مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٠

(باب إلهام الدعاء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام هل تعرفون طول البلاء من قصره قلنا لا قال إذا ألهم.

______________________________________________________

فكذا الدعاء استجابتها وقبولها وترتب الأثر عليها مشروطة بشرائط فإذا أخل بشيء منها لم تترتب عليه الاستجابة ، وقد وردت أخبار كثيرة في شرائط الدعاء ومنافياته كما مر بعضها وسيأتي ، فقد يكون سبب عدم الإجابة ذلك ، وقد قال سبحانه : ( أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ ) (١).

الخامس : أن الإجابة لا تلزم أن تكون معجلة فيمكن أن يستجاب الدعاء ويتأخر ظهور أثره إلى زمان طويل لبعض المصالح ، إذ قد ورد أنه كان بين قوله تعالى : ( قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما ) (٢) وبين غرق فرعون أربعين سنة وسيأتي أن الله يؤخر إجابة دعاء المؤمن لحبه استماع صوته ، إلى غير ذلك من الوجوه والمصالح.

السادس : أنه قد يعطي الله تعالى لمن لا يعلم صلاحه في إعطاء ما سأله أضعاف تلك الحاجة في الدنيا والآخرة حتى إذا رأى في الآخرة ما عوضه الله لذلك تمنى أنه لم يستجب له حاجة في الدنيا ، فيصدق أنه استجاب دعاءه على الوجه الأكمل كما إذا طلب أحد من ملك شيئا يسيرا علم أنه يضره فيمنعه ذلك وأعطاه جوهرة يسوي عشرة آلاف دينار فلا يقال حينئذ أنه لم يقض حاجته ، بل يقال أنه أعطاه مسئوله على أتم وجه. وقد بسطنا الكلام في ذلك في كتاب عين الحياة.

باب الهام الدعاء

الحديث الأول : حسن كالصحيح.

« من قصره » من للتمييز بين الضدين أي مميزا من قصره ، وإلهام الدعاء إخطاره

__________________

(١) البقرة : ٤٠.

(٢) يونس : ٨٩.

٢١

أحدكم الدعاء عند البلاء فاعلموا أن البلاء قصير.

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن محبوب ، عن أبي ولاد قال قال أبو الحسن موسى عليه‌السلام ما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيلهمه الله عز وجل الدعاء إلا كان كشف ذلك البلاء وشيكا وما من بلاء ينزل على عبد مؤمن فيمسك عن الدعاء إلا كان ذلك البلاء طويلا فإذا نزل البلاء فعليكم بالدعاء والتضرع إلى الله عز وجل.

(باب)

(التقدم في الدعاء)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من تقدم في الدعاء استجيب له إذا نزل به البلاء وقالت الملائكة صوت معروف ولم يحجب عن السماء ومن لم يتقدم في الدعاء لم يستجب له إذا نزل به البلاء وقالت الملائكة إن ذا الصوت لا نعرفه.

٢ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن ابن سنان ، عن عنبسة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من تخوف من بلاء يصيبه فتقدم فيه بالدعاء لم يره الله عز وجل ذلك البلاء أبدا.

٣ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران

______________________________________________________

بباله وتوفيقه لإتيانه بشرائطه.

الحديث الثاني : صحيح ، وفي النهاية : الوشيك السريع والقريب.

باب التقدم في الدعاء

الحديث الأول : صحيح.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

الحديث الثالث : موثق « يستخرج الحوائج » أي من القوة إلى الفعل.

٢٢

عن منصور بن يونس ، عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الدعاء في الرخاء يستخرج الحوائج في البلاء.

٤ ـ عنه ، عن عثمان بن عيسى ، عن سماعة قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام من سره أن يستجاب له في الشدة فليكثر الدعاء في الرخاء.

٥ ـ عنه ، عن أبيه ، عن عبيد الله بن يحيى ، عن رجل ، عن عبد الحميد بن غواص الطائي ، عن محمد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان جدي يقول تقدموا في الدعاء فإن العبد إذا كان دعاء فنزل به البلاء فدعا قيل صوت معروف وإذا لم يكن دعاء فنزل به بلاء فدعا قيل أين كنت قبل اليوم.

٦ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء عمن حدثه ، عن أبي الحسن الأول عليهما‌السلام قال كان علي بن الحسين عليه‌السلام يقول الدعاء بعد ما ينزل البلاء لا ينتفع به.

(باب)

(اليقين في الدعاء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سليم الفراء عمن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا دعوت فظن أن حاجتك بالباب.

______________________________________________________

الحديث الرابع : كالسابق ، والرخاء بالفتح سعة العيش.

الحديث الخامس : مرسل ، ومضمونه قريب من الأول.

الحديث السادس : ضعيف على المشهور. وهو محمول على ما إذا لم يتعود بالدعاء قبله ، وكان المعنى عدم الانتفاع التام.

باب اليقين في الدعاء

الحديث الأول : مرسل وقد يعد حسنا لكون الإرسال بعد ابن أبي عمير. « فظن أن حاجتك » حمل الكليني الظن على اليقين لما سيأتي في الحديث الأول من

٢٣

(باب)

(الإقبال على الدعاء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن سليمان بن عمرو قال سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن الله عز وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساه فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن بالإجابة.

______________________________________________________

الباب الآتي ، ويمكن حمله على معناه الظاهر فإن اليقين بالإجابة مشكل ، إلا أن يقال : المراد اليقين بما وعد الله من إجابة الدعاء إذا كان مع شرائط وأعم من أن يعطيه أو عوضه في الآخرة.

باب الإقبال على الدعاء

الحديث الأول : ضعيف.

قوله عليه‌السلام : بظهر قلب ، المشهور أن الظهر هنا زائد مقحم ، قال في المغرب : في الحديث : لا صدقة عن ظهر غنى ، أي صادرة عن غنى ، فالظهر فيه مقحم كما في ظهر القلب ، وقال في النهاية : فيه خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، أي ما كان عفوا قد فضل عن غنى ، وقيل : أراد ما فضل عن العيال ، والظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعا للكلام وتمكينا ، كان صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال ، انتهى.

وهيهنا يحتمل أن يكون المراد عن ظاهر القلب دون باطنه وصميمه.

قوله : ساه ، أي غافل عن المقصود وعما يتكلم به غير مهتم به أو غافل عن عظمة الله وجلاله ورحمته ، غير متوجه إليه بشراشره وعزمه وهمته.

أقول : وروي في المشكاة عن الترمذي بإسناده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه ، وقال بعضهم : في قوله : وأنتم موقنون فيه وجهان :

أحدهما : أن يقال كونوا أو أن الدعاء على حالة تستحقون منها الإجابة

٢٤

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه : لا يقبل الله

______________________________________________________

وذلك بإتيان المعروف واجتناب المنكر وغير من مراعاة أركان الدعاء وآدابه حتى تكون الإجابة على قلبه أغلب من الرد.

وثانيهما أن يقال : ادعوه معتقدين لوقوع الإجابة لأن الداعي إذا لم يكن متحققا في الرجاء لم يكن رجاؤه صادقا وإذا لم يكن الرجاء صادقا لم يكن الدعاء خالصا والداعي مخلصا فإن الرجاء هو الباعث على الطلب ولا يتحقق الفرع إلا يتحقق الأصل.

وقيل : المعنى ليكن الداعي ربه على يقين بأنه تعالى يجيبه لأن رد الدعاء إما لعجزه في إجابته أو لعدم كرم في المدعو أو لعدم علم المدعو بدعاء الداعي ، وهذه الأشياء منفية عنه تعالى ، فليكن الداعي موقنا بالإجابة.

وقال الطيبي : قيد الأمر بالدعاء باليقين والمراد النهي عن التعرض لما هو مناف للإيقان من الغفلة واللهو والأمر بضدهما من إحضار القلب والجد في الطلب بالعزم في المسألة ، فإذا حصلا حصل اليقين ، ونبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذا التنبيه بقوله : واعلموا ، ونظيره في الكتاب قوله تعالى : « وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ » انتهى.

وأقول : كل ما ذكروه لا يجدي نفعا في حصول اليقين بالإجابة ، فإنه يحتمل أن يكون عدم الإجابة لعدم صلاح السائل فيها فكيف يحصل اليقين بالإجابة إلا أن يقال : الإجابة أعم من أن يعطى ما سأله أو عرضه وأفضل منه كما أشرنا إليه ، ويؤيده ما رواه في المشكاة أيضا من مسند أحمد بإسناده عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم أو قطيعة رحم إلا أعطاه الله تعالى بها إحدى ثلاث إما أن يجعل له دعوته وإما أن يذخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف من السوء مثلها ، وروي عن الترمذي عن جابر مثله.

الحديث الثاني : ضعيف على المشهور.

٢٥

عز وجل دعاء قلب لاه وكان علي عليه‌السلام يقول إذا دعا أحدكم للميت فلا يدعو له وقلبه لاه عنه ولكن ليجتهد له في الدعاء.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن بعض أصحابه ، عن سيف بن عميرة ، عن سليم الفراء عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا دعوت فأقبل بقلبك وظن حاجتك بالباب.

٤ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن إسماعيل بن مهران ، عن سيف بن عميرة عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله عز وجل لا يستجيب دعاء بظهر قلب قاس.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال لما استسقى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسقي الناس

______________________________________________________

« دعاء قلب لاه » أي غافل أو مشتغل باللهو والخيالات الباطلة ، قال الراغب : اللهو ما يشغل الإنسان عما يعنيه ولهمه يقال : لهوت عنه بكذا ولهيت عن كذا اشتغلت عنه بلهو ، وقوله تعالى : « لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ » أي ساهية مشتغلة بما لا يعينها.

« إذا دعا أحدكم للميت » التخصيص بالميت لأنه أحوج إلى الدعاء ، ولأنه قد شاع أن الناس يأتون للتعزية والزيارة ويدعون للميت على سبيل التعارف من غير عزم واهتمام ، وقوله : فلا يدعو نهي في صورة الخبر أو هو بمعناه ، والغرض بيان أن الدعاء على هذا الوجه ليس دعاء للميت والأول أظهر.

الحديث الثالث : مرسل.

الحديث الرابع : كالسابق ، وقساوة القلب غلظته وشدته وعدم تأثره عن الحق ، وبعده عن التضرع والرقة.

الحديث الخامس : حسن كالصحيح.

وفي النهاية في حديث الاستسقاء اللهم حوالينا لا علينا ، يقال : رأيت الناس حوله وحواليه أي مطيفين به من جوانبه ، يريد اللهم أنزل الغيث في مواضع النبات

٢٦

حتى قالوا إنه الغرق وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بيده وردها اللهم حوالينا ولا علينا قال فتفرق السحاب فقالوا يا رسول الله استسقيت لنا فلم نسق ثم

______________________________________________________

لا في مواضع إلا بغية ، وقال الجوهري : يقال قعدوا حوله وحواليه ، ولا تقل حواليه بكسر اللام ، وكذا الكلام للفيروزآبادي وغيره يدل على أن حواليه بفتح اللام.

وقال بعضهم : الفتح لمناسبة علينا نظير التنوين في سلاسلا وأغلالا ، والحوالي جمع حول كالبراري جمع بر وسكون الياء في حوالينا مبني عليه بتقدير على حوالينا لقرينة ولا علينا ، ويجوز حذف حرف الجر وإبقاء أثره مثل خير والحمد لله في جواب كيف أصبحت لأنه بتقدير بخير.

والواو في قوله : ولا علينا ، عاطفة ولا ناهية ، والتقدير اللهم أنزل الغيث على حوالينا ولا تنزله علينا « وليس لي في ذلك نية » أي اهتمام وعزم ، ولعله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان أولا متوقفا في وجود المصلحة في طلبه من الله سبحانه السقي فلم يعزم عليه في الدعاء ، وإنما دعا ليطيب به قلوب أصحابه ، ثم لما رأى المصلحة في ذلك ثانيا عزم عليه.

وتصحيح إعراب الخبر هو أن جواب لما قال إني دعوت إلى آخر الكلام ، وضمير إنه راجع إلى مصدر سقي المبني للمفعول.

« وقال رسول الله » أقول : هذا الكلام يحتمل وجوها.

أحدها : أن مفعول القول اللهم « إلخ » وقوله : بيده حال أي مشيرا بيده ، وقوله : وردها أيضا حال أي وقد ردها عن السماء بعد ما رفعها إليها للدعاء.

الثاني : أن يكون القول بمعنى الفعل ، أي حرك يده يمينا وشمالا مشيرا إلى تفرق السحاب ، وكشفها عن المدينة وقد ردها سابقا عن الدعاء ، ويقدر القول قبل اللهم كما هو الشائع في الآيات والأخبار وقيل : الباء في قوله : بيده للاستعانة ، إذ القول على وجه الكمال لا يتأنى إلا برفع اليد للدعاء وجملة وردها حالية أي وقد ردها ، والمراد بردها قلبها وجعل ظهرها إلى السماء كما سيأتي في الرهبة ، والوجهان الأولان اللذان خطرا ببالي عندي أظهر ، وكان الحامل له على ذلك ما رواه

٢٧

استسقيت لنا فسقينا قال إني دعوت وليس لي في ذلك نية ثم دعوت ولي في ذلك نية.

(باب)

(الإلحاح في الدعاء والتلبث)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين بن عطية ، عن عبد العزيز الطويل قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إن العبد إذا دعا لم يزل الله تبارك وتعالى في حاجته ما لم يستعجل.

______________________________________________________

العامة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه عند الاستسقاء أشار بظهر كفيه إلى السماء ، وبعضهم نفى ذلك وأوله كما سيأتي إنشاء الله تعالى.

قوله : قال فتفرق السحاب ، قيل : هذا كلام الراوي وتوسطه في أثناء الجملة الشرطية غير مناسب ، وأقول : يمكن أن يكون قوله فتفرق جزاء الشرط « وقال » تأكيدا لقوله : قال أولا وإن لم يكن جزاء يحتمل أن يكون قال تأكيدا أو لعله زيد من النساخ.

باب الإلحاح في الدعاء والتلبث

في القاموس : ألح في السؤال ألحف ، والسحاب دام مطره ، وقال : التلبث التوقف.

الحديث الأول : مجهول بسنديه.

« في حاجته » أي في تقديره وتيسيره وتسبيب أسبابه « ما لم يستعجل » أي ما لم يطلب العجلة فيه فييأس إذا أبطأت حاجته فيعرض عن الله تعالى زاعما أنه لا يستجيبه لإبطائه في حقه أو المعنى أنه استعجل في الدعاء ولم يهتم به وقام لحاجته قبل المبالغة ، والإلحاح في الدعاء كما هو ظاهر الخبر الثاني والأول أظهر.

ويمكن حمل الخبر الآتي أيضا عليه أي ييأس بإبطاء الإجابة ويترك الدعاء ويقوم لحاجته ، والحاصل أنه لا بد للداعي من أن يبالغ في الدعاء ويحسن الظن

٢٨

محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين بن عطية ، عن عبد العزيز الطويل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام مثله.

______________________________________________________

برب الأرض والسماء ، ولا ييأس من رحمة الله بتأخر الإجابة فإنه يمكن أن يكون لحب صوته أو لعدم مصلحته في وصول الحاجة إليه عاجلا ولا يستعجل في ذلك ، فإن العجلة من الشيطان وقد ذمها الله تعالى في مواضع من القرآن.

قال الراغب : العجلة طلب الشيء وتحريه قبل أوانه ، وهي من مقتضى الشهوة ولذلك صارت مذمومة في عامة القرآن حتى قيل : العجلة من الشيطان ، قال تعالى : « سَأُرِيكُمْ آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ » (١) « وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ » (٢) « وَما أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يا مُوسى » (٣) « أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ » (٤) « وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ » (٥) و « قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ » (٦) وقال « خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ » (٧) « وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً » (٨) ومثله كثير.

ويؤيده ما رواه في المشكاة عن مسلم عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : قال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل ، قيل : يا رسول الله وما الاستعجال؟ قال : يقول قد دعوت وقد دعوت ولم أر يستجاب لي فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء ، ونقل الطيبي في شرحه عن بعضهم من كان له ملالة من الدعاء لا يقبل دعاؤه لأن

__________________

(١) الأنبياء : ٣٧.

(٢) طه : ١١٤.

(٣) طه : ٨٣.

(٤) النحل : ١.

(٥) الحجّ : ٤٧.

(٦) النمل : ٤٦.

(٧) الأنبياء : ٣٧.

(٨) الإسراء : ١١.

٢٩

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم وحفص بن البختري وغيرهما ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن العبد إذا عجل فقام لحاجته يقول الله تبارك وتعالى أما يعلم عبدي أني أنا الله الذي أقضي الحوائج.

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن أبي عمير ، عن سيف بن عميرة ، عن محمد بن مروان ، عن الوليد بن عقبة الهجري قال سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول والله لا يلح عبد مؤمن على الله عز وجل في حاجته إلا قضاها له.

٤ ـ عنه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحجال ، عن حسان ، عن أبي الصباح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله عز وجل كره إلحاح الناس بعضهم على بعض في

______________________________________________________

الدعاء عبادة حصلت الإجابة أو لم تحصل ، فلا ينبغي للمؤمن أن يمل من العبادة وتأخير الإجابة إما لأنه لم يأت وقتها فإن لكل شيء وقتا ، وإما لأنه لم يقدر في أول الأمر قبول دعائه في الدنيا ليعطى عوضه في الآخرة ، وإما أن يؤخر القبول ليلح ويبالغ فيها ، فإن الله تعالى يجب الإلحاح في الدعاء.

الحديث الثاني : صحيح.

« إذا عجل » أي في تعقيب الصلاة فتركه أو اكتفى فيه بقليل للتوجه إلى حوائجه فقام إليها أو اقتصر بقليل من الدعاء ثم توجه إلى الحاجة التي يدعو لها ، أو المراد به ما ذكرناه في الخبر السابق ، أي يئس للإبطاء في الإجابة وترك الدعاء وتوجه إلى الحاجة ليحصلها به بسعيه والأول هنا أظهر ، وترتب الجزاء على جميع المحتملات ظاهر.

الحديث الثالث : مجهول ، ومحمول على الغالب أو على ما إذا تحققت الشرائط كما مر.

الحديث الرابع : مجهول ، ويمكن عده صحيحا على نسخة حسان وموثقا على نسخة حنان.

٣٠

المسألة وأحب ذلك لنفسه إن الله عز وجل يحب أن يسأل ويطلب ما عنده.

٥ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن حسين الأحمسي ، عن رجل ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال لا والله لا يلح عبد على الله عز وجل إلا استجاب الله له.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن جعفر بن محمد الأشعري ، عن ابن القداح ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله رحم الله عبدا طلب من الله عز وجل حاجة فألح في الدعاء استجيب له أو لم يستجب له وتلا هذه الآية :

______________________________________________________

« ما عنده » أي ما هو تحت قدرته ويحصل بقضائه وقدره ، لكن بشرط أن يكون مشروعا.

الحديث الخامس : مرسل.

الحديث السادس : ضعيف.

وقال الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه‌السلام حيث قال مخاطبا لقومه : « وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ » (١) قال الطبرسي (ره) أي وأتنحى منكم جانبا واعتزل عبادة ما تدعون من دون الله « وَأَدْعُوا رَبِّي » قال أي أعبد ربي « عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا » كما شقيتم بدعاء الأصنام ، وإنما ذكر عسى على وجه الخضوع وقيل : معناه لعله قبل طاعتي وعبادتي ولا أشقى بالرد فإن المؤمن بين الخوف والرجاء ، وقال البيضاوي « شَقِيًّا » أي خائبا ضائع السعي مثلكم في دعاء آلهتكم ، انتهى.

ولنذكر معنى الخبر وسبب الاستشهاد بالآية قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : استجيب له أي سريعا ولم يستجيب أي كذلك أو لم يستجب في حصول المطلوب ، لكن عوض له في الآخرة ، والحاصل أنه لا يترك الإلحاح لبطء الإجابة فالاستشهاد بالآية لأن إبراهيم عليه‌السلام ، أظهر الرجاء بل الجزم إذا لظاهر أن عسى موجبه في عدم شقائه

__________________

(١) مريم : ٤٨.

٣١

« وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا ».

(باب)

(تسمية الحاجة في الدعاء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن أبي عبد الله الفراء ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إن الله تبارك وتعالى يعلم ما يريد العبد إذا دعاه ولكنه يحب أن تبث إليه الحوائج فإذا دعوت فسم حاجتك وفي حديث آخر قال قال إن الله عز وجل يعلم حاجتك وما تريد ولكن يحب أن تبث إليه الحوائج.

______________________________________________________

بدعاء الرب سبحانه ، وعدم كونه خائبا ضائع السعي كما خابوا وضل سعيهم في دعاء آلهتهم كما ذكره المفسرون ، ويحتمل أن يكون في الكلام تقدير أي فرضي بعد الإلحاح سواء استجيب له أم لم يستجب ، ولم يعترض على الله تعالى لعدم الإجابة ولم يسيء ظنه به فالاستشهاد بالآية بحملها على أن المعنى عسى أن لا يكون دعائي سببا لشقاوتي وضلالتي.

ويحتمل أن يكون ذكر الآية لمحض بيان فضل الدعاء.

باب تسمية الحاجة في الدعاء

الحديث الأول : حسن وقد يعد مجهولا وآخره مرسل.

الحديث الثاني : « أن يبث إليه الحوائج » أي تذكر وتظهر فإنها إذا ذكرت انتشرت لأنه يسمعها الملائكة وغيرهم والتعدية بإلى لتضمين معنى التوجه أو التضرع ، قال الجوهري : بث الخبر وأبثه نشره يقال : أبثثتك سري أي أظهرته لك ، والبث الحال والحزن ، يقال : أبثثتك أي أظهرت لك بثي.

٣٢

(باب إخفاء الدعاء)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبي همام إسماعيل بن همام ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال دعوة العبد سرا دعوة واحدة تعدل سبعين دعوة علانية.

وفي رواية أخرى دعوة تخفيها أفضل عند الله من سبعين دعوة تظهرها.

(باب)

(الأوقات والحالات التي ترجى فيها الإجابة)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن يحيى بن إبراهيم بن

______________________________________________________

باب إخفاء الدعاء

الحديث الأول : صحيح وآخره مرسل.

ويدل على أن الإخفاء في الدعاء أفضل من الإعلان ، والحكم بالمساواة في الخبر الأول والأفضلية في الثاني إما باختلاف مراتب الإخفاء والإعلان ، أو المراد بالأول الإخفاء عند الدعاء وبالثاني الإخفاء بعده ، فيدل على أن الثاني أهم وأفضل ، وأما الجمع بينهما وبين ما ورد من فضل الاجتماع في الدعاء فسيأتي الكلام فيه إنشاء الله تعالى.

ثم الظاهر أن هذه النسبة إنما هي إذا لم يكن الإعلان مشوبا بالرياء والسمعة ، وإلا فلا نسبة بينهما.

باب الأوقات والحالات التي ترجى فيها الإجابة

الحديث الأول : صحيح.

والمراد بزوال الأفياء أول وقت الزوال كما تدل عليه الأخبار الآتية وعبر هكذا إلى تسميته المسبب باسم المسبب ، أي زوال الشمس عن دائرة نصف النهار ،

٣٣

أبي البلاد ، عن أبيه ، عن زيد الشحام قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام اطلبوا الدعاء في أربع ساعات عند هبوب الرياح وزوال الأفياء ونزول القطر وأول قطرة من دم القتيل المؤمن فإن أبواب السماء تفتح عند هذه الأشياء.

٢ ـ عنه ، عن أبيه وغيره ، عن القاسم بن عروة ، عن أبي العباس فضل البقباق قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام يستجاب الدعاء في أربعة مواطن في الوتر وبعد الفجر و

______________________________________________________

أو زوال الأفياء من جهة المغرب ، وميلها إلى جهة المشرق ، أو بناء على أن في بلاد الحجاز لقربها من خط الاستواء في أكثر الأوقات شيء ظلي ، والأوسط أظهر.

قال في المصباح : فاء الظل يفيء فيئا رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق والجمع فيوء وأفياء ، وقال : قال ابن قتيبة : يذهب الناس إلى أن الظل والفيء بمعنى واحد وليس كذلك ، بل الظل يكون غدوة وعشية ، والفيء بمعنى واحد ، وليس كذلك بل الظل يكون غدوة وعشية والفيء لا يكون إلا بعد الزوال فلا يقال لما قبل الزوال فيء ، وإنما يقال بعد الزوال فيئا لأنه ظل فاء من جانب المغرب إلى جانب المشرق ، والفيء الرجوع فقال ابن السكيت : الظل من الطلوع إلى الزوال والفيء من الزوال إلى الغروب ، وقال ثعلب : الظل للشجر وغيرها بالغداة ، والفيء بالعشي. انتهى.

ثم اعلم أنه لم يعلم مقدار تلك الساعة ، وروي في عدة الداعي عن الصادق عليه‌السلام قال : إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء وأبواب الجنان وقضيت الحوائج العظام ، فقال الراوي : من أي وقت؟ قال : بمقدار ما يصلي الرجل أربع ركعات مترسلا.

و « أول » عطف على القطر ، والقطر : المطر ، وفتح أبواب السماء إما حقيقة ، أو كناية عن قرب الاستجابة وفتح أبواب الرحمة.

الحديث الثاني : مجهول.

والظاهر أن الثلاثة الأخيرة المراد بها بعد الصلوات لا بعد دخول أول الأوقات ،

٣٤

بعد الظهر وبعد المغرب.

٣ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام اغتنموا الدعاء عند أربع عند قراءة القرآن وعند الأذان وعند نزول الغيث وعند التقاء الصفين للشهادة.

٤ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن عبد الله بن عطاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال كان أبي إذا كانت له إلى الله حاجة طلبها

______________________________________________________

فبعد الظهر هنا غير زوال الأفياء المذكور في الخبر المتقدم.

الحديث الثالث : ضعيف على المشهور.

« عند قراءة القرآن » يحتمل أن يكون المراد بعده لئلا ينافي وجوب الإنصات أو رجحانه إذا قرأ غيره وإذا قرأ هو نفسه لا ينافي القراءة أو المراد سؤال الرحمة بعد تلاوة آياتها والاستعادة من العقوبات بعد قراءة آياتها ، ولكل منهما شواهد من الأخبار ، وإن أمكن أن يكون السؤال بالقلب لا باللسان.

وكذا عند الأذان يمكن أن يكون المراد الدعاء بعده لما ورد من استجابة الدعاء بين الأذان والإقامة ، وإن أمكن أن يكون المراد عند سماع أذان المؤذن لورود الأخبار في الدعاء عنده ولا ينافي استحباب الحكاية لا مكان الجمع بينهما.

« وعند التقاء الصفين للشهادة » ظاهر استجابة الدعاء من ابتداء تقابل الصفين إلى انقضاء الأمر ، ولا ينافي ذلك ما مر في الخبر الأول لاحتمال كون الدعاء عند شهادة الشهيد أقرب إلى الإجابة من سائر أوقات التقاء الصفين ، وما قيل : إن اللام في قوله : للشهادة لام العاقبة والمراد عند انصباب دم المؤمن تكلف مستغنى عنه.

الحديث الرابع : مجهول.

والمراد بزوال الشمس ميل مركزها عن دائرة نصف النهار ، قال الكرماني في شرح البخاري : زاغت الشمس مالت وزالت عن أعلى درجات ارتفاعها ، وهو ثلاث : زوال يعرفه الله ، وزوال يعرفه الملك ، وزوال يعرفه الناس ، فورد أنه سأل

٣٥

في هذه الساعة يعني زوال الشمس.

٥ ـ عنه ، عن أبيه ، عن حماد بن عيسى ، عن حسين بن المختار ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا رق أحدكم فليدع فإن القلب لا يرق حتى يخلص.

٦ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن شريف بن سابق ، عن الفضل بن أبي قرة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله خير وقت دعوتم

______________________________________________________

جبرئيل هل زالت؟ فأجاب بلا نعم ، وقال : قطعت الشمس بين قولي لا ونعم مسيرة خمسمائة عام.

الحديث الخامس : حسن موثق.

« إذا رق أحدكم » أي قلب أحدكم والرقة ضد القساوة وعلامتها البكاء والدمعة ، والرقة أيضا الرحمة ، في المصباح : رق الشيء يرق من باب ضرب خلاف غلظ ، وفي القاموس : الرقة بالكسر الرحمة رققت له أرق والاستحياء والدقة ، وترقق له رق له قلبه.

وقال الجوهري : خلص الشيء بالفتح يخلص خلوصا أي صار خالصا وخلص إليه الشيء وصل ، والإخلاص أيضا في الطاعة ترك الرياء ، وقد أخلصت الله الدين ، انتهى.

والحاصل أن الرقة علامة خلوص القلب من الغدر والحسد والأفكار الباطلة والخيالات الشاغلة ، وتوجهه إلى الله وإعراضه عما سواه أو الوصول إليه تعالى وإلى قربه ، والخلوص علامة الإجابة وسببها.

الحديث السادس : ضعيف.

وقال الجوهري : السحر قبيل الصبح ، وكذا ذكر الفيروزآبادي وغيره أيضا ، وقد جوز بضمتين أيضا.

٣٦

الله عز وجل فيه الأسحار وتلا هذه الآية في قول يعقوب عليه‌السلام : « سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي » وقال أخرهم إلى السحر.

______________________________________________________

وقال الطبرسي (ره) في قوله تعالى : ( وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ ) (١) الأسحار جمع سحر وهو الوقت الذي قبيل طلوع الفجر ، وأصله الخفاء لخفاء الشخص في ذلك الوقت ، انتهى.

وقال الراغب : السحر والسحرة اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار ، وجعل اسما كذلك الوقت ، ويقال : لقيته بأعلى سحرين.

وأقول : وردت أخبار كثيرة في قوله تعالى : « وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ » أنه الاستغفار في صلاة الوتر ، فيومئ إلى امتداده بامتداد وقت الوتر لكنه إيماء خفي ويشير إلى الأول قوله تعالى : ( إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ ) (٢) ثم قال بعد ذلك :

( وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ ) (٣) وقال البيضاوي في هذه الآية : أخره إلى السحر أو إلى صلاة الليل أو إلى ليلة الجمعة تحريا لوقت الإجابة أو إلى أن يستحل لهم من يوسف ، أو يعلم أنه عفا عنهم ، فإن عفو المظلوم شرط المغفرة ، ويؤيده ما روي أنه استقبل قائما يدعو وقام يوسف خلفه يؤمن وقاموا خلفهما أذلة خاشعين حتى نزل جبرئيل وقال : إن الله قد أجاب دعوتك وعقد مواثيقهم بعدك على النبوة.

وقال الطبرسي (ره) إنما لم يستغفر لهم في الحال لأنه أخرهم إلى سحر ليلة الجمعة عن ابن عباس ، وطاوس وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقيل : أخرهم إلى وقت السحر لأنه أقرب إلى إجابة الدعاء عن ابن مسعود وغيره ، وروي أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام وقيل : إنه كان يستغفر لهم كل ليلة جمعة في نيف وعشرين سنة عن وهب ، وقيل : إنه كان يقوم ويصف أولاده خلفه عشرين سنة

__________________

(١) آل عمران : ١٧.

(٢) القمر : ٣٤.

(٣) القمر : ٣٨.

٣٧

٧ ـ الحسين بن محمد ، عن أحمد بن إسحاق ، عن سعدان بن مسلم ، عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال كان أبي إذا طلب الحاجة طلبها عند زوال الشمس ـ فإذا أراد ذلك قدم شيئا فتصدق به وشم شيئا من طيب وراح إلى المسجد ودعا في حاجته بما شاء الله.

٨ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن علي بن حديد رفعه

______________________________________________________

يدعو ويؤمنون على دعائه واستغفاره لهم حتى نزل قبول توبتهم ، وروي أن جبرئيل علمه دعاء فاستجيب لهم.

الحديث السابع : مجهول.

ويمكن أن يعد حسنا لأن سعدان له أصل ويدل على أشياء من شرائط الدعاء ودواعي الإجابة.

الأول : كونه عند زوال الشمس عن وسط السماء.

الثاني : التصدق قبل الدعاء ولو بقليل.

الثالث : استعمال الطيب وكان الشم هنا كناية عن استعمال قليل من الطيب والتطيب به لا الاكتفاء بمحض الشم ونظيره حديث أم عطية الخافضة ، قال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أشمي ولا تنهكي شبه القطع اليسير بإشمام الرائحة والنهك بالمبالغة فيه ، أي اقطعي بعض النواة ولا تستأصليها ، كذا في النهاية.

الرابع : كون الدعاء في المسجد ، ويمكن أن يكون المراد هنا مسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله : « ودعا في حاجته بما شاء الله » أي من التحميد والثناء والصلاة فهذا أيضا يدل على كثير من الآداب إجمالا.

الحديث الثامن : سنده الأول ضعيف والثاني صحيح.

وسعيد هو ابن يسار ، ورواه الصدوق في الخصال في باب الثلاثة عن أبيه عن محمد بن يحيى العطار عن الحسين بن إسحاق التاجر عن علي بن مهزيار عن علي بن حديد مثله ، إلا أنه زاد بعد قوله : ودمعت عيناك ، ووجل قلبك فدونك ودونك

٣٨

إلى أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا اقشعر جلدك ودمعت عيناك فدونك دونك فقد قصد قصدك.

قال ورواه محمد بن إسماعيل ، عن أبي إسماعيل السراج ، عن محمد بن أبي حمزة ، عن سعيد مثله.

٩ ـ عنه ، عن الجاموراني ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن صندل ، عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن الله عز وجل يحب من عباده

______________________________________________________

اسم فعل بمعنى خذ قال الجوهري : يقال في الإغراء بالشيء دونكه ، قال تميم للحجاج أقبرنا صالحا وكان قد صلبه وقال : دونكموه ، وقال : القصد إتيان الشيء تقول قصدته وقصدت له وقصدت إليه بمعنى ، وقصدت قصده نحوت نحوه ، وفي القاموس : القصد استقامة الطريق والاعتماد والأم قصده ، وله وإليه وضد الإفراط ، وفي المصباح قصدت الشيء وله وإليه قصدا من باب ضرب طلبته بعينه وإليه قصدي ومقصدي وقصد في الأمر قصدا توسط وطلب الأسد ، ولم يجاوز الحد.

وهو على قصد أي رشد وطريق سهل ، وقصدت قصده أي نحوه.

إذا عرفت هذا فالظاهر أن قصد على بناء المفعول وقصدك مفعول مطلق نائب الفاعل والإضافة إلى المفعول إذا ظهرت تلك العلامات فعليك بطلب الحاجات والاهتمام في الدعاء للمهمات فقد أقبل الله عليك بالرحمة وتوجه نحوك للإجابة ، أو أقبلت الملائكة إليك للشفاعة أو لقضاء الحاجة بأمره سبحانه.

وقيل : القصد بمعنى المقصود أي أقبل الله والملائكة إلى مقصودك وربما يقرأ أقصد بصيغة المعلوم ، وقال : قصدك مرفوع بالفاعلية والإضافة إلى الفاعل أي استقام قصدك إلى المطلوب ولا يخفى بعدهما وظهور الأول.

الحديث التاسع : ضعيف.

« وهي السدس الأول من أول النصف » أي النصف الثاني وظاهره أن المراد سدس النصف لا سدس الكل ، وسيأتي هذا الخبر في كتاب الصلاة في باب

٣٩

المؤمنين كل عبد دعاء فعليكم بالدعاء في السحر إلى طلوع الشمس فإنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء وتقسم فيها الأرزاق وتقضى فيها الحوائج العظام.

١٠ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عمر بن أذينة قال : سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول إن في الليل لساعة ما يوافقها عبد مسلم ثم يصلي ويدعو الله عز وجل فيها إلا استجاب له في كل ليلة قلت أصلحك الله وأي ساعة هي من الليل قال إذا مضى نصف الليل وهي السدس الأول من أول النصف.

______________________________________________________

صلاة النوافل بهذا السند إلا أن فيه عن عمر بن أذينة عن عمر بن يزيد وهو أظهر ، وفي متنه هكذا إذا مضى نصف الليل في السدس الأول من النصف الباقي ، لكن رواه الشيخ في التهذيب عن الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير عن ابن أذينة عن عمر ابن يزيد مثله ، إلى قوله : قال إذا مضى نصف الليل إلى الثلث الباقي ، وروي أيضا عن الحسين بن سعيد عن صفوان عن أبي أيوب الخراز عن عبيدة النيسابوري ، قال ، قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : جعلت فداك إن الناس يروون عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن في الليل لساعة لا يدعو فيها عبد مؤمن بدعوة إلا استجيب له ، قال : نعم ، قلت : متى هي؟ قال : ما بين نصف الليل إلى الثلث الباقي قلت : ليلة من الليالي أو كل ليلة؟ فقال : كل ليلة ، فهذان الخبران يدلان على أن المراد سدس الكل.

٤٠