشرائطها فهو بحيث لا يغفل عن الله إذا رجع إلى نفسه ، وإن منعه شغل آخر عنه فهو أبدا في حكم الذاكر.

الحديث الثالث : موثق « ولا تصيب » أي الصاعقة.

باب الاشتغال بذكر الله عز وجل

أي عن طلب الحاجة منه.

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

قيل : دل على أن من شغل بذكره تعالى خالصا من غير أن يجعله وسيلة للسؤال عن حاجته وقضائها قضى الله حاجته ، ووجه التفضيل حينئذ ظاهر ، ويمكن التعميم بحيث يشمل أيضا من أراد السؤال ونسيه ، وأقول : يمكن حمله على أنه بعد النسيان صارت نيته خالصة.

١٣٦

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن منصور بن يونس ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن العبد ليكون له الحاجة إلى الله عز وجل فيبدأ بالثناء على الله والصلاة على محمد وآل محمد حتى ينسى حاجته فيقضيها الله له من غير أن يسأله إياها.

(باب)

(ذكر الله عز وجل في السر)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن إبراهيم بن أبي البلاد عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال الله عز وجل من

______________________________________________________

الحديث الثاني : موثق.

باب ذكر الله عز وجل في السر

الحديث الأول : مرسل.

« من ذكرني سرا » أي في قلبه أو في الخلوة أو بالإخفات الذي يقابل الجهر « ذكرته علانية » أي في القيامة بإظهار شرفه وفضله أو توفير ثوابه أو في الملإ الأعلى كما مر ، أو ذكره بالجميل في الدنيا على ألسن العباد ، وقيل : لعل المراد به إظهار حاله وشرفه في المخلوقين من الملائكة والناس أجمعين وقال بعضهم : الذكر ثلاثة ذكر باللسان ، وذكر بالقلب ، وهذا نوعان أحدهما الفكر في عظمة الله سبحانه وجلاله وملكوته وآيات أرضه وسمائه والثاني ذكره عند أمره ونهيه فيمتثل الأمر ويجتنب النهي ويقف عند ما يشكل ، وأرفع الثلاثة الفكر لدلالة الأحاديث الواردة على فضل الذكر الخفي وأضعفها الذكر باللسان ، ولكن له فضل كثير على ما جاء في الآثار ، وقيل : الخلاف إنما هو في الذكر بالقلب بالتهليل والتسبيح ونحوهما ، وفي الذكر باللسان به لا في الذكر الخفي الذي هو الفكر ، وفي الذكر باللسان ، فإن الفكر لا يقاربه ذكر اللسان ، فكيف يفاضل معه.

١٣٧

ذكرني سرا ذكرته علانية.

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة ، عن سليمان بن عمرو ، عن أبي المغراء الخصاف رفعه قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام من ذكر الله عز وجل في السر فقد ذكر الله كثيرا إن المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر فقال الله عز وجل :

______________________________________________________

ثم هذا الخلاف إذا كان القلب في ذكر اللسان حاضرا ، وأما إذا كان لاهيا فذكر اللسان لغو لا ذكر ، فمن رجح ذكر القلب قال : لأن عمل السر أفضل ، ومن فضل ذكر اللسان قال : لأن فيه زيادة عمل الجوارح على عمل ذكر القلب ، وزيادة العمل تقتضي زيادة الأجر ، واعترض عليه بأن ما ذكر من أنه لا بد من حضور القلب كأنه أراد به النية ، فإن خلا الذكر عن النية فهو لغو ثم إن صحبته النية من الشروع إلى التمام فهو الغاية والمطلوب ، وإن صحبته في الشروع وعزبت في الأثناء فالظاهر أنه إذا كان أصل العمل خالصا لله تعالى وعلى ذلك عقد فلا يضره ما يعرض من الخطرات التي تقع في القلب ولذلك اعتبروا النية الحكمية في الوضوء والصلاة ونحوهما دون الفعلية.

أقول : فيما ذكر من الأسئلة والأجوبة أنظار يطول الكلام بذكرها ، ثم اختلفوا في أن ذكر القلب هل تعلمه الملائكة وتكتبه؟ فقيل : نعم ، لأن الله تعالى يجعل عليه علامة ، وقيل : لا لأنهم لا يطلعون عليه ، وقد مر ما يؤيد الطرفين لا سيما في باب المصافحة.

الحديث الثاني : ضعيف.

والخصاف كأنه الذي يخصف النعل والآية وردت في المنافقين حيث قال : « إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ

١٣٨

« يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً ».

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن ابن فضال رفعه قال قال الله عز وجل لعيسى عليه‌السلام : يا عيسى اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي واذكرني في ملئك أذكرك في ملإ خير من ملإ الآدميين يا عيسى ألن لي قلبك وأكثر

______________________________________________________

النَّاسَ » (١) الآية ، وفي المجمع قاموا كسالى أي متثاقلين « يُراؤُنَ النَّاسَ » يعني أنهم لا يعملون شيئا من أعمال العبادات على وجه القربة وإنما يفعلون ذلك إبقاء على أنفسهم وحذرا من القتل وسلب الأموال ، وإذا رأوهم المسلمون صلوا ليروهم أنهم يدينون بدينهم وإن لم يرهم أحد لم يصلوا « وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً » أي ذكرا قليلا ، ومعناه لا يذكرون الله عن نية خالصة ، ولو ذكروه مخلصين لكان كثيرا وو إنما وصف بالقلة لأنه لغير الله عن الحسن وابن عباس ، وقيل : لا يذكرون إلا ذكرا يسيرا نحو التكبير والأذكار التي تجهر بها ويتركون التسبيح وما يخافت به من القراءة وغيرها عن الجبائي ، وقيل : إنما وصف الذكر بالقلة لأنه سبحانه لم يقبله ، وكلما يرد الله فهو قليل ، وقال البيضاوي ( إِلاَّ قَلِيلاً ) إذ المرائي لا يفعل إلا بحضرة من يرائيه وهو أقل أفعاله أو لأن ذكرهم باللسان قليل بالإضافة إلى الذكر بالقلب ، وقيل : المراد بالذكر الصلاة ، وقيل : الذكر فيها فإنهم لا يذكرون فيها غير التكبير والتسليم.

الحديث الثالث : مرفوع.

« اذكرني في نفسك أذكرك في نفسي » النفس هنا مجاز كما في قوله سبحانه : « تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ » قال البيضاوي : تعلم ما أخفية في نفسي كما تعلم ما أعلنه ، ولا أعلم ما تخفيه من معلوماتك ، وقوله : في نفسك للمشاكلة ، وقيل : المراد بالنفس الذات.

أقول : كون المراد بالنفس الذات عندي أظهر كما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنت

__________________

(١) النساء : ١٤٢.

١٣٩

ذكري في الخلوات واعلم أن سروري أن تبصبص إلي وكن في ذلك حيا ولا تكن ميتا.

______________________________________________________

كما أثنيت على نفسك ويقال : اختار الله لنفسه أسماء لأن النفس قد تطلق ويراد بها ما وضع الله في ذوات الأنفس من الحيوان والإنسان يدعوه إلى ما يشتهيه من مثل الأكل والشرب والجماع ، قال تعالى : ( إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ ) (١) وقد يراد بها ذات الشيء وعينه ، تقول : اشتريت لنفسي وبنيت لنفسي ، ومثله قولك : أخذته لنفسي وأخذت منه حق نفسي ولها معان غير ما ذكر أحدث بعضها المتفلسفون الباحثون في النفس والعقل والروح ، وقال الراغب : النفس الروح في قوله عز وجل ( أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ ) (٢) وقال تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ ) (٣) وقوله تعالى : ( تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ ) (٤) وقوله عز وجل : ( وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ ) (٥) فنفسه ذاته ، وهذا وإن كان قد حصل من حيث اللفظ مضاف ومضاف إليه يقتضي المغايرة وإثبات شيئين من حيث العبارة ، فلا شيء من حيث المعنى سواه تعالى من الاثنوية من كل وجه ، وقال بعض الناس : إن إضافة النفس إلى الله تعالى إضافة الملك ، ويعني بنفسه نفوسنا وأضاف إليه على سبيل الملك ، انتهى.

وقيل : النفس تطلق على الدم وعلى نفس الحيوان وعلى الذات وعلى الغيب. ومنه قوله تعالى : « وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ » أي في غيبك والأولان يستحيلان في حقه تعالى دون ، وقيل : المراد بالذكر النفساني في قوله اذكر في نفسك ذكر لا يعرفه غير الذاكر ، وفي قوله : أذكرك في نفسي ، جزاء ذلك الذكر يعني أجازيك وأرجعك لأجل الذكر ، فسمي جزاء الذكر ذكرا وليس المراد به الذكر

__________________

(١) يوسف : ٥٣.

(٢) الأنعام : ٩٣.

(٣) البقرة : ٢٣٥.

(٤) المائدة : ١١٦.

(٥) آل عمران : ٣٠.

١٤٠