مرآة العقول

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

مرآة العقول

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: دار الكتب الإسلاميّة
المطبعة: خورشيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٩٠

(باب)

(من قال لا إله إلا الله وحده وحده وحده)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن علي بن النعمان عمن ذكره ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال جبرئيل عليه‌السلام لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله طوبى لمن قال من أمتك ـ لا إله إلا الله وحده وحده وحده.

______________________________________________________

باب من قال لا إله إلا الله وحده وحده وحده

الحديث الأول : مرسل ، وفي النهاية فيه فطوبى للغرباء ، طوبى اسم الجنة وقيل هي شجرة فيها ، وأصلها فعلى من الطيب فلما ضمت الطاء انقلبت الواو ياء وفيه طوبى للشام المراد بها ههنا فعلى من الطيب لا الجنة ، ولا الشجرة ، وقال : يقال جلس وحده ، ورأيته وحده أي منفردا ، وهو منصوب عند أهل البصرة على الحال أو المصدر ، وعند أهل الكوفة على الظرف كأنك قلت أوحدته رؤيتي إيجادا أي لم أر غيره وهو أبدا منصوب انتهى ، والحاصل أن الوحدة مصدر ، ونصبه هنا إما بنيابة الظرف بتقدير مع وحده ، أو بنيابة الحال بتقدير منفردا وحده ، وعلى التقديرين هنا للتأكيد ، والتكرير للمبالغة ، والإشارة إلى الوحدة في الخلق ، واستحقاق العبادة والتفرد في الأمر والحكم ، أو إلى نفي الشرك في الألوهية ، والنبوة ، والإمامة فإن إنكارهما من الشرك كما مر ، أو إلى توحيد الذات ، والصفات والأفعال.

٢٠١

(باب)

(من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له عشراً)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن عمرو بن عثمان وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن عبد الله بن المغيرة ، عن ابن مسكان ، عن أبي بصير ليث المرادي ، عن عبد الكريم بن عتبة ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول من قال عشر مرات قبل أن تطلع الشمس وقبل غروبها : « لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ

______________________________________________________

باب من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له عشرا

أقول : في أكثر النسخ في عنوان الباب اختصار وفي بعضها ذكر جميع ما في الخبر.

الحديث الأول : صحيح ، وعتبة بضم العين وسكون التاء ، ورواه البرقي في المحاسن ، عن أبيه ، وعمرو بن عثمان ، وأيوب بن نوح جميعا ، عن ابن المغيرة إلى آخر الخبر ، إلا أنه ليس فيه « ويميت ويحيي ».

وأقول : هذه التهليلات باختلافها متواترة بالمعنى رواها العامة ، والخاصة في مواطن متعددة ، فمما رواه العامة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من قال ـ لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ـ عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل » قال الآبي : فيه دلالة على أن العرب تسترق.

« له الملك » إشارة إلى قوله تعالى ( قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ ) فالملك الحقيقي مختص به ، والملك الظاهري الواقعي من النبوة والإمامة بيده ، والملك الذي يحصل بالتغلب أيضا بتقديره ، وتمكينه ، يعطيه من يشاء برفع الموانع ، وأن يخليه واختياره لا بأن يجبره عليه ، ويصرفه عمن يشاء « وله الحمد » أي الحمد مختص به ، لأن النعمة كلها مخلوقة له ، وهو مسبب الأسباب ، ومولى النعم. وكلها بتقديره ، وتدبيره « يحيي ويميت ويميت ويحيي » كان الإحياء أو لا في الدنيا ،

٢٠٢

وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ » كانت كفارة لذنوبه ذلك اليوم

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عمن ذكره ، عن عمر بن محمد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله من صلى الغداة فقال قبل أن ينفض ركبتيه عشر مرات : لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ ويميت ويحيي وهو حي لا يموت بيده الخير وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

______________________________________________________

والإماتة أولا فيها ، والإماتة الثانية في القبر فتدل ضمنا على إحياء أخر ، ولما كانت مدة تلك الحياة قليلة ، لم يذكرها صريحا ، والإحياء ثانيا في الآخرة ، وإنما لم يتعرض للأحياء والأمانة في الرجعة لعدم عمومها وشمولها لكل أحد ، مع أنه يحتمل أن تكون الأمانة الثانية إشارة إليه ، ولا يبعد أن يكون المراد بكل من الفقرتين ، جنسي الإماتة والإحياء ، والتكرير لبيان استمرارهما ، وكثرتهما « بيده الخير » أي كلما يصدر عنه فهو خير ، وإن كان بحسب الظاهر شرا ، كما ورد في الدعاء ، الخير في يديك ، والشر ليس إليك.

« كانت كفارة لذنوبه ذلك اليوم » لعل المراد باليوم اليوم مع ليلته ، فيكون ما قاله قبل طلوع الشمس ، كفارة لذنوب الليل ، وما قاله قبل غروبها كفارة لذنوب اليوم ، ولو كان المراد اليوم فقط كان ناظرا إلى قبل غروبها ، وأحال الأول على الظهور ، والظاهر أن المراد بالذنوب أعم من الصغيرة والكبيرة ، وقيل : لا يبعد تخصيصها بالصغيرة لأن الكبيرة لا يكفرها إلا التوبة ، أو فضل الله تعالى ، ويؤيد هذا التخصيص ، قوله في الخبر الآتي ، ولم تحط به كبيرة من الذنوب.

الحديث الثاني : مرسل.

« قبل أن ينقض ركبتيه » النقض الهدم ، وأستعير هنا لتغيير وضع الركبتين عن الحالة التي كانتا عليها في حال التشهد ، والتسليم ، وفي بعض النسخ أن يقبض وهو قريب من الأول ، والمراد قبضهما بإرادة القيام ، قوله « إلا من جاء بمثل عمله »

٢٠٣

وفي المغرب مثلها لم يلق الله عز وجل عبد بعمل أفضل من عمله إلا من جاء بمثل عمله.

(باب)

(من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن)

(محمداً عبده ورسوله)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن سعيد ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله كتب الله له ألف ألف حسنة.

______________________________________________________

إن قيل : الاستثناء يفيد ، أن عمل من جاء بمثل عمله ، أفضل من عمله ، والمثلية تقتضي المساواة فبينهما تناف ، قلت : المراد بالأفضلية هنا المساواة مجازا ، كما يقال : ليس في البلد أفضل من زيد ، والمراد نفي المساواة ، وأنه أفضل ممن عداه ، وهذا شائع فالمعنى لم يلق الله عز وجل عبد بعمل مساو لعمله في الفضيلة والكمال ، إلا من جاء بمثل عمله ، وقيل : المراد في المستثنى بعض ما جاء بمثل عمله ، فإن الاستثناء لا يفيد العموم في المستثنى ، فالأفضل من جاء بمثل عمله ، وزاد عليه ، والأول أظهر والمراد بالملاقاة عند الموت أو في القيامة.

باب من قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده إلخ

الحديث الأول : حسن على الظاهر ، إذ الظاهر أن سعيدا هو ابن غزوان لرواية ابن أبي عمير عنه ألف حسنة ، في بعض النسخ ألف ألف حسنة ، ويمكن أن تكون نسبة الكتابة إلى الله على المجاز لأنه الأمر بذلك ، والكاتب هو الملك.

٢٠٤

(باب)

(من قال عشر مرات في كل يوم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له)

(إلها واحدا أحدا صمدا لم يتخذ صاحِبَةً وَلا وَلَداً)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عبد العزيز العبدي ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من قال في كل يوم عشر مرات أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلها واحدا أحدا صمدا لم يتخذ صاحِبَةً وَلا وَلَداً كتب الله له خمسة وأربعين ألف حسنة ومحا عنه خمسة وأربعين ألف سيئة ورفع له خمسة وأربعين ألف درجة.

وفي رواية أخرى وكن له حرزا في يومه من السلطان والشيطان ولم تحط

______________________________________________________

باب من قال عشر مرات في كل يوم أشهد إلخ

الحديث الأول : ضعيف ورواه الصدوق في التوحيد ، وثواب الأعمال ، عن أبيه ، عن سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن أبي نجران مثله إلا أن في الجميع خمسا وأربعين ألف ألف ، وفي الأخير ورفع له في الجنة ، وفي صدر الخبر من قال في يوم ، وفي بعض النسخ يومه ، وزاد في أخره وكان كمن قرأ القرآن في يومه اثنتي عشرة مرة ، وبنى الله له بيتا في الجنة ، وقيل : لو لم تكن له سيئة ، لا يبعد القول بأنه يعوض عن محو السيئة حسنة ، ولم أر بذلك تصريحا من الأصحاب ، وجزم بذلك الخطابي من علماء العامة ، وقد يقال : المراد بالسيئة الصغيرة ، إذ محو الكبائر عندهم مشروط بالتوبة ، وفيه نظر ، بل الظاهر أنها تشمل الكبيرة أيضا.

قوله عليه‌السلام « ولم تحط به كبيرة » أي لم تستول عليه بحيث يشمل جملة أحواله ناظرا إلى قوله تعالى « مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ » والحاصل : أن هذه

٢٠٥

به كبيرة من الذنوب.

(باب)

(من قال يا الله يا الله ـ عشر مرات ـ)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن أبيه ، عن أيوب بن الحر أخي أديم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من قال يا الله يا الله عشر مرات قيل له لبيك ما حاجتك.

______________________________________________________

الكلمات تصير سببا لعدم الإصرار على الكبيرة ، وعدم استيلاء الشيطان ، والتضرر من السلطان.

باب من قال يا الله عشر مرات

الحديث الأول : صحيح.

« قيل له لبيك » هذا من تنزلاته بالنسبة إلى عبيده ، ويحتمل أن يكون القائل هو الله تعالى ، أو الملك الموكل من قبله بقضاء حاجة العبد ، وقيل : إن كان القائل هو الله سبحانه ، فهو للاستنطاق ، وإن كان غيره يحتمل الاستفهام أيضا ، وأقول : الظاهر أنه استعارة تمثيلية لبيان استعداده واستئهاله لقبول حاجته ، وفي القاموس ألب ، أقام كلب ، ومنه لبيك أي أنا مقيم على طاعتك إلبابا بعد الباب ، وإجابة بعد إجابة أو معناه اتجاهي ، وقصدي لك من داري تلب داره أي تواجهها ، أو معناه محبتي لك من امرأة لبه أي محبة لزوجها ، أو معناه إخلاصي لك من حسب لباب خالص.

٢٠٦

(باب)

(من قال لا إله إلا الله حقاً حقاً)

١ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عيسى الأرميني ، عن أبي عمران الخراط ، عن الأوزاعي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من قال في كل يوم ـ لا إله إلا الله حقا حقا لا إله إلا الله عبودية ورقا لا إله إلا الله إيمانا وصدقا أقبل الله عليه بوجهه ولم يصرف وجهه عنه حتى يدخل الجنة.

______________________________________________________

باب من قال لا إله إلا الله حقاً حقاً

في العنوان اختصار

الحديث الأول : مجهول.

« وحقا » حال مؤكدة من الله ، لأنه في حكم المفعول به ، أو مفعول مطلق لفعل محذوف أي حق حقا جيء به لتأكيد مضمون الجملة ، والتكرير للمبالغة في التأكيد ، أو إشارة إلى مدلولي كلمة التوحيد أي لا خالق سواه حقا ولا معبود سواء حقا وقوله « عبودية ورقا » كل منهما مفعول له لفعل محذوف ، أي أقولها لعبوديتي ورقيتي ، ويحتمل أن يكونا نائبين للمفعول المطلق ، أي أقولها قولا ناشئا من جهة العبودية ، والرقية ، وفي القاموس : العبودية ، والعبادة الطاعة ، وقال : الرق بالكسر الملك ، وفي المصباح : الرق بالكسر العبودية ، وهو مصدر رق الشخص يرق من باب ضرب فهو رقيق ، وكذا قوله « إيمانا وصدقا » يحتمل النصب بالعلية والمصدرية ، أي أقولها لأني مؤمن صادق مصدق ، أو آمنت إيمانا ، وصدقت فيه صدقا. وقيل الجمع بينهما للإشعار بالتوافق بين اللسان والقلب ، وإقبال الله تعالى عليه بوجهه ، وعدم صرف وجهه عنه كناية عن توفيقه ، وتأييده ، وتسديده ، وإفاضة رحماته عليه ، وحفظه ، وعصمته عما يوجب دخول النار حتى يدخله الجنة بفضله.

٢٠٧

(باب)

(من قال يا رب يا رب)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن عيسى ، عن أيوب بن الحر أخي أديم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من قال عشر مرات يا رب يا رب قيل له لبيك ما حاجتك.

٢ ـ أحمد بن محمد وعلي بن إبراهيم ، عن أبيه جميعا ، عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران قال مرض إسماعيل بن أبي عبد الله عليه‌السلام فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام قل يا رب يا رب عشر مرات فإن من قال ذلك نودي لبيك ما حاجتك.

______________________________________________________

باب من قال يا رب يا رب

الحديث الأول : صحيح.

« والرب » أقرب الأسماء إلى الاسم الأعظم ، ولذا لم يذكر الله تعالى دعاء من أدعية الأنبياء ، والصالحين إلا افتتحها به كقوله « رَبَّنا ظَلَمْنا » « رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً » « رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا » « رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا » « رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا » « رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا » « رب أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ » « رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً » « فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ » « رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا » ومثله كثير ، وفيه استعطاف لما فيه من الدلالة على تربية كل شيء ، وتكميله ، وحفظه ، وإخراجه من حد النقص إلى الكمال بحسب ما يليق بحاله ، كما عرفت.

الحديث الثاني : مجهول. ويمكن أن يقرأ رب بكسر الباء بأن يكون تخفيف يا ربي والكسرة تدل على الياء المحذوفة ، أو بالرفع بأن يكون منادي مفرد.

٢٠٨

٣ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن عيسى ، عن معاوية ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال من قال يا رب يا الله يا رب يا الله حتى ينقطع نفسه قيل له لبيك ما حاجتك.

(باب)

(من قال لا إله إلا الله مخلصاً)

١ ـ الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد وعدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد جميعا ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عائذ ، عن أبي الحسن السواق ، عن أبان بن تغلب

______________________________________________________

الحديث الثالث : صحيح ، وفي بعض النسخ يا ربي الله ، وفي بعضها يا ربي يا الله ، وفي أكثرها يا رب يا الله.

باب من قال لا إله إلا الله مخلصاً

الحديث الأول : موثق ، وأبو الحسن هو علي بن محمد بن علي بن عمر بن رباح بن قيس بن سالم مولى عمر بن سعد بن أبي وقاص لعنه الله ، وقال النجاشي : كان ثقة في الحديث واقفا في المذهب صحيح الرواية ثبت معتمد على ما يرويه.

قوله عليه‌السلام « من شهد فيه » إشارة إلى أن مجرد القول بدون القصد ، والاعتقاد لا يمكن في ترتب الجزاء لأن الشهادة لا تكون الأمن صميم القلب ، وقوله « مخلصا » حال مؤكدة من فاعل شهد ، أي مخلصا لله دينه كما قال تعالى « مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ » وإخلاص الدين أن لا يشوبه بشيء من الشرك كنفي الرسالة ، والولاية ، وإنكار المعاد ، وسائر ما علم من الدين ضرورة وقد بين عليه‌السلام ذلك في آخر الخبر حيث قال « تسلب لا إله إلا الله عمن ليس على هذا الأمر » وهذا الأمر إشارة إلى دين الحق الذي عمدته الإقرار بجميع الأئمة عليهم‌السلام وبما بينوه عليهم‌السلام من أصول الدين ، وعقائدهم الحقة ، كما روى الصدوق في المجالس ، والعيون بإسناده عن إسحاق بن راهويه قال لما وافى أبو الحسن الرضا عليه‌السلام نيسابور ، وأراد أن يرحل منها إلى المأمون ، اجتمع

٢٠٩

عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال يا أبان إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وجبت له الجنة قال قلت له إنه يأتيني من كل صنف

______________________________________________________

إليه أصحاب الحديث ، فقالوا له يا بن رسول الله ، ترحل عنا ، ولا تحدثنا بحديث فنستفيد منك ، وقد كان قعد في العمارية فأطلع رأسه ، وقال : سمعت أبي موسى بن جعفر ، يقول : سمعت أبي جعفر بن محمد ، يقول : سمعت أبي محمد بن علي ، يقول : سمعت أبي علي بن الحسين ، يقول : سمعت أبي الحسين بن علي ، يقول : سمعت أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : سمعت جبرئيل عليه‌السلام يقول : سمعت الله عز وجل يقول : لا إله إلا الله حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي فلما مرت الراحلة نادانا بشروطها وأنا من شروطها.

بل يدل بعض الأخبار على أنه يدخل في الإخلاص بعض الأعمال أيضا كما روى الصدوق في ثواب الأعمال ، بإسناده الصحيح ، عن محمد بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة ، وإخلاصه أن يحجزه لا إله إلا الله عما حرم الله ، وروي أيضا هذا المضمون ، عن زيد بن أرقم ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وروى أيضا زر بن حبيش قال : سمعت حذيفة يقول : لا إله إلا الله ترد غضب الرب جل جلاله عن العباد ، ما كانوا لا يبالون ما انتقص من دنياهم إذا سلم دينهم ، فإذا كانوا لا يبالون ما انتقص من دينهم إذا سلمت دنياهم ثم قالوها ردت عليهم ، وقيل كذبتم ولستم بها صادقين. فاستبان أنه ليس المراد بالإخلاص هنا ترك الرياء فقط ، كما فهمه الأكثر ، وقيل : لما دلت ظواهر الآيات والروايات على نفوذ الوعيد في طائفة من العصاة ، واقتضى هذا الحديث أمنهم تعين فيه التأويل صونا لظاهر الشرع عن التناقض ، فتأوله بعضهم أن ذلك قبل نزول الفرائض ، وأما بعده فالعاصي بالمشية وقال بعضهم : هذا التأويل وإن كان مستبعدا من جهة قوله « إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث » لأن الغرض منه الترغيب في هذه الكلمة الشريفة ولا شبهة في أنهم نشأوا بعد نزول الفرائض ، ومن جهة عموم من شهد لكنه قد مر في باب ، بعد باب

٢١٠

من الأصناف أفأروي لهم هذا الحديث قال نعم يا أبان إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين فتسلب لا إله إلا الله منهم إلا من كان على هذا الأمر.

______________________________________________________

أن الإيمان قبل الإسلام ما يؤيده حيث قال الباقر عليه‌السلام في حديث طويل : ثم بعث الله عز وجل محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو بمكة عشر سنين ، فلم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، إلا أدخله الله الجنة بإقراره ، وهو إيمان التصديق ، ولم يعذب الله أحدا ممن مات ، وهو متبع لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذلك الأمن أشرك بالرحمن ، وأوله بعضهم بحمله على من مات ولم يعص.

ثم قال : ويؤيده أن لهذا الحكم أعني ترتب وجوب دخول الجنة على الشهادة بالتوحيد شروطا كما أشار عليه‌السلام إلى بعضها ، بقوله « إلا من كان على هذا الأمر » وبعضها الشهادة بالرسالة ، وهي غير مذكورة فيحتمل أن يكون عدم العصيان أيضا من الشروط.

وأوله البخاري بمن مات وهو ثابت ، يريد أن من كان آخر كلامه هذه الكلمة الشريفة وجبت له الجنة ، لأنها مكفرة للذنوب التي صدرت قبلها.

وقيل : لا يحتاج الحديث إلى التأويل لأن المؤمن العاصي إن غفر له ابتداء يلتحق بغير العاصي فيدخل الجنة مثله ، وإن نفذ فيه الوعيد يدخل النار على ما شاء الله ، ثم لا بد له من دخول الجنة ، فوجوب دخول الجنة على ظاهره إذ لا بد للقائل بالشهادتين من دخولها ، إما ابتداء أو بعد الجزاء.

قوله عليه‌السلام « فتسلب » المراد بالسلب إما نسيانها أو عدم ترتب أثرها عليها ، أو عدم انطلاق لسانه بها ، كما أنهم في القيامة يريدون أن يسجدوا وهم لا يستطيعون « وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ » (١).

__________________

(١) القلم : ٤٣.

٢١١

(باب)

(من قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال إذا دعا الرجل فقال بعد ما دعا ـ ما شاء

______________________________________________________

باب من قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله

الحديث الأول : صحيح.

« بعد ما دعا » كلمة ما مصدرية « ما شاء الله » قال البيضاوي : أي الأمر ما شاء الله ، أو ما شاء الله كائن ، على أن « ما » موصولة ، أو أي شيء شاء الله كائن ، على أنها شرطية ، والجواب محذوف.

وقال الطبرسي : رحمه الله تعالى « ما شاءَ اللهُ » يحتمل أن يكون ما رفعا وتقديره ـ الأمر ما شاء الله ـ فيكون موصولا والضمير العائد إليه تكون محذوفا لطول الكلام ، ويجوز أن يكون التقدير ـ ما شاء الله كائن ـ ويحتمل أن تكون « ما » في موضع نصب على معنى الشرط والجزاء ، ويكون الجواب محذوفا وتقديره ـ أي شيء شاء الله كان ـ ومثله في حذف الجواب قوله ( فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ ) (١) والمعنى ما شاء الله كان وإني إن تبعت في جمعي وعمارتي فليس ذلك إلا بقوة الله وتيسيره ، ولو شاء لحال بيني وبين ذلك ولنزع البركة عنه ، فإنه لا يقوى أحد على ما في يديه من النعمة إلا بالله ولا يكون له إلا ما شاء الله ، انتهى.

وأقول : في أكثر النسخ في هذا الخبر « ما شاءَ اللهُ لا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ » وفي بعضها « لا حول ولا قوة إلا بالله » كالخبر الآتي.

وقال في النهاية : الحول هيهنا الحركة يقال حال الشخص يحول إذا تحرك

__________________

(١) الأنعام : ٣٥.

٢١٢

الله لا حول ولا قوة إلا بالله قال الله عز وجل استبسل عبدي واستسلم لأمري اقضوا حاجته.

______________________________________________________

المعنى لا حركة ولا قوة إلا بمشية الله تعالى ، وقيل : الحول الحيلة والأول أشبه ومنه الحديث « اللهم بك أصول وبك أحول » أي أتحرك ، وقيل : احتال ، وقيل : أدفع وأمنع من حال بين الشيئين إذا منع أحدهما عن الآخر ، وقال فيه : ذكر الحوقلة هي لفظة مبنية من « لا حول ولا قوة إلا بالله » كالبسملة من « بسم الله » والحمد له من « الحمد لله » ، فهكذا ذكره الجوهري بتقديم اللام على القاف ، وغيره يقول « الحوقلة » بتقديم القاف علي اللام ، والمراد بهذه الكلمات إظهار الفقر إلى الله بطلب المعونة منه على ما يحاول من الأمور وهو حقيقة العبودية ، وروي عن ابن مسعود أنه قال : معناه لا حول عن معصية الله ، إلا بعصمة الله ، ولا قوة على طاعة الله ، إلا بمعونة الله.

وأقول : هذا المعنى الأخير مروي عن الباقر والصادق عليهما‌السلام وقد مر في كتاب التوحيد ، وسئل أمير المؤمنين عليه‌السلام عن هذه الكلمة فقال : إنا لا نملك مع الله شيئا ولا نملك إلا ما ملكنا فمتى ملكنا ما هو أملك به منا كلفنا ، ومتى أخذه منا وضع تكليفه عنا ، وفي القاموس : الحول والحيل والحولة والحيلة الحذق وجودة النظر والقدرة على التصرف والحولة القوة والتحول والانقلاب ، وقال الراغب : حالت الدار تغيرت ، والحال لما يختص به الإنسان وغيره من أموره المتغيرة في نفسه وجسمه أو قنياته ، والحول ماله من القوة في أحد هذه الأصول الثلاثة ، ومنه قيل « لا حول ولا قوة إلا بالله ».

وفي طرق العامة قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعبد الله بن قيس : ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ، قال بلى يا رسول الله قال : « لا حول ولا قوة إلا بالله » قال المازري في ضبط هذه الكلمة خمس لغات فتح الكلمتين بلا تنوين ، ورفعهما منونتين ، و

٢١٣

٢ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد ، عن بعض أصحابه ، عن جميل ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال سمعته يقول من قال ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله سبعين مرة صرف عنه سبعين نوعا من أنواع البلاء أيسر ذلك الخنق قلت جعلت فداك وما

______________________________________________________

فتح الأول ونصب الثانية ، ورفعها منونة ، والخامس عكس الرابع ، وفي القاموس : أبسله لكذا عرضه ورهنه أو أبسله أسلمه للهلكة ولعمله وبه وكله إليه ، ونفسه للموت وطنها كاستبسل ، واستبسل طرح نفسه للحرب يريد أن يقتل أو يقتل ، وبالجملة هو كناية عن غاية التسليم والانقياد وإظهار العجز في كل ما أراد بدون تقدير رب العباد.

الحديث الثاني : مرسل.

« سبعين مرة » أي في مجلس واحد أو في اليوم بليلته ، كما قيل سبعين نوعا وإن قضيت عليه وأبرمت ، ولكن لم تبلغ الإمضاء ، وفي القاموس : خنقه خنقا ككتف فهو خنق أيضا وخنيق ومخنوق كخنقه فاختنق ، والخناق كغراب داء يمتنع معه نفوذ النفس إلى الرية والقلب انتهى ، ومنشأه غلبة الدم والسوداء.

« قلت جعلت فداك وما الخنق » قيل ـ الواو في الحكاية دون المحكي ، وعطف الإنشاء على الإخبار إذا كان له محل من الإعراب جائز ـ ولا يخفى ما فيه « لا يقتل بالجنون » تفسير لصرف المفهوم من الكلام السابق « فيخنق » على بناء المجهول بالنصب.

وأقول : كان المعنى أن مقصودي من الخنق ، هذا النوع منه وهو الذي يحصل من الجنون كالصرع ، وكلما كان الأيسر أشد كان أبلغ في المبالغة ، ومنهم من قرأ لا « يعتل » بالعين واللام المشددة من الاعتلال ، أو بالفاء واللام المخففة من فتله يفتله لواه كفتله فهو فتيل ومفتول ، والحبون بالحاء المهملة والباء الموحدة جمع الحبن بالكسر كالحمول جمع الحمل ، وهو خراج كالرمل وما يعتري في الجسد

٢١٤

الخنق قال لا يعتل بالجنون فيخنق

(باب)

(من قال أستغفر الله الذي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)

(ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ وأتوب إليه)

١ ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الصمد ، عن الحسين بن حماد ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال من قال في دبر صلاة الفريضة قبل أن يثني رجليه ـ أستغفر الله الذي ( لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ * ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ ) وأتوب إليه ثلاث

______________________________________________________

فيقيح ويرم ، والحبن محركة داء في البطن يعظم منه ويرم كذا في القاموس ، وأقول : لا يخفى ما فيه من التكلف والتصحيف.

باب من قال أستغفر الله الذي إلخ

الحديث الأول : مجهول.

« في دبر صلاة الفريضة » الإضافة فيها من إضافة الموصوف إلى الصفة ، ومأول عند غيرهم بصلاة العبادة الفريضة ، فهي من إضافة الجزئي إلى الكلي ، مثل بنو هاشم نجباء قريش ، لأن الفريضة شاملة للزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد ، والتاء للفريضة للنقل عن الوصفية إلى الاسمية مأخوذ من الفرض بمعنى القطع ، لاقتطاعها عن سائر العبادات بنوع تشديد وتأكيد كما قيل.

وقال في النهاية : في حديث الدعاء « من قال عقيب الصلاة وهو ثان رجله » أي عاطف رجله في التشهد قبل أن ينهض ، وفي حديث آخر ، من قال قبل أن يثني رجله ، هذا ضد الأول في اللفظ ومثله في المعنى لأنه أراد قبل أن يصرف رجله عن حالته التي هي عليها في التشهد ، انتهى وقال الطيبي : ويثني رجليه من صلاة المغرب ، والصبح أي يعطفهما ويغيرهما عن هيئة التشهد.

وأقول : في بعض النسخ « ذا الجلال » بالنصب وفي بعضها بالرفع ، فعلى الأول

٢١٥

مرات غفر الله عز وجل له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.

______________________________________________________

الظاهر نصب الحي والقيوم أيضا فالكل أوصاف للجلالة ، وعلى الثاني : فالظاهر رفع الكل أما لكونها أوصافا للضمير على مذهب الكسائي إذ المشهور بين النحاة أن الضمير لا يوصف ، وأجاز الكسائي وصف ضمير الغائب في نحو قوله تعالى « لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » وقولك مررت به المسكين ، والجمهور يحملون مثله على البدلية إذ يجوز الإبدال من ضمير الغائب اتفاقا ، ويحتمل نصب الأولين ورفع ذو على المدح ، كما أنه في الأول يحتمل رفع الأولين ونصب ذا على المدح. قال البيضاوي : في قوله تعالى « ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ » ذو الاستغناء المطلق والفضل العام.

وقال الطبرسي (ره) : « ذُو الْجَلالِ » أي ذو العظمة والكبرياء ، واستحقاق الحمد والمدح بإحسانه الذي هو في أعلى مراتب الإحسان ، وإنعامه الذي هو أصل كل إنعام ، « وَالْإِكْرامِ » يكرم أنبياءه وأولياءه بألطافه وإفضاله مع عظمته وجلاله ، وقيل : معناه أنه أهل أن يعظم وينزه عما لا يليق بصفاته كما يقول الإنسان لغيره ـ أنا أكرمك عن كذا وأجلك عنه ـ كقوله « أَهْلُ التَّقْوى » أي أهل أن يتقى.

وقال الراغب : الجلالة عظم القدر والجلالة بغير الهاء التناهي في ذلك ، وخص بوصف الله تعالى فقيل : « ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ » ولم يستعمل في غيره والجليل العظيم القدر ووصفه تعالى بذلك أما لخلقه الأشياء العظيمة المستدل بها عليه ، أو لأنه يجل عن الإحاطة به ، أو لأنه يجل عن أن يدرك بالحواس ، وقال : الكرم إذا وصف الله تعالى به فهو اسم لإحسانه وإنعامه المتظاهر نحو ـ إن ربي غني كريم ـ والإكرام والتكريم أن يوصل إلى الإنسان إكرام أي نفع لا يلحقه فيه غضاضة ، أو جعل ما يوصل إليه شريفا كريما وقوله : ذو الجلال والإكرام منطو على المعنيين ، انتهى وقيل : الجلال إشارة إلى الصفات السلبية والإكرام

٢١٦

(باب)

(القول عند الإصباح والإمساء)

١ ـ علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عن غالب بن عبد الله ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قول الله تبارك وتعالى : « وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ » قال هو الدعاء قبل طلوع الشمس وقبل غروبها وهي ساعة إجابة.

______________________________________________________

إلى الصفات الكمالية الذاتية الوجودية.

باب القول عند الإصباح والإمساء

الحديث الأول : مجهول.

والآية في سورة الرعد هكذا ( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ ) (١) وقال الطبرسي ( قدس‌سره ) : « مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » يعني الملائكة وسائر المكلفين « طَوْعاً وَكَرْهاً » اختلف في معناه علي قولين :

أحدهما : أن معناه أنه يجب السجود لله تعالى إلا أن المؤمن يسجد له طوعا ، والكافر يسجد له كرها بالسيف ، عن الحسن ، وقتادة ، وابن زيد.

والثاني : أن المعنى لله يخضع من في السماوات والأرض إلا أن المؤمن يخضع له طوعا ، والكافر يسجد له كرها لأنه لا يمكنه أن يمتنع عن الخضوع لله تعالى لما يحل به من الآلام والأسقام عن الجبائي « وَظِلالُهُمْ » أي ويسجد ظلالهم لله « بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ » أي العشيات ، قيل : المراد بالظل الشخص فإن من يسجد يسجد معه ظله ، قال الحسن : يسجد ظل الكافر ولا يسجد الكافر ، ومعناه عند أهل التحقيق : أنه يسجد شخصه دون قلبه ، لأنه لا يريد بسجوده عبادة من حيث إنه يسجد للخوف ، وقيل : إن الظلال على ظاهرها والمعنى في سجودها تمايلها من جانب إلى جانب ، وانقيادها للتسخير بالطول والقصر.

__________________

(١) الرعد : ١٥.

٢١٧

.................................................................................................

______________________________________________________

وقال النيسابوري : إن كان السجود بمعنى وضع الجبهة فذلك ظاهر في المؤمنين لأنهم يسجدون له طوعا أي بسهولة ونشاط ، وكرها أي على تعب واصطبار ومجاهدة ، وأما في حق الكافرين فمشكل وتوجيهه أن يقال : المراد حق له أن يسجد لأجله جميع المكلفين من الملائكة والثقلين فعبر عن الوجوب بالوقوع وإن كان بمعنى الانقياد ، والخضوع ، والاعتراف بالإلهية ، وترك الامتناع عن نفوذ مشية فيهم فلا إشكال نظيره قوله : « وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ » وأما قوله « وَظِلالُهُمْ » فقد قال جمع من المفسرين كمجاهد ، والزجاج ، وابن الأنباري لا بعد في أن يخلق الله للظلال أفهاما تسجد بها الله وتخضع له كما جعل للجبال أفهاما حتى اشتغلت بتسبيحة ، وظل المؤمن يسجد لله طوعا ، وهو طائع وظل الكافر يسجد لغير الله كرها ويسجد لله طوعا ، وقال آخرون : المراد بسجود الظلال تقلصها وامتدادها حسب ارتفاع الشمس وانحطاطها ، فهي منقادة مستسلمة لما أتاح الله لها في الأحوال ، وتخصيص الغدو والآصال بالذكر لغاية ظهورها وازديادها في الوقتين ، وقال : في التأويل ولله يسجد من في السماوات والأرض والملائكة بين أرواح الأنبياء والأولياء ، والصلحاء طوعا ، ومن أرواح الكافرين والمنافقين والشياطين كرها بالدليل والتسخير تحت الأحكام والتقدير ، وظلالهم أي نفوسهم ، فإن النفوس ظلال الأرواح وليس السجود من شأنها لأنها أمارة بالسوء إلا ما رحم الرب فإنها تسجد بتبعية الأرواح ( معنى آخر ) ولله يسجد من في سماوات القلوب من صفات القلوب والأرواح والعقول طوعا ، ومن في أرض النفس من صفات النفس والقوي الحيوانية والسبعية والشيطانية كرها ، وظلالهم وهي آثارها ونتائجها. ( آخر ) ولله يسجد الأرواح في الحقيقة وظلالهم وهي أجسادهم بالتبعية وهذا السجود بمعنى وضع الجبهة وخص الوقتان بالذكر لأن آثار القدرة فيهما أكثر ، وإن أريد الانقياد والتسخير احتمل أن يراد بالوقتين وقت الانتباه والنوم ،

٢١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ففي الأول يطلع شمس الروح من أفق الجسد ، وفي الثاني تغرب فيه ، انتهى.

وقال الراغب : السجود أصله التطأمن والتذلل ، وجعل ذلك عبارة عن التذلل لله وعبادته وهو عام في الإنسان والحيوانات والجمادات وذلك ضربان ، سجود باختيار وليس ذلك إلا للإنسان وبه يستحق الثواب ، نحو قوله « فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا » أي تذللوا له ، وسجود بتسخير وهو للإنسان والحيوان والنبات وعلى ذلك قوله تعالى « وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ » وقوله تعالى « يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ » فهذا سجود تسخير ، وهو الدلالة الصامتة الناطقة المنبهة على كونها مخلوقة ، وأنها خلق فاعل حكيم ، وقوله تعالى « وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ » ينطوي على النوعين من السجود التسخير والاختيار ، وقوله تعالى « وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ » فذلك على سبيل التسخير وقال في الظل قوله تعالى « أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا » إلخ أي إنشاؤه ، يدل على وحدانية الله تعالى وينبئ عن حكمته ، وقوله عز وجل « وَلِلَّهِ يَسْجُدُ إلخ » قال الحسن أما ظلك فيسجد الله ، وأما أنت فتكفر به ، انتهى.

وأقول : يحتمل أن يكون المراد بالظلال عالم المثال ، أو عالم الأرواح سواء قيل بتجردها أم كونها أجساما لطيفة ، كما روي عن الصادق عليه‌السلام أن الله آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأجساد بألفي عام فلو قام قائمنا أهل البيت ورث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة ولم يورث الأخ في الولادة ، وروي أيضا أن الله خلق الخلق فخلق من أحب ، وكان ما أحب أن خلقه من طينة من النار ثم بعثهم في الظلال ، فقلت : وأي شيء الظلال ، فقال : ألم تر إلى فلك في الشمس شيء وليس بشيء ، ومثله في الأخبار كثير وقد مر شرحها فالمراد بالظلال أرواحهم أو أجسادهم المثالية ، أو أمثلتهم على القول بعالم المثال ، فكلما يصدر عن أجسادهم من السجود

٢١٩

٢ ـ عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال إن إبليس عليه لعائن الله يبث جنود الليل من حيث

______________________________________________________

وغيرها يصدر عن أمثلتهم فهي تابعة للأجساد في كل ما يصدر عن العباد.

ولنرجع إلى شرح هذا الخبر فنقول : كأنه عليه‌السلام فسر السجود بالخضوع والتذلل والانقياد والدعاء ، أعم من أن يكون بالمقال أو بلسان الحال ، فإنها كلها خاضعة له منقادة لمشيته وإرادته ، لا تقدر على الامتناع مما أراد منها ، وتسأله سبحانه عما تستعد له بلسان إمكانها وافتقارها فتستجاب لها كما قال سبحانه ( يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) (١) وقال تعالى ( وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ ) (٢) قيل أي بلسان استعداداتكم وقابلياتكم ، والمؤمنون يسألونه بلسان المقال أيضا ، وضمير هي راجع إلى كل واحد ، والتأنيث باعتبار الخبر ، وكونهما ساعتا إجابة ، لأنه يقدر ما يقع في كل من اليوم والليل في مفتتحهما « والغدو » بضمتين جمع الغدوة وهي البكرة ، أو ما بين صلاة الفجر وطلوع الشمس « والآصال » جميع الأصيل وهو ما بين صلاة العصر إلى الغروب.

الحديث الثاني : ضعيف.

« واللعائن » جمع لعان بالكسر كشمائل جمع شمال ، وفي القاموس : لعنه كمنعه طرده وأبعده ، فهو لعين وملعون ، والاسم اللعان « يبث جنود الليل » كان فيه حذفا ، أي وجنود النهار بقرينة السياق ، وفي بعض النسخ « جنوده » وهو أظهر ، ويؤيده ما رواه في الفقيه ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : إن إبليس إنما يبث جنود الليل ، من حين تغيب الشمس إلى مغيب الشفق ، ويبث جنود النهار ، من حين يطلع الفجر إلى مطلع الشمس ، وذكر أن نبي الله كان يقول : أكثروا ذكر الله إلى آخر الخبر.

__________________

(١) الرحمن : ٢٩.

(٢) إبراهيم : ٣٤.

٢٢٠